لماذا قدّم نبي الله لوط بناته بدلاً من ضيوفه 6؟







انتهى الجزء السابق من مقالتنا هذه عند زعمنا بأنّ بيت إبراهيم قد أصابه الوهن بسبب الخلاف الذي نشب بين نسائه،

ولمّا كان إبراهيم يريد أن يحافظ على بيته، تصرف كالنحلة التي تنشئ بيتاً جديداً، فتقوم بترك جزء منها في الخلية الأولى، وتأخذ جزءاً ليكون نواة بيت جديد، فينقسم بذلك البيت الواحد إلى بيتين، وبالرغم أنّ إبراهيم كان شريكاً في كلا البيتين، إلا أنّ القسمة كانت مبنية على أساس ملكية الزوجة، فلا حق لسارة ببيت هاجر، ولا حق لهاجر ببيت سارة. وقد انتهى كلامنا في ذلك الجزء بطرح جملة من التساؤلات التي زعمنا أنها يمكن أن تسعفنا في الإجابة على سؤال جوهري وهو: لماذا سمح إبراهيم بهذا الانقسام؟








وقد ثمثل جوابنا على ذلك السؤال بالافتراء التالي الذي هو – بلا شك- من عند أنفسنا: لقد سمح إبراهيم بذلك الانقسام لبيته ليتم له تقسيم ميراث النبوة بالعدل بين أبناءه. وكانت التساؤلات التي طرحت تشمل:


- لماذا تورّث النبوة؟


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ

الحديد (26)


- لماذا استمرت النبوة في بيت إسحق وانقطعت من بيت إسماعيل؟


وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)العنكبوت 

- لماذا كان الذبح من نصيب إسماعيل؟


فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)الصافات 

- كيف كان إبراهيم أمة؟


إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)

- لماذا دعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث الله فيهم رسولاً من أنفسهم ولم يفعل ذلك لإسحق؟


وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة

وزعمنا أنّ الإجابة على مثل هذه التساؤلات ستفضي بنا للحديث عن قضايا قد تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن صلب الموضوع، لكننا نرى أنها كانت نتائج حتمية لهذه الحوادث التاريخية الحاسمة، نذكر منها:






- لماذا حصلت رحلة الإسراء إلى بيت المقدس (الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) على وجه التحديد؟


سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)الإسراء 


- لماذا لم يكن محمد راض كل الرضا عن القبلة التي هو عليها؟ ولماذا تقبّل الله تقلّب وجه محمد في السماء فغيّر القبلة إلى الجهة التي يرضاها محمد؟


قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)البقرة 


- كيف تصرف محمد في حادثة الإفك؟ ولماذا كانت حادثة الإفك خيراً لبيت محمد وللمؤمنين ولم تكن شراً لهم؟


إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)النور 


- لماذا انقطعت النبوة مع نهاية رسالة محمد، فكان محمد خاتم النبيين؟


مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا

الأحزاب (40)


أما بعد،


لقد حاولنا في مقالتنا السابقة تفصيل الفرق بين مفردة البيت (كما في حالة إبراهيم والنحل والعنكبوت) ومفردة المسكن (كما في حالة النمل) في النص القرآني، وزعمنا الفهم بأن البيت هو ملكية خاصة لا حق للآخرين فيه، بينما لا يعدو المسكن أن يكون أكثر من مكان للاستقرار فترة من الزمن تؤول في نهاية المطاف ملكيته للآخرين (للتفصيل انظر الجزء السابق من هذه المقالة
لماذا قدّم نبي الله لوط بناته بدلاً من ضيوفه5؟).


ولا يفوتنا أن نذكّر هنا أن المهم في البيت هو عنصر الألفة والتوافق، فمتى فُقِد هذا الجانب، أصبح البيت – لا محالة- عرضة للوهن وبالتالي الدمار والانتهاء، وتكمن الحكمة في أنّ إنقاذ البيت يكون في هذه الحالة بالقسمة التي تزيل أسباب الخلاف، وهو ما فعل إبراهيم عليه السلام، فقد أنقذ إبراهيم بيته عندما أقدم على قسمته إلى بيتين أثنين، يكون لك طرف حق في ملكيته، وسنرى لاحقاً بأن إبراهيم – على عكس يعقوب – استطاع بذلك ضمان استمرارية تلك البيوت، فبيت إبراهيم لم ينتهي حتى اللحظة، لكن بيت يعقوب لا شك لم يستطع الصمود، وذلك لأن يعقوب لم يعمل – في نظرنا- على فض الخلاف بين أبناءه بالطريقة التي سلكها جده إبراهيم، ونحن نرى أنّ ما كان يشغل فكر إبراهيم هو البيت نفسه، بينما كان المسكن فقط هو الشغل الشاغل ليعقوب، وبكلمات أخرى ربما يمكننا القول أنه في حين أن إبراهيم كان يهتم بالجوهر كان أكثر ما يهم يعقوب هو الشكل الخارجي، فلما كان يعقوب يريد أن يبقي أبناءه كتلة واحدة، لم يلتفت كثيراً إلى التفكير بفض الخلاف الحاصل بينهم، وآثر السكوت عليه، ونحن نجد أن فكرة شكل البيت (وليس محتواه) كانت هي الفكرة المسيطرة على تفكير يعقوب، فهو لم يتخلى عن ذلك حتى بعد ضياع ولده الأول (واحتمالية ضياع الآخر) وكان ذلك عندما طلب من أبناءه أن لا يدخلوا أرض مصر من باب واحد:


وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) يوسف 67-68

لاحظ – عزيزي القارئ- كيف أنّ يعقوب كان دائم التفكر بالشكل الخارجي الذي لا يخفى على الناس بمجرد النظر إليه، فهو يريد الحفاظ على ذلك الشكل (تجمع هائل من الأبناء)، فكانت تلك حاجة في نفس يعقوب، فعِلْمُ يعقوب قد انحصر في الحفاظ على كينونة الشكل الخارجي لتجمع أبناءه حتى لو كان ذلك التجمع يخفي في ثناياه الكثير من المشاكل.


