مقدمة عن اسباب كتابة مقالة تعدد الزوجات





لقد شغل هذا الأمر تفكير العامة، فتسألوا عن السبب في أن الرجل يستطيع الزواج بأكثر من امرأة في الوقت نفسه، بينما لا تستطيع المرأة الزواج بأكثر من رجل في الوقت الواحد، وظهرت الدعوات التي تكيل للإسلام والمسلمين التهم، وتدعوهم إلى احترام حقوق المرأة والتمثل بالغرب وثقافته، ولم تعد تلك الدعوات حكراً على غير المسلمين, وإنما تعالت الأصوات حتى من أبناء وبنات الإسلام والمسلمين. لذا وجد المدافعون عن الإسلام أنفسهم في هذه القضية على وجه التحديد في موقف الذي يحاول دفع التهم عن نفسه، فخرج علماء المسلمين بتبريرات لمثل هذا الواقع، ولكن ما يؤسف له أن جميع هذه التبريرات التي طرحت لا تقنع حتى أبناء الإسلام وبنات المسلمين أنفسهم، فكيف بها ستكون مقنعة لغيرهم؟ ولعلي أكاد أجزم أن هذا الموقف الضعيف للفكر الإسلامي نبع من الحقيقة الصارخة وهي أن جميع تبريراتهم التي قدموها لم تستند إلى المرجعية الصحيحة في استنباط الدليل المقنع، فكانت جميع الأسباب التي قدموها نابعة من بنات أفكارهم وتصوراتهم، وخلت بشكل فاضح من الدليل العقائدي المستمد من الكتاب أو السنة، وكان لهذه الحال تبعاتها التي تمثلت في عدم قدرة علماء الإسلام على فهم فقه الزواج بشكل كلي وفقه تعدد الزوجات على وجه التحديد، لذا جاءت جميع أطروحاتهم تخلو من المبرر الحقيقي لمثل هذا التشريع الرباني.

والذي دفعني مؤخراً إلى الدخول في هذا الموضوع هو ما وجدت من ردود بعض أهل الإسلام الذين يفترضون أنهم قد أحاطوا بالأمر علما فأخذوا يردون على من يطرح مثل هذه التساؤلات بطريقة تخلو من المنهجية في الطرح أو الحجة في الإقناع، واتسمت ردود بعضهم بالاستهزاء والتندر، وحتى أكون أكثر وضوحاً، جاءت مقالتي هذه مدفوعة بسجال بين صحفيين وإعلاميين حول هذا الموضوع، فقد كتبت الإعلامية نادين البدير مقالة تتساءل فيها عن سبب زواج الرجل بأكثر من امرأة في الوقت الواحد وتعذر ذلك بالنسبة للنساء، وقد حاولت تفنيد بعض الحجج التي يتسلح بها رجال الدين والمروجون للفكر الإسلامي السائد حول هذه القضية، والذي أغضبني أشد الغضب ليس ما كتبت تلك المرأة فهي بلا شك تدافع عن نفسها وعن بنات جلدتها، فزواج الرجل بأكثر من امرأة يمس كرامة المرأة ويغيظها، ولكن الذي أغاضني حقاً هو رد شرذمة من أبناء المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم المدافعين عن حمى الإسلام، الغيورين عليه ضد كل من يحاول النيل منه، وللأسف فقد جاء ردهم ويكأنهم قد أحاطوا بكل شيء علماً، وأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة فيما توافر لهم من معرفة خصوصاً بقضايا الدين، فقام أحدهم بكتابة مقالة في صحيفته يرد فيها على تلك المرأة بطريقة هزلية وساخرة، ولعلني أجزم أن الغباء لم يستحكم من ذاك الصحفي فقط بل طال رأس مدير التحرير الذي سمح لهذه الشرذمة أن تسخر بمشاعر الآخرين، كنت أتمنى أن تكون تلك الصحيفة (وكل صحيفة) منبراً للرد بطريقة علمية بالحجة والدليل ليكون الهدف ليس الاستهزاء بمشاعر الناس وإنما للوصول إلى الحقيقة.

