تطرح هذه المقالة فرضية بأن جنة آدم كانت على الأرض وليست في السماء، معتبرة أن قرار استخلافه في الأرض سبق معصيته. من خلال تحليل لغوي دقيق لأفعال الحركة في القرآن (الهبوط، الخروج، النزول)، تفترض المقالة أن هبوط آدم كان انتقالًا من مكان إلى آخر على الأرض، بينما كان عقاب إبليس هو الخروج الكلي من الأرض. كما تقدم افتراضًا جريئًا بأن "الشجرة المحرمة" هي شجرة الزيتون التي تخرج من طور سيناء، وأن الأكل منها أدى إلى صبغ جسد آدم وزوجه، مما جعل "سوءاتهما" (أجسادهما) مرئية لهما لأول مرة بعد أن كانا كائنين نورانيين.
فهرس المقالة
تمهيد: تغير اللغة
تجمع النظريات اللغوية الحديثة أنّ اللغة كائن متغير لا يبقى على حاله، وأنّ هذا التغير حتمي وذلك لأسباب عديدة، فيذكرون مثلًا حاجة المجتمعات المتغيرة، وبالتالي تكون اللغة متغيرة بتغير المجتمعات، وكذلك انقطاع أسباب الاتصال، فكلما كان المجتمع مغلقًا كلما ازدادت عوامل التغيير قوة، وهو ما أدى بالنهاية إلى تكون مجتمعات منعزلة ومفصولة عن بعضها البعض وبالتالي استقلال اللهجات وتطورها التاريخي إلى لغات مستقلة، وكان هناك عوامل تتعلق بالأشخاص أنفسهم، فرغبة الأشخاص بالاستقلال والتميز عن بعضهم البعض شجع ظهور القوميات والأعراق التي تحافظ على هويتها من خلال لغتها، وكان هناك أيضًا حاجة للتميز داخل المجتمع الواحد، فظهرت اللهجات التي تعكس عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية حتى داخل المجتمع الواحد.
وهنا نخلص للقول أنّ جل ما تفعله هذه النظريات أنّها تقدم شرحًا لما يحصل في الواقع فلا تعدو قوتها أنْ تكون أكثر من وصفية (Descriptive) ، فهي لا تناقش السؤال الأكبر وهو: لِمَ حصل التغير في الأصل؟ لِمَ تكون اللغة متغيرة؟ لمَ لا تكون اللغة كما القوى الطبيعية الأخرى في الكون ثابتة لا تتغير؟ إنّ جميع النظريات اللغوية الحديثة تسلم بالحقيقة الماثلة وهي تغير اللغة، ولكنّها لا تبحث عن السبب الأساسي الذي أدى باللغة إلى التغير بالرغم أنّها كما ذكرنا سابقًا علمًا أودعه الله واختص به بني البشر ممثلين بآدم عليه السلام؟ ولكن القرآن الكريم يبيّن بشكل لا لبس فيه السبب الحقيقي الذي أدى باللغة إلى التغير أصلًا. وسنناقش هذا الإدعاء بشيء من التفصيل الآن.
تغير اللغة من منظور قرآني
عندما أدرك الملائكة حكمة الله تعالى في استخلاف آدم على الأرض، وقدرة هذا المخلوق الجديد التي يستمدها من العلم الذي أوكله الله إياه، جاء الخطاب الرباني المباشر للملائكة بالسجود لآدم، قال تعالى:
﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿٣٣﴾ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٣٤﴾﴾
(سورة البقرة: ٣٣-٣٤)
ومما لا شك فيه أنّ سجود الملائكة لآدم لم يكن بأي حال من الأحوال سجود عبادة، فالملائكة الذين مهمتهم في المقام الأول عبادة الله لا يمكن أنْ يطلب منهم عبادة غيره، فالسجود هنا يعني – كما نراه- إتباع الطريقة والمنهج، أي أنّ الملائكة قد طلب منهم الانصياع وراء لواء آدم (وهذا النوع من السجود قد تكرر في قصة يوسف مع إخوته).