ولكن – بالمقابل- كان البيت (وليس المسكن) هو الشغل الشاغل لإبراهيم، فاشتغل بحل المشكلة، ولم يكتفي بالتستر أو السكوت عليها، فكانت طريقته تقضي بأن يقسم البيت الواحد إلى بيتين مستقلين، فترك الخلية الأولى قائمة في مكانها، فكان ذلك من نصيب المرأة الأولى التي كانت قائمة مع ابنها إسحق:


وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)هود 


وأخذ جزءً من تلك الخلية ليسكنها في ذاك الواد غير ذي الزرع عند بيت الله الحرام، وكان ذلك من نصيب المرأة الثانية التي كانت مقبلة تحمل صرتها وابنها إسماعيل:


فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)الذاريات 

وهنا نتوقف لنطرح سؤالين اثنين وهما:


1. لم كان الرحيل من نصيب إسماعيل وأمه هاجر؟


2. لماذا اختار إبراهيم ذلك الموقع الجغرافي على وجه التحديد؟






لماذا كان الرحيل من نصيب هاجر وإسماعيل؟



إننا نظن أن هاجر وابنها إسماعيل قد رحلا مع إبراهيم إلى ذلك الواد غير ذي الزرع عند بيت الله الحرام لأسباب عدة نذكر منها:


1. هاجر هي من طلبت الرحيل: ربما نستطيع الافتراء بأن هاجر لم تكن قادرة على مقارعة سارة، فهاجر لازالت شابة تنقصها الخبرة، ولم تكن تعلم حتى اللحظة كيف تتعامل مع نبي الله إبراهيم بالطريقة التي خبرتها العجوز سارة، فلقد قضت سارة من عمرها سنين طوال في صحبة نبي الله إبراهيم، وهي لا شك تعلم تمام العلم قدر هذا النبي الجليل، فكانت حاذقة ماهرة في كيفية تدبير أمرها، ولكننا نرى أن الخبرة والمعرفة لم تكن كافية عند ضرتها هاجر، فهي لا زالت غير قادرة على التصرف بحكمة، ولا نرى دليلاً على "رعونة" – إنْ صحّ القول- هاجر أكثر مما قالت في حضرة رسل الله يوم جاءوا مبشرين المرأة الأولى بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب:


فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)

فها هو إبراهيم يقدم الوليمة لضيوفه، فتقبل هاجر حاملة صرتها، وما يكون منها إلا أن تصك وجهها، فلا تبد علامات الانبساط والفرح حتى على الأقل بضيوف زوجها "فَصَكَّتْ وَجْهَهَا"، ولم تتوقف عند ذلك، فما يكون منها إلا أن تبادر ضرتها بالكلام المؤذي في حضرة بعلها و ضيوفه من رسل الله "وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ". وهذا ما جعلنا نزعم القول أنّ المرأة لم تكن تتقن فن التعامل مع الآخرين، فهي لازالت على بداوتها وفطرتها، اللتان لا تنمان عن كثير ذكاء وحنكة ودهاء، ولكن – بالمقابل- نجد الزوجة الأولى سارة في الوقت نفسه (وقت تقديم الوليمة) كانت قائمة (ربما على خدمة ضيوف زوجها) مبدية أمارات الانبساط:


فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)

فالقارئ الكريم مدعو إلى تخيل ردة الفعل الذي يمكن أن يسببه تصرف كل واحده من هذه النسوة في تلك اللحظة عند الحاضرين (ناهيك عن ردة فعل الزوج إبراهيم)، أحداهما قائمة ضاحكة والأخرى عابسة شاتمة!


2. سارة تأخذ البشرى من الملائكة ليس فقط بإسحق وإنما بإسحق ومن وراء إسحق يعقوب: إنّ أبسط ما يمكن أن نستنبطه من هذا هو الضمانة باستمرار الذرية في بيت سارة، فلقد ضربت سارة بذلك جذوراً لها في الأرض لم يعد الرحيل منها ممكنا، بينما لا نجد مثل هذه الضمانة في حالة إسماعيل، فلا نجد تأكيداً ربانياً على لسان رسل الله بوراثة الأرض من بعد إسماعيل، ففي حين أن ذرية النبوة قد امتدت في سلالة إسحق انقطعت في ذرية إسماعيل، وهو ما يمكن أن نستشعره من ذكر إسحق ويعقوب على وجه التحديد في الآية الكريمة التالية:


وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ العنكبوت (27)[1]

3. هاجر لا زالت شابة تستطيع تحمل مشاق الرحلة: لقد تحثنا سابقاً عن الفرق العمري بين نساء إبراهيم، ففي حين أن سارة كانت (وعلى لسانها) عجوز، كانت هاجر لا تزال فتية قادرة على تحمل مشاق السفر وقسوة المنطقة التي سيسكن إبراهيم من ذريته فيها (ولا ننسى ما رددته أهل الفكر حول سعيها بنشاط بين الصفا والمروة باحثة عن الماء لطفلها بعد أن تركهم إبراهيم في ذاك الواد لوحدهم)، فلا أخال أن إبراهيم سيختار سارة للرحيل وهي غير قادرة أصلاً على ذلك.


4. إسماعيل كان أكبر سناً من إسحق: ولما كان إسماعيل أكبر سناً من إسحق، كان من المنطقي أن يترك إبراهيم الغلام الأصغر مع أمه العجوز، ويهاجر بالغلام الأكبر مع أمه الشابة.


5. شرف الرسالة: أما السبب الأكثر وجاهة على هذا الاختيار من قبل نبي الله إبراهيم فيكمن - في رأينا- في الظفر بشرف الرسالة، ولكن كيف؟






إسماعيل يحمل شرف الرسالة


عند تدبرنا للسياقات القرآنية الخاصة بإسماعيل وتلك الخاصة بأخيه الأصغر إسحق وجدنا الآيات الكريمة التالية التي ستستوقفنا بعضاً من الوقت:


إسماعيل: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (54)مريم


إسحق ويعقوب: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)مريم


وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (112)الصافات


وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)العنكبوت


النتيجة: تؤكد الآيات الكريمة أن إسماعيل كان رسولا نبينا، بينما كان إسحق نبياً فقط ولم يكن رسولا.