الغريب في الأمر أن الأسباب التي قدمها الرجل ليثبت أن المرأة مخطئة في تصوراتها هي الأسباب نفسها التي ساقها علماؤه الأجلاء لتبرير فكر تعدد الزوجات، وبكلمات أخرى ففي حين أنه تقبل من علمائه أن المرأة مثلاً "تستهلك" (على حد تعبيره) إذا تزوجت بأكثر من رجل لا يتقبل فكرة أن الرجل يستهلك إذا تزوج بأكثر من امرأة. وفي حين أنه مقتنع أن الرجل يستطيع القيام بواجباته الزوجية إذا تزوج بأكثر من امرأة لا يرى أن المرأة تستطيع ذلك إن هي تزوجت بأكثر من رجل، وهكذا. ولكني سأطرح سؤالاً واحداً هو: هل فعلاً لمثل هذه التبريرات (بأي اتجاه كان) أصل في شريعتنا؟ هل تحدث الله في كتابه الكريم عن مثل هذه الحكمة (كما يرغبوا أن يسموها هم) لتبرير تعدد زوجات الرجل؟ كنت أتمنى على من يطرح أي حجة لتبرير ادعاءه أن يسندها بآية من كتاب الله أو بقول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وإن لم يستطيعوا ذلك، فالأولى أن لا يدسوا ذلك في الدين ويجعلوا الإيمان به جزءاً من العقيدة، فكل تلك التبريرات إن لم تستند إلى الدليل العقائدي تبقى اجتهادات فردية غير ملزمة للناس، ولعلي بحاجة أن أذكر نفسي وكل من يخوض بمثل هذه المواضيع بقول الحق سبحانه:

وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ   النحل (116)

فمن ظن أن الحكمة في تعدد الزوجات عند الرجل وتعذرها عند المرأة مرتبط بالقدرة على تلبية الحاجات الزوجية فعليه أن يحضر الدليل على مثل هذا الزعم من كتاب الله، وإلاّ فلا يحق له أن يلزمنا بذلك ويكأنه من عند الله. ونحن نظن أن الاختلاف وعدم الرضا نبع عند كثير من الناس بسبب خلو التبرير الذي يطرحونه من الدليل العقائدي المقنع، فالنساء بحاجة لتبرير مقنع لتعدد الزوجات وليس لآراء الرجال في الأمر، فلو استطاع علماؤنا الأجلاء تقديم الدليل العقائدي على صحة ما يقولون لما وجدنا النساء يجادلن في الأمر، لأن من يجادل في رأي مدعوم بآية من كتاب الله فهو لا ينكر ذلك الأمر بجد ذاته وإنما ينكر مصدر التشريع الذي اشتق منه.

 ولكي ندخل في صلب الموضوع فإني أدعو القارئ الكريم أولاً إلى قراءة رد ذاك الصحفي على مقالة تلك الصحفيّة والذي وصلني من خلال البريد الالكتروني، وجل ما اطلب هو تمحيص تلك الحجج بعين الناقد وليس بعين المستهزئ كما فعل صاحبنا.


نص الرد كما وصلني:

الزميلة السعودية «نادين البدير» - وتعمل ايضا في قناة «الحرة» الامريكية - كتبت مقالا في جريدة «المصري اليوم» في عددها الصادر يوم 2009/12/11 تتساءل فيه عن.. «حرمانها من حقها كامرأة في الزواج من اربعة رجال - في وقت واحد - يمكن ان يزدادوا الى سبعة أو ثمانية»!! وتقول - ايضا - ان من يعترض على هذا الامر بحجة ان المرأة تتعب من تلبية احتياجات اربعة - أو خمسة رجال - في وقت واحد، عليه ان يغير فكره هذا لأن البغايا ونساء الليل يفعلن ذلك منذ الازل و.. لا يتعبن»!! المقال طويل وسوف انشره كاملا في وقت لاحق. وقد تسبب في دعاوى قضائية رفعها عليها - وعلى الجريدة ا لناشرة - محامون في مصر، واود هنا ان اسأل الزميلة العزيزة - وهي بالمناسبة صغيرة وجميلة وذات وزن مثالي - «ماذا لو تزوجتها انا مع الزميل ولي الجاسم والزميل احمد الفهد والشيخ صالح النهام.. مثلا»؟! سوف نجلس - نحن الخمسة - على كوشة واحدة في صالة افراح «المعجل ف الفيحاء لنتلقى التهاني، لكن المشكلة ستبدأ بعد مغادرة المدعوين و«ذهابنا» جميعا الى منزل الزوجية حيث ستنشب معركة بيننا حول من.. يدخل على العروس.. اولا؟! الزميل «أحمد الفهد» هو «سلفي - عفريت» سيقترح العمل بنظام الحروف الأبجدية ولأن اسمه يبدأ بحرف «الألف» فسوف يدخل على «زوجتنا - نادين» اولا، ثم الشيخ صالح بعده، وانا الثالث ليصبح «وليد» هو الاخير! انتهينا من المشكلة الاولى، وستظهر الثانية بعد تسعة اشهر حين تنجب «حرمتنا» مولودا ذكراً، لكن بوجود الفحص الجيني لن يكون صعبا معرفة الوالد الحقيقي ، وان كنا لن نحتاج اليه على الاطلاق ، بل يكفي التمرس في ملامح الطفل لنعرف والده، فإن جاء «اسمر ويكركر وايد» فهو ابن «أحمد»، وان جاء «ابيض ومتبتب» فهو اما ابني أو ابن وليد، وان كان «ادعم ومدلقم» فهو ابن الشيخ «صالح النهام»!! ثم.. ماذا ستفعل «مرتنا - نادين» ف وجبات غدائنا المختلفة؟ فالزميل «أحمد الفهد» يحب الدجاج الإسلامي «أبو تسعمائة غرام»، وأنا أحب المأكولا البحرية، وولي الجاسم يعشق «ضلع الخروف المشوي مع الروب»، والشيخ صالح يحب «المطازيز» فكيف ستتفرغ لاطعام اربعة رجال اوزانهم - مجتمعين - اكثر من نصف.. طن؟! وماذا لو حصلت على بعثة دراسية للخارج، فهل سأصطحب «زوجتي - نادين» مع ازواجها الثلاثة.. الآخرين؟! على أي حال، فأنا احذر الزميلة «نادين» من ان فكرتها هذه - لو تحققت - وتزوجت من مجموعة رجال - دفعة واحدة - فسوف ينتهي تاريخ صلاحيتها خلال ستة اشهر فقط ولا تعود «صالحة للاستهلاك الآدمي»، وقد تأتيها جرافات فريق الإزالة وتأخذها إلى مكان.. بعيد!!


نقد المقال:

أولاً، يزعم الكاتب أن مقال تلك المرأة دفع بعدد من المحامين أن يرفعوا دعاوى قضائية ضد الكاتبة والصحيفة التي نشرت لها ذلك المقال، فقد قال:

المقال طويل وسوف انشره كاملا في وقت لاحق. وقد تسبب في دعاوى قضائية رفعها عليها - وعلى الجريدة ا لناشرة - محامون في مصر،

 فنرد عليه بالقول إذا كان كذلك، فأنا أتمنى أن ترفع تلك القضايا ضدي أيضاً، لأنني لا أفترض أن الغباء قد استحكم بذلك الصحفي ورئيس تحريره وصحيفته هو (كما ذكرت سابقاً) فقط،  وإنما بالمحامين الذين تكفلوا برفع الدعوى ضد تلك المرأة ، وبنقابتهم التي سجلت أسماءهم في سجلاتها كمحامين مرخصين للدفاع عن حقوق الناس، وبالمحكمة التي قبلت دعواهم وهي المتكفلة بأنصاف البشر بغض النظر عن جنسهم. فنحن نظن أن الدعوى لا ترفع ضد من يتساءل ويحاول أن يفهم وإنما يجب أن ترفع ضد من يهزأ ويسخر. فالأولى بالقانون أن لا يعاقب من يحاول أن يفهم ما يدور حوله، ولكن القانون يجب أن يجرّم من يحاول أن يستهزئ ويسخر بمن حوله. فلقد نشرت تلك الصحفيّة مقالها في تلك الجريدة وكان قصدها أن تثير قضية جدلية لتفهم ما يدور حولها، أما أنت – يا سيدي –  فقد كتبت مقالتك لتسخر بما قالت تلك المرأة، ولا أظن أن عاقلاً لا يستطيع أن يميّز بين من يحاول أن يفهم ومن يحاول أن يسخر.

