ماذا ستفعل النساء في الجنة؟ الجزء الثاني

 

ماذا ستفعل النساء في الجنة؟ – الجزء الثاني

خلصنا في الجزء الأول من هذه المقالة إلى مجموعة من الافتراءات ذات العلاقة بالتزاوج، فكان منها ما هو متعلق بالحياة الدنيا، وكان منها ما هو متعلق بالحياة الأخرى. أما ما يتعلق بالحياة الدنيا، فنذكر منها:

-          مفردة الزوج تدل على شخص واحد

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)

-          الحياة في الدنيا مبنية على الزوجية الثنائية (أي الزوجين):

وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)

وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

-          حتى الليل والنهار زوجين (فالنهار زوج والليل زوج)، والعلاقة بينهما الغشي كما العلاقة بين الذكر والأنثى:

-          هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)

-          التزاوج يكون بين الذكر والأنثى

وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (45)

وأما ما هو متعلق بالحياة الأخرى، فنذكر منها:

-          قبل الحساب يتم التزاوج:

وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)

-          الدخول في النار يكون بالتزاوج (والقرين في النار)

-          الدخول في الجنة يكون بالتزاوج (والقرين في النار)

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)

-          بعد الدخول في الجنة يصبح هناك تحبير

الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)

-          يكون التحبير بذهاب الأعضاء التناسلية

-          الأزواج في الجنة مطهرة، لذا لا حيض:

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)

-          يتنعم الأزواج كلهم بالأساور والحلي، ويلبسون الثياب من السندس والاستبرق، ويصبح ذلك مقبولا للزوجين:

أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ  (23)

جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ     (33)

عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا    (21)

-          يحصل بعد ذلك تزاوج داخل الجنة (في الروضة) بين الزوجين من جهة والحور العين من جهة أخرى

كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ  (54)

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)

-           فيصيح هناك أزواجا ثلاثة (الزوجين + الحور = أزواجا ثلاثة).

وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)

-          تكون العلاقة بين الأزواج الثلاثة ليست علاقة جنسية بالمفهوم الدنيوي وإنما علاقة حميمية بالمفهوم الأخروي. وهذا ما سنحاول الخوض فيه في هذا الجزء من المقالة

-          الخ

أما بعد

السؤال الرئيس هو: ما هي (هو) الحور العين؟

رأينا المفترى: للإجابة على هذا السؤال، نجد لزاما (كالعادة) ـ أن نبحر عكس التيار، فلن نحاول إذا أن نتبنى أيّا من الأفكار السائدة أو حتى محاولة تهذيب بعضها لتتلاءم مع تصوراتنا للقضية قيد البحث. ولكننا سننطلق باتجاه معاكس تماما. فإذا كانت تلك الأفهام قد سارت كلها غربا باتجاه العملية الجنسية المعروفة، فإننا سننطلق شرقا حيث لا جنس فيها ولا ما يمكن أن يشبهه. فليس للحور العين – نحن نفتري الظن من عند أنفسنا (ربما مخطئين) – علاقة بالعملية الجنسية بين الذكر والأنثى المعروفة في الحياة الدنيا. لكن قبل أن نقدم تفصيل رأينا هذا، دعنا نقدم لكم ابتداء الكيفية التي نسلكها بالتجديف عكس التيار. وذلك بتقديم مثال نوضح من خلاله الحاجة إلى مثل هذه الجرأة في معاكسة الرأي السائد، والمثال الذي سنقدمه للتدليل على موقفنا في معاكسة التيار السائد يأتي من التطبيق العملي لواحدة من الشعائر التي يقوم بها المسلم في الصلاة، وهي شعيرة التيمم.