تبعات هذا الحقيقة القرآنية


لا شك عندنا أن الله يتحدث في كتابه الكريم عن (1) من كان نبيا، و(2) من كان رسولا نبيا. وقد حاولنا الخوض في هذه التقسيمات الإلهية وخرجنا بالاستنباط التالي: الرسالة اصطفاء والنبوة ميراث.


إننا نزعم الفهم أن الله يصطفي بعض أنبياءه ليكونوا رسلاً:


اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)الحج


وتنحصر مهمة الآخرين في أن يكونوا أنبياء فقط من ذرية من سبقوهم من الأنبياء والرسل:


إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) آل عمران


فكل أنبياء الله ورسله هم ذرية بعضها من بعض، لذا فنحن نظن أنه يمكن تقسيم أنبياء الله إلى قسمين رئيسيين:


(1) أنبياء مبشرين منذرين (وهم الرسل الذين ورثوا النبوة وحملوا الرسالة)، و


(2) أنبياء غير مكلفين بذلك (وهم الأنبياء ورثة النبوة فقط)، ويمكن أن نستشعر ذلك في قوله تعالى:


كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ البقرة (213)

وقد انحصر اصطفاء الله في أربعة لتكون النبوة وراثة في ذريتهم:


إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)

فأنبياء الله جميعاً كانوا من تلك السلالة الطاهرة. ولكن لم يكن كل نبي من تلك الذرية يحمل شرف تبليغ الرسالة، فشرف الرسالة حملها بعض من أنبياء الله فكانوا أنبياء رسلا، ولم يحملها البعض الآخر فكانوا أنبياء فقط.


وعند إسقاط هذا الاستنباط على حالة إسماعيل وإسحق وهما ولدا إبراهيم، نستطيع القول أنه في حين أن إسماعيل نبياً (من تلك الذرية) كان أيضاً رسولاً، بينما لم يكن إسحق أكثر من نبي (من تلك الذرية) ولم يحمل شرف تبليغ الرسالة. وسنرى لاحقاً أن إبراهيم قد اختار أن يذهب بإسماعيل إلى ذلك الواد غير ذي الزرع ليس عقاباً له ولأمه وتفضيلاً لإسحق وأمه (كما قد يبدو للوهلة الأولى وكما روجت له بعض الشرائع التي أصابها التحريف)، ولكن من أجل شرف إضافي أختص به الأب إبراهيم ابنه الأكبر إسماعيل– إنه شرف الرسالة، فكان إسماعيل رسولاً نبيا:


وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)مريم 

ولمّا ترك إبراهيمُ ابنه الأصغر إسحق مع أمه في نفس المكان الذي يسكنه قوم إبراهيم أنفسهم لم يكن إسحق ليحظى بشرف الرسالة كما حظي بشرف النبوة، فكان إسحق نبياً ولم يكن رسولا:


فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)مريم 


ولكن قبل الخوض بتفصيلات هذا الظن، لابد من أن نعرج أولاً على سؤال ربما يؤرق الكثيرين وهو: هل فعلاً النبوة ميراث؟






ميراث النبوة



لنبدأ النقاش في هذا الجزء من المقالة طارحين السؤال المثير التالي: هل النبوة ميراث؟


الجواب: نعم، مصداقاً لقوله تعالى:


إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) آل عمران

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ

الحديد (26)


وقد تحدّث الله عن وراثة الأنبياء بعضهم بعضاً بصريح اللفظ في أكثر من موطن، فها هو سليمان يرث والده داوود:


وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)النمل 


وها هو زكريا يطلب من الله ذرية من الذكور ليرثه:


يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)[2]مريم 


السؤال:


- لماذا يكون ابن النبي نبيا؟


- لم كان إبراهيم وولداه إسماعيل وإسحق وحفيده يعقوب ومن وراءه يوسف جميعاً أنبياء الله من عائلة واحدة في الوقت الذي كانت تمر فترات تاريخية طويلة لا يصل خبر السماء إلى الأرض عن طريق نبي؟


- لماذا كان ولد داوود سليمان نبيا كوالده؟


- لماذا كان يحيى ولد زكريا نبيا كأبيه؟


ونحن نتحدى أن يكون هناك ولد يذكر أسمه بالقرآن على أنه ابن نبي ولا يكون نبيا مثل والده (باستثناء ابن نوح، بالطبع)؟


النتيجة: من كان ولد نبي فهو نبي بلا شك.


ولكن هناك عدة ملاحظات يجب إثارتها حول زعمنا هذا نذكر منها:


1. لماذا لم يكن ابن نوح نبياً كأبيه كما كان في حالة إبراهيم أو إسحق أو يعقوب أو داوود أو زكريا؟


2. لماذا لم يكن ليوسف ولد يرث النبوة؟


3. لماذا لم يكن لسليمان ولد يرث النبوة؟


4. لماذا لم يكن ليحيى ولد يرث النبوة؟


5. لماذا لم يكن للوط ولد يرث النبوة منه؟ وهكذا.


6. لماذا كان كل أبناء إبراهيم (إسماعيل وإسحق) أنبياء؟


7. لماذا كان يوسف فقط نبيا من ذرية يعقوب ولم يكن إخوته أنبياء كما كان الحال بالنسبة لأبناء إبراهيم (إسماعيل وإسحق)؟


8. باختصار، لماذا كانت النبوة تستمر فترة من الزمن ثم تنقطع طويلاً؟






افتراءات من عند أنفسنا


1. النبوة ميراث: إن النبوة هي ميراث الأبناء من الآباء، أي حق للأبناء يكتسبوه من آباءهم، وربما يصدق ظننا هذا مشاهدتان وهما:


أ‌. لا نجد في كتاب الله ذكراً لابن نبي إلا وكان نبياً كأبيه، باستثناء ابن نوح، ولكن يمكن حل هذه القضية بسهوله لو تدبرنا الحوار الذي ابتدأه نوح حول ابنه مع ربه، فلقد نادى نوح ربه قائلاً:


وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)

فجاء رد ربه على النحو التالي:


قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)

لذا، يستحيل أن يرث ابن نوح النبوة من نوح مادام أنه ليس من أهله، فلقد تحدثنا مراراً عن خيانة امرأة نوح لنوحٍ بفرجها، وكان ذلك الولد هو نتاج تلك الخيانة (للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة)


النتيجة: عندما يذكر القرآن أن للنبي ولد، يكون ذلك الابن نبياً كأبيه كما في حالة إبراهيم (ولداه إسماعيل وإسحق) و إسحق (ولده يعقوب) ويعقوب (ولده يوسف) وداوود (ولده سليمان) وزكريا (ولده يحيى)، فقد كان لجميع هؤلاء الأنبياء ذرية ورثت عنهم النبوة.


