ماذا ستفعل النساء في الجنة؟ الجزء الأول


سألني صديقي العزيز "علي" سؤالاً كان يسبب لي على الدوام قلقاً معرفياً وهو: ماذا ستفعل نساؤنا في الجنة بوجود الحور العين التي يستطيع أن يتمتع الرجال بهن؟
هل ستجلس أمي إلى جانب زوجها لتشاهده يتمتع بالحور العين؟ وهل ستتحمل ذلك المنظر؟ أم هل ستكون موجودة في مكان آخر في الوقت الذي يقضي فيها زوجها أوقات ممتعة في صحبة الحور العين؟ وماذا ستفعل به حين يعود إليها وهي تعلم أنه قد قضى وقتاً ممتعاً مع غيرها؟ أم هل سيكون لها طريقتها الخاصة بالتمتع في الجنة تختلف عن طريقتها في الدنيا؟ أم هل ستجد في الجنة من يمتعها كما وجد زوجها من تمتعه؟ أم...؟ أم...؟



أسئلة كثيرة دارت في خلد صاحبنا فلم يسكت عليها، فطرحها عليّ ظاناّ أن عندي إجابات ربما تسكت قلقه ورغبته في المعرفة ولو فترة من الزمن؟
وكانت المفاجأة المعهودة التي تلقاها مني تتمثل في توصله إلى حقيقة بسيطة وهي: أني أكثر جهلاً منه؟ فكما تخالجه تلك الأسئلة فقد خالجتني منذ بلغت مبلغ الذكورة، وحاولت منذئذ أن أقنع نفسي بما توافر من إجابات عند أهل الدين، ولكن صاحبي أبى إلاّ أن يفكر بصوت مرتفع، فطرح الأسئلة من جديد، فلم أجد بداً من تصديق ظني بأن هناك من يخالجه مثل هذا التفكير، فلست أنا وحدي من يشكك بصحة طرح علمائنا الأجلاء. فكان الزعم الذي انطلقنا منه معاً يتمثل في ظننا أن ما هو موجود من إجابات حول هذه الأسئلة قد لا يرقى – في نظرنا- أن يكون علماً، فهو ليس أكثر من آراء تعكس فكر من ظنّوها صحيحة، وما دام الأمر كذلك، فقد اتفقت وصاحبي أن نخرّص ولكن على طريقتنا، محاولين – إن أذن الله لنا بشيء من علمه- فهم النصوص القرآنية التي ربما – من وجهة نظرنا - تتعلق بالسؤال المطروح حالياً وهو: ماذا ستفعل النساء في الجنة بوجود الحور العين؟
بادئ ذي بدء، أجد لزاماً - من باب رد الفضل إلى أصحابه- القول بأن التخريصات التي سنقدمها في هذا البحث ليست من بنات أفكاري وحدي، وإنما هي جهد مشترك مع صاحبي القديم  "علي"، فقد بذل فيها جهداً لا يقل فائدة (إن كان هناك أصلاً فائدة) عن ما بذلت أنا، لذا فاللهَ أسأل – إن كان في ذلك أجراً- أن يشطره بيننا. ولكن إن كان في ذلك وزرا، فأسأله جلّ وعلا أن يكون من نصيبي وحدي لأني عندئذ أكون أنا من أوقعته في فخ أفكاري اللعينة.
ونحن إذ نحاول الخوض في مثل هذه القضية لا ننسى أن نذكّر من يخالفنا الرأي (وهم لا شك كثيرون) أن الله قد حسم الأمر في منهجية الخلاف بين المتخاصمين في قوله تعالى:
قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ                          سبأ (25)
وفي الوقت ذاته لا ينقصنا الإيمان بأن الله مظهر الحق لا محالة، لأنّ الآية التي تلي ما سبق من قرآن هو قول الحق:
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ                  سبأ (26)
دعاء: اللهم نسألك أن تأذن لنا ولأبناء المسلمين بشي من علمك يبين لنا ما اختلفنا فيه.

أما بعد
السؤال: ماذا ستفعل النساء في الجنة؟
إن مجرد طرح هذا السؤال يجبرنا العودة إلى أساس الخلق لنفهم الفرق بين الذكر والأنثى، الذكر ممثلاً بآدم والأنثى ممثلة بزوج آدم وهي حواء (كما يرغب أهل الديانات السماوية أن يسموها). وهنا نجد لزاماً لفت انتباه القارئ الكريم إلى أننا لن نعود إلى طرح الأفكار التي قدمناها في مقالتنا السابقة تحت عنوان ثلاثية المرأة (جدلية الذكر والأنثى، زواج المتعة، وتعدد الزوجات)، فمن أراد أن يكلّف نفسه عناء القراءة بعد هذا السطر، فإننا نظن أن من المفيد مراجعة ما ورد في تلك المقالات السابقة.

كيف بدأ الخلق؟
مما لا شك فيه أن من أبجديات عقيدتنا أن أساس الخلق هي نفس واحدة خلقها الله بيديه
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ     الأنعام (98)
وهي تلك النفس التي رفض الشيطان السجود لها:
          قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ          ص (75)
ولكن المتدبر للآية قبل السابقة يجد أن الله قد أنشاء الخلق من تلك النفس إنشاء، وهنا تستوقفنا هذه المفردة لفهم كيفية ذلك الإنشاء، وكيف يمكن أن تختلف عملية الإنشاء التي وردت في الآية السابقة عن عملية الخلق التي ترد في قوله تعالى::
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)
أو عن عملية الجعل التي ترد في قوله تعالى:
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ                                    النحل (72)
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ                               الشورى (11)

نتيجة: هناك ثلاثة ألفاظ تناوبت في هذه السياقات القرآنية وهي: الخلق والجعل والإنشاء

عملية الإنشاء
تطرقنا في مقالات سابقة لنا إلى الفرق بين الخلق والجعل (انظر مقالتنا تحت عنوان مصادر التشريع في الإسلام)، لذا سنفرد مجالا أكبر من النقاش إلى مفردة الإنشاء، لنعود إلى مفردتي الخلق والجعل مرة أخرى متسلحين بفهمنا لهذه المفردة الجديدة)
أولاً، ربما نستطيع الزعم بأن عملية الإنشاء لا يترتب عليها اختلاف في الصنف، وقد يدعم مثل هذا الظن ما جاء في قوله تعالى:
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133)
فبالرغم أن الله أنشأنا من ذرية قوم آخرين إلا أننا لا نختلف عنهم في الصنف، فنحن بشر كما كانوا هم بشرا. ويؤكد ظننا هذا قول الحق:
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)
فلو كانت عملية الإنشاء بحد ذاتها ينتج عنها اختلاف في الصنف لما كان هناك داع لوجود عبارة "خلقاً آخر" مصاحبة لمفردة "أَنْشَأْنَاهُ". ولنتدبر المثال التالي:
          هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ                          الرعد (12)
فالسحاب ينشأ إنشاء لأنه –في رأينا- لا زال يحمل ذرات الماء التي نشأ منها.