لنطرح التساؤل التالي: ما هو التيمم؟

رأينا: عندما يراجع أحد منا ما جاءنا من عند أهل العلم عن الآيات الكريمة التالية:

-          يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)

-          يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)

سيجد على الفور بأن التطبيق العملي لهذه الشعيرة يكون على نحو ما جاءنا في شروحات هذه الآيات الكريمة في بطون أمهات كتب التفسير، وعلى ألسنة أهل الدراية والرواية من أهل العلم، وملخص ذلك كله هو أن يقصد المصلي (في حالة التعذر للوصول إلى الماء) إلى لمس التراب الطاهر، فيمسح بيدية وبوجهه منه، أليس كذلك؟

نتيجة مهمة: يكون التيمم – كما يعرفه المسلمون أجمعون - على نحو أن بضرب الشخص المتيمم الكفين بالتراب، ومن ثم يمسح اليدين والوجه به.

لكن دعنا نتوقف هنا لنطرح التساؤل التالي: هل هكذا هو التيمم فعلا؟ وبكلمات أخرى نحن نسأل: هل فعلا يكون التيمم بمس التراب ومسح اليدين والوجه به كما يطبقه عامة المسلمين في حالة عدم الوصول إلى الماء؟

رأينا المفترى: كلا، وألف كلا.

السؤال: ما هو التيمم إذا؟ يسأل صاحبنا مستغربا.

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن التيمم هو تماما عكس ما يطبّقه المسلمون، وذلك لأنه يتم (نحن نفتري الظن) بنفض (إزالة) التراب المتواجد على اليدين والوجهين، وكفى.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نعتقد جازمين بأن التيمم هو إزالة طبقة التراب الخفيفة الموجودة على اليدين والكفين، وذلك بنفض الغبار المتواجد عليهما من ذي قبل، وليس بمسحهما به. وبكلمات بسيطة إنه فعل إزالة وليس فعل اكساب.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن كل ما يحتاجه المتيمم (الذي لم يجد الماء) هو نفض الغبار المتواجد على الوجه واليدين دون الحاجة لمسحهما بالتراب بعد ضربه باليدين كما هي العادة عندهم

الدليل

لو تفقدنا النص القرآني على مساحته، لوجدنا أن مفردة التيمم قد وردت في الآيات الكريمة التالية، الخاصة بفعل الصلاة:

-          يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)

-          يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)

كما نجدها قد وردت في الآية الكريمة التالية الخاصة بفعل الإنفاق:

-          يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)

لنطرح على الفور العلاقة بين التيمم للصلاة في حالة تعذر الوصول للماء مع التيمم في الإنفاق. فتكون التساؤلات الأولية التي يجب طرحها على الفور هي:

-          ما هي كيفية التيمم في الصلاة؟

-          ما هي كيفية التيمم في الإنفاق؟

-          لماذا جاء الأمر الإلهي بالتيمم في حالة تعذر الوصول إلى الماء؟

-          لماذا جاء النهي الإلهي بأن لا نتيمم الخبيث عند الإنفاق؟

-          ما هو التيمم أصلا؟

-          الخ.

جواب مفترى: لا شك – عندنا- بأن المنفق عندما يتيمم الخبيث لينفقه من ماله، فهو يعمد إلى فصل ما هو سيء (خبيث) عمّا هو طيب. ويكون دافعه في ذلك هو لينفق من الخبيث بدلا من الإنفاق من الطيب. فالتيمم إذا يحمل في ثناياه التخلص مما هو سيء من بين ما هو طيب.

نتيجة مفتراة 1: نحن نظن أن التيمم يحمل في ثناياه الفصل بين ما هو خبيث عما هو طيب

السؤال: كيف يمكن أن نطبق مثل هذا الفهم في حالة التيمم للصلاة (أي عند تعذر الوصول للماء)؟

رأينا المفترى: نحن نعلم أننا نستخدم الماء لإزالة ما علق بأعضاء الوضوء في حالة اسباغ الماء عليها. لذا، فالماء يقوم بإزالة تلك الطبقة الخفيفة العالقة بأعضاء الوضوء. (للتفصيل أكثر حول هذه الجزئية ندعو القارئ الكريم – إن شاء- العودة إلى سلسلة مقالاتنا: لماذا نصلي خمس مرات في اليوم والليلة؟)

السؤال: ما الذي نفعله في حالة التعذر للوصول للماء؟

الجواب: التيمم

السؤال: ما هو التيمم؟

الجواب: إزالة تلك الطبقة الخفيفة العالقة بأعضاء الوضوء، وكفى.