ب‌. لا نجد ذكراً لتسلسل الأنبياء إلا لحظة أن يكون الوالد (الأب) نبي، فليس هناك نبي بعد يوسف أو بعد سليمان أو بعد يحيى أو حتى بعد محمد، فما أن تنقطع ذرية النبوة حتى تكون هناك حاجة لرسول وليس لنبي (وسنأتي على تفصيل هذه القضية لاحقاً)، فلقد جاء نوح رسولاً لأنه لم يرثها مباشرة من والده، وجاء إبراهيم رسولاً لأنه لم يرثها مباشرة من والده، وجاء موسى وهارون (رسولا رب العالمين إلى فرعون) جاءوا بعد انقطاع في بيت النبوة، وجاء عيسى بعد انقطاع في ذلك البيت، وجاء محمد رسولاً بعد انقطاع في بيت النبوة. وبالمقابل فربما يمكننا القول أن كل أنبياء الله (الذين لم يكونوا رسلاً) جاءوا امتدادا مباشراً لبيت النبوة (وسنناقش حالة إسماعيل ويوسف بشيء من التفصيل بعد قليل).


2. النبوة ميراث مكتسب للذكور دون الإناث


فالنبوة حق مكتسب للذكور من ذرية الأنبياء دون الإناث، فالنبوة لا تورّث للبنات، وإنما هي حق مكتسب لكل نبي كان في ذريته الذكور[3]، فليس هناك نبي ورثت أحدى بناته النبوة عن والدها، فشعيب كانت ذريته كلها من الإناث (على فكرة شعيب كان له بنات كثيرات)[4]، لكن لم ترث أي منهن النبوة عن أبيها، وكذلك كان الحال بالنسبة للوط ومحمد عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم السلام، فلا نجد امتداداً للنبوة بعد هؤلاء الأنبياء،


كيف يتم توريث النبوة للذكور من ذرية الأنبياء؟


بعد تدبر السياقات القرآنية وجدنا أنّ أغلب الأنبياء الذين انتقلت النبوة منهم إلى أبنائهم كان لهم ولد واحد[5] كما في الشكل التالي:









إسحق


يعقوب



داوود


سليمان



زكريا


يحيى







بينما لا نجد امتداداً لبيت النبوة في من لم يكن في ذريته الذكور من الأبناء كما في الشكل التالي:





إدريس







يونس







هود







إسماعيل







يوسف







صالح







شعيب







موسى







سليمان







يحيى







هارون







أيوب







عيسى







إلياس







اليسع







ذو الكفل







محمد











كيف تعود النبوة للظهور بعد انقطاع؟


بعد تدبر السياقات القرآنية وجدنا أن النبوة لا تعود في الظهور من بعد انقطاع إلا بالرسالة، فمتى انقطعت النبوة من بيت النبي أصبحت عودة النبوة للظهور مرة أخرى تتطلب أن يصطفي الله بنفسه نبياً رسولا (وليس فقط نبيا)، وذلك لأن الرسالة – في ظننا- اصطفاء من الله من بين أنبياءه، ولكن كيف؟


يميل الظن عندنا إلى الاعتقاد بأن الرسالة هي اصطفاء من الله لبعض أنبياءه أن يكونوا رسلاً إلى أقوامهم، فلم يكن كل نبي من تلك الذرية الطاهرة مكلف بتبليغ الرسالة، ولكن الله كلّف بعض أنبياءه بحملها ولم يكلف البعض الآخر، ولكن لماذا؟


افتراء من عند أنفسنا: نحن نعتقد أن تحميل الرسالة لأحد أنبياء الله يتطلب توافر عاملان رئيسان، وهما:


1. وجود قوم لذاك الرسول


2. توافر بيّنات للرسول إلى قومه من ربه


وغالباً ما تكون النتيجة تتمثل في وقوع العقاب على القوم بطلب من ذلك الرسول إن هم كذبوا رسولهم كما في حالة نوح وصالح وشعيب، الخ. بينما لا نجد عقاباً وقع على قوم من بعد نبي لم يكن رسولا. ولنبدأ بمناقشة هذه القضايا بشيء من التفصيل.


لكل رسول قومه (وليس لكل نبي قومه)


لعلنا نجزم الظن أن حمل الرسالة يتطلب وجود قوم لذلك الرسول يقوم بتبليغ الرسالة لهم، وهنا يجب أن نتوقف عند بعض المشاهدات التي قد تسعفنا في فهم هذه الجزئية.


1. يذكر الله تعالى في كتابه الكريم أنه لم يخبرنا بأسماء (أي لم يقصص علينا) كل رسله الذين بعثهم إلى أقوامهم:


وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164)

2. ربما يبعث الله أكثر من رسول إلى القوم واحد، فقد بعث الله بموسى وأخيه هارون إلى فرعون وقومه:


اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَىٰ (45) قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ (47)

وبعث الله إلى قرية واحدة رسولين فكذبوهما فعززهم بثالث:


إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَٰنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)

3. ربما يبعث الله برسولين في نفس الوقت تكون مهمة كل رسول تبليغ قومه، فالله قد بعث إبراهيم وبعث لوط متزامنين (أي في نفس الفترة الزمنية)، ولكن كان لكل واحد منهم قومه الخاص به، فكان لإبراهيم قومه، وكان للوط قومه:


وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)الحج 


4. لا يقع العذاب من الله على قوم إلا بعد رسالة يكذب القوم فيها رسولهم:


مَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15)

فلا نجد أن هلاكاً قد وقع على قوم بعد نبي، ولكن نجد أقواماً كثيرين أصابهم عذاب الله بعد تكذيبهم رسالة رسل الله إليهم، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم شعيب (مدين):


وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94)

لذا، وقع العذاب على قوم لوط ولكنه لم يصيب قوم إبراهيم شيئاً منه.