ثانياً، نحن نزعم الفهم بأن الإنشاء هو عبارة عن تحول تراكمي تدريجي: أي تحول من حالة إلى حالة أكثر تقدماً ليس دفعة واحدة، وبكلمات أكثر دقة فإننا نظن  أن الإنشاء هو "جعل بطيء" لنفس الصنف:
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ                                                                    الأنعام (141)
فكما السحاب يتكون شيئاً فشيئاً، ينشئ الله أمماَ كثيرة بهذه الطريقة:
          وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ             الأنبياء (11)
وينطبق هذا على عملية التحول التي تحصل للجنين في بطن أمه:
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ                                        المؤمنون (14)
ونؤكد هنا مرة أخرى أن الإنشاء لا يعني تغيراً في الصنف، وإلاّ لأصبح من غير الضروري أن يقول الرحمن في كتابه " ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ، ولاكتفى بالقول ثم أنشأناه فتبارك الله أحسن الخالقين، فوجود عبارة " خَلْقًا آخَرَ" تدلنا على أن ذلك ليس جزءاً من معنى الإنشاء. ونزيد على ذلك بالقول أن عملية تكون الجنين في بطن أمه تستغرق تسعة أشهر (كما يتداول الناس بينهم من معرفة).

مقارنات
لو تدبرنا السياقات القرآنية التالية وعقدنا مقارنة بينها مركزين على التناوب في اللفظ بين أنشأ و جعل:
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ                                                                            النحل (78)
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ                                                                                                                 السجدة (9)
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ       الملك (23)
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ                   المؤمنون (78)
لخلصنا إلى النتيجة بأن السمع والأبصار والأفئدة جعلت وأنشئت، ولـربما فهمنا أن السمع والأبصار والأفئدة قد مرت بمرحلتين: مرحلة الجعل ومرحلة الإنشاء، وهذا يعني في فهمنا الحالي أنها (السمع والأبصار والأفئدة) جاءت دفعة واحدة بدليل وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، لأن مفردة الجعل كما سنرى لاحقاً قد تحصل دفعة واحدة، ولكن ما أن يجعلها الله كذلك حتى تبدأ عملية أخرى وهي عملية الإنشاء، أي التقدم التدريجي والنمو التدريجي بدليل: أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ.

عملية الخلق:
فالإنسان لم يكن في لحظة ما شيئاً مذكورا، فأصبح هناك عملية خلق وهو لم يكن شيئاً:
قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا                  مريم (9)
وهذا لا يعني أن الخلق يحصل دائماَ من العدم، فقد يكون الخلق من شيء آخر مختلفاً تماما كخلق الإنسان من طين مثلاً:
          وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)
أو خلقه من الماء المهين:
          أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21)
وبعد أن تم خلقه وأصبح شيئاً تمّ جعله سميعاً بصيرا:
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)

عملية الجعل:
إننا نظن أن من أبسط معاني الجعل أن يحدث دفعة واحدة مصداقاً لقوله تعالى:
          فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ     هود (82)
          وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا                                 المؤمنون (23)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)                                                             المؤمنون

العلاقات
الخلق: الجعل: الإنشاء

افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن العملية برمتها تتم على النحو التالي: يبدأ الله بخلق ما يشاء (من أي مادة شاء سواء كان ذلك من العدم أو من نفس المادة أو من مادة أخرى)، ثم يجعل ما يشاء كما يريد (دفعة واحدة)، ثم ينشئ الخلق إنشاء (كتطور طبيعي). هل هذا منطق مقبول؟

والآن لنحاول تطبيق ذلك على تكون الأزواج، فالله خلقنا من نفس واحده وخلق منها زوجها:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا         النساء (1)
فتلك النفس (آدم) وذلك الزوج (حواء) جاءوا إلى الوجود خلقاً (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)، وقد حصل أن خلق الله "حواء" من نفس مادة آدم - أو بكلمات أكثر دقة- من نفس آدم. ومع هذا، فإننا نجد أن القرآن الكريم يثبت أن الله خلق الأزواج كلها (وليس فقط حواء) من ثلاثة أصول هي:
(1) مما تنبت الأرض و
(2) من الأنفس  و
(3) مما لا نعلم:
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ   يس (36)
وسنتعرض لهذه الأصول الثلاثة بشكل منفصل، ولنبدأ بالأصل الذي يخصنا هنا أكثر وهو خلق الإنسان، فلا شك أن النفس الأولى التي خلق الله منها زوجها كانت نفس آدم، لذا كانت تلك النفس نفس مذكرة (باعتبار تقابل الجنس –Gender- بين الذكر والأنثى)
نتيجة (1): بدأ الخلق من الذكر بدليل خلق حواء من نفس آدم.
وهنا ربما يطرح سؤال غريب مفاده: ماذا كان جنس الزوج الذي خلقه الله من نفس آدم؟ أو بكلمات أكثر دقة: ماذا كان جنس حواء يوم أن خلقها الله من نفس آدم؟ هل كانت أنثى؟
ربما يرد البعض على الفور بالقول بأنها كانت مؤنثة، بدليل أنها حواء، وهل في هذا شك؟!
السؤال: من أين جاء الاسم حواء؟ هل هذا الاسم موجود في كتاب الله؟!!!

افتراء من عند أنفسنا
دعننا ننطلق للحظة من الافتراء التالي: إننا نظن أن الزوج الذي خلقه الله من آدم لم يكن على هيئة المؤنث (الذي نعرف الآن). ولكن أين الدليل؟
إننا نظن أن ما جاء في الآيات الكريمة التالية قد يدعم زعمنا هذا، فلنعقد مقارنة بين ما جاء في سورة النساء مع ما جاء في سورة الأعراف حول خلق الزوج من تلك النفس:
  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا         النساء (1)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ       الأعراف (189)
ركّز – عزيزي القارئ- على ما تحته خط وانظر التناوب في اللفظ لنصل إلى حقيقة قرآنية يصعب المجادلة فيها وهي أن عملية تكون الزوج من النفس قد وردت في القرآن الكريم بلفظتين وهما: خَلَقَ (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) و جَعَلَ (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا). وهنا لا نتردد عن طرح السؤال المعهود على الدوام وهو: ما الفائدة التي يمكن أن نخلص إليها من هذا التنوع اللفظي، فتارة ترد الفكرة على نحو وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وترد تارة أخرى على نحو وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا؟
الجواب: إننا نظن أن تكوّن ذلك الزوج (الذي خلقه الله من نفس آدم) قد خضع لعمليتين وهما (1) عملية الخلق و (2) عملية الجعل:
وهنا نجد لزاماً التركيز على وجود مفردة وَجَعَلَ في هذا السياق، لظننا أن الغالبية العظمى من الناس قد لا تختلف في قضية الخلق، فحواء خلقت زوجاً من نفس آدم، ولكن السؤال الذي نظن أنه جديد هو: كيف جعلت حواء زوجاً من نفس آدم (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
إننا نزعم فهم هذه الآية على النحو التالي: بعد أن خلق الله الزوج (حواء) من تلك النفس الأولى (آدم)، لم يترك ذلك الزوج (حواء) على هيئة خلقته الأولى، ولكن الله قد جعله زوجاً، وهذا يعني حسب منطقنا الذي نحاول تسويقه هنا حصول تحول في كينونة ذلك المخلوق الجديد، بدليل أن الله قد جعله جعلاً بعد أن كان قد خلقه خلقا.

