نظرية التطور (نشوء وليس ترقي) - رؤية جديدة - الجزء (7)




نظرية التطور (نشوء وليس ترقي) – رؤية جديدة – الجزء السابع

كانت الافتراءات الرئيسية التي تجرأنا على تقديمها في الجزء السابق من هذه المقالة هي على النحو التالي:

- تزوج عمران بامرأة، فحملت منه بمولودة 

- توفي عمران قبل أن تضع امرأته ما في بطنها

- عثرت امرأت عمران بعد موت بعلها على التابوت فجأة

- وجدت امرأة عمران بقية الآثار العظيمة في ذلك التابوت

- كانت تلك البقية من الآثار هي اللباس (لباس التقوى الذي نزعه الشيطان عن آدم وزوجه في الجنة الأولى)

- ما أن وجدت امرأة عمران ذلك اللباس فجاءة حت نذرت لله ما في بطنها محررا

- كانت امرأت عمران تتوقع أن يكون ما في بطنها ذكرا

- كانت المفاجأة الثانية لامرأت عمران أنها وضعتها أنثى

- ما أن وضعتها حتى سمّتها مريم

- وما أن ألبستها ذلك اللباس حتى تقبلها ربها، فكان ذلك اللباس هو – برأينا- سبب القبول الإلهي لمريم

- كان ذلك اللباس هو لباس زوج آدم

- جاءت كفالة مريم لزكريا مفروضة عليه، فكان عليه أن يتزوج بأم مريم، ليكفل مريم، فتصبح محرمة عليه، فيتمكن من الدخول عليها في المحراب دون حرج. 

- نشأت مريم في المحراب حافظة لفرجها بسبب ذلك اللباس، فكان من الاستحالة بمكان أن يفك إحصانها بشر

- أصبحت مريم بذلك اللباس مؤهلة لأن ينفخ في فرجها المحصن، فيبقى فرجها محصنا حتى وإن حصل لها الحمل بطريقة النفخ

- جاء مريم الروح في الحجاب ليهب لها غلاما زكيا، فنفخ في فرجها، فحملت المسيح كلمة الله في بطنها

- دخل زكريا المحراب على مريم كالعادة ليجد بطنها قد انتفخ بالحمل، فأصبته الدهشة في البداية، لكن مريم قصت عليه ما حصل معها مع من جاءها في الحجاب

- التقط زكريا الذكر (هب لي ذرية غلاما) من حواره مع مريم حول تلك الحادثة، فتوجه على الفور إلى ربه بالدعاء في ذلك الوقت وذلك المكان

- جاءته الاستجابة الإلهية مباشرة عن طريق الملائكة

- اتخذت مريم من أهلها مكانا قصيا لتضع ما في بطنها

- كان ذلك في المكان الأقصا (مكان المسجد الأقصى المطل على البقعة المباركة من الشجرة)

- ما أن وضعت مريم ما في بطنها حتى كان لباس التقوى يغطيه، فنزع ذلك اللباس عن مريم ليغطي الغلام، فكان زكيا.

- أصبحت مريم كنساء العالمين يصيبها المخاض، فأصبحت مؤهلة لأن تأكل الآن من أكل أهل الأرض، فطلب منها أن تهز إليها بجذع النخلة، فتأكل مما تساقط عليها، كما طلب منها أن تشرب بالإضافة إلى الأكل. فمريم كانت تأكل من الرزق الذي كان يأتيها في المحراب لكنها لم تكن تحتاج أن تشرب. أما وقد انتهت مهمتها من حمل كلمة الله في بطنها الذي ظل طاهرا حتى تلك اللحظة، فلا ضير أن تأكل الآن من طعام أهل الأرض وأن تشرب من الماء المتوافر حولها. 

- ما أن نزل المسيح من بطن أمه حتى كان لباس أمه ليغطيه، وما كان من مريم (نحن لا زلنا نتخيل) إلا أن تلبس المسيح اللباس الآخر الذي كان بحوزتها، فأصبح المسيح يلبس اللباسين معا (لباس آدم ولباس زوج آدم)، فكان المسيح هو النسخة للإثنين معا. فهو ذات (المسيح ذكر) ونفسه (المسيح انثى)، فكان وحدة واحدة من الذكورة والأنوثة معا، كما في الشكل التوضيحي التالي لجدارية دافنشي تحت مسمى رجل الفضيلة (The Vitruvian Man) أو (The Man of Virtue) بالكلمات الإنجليزية، حيث التناسق المطلق بين الذكورة (المربع) والأنوثة (الدائرة) يشكلان معا الكيان المثالي لمن كان بشرا سويا. 




وسنتابع في هذا الجزء من المقالة الحديث (بإذن الله) عن بقية القضايا التي أثرناها في الأجزاء السابقة من هذه المقالة، وهي الأجزاء المتعلقة بقضية خلق المسيح وعلاقتها بقصة الخلق الأول للبشر (آدم) ومن ثم تطورات تلك القصة في رحلة البشرية على الأرض مع ابني آدم. 

قصة المسيح

بعد تتبع خيوط القصة كما تبدّت لنا في الأجزاء السابقة من هذه المقالة، تجرأنا على افتراء الظن بأن الأنثى التي تلبس ذلك اللباس - الذي كان في سيرته الأولى هو (نحن نظن) لباس زوج آدم - مؤهلة لأن يتم النفخ فيها لتحمل كلمة الله. ولمّا كانت مريم ابنت عمران هي من ألبست ذلك اللباس بعد أن وضعتها أمها، أصبحت مؤهلة لأن تكون طاهرة مادامت تلبسه، فيكون بطنها مؤهلا لأن يحمل كلمة الله (المسيح). وقد قادنا مثل هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا إلى العودة إلى قصة الخلق الأولى، لنفتري الظن من عند أنفسنا بأنه لو لم ينزع الشيطان عن آدم وزوجه ذلك اللباس لتم التزاوج بينهما بهذه الطريقة. ولتمثل آدم حينئذ دور الخلافة في الأرض بدلا من الملك فيها.