نتيجة مفتراة: إذا نحن مطالبين أن ننفض الغبار العالق بأعضاء الوضوء في حالة تعذر إزالته بالماء.

نتيجة مفتراة خطيرة جدا (لا نطلب من الناس الأخذ بها ما لم يكن مقتنعا بها): التيمم هو نفض الغبار عن اليدين والوجه فقط.

ما أهمية هذا الكلام: إنها الصورة المعاكسة تماما لما قاله لنا أهل العلم، فبدل من وضع طبقة خفيفة من التراب على الوجه والكفين بالتيمم كما وردنا من عند أهل العلم، نحن نفهم أن التيمم هو العمل على إزالة تلك الطبقة (مهما كان حجمها) دون الحاجة إلى مس التراب اطلاقا، بل بنفضه عن الوجه واليدين فقط. فإذا ما كنت متواجدا في مكان لا ماء فيه، وأردت التيمم، فكل ما عليك فعله هو أن تنفض التراب العالق على الوجه واليدين دون مس التراب ابدا. أليست تلك صورة معاكسة تماما لما ألفينا عليه آباءنا؟ من يدري؟!

إذن، من أراد أن يتقدم معنا في النقاش عن الحور العين، عليه أن يجدّف بعيدا عمّا ألفى عليه آباءه الأولين، فلربما يسمع كلاما لم يعهده في الملة الآخرة.

أما بعد،

دعنا نبدأ النقاش في قضية الحور العين بالتساؤلات المثيرة التالية، التي ربما تبدو للوهلة الأولى غير ذات صلة بالموضوع قيد البحث:

-          لماذا كان آدم هو أب للخلق البشري جميعا؟

-          لماذا لا نجد في كتاب الله اسم زوج آدم؟

-          لماذا سجدت الملائكة لآدم ولم تسجد لزوجه؟

-          لماذا علّم الله آدم الأسماء كلها؟

-          هل علم الله زوج آدم تلك الأسماء؟

-          الخ.

السؤال الأول: لماذا آدم؟

لو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأن الله قد خلقنا جميعا، ثم صورنا جميعا، ثم طلب من الملائكة السجود لآدم:

-          وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11)

لذا، فإن خلقنا جميعا، وتصويرنا جميعا قد جاءا سابقين لسجود الملائكة لآدم. (للتفصيل حول هذه القضية، انظر عزيزي القارئ – إن شئت- مقالاتنا السابقة حول هذا الموضوع في أكثر من مكان)

والآن، إذا ما سلمنا بمثل هذا الافتراء (بأن خلقنا وتصويرنا قد جاءا سابقين لسجود الملائكة لآدم)، سيكون السؤال التالي المطروح على الفور هو: لماذا كان آدم  - على وجه التحديد - هو من طلب الله من الملائكة السجود له؟ فلماذا – نحن نسأل – لم يكن نوح أو إبراهيم أو موسى أو عيسى أم حتى محمد هو من طلب الله من الملائكة السجود له؟ ولم لم أكن أنا أو أنت هو من طلب الله من الملائكة السجود له؟ وهل لو كنت أنا أو أنت هو المسجود له من قِبَل الملائكة، هل كانت النتيجة ستختلف عما كانت عليه في حالة آدم؟ من يدري؟!!