الدليل:
يبدو هذا التدرج في الصيرورة (أو التكوّن للزوج حواء) من مرحلة الخلق إلى مرحلة الجعل واضحاً بوجود مفردة " ثُمَّ " في قوله تعالى:
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ                                                                              الزمر (6)
فما الذي تحول في حالة ذلك الخلق (حواء) يوم أن جعله الله زوجاً لآدم؟ فلو افترضنا (كما ظن كثير ممن سبقونا – هذا إن كانوا قد انتبهوا للقضية أصلاً) أن الخلق والجعل شيئاً واحداً لأصبح الاستنتاج الذي لا نرغب الوصول إليه هو: هناك تكرار غير ضروري في كتاب الله، وهذا ما نرفضه جملة وتفصيلاً، لأنّنا نؤمن إيماناً يقينياً أن الله لا يقول شيئاً إلا ويكون من وراء ذلك معنى عظيم لا يتجلى إلاّ للذين يتفكرون في هذا الكتاب العظيم.
رأينا: إننا نعتقد أن التحول (أو الجعل) الذي حصل لذاك الزوج (حواء) كان تحولاً في الجنس Gender، ولنتدبر قوله تعالى:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ                                                              الروم (21)
إننا نظن أننا بحاجة أن نقف مع هذه الآية الكريمة وقفة طويلة بعض الشيء لنتدبرها بشيء من التفصيل. فمما لا شك فيه أننا نستطيع أن نقسم ما جاء في هذه الآية الكريمة إلى نصفين وهما:
- خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
- وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً
وهنا نطرح سؤالين اثنين هما:
ما هو السبب الإلهي الحقيقي لخلق الأزواج كما ورد في هذه الآية الكريمة؟
ما هو السبب الإلهي الحقيقي لجعل الأزواج كما ورد في هذه الآية الكريمة؟

جواب السؤال الأول: إننا نظن أن السبب الحقيقي لخلق الأزواج الوارد بصريح اللفظ في الآية الكريمة هو السكن بدليل قوله تعالى:
 خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا،
فالله خلق لآدم من نفس آدم زوجاً (حواء) ليسكن آدم إلى ذلك الزوج.

جواب السؤال الثاني: إننا نظن أن السبب الحقيقي لجعل الأزواج الوارد بصريح اللفظ في الآية الكريمة (لم يكن للسكن فقط وإن هو وجد) ولكن لأكثر من ذلك وهو المودة والرحمة بدليل قوله تعالى:
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً،
افتراء خطير من عند أنفسنا:  إننا نفتري القول: لقد كان السكن هو محرك (أو دافع) عملية الخلق، وكانت المودة والرحمة هي المحرك (أو الدافع) لعملية الجعل.
النتيجة: إننا نزعم الفهم بأن الآية الكريمة تتحدث عن السكن كهدف للخلق، فالله قد خلق لآدم زوجاً من نفسه ليسكن إليه، ولكن عملية التكوّن للزوج (حواء) لم تتوقف عند ذلك الحد، بل دخل ذلك الخلق (وهو حواء) في عملية جعل (أي تحول)، وكان الهدف من ذلك ليس السكن فقط وإنما المودة والرحمة

وهنا ربما يرد من يمكن أن يقتنع بمثل هذا الاستنباط (على ركاكته) بالقول: ما الفرق بين الاثنين (السكن من جهة والمودة والرحمة من جهة أخرى)؟ كيف يختلف الاثنان؟ أو بكلمات أكثر دقة: ما الفرق بين أن يسكن آدم إلى حواء وأن يكون بينهما مودة ورحمة؟
لقد وصل استنباطنا إلى النقطة التي نحتاج أن نميّز فيها بين الهدفين اللذين وردا في الآية الكريمة نفسها وهما:
1.     السكن:  خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
2.     المودة والرحمة:  وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً

السكن:
ملاحظة (1): لو أمعنا التدبر في الآية نفسها لوجدنا اختلافا لفظياً يثير الانتباه بين القسم الأول في الآية الذي يتحدث عن السكن والقسم الثاني الذي يتحدث عن المودة والرحمة من الآية نفسها، والاختلاف يكمن في العلاقة الناشئة عن عملية السكن والعلاقة الناشئة عن عملية المودة والرحمة، ولنعيد الآية الكريمة لنتدبرها من هذا الجانب:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ                                                              الروم (21)
فالمدقق في اللفظ جيداً قد لا يفوته الفهم أن آدم هو من يسكن إلى حواء، بينما لا يوجد إشارة إلى أن حواء تسكن إلى آدم بدليل قوله تعالى:
خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
فعملية السكن تكون من طرف واحد ولا تكون من طرفين بطريقة تبادلية (أو reciprocal باللسان الأعجمي)، وهذا واضح من الآيات التالية:
          هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ                                                                                                               يونس (67)
فالإنسان يسكن في الليل (أو يجد في الليل سكناً)، لكني لا أظن أن الليل يسكن إلى الإنسان، فعملية السكن قادمة من طرف واحد، ويمكن أن ينطبق ذلك على حالة آدم وزوجه من جهة والجنة من جهة أخرى، فآدم وزوجه سكنا الجنة لكني لا أظن أن من المفترض أن تكون الجنة قد سكنت إليهم:
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
وها هم قوم موسى يسكنون في القرية، ولكني لا أظن أن القرية كانت تسكن إليهم:
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)
وهذا بالضبط ما نفهمه من معنى السكن في قوله تعالى:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ       الأعراف (189)
فإما أن يسكن آدم إلى حواء، أو أن تسكن حواء لآدم، ولكن العملية لا تتم بين الطرفين في آن معاً. فقد يجد الزوج سكانا في زوجته في لحظة ما ولكن قد لا تشاطره الزوجة ذلك الشعور في نفس اللحظة، والعكس صحيح فقد تجد الزوجة في زوجها سكناً لها في لحظة ما يكون الزوج مشغول عنها بغيرها، وهكذا.
والسكن هو استقرار في مكان ما كما البيت مثلاً:
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ۙ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَىٰ حِينٍ (80)
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ                            إبراهيم (37)
فالريح عندما تسكن تتوقف عن الحركة:
          إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)