وقد أثرنا في الأجزاء السابقة من هذه المقالة التساؤلات التالية عن قصة المسيح وأمه:

- لماذا حصلت القصة في ذلك الوقت من الزمن في تاريخ البشرية؟

- لماذا حصلت مع امرأت عمران على وجه التحديد؟

- هل كان من الممكن أن تحصل مع امرأة أخرى غير امرأت عمران؟

- لماذا نذرت امرأت عمران ما في بطنها؟

- ما الذي دفع امرأت عمران أن تنذر ما في بطنها؟

- لماذا تقبل الله منها؟

- لماذا كان ما انجبته امرأت عمران أنثى؟

- هل كانت مريم أنثى كنساء العالمين؟

- ما المختلف عند مريم الذي جعل الله يتقبلها؟

- ما الذي جعل مريم مؤهلة لأن ينفخ الروح في فرجها؟

- لماذا كان لمريم ذرية؟ فهل للنساء أصلا ذرية؟

- الخ.

وسنتابع في هذا الجزء الحديث عن بعض الاسئلة التي لم يتم التطرق لها سابقا، كما سنحاول طرح تساؤلات جديدة عن كيفية خلق المسيح وطريقة حياته ووفاته عندما طهره الله ورفعه إليه بعد أن حاول البعض ممن حوله قتله (وصلبه) كما تبين ذلك الآيات الكريمة التالية:

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)

التساؤلات:

- لماذا قالوا إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم؟

- لماذا أقروا بأنه رسول الله؟

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ ...

- لماذا جاء الرد الإلهي المباشر بأنهم ما قتلوه؟

- لماذا جاء الرد الإلههي مضيفا لنفي قتله أنهم ما صلبوه بالرغم أنهم أصلا لم يقولوا بأنهم قد صلبوه؟

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ...

- كيف شبّه لهم؟

- وما الذي شبّه لهم أصلا؟

... وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ...

- لماذا اختلفوا في ذلك؟

- كيف أصبحوا في شك من ذلك؟

- وكيف كان ذلك اتباعا للظن من طرفهم؟

وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ ...

- لماذا جاء التبيان الإلهي مكررا أنهم ما قتلوه يقينا؟

... وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ...

- كيف تم رفع المسيح؟

- ولماذا رفعه الله إليه؟

بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا

- وكيف سيؤمن به جزء من أهل الكتاب قبل موته؟

- كيف سيكون عليهم شهيدا يوم القيامة؟

وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا

- الخ.

سنبدأ النقاش هنا بالتساؤل المثير التالي: لماذا قالوا بأنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم رسول الله (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ)؟ فهل كان القوم مقرّين إذاً بأن المسيح عيسى بن مريم هو فعلا رسول الله؟ أم أن عبارة رسول الله هي خارج قولهم وأن هذا تبيان إلهي لماهية المسيح عيسى بن مريم؟ فكيف يمكن أن تقرأ الآية الكريمة في هذا الصدد؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن – مبدئيا- بأن الأية الكريمة يمكن أن تقرأ بالوقف على وجهين، على النحو التالي:

- الوقف بعد كلمة المسيح عيسى بن مريم (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ). إن صح الوقف هنا، سيكون ذلك بمثابة اقرارا منهم بأنهم قد قتلوا المسيح عيسى بن مريم، لكنهم (يمكن أن نفهم) غير مقرين بأنه رسول الله، وأن ورود عبارة (رَسُولَ اللّهِ) في هذا السياق هو فقط تبيان إلهي لماهية المسيح مصداقا لقوله تعالى:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (171)

فقد كان القوم يغلون في دينهم، ويظنون أن المسيح أعلى مرتبة من الرسل بدليل أنهم اعتبروه جزء من الإله بقولهم ثلاثة. فكيف يمكن لمن كان يظن بأن المسيح جزء من الثلاثة سيتجرأ على قتله؟ من يدري؟!

ولو تفقدنا الآيات الكريمة التالية، لوجدنا بعضهم يذهبون إلى أبعد من ذلك، فظنوا أن المسيح هو الله ذاته:

قَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)

السؤال: كيف ستجرأ "من يظن أن المسيح هو الله" على قتله؟ من يدري؟!

جواب مفترى: كلا وألف كلا، نحن ننفي جملة وتفصيلا أن يُقدِم على قتل المسيح من كان يظن أنه الله أو أنه ابن الله.

- الوقف بعد كلمة المسيح عيسى بن مريم رسول الله (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ)، وإن صح الوقف عنا، فهذا يعني – برأينا- اعترافا منهم بأن المسيح ليس أكثر من رسول الله. فيكون السؤال هو: هل يتجرأ على قتل ذلك الرسول من كان يظن بأنه فعلا رسول الله؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نعم. لا يوجد ما يمنع أن يقتل القوم من كانوا يظنون أنه رسول الله، مصداقا لقوله تعالى:

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)

ولو تدبرنا هذا السياق القرآني جيدا، لوجدنا ذكر المسيح عيسى بن مريم الذي أيده الله بروح القدس، لكن كان سلوك من حوله على وجهين، أي انقسموا إلى فريقين:

- فريق يكذب الرسول (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ)

- فريق يقتل الرسول (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)

وقد يظن القارئ للوهلة الأولى بأن مفردة فريقا تعود على الرسل، أي أنّ هؤلاء القوم قد كذبوا فريقا من الرسل وقتلوا فريقا آخر من الرسل. 

