تستكمل هذه المقالة طرح نظرية مفادها أن "عروش آل فرعون" المدمرة موجودة في منطقة أسوان بمصر (التي يربطها الكاتب بأرض "سبأ"). يزعم الكاتب أن علم بناء هذه "العروش" - وهي منصات مراقبة متطورة - جاء إلى مصر عن طريق النبي يوسف عليه السلام، الذي تعلمه في "سبأ" بعد أن اشتراه رجل من هناك. ويفترض أن فرعون استخدم هذا العلم الموروث عندما أمر هامان ببناء "صرح" للاطلاع إلى إله موسى. المقالة تربط بين قصص يوسف وموسى وسليمان لتدعيم هذه الفكرة، معتمدة على تفسيرات خاصة للآيات القرآنية وصور لآثار مصرية قديمة.
زعمنا في نهاية الجزء السابق من هذه المقالة بأن عروش آل فرعون التي دمرت بعد أن نزل العقاب الإلهي بهم موجودة في الأهرامات المصرية، وبعثنا برسالة استعانة إلى صديقنا عالم الآثار المصرية عصام درويش للبحث عنها، ولكن جاءنا الخبر سريعا من عنده على غير ما ظننا، فقد أكد لنا أن الأهرامات نفسها تخلو من مثل تلك العروش، ولكنه بعث لنا في الوقت ذاته بالصور التالية التي تبين (نحن نزعم الظن) بقايا تلك العروش من أرض مصر الخالدة:
وسنحاول في هذه المقالة تقديم افتراءات هي من عند أنفسنا للترويج للفكرة التالية: أن هذه البلاد هي الأرض التي بنيت فيها العروش، وهي التي جاء منها ذلك العلم الذي مكن فرعون من الاطلاع إلى إله موسى:
هذه تساؤلات سنحاول أن نقحم أنفسنا فيها في هذا الجزء الجديد من المقالة، سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا فلا نكون من الذي يفترون عليه الكذب ليضلوا الناس بغير علم، وأعوذ بك ربي أن أكون من القوم الظالمين - آمين.
أما بعد،
للخوض في هذا الموضوع وجدنا لزاما علينا أن نجلب بداية بعض الافتراءات ذات العلاقة بالموضوع قيد البحث هنا والتي وردت في مقالات سابقة لنا، وهي على وجه التحديد: قصة يوسف، قصة موسى وقصة سليمان. لذا ربما يكون من المفيد لمن أراد أن يتبين وجاهة ما نطرح أن يقرأ (وربما أن يعيد قراءة) ما افتريناه من عند أنفسنا في تلك المقالات السابقة، وسنحاول إعادة تسطير الخطوط العريضة ذات العلاقة التي وردت في تلك القصص، ثم ننطلق من هناك إلى تقديم تصورنا المفترى الجديد لهذه العروش التي دمرت في أرض مصر بعد هلاك فرعون وآله.
استرجاع من قصص سابقة
من قصة يوسف
ما أن مكّن الله ليوسف في أرض مصر بعد أن كلّم الملك:
فسار يوسف في رحلته هذه على خطى جده الأول إبراهيم الذي انطلق إلى أرض مصر (نحن نفتري القول) بعد حادثة النار، فحط به الترحال عند الذي آتاه الله الملك فحاج إبراهيم في ربه:
وكذلك انتهت الرحلة بيوسف في بيت ملوك مصر ، وهم كما افترينا في تلك القصة من سلالة ذاك الذي آتاه الله الملك وحاج إبراهيم في ربه، فأصبح يوسف يعمل في بيت تلك المرأة (امرأة العزيز)، فحصلت القصة برمتها هناك:
حتى كان يوسف هو من يستطيع أن يؤولها فقط في أرض مصر مستعينا بالعلم الذي جاء به من عند أبيه يعقوب، فيعقوب هو من قص يوسف عليه رؤياه الأولى، وطلب منه أن لا يقصص رؤياه على إخوته لأنهم ببساطة سيستطيعون تأويلها، فكان علم تأويل الرؤيا (نحن نظن) موروثا في بيت النبوة وذلك لأن جدهم الأول إبراهيم هو أول من أوّل رويا المنام:
نتيجة: أصبح يوسف ذا علم آخر، فتميز يوسف عن والده يعقوب وعن باقي إخوته، فكانت تلك نعمة الله التي أتمها على يوسف كما أتمها على أبويه من قبل إبراهيم وإسحق ولم يتمها على يعقوب وبنيه الآخرين:
فلم يكن علم تأويل الأحاديث بحوزة أبيه يعقوب، فكان يعقوب ذا علم، وأصبح يوسف ذا علم وذا عليم، أي عليم.