النتيجة: لقد خلق الله لآدم من نفسه زوجاً ليسكن إليه، ربما ليبقى مرتبطاً به فلا استغناء له عنه، بالضبط كما لا يستطيع الإنسان الاستغناء عن المكان الذي يسكن فيه، فالزوج (هي) تحد من حركته فلا تدعه ضالاً وجهته (أو بالكلمات المصرية: داير على حل شعره)، فالرجل الذي يتزوج ويصبح له زوجاً تكون أول مهام ذلك الزوج (المرأة) أن تسكنه، فيرتبط بها كارتباط الإنسان بالمكان الذي يعيش فيه.

ولكن هل هذا فقط الهدف من وجود حواء رفيقاً (زوجاً لآدم) في الجنة؟
كلا، لقد قضت حكمة الله أن لا يبقى ذلك الزوج خلقاً، وأن لا يقتصر الهدف من الصحبة على السكن، وأن لا تبقى العلاقة الناشئة بينهما غير تشاركية، بل مرّ ذلك الخلق الجديد (حواء) بمرحلة جعل (أي تحول من حالة إلى حالة)، وكان الهدف من ذاك الجعل هو المودة والرحمة. وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً بالضبط ليتحقق المراد من الآية الكريمة:
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ                                              النحل (72)
ملاحظة (2): لو دققنا النظر في إحكام مفردات هذه الآية الكريمة جيداً لوجدنا أيضاً أن الخطاب انتقل من صيغة إشراك الطرف الواحد في حالة الخلق خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، إلى الحالة التبادلية: وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، فالمودة والرحمة لم تكن من طرف آدم أو من طرف حواء فحسب، وإنما أصبحت علاقة تشاركيه بين آدم وزوجته بدليل قوله تعالى (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ)، وهنا يثار السؤال التالي: ما هي العلاقة التشاركية بين الرجل والمرأة؟
رأينا: إنها العلاقة الحميمة (الجنسية).

إذن، خلق الله آدم وخلق من آدم زوجا (حواء) لتكون سكناً له، وقضت حكمته جل وعلا أن يدخل على ذلك الزوج تغيراً لكي تتعمق العلاقة بينهما، فتصبح أكثر من مجرد سكن (لأن السكن يكون من طرف واحد)، وليصبح بينهما مودة ورحمة (علاقة زوجية حميمة). فلا تنشأ تلك العلاقة الجديدة بوجود طرف واحد بل لابد من وجود الطرفان في نفس المكان والزمان. وكان من مقتضيات تلك العلاقة الزوجية الحميمة حصول تحول فيزيائي يمكّن تلك العلاقة من الوقوع، فحصل أن أصبحت حواء جسماً مختلفاً في تركيبته البنيوية (الفيزيائية) عن آدم، فكان الذكر وكانت الأنثى كنتيجة لعملية الجعل التي حصلت بعد الخلق. وهنا أصبح الاثنان (آدم وحواء) زوجان، فآدم زوج لحواء، وحواء زوج لآدم.
ولا يظنن أحد بأننا نقصد أن ذلك التحول الفيزيائي في بنية الجسم قد حصلت لحواء فقط، ولكنها ربما تكون قد حصلت لآدم كذلك. فبعد أن كانا حواء وآدم زوجان يسكن طرف منهم إلى الطرف الآخر، نشأت بينهما علاقة تشاركيه يمتّع فيهما الطرفان بعضهما ببعض (المودة والرحمة). فليس هناك في العربية لفظة خاصة بالأنثى ولفظة أخرى خاصة بالرجل عند الحديث عن الزوج، ولكن اللفظة واحدة (زوج) تستخدم للطرفين، فالأنثى زوج والذكر زوج.

خروج عن الموضوع
سنتعرض الآن إلى عدة مواقف تتحدث عن تزويج النفوس:
الموقف الأول: وردت الآيات الكريمة التالية في القرآن العظيم:
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)
لا شك أنّ القارئ العادي لهذه الآيات الكريمة يدرك أنها تصور مشاهد من يوم النشور بعد انقضاء الحياة على الأرض، ,وخروج الناس إلى ربهم للحساب، وقد يرد البعض بالقول: وما علاقة ذلك بموضوعنا هنا؟
الجواب: إن جلّ ما نود إثارته هنا هو استفسار حول واحدة من هذه المشاهد وهو ما يرد في قوله تعالى:
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ
لنطرح السؤال التالي: لماذا ستزوج النفوس في ذلك المشهد الرهيب؟ هل الموقف يسمح للتزاوج في تلك اللحظة؟ ولماذا ستزوج النفوس حتى قبل أن تنشر الصحف (راقب تسلسل الأحداث في الآيات السابقة)؟ ولماذا ستزوج النفوس قبل أن تسعّر الجحيم؟ ولماذا ستزوج النفوس قبل أن تزلف الجنة؟

النتيجة: نظن أن الآيات الكريمة تبين لنا أن النفوس ستزوج في يوم الحساب، أليس كذلك؟
(دعنا لا ننسى هذه الفكرة لنعود إليها بعد قليل)

الموقف الثاني: وردت الآيات الكريمة التالية في القرآن العظيم:
هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ۖ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ۖ إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)
السؤال: لماذا سيحشر الذين ظلموا مع أزواجهم ليتم زجهم في الجحيم معا؟ أليست كل نفس بما كسبت رهينة؟ فلنقرأ الآيات الكريمة التالية:
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ                                                                                                      البقرة (123)
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ     البقرة (281)
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ        البقرة (286)
فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ    آل عمران (25)
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ                                           آل عمران (30)
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ۚ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ                                                                           آل عمران (161)
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ    النحل (111)

ويأتي الآن التساؤل الكبير التالي: ماذا لو كانت الزوجة صالحة والزوج غير صالح (كما في حالة فرعون مثلاً)، أو العكس: الزوجة غير صالحة والزوج صالح (كما في حالة نوح ولوط)؟ فكيف سيتم محاسبة كل نفس على ما عملت ثم يتم الزج بالناس في النار أزواجا، ويدخل الناس وأزواجهم الجنة؟ فهل يعقل أن يجتمع فرعون مع امرأته؟
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)                                                                                 الصافات
أو هل يعقل أن يجتمع نوح مع امرأته أو لوط مع امرأته؟
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ
يس (56)        
النتيجة: الحشر سيتم للأزواج بالرغم أن كل نفس بما كسبت رهينة، ولكن كيف سيكون ذلك؟
تخريج من عند أنفسنا: لابد من وجود فرق بين المرأة والزوج
دعنا نتابع الافتراء التالي الذي نزعم أنه من عند أنفسنا: إننا نعتقد أن ليس كل امرأة هي زوجة لناكحها.