السؤال: هل مفردة فريقا هنا تعود على الرسل؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن لا نؤيد مثل هذا الفهم اطلاقا، لأنه من الاستحالة بمكان أن يكون الرسل (بالكلام الإلهي) فرقا. فالله قد أقرّ بعدم التفريق بين الرسل، أي جعلهم فرقا:

قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)

قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن مفردة "فريقا" (الواردة في النص) لا تعود على الرسل لأنه لا يمكن تفريق الرسل، فالرسل ليسوا فرقا.

السؤال: من الذين يمكن أن يكونوا فرقا؟ وكيف يمكن أن نفهم عبارة (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ). 

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن الذين يمكن أن يكونوا فرقا هم الناس من حول الرسل، فهم الذين يمكن أن يتفرقوا بسبب دعوة الرسل:

وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)

وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأن مفردة "فرق" (ومشتقاتها) لا تستخدم في النص القرآني لوصف حالة الرسل وإنما لوصف حالة الناس الذين جاءتهم الرسل بالبينات. وهذا يعني - بمفرداتنا الدارجة- أن مفردة "فريقا" التي ترد في الآية الكريمة ذاتها: 

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)

لا تعرب على أنها مفعول به للفعل كذب أو للفعل قتل. فالقوم (نحن نظن) لم يقتلوا فريقا من الرسل ولم يكذبوا فريقا من الرسل. وذلك لأن كل رسول جاء بالبينات قد انقسم الناس من حوله إلى فرقا، بعضهم يريد قتله، والبعض الآخر يكذبه. لذا، نرى أن مفردة فريقا تصف حال القوم من حول الرسل (كل رسول)، لذا يجب أن تعرب المفردة على أنها حال للقوم من حول الرسول أو تميزا لهم (عن بعضهم البعض):

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)

السؤال: هل يمكن للقوم أن يقتلوا من يعترفوا برسالته لهم (كرسول)؟

جواب مفترى: نعم. يمكن للقوم أن يقتلوا الرسول بدليل قوله تعالى: 

لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155)

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61)

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (112)

ولو تتبعنا جميع السياقات القرآنية، لوجدنا بأن القتل كان يقع على الأنبياء والنبيين، لكن المدقّق في النص القرآني سيجد أن قتل الرسل لم يكن إلا من بني اسرائيل لسبب واحد وهو أن الرسول قد جاءهم بما لا تهوى أنفسهم:

لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)

إن هذا الكلام المفترى من عند أنفسنا يقودنا إلى النتيجة المفتراة الخطيرة جدا التالية: إن الذين قتلوا عيسى بن مريم هم فريق من بني إسرائيل كان مقتنعا بأن المسيح عيسى بن مريم هو فعلا رسول الله، لكن سبب قتلهم له هو أنه قد جاءهم بما لا تهوى أنفسهم:

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)

فلآية الكريمة يجب (نحن نفتري الظن) أن تُقرأ بالوقف بعد عبارة رسول الله (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ)، لنفهم أن أولئك القوم (أو لنقل ذلك الفريق منهم) الذين أقدموا على محاولة قتل المسيح عيسى بن مريم هم من كانوا مقرّين بأنه رسول الله (وليس من الثلاثة أو أنه هو الله). فمن كان يؤمن أن المسيح من الثلاثة هم الذين كفروا به كرسول:

قَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)

والفريق الذين قالوا هو الله كانوا هم أيضا كافرين:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)

يبقى هناك فريق ثالث منهم، وهم من آمن بأن المسيح هو رسول من الله، وهؤلاء هم (نحن نظن) من أقدموا على محاولة قتل المسيح (كرسول)، وكان ذلك لسبب واحد، وهو أنه قد جاءهم بما لا تهوى أنفسهم. انتهى.

السؤال: ما الذي لا تهواه أنفسهم وكان سببا في اقدامهم على محاولة قتل المسيح عيسى بن مريم؟

رأينا المفترى: لو حاولنا تفقد عبارة "ما تهوى الأنفس" على مساحة النص القرآني، لوجدناها ترد في السياقات التالية:

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)

أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى (23)

ولو تدبرنا هذه الآيات الكريمة في هذا السياق جيدا، لربما صحّ لنا أن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن هؤلاء القوم قد كانت تهوى أنفسهم شيئا ما من ذلك الرسول، فما هو ذلك الشيء الذي كانوا يودون لو أن ذلك الرسول (عيسى بن مريم) قد جاءهم به؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الشيء الذي كانت أنفسهم تهواه هو أن يأتيهم الرسول (أي رسول) بما كانت عليه الأقوام التي سبقتهم:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)

فالذي كانت تهواه أنفسهم هو أن يجعلوا لله الولد، فهناك فريق من اليهود والنصارى كانوا يتمنون أن يثبت لهم الرسول ظنهم بأن الإله له ولد، وهذه عقيدة الذين كفروا من قبلهم (يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ). فيصبح السيناريو حينئذ – كما نتخيله طبعا- على النحو التالي: يأتي المسيح عيسى بن مريم بالرسالة التي تنفي العقيدة الباطلة للذين كفروا من قبل "بأن لله ولد". فها هو يصدق ما بين يديه من التوراة، ويطلب منهم أن يؤمنوا بأن الله ربه وربهم:

وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (51) 

وفي هذه اللحظة تبين نواياهاهم بالكفر، ويحس ذلك عيسى منهم. انظر عزيزي القارئ – إن شئت- تتمت السياق القرآني السابق ذاته:

وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)

فها هو يطلب منهم أن يتقوا الله ويطيعوه (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ).