النتيجة: الرسالة هي اصطفاء من الله لأحد أنبياءه ليكون نذيراً وبشيراً (أي رسولاً) لقوم ما، فيأتي ذلك الرسول قومه بالبينات من ربه، فإن هم كذبوه، ربما وقع العذاب عليهم بطلب من ذلك الرسول.

(لنتذكر هذه النتيجة التي ربما تفيدنا بعد قليل)






إبراهيم ويعقوب



لقد تمثل زعمنا حتى اللحظة بالافتراء التالي: أنّ الولد من ذرية النبي يرث النبوة عن والده، لكن الذي ربما يثير فضول الكثيرين هو مقارنة حالة إبراهيم بحالة يعقوب: ففي حين أن إبراهيم قد تحصلت له ذرية من الذكور وكانت النبوة من نصيبهم جميعا (إسحق وإسماعيل)، كانت النبوة مقتصرة على يوسف من ذرية يعقوب فقط دون إخوته الآخرين.


السؤال: لماذا اكتسب كل من إسماعيل وإسحق النبوة من والدهم إبراهيم؟


وبالمقابل، لماذا لم يكتسب جميع أبناء يعقوب النبوة من أبيهم؟ لم انحصرت النبوة في يوسف من دون إخوته؟





إبراهيم


إسماعيل


إسحق







يعقوب


يوسف
















رأينا: إنّ الظن عندنا يميل إلى الاعتقاد بأنه لم تكن الرسالة لتكون من نصيب إسماعيل لو لم ينقله والده من موطنه الأصلي ويسكنه في ذلك الواد الجديد، وربما لم تكن الرسالة ستكون من نصيب يوسف لو لم يبتعد عن أبيه إلى أرض مصر. ولكن لماذا؟


الجواب: الرسالة تحتاج إلى قوم يتم إبلاغ الرسالة لهم، فبدون القوم لا يكون هناك رسول، مصداقاً لقوله تعالى:


إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)فاطر


فحتى يصبح إسماعيل رسولاً (وليس نبياً فقط) لابد أن تكون هناك أمة يبلغها رسالة ربهم فيكونوا هم قومه، وحتى يكون يوسف رسولا لابد من أمة يبلغها رسالة ربه فيكونوا هم قومه. فقوم الرسول هم من كلف ذلك الرسول بإبلاغ الرسالة لهم (للتفصيل في هذه القضية انظر مقالاتنا السابقة في هذه السلسة)، ولندرس حالة إسماعيل ويوسف بشيء من التفصيل، فهم من بين أنبياء الله جميعاً من حملوا شرف تبليغ الرسالة بالرغم أنهم قد ورثوا النبوة من آباءهم مباشرة، فكانوا أنبياء رسلا، ولم يكونوا أنبياء فقط كما كان حال إسحق أو يعقوب أو يحيى، الخ.






إسماعيل



لو تدبرنا السياق القرآني التالي لوجدنا أنّ إسماعيل قد حظي بشرف الرسالة (بالاصطفاء) كما حظي بشرف النبوة (بالوراثة مادام أنه من تلك الذرية الطيبة) من والده إبراهيم مباشرة، ولم يكن ذلك من نصيب إسحق وهو الأخ الأصغر لإسماعيل:


وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)

وهنا نطرح السؤال التالي: لماذا كان إسماعيل (وليس إسحق) نبياً رسولاً؟


الجواب: لقد توافر لإسماعيل قومه ولم يكن لإسحق قومه. ولكن كيف؟


لو دققنا جيداً في السياق القرآني الذي يقدم لنا دعاء إبراهيم وهو يسكن جزءاً من ذريته في ذلك الواد لوجدنا إبراهيم يعي تماماً هذه الحقيقية (لا بل ويقصدها):


رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

لاحظ – عزيزي القارئ- كيف لم يأخذ إبراهيم أحداً من قومه ليتواجد مع إسماعيل وأمه في ذلك الواد المقفر، ولنتفكر بالهدف الذي ربما من أجله طلب إبراهيم من ربه أن يجعل أفئدة من الناس (لا شك ليسوا من قوم إبراهيم نفسه) لتهوي إلى ذلك المكان "فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ"، ألم يكن إبراهيم يستطيع أن يأخذ جزءاً من قومه ليسكنوا في ذلك الواد مع هاجر وابنها إسماعيل ليساعدوهم على البقاء في ذلك الواد المقفر؟


كلا، لقد اختار إبراهيم أن لا يأخذ أحداً من قومه ليسكنهم مع ذريته تلك في ذلك الواد لغاية عظيمة في نفسه، ولكن كيف؟


جاء على لسان إبراهيم نفسه في النص القرآني أنه قد أسكن من ذريته (مِنْ ذُرِّيَّتِي) ولم يقل أنه قد أسكن من قومه، فلماذا لم يسكن إبراهيم جزءاً من قومه مع ذريته التي أسكنها في ذلك المكان المقفر؟


لما كانت عقيدتنا راسخة بأن إبراهيم يدرك تماماً ما يقوم به، فإننا نظن أن إبراهيم ربما كان يريد أن يتشكل لابنه إسماعيل (النبي وارث النبوة من والده) شرف آخر يضاف إلى شرف النبوة الذي لا محالة حاصل عليه بالوراثة، ألا وهو شرف تبليغ الرسالة لقوم لم يعهدوها من قبل، فأصبح بذلك إسماعيل نبياً وارثاً النبوة من أبيه (مادام أنه امتداد لتلك الذرية الطيبة) وهو أيضاً مكلف بتبليغ رسالة ربه إلى هؤلاء القوم، فيصبح بذلك رسولاً نبياً.