الدليل
لقد تحدث الله عن امرأة فرعون ولم يتحدث عنها على أنها زوجته، فلا يوجد ذكر لمرأة فرعون على أنها زوجته:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ                                 التحريم (11)
وتحدث القرآن الكريم عن امرأة نوح وامرأة لوط أكثر من مرة، ولم يرد ذكر أي منهما على أنها زوجة:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ        التحريم (10)
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)                                                                              الأعراف 80-83
إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا ۙ إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)                                                                                                 الحجر 59-60
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)                                      النمل 56-57
قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ۚ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا ۖ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ                                                                                         العنكبوت (32)[1]
النتيجة: لن تحشر امرأة فرعون مع فرعون لأنها كانت امرأته ولم تكن يوماً زوجته، لذا لن تكون في نفس المكان الذي يتواجد هو فيه لأنّ الحشر سيتم للأزواج فقط، وبنفس المنطق فإن امرأة لوط لن تحشر معه كما لن تحشر امرأة نوح مع نوح لسبب بسيط –في رأينا- وهو أنهما لم يكونا أزواجا لهما، فلن يحشر مع الشخص إلا زوجه. وسيتم التزاوج بين النفوس في يوم الحشر قبل أن يبدأ الحساب:
          وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ                                                        التكوير (7)
وبالعطف على ما سبق، فإننا نقول أن أنفس أولئك النساء لن تزوج مع من كانت برفقته في الدنيا لأنها ببساطة لم تكن أزواجا لهم، فامرأة الرجل ستحشر معه وستزوج له يوم القيامة إن كانت زوجه (وليس فقط امرأته).
ولكن بالمقابل فإن نساء النبي قد كن أزواجه:
النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا                                                                                           الأحزاب (6)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
فالحشر ودخول الجنة لا يكون إلا مع الأزواج، مصداقاً لقوله تعالى:
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ                             يس (56)
بالضبط كما الدخول في النار لا يكون إلا مع الأزواج:
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)                                                                        الصافات 22-23

النتيجة: لا تدخل النفوس الجنة أو النار إلا بعد التزويج مصداقاً لقوله تعالى:
          وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ                                                        التكوير (7)

ما قصة الحور العين؟
لعلنا ندرك جميعاً الحقيقة القرآنية التي ربما يصعب المجادلة فيها وهي وجود الحور العين كجزء من نعيم أهل الجنة، وقد أكد القرآن الكريم حصول التزاوج بين من يدخل الجنة من المؤمنين والحور العين:
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ ۖ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)                                                                                       الطور
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ                                                                  البقرة (25)
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ               آل عمران (15)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا                                     النساء (57)
فالحور العين – لا شك- جزء لا يتجزأ من نعيم الجنة:
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَىٰ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)
 وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)                                           الواقعة
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ ۖ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)                                                                   الصافات 40-49
وقد أعد الله تلك المتعة لمن يدخل الجنة من المؤمنين على وجه التحديد:
مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ۚ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55)
 فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)           الرحمن  54-56
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)                                                                           الرحمن 73-74
وهنا يبرز التساؤل التالي: إذا كان الناس يدخلون الجنة مع أزواجهم فما قصة الحور العين هذه؟ وكيف سيتم التمتع بالحور العين بوجود الأزواج؟

لقد أربك مثل هذا السؤال الفكر لقرون، ولا أخال أننا حتى اللحظة قد وصلنا إلى إجابات مقنعة، فلب الفهم عند العامة وأهل العلم لا يتجاوز تفسير غيبيات بغيبيات، لذا فإننا سنحاول أن نقدم قراءتنا التي (وإن لم تصح) تختلف بشكل جذري عن ما هو مألوف، ونترك للقارئ الكريم مهمة المفاضلة بين ما قالوا هم وما نزعم نحن.

التمتع بالحور العين في الجنة: تصوّر جديد

سنقدم في هذا الجزء من المقالة تصورنا لحياة الأزواج في الجنة بوجود الحور العين، محاولين الإجابة على التساؤل الذي انطلقنا منه في بداية هذا البحث وهو: كيف سيتم التمتع بالحور العين في الجنة بوجود الأزواج؟
إننا نظن أن الوصول إلى إجابة لهذا التساؤل تحتاج إلى طرح أسئلة كثيرة، وإعادة التفكير في كثير من القضايا التي قد تكون ذات صلة بالموضوع؟
التساؤل الأول: لنبدأ بطرح تساؤلنا الأول بعد قراءة الآيات الكريمة التالية:
أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا                                                                                                  الكهف (31)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ                                               الحج (23)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ                                                                                                          فاطر (33)
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا                                                                                                   الإنسان (21)
ألا تصور هذه الآيات الكريمة حياة الناس في الجنة؟ بلى، ولكن ما الذي تريد قوله؟
السؤال: لماذا سيحلى الرجال في الجنة بالأساور من الذهب والفضة واللؤلؤ؟ ولماذا سيلبسون الثياب من الحرير والسندس والإستبرق؟ هل من المتعة للرجل أن يلبس مثل ذلك في الجنة (أو في غيرها)؟ ومتى كان الرجال يبحثون (أو يجدون) المتعة في هذه الأشياء؟ هل من غريزة الرجل حب كل تلك الزركشة؟!
سيرد الكثيرون على الفور بالقول بأن تلك هي الجنة وحياتها تختلف عن حياة الدنيا، ولا يجب أن تقارن تلك الحياة الأخرى بحياتنا الدنيا، فالطقوس والعادات والنواميس والطبائع ستكون مختلفة!
فنقول: دعنا نوافقكم الرأي، ولكن ألا ترون أنكم بقولكم هذا تروجون لفكرة بسيطة جداً وهي أن تغيّراً ما سيطرأ على الإنسان (الرجل) لدرجة أن يصبح من المتعة عنده مثلاً أن يلبس الحرير والأساور ويتمتع بالذهب والفضة واللؤلؤ، الخ؟ هل هذا منطق مقبول – يا سادة؟
ربما يتقبله القليل من الناس، ولكن دعنا نطارد تبعات هذا الظن لنرى ما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك.