رأينا المفترى: نحن نظن بأن الإجابة على هذه التساؤلات تكمن – برأينا- في كلمة واحدة، ألا وهي مفردة الاصطفاء. قال تعالى:

-          إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)

نتيجة مفتراة: كان أول من وقع عليه الاصطفاء الإلهي هو آدم

السؤال: إذا كان آدم هو أول من وقع عليه الاصطفاء الإلهي، فيبقى السؤال ذاته قائما، ألا وهو: لماذا وقع الاصطفاء الإلهي على آدم؟ لم لم يكن ذلك الاصطفاء من نصيب شخص ىخر غير آدم؟ فهل كان ذلك قرارا إلهيا حتميا كان من المستحيل تغييره؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن الاصطفاء لا يكون اختيارا، فهناك فرق في النص القرآني بين الاصطفاء من جهة والاختيار من جهة أخرى. ولو دققنا في قصة موسى، لوجدنا بأنه الرسول الوحيد الذي وقع عليه الاصطفاء كما وقع عليه الاختيار. قال تعالى:

-          وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ (13)

-          قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144)

لو تفقدنا مثل هذه السياقات القرآنية، لوجب علينا أن نطرح التساؤلات التالية:

-          ما معنى الاصطفاء؟

-          ما معنى الاختيار؟

-          ما الفرق بين الاصطفاء والاختيار؟

-          لماذا تم الاختيار والاصطفاء لموسى عل وجه التحديد؟

-          الخ

ومحرك هذه التساؤلات جميعا هو محاولة فهمنا للقضية قيد النقاش هنا، ألا وهي: لماذا كان الاصطفاء الأول لآدم على وجه التحديد؟

أما بعد،

تحدثنا في الجزء السادس من سلسلة مقالاتنا تحت عنوان "كيف تم خلق عيسى بن مريم؟" عن الفرق بين الاصطفاء من جهة والاختيار من جهة أخرى، وسنحاول هنا اعادة الخطوط العريضة في ذلك النقاش والتي لها علاقة مباشرة بالقضية قيد النقاش هنا، لكن من أراد التفصيل، فيستطيع – إن شاء- أن يرجع إلى تلك المقالات. فكان من جملة الافتراءات الأساسية التي قدمناها حينئذ ما يلي:

أولاً، الاصطفاء يحمل في ثناياه (نحن نرى) تحولا في الوضع الراهن، فما أن يتم اصطفاء إلهي حتى يكون هناك تغير جذري في الوضع الراهن حينئذ. فعندما تم اصطفاء آدم، تغير الوضع الذي كان سائدا حينئذ، فأصبح آدم (وذريته) هو الخليفة بعد أن كانت الخلافة للجن (ومنهم الملائكة) قبل ذلك.

ثانيا، الاصطفاء يمكن أن يسبب قلقاً (وعدم الرضا) عند الغير. فما أن تم اصطفاء آدم كخليفة حتى ظهرت علامات الغيرة (والحسد) عند الغير، فالملائكة لم يرضهم تمام الرضا اصطفاء آدم بأن يكون هو الخليفة، لذا ربما تحركت عندهم أمارات "الغيرة"، وحاولوا التنفيس عنها بقولهم:

-          وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)

وتحولت الغيرة إلى حسد واضح عند إبليس الذي رفض الانصياع للأمر الإلهي:

-          قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12)

وهذه النتيجة المصاحبة للاصطفاء (الغيرة وربما الحسد) تكررت في مواطن أخرى، فها هم الملأ من بني إسرائيل مثلاً يحتجون على اصطفاء الله طالوت عليهم ملكا وهم الذين قد طلبوا من نبيهم أن يبعث الله عليهم ملكا من ذي قبل:

-          أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)

ثالثاً، يمكن لمن تم اصطفاءه لمهمة ما أن يقدم نفسه لها أو أن يُقدم لها من قبل آخرين. فنحن نؤمن أن امرأت عمران – مثلا- قد قدمت ما في بطنها محررا لله

-          إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)

فكانت النتيجة أن تقبل ربها ما وضعت:

-          فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)

ونحن نؤمن أنه قد تم اصطفاء مريم من الله مباشرة مرة أخرى (انظر تكرار اللفظ في الآية الكريمة)

-          وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ (42)

نتيجة مفتراة: لقد تم اطصفاء مريم مرتين، فكانت المرة الأولى بما فعلته أمها (امرأت عمران)، لأنها هي من نذرت ما في بطنها محررا، فكان هذا الاصطفاء الأول لمريم، لكن كان هناك اصطفاء آخر لمريم بسبب مريم نفسها، فقد فعلت مريم ما يؤهلها لهذا الاصطفاء. (للتفصيل حول هذه القضية على وجه التحديد، انظر مقالاتنا السابقة، لأن الموضوع خطير جدا لا يحتمل ذكره على عجل).