السؤال: بماذا يأمرهم المسيح أن يطيعوه؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الآية التي تأتي مباشرة بعد ذلك هي بالضبط ما طلب المسيح منهم أن يطيعوه فيه، وهو قوله: إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ

فلو لم يطلب المسيح عيسى بن مريم منهم عبادة الله وحده، لما أحس (نحن نظن) منهم الكفر برسالته. فما أن طلب منهم ذلك (إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) حتى كانت ردة فعلهم الكفر الذي أحسه عيسى منهم على الفور:

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)

وبكلمات أخرى، نحن نفتري القول بأنه لو جاءهم عيسى بما تهوى أنفسهم (وهو اتخاذ الإله للولد)، لما كانت ردة فعلهم على نحو ما كانت. ولو قال لهم المسيح بأنه ابن الله، لتقبلوا رسالته على الفور، وذلك لأن هذا ما كانت تهواه أنفسهم.

السؤال: لماذا يريدون العقيدة على ذلك النحو؟

رأينا المفترى: لأنهم بذلك يستطيعون أن يجعلوا من أنفسهم (كرهبان ورهبانا) أربابا من دون الله:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)

وبذلك تبقى سلطتهم على رقاب العباد نافذة، أي لشرعنوا سلطتهم الدينية عن طريق المسيح عيسى بن مريم. فهم يريدون أن يشرّع لهم المسيح سلطتهم "الدينية" على رقاب العباد، لكن أولئك الأحبار والرهبان قد فقدوا سطوتهم الدينية لأن المسيح لم يشرعن لهم عبادة أحد من دون الله، فهو بذلك قد نزع عنهم شرعيتهم المزعومة، فكان ذلك ضد مصالح الكهنوت الذي كان صاحب السلطة النافذة حينئذ.

وفي هذا الوقت بدى منهم ما كانوا يكتمون: العداوة والبغضاء وما تخفي صدورهم أكبر:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118)

فكان ما أخفت صدورهم هو أكبر، لأنهم لا شك كانوا يخططون لقتل المسيح عيسى بن مريم. 

السؤال: كيف نفذوا ذلك على أرض الواقع؟ وكيف ظنوا بأنهم قد قتلوا المسيح عيسى بن مريم كما جاء على لسانهم؟

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)

تلخيص ما سبق: كان فريق من بني إسرائيل (وهم بعض من الأحبار والرهبان) يودّون لو أن المسيح أقر لهم بما تهوى أنفسهم (أنه ابن الله)، ليتقبّلوه على الفور، لأنهم ببساطة يستطيعون أن يأخذوا حينئذ شرعية بأن يكونوا في أعين الناس (كأحبار ورهبان) أربابا من دون الله. لكن لمّا كانت رسالة المسيح واضحة جليّة بأنه عبد لله، وأن الله واحد لا شريك له، وأن ليس هناك أربابا من دون الله، كان ذلك يتنافى مع مصالح أولئك الأحبار وارهبان استمرار فرض سطوتهم الدينية على رقاب العباد، فكان لابد من التخلص من هذا الذي هو رسول الله. 

السؤال: ماذا كان قرارهم تجاه المسيح عيسى بن مريم؟

رأينا المفترى: كان اجماع هذا الفريق على نحو أن يقتلوه، فقالوا ذلك بصريح اللفظ:

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)

السؤال: كيف نفذوا ما عزموا عليه (أي قتل المسيح عيسى بن مريم)؟

رأينا المفترى: بالصلب. انتهى.

السؤال: وكيف سيصلبوه؟

رأينا المفترى: لو دققنا في السياق القرآني ذاته، لوجدنا أنهم قد أقروا بقتله، لكن الله هو من نفى أنهم قد صلبوه. ليكون السؤال: لماذا نفى الله صلبهم للمسيح في حين أن قولهم لا يحمل في ثناياه صريح اللفظ بالصلب؟

جواب مفترى: نحن نظن بأن الله قد نفى الصلب عن المسيح على أيديهم لأن الخطة التي دبروها لقتل المسيح تحمل في ثناياها المعنى الضمني بالصلب، وبكلمات أخرى نحن نقول بأن القوم قد اتخذوا قرارهم بقتل المسيح، وتكون آلية القتل (كمل خططوا لها) بالصلب. انتهى.

الدليل

لا شك عندنا أن قتل الشخص يعني التخلص منه (أو منعه)، لكن القتل ينفذ بطرق عديدة، فيمكن أن يكون القتل بحجز الشخص عما يريد الوصول إليه، ويمكن أن يصل إلى درجة انهاء الحياة. إذن، نحن نفتري الظن بأنه يمكن أن تقتل الشخص بحجزه عما هو مقدم عليه (كأن تحجز الطفل عن حبة الشكولاته التي يريد الوصول إليه أو أن تحجز الموظف عن الوصول إلى المنصب إلذي سعى للوصول إليه فترة طويلة من الزمن)، ويمكن أن تنهي حياته جراء ما هو فاعله. (للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة عن معنى مفردة القتل).

إن ما يهمنا طرحه هنا هو أن القوم من بني اسرائيل كانوا ينقسمون فيما بينهم إلى فرقا، فمنهم من يريد قتل الرسول (بمنعه عن أداء مهمته)، وفريقا منهم يكذبون الرسول لكنهم لا يقدمون على قتله. 

السؤال: كيف دبر فريق من بني إسرائيل قتل المسيح عيسى بن مريم رسول الله؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن القوم قد اعتقوا أنهم قتلوا المسيح عندما ظنوا أنهم قد أحبطوا مهمة المسيح في نشر دعوته بين القوم أجمعين، أي منعوه (أو لنقل حجزوه) عن الوصول إلى الناس لنشر تعاليمه.