التساؤل الثاني: عند تفقد السياقات القرآنية التي تتحدث عن الأزواج، وجدنا الآية الكريمة التالية:
إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)       الواقعة
ولو أمعنا التفكر في هذه الآية القرآنية لربما وصلنا إلى سؤال قد يسبب إرباكاً أكثر من سابقيه، والسؤال هو: ما قصة الأزواج الثلاثة؟ وكيف كنّا أزواجا ثلاثة؟
وهنا قد يبادرنا البعض بالقول دعنا ندرس الآيات في سياقها الأوسع، ظانين أن الأزواج الثلاثة تخص ما جاء بعد هذه الآية الكريمة مباشرة وهم (1) أصحاب الميمنة (2) أصحاب المشأمة و (3) السابقون السابقون:
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8)
وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)
أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)
فنرد بالقول: إن كان هذا هو الحال، فمن هم المقربون الذين سيكون مآلهم جنات النعيم (انظر الآيات 11-12)؟ أو بكلمات أكثر دقة، من هم الذين يعود عليهم الضمير " أُولَٰئِكَ" في الآية 11؟ هل تعود على هذه المجموعات الثلاثة؟
الجواب: يستحيل ذلك، لأن من غير الممكن أن يكون أصحاب المشأمة من المقربين في جنات ونعيم؟

رأينا: لو كانت الأزواج الثلاثة يقصد بها المجموعات الثلاثة التي ذكرت بعد الآية الكريمة (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)،  لكان ضمير الإشارة أُولَٰئِكَ يعود عليهم جميعاً. تدبر الآيات جميعاً في سياقها. لذا فإننا نرى أن الأزواج الثلاثة التي جاءت في الآية رقم (7) لا يقصد بها المجموعات الثلاثة التي ورد ذكرها في الآيات (8) و (9) و(10).
أما دليلنا الثاني الذي يمكن أن نستخدمه لنثبت زعمنا بأن الأزواج الثلاثة ليست المجموعات الثلاثة التي ذكرت بعدها فيأتي من دراسة مفردة الزوج في القرآن الكريم: فما معنى الزوج في السياق القرآني؟
لا شك لدينا أن الزوج تعني الشخص الواحد، فالرجل زوج والمرأة زوج، وهما معاً يصبحان زوجين اثنين، فالله سبحانه يقول:
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (45)
فالذكر والأنثى معاً هما زوجان (وليس زوجاً واحد)، لأنّ الذكر لوحده دون الأنثى هو زوج واحد:
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ                                                                            المجادلة (1)
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ            البقرة (230)
والأنثى لوحدها دون الذكر هي زوج:
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ                                                 الأنبياء (90)
فالحياة على الأرض نشأت على فكرة الزوجين الاثنين:
          وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)                                                                                                 الذاريات 48-49
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (39)                           القيامة 36-39
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ                      الرعد (3)
ولو تدبرنا الآية جيداً لوجدنا أنّ علاقة الذكر بالأنثى كعلاقة الليل بالنهار، فالليل يغشى النهار، بالضبط كالعلاقة الحميمة بين الرجل وزوجته:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ                                                                                                       الأعراف (189)
وقد طلب الله من نوح أن يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين:
حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ                                        هود (40)
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)
والآن لنتدبر قول الحق بخصوص خلق الأنعام، فالله خلق لنا من الأنعام ثمانية أزواج وفصلها على النحو التالي:
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ ۖ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)                                                                                 الأنعام 143-144
فبالرغم أنها أربعة مجموعات (الضأن والمعز والإبل والبقر) إلا  أنها ثمانية أزواج، فهناك في كل مجموعة زوجان، فتصبح النتيجة 4 × 2 = 8.
وبالمقارنة: لو كانت أزواجاً ثلاثة يقصد بها المجموعات الثلاثة التي جاءت بعدها (أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون السابقون)، لكان النص القرآني قد جاء على شكل (وكنتم أزواجاً ستة)، أي:
3 × 2 = 6
فهناك زوجان من أصحاب الميمنة (الرجل وزوجته)، وزوجان من أصحاب المشأمة (الرجل وزوجته)، وزوجان من السابقون السابقون، فيصبح المجموع ستة أزواج، وليس أزواجاً ثلاثة.
  
فمن هم الأزواج الثلاثة إذاً؟
إننا نعتقد أن أزواج ثلاثة في سياقها القرآني تعني ثلاثة أفراد، ولننتظر قليلاً لنرى المشهد في النار كما تصوره بعض آيات القرآن الحكيم:
هَٰذَا ۚ وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)
هَٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
هَٰذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)
قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ ۖ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا ۖ فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)
قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَٰذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
لتستوقفنا الآية رقم (58) لنطرح من خلالها السؤال التالي: من هو هذا الآخر الذي من شكله أزواج؟

مفارقات وافتراءات
المفارقة الأولى: الحياة في الجنة ليست مبنية على فكرة زوجين اثنين وإنما على فكرة أزواج ثلاثة:
          وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
المفارقة الثانية: الحياة في النار زوجين أثنين:
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56) هَٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) هَٰذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ ۖ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ ۚ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)
المفارقة الثالثة: الحياة على الأعراف تكون زوجاً واحد (وهو الرجل)، فلا نساء على الأعراف:
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ                                       الأعراف (46)
فهناك أصحاب للأعراف (ولكن ليس هناك صاحبات للأعراف)
وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)
النتيجة: الحساب للرجل، وأما النساء، فهن في صحبة أزوجهن (إن كانت زوجته وليس فقط امرأة له): فإن كان في الجنة فهي كذلك في الجنة، وإن كان في النار فهي كذلك في النار، ولكنها لا تبقى على الأعراف، فليس هناك على الأعراف إلا رجال.

وأين القرين؟
أما قرين أهل النار فهو معهم في النار:
هَٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
فالآخر (وهو في رأينا القرين) يكون من شكله (إي الذي كان قرين له في الدنيا من الناس) أزواج في النار (أي زوجين اثنين).
وكذلك فإن قرين أهل الجنة فهو في النار:
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ ۖ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)                                الصافات

حياة أهل الجنة: أزواج ثلاثة
من هم الأزواج الثلاثة في الجنة؟
افتراء خطير جداً جداً: إنهم الرجل (زوجاً) والمرأة (زوجاً) والحور العين (زوجاً ثالثاً)، فيصبح المجموع أزواجاً ثلاثة.