رابعا: نحن نرى (ربما مخطئين) بإن من أراد أن يكون محلّ الاصطفاء، فعليه أن يقدم ما يؤهله لذلك الاصطفاء. فلو تفقدنا السياقات القرآنية التي تتحدث عن الاصطفاء الإلهي، لوجدنا بأن العلم (وميراث النبوة) كان مصاحباً على الدوام لهذا الاصطفاء. فعندما اصطفى الله آدم واحتجت الملائكة على ذلك جاء تبرير إلهي بذلك:

-          وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)

وكان ذلك على شكل علم أوكله الله لآدم ولم يكن لغيره

-          وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)

فأقرت الملائكة له بذلك عندما شعروا أن آدم يملك من المقومات ما ليس متوافرا عندهم:

-          قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)

وعندما احتج الملأ من بني إسرائيل على طالوت أن يكون عليهم ملكا، جاء التبرير (أو الحجة) على نحو أن الله قد زاده بسطة في العلم والجسم:

-          وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)

نتيجة مهمة جدا: نحن نظن أنه ما أن يتم الاصطفاء الإلهي حتى يكون هناك علم يكون من نصيب من تم اصطفاءه، وآية من آيات الله حاضرة بين يديه (للتفصيل انظر – إن شئت- مقالاتنا السابقة).  

خامسا: الاصطفاء لا يعني بالضرورة وجود منافس مواز على الدوام، بل تميز الشخص على جميع المتنافسين، فعندما جاء اصطفاء الله لآدم لم يكن هناك من استطاع منافسة (أو من هو مؤهل لينافس) آدم، ولا نظن أن هناك من كانت مؤهلة كمريم لشغل ذلك المنصب عندما تم اصطفاؤها، وهكذا.

 

أما الاختيار – بالمقابل- فهو يحمل في ثناياه جميع ما ذكرنا سابقا، ولكن يختلف بشيء واحد فقط، ألا وهو وجود المنافس الذي يكون لديه المؤهلات لذلك. فموسى إذا كان قد تم اصطفاؤه لأنه كان يحمل المؤهلات لذلك، ولكن كان هناك من ينافسه على ذلك الموقع الشاغر، فتم اختياره بعد أن تم اصطفاؤه. (للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا في قصة موسى).  

نتيجة مهمة جدا: نحن نفتري الظن بأن الاصطفاء يتم – لنقل - بفوز طرف بـ "المسابقة الشريفة" التي يحق للجميع الدخول فيها، فيكون من تم اصطفاؤه هو صاحب الحق الشرعي في تلك المكانة التي وصل إليها بمؤهلات استفاد منها بالشكل الأمثل.

مثال

لتقريب الصورة إلى الأذهان، تخيل عزيزي القارئ – إن شئت- ما يتم - مثلا - في مبارايات الكرة الرياضية. ألا تكون جميع الفرق مؤهلة للمنافسة في بداية الأمر؟ ألا يحق لكل فريق أن يدخل المنافسة إن وجد أنه قادر عليها ويملك مواصفات تجعله مشاركا حقيقيا فيها؟ لكن ألا تجد أنه ما أن تجري المسابقة حتى تبدأ عملية التصفية (الاصطفاء) التدريجية، فيخسر من يخسر، ويتأهل من يتأهل، حتى تنتهي المنافسة برمتها في نتيجتها النهائية بأن يكون واحد فقط من بين جميع المشاركين في "التصفيات" هو المؤهل الوحيد للفوز باللقب. فهذا هو – برأينا- الاصطفاء. أنها المنافسة العادلة التي تضمن وصول الشخص للمكان عن جدارة واستحقاق.