المهم الآن بالنسبة لنا هو الطلب الرباني من الملائكة جميعًا بالوقوع ساجدين لآدم، الأمر الذي نظن أنه أشعل فتيل الغيرة والحسد عند إبليس، فجاء رفضه معللًا بالقول:
﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾
(سورة الأعراف: ١٢)
لماذا سجد الملائكة ورفض إبليس؟
التساؤل: لماذا سجد الملائكة كلهم أجمعون فلم يتخلف منهم أحد بينما رفض إبليس على وجه الخصوص الأمر الإلهي بالسجود لآدم؟
قد يرد البعض بالقول لأنّ إبليس تكبّر واستعلى، وظنّ أنّه أعظم من أنْ يسجد لآدم، ولكننا نرد بالقول أنّ الملائكة كذلك جادلوا في الأمر ولم يكن سجودهم برغبة منهم، أليس كذلك؟
افتراء من عند أنفسنا: لذا نحن نفتري الظن بأنّ السبب في تقبل الملائكة السجود لآدم في نهاية المطاف ليس لرغبة منهم في السجود وإنما امتثالًا لأمر ربهم لأنّ الأمر الإلهي نزل عليهم –كما ذكرنا سابقًا- من باب القول، وقول الله لا محالة نافذ، أما إبليس فقد رفض السجود لأنّ الأمر الذي صدر له على وجه الخصوص –كما ذكرنا سابقًا- جاء من باب المشيئة، وبالتالي كان له حرية الاختيار، فآثر أنْ لا يسجد[2].
السؤال: لماذا دبت الخصومة في الملإ الأعلى لحظة أن أخبرهم الله مشيئته بخلق بشرًا من طين؟
رأينا: إننا نظن إنّ جميع المخلوقات التي كانت هناك ممثلين بالملائكة والجن كانوا يختصمون لسبب واحد: ألا وهو خلافة الأرض التي كانت معدة من ذي قبل لتكون هي موطن الخليفة، فكان الملائكة - بلا شك- يظنون أنهم هم الأحق بالخلافة في أرض الله... والجان كانت أيضًا تظن أنّها هي من ستخلف الله في أرضه.
ولكن لمّا حصل هذا الخلاف تفاجأ الطرفان (الملائكة والجن) بأنّ الخلافة ليست من نصيب أي منهم، وإنما من حق مخلوق جديد، لذا أبدوا معارضتهم المبطنة بالقول غير الصريح قاصدين المجادلة للحصول على تفسير لهذا القرار الرباني.
إشكالية جنة آدم في الفكر الإسلامي
إننا نؤمن أنّ العقاب الإلهي جاء عادلًا ولا شك... لذا جاء العقاب الرباني لإبليس من جنس الذنب الذي اقترفه: لقد أنكر إبليس أحقية آدم وجنس آدم خلافة الأرض... فكان العقاب الرباني له بالطرد منها على شكل الهبوط والخروج منها. ولكن قد يبادرنا البعض بالاستغراب قائلين: وما دخل ذلك بالأرض؟ فالخروج والهبوط كان من الجنة، أليس كذلك؟
آدم لم يسكن جنة الخلد قط
أولًا، لقد ذهب جل الفكر الإسلامي إلى القول أنّ آدم قد سكن الجنة بعد حصول عملية السجود. وظن الكثيرون أنّ تلك كانت جنة الخلد الذي سيعود إليها آدم وذريته بعد الحساب يوم القيامة، فنرد على من ظن ذلك أنّه بحاجة أنْ يكمل قراءة الآية نفسها:
﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
(سورة البقرة: ٣٥)
سؤالنا هو: هل هناك في جنات الخلد أي نوع من الطعام (حتى وإن كان من شجرة ما) يحضر على الإنسان حتى الاقتراب منه؟ وهل الأكل من ثمر جنات الخلد يمكن أنْ يسبب مكروهًا؟
ثانيًا، لقد جاء قول الله تعالى لآدم وزوجه عندما أسكنه وزوجه الجنة على النحو التالي:
﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ ﴿١١٧﴾ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ ﴿١١٨﴾ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ﴿١١٩﴾﴾
(سورة طه: ١١٧-١١٩)
التساؤل الكبير: كيف نفهم أنّ الله أمر آدم وزوجه السكن في جنات الخلد وحذرهم من إبليس وجنوده حتى لا يخرجهم من تلك الجنة والله نفسه هو من قضى بخلافة آدم الأرض حتى من قبل حصول الأمر برمته؟
ثالثًا، لقد سوغ الشيطان لآدم وزوجه الأكل من الشجرة بالحجج التي ترد في السياق نفسه:
﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ﴾
(سورة طه: ١٢٠)
سؤالنا هو: لماذا تقبل آدم تلك الحجج؟ فلماذا يقبل آدم حجة الشيطان بأنّ الشجرة هي شجرة الخلد ما دام أنه يعيش هو وزوجه في جنات الخلد؟
كلا وألف كلا، إنّنا نظن أنّ آدم وزوجه تقبلا حجة الشيطان بأن تلك شجرة الخلد لأنهما لم يكونا يسكنا جنة الخلد أصلًا، وإلاّ لرد آدم حجة إبليس بالقول: "نحن في جنة الخلد، فما الذي نريد أكثر من ذلك؟"
هل كان سكن آدم في الجنة مرحلة انتقالية؟
للخروج من هذه التناقضات التي نظن أن جل الفكر الإسلامي الدارج قد وقع فيها في هذا المجال نقدم الافتراضات التالية ونتابعها لنرى أيها أجدر بالتبني:
- كان سكن آدم وزوجه في الجنة مرحلة انتقالية وكان وقوع آدم في المعصية سببًا في هبوطه.