كيف سيتمتع الأزواج الثلاثة في الجنة؟ أو كيف سيتمتع أهل الجنة بالحور العين؟
جواب: لا شك أننا ندرك الفصل بين الحور العين من جهة والرجل وزوجته من جهة أخرى، فهناك سياقات قرآنية تتحدث عن دخول الرجل وزوجه الجنة والتمتع بما في الجنة من نعيم:
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ                                                                            الرعد (23)[2]
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)
وهناك سياقات أخرى تتحدث عن تزاوج أهل الجنة مع الحور العين:
          كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ                                                الدخان (54)
وهنا لا بد من طرح التساؤل الذي انطلقنا منه في بداية هذا البحث وهو: كيف سيتمتع أهل الجنة بالحور العين بوجود من دخل مع المؤمنين من أزواجهم؟
لقد درج جلّ (إن لم يكن كل) الفكر الإسلامي على الافتراض بأن الحور العين هي من نصيب الرجال في الجنة، وغالباً ما تجنبوا (عن قصد أو عن غير قصد، أو ربما عن عدم دراية بالحقيقة) الخوض عن حصة النساء في الجنة، وغالباً ما غلّفوا مثل هذه الأفهام بغيبيات يصعب على العامة من مثلي تصديقها أو إنكارها. وتجنب الناس الخوض في هذا الأمر ربما بسبب الحرج الذي يمكن أن يسببه الحديث فيه لهم.

رأينا: نحن نظن أن الخطأ الذي وقع العلماء فيه (فأشكل على الناس فهم الحقائق) يتمثل في فهمم أن التزاوج في الجنة يحصل بين الرجل والحور العين، وهنا نجد لزاماً أن نبرز فكرة غاية في الأهمية (ربما تميّز تخريصنا هذا عن علمهم السابق) وهو أن التزاوج في الجنة يحصل بين الأزواج من جهة (الرجل وزوجته) والحور العين من جهة أخرى. وليس كما ظن معظم أهل العلم بأن التزاوج مع الحور العين يحصل بين الرجل والحور العين.
الدليل: يتحدث القرآن الكريم عن عمليتين من التزاوج، واحدة ستحصل بين الأزواج (من أهل الدنيا) قبل دخول الجنة أو النار، فتلك ستحصل في يوم العرض الأكبر قبل نشر الصحف:
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)
وهناك تزاوج آخر سيحصل يوم أن يستقر الأزواج في الجنة على الأرائك يلبسون السندس والإستبرق والأساور ويأكلون من خيرات الجنة:
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)    
وتكون تلك العملية بين من يدخل الجنة ويستقر على تلك الأرائك والحور العين:
          إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)
كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)                                         الدخان
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ ۖ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)                                                                              الطور
نعم، يحدث التزاوج للأزواج وهم متكئين على الأرائك مع الحور العين، وهم يلبسون السندس والإستبرق، وهم يأكلون ويشربون من خيرات الجنة.

وهنا سيرد الجميع بالقول: إن صح كلامك هذا، فكيف سيتم التمتع بالحور العين إذاً؟
الجواب: ربما نحتاج إلى فهم السياقات القرآنية التالية قبل الإجابة على هذا التساؤل الكبير. قال تعالى عن الأزواج في الجنة أنهم يحبرون:
الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)
وتأكد هذا المعنى في سياق قرآني آخر:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
ويتأكد لنا من السياق القرآني نفسه أن عملية الحبر (تُحْبَرُونَ، يُحْبَرُونَ) ستحصل بعد أن يتفرق الناس يوم تقوم الساعة (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ). ويتأكد لنا من السياق الثاني أن هذه العملية ستتم بين الأزواج بعد أن يدخلوا الجنة:
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
لنخلص إلى النتائج التالية:
1.     يوم تقوم الساعة سيتحصل عملية تفرق، فبالإضافة إلى التفرقة التي ستتم بين المؤمنين من جهة والكافرين من جهة أخرى، سيكون هناك تفرقه بين الرجل وامرأته، وقد وردت هذه التفرقة في السياق القرآني التالي:
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
ونحن نفهم أن هذه التفرقة بين الرجل وامرأته في يوم القيامة هي بالضبط كالتفرقة التي ستحصل بين فرعون وامرأته أو بين نوح ولوط من جهة وامرأتيهما من جهة أخرى. فالمرأة لا تصاحب من كان ينكحها في الدنيا مادامت أنها امرأته وليست زوجته، فقد ينتهي به (أي الرجل) الأمر في الجنة أو في النار أو على الأعراف، ولكنّها لن تصاحبه إلى المكان الذي سينتهي المطاف به إليه إن كانت هي امرأته وليست زوجته مصداقاً لقوله تعالى:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
2.     حصول التزاوج بين النفوس: فلا يحصل تزاوج إلا بين الأزواج، فالزوجة لاشك مصاحبة زوجها أين ما ذهب سواءً إلى جنة أو إلى نار (إن كانت زوجته ولم تكن فقط امرأته)
3.     حصول الحبر (تُحْبَرُونَ، يُحْبَرُونَ) بعد التفرقة، ولا يحصل الحبر إلا بين الأزواج، فالمدقق في السياق القرآني يجد هذا المعنى جلياً:
 الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
فالآية الكريمة تؤكد حصول الحبر للرجال وأزواجهم (أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) بعد دخول الجنة. لنصل إلى نتيجة مفادها أن هناك عملية ما (تسمى الحبر) ستحصل للأزواج، فما سيحصل للرجل سيحصل لزوجته والعكس صحيح).

وقد تعرضنا في ما سبق إلى التزاوج وزعمنا الفهم أن التزاوج سيحصل على مرحلتين وهما:
أ‌.        التزاوج قبل دخول الجنة بين الرجل وزوجه:
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)
ب‌.    التزاوج بعد دخول الجنة:
كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)
وقد ورد ذكر الحبر (يحبرون وتحبرون) في القرآن الكريم مرتين:
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
فهنا لا نجد مناص من طرح التساؤل التالي: ما هي تلك العملية (الحبر: تُحْبَرُونَ، يُحْبَرُونَ) التي ستحصل للرجل وللمرأة على حد سواء عند دخولهم الجنة (أو في داخل الجنة)؟
السؤال: كيف سيحبر من يدخل الجنة هم وأزواجهم (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ
إننا نظن أن مفردتي (تُحْبَرُونَ، يُحْبَرُونَ) كعملية ستحصل للرجل وزوجته في الجنة لها علاقة بالقضية الجنسية الفيزيائية، ولكن ما الدليل على ذلك؟
الدليل:  إننا نظن أن فكرة الأحبار في التراث اليهودي والرهبان في التراث المسيحي قد جاءت من هذا الباب، فمن هم الأحبار والرهبان؟ من هو الحبر؟ ومن هو الراهب؟
لندرس السياق القرآني التالي:
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
إن المدقق في السياق القرآني يجد أن الله سبحانه وتعالى يتحدث عن ثلاثة أشياء وهي الرأفة والرحمة والرهبانية، أليس كذلك؟ وهنا نطرح السؤال هل الرهبانية من الله؟ الجواب كلا، فالله يقول أنه قد جعل في قلوب الذين اتبعوا عيسى بن مريم رأفة ورحمة، فهل يعقل أن يكون قد جعل في قلوبهم رهبانية؟
لا يمكن أن تكون الرهبانية في القلوب، فالرهبانية عمل، والدليل على ذلك أن تلك الرهبانية قد ابتدعوها، وما دام أنهم ابتدعوها فهي ليست من الله، لذا فإننا نظن بوجوب الوقف بعد مفردة وَرَحْمَةً، لتقرأ الآية على جزأين كما يلي:
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً  (وقف)  وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
ولا شك أن الأحبار والرهبان ليسوا دائماً أهل تقوى وإيمان، بل قد يكون أداة استغلال للناس بسبب ما يظهر من أفعالهم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)