أب يوسف الأول وهو يعقوب كان ذا علم (تأويل الرؤيا)
أب يوسف الثاني وهو ...... كان ذا علم (تأويل الأحاديث)
يوسف ذا علم (تأويل الرؤيا) + ذا علم (تأويل الأحاديث) = عليم
وقد كان حصول يوسف على هذا العلم (في ظننا) أحد أهم الأسباب التي دعت به للخروج من بيت أبيه الأول يعقوب، فقد طُرح يوسف أرضا (أي أخرج من بلاده الأولى إلى المنفى) لكي يتلقى علم تأويل الأحاديث الذي لم يكن متوافرا عند يعقوب نفسه، فيكون في ذلك تمام نعمة الله عليه. الأمر الذي لم يكن بحسبان إخوته الذين كادوا به:
فوجد يوسف في بيت الرجل الذي اشتراه من مصر العلم الذي لم يكن متوافرا في بيت أبيه يعقوب، وهو علم تأويل الأحاديث، فما أن بلغ أشده حتى كان الله قد آتاه حكما وعلما:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٢٢﴾
سورة يوسف
وقد افترينا القول في سلسلة مقالاتنا تحت عنوان قصة يوسف أن علم تأويل الأحاديث هو الإخبار المسبق عن الأحداث التي وقعت قبل وصول خبرها، فيوسف كان يعلم الطعام القادم إلى صاحبيه السجن قبل أن يأتيهما، وكذلك أخبرهما بالحكم الصادر في المحكمة بحقهما قبل أن يأتيهما الخبر، وهكذا:
وقد زعمنا أن يوسف كان يستطيع ذلك بما يملك من علم تأويل الأحاديث المستند كليا على وجود العرش، أي شاشة المراقبة عن بعد. (للتفصيل انظر مقالتنا: ما دلّهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته: باب العرش).
وربما يدل على ذلك أيضا ما فعله يوسف عندما دخل عليه أبواه مصر، فقد رفعهما الاثنين على العرش ولكنه طلب من واحد منهم فقط (وهو يعقوب) أن ينظر فيه:
وذلك لأن أباه الأخر كان يملك هذا العلم، فهو أصلا من تعلم يوسف هذا العلم على يديه. وسنحاول عند متابعة حديثنا في سلسلة مقالتنا عن قصة يوسف التعرض لشخصية هذا الرجل، سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا وأن يعلمنا ما لم نكن نعلم، إنه هو الواسع العليم – آمين.
باب العرش: يعرشون
بعد هذا السرد لأحداث قصة يوسف (كما نتخيلها قد حصلت على أرض الواقع)، فإننا نفتري القول إذن بأن علم العرش كان متوافرا عند يوسف، فأصبح ذلك معروفا في أرض مصر، فأخذ بنو إسرائيل عندما استتب لهم الأمر في أرض مصر هذا العلم عن يوسف، فأصبحوا قادرين عليه، فكانوا يعرشون، أي يستطيعون بناء عروش تمكنهم من معرفة ما يجري حولهم، وبالتالي مراقبة الأمر عن بعد، كما كانت تفعل تلك المرأة التي كان تملك قومها بسبب ذلك العرش الخاص بها:
السؤال: أين كان هذا الرجل الذي اشترى يوسف من سوق مصر يسكن؟ وأين كانت أرضه التي أخذ يوسف معه إليها وحصل ليوسف فيها التمكين الأول؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري القول بأنه كان يسكن في أرض تقع إلى الجنوب من أرض مصر
لتصبح خارطة رحلة يوسف على النحو التالي:
يعيش يوسف في بيت والده يعقوب في البدو، وهي المنطقة التي زعمنا أنها أرض بئر السبع في صحراء النقب. الواقعة على الأطراف الشمالية لأرض مصر التاريخية. يُطرح يوسف أرضا على يد إخوته هناك، فيلتقطه بعض السيارة، ويذهبون به جنوبا إلى سوق مصر، وهناك يعرضوه للبيع، لم يجدوا من يريد شراء هذا الغلام لما أصابه (نحن نتخيل) من تعب وضعف في جسده جراء عناء الرحلة، فكان الجميع فيه من الزاهدين بمن فيهم أولئك الذين وجدوه في غيابة الجب واستبشروا به وأسروه بضاعة:
وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴿١٩﴾
سورة يوسف
ما أن كان السوق حينها على انقضاء (نحن نتخيل) حتى جاء من بعيد رجل يظهر عليه علامات السفر قادما من الجنوب، وما رأى يوسف حتى عرفه، واشتراه من الذين كانوا فيه من الزاهدين بثمن بخس دراهم معدودة:
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ﴿٢٠﴾
سورة يوسف
رجع هذا الرجل بيوسف إلى بلاده متجها جنوبا، ومبتعدا بيوسف أكثر عن بلاده الأصلية، وما أن أوصل هناك حتى دخل بيته وعرف امرأته عليه طالبا في الوقت نفسه منها أن تكرمه:
نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: تربى يوسف في بيت الذي اشتراه من مصر في بلاد تقع إلى الجنوب من أرض مصر التاريخية، فأين هي تلك البلاد؟
رأينا: إنها ما يعرف اليوم بمنطقة أسوان ذات العروش المدمرة والتي تبعد ما يزيد عن ستمائة كيلومترا إلى الجنوب من أهرامات الجيزة، والتي جاءتنا بعض صورها من الأخ عصام درويش كهذه مثلا:
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
A dramatic, low-angle shot of the Avenue of Sphinxes leading to the Karnak Temple in Aswan, Egypt. The ram-headed sphinxes are lined up, creating a powerful vanishing point towards the temple entrance. The stone is weathered and ancient. The sky is a deep blue just after sunset, with warm light still illuminating the structures.
ولكي يستجلي القارئ الكريم صور تلك المنطقة بآثارها الخالدة، فعليه أن يفتح الرابط التالي:
وسنحاول (إن أذن الله لنا الإحاطة بشيء من علمه) أن نتحدث عن كيفية حصول تلك المرأة على عرش عظيم عندما نتابع (بحول الله وتوفيقه) حديثنا المفترى في مقالتنا عن قصة سليمان تحت عنوان ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته. فالله وحده أسأل أن ينفذ أمره بمشيئته وإرادته لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لأحد من بعدي إنه هو العليم الحكيم – آمين).
إن ما يهمنا قوله هو الافتراء التالي: لقد جاء يوسف إلى أرض مصر يحمل في جعبته علما تعلمه من تلك البلاد التي حصل له فيا التمكين الأول:
فأصبح هذا العلم متوافرا في أرض مصر منذ قدوم يوسف به إليها من أرض سبأ.
ومن أراد المجادلة، فعليه بأخينا عصام درويش الذي بعث لنا بالرسومات التالية:
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
A detailed photograph of a large, ancient Egyptian papyrus scroll or wall carving showing complex astronomical charts and symbols. The imagery should suggest advanced knowledge of celestial bodies, star maps, and possibly technological diagrams, all rendered in the classic Egyptian art style. The colors are faded ochre, black, and blue.
فهم الأقدر على تفكيك هذه الرمز الأثرية الخالدة، التي لازالت (نحن نفتري القول) شاهدة على ما حصل حينئذ.
عودة على بدء
ما أن هلك يوسف في أرض مصر حتى دب الخلاف بين بني إسرائيل أنفسهم:
فاستغل أهل مصر الأصليين هذا الخلاف في بني إسرائيل، فاستطاعوا أن يستعيدوا ملك مصر من أيدي بني إسرائيل، فقامت ثورة المصرين (نحن نتخيل) ضد بني إسرائيل الذين جاءوا هذه البلاد (أي مصر) من البدو أصلا:
فتغير نظام الحكم (نحن لا زلنا نتخيل) من النظام الملكي الذي يؤيده بنو إسرائيل إلى النظام الفرعوني الذي يؤيده المصريون أصحاب البلد الأصليين، فأصبح حكام مصر منذ تلك اللحظة يعرفون بالفراعنة بدلا من الملوك، فتغير اللفظ من الملك في قصة يوسف:
ما أن ولد موسى حتى كان الله قد توفى والده بالموت (ربما على أيدي آل فرعون، وسنتحدث عن ذلك بحول الله وتوفيقه عند متابعة افتراءاتنا عن الموضوع في مقالتنا تحت عنوان قصة موسى، فالله وحده نسأل أن يعلمنا ما لم نكن نعلم - آمين). فنشأ موسى يتيم الأب، لا يجد حوله من يسانده إلا أمه التي ولدته وأخته التي تكبره في السن والتي ذهبت تقص أثره عندما ألقته أمه في اليم:
وما أن انتهت فترة رضاعته (بعد تمام الحولين كاملين) حتى خافت عليه من أن يظهر عليه آل فرعون، فجاءها الوحي الإلهي بأن تلقي بمولودها في التابوت فتلقيه في اليم وأن الله لا محالة راده إليها:
(وسنتحدث عن طبيعة الوحي الخاص بأم موسى لاحقا في سلسلة مقالتنا عن قصة موسى بإذن الله وتوفيقه، فالله أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن ينفذ أمره بمشيئته وإرادته لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لأحد من بعدي – آمين).