- كان سكن آدم في الجنة على سبيل الدوام وكان وقوعه في المعصية سببًا في هبوطه.
- كان سكن آدم في الجنة مرحلة انتقالية ولم يكن الأكل من الشجرة سببًا في هبوطه.
- كان سكن آدم في الجنة على سبيل الدوام ولم يكن الأكل من الشجرة سببًا في هبوطه.
إننا نزعم الظن أنّ الافتراض الرابع هو الأجدر بالتبني... وبكلمات بسيطة نقول أنّ الله أصدر أمره لآدم وزوجه السكن في الجنة على سبيل الدوام ولم يكن الأكل من الشجرة سببًا في هبوطه.
هل كانت المعصية سببًا في الهبوط؟
إننا نظن أنّ المعصية لم تكن السبب في خلافة آدم الأرض، وذلك لسبب غاية في البساطة وهو: أنّ الله قد قضى بخلافة آدم الأرض قبل أنْ يعلمه علم الأسماء ويأمر الملائكة بالسجود له، فما كان وقوع آدم في المعصية (أو عدم وقوعه فيها) سيغير شيئًا من أمر خلافته الأرض.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: إننا نظن أنّ أمر الهبوط لا علاقة له بالمعصية أو بالتوبة، فخلافة آدم الأرض هو أمر محسوم بغض النظر عما حصل قبل أو بعد الوقوع في المعصية.
الافتراءات الأساسية: إعادة بناء القصة
نلخص الفكرة التي نجهد أنفسنا الوصول إليها على النحو التالي:
- حصل انتقال آدم وزوجه إلى الأرض قبل وقوع المعصية لتحقيق الخلافة التي قضى الله أمره في البدء.
- سكن آدم وزوجه الجنة على الأرض.
- استطاع إبليس أن يخرج آدم من تلك الجنة التي كان يسكنها على الأرض، ولم يكن إبليس السبب في انتقال آدم وزوجه إلى الأرض، فانتقال آدم إلى الأرض كان بقرار رباني لتحقيق أمر الخلافة، أما خروج آدم من الجنة فقد كان بسبب الشيطان.
ماهية الجنة ومعنى الخلافة
إن المتدبر لهذه الآيات الكريمة يجد أن الله أسكن آدم في الجنة، وطلب منهما الأكل منها على سبيل المشيئة... وأن الله حذر آدم وزوجه من الشيطان حتى لا يخرجهما من الجنة، فإرادة الله كانت تقضي سكن آدم في الجنة وإلى الأبد... وأنّ تلك الجنة مؤهلة لحياة لا جوع ولا عري ولا ضمأْ ولا ضحى فيها.
وعند الأخذ بعين الاعتبار مواصفات تلك الجنة، ندعو القارئ إلى تدبر الآية القرآنية التالية لنرى ما حصل فعلًا لآدم وزوجه لحظة الأكل من الشجرة:
﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾
(سورة البقرة: ٣٦)
وهذا يعني أنّ الشيطان قد أخرج آدم وزوجه مما كانا فيه (بصيغة التذكير وليس التأنيث)، فما الذي كان آدم وزوجه فيه (وليس فيها)؟ إننا نعتقد أنه الوضع (أو الحال) الذي كانا فيه، ألا وهو الحياة الرغد، فلم تعد الجنة المكان الذي لا جوع ولا عري ولا ضمأ ولا ضحى فيه.