السؤال: وكيف نفذوا ذلك؟

رأينا المفترى: بداية نودّ أن نلفت انتباه جميع القراء الكرام إلى أننا سنسطر في الصفحات التالية افتراءات نظن أنها غير مسبوقة على الإطلاق، وأنها ترقى إلى أن تكون أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع. لذا، ستبقى كلها في طور الافتراء الذي يحتاج إلى التمحيص والتدقيق. لهذا، نحن نطلب من الجميع (شاكرين ومقدرين) قراءتها بعين الناقد المتفحص وليس بعين المقلد المتبع. ومن يظن أنها لا تستحق عناء الجهد والوقت، فهو لا شك قد سلك الطريق الأسهل، وندعوه أن يترك القراءة عند هذه السطور إلى غير رجعة، سائلين الله له أن يجد ما يناسبه في مكان غير هذا. وفي الوقت ذاته ندعو الله لأنفسنا بأن يهدنا صراطه المستقيم، ونعوذ به أن نكون ممكن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو السميع البصير. 

أما بعد

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا خطيرة جدا جدا: كان المسيح يظهر بين القوم بصورة هي أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، وذلك لأن أقدام المسيح (نحن نفتري الظن) لم تكن تطأ الأرض قطعا. فهو يظهر ويكأنه طائر ما بين السماء والأرض. انتهى.

الدليل

من أجل جلب الدليل على هذا الافتراء الخيالي، علينا أن نعود للبحث عن ماهية المسيح منذ اللحظة التي وُلد فيها عند جذع النخلة. قال تعالى:

فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا (26)

وسنركز في بحثنا هنا في هذا السياق القرآني على ملاحظتين اثنتين فقط، وهما:

- فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي

- وَقَرِّي عَيْنًا

لنطرح حولها التساؤلات التالية:

- هل حزنت مريم عندما وضعت المسيح؟

- كيف قرت عينها بعد أن كانت غير قريرة العين؟

رأينا المفترى 1: نحن نظن بأن مريم قد حزنت عندما وضعت المسيح، لذا جاء الأمر الإلهي لها بأن لا تحزن.

رأينا المفترى 2: نحن نظن بأن عين مريم لم تكن قارة (أو قريرة) عندما وضعت المسيح، لذا جاءها الأمر الإلهي بأن تقر عينها. 

السؤال 1: لماذا حزنت مريم بعد أن وضعت المسيح؟

السؤال 2: كيف قرت عينها بعد أن كانت على خلاف ذلك من قبل؟

رأينا المفترى: للإجابة على هذه التساؤلات، علينا أن نبدأ النقاش بالبديهيات التالية:

أولا، الحديث هنا عن أم 

ثانيا، الحديث هنا هو عن شعور الأم تجاه ولدها

ثالثا، جاء الحديث هنا عما حصل للأم تجاه ابنها حديث الولادة.

السؤال: كيف يمكن أن نخرج بمعنى الحزن واستقرار العين في مثل هذا المشهد الذي يصور حالة الأم تجاه ابنها حديث الولادة؟

رأينا المفترى: لو تدبرنا هذه المشاعر (الحزن واستقرار العين) المتولدة من الأم تجاه وليدها، لقادنا المشهد على الفور إلى ما بدر من أم موسى تجاه ولدها موسى يوم أن ألقته في التابوت.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: نحن بحاجة أن نجلب السياقات القرآنية الخاصة بأم موسى، والتي تصور مشاعرها تجاه ولدها موسى في طفولته، خاصة عندما قذفته في التابوت ثم قذفته في اليم، فنجد الآيات الكريمة التالية على الفور:

وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)

دقق عزيزي القارئ – إن شئت- في هذه السياقات القرآنية جيدا، لتجد أنّ ما بدر من أم موسى هو الحزن، وأن عينها لم تكن قريرة حينذ (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ)، ليكون السؤال على الفور هو: لماذا؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن حزن أم موسى على ولدها كان بسبب فقدانها له عندما ألقته في التابوت، فقذفته في اليوم، ووقع بيد آل فرعون. فالأم (أي أم) ستحزن - لا شك - حزنا شديدا على فراق طفلها خاصة إذا كانت تجهل مآله في لحظة فقدانه. وبهذه الحالة ستبقى عينها غير قريرة حتى يعود إليها طفلها. فيستحيل أن تقر عين الأم (أي أم) مادامت تفقد طفلها، ولن تقرأ عينها ما زال بعيدا عنها.

افتراء خطير جدا جدت: نحن نظن (ربما مخطئين) أن غياب موسى (الطفل) من حضن أمه كان هو سبب حزنها، وغيابه عنها لفترة من الزمن هو ما جعل عينها غير قريرة طيلة فترة غيابه عنها. وما كانت عينها لتقر، وما كان الحزن ليذهب من قلبها إلا بعودة الطفل إلى حضن أمه. 

تلخيص ما سبق: كان موسى الطفل في حضن أمه، لكن كان عليها أن تتخلى عنه عندما جاءها الوحي الإلهي بأن تقذفه في التابوت، فتقذفه في اليم. فكان ذلك هو – برأينا – ما سبّب الحزن لها. وستبقى عين أم موسى – لا محالة - غير قريرة ما دام الطفل (موسى) يغيب عن حضنها. والله هو من أذهب الحزن من قلب أم موسى وجعل عينها قريرة بأن رده إليها:

فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)

نتيجة مفتراة: مادام أن الحزن من قلب أم موسى قد ذهب ومادام أن عينها قد قرّت بعودة الطفل إليها، كان غيابه عنها هو إذاً سبب حزنها وعدم قرار عينها. انتهى.

وليس أدل على أن حزن الوالد (الوالدة) يتولد بسبب فقدان الولد مما حصل ليعقوب من حزن بسبب فقدانه يوسف، قال تعالى:

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) 

نتيجة مفتراة: سبب الحزن وعدم قرار عين الوالدة (الوالد) يكون بسبب فقدان الولد. انتهى.