ثانياً، يسخر الكاتب من المرأة التي تساءلت عن سبب إمكانية أن يتزوج الرجل ليس فقط بأربعة نساء وإنما بأكثر من ذلك مقتبساً قولهاً:

"تتساءل فيه عن.. «حرمانها من حقها كامرأة في الزواج من اربعة رجال - في وقت واحد - يمكن ان يزدادوا الى سبعة أو ثمانية"

فهو يعتبره من باب الفكاهة (لا بل والسخرية) أن تطلب المرأة توضيحاً عن ذلك الأمر، وعن سبب عدم زواجها هي كذلك بهذا العدد من الرجال، وبكلمات أدق لقد جعل من الزواج بأكثر من أربعة محل سخرية واستهزاء يظن أنه يثير الضحك والتندر، فأرد عليه بالقول كان الأولى بك - يا سيدي- أن تسخر (إن كان هذا الأمر يدعوا للسخرية أصلاً)  من نبيك (محمد بن عبدالله) الذي تزوّج بأكثر من ذلك العدد، أما إذا كنت لا تظن أن زواج نبيك يدعو للسخرية وهو الحقيقة بعينها فعليك أن تبين لتلك المرأة ولكل نساء العالم لم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدد الكبير من النساء في حين أن التشريع الذي جاء به (وفهمته أنت وأمثالك) يتطلب أن يقف الرجل عند أربع نساء فقط. – وهذا مبحث رئيسي سنتوقف عنده بعد قليل

ثالثاً، يقول ذلك الرجل ساخراً:

"ماذا لو تزوجتها انا مع الزميل ولي الجاسم والزميل احمد الفهد والشيخ صالح النهام.. مثلا»؟! سوف نجلس - نحن الخمسة - على كوشة واحدة في صالة أفراح «المعجل ف الفيحاء لنتلقى التهاني"

فنرد عليه بالقول، وهل -يا سيدي-  يجلس الرجل مع نساءه الأربعة في كوشة واحدة عندما يتزوج بهن؟ هل هذا رد على من يبحث عن الحقيقة؟ هل تقبل أن يزف الرجل على أربع نساء في كوشة واحدة؟ هل هذا فعلاً ما يحدث في حالة زواج الرجل بأكثر من امرأة، لتجعلها قضية كبيرة تستخف بها عقول الناس فترد به على من يتساءل عن السر في منع المرأة أن تتزوج بأكثر من رجل؟! فكما يزف الرجل إلى امرأة  واحدة في كل زيجة ولا يجلس معهن جميعاً في كوشة واحدة، فنحن نتساءل كما تساءلت تلك المرأة عن المشكلة في أن تزف المرأة إلى رجل واحد في كل زيجة. لذا فإننا نعتقد أنك لن تحتاج أن تجلس أنت ورفقاءك في نفس الكوشة لتتشاركوا في امرأة واحدة كما يفعل من أدمن على مشاهدة الأفلام الإباحية مع أصحابه.

رابعاً، يضيف صاحبنا قائلاً:

"لكن المشكلة ستبدأ بعد مغادرة المدعوين و«ذهابنا» جميعا الى منزل الزوجية حيث ستنشب معركة بيننا حول من.. يدخل على العروس.. اولا؟! الزميل «أحمد الفهد» هو «سلفي - عفريت» سيقترح العمل بنظام الحروف الأبجدية ولأن اسمه يبدأ بحرف «الألف» فسوف يدخل على «زوجتنا - نادين» اولاً، ثم الشيخ صالح بعده، وانا الثالث ليصبح «وليد» هو الاخير! انتهينا من المشكلة الاولى"

فنرد على ذلك بالقول ألا تنشب مثل هذه المشكلة في زواج الرجل بأكثر من امرأة؟ ألا يعمل بمبدأ الدور في زواج الرجل بأكثر من امرأة؟ ألا يتم ترتيب الدور بين النساء ليتشاركن جميعاً في رجل واحد يوزع بينهنّ بالتساوي؟ ألم ينقل مشايخك الأحاديث التي تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستأذن نساءه إذا أراد أن يسكن إلى أحد زوجاته ولم يكن ذاك دورها؟ لم إذا جعلت مسألة الدور في زواج المرأة بأكثر من رجل أمراً يدعو للسخرية والتعجب ولا تلتفت إلى ذلك في الحالة المعاكسة؟


خامساً، يزيد صاحبنا سخريته قائلاً

وستظهر الثانية بعد تسعة اشهر حين تنجب «حرمتنا» مولودا ذكراً، لكن بوجود الفحص الجيني لن يكون صعبا معرفة الوالد الحقيقي ، وان كنا لن نحتاج اليه على الاطلاق ، بل يكفي التمرس في ملامح الطفل لنعرف والده، فإن جاء «اسمر ويكركر وايد» فهو ابن «أحمد»، وان جاء «ابيض ومتبتب» فهو اما ابني أو ابن وليد، وان كان «ادعم ومدلقم» فهو ابن الشيخ «صالح النهام»!!