كيف حصل الهبوط؟ (الفرق بين الهبوط والخروج والنزول)
لقد جاء الأمر الإلهي لإبليس على النحو التالي: ﴿فَاهْبِطْ مِنْهَا... فَاخْرُجْ﴾، وجاء الأمر الإلهي للبقية بصيغة واحدة وهي "اهْبِطُوا". وبكلمات أخرى، لقد أمر الله إبليس بالهبوط والخروج وأمر الجميع بالهبوط فقط.
أولًا: الخروج. إنّ من أبسط معاني الخروج هو الانتقال من الداخل إلى الخارج... ويكون بذلك الخروج في مجمله أفقيًا أو عموديًا إلى الأعلى.

نتيجة مفتراة: إن مراد القول هو أنه في حالتي الخروج والهبوط هناك انتقال، ولكن ما يهمنا هو طريقة واتجاه الانتقال، فإبليس أُمر بالحركة إلى الأسفل (الهبوط) ولكنه أُمر أيضًا بالانتقال أفقيًا (الخروج)، بينما أمر جميع سكان الجنة بالهبوط فقط فكانت حركتهم عامودية قوسية فقط.
الافتراء الجديد: إنّ إبليس لم يعد موجودًا على الأرض، فهو قد هبط من المكان الذي كان يتواجد فيه وهو قد خرج منه كليًا، وبهذا يتنافى – في زعمنا- تلاقي إبليس مع سكان الأرض، فلا يوجد اتصال بينه وبين البشر بعد خروجه منها. ولكن التواصل يبقى قائمًا بين الذين هبطوا ولم يؤمروا بالخروج وهم الجن والأنس.
الدليل: لو تدبرنا جميع السياقات القرآنية التي تتحدث عن التواصل بين الجنسين يكون الحديث دائمًا عن الجن بعفاريتهم وشياطينهم.
رأينا: إن جل القول الذي نريد توضيحه هنا هو أنّ الحركة من السماء إلى الأرض تتطلب حركة النزول (أي حركة على شكل النزول) وليس الخروج أو الهبوط. فلو تدبرنا آيات القرآن الكريم جميعًا لوجدنا أن الرسالة الدينية وكتب الله والماء والملائكة والرزق والنصر والعذاب وحتى الحديد كلها "تَنزل" من السماء.
﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۚ وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾
(سورة سبأ: ٢)
معنى "الأرض" في القرآن
نحن نزعم الظن أن هناك لبس كبير في الفهم العام عن معنى مفردة الأرض نفسها، فظن الكثيرون أن الأرض هي الكرة الأرضية بأكملها.
افتراء 1: لابد أولًا من التأكيد على أن كلمة الأرض لا تعني في كل السياقات القرآنية جميعها الكرة الأرضية، وإنما اليابسة فقط.
افتراء 2: لمّا كانت الأرض – في ظننا- لا تعني الكرة الأرضية وإنما اليابسة منها، بحثنا أكثر في السياقات القرآنية، فوجدنا أن هناك سياقات قرآنية عديدة تشير بشكل لا لبس فيه أن مفردة الأرض لا تعني كل اليابسة. فهذا يوسف يطلب أن يجعله الملك على خزائن الأرض (أي مصر)، وكبير إخوته يقسم ألا يبرح الأرض (أي مصر).
رأينا: نحن نظن أن ورود كلمة "جميعًا" في قوله تعالى (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ) ربما لتدل على أنّ الأرض هي مقسمة إلى أجزاء، ولكن كل تلك الأجزاء من الأرض ستكون في يد الرحمن. إن مراد القول أن كل قطعة (كتلة) من الأرض هي أرض.
الشجرة المحرمة: شجرة طور سيناء
التحذير من الاقتراب من الشجرة
لقد أخفق الفكر الإسلامي السائد (على ما نظن ونزعم) في شرح قصة التحريم الأولى، مدعيًّا أنّ قصة الأكل من الشجرة كانت اختبارًا لآدم وزوجه في الجنة، ولمّا فشل آدم وزوجه في ذلك الاختبار أمره الله بالهبوط إلى الأرض، ونحن نظن أنّ ذلك غير صحيح.
- إنّ الخلافة التي اختص الله بها آدم على الأرض كانت ستحصل سواءً أكل آدم وزوجه من الشجرة أو لم يأكلا.
- عندما حذّر الله آدم وزوجه من الأكل من الشجرة علّل هذا التحذير بالقول "فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ"، وليس فتكونا من الخارجين أو الهابطين.