فبالإضافة إلى الرهبان هناك في المسيحية القسيسين:
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)
إذاً هناك الرهبان وهناك القسيسين عند أهل الديانة المسيحية، ولو حاولنا نقل الحديث إلى أهل الديانة اليهودية لوجدنا الآية الكريمة التالي التي تتحدث عن الربانيون والأحبار:
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ                             المائدة (44)
لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ                                                                                                             المائدة (63)
فتصبح المقارنة بين الديانتين على النحو التالي:
          المسيحية
اليهودية
قسيسين
رهبان
ربانيون
أحبار

فمن هم الأحبار (عند اليهود) والرهبان (عند المسيحيين)؟
لو دققنا في الآية الكريمة التالية، لوجدنا شيئاً عجبا وهو ورود فكرة الرهبان والأحبار مع عيسى بن مريم:
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ                                                 التوبة (31)
لنطرح التساؤل التالي: لماذا اتخذ اليهود الأحبار واتخذ النصارى الرهبان آلهة كما اتخذوا عيسى بن مريم آلهة؟
رأينا: إن أهم الميزات التي جعلت أهل الديانة المسيحية يروجون لاتخاذ عيسى بن مريم إلهاً هو العذرية.
فقد ساد في الفكر الديني الذي سبق الإسلام فكرة الرهبانية في الفكر المسيحي (ولنقل التحبير) في الفكر الديني اليهودي، وتتمثل الفكرة في نبذ بعض من يكرسون أنفسهم لخدمة الدين لفكرة العلاقة الزوجية (أو الشهوة الجنسية Lust). فمن أهم ميزات الحبر أو الراهب هي الانعزال عن المعاشرة الجسدية الجنسية. فهم لا ينكرون فكرة الحب، ولكنهم – على الأقل نظرياً- لا يمارسون التزاوج الجنسي البدني.

وبهذا نفهم – كاذبين- أن الأزواج في الجنة يحبرون حتى يترفعون عن المعاشرة الجنسية البدنية (التي نمارسها في الحياة الدنيا).
فمعاشرة المرأة في الحياة الدنيا يكون بالمس:
قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ                                                 آل عمران (47)
          قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا                   مريم (20)
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ         البقرة (236)
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ                                                                   البقرة (237)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
وباللمس:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا                                                                                                     النساء (43)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ                                                                                                    المائدة  (6)
وبالرفث:
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ                                                                          البقرة (187)
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ                                                                                                        البقرة (197)
ونحن نظن أن جماع المرأة الذي يمكن أن ينتج عنه الذرية الناتج عن التزاوج الشرعي هو (مس: يَمْسَسْنِي، تَمَسُّوهُنَّ)، بينما جماع المرأة بالنكاح (الطريقة الشرعية) أو بغيره (غير شرعية) هو لمس (لَامَسْتُمُ)، ومداعبة المرأة بالجماع وبغيره هو رفث (رَفَثَ، الرَّفَثُ).

النتيجة: يخلو القرآن الكريم من الحديث عن هذه الطرق جميعاً في علاقة الأزواج في الجنة، فلا نجد أن هناك مس للنساء ولا لمس للنساء ولا رفث مع النساء (أو مع الحور العين) وجل ما نجد هو الطمث:
          فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ                   الرحمن (56)
          حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ
(74)                                                                       الرحمن

فنحن ننتظر أن نفهم كيف ستكون آلية الطمث تلك؟
رأينا: نحن نظن أن الطمث هو عبارة عن علاقة جنسية تشاركية ثلاثية الأبعاد. فالرجل يستطيع أن يلبي شهوته الجنسية لوحده (علاقة فردية)، ولكنها لا تصل لدرجة المتعة التي يتحصل عليها عندما يلبي رغبته الجنسية مع امرأة (علاقة ثنايئة)، وتخيل كيف ستصبح حجم المتعة الجنسية عندما تكون ثلاثية الأبعاد (الرجل والمرأة والحور العين):
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)

إن ما نبغي قوله أن العلاقة الجنسية (الطمث) في الجنان لا يمكن أن تتم إلا بتوافر الأزواج الثلاثة معاً، فلن يستطيع الزوج أن يخون زوجته، ولن تستطيع الزوجة أن تخون زوجها، ولن يستطيع الحور العين أن يخن أزواجهن، لأن مبدأ الطمث في إقامة تلك العلاقة الحميمة سيكون مبني على مبدأ الأبعاد الثلاث (أي أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً).

والله أعلم

وللحديث بقية بحول الله وتوفيقه

26 كانون ثاني 2012

                                     














[1] أما بخصوص امرأة نوح فقد زعمنا في مقالة سابقة لنا (سفينة نوح ونظرية تكون القارات) أنها قد ماتت قبل حصول الطوفان، لذا لا يذكر القرآن الكريم أن الله قد نجّى نوح وأهله إلا امرأته كما كان الحال بالنسبة للوط بالرغم أنهما ضربا معاً كمثال للخيانة الزوجية، ولكن الله قد ذكر أنه سينجي نوح وأهله ولم ينجو ابنه، وقد زعمنا في مقالتنا تلك أن ولد نوح لم يكن من أهله، بل كان نتاج خيانة امرأة نوح.
[2] لاحظ كيف يفصل القرآن الكريم بين الأزواج من جهة ومن صلح من الأزواج من جهة أخرى، فالأزواج تكون للمؤمن وللكافر، فزوجة المؤمن هي زوجه وزوجة الكافر هي زوجه، ولكن من صلح من الأزواج فهي لا شك زوجة للمؤمن فقط، ومن لم تصلح من الأزواج تكون امرأة له وليست زوجه.