والآن لنعود – بمثل هذا الفهم المفترى من عند أنفسنا – عن سبب حزن (وذهاب حزن) أم موسى وقرار عينها وحزن يعقوب و"ابيضاض" عينيه (الرؤية) لفقدانه يوسف، لندقق فيما بدر من مريم لحظة ولادتها للمسيح عيسى، ليكون السؤال الآن هو: ألا نجد بأن مريم قد حزنت وأن الله هو من طلب منها ألا تحزن؟

- فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي

ثم، ألا نجد بأن عينها لم تكن قريرة، وأن الله هو من طلب منها أن تقر عينها؟

- وَقَرِّي عَيْنًا

السؤال مرة أخرى: لماذا حزنت مريم عندما وضعت ابنها المسيح (عيسى) عند جذع النخلة؟ ولماذا لم تكن عينها قريرة عندما ولدته؟

جواب مفترى خطير جدا جدا (لا تصدقوه إن شئتم): لأن مريم قد فقدت المسيح بعضا من الوقت عندما ولدته، فهي قد حزنت لفقدانه ولم تقر عينها لغيابه عنها فترة من الزمن (كما فقدت أم موسى طفلها بعضا من الوقت فأصابها الحزن جراء ذلك وما قرت عينها إلا بعودته إليها). انتهى. 

السؤال: كيف حصل ذلك على أرض الواقع؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: كانت مريم متواجدة على تلك الربوة عند جذع النخلة عندما وضعت المسيح. وما أن نزل المسيح (كلمة الله وروح منه) من بطن مريم حتى طار (نحن نتخيل) كالعصفور إلى أدنى الربوة من طور سيناء في البقعة المباركة من الشجرة، فظنت مريم بأن طفلها قد "سقط" إلى الواد، فكان حزنها عليه مباشرا. فهي (كأم) قد فقدت منذ اللحظة الأولى وليدها. وما كانت تعلم ما حصل له بعد أن اختفى عن نظرها في ذلك الواد. فأصابها الحزن جراء ذلك، وأصبحت غير قريرة العين. فما كانت تدري ما حصل له بعد ذلك، فأصبحت قلقة تترقب ما حلّ به بعد ذلك. فحزنت لفقدانه ولم تقر عينها حينئذ. وما كان الحزن ليذهب من قلبها، وما كانت عينها لتقر، إلاّ بمعرفة ما آلت إليه حال طفلها، بالضبط كما حصل لأم موسى بعد أن فقدت طفلها، وذهابه عنها في التابوت. 

السؤال: متى ذهب الحزن من قلب أم موسى وكيف قرت عينها؟ 

رأينا المفترى: لم يكن الحزن ليفارق قلب أم موسى على فراق طفلها، وما كانت عينها لتقر إلا بعودة الطفل إلى حضنها. وما حصل ذلك إلا بعد أن رده الله إليها لتقر عينها ولا تحزن:

فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)

السؤال: كيف رجع موسى إلى أمه؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري القول بأن الله هو من رد موسى (الطفل) إلى أمه، كما نفتري الظن بأن ذلك كان على نحو أن موسى قد رجع إلى أمه بالأداة ذاتها التي ذهب بها، ألا وهي التابوت. فموسى قد عاد إلى أمه في ذلك التابوت الذي قذفته فيه حينما أبعدته عنها في بداية القصة.

السؤال: وكيف رد الله عيسى إلى أمه بعد أن فقدته بعد ولادتها أياه مباشرة؟

جواب مفترى من عند أنفسنا خطير جدا جدا: نحن نتخيل بأن عيسى قد رده الله إلى أمه بالطريقة ذاتها، أي في التابوت. انتهى.

الدليل

لو تفقدنا الآيات الكريمة التي تصور لنا ما حصل للمسيح عيسى بن مريم في مشهد ولادته، لوجدنا الآية الكريمة التالية:

فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)

لنثير حول هذه الآية الكريمة جملة من التساؤلات، نذكر منها:

- لماذا ناداها؟

- من الذي ناداها؟

- لماذا كان من ناداها متواجدا تحتها؟

- كيف نفهم أنه كان متواجدا تحتها؟

- لماذا طلب منها ألا تحزن؟

- كيف جعل ربها تحتها سريا؟

- من هو ذلك السري؟

- الخ.

وسنحاول أن نجيب (حسب فهمنا للنص) عن هذه الأسئلة تباعا. ولنبدأ بالسؤال الأول: لماذا جاء الخطاب بصيغة النداء؟

رأينا المفترى: ما دام أن الخطاب قد جرى بطريقة المناداة، فلا شك أن هناك طرفان، وهما المنادي والمنادى عليه. وقد لا نشك قيد أنملة بأن المنادى عليه هو مريم نفسها، لكن قد يكون هناك بعض الالتباس في أذهاننا عن ماهية المنادى. فمن هو؟

رأينا المفترى: مادام أن العملية قد تمت بالنداء، فإن هناك – لا شك عندنا- مسافة بين المنادي والمنادى عليه. فلا داع أن أنادي عليك إن كنت تجلس قريبا جدا مني. فمن أبسط معاني النداء هو توصيل رسالة من المتكلم إلى السامع الذي يبتعد عنه مكانيا. فالمنادي للصلاة يريد أن يوصل صوته لمن هو بعيد مكانيا عن مكان إقامة الصلاة. وعندما نادى نوح ابنه كان المنادي منهم متواجدا في مكان آخر غير المكان الذي يتواجد به المنادى عليه. فنوح في السفينة وابنه خارجها. وهذا زكريا ينادي ربه نداء خفيا. فرب زكريا (وإن كان قريب) لكنه لا يتواجد مكانيا في المكان ذاته الذي يتواجد به زكريا عندما ناداه. وهكذا. (للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة حول معنى النداء).