ولكن وجود موسى في ذلك التابوت قد ألقى عليه محبة من ربه، فكان موسى في ذلك التابوت يصنع على عين الله:
وكان السبب من وراء قولها هذا لزوجها بهذه الطريقة السرية هو أن زوجها (فرعون) لم يكن (نحن نكاد نجزم الظن) يستطيع على الإنجاب لعجز جنسي عنده لا يعلمه غيره إلا الله وزوجته التي طلبت منه الإبقاء على حياة هذا المولود من بني إسرائيل، فجاء قولها في حالة أن من حولها لم يكونوا ليشعروا بما قالت لزوجها:
... وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾
سورة القصص
فكان قولها لزوجها على انفراد بينهما حتى لا يعلم الآخرون بما قالت المرأة لزوجها فيفتضح فرعون في واحدة من أسرار هذا المتكبر (وهو عدم قدرة فرعون على ممارسة الجنس الطبيعي مع زوجته حتى جرت المرأة بعمله معها وفضلت الموت على الحياة مع هذا الطاغية:
(للتفصيل حول عمل فرعون الذي طلبت امرأته النجاة منه انظر مقالتنا تحت عنوان: من هي زوجة موسى؟)
فسكت فرعون وألجم، فما استطاع أن يرد طلب زوجته هذا خوفا من أن يفتضح أمره، فتربى موسى سنين من عمره في آل فرعون (وليس في بيت فرعون نفسه كما قد يظن الكثيرون) كما جاء على لسان فرعون نفسه:
عندما كبر موسى (كـ إسرائيلي) في بيت من بيوت آل فرعون، ورأى بأم عينه ما حل ببني إسرائيل على يد الفراعنة، انحاز موسى إلى شيعته في شكواهم ضد فرعون، فناصب موسى هذا الفرعون العداء، فكان في شيعة غير شيعة فرعون:
حتى وجد موسى نفسه لا يستطيع أن يواجه هذا الطاغية مواجهة مباشرة لعدم تكافئ القوة بين الطرفين، فقدْ فَقَدَ موسى أكبر مناصر له ومدافع عنه في البلاط الفرعوني وهي المرأة التي أحبته ورغبت أن يكون لها ولدا:
لذا عندما توفاها الله بالموت، لم يجد موسى (نحن نتخيل) مناصا من الهرب من مصر، فكان خروجه الأول متجها شمالا إلى الأرض المقدسة، وهناك آتاه الله حكما وعلما بعد أن بلغ أشده واستوى:
فأصبحت المدينة كلها في غفلة لأن هذا الفرعون (عدو الله وعدو موسى) لم يكن له ولد يرثه في الحكم، فأصبحت مرحلة انتقال السلطة إلى فرعون جديد مرحلة حرجة في تاريخ مصر، فبقيت المدينة في غفلة حينا من الزمن، وذلك للفراغ السياسي الذي أحدثه موت هذا الفرعون الذي لم يكن له وريث يخلفه في الحكم:
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ...
سورة القصص
في هذه الأثناء بدأ المستعبدون في الأرض من بني إسرائيل ما يشبه التمرد على الوضع القائم. عندها دخل موسى المدينة في تلك اللحظة ليساند شيعته (بني إسرائيل) الذين بدءوا ما يشبه الثورة ضد النظام الفرعوني، فحصلت الحادثة الشهيرة التي قتل فيها موسى رجلا من عدوه مساندا الذي استغاثه من شيعته:
وانتهت ثورة بني إسرائيل الجديدة بخروج موسى واعتلاء فرعون جديد سدة الحكم. وقد كان هذا الفرعون الجديد رجلا صاحب حنكة ودهاء، والأهم من هذا كله أنه كان رجلا صاحب علم عظيم (وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا بحول الله وتوفيقه، إن شاء إنه هو السميع العليم).