ولكن – بالمقابل- لمّا كان إسحق باق في نفس القوم الذين أبلغوا رسالة ربهم عن طريق والده إبراهيم، لم يكن إسحق أكثر من نبي، فلم يحمل رسالة التبليغ مادام أن القوم هم أنفسهم الذين أبلغهم أبوه تلك الرسالة، فالله قد يبعث للقوم الواحد أكثر من رسول معاً (كما كان الحال بالنسبة لموسى وهارون)، ولكنه لا يبعث للقوم أنفسهم رسولين من بعد بعضهم البعض. فالقوم الذين أبلغوا الرسالة عن طريق رسول لا يحتاجون إلى رسول آخر ليبلغهم نفس الرسالة التي أبلغوها من قبل. لذا لمّا كان إسحق ماكثاً في نفس القوم الذين أبلغوا الرسالة عن طريق والده إبراهيم، لم يعدو أكثر من امتداد لبيت النبوة فقط، فكان نبياً ولم يكن رسولاً، وكذلك كان ولده يعقوب نبياً ولم يكن رسولا، ولكن الصورة اختلفت فقط عند يوسف.


يوسف



لقد حاول إسحق أن يبقى جميع أبناءه في نفس المكان مشكلين كتلة واحدة في قومهم، لذا لم تتعدى طموحات يعقوب – في رأينا- أكثر من امتداد بيت النبوة، فلو بقي يوسف في كنف أبيه لما تحصل له شرف الرسالة ولبقي كإخوته وريث بيت النبوة[6]، ولكن لمّا قضت حكمة الله أن تتوالى الأحداث لتنتهي بيوسف في مكان غير المكان الذي يسكنه والده وإخوته وفي قوم لم يبلّغوا رسالة ربهم، تحصّل لهذا النبي (وريث بيت النبوة) شرف أن يكون رسولا أيضاً (أي نبيا بشيراً نذيرا)، فهو قد تحمّل مهمة إبلاغ رسالة ربه إلى هؤلاء القوم، فأصبح بالإضافة إلى أنه نبي من تلك الذرية الطيبة رسولاً إلى أهل مصر، لذا جاء قول الحق ليبين أن يوسف قد قام بإبلاغ رسالة ربه إلى أهل مصر:


وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ غافر (34)

وربما يكون هذا سبباً جديداً يضاف إلى الأسباب الأخرى التي منعت يوسف من العودة إلى ديار أبيه بعد أن أصبح قادراً على ذلك، وآثر المكوث في أرض مصر فطلب أن يحضر والده إليه ولم يسع هو بنفسه إلى والده (خصوصاً إذا ما تحدثنا عن واجب الابن تجاه الوالد)، لأننا لا نتصور أن يترك يوسف شرف تبليغ الرسالة كمهمة أوكلت إليه ويعود إلى أرض أجداده ليبحث فيها عن والده الذي يشتاق إليه، لقد اشتغل يوسف بأمر أهم من مجرد إرضاء رغبة والده، وهو مهمة التكليف بالرسالة، فكان نبياً مبشراً منذرا.






وهنا قد يرد البعض على ركاكة منطقنا هذا بالفهم المشروع التالي: أن الآية السابقة (عند تدبرها) قد لا تشكل دليلاً دامغاً على أن يوسف كان رسولا، فالآية تتحدث عن من سيأتي بعد يوسف كرسول وليس عن يوسف نفسه، فنرد عليهم بالقول: ربما يكون ظنكم صحيحاً، لذا فإننا نظن أننا نملك دليلاً آخر من الآية نفسها على أن يوسف كان رسولاً ولم يكن فقط نبياً، ولكن كيف؟


الجواب: حصول يوسف على البينات وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ






البينات



افتراء من عند أنفسنا: لقد ذكرنا سابقاً أن من أهم أركان الرسالة (بالإضافة إلى توافر عنصر القوم الذي كان جل حديثنا السابق منصباً عليه) هو البينات التي يأتي بها الرسول من ربه، فنحن نزعم أن الرسول يأتي بالبينات ولكن النبي لا يأتي بالبينات، فالبينات تتحصل لمن كان رسولا نبيا ولا تتحصل لمن كان نبياً فقط.


الدليل


لو تدبرنا الآية السابقة جيداً لوجدنا أن الحق يثبت لنا في تلك الآية أن يوسف قد جاء قومه بالبيّنات:


وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ ...

السؤال: على ماذا تدلّنا مثل هذه الحقيقة القرآنية؟


الجواب: البيّنات هي ما يأتي به الرسول قومه من ربه، فمن يأتي بالبينات فهو بلا شك رسول من الله إلى قومه، وما دام أن يوسف قد جاء بالبينات (ولم يأتي بها إسحق أو يعقوب مثلاً)، فذاك دليل ربما يكون دامغاً على وجاهة ما نظن، وحتى يتيقن القارئ الكريم من وجاهة ما نزعم دعنا نستعرض جميع السياقات القرآنية التي تتحدث عن البينات، لنجد في نهاية الأمر أن البينات هي من نصيب النبي البشير النذير فقط (أي الرسول) من بين أنبياء الله، فما أن يأتي بها نبي حتى يصبح نبياً رسولا، لأنه بذلك يكون قد جاء بالحجة من ربه التي تثبت شرعيته في إيصال الرسالة إلى قومه:


وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)البقرة 


وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)البقرة 

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)البقرة 

فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)البقرة 

كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ۚ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)البقرة 

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ

البقرة (253)


كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  (86)آل عمران

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  (105)آل عمران

الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ۗ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ  (183)آل عمران


فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ  (184)آل عمران


يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُبِينًا (153)النساء 


مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)المائدة 


إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)المائدة 


تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ                                          (101)الأعراف 


أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ۚ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)التوبة 


وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)يونس 


ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)يونس 


أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)إبراهيم 


وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل 43-44

قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
طه 


وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39)
العنكبوت 


أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)
الروم 


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)
الروم 


وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)
فاطر 


ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)
غافر 


وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
غافر 


وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
غافر 


قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)
غافر 


قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)
غافر 


فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)
غافر 


وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
الزخرف 


لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
الحديد 


وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
الصف 


ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا ۚ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ التغابن (6)





النتيجة: إنّ جلَّ طرحنا السابق يمكن تلخيصه بما جاء في الآية الكريمة التالية (إن نحن قرأناها بشيء من التدبر) التي تبين أن رسل الله يأتوا (1) أقوامهم (2) بالبينات ، فيحصل (3) الانتقام من الذين أجرموا:


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)الروم 






وبعد هذا الاستعراض الطويل للآيات القرآنية الكريمة التي تبين لنا تلازم وجود البينات عند الأنبياء المبشرين المنذرين (أي الرسل)، نجد لزاماً طرح السؤال التالي:


السؤال: من هم رسل الله (الأنبياء المبشرين المنذرين) الذين جاءوا أقوامهم بالبينات؟


الجواب: إننا نظن أن الجدول التالي يعرض لنا أنبياء الله الذين جاءوا بالرسالة، فكانوا بالإضافة إلى وراثتهم النبوة رسلاً جاءوا أقوامهم بالبينات من ربهم وربما وقع العذاب على أقوامهم الذين كذبوهم:









نوح : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)



يونس: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ



إبراهيم: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ



إسماعيل: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا



يوسف وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ



موسى وهارون: فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ (47)طه 

عيسى: وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ  وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)



لوط: وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ



صالح: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ


هود: وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) الأعراف



شعيب وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)



إلياس: وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) الصافات



محمد وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ [7] الصف (6)







لقد كان هؤلاء فقط هم من تحصل لهم شرف التكليف بحمل الرسالة، فهم أنبياء مبشرين منذرين[8].






السؤال: من هم أنبياء الله الذين لم يكونوا رسلاً لأقوامهم؟






يحيى: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ


إدريس: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا


إسحق ويعقوب: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا 
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ

أيوب: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا






تساؤلات حول هذا الطرح


إن طرحنا السابق يثير جملة من التساؤلات حول بعض الأنبياء والرسل الذين لم نذكرهم في الجداول السابقة، لكننا سنحاول أن نفرد لهم حيزاً من النقاش هنا:






داوود وسليمان



لم يذكر القرآن الكريم أن داوود قد جاء بالبينات، ولم يذكر كذلك أنه نبياً أو رسولاً بصريح اللفظ، ولكننا نظن أنه يمكن أن نستنبط أن داوود قد كان رسولاً نبياً من ما جاء في الآية الكريمة التالية:


وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ فاطر (25)

تشير الآية الكريمة إلى أنه بالإضافة إلى البينات (التي تحدثنا عنها سابقاً كدليل على الرسالة) يأتي رسل الله بالزبر وبالكتاب المنير[9]، لذا فإن داوود هو واحد من رسل الله لأنه جاء بزبور من عند ربه:


وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا

فداوود هو رسول آتاه الله زبورا، ولما كان سليمان قد ورث داوود فهو إذاً قد ورث النبوة من والده:


وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ النمل (16)





زكريا ويحيى



وبالمقابل، يمكن قياس الأب بالابن، فلا نجد ذكراً صريحاً عن ماهية نبوءة زكريا، فهو لم يكن ممن جاء بالبينات، ولا أظن أنه ممن جاء بزبور أو بالكتاب المنير، ولكن يمكن فهم طبيعة نبوءة زكريا من ما جاء بحق ولده يحيى، فلقد كان يحي نبياً بصريح اللفظ القرآني:


فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ

وهو من ورث والده زكريا الذي كان أصلاً وريث آل يعقوب:


يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)مريم 


النتيجة: الرسل هم أنبياء الله الذين كلفوا بحمل الرسالة إلى أقوام لم يبلغوها من قبل، وجاءوا أقوامهم بالبينات والزبر والكتاب المنير، ومتى كذبوا ربما وقع عذاب الله على تلك الأقوام بطلب من ذلك النبي الرسول:


وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ الروم (47)


وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ فاطر (25)



والأنبياء الذين لم يكونوا رسلاً هم ورثة بيت النبوة فقط، فاكتسبوا شرف النبوة من آباءهم الذين سبقوهم


عودة على بدء: إسحق وإسماعيل



بعد هذا الخروج الطويل عن صلب الموضوع للحديث عن الفرق بين النبي من جهة والنبي الرسول من جهة أخرى، نعود إلى قضيتنا الرئيسة التي كنا نحاول الخوض في الفرق بين إسماعيل وأخيه إسحق، باحثين عن السبب الذي من أجله نقل إبراهيم ولده إسماعيل على وجه التحديد ليسكنه في أرض جديدة مع أمه ولا يأخذ أحداً من قومه ليكون لهم رفيقاً في تلك الأرض المقفرة، ثم يطلب من الله أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم كما جاء في قوله تعالى:


رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

لنزعم الظن أن ذلك كان بهدف أن يتشكل لإسماعيل قوما غير القوم الذين ولد فيهم، فيتحصل لهذا الابن شرف أضافي (وهو شرف الرسالة) يضاف إلى الشرف الذي ورثه من والده أصلاً (وهو شرف النبوة)، لنخرج الآن بالاستنباط التالي: لقد كان تواجد إسماعيل في قوم غير القوم الذين أبلغوا الرسالة عن طريق والده سبباً كافياً أن يكون هذا النبي (وارث بيت النبوة من والده) رسولاً يحمل شرف تبليغ الرسالة إلى قومه الذين يختلفون عن قوم والده، فقوم إسماعيل ليسوا هم قوم والده إبراهيم. وبالمقابل كان بقاء إسحق في كنف القوم الذين أبلغوا الرسالة عن طريق والده سبباً كافياً أن يبقى إسحق نبياً (وارث بيت النبوة من والده)، لكنه لم يكلف بتبليغ الرسالة للقوم مادام أنهم قد أبلغوها من قبل عن طريق والده، فقوم إسحق هم أنفسهم قوم والده إبراهيم.






استراحة قصيرة: الصلاة الإبراهيمية في الصلاة



في التشهد الأخير من الصلاة، نقوم نحن المسلمين بقراءة ما نسميه بالصلاة الإبراهيمية حيت نقول ما يشبه التالي في أغلب أقوال أهل العلم:


اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم


اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم


هل تدبرت - عزيزي القارئ – هذه العبارات يوما، لنطرح عليك جملة من التساؤلات حولها؟


1. ألم يقل لنا أهل العلم أن محمد من ذرية إبراهيم وولده إسماعيل؟


2. إن كان ما قالوه صحيحاً، كيف إذاً نصلي على محمد وآله مقابل إبراهيم وآله؟


3. أليس آل محمد هم آل إبراهيم؟


4. كيف بنا نفصل بين آل محمد وآل إبراهيم؟


5. وكيف بنا نطلب المقارنة بين الطرفين وكأنهم طرفين منفصلين تماماً؟


6. من هم آل محمد ومن هم آل إبراهيم إذاً لنطلب من الله الصلاة على محمد وآله كما كانت على إبراهيم وآله؟


7. الخ.