السؤال: أين كان يتواجد من نادى مريم في تلك اللحظة؟

رأينا المفترى: نحن نفتري القول بأنه كان يتواجد تحتها، لأن النداء انطلق من تحتها:

فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا...

وهذا يقونا إلى تقديم الافتراءات المهمة التالية:

افتراء 1: كان المنادي يتواجد تحت مريم

افتراء 2: انطلق النداء من هناك، أي من تحت مريم.

السؤال: كيف نفهم عبارة "مِن تَحْتِهَا" من تحتها في هذه الآية الكريمة؟

رأينا المفترى: لو دققنا في عبارة "من تحت" على مساحة النص القرآني، لوجدناها تصور لنا لزوم الفصل المكاني بين طرفين. فهذه الأنهار تجري من تحت قاطني الجنة:

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)

وهذا الفصل المكاني لا يحمل في ثناياه (نحن نظن) لزوم الاتجاه العامودي المباشر، لأنه لو تصورنا المشهد على هذا النحو، لكان الانتقال المكاني لقاطني الجنة مستحيلا، فكيف ستبقى الأنهار مباشرة تحتهم لو أرادوا التنقل فيها؟ فهل يمكن أن نتخيل الأنهار تنتقل بذاتها مع قاطني الجنة حيثما انتقلوا؟

وهذا فرعون يصرخ بأعلى صورته بأن الأنهار تجري من تحته:

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)

فلو كانت الأنهار تحت فرعون مباشرة (بالاتجاه العامودي المستقيم)، فكيف بالقوم سيبصرونها؟ فهل كانت الأنهار تتنقل مع فرعون حيثما انتقل؟ وهل كانت الانهار ستبقى تحت فرعون مباشرة حيثما انتقل؟ من يدري؟!!!

رأينا المفترى: نحن نظن بأنه ليس شرطا أن يكون المكان الذي يوصف "تحت طرف ما" يتواجد تحته بالأتجاه العامودي المباشر. ولو كان الشي يقع تحت شيء آخر مباشرة لسبب ذلك انعدام الرؤية، فكيف سترى ما يقبع تحتك مباشرة (باتجاه عامودي مستقيم)؟ فأهل الجنة يرون الأنهار التي تجري من تحتهم، لذا فإن الأنهار لا تقع تحتهم بالاتجاه العاموي المباشر؛ وفرعون يرى الأنهار التي تجري من تحته، وكذلك قومه من حوله يرون تلك الأنهار، فهي إذن ليست واقعة تحت فرعون بالاتجاه العاموي المباشر.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأن مفردة تحت لا تعني الاتجاة العامودي المباشر، لأنها تتيح رؤية الشخص ومن حوله لما هو تحته. لذا، فهي تعني التواجد في مكان منخفض في العلو عن المكان الذي يتواجد به الشخص نفسه. فأنهار الجنة أخفض ارتفاعا من مكان قاطنيها لكنهم يرونها. وفرعون أعلى من الأنهار التي تجري تحته بغض النظر عن زاوية تواجده بالنسبة لها. 

ولو دققنا مثلا في اللغة الانجليزية، لوجب علينا ترجمة مفرة "تحت" بمفردة (below) وليس بمفردة (under)، لأن مفردة (under) تعني المباشرة أما مفردة (below) تعني التواجد الأدنى لكن ليس بالضرورة أن يكون مباشرة. لذا، علينا أن نميّز بين عبارتين في النص القرآني، وهما عبارة "من تحت" مقابل عبارة "من دون". فهذه مريم تتواجد في الحجاب الذي يتواجد من دون قومها:

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

وهذا الله نفسه من دون الذين يعبده أؤلئك الكافرين:

قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ (41)

السؤال: كيف إذن يمكن أن نفهم عبارة "من دون"؟ وكيف يكون الله نفسه "من دونهم"؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن عبارة من دون تحمل في ثناياها معنى الاتجاه المكاني، وإنما تعني الانفصال فقط دون تحديد الاتجاه، فمريم تقطن في الحجاب من دون قومهما، فهي في ذلك المكان منفصلة عنهم، لكنهم ليسوا أعلى شأنا منها. 

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

وها هما المرأتان اللتان وجدهما موسى متواجدتان من دون الأمة الذين كانوا يسقون حينئذ:

وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)

فليس بالضرورة أن يكونا متواجدتين في مكان أعلى أو أخفض نسبيا من المكان الذي يتواجد به من كانوا يسقون حينئذ. لكن المرأتان كانتا منفصلتين عنهما بغض النظر عن الاتجاه المكاني وطبيعته الجغرافية.

وها نحن نجد الإله يصف نفسه بأنه من دون غيره. وذلك لأنه (نحن نفتري القول) منفصل تماما عن غيره:

وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: في حين أن عبارة "من دون" لا تحمل في ثناياها (نحن نظن) معنى الاتجاه المكاني، فإن عبارة "من تحت" – بالمقابل- هي التي تحدد الاتجاة المكاني، وذلك أن "من كان تحت" (الطرف الأول) هو متواجد في مكان أخفض من المكان الذي يتواجد به من يتصف به (الطرف الآخر). فالذي نادى مريم (المنادي) كان متواجدا في مكان أكثر انخفاضا من المكان الذي تتواجد به مريم (المنادى عليه). فمريم الآن متواجدة – لا شك- عند جذع النخلة (الذي يحمل الثمر)، تجلس على تلك الربوة. وكان المنادي يبتعد عنها (مناداها) من مكان أكثر انخفاضا من المكان الذي كانت تجلس فيه مريم. فجاءها النداء من تحتها. 