لما قضى موسى الأجل في مدين، سار بأهله متوجها مرة أخرى إلى الأرض المقدسة التي عاش فيها فترة من الزمن والتي آتاه الله حكما وعلما فيها حتى وصل إلى الواد المقدس وآنس من جانب الطور نارا:
قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ﴿١٥﴾
سورة الشعراء
قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴿٤٦﴾
سورة طه
بقي الرجل الذي كفل موسى بالزواج من أم موسى مؤثرا أن لا ينكشف أمره، فبقي مجهول الهوية (الاسم) رغبة منه في المحافظة على موسى. كانت أم موسى قد أنجبت من هذا الرجل غلاما آخر هو هارون، الأخ غير الشقيق لموسى (أي ابن أمه):
بقي هذا الرجل الذي كفل موسى يكتم إيمانه حتى تلك الساعة التي تغلب فيها موسى ومن معه على فرعون وملئه بعد حادثة قهر عصا موسى لحبال وعصي السحرة في يوم الزينة:
فكان هذا الرجل (نحن نفتري الظن مما فهمناه من قوله هذا) يعلم علما لا يمكن أن يكون إلا لمن كان رسولا (أو نبيا). فتحدث عن ما حلّ بالقرون الأولى، وحذر القوم من الآخرة ومن سوء العاقبة، وتنبأ لهم بوقوع العذاب الرباني عليهم:
فكان هو (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) نبي الله ذا الكفل، الذي صبر على الأذى من أهله:
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ ﴿٨٥﴾
سورة الأنبياء
ولما وجد فرعون قصورا في حجته مقابل ما قدّمه موسى من الآيات البينات، ولما وجد أن موسى قد سحب البساط من تحت قدمه، ثار حنقه، فلم يستطع أن يكتم غيظ قلبه القديم من موسى ومن معه كما جاء في رسالته إلى السحرة:
فما تردد هامان في تنفيذ طلب فرعون، وذلك لأننا نظن أنه لمّا كانت مهنة التعريش (أي بناء العروش) مستندة على علم يعلمه الملأ حينئذ كبقية من علم يوسف في أرض مصر والذي جلبه معه من سبأ، كان هامان يدرك ما سيفعل. فقام (نحن نتخيل) على الفور ببناء عرش في أعلى ذلك الصرح الذي صعده فرعون ليطلع من خلاله إلى إله موسى. فكانت تلك العروش هي منصات مراقبة للسماء (أي ما يشبه وكالة ناسا الفضائية الأمريكية في الوقت الحاضر).
صعد فرعون فوق ذلك الصرح الذي بناه له هامان، وما أن نظر في ذلك العرش حتى وجد خريطة السماء أمامه واضحة تدلّه إلى إله موسى، عندها أدرك فرعون صدق دعوة موسى وكذب ما كان يكيد. فما أذهب كيده هذا ما كان يغيظ في قلبه:
نتيجة مفتراة: أصبحت صنعة بناء العروش (وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) علما وافرا في أرض مصر زمن الفراعنة متوارثة من علم يوسف الذي تعلمه في سبأ على يد الذي اشتراه من مصر، ومن هنا نحن نظن جاء طلب فرعون من هامان أن يبني له صرحا (كعرش) ليطلع من خلاله إلى إله موسى.
السؤال: أين ذهب ذلك العلم؟ وأين الدليل أو البرهان على ذلك؟
رأينا: لمّا كان الله قد دمّر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ)، فلن نتوقع إذن أن نجد أثارة من علم تدلنا على ذلك كله، ولكن من الممكن (نحن نتخيل) أن نجد بقايا ذلك الدمار. أي بقايا تلك العروش المدمرة.
ألم يثق فرعون بعلم العرش الذي مكنه من الاطلاع على إله موسى؟
وكيف فعل ذلك؟
الخ
هذا ما سنتناوله (إن أذن الله لنا بشيء من علمه فيه) في الجزء القادم من المقالة، سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا وأن يعلمنا ما لم نكن نعلم، وأن يجعل فضله وحده علينا عظيما. وأعوذ به أن نفتري عليه الكذب أو أن نقول عليه ما ليس لنا بحق، إنه هو السميع العليم – آمين.
المدّكرون: رشيد الجراح، عصام درويش، علي محمود سالم الشرمان
📖 شروط قراءة المقالات:
❌ المقالة ليست فتوى.
💭 هي رأي فكري شخصي قابل للخطأ والصواب.
📝 يُمنع تلخيصها أو إعادة صياغتها.
📚 يُسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر وعدم تحريف المعنى.
⚖️ لا يحق مقاضاة الكاتب بسبب اختلاف الآراء.