- عندما أكل آدم وزوجه من الشجرة حصل لهما مكروه وهو أن "بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا"، وكان ذلك هو مقصد الشيطان وليس الخروج من الجنة.
ما هي الشجرة التي حذر الله آدم منها؟
التساؤل الأكبر: ما هي تلك الشجرة؟ ولماذا هي بالذات؟ وما هي ماهية تلك الشجرة؟
إن هذا السؤال غاية في الخطورة (في نظرنا)، لأننا سنقفز إلى نتيجة قد لا يحمد عقباها لنا على وجه التحديد، فنقول بعد التوكل على الله أننا نفهم أنّ تلك الشجرة هي ما جاء في قوله تعالى:
﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴿١٨﴾ فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿١٩﴾ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ ﴿٢٠﴾﴾
(سورة المؤمنون: ١٨-٢٠)
نعم، إننا نظن أن الشجرة التي حذر الله آدم من الاقتراب منها هي تلك الشجرة التي تخرج من طور سيناء.
أولًا، نطلب من القارئ الكريم أن يربط ما تنبت به هذه الشجرة (بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ) بما حصل لآدم وزوجه عندما ذاقا الشجرة (بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا). لقد بينا في مقالة سابقة أنّ آدم وزوجه لم يكن لون بشرتهما باديًا لهما قبل الأكل من الشجرة وذلك لأنهما كانا نورانيين... وخسر آدم وزوجه تلك النورانية لحظة أن أكلا من الشجرة، فكيف حصل ذلك؟
إننّا نعتقد أن ذلك لا يتم إلا إن كانت تلك الشجرة التي أكل منها آدم وزوجه تنتج صبغًا يلوّن جلود الآكلين منها... فمن أكل من تلك الشجرة سيصبغ جسده، ولا شك أنّ الجسد عندما يصبغ يتغير لونه، وبكلمات بسيطة لقد اكتسب آدم النور من مصدر النور الحقيقي فكانت سؤاتهما غير بادية لأنها نور خالص، وخسر آدم وزوجه تلك النورانية لحظة أن أكلا من الشجرة لان فيها صبغ لمن يأكل منها، وعندها تلونت جلودهما وأصبحا قادرين على رؤية أجسادهما.
ثانيًا، ألا ترى - عزيزي القارئ- أن تلك الشجرة تنبت في الجنات التي أنشأها لنا ربنا على الأرض (وليس في السموات)؟
ثالثًا، إننا نعتقد جازمين أنّ الحدثين (مخاطبة آدم ومخاطبة موسى) متصلين لأنهما تمّا في نفس المكان، فمخاطبة الله لآدم ومخاطبة الله لموسى (الاتصال المباشر من البشر مع الله) تمت في نفس المكان، فالله سبحانه لم يخاطب بشرًا قط غير آدم وموسى، وتلك المخاطبة تمت في نفس المكان بدليل توافر نفس عوامل الجغرافيا في الحالتين (الطور، المناداة، الشجرة).
نخلص إلى القول أن الجنّ كانوا يسكنون تلك الجنة قبل آدم ولكن بعضهم ظلموا أنفسهم، فحرّم الله عليهم بعض تلك الأطعمة (تلك الشجرة).
خاتمة
ويبقى التساؤل الأكبر: ما هي تلك الشجرة؟ ولماذا هي بالذات؟ وما هي ماهية تلك الشجرة؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة تفتح آفاقًا جديدة لفهم قصة الخلق الأولى والعلاقة بين الإنس والجن وطبيعة الجنة التي عاش فيها آدم.
وللحديث بقية.
بقلم د. رشيد الجراح
مركز اللغات
جامعة اليرموك
الأردن
أيار 2007
الهوامش
- وسنتعرض لاحقًا بحول الله للحديث عن السبب في أن ما قام به إخوة يوسف كان خرورًا بينما ما قام به الملائكة كان وقوعًا. ↩
- لمناقشة الفكرة انظر مقالتنا تحت عنوان: التسيير والتخيير. ↩
- يثبت العلم الحديث أنّ الأرض كانت في بداية تكوينها عبارة عن كتلة ملتهبة من النار، ولنربط عزيزي القارئ خلق إبليس من نار بذلك الحدث الذي سنتحدث عنه لاحقًا. ↩
- انظر مقالتنا تحت عنوان: التسيير والتخيير. ↩
- لاحظ أنه لازلنا حتى الساعة نتحدث عن هبوط الطائرة... ↩