لكن لنتصور أنه قد وصل فريقان إلى النهائي، ولم يتم حسم المنافسة بينهما بأي وسيلة كانت، فما الذي يمكن فعله هنا؟ ألا يصبح لزاما أن نلجأ لعملية الاختيار التي قد لا تخلو من رأي صاحب القرار؟ (وهذا – برأينا- ما حدث في حالة موسى، لأسباب تعرضنا لها في مقالات أخرى. وندعو القارئ قبل الذهاب للبحث هناك أن يكون السؤال التالي هو محرك بحثه: لماذا كان موسى هو الرسول الوحيد الذي وقع عليه الاصطفاء والاختيار؟)

عودة على ذي بدء

دعنا نعود بمثل هذا الفهم المفترى إلى الآية الكريمة قيد النقاش:

-          إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)

السؤال مرة أخرى: لماذا كان آدم هو المصطفى الأول من بين جميع خلق الله؟ ما الذي حصل حينئذ؟

تخبلات مفتراة من عند أنفسنا: جاء خلق البشر كلهم دفعة واحدة، ثم تصويرهم، قبل سجود الملائكة لآدم:

-          وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11)

فدخل جميع الخلق (نحن لا زلنا نتخيل) في عملية الاصطفاء (التصفيات)، فكان لابد من وجود منافسة حقيقية يتساوى فيها الجميع بطريقة عادلة، وكان المؤهل للاصطفاء هو الذي يفوز بتلك المنافسة عن جدارة واستحقاق، وذلك – برأينا- لسببين اثنين، وهما:

1.        أن الله لا يظلم مثقال ذرة

إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)

إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)

2.        حتى لا يكون للناس حجة على الله

رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)

فالجميع كان أمامه الفرصة للفوز بالمنافسة ذاتها. لذا، كان من يفوز في تلك المنافسة (نحن لا زلنا نتخيل) هو المؤهل ليكون الخليفة الذي ستسجد له الملائكة، وبالتالي المؤهل للعلم الإلهي الأول الذي علمه لآدم، والأهم من هذا كله – برأينا- هو أنه سيكون المؤهل للسكن في الجنة. لتكون التساؤلات الآن هي:

-          ماذا كانت المنافسة التي دخلها كل البشر حينئذ؟

-          كيف فاز بها آدم من دونهم جميعا؟

-          ما علاقة ذلك بالسكن في الجنة أصلا؟

رأينا المفترى الخطير جدا (لا تصدقوه): إنها الزوج. انتهى.

نعم، لقد كانت المنافسة بين البشر جميعا حينئذ تتمثل في إيجاد الزوج. فكان على من يريد أن يفوز بالاصطفاء الإلهي أن يكون قادرا على أن يجد زوجه الذي خلقه الله من نفسه، ليكون بذلك مؤهلا للسكن في الجنة، فما استطاع أحد من البشر (نحن نتخيل) أن يصل إلى زوجه الذي خلقه الله من نفسه حينئذ إلا آدم، فكان هو أول المصطفين.

الدليل

لو تدبرنا قوله تعالى:

-          وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)

-          وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)

السؤال: متى تم خلقنا أزواجا؟ هل كان ذلك قبل أم بعد السجود لآدم؟

رأينا المفترى: لو دققنا في قصة آدم، لوجدنا بأن الله قد طلب من الملائكة السجود لآدم، وما أن سجد الملائكة لآدم وتخلف إبليس عن ركب الساجدين، حتى جاء الآمر الإلهي لآدم على النحو التالي:

-          وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)

-          وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)

السؤال: إذا كان الحديث حينئذ منصبا تماما عن آدم، وإذا كانت القصة كلها متعلقة بآدم، وإذا كان تعليم الأسماء حينها خاصا بآدم، فكيف (نحن نتساءل) يأتي الحديث بعد سجود الملائكة لآدم ليصور لنا وجود زوج آدم؟ فمن أين جاء(ت) زوج آدم؟ كيف تدخل (أو يدخل) زوج آدم المشهد هكذا دون سابق إنذار؟ من أين جاء(ت) زوج آدم في خضم تلك الأحداث المتتالية؟