هذا ما سنتناوله بحول الله في الجزء القادم من المقالة نفسها


وللحديث بقية


27 شباط 2011






المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان


بقلم د. رشيد الجراح























[1] إن أبسط ما يمكن أن نفهمه من وجود هذه الآية في سورة العنكبوت هو القول بأن ذرية سارة (إسحق ويعقوب) قد امتدت وتشعبت وتشابكت كخيوط العنكبوت، لذا كثر عدد رسل بني إسرائيل حتى فاق ما جاءهم من الرسل ما جاء غيرهم من الأمم.


[2] ونحن لا نفهم كيف يمكن التوفيق بين هذه الحقيقة القرآنية بأن الانبياء يرثون بعضهم بعضاً، وما تناقله بعض أهل الحديث في حديث آحاد مرو عن أبي بكر لقول منسوب إلى النبي: نحن معشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة، وكيف استغل المروجون للفرقة بين المسلمين هذا الحديث لاثبات وجود صراع بين فاطمة (بنت الرسول) مع أبي بكر الصديق (صاحب رسول الله وخليفته الأول). إن ما يهمنا هو الاستفسار عن حقيقة أن يقول النبي مثل هذا الكلام وهو يقرأ على الناس صباح مساء ما قاله زكريا أو ما قال الله بحق سليمان وداوود، وما يعلمه من تسلسل النبوة في بيت إبراهيم! لم يكن من أهل العلم إلا التحايل على ذلك بالتفسيرات المجازية التي يتخيلونها، فحاولوا تفسير معنى الوراثة بالطريقة التي يريدون، لكن تبقى الحقيقة البسيطة وهي أن الرسول محمد يستخدم – إن صح حديثهم- نفس اللفظ الذي ورد في كتاب الله وهو مفردت الوراثة. لقد كان الأولى تغير اللفظ لو كان الرسول يقصد غير المعنى الذي تحمله المفردة نفسها.


[3] ربما يفسر مثل هذا الزعم لم طلب زكريا من ربه ذرية من الذكور على وجه التحديد:


وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)

[4] نستطيع أن نفهم أن لشعيب ذرية كثيرة من البنات من قوله تعالى:


قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)

فلو دققنا في السياق لوجدنا أن شعيب يقول لموسى بأن يختار احدى ابنتيه هاتين، فمفردة هاتين تعني أن موسى يستطيع أن يختار من هاتين فقط ولا يستطيع أن يختار من غيرهم، ليدل ذلك على أن لشعيب بنات غير أولئك اللواتي كان الاختيار من بينهن، فلو كان لشعيب بنتين فقط لما كانت هناك حاجة لوجود مفردة هاتين ولربما قال لموسى " قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ" وكفى.






[5] باستثناء حالتي إبراهيم ويعقوف، فإبراهيم كان له ولدان (إسماعيل وإسحق فكان كلاهما نبيا) بينما كان ليعقوب عدد كبير من الأبناء فاقتصرت النبوة في واحد منهم وهو يوسف، وسنتحدث عنهم لاحقاً بشيء من التفصيل.


[6] لو دققنا ملياً في السبب الذي من أجله كاد اخوة يوسف لأخيهم لوجدنا أن وراثة النبوة كانت السبب المحرك لتلك المكيدة:


اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)يوسف 


فالصلاح كان السبب الذي دفعهم إلى فعلتهم تلك، ولو دققنا جيداً بمعنى الصلاح في السياقات القرآنية لوجدنا أنها صفة ملازمة للأنبياء والرسل. فإبراهيم كان من الصالحين:


وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)

وكان يحيى من الصالحين:


فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)

وكذلك كان عيسى:


وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)

وزكريا وإلياس


وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)

ويوسف:


رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)

وكذلك كان لوط:


وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ۗ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)

وسليمان:


فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)

وشعيب:


قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)

وربما كانت تلك صفة ملازمة لكل أنبياء الله:


وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)

ولو دققنا في السياق التالي لوجدنا أن اخوة يوسف كانوا ينشدون الصلاح الذين كان لأبائهم من قبلهم:


وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)

لابل لقد كانوا يبحثون عن تحقيق دعوة جدهم إبراهيم:


وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)

وسنتعرض لهذه القضية بالتفصيل عند الحديث عن اخوة يوسف


[7] وهناك أولوا العزم من الرسل وهو نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد:


وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا
 الأحزاب


شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ
 الشورى

[8] وهناك رسل الله الذين لم يذكر الكثير عنهم وعن أقوامهم في كتاب الله:


إليسع: وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)الأنعام 


ذو الكفل: وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ






[9] وهنا لن ندخل في هذه اللحظة بنقاش حول تفسير هذه الآية، فهي تثير تساؤلاً كبيرا فيما إذا كانت هذه الامور الثلاثة (البينات والزبر والكتاب المنير) التي يأتي بها رسل الله تكون مجتمعة أم متفرقه، وبكلمات أخرى يمكن أن نطرح السؤال على النحو التالي:


1. هل يأتي كل رسول بهذه الامور الثلاثة (بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) مجتمعة أم يكفي أن يأتي بواحدة منها ليكون رسولا؟


ونكتفي أن نشير هنا أن الظن يميل عندنا إلى الاعتقاد بأن واحدة منها تكفي لأن يأتي بها الرسول، ولكن ربما يأتي رسول قومه باثنتين كالبينات والزبر مثلاً، ويمكن أن يأتي رسول آخر بالثلاثة مجتمعة، وهذا ربما يكون – في رأينا- سبباً في تفضيل بعض الرسل على بعض، وسنحاول أن نفرد لهذه الجزئية مقالة مستقلة إن أذن الله لنا الإحاطة بشيء من علمه.