السؤال: أين هو ذلك المكان؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: إنه ذلك الواد المقدس في البقعة المباركة من الشجرة. انتهى.

تلخيص ما سبق: كانت مريم تجلس على الربوة من جذع النخلة. وكان جذع النخلة (أي الغصن الذي يحمل الثمار) فكان ذلك الجذع يضللها، وتستطيع الامساك به لتهزه، فيتساقط عليها رطبا جنيا:

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)

(للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة تحت عنوان كيف تم خلق المسيح عيسى بن مريم ومقالات ما يؤكل وما لا يؤكل)

وكان يقع تحت ذلك المكان الذي تتواجد فيه الواد المقدس في البقعة المباركة من الشجرة. وكان الذي نادى مريم حينئذ متواجدا في ذلك الواد. وهو (نحن نفتري الظن) الذي نادى مريم من تحتها. انتهى.

السؤال: من هو الذي نادى مريم من تحتها؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن الذي نادى مريم هو روح القدس. انتهى.

الدليل

عندما حملت مريم المسيح، حصل ذلك في الحجاب عندما جاءها رسول ربها (وهو الروح الذي أرسله الله إليها):

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

وهناك قام الروح بالنفخ في مريم (في فرجها)، فحملت بالمسيح:

مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)

وهناك حصل الحمل، فما كان من مريم إلا أن تغادر الحجاب إلى المكان القصي:

فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)

وكان ذلك هو مكان المسجد الأقصى، حيث الطور والشجرة والربوة. وهناك وضعت المسيح، ليكون السؤال الآن هو: أين ذهب الروح الذي تمثل لمريم بشرا سويا بعد النفخ في فرجها؟

رأينا المفترى الخطير جدا: نحن نفتري الظن بأن الحادثة (حمل المسيح وولادته) قد حصلت كلها في ليلة القدر، حيث يتنزل الروح الملائكة فيها:

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)

فكان ميلاد المسيح في ليلة القدر، حيث يتواجد الروح والملائكة تتنزل بإذن ربهم في البقعة المباركة من الشجرة. فكان المكان (الواد المقدس) يعج بالحضور وعلى رأسهم روح القدس. فميلاد المسيح حضره الروح والملائكة، وكانوا متواجدين في الواد المقدس في البقعة المباركة من الشجرة. 

تخيلات مفتراة: ما أن وضعت مريم المسيح عيسى بن مريم، حتى نزل من بطنها، إلى تلك البقعة طائرا (كما العصفور). وهناك كان الحضور ينتظر هذه اللحظة المباركة في تلك الليلة التي هي كلها سلام. فولد السلام (المسيح عيسى بن مريم) في ليلة السلام (ليلة القدر)، فكان السلام عليه منذ تلك اللحظة:

وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)

وما أن نزل المسيح في ليلة السلام في أرض السلام (البقعة المباركة) حتى كان الجميع يسلم عليه، ويتبرك به لأنه هو أصلا مبارك:

وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)

فعيسى ابن مريم هو كلمة الله، ومادام كذلك، فإن كلمات الله لا تنزل إلا في ليلة مباركة:

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3)

السؤال: ما الذي حصل عندما نزل المسيح من بطن أمه إلى تلك البقعة المباركة من الشجرة؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: كان التابوت ينتظره ليحل فيه. انتهى.

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: تتخذ مريم من أهلها مكانا قصيا، فيحط بها الانتقال إلى الربوة المتواجدة مكان المسجد الأقصى، وهي الربوة المشرفة على البقعة المباركة من الشجرة. هناك يأتيها المخاض، فتحصل الولادة، وينزل كلمة الله (المسيح) من بطنها، لكن ما أن ينزل من بطنها الطاهر حتى يطير (كما العصفور) إلى الاسفل باتجاه الوادي المقدس في البقعة المباركة من الشجرة، فيصيب مريم الحزن لظنها بأنها قد فقدته، فما تقر عينها بسبب (نحن نتخيل) ما حصل لإبنها الذي وضعته للتو. فتبقى على تلك الحالة قسطا من الوقت حتى يأتيها النداء من تحتها، بكلمات الروح (روح القدس) بأن لا تحزن لأن الله قد جعل تحتها سريا:

فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)

وهنا قرّت عين مريم وذهب الحزن عنها، لأنها علمت أن ذلك السري قد تولى أمر ابنها، وأنه سيعيده لها بعد أن يفرغ من تجهيزه (كصبي حديث الولادة). 

السؤال: ما هي التجهيزات التي سيقوم بها روح القدس (والملائكة) لهذا الصبي حديث الولادة؟

رأينا المفترى الخطير جدا جدا: إنه اللباس والتابوت. انتهى.

السؤال: وكيف ذلك؟

جواب مفترى: هذا ما سنتناوله بحول الله وتوفيق منه في الجزء القادم من هذه المقالة إن أذن الله لنا الإحاطة بشيء من علمه فيها. سائلين الله وحده أن ينفذ مشيئته وإرادته لنا الإحاطة بشي من علمه في ذلك لا ينبغي لأحد دوننا، إنه هو العليم الحكيم، وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأن يجعل لي من لدنه سلطانا نصيرا، وأعوذ به أن أكون ممن يفترون عليه الكذب، أو ممن يقول عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو الواسع العليم – آمين.



المدكرون: رشسد سليم الجراح & محمد معتصم مقداد & علي محمود سالم الشرمان 

بقلم: د. رشيد الجراح

11 كانون أول 2019

هناك تعليق واحد:

  1. سيناريو سيناريو واهم مافيه ان قصة عيسي جننت كل الباحثين وكمان ايه ابراهيم خليل الله استااااامنه علي التابوت

    ردحذف