رأينا المفترى: نعم عندما خلق الله البشر جميعا قبل مشهد السجود:

-          وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11)

خلق لهم جميعا من أنفسهم أزواجا:

-          وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)

وهناك جاء خلقنا – نحن نظن ربما مخطئين- أزواجا:

-          وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)

وكان من الاستحالة بمكان (نحن نفتري الظن) أن يتم دخول الجنة لأي شخص منا حينئذ إلا أن يجد ذلك الشخص زوجه الحقيقي الذي خلق من نفسه، فانطلقت (نحن لا زلنا نتخيل) المنافسة التي اشتركنا بها جميعا حينئذ، ليجد كل منا زوجه الحقيقي، فما استطاع أحد الوصول إلى زوجه الحقيقي إلا آدم، فكان أول الواصلين إلى الجنة للسكن فيها. (سناريو جميل، وخيال غير مسبوق، أليس كذلك؟ فليردها عليّ من يستطيع أن ينكر ذلك!)

أما بعد،

إن هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا (على علاّته) يحمل في ثناياه الظن بأن الدخول في الجنة لا يتم إلا بالتزاوج، أي أن يجد الزوج زوجه الذي خلق من نفسه. انتهى.

والآن، دعنا ننطلق بهذا الفهم المفترى من عند أنفسنا لمحاولة فهم الآية الكريمة التالي:

-          إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)

فالمدقق بهذا السياق القرآني سيجد أن تزويج النفوس سيأتي مع كل هذه الأحداث الكونية (الآيات) في ذلك الوقت. ليكون السؤال هو: ما أهمية تزويج النفوس في ذلك الوقت؟ هل نحن في حالة تسمح بهذا العمل؟ هل تزويج النفوس حينئذ من الكماليات أم من الضرورات؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن ذلك الفعل (تزويج النفوس) لا يقل أهمية عن الأحداث الكونية الأخرى المصاحبة ليوم الحساب (أو حتى السابقة له). فذلك إذا من الأفعال الضرورية، لأنها مقدمة لعملية الحساب في الآخرة. ليكون السؤال هو: لماذا؟ ما أهمية تزويج النفوس حينئذ؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن (ربما مخطئين) بأنه لن يتم الحساب، وبالتالي الدخول في الجنة أو في النار إلا بعد عملية التزاوج (تزاوج النفوس) أي أن ترجع كل زوج (انثى) للزوج (الذكر) الذي خلقت منه. وأن يجد كل زوج (ذكر) زوجه (الأنثى) التي خلقت منه، كما وجدها آدم من ذي قبل. انتهى. فلا وجود في الجنة إلا للأزواج، قال تعالى:

-          هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)

ولا تواجد في النار إلا للأزواج، قال تعالى

-          احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)

نتيجة مفتراة: كان آدم أول الداخلين في الجنة للسكن فيها لأنه استطاع أن يجد زوجه. وفي يوم الدين سيدخل الجنة من يجد زوجه كما سيدخل النار من سيجد زوجه، ويكون ذلك بعد تزويج النفوس.

 

وللحديث بقية بإذن الله

 

المدكرون: رشيد الجراح      محمد إبراهيم        علي الشرمان     زكريا مصباح    محمد مقدادي

 

بقلم: د. رشيد الجراح

20- آذار- 2021

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا على المجهود دكتور و لكن إن كان آدم حقا هو مصطفى منا فلماذا عندما أخطأ كان نصيبنا جميعا النزول إلى الأرض ؟ فإن نظرنا إلى الآية ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ) أي لا يمكن أن أحاسب على خطأ شخص آخر فإن أخطأ آدم و زوجه فما ذنب باقي البشر ليكون لهم نفس المصير ؟

    ردحذف