فنرد بالقول، ما دام أنك تعترف بملء فيك أن التعرف على الأب الحقيقي للولد لم يعد مشكلة مع وجود الفحص الجيني، فلم إذا كانت تلك حجة على مر الزمن يروجها أمثالك من أشباه العلماء كحكمة في عدم قدرة المرأة على الزواج بأكثر من رجل؟ ثم الأهم من ذلك، هل فعلاً استطيع أن أجزم أنا أو أنت أو أي شخص على وجه الأرض أنه ابن أبيه الحقيقي؟ كيف لنا أن نعرف ما فعلت أمهاتنا؟ ألا يوجد بين أبناء المسلمين من لا يرتبط بأبيه بأكثر من الاسم الذي حمله زوراً وبهتاناً؟ فكم من الأبناء مسجل في القيود الرسمية باسم ذلك الرجل الذي لا يمت له بصلة سوى مشاركته المأكل والمسكن؟ وهل هناك دليل أكبر على ذلك من ظن نوح أن ابنه من أهله؟ ألم يرد الله عليه بالقول:

قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ     هود (46)

 ثم، ألا تعلم - يا سيدي- أنّ حل المشكلة أبسط مما تعتقد؟ لنسجل المولود باسم والدته؟ إلا تعلم أن اليهود لا يعتبرون الشخص يهودياً إلا عن طريق الأم؟ هل تعلم لم يفعلون ذلك؟ الجواب بسيط، لأن الإنسان يمكن أن يخدع بمن هو أبيه لكنه لن يخدع بمن هي أمه. لذا لا تجعل قضية نسبة الولد سبباً في سخريتك مما قالت تلك المرأة، ولا تجعلها حجة لعدم قدرة المرأة على تعداد الأزواج كما فعلتم على مر العصور.

سادساً، قال صاحبنا

ثم.. ماذا ستفعل «مرتنا - نادين» ف وجبات غدائنا المختلفة؟ فالزميل «أحمد الفهد» يحب الدجاج الإسلامي «أبو تسعمائة غرام»، وأنا أحب المأكولا البحرية، وولي الجاسم يعشق «ضلع الخروف المشوي مع الروب»، والشيخ صالح يحب «المطازيز» فكيف ستتفرغ لاطعام أربعة رجال اوزانهم - مجتمعين - اكثر من نصف.. طن؟!

فنرد بالقول: وماذا فعل كل مسلم متزوج بأكثر من امرأة في وجبات زوجاته؟ هل شكّل هذا الأمر قضية في تعدد زوجات الرجل؟ لم تجعلها قضية مثيرة للسخرية في طلب المرأة الزواج بأكثر من رجل؟ ألا يجد الرجل مشكلة في تلبية طلبات بيوت أربعة؟ لم لم يكن ذلك سبباً ليثنيه عن تعدد الزوجات؟ لا أظن أن هذه مشكلة إلا في ذهن من ظن أن المرأة ليست أكثر من خادمة تلبي طلبات زوجها وأولادها في النهار وطلبات زوجها في الليل. 

سابعاً، يضيف صاحباً قائلاً:

"وماذا لو حصلت على بعثة دراسية للخارج، فهل سأصطحب «زوجتي - نادين» مع ازواجها الثلاثة.. الآخرين؟!"

فنرد بالقول: هل استطعت أنت وكل من حصل على بعثة من أهل الخليج وهو متزوج بأكثر من امرأة أن يصطحب زوجاته جميعاً إلى بريطانيا أو فرنسا أو أمريكيا أو كندا ؟ كم مرة كذبتم أنكم غير متزوجين بأكثر من امرأة لتلك السلطات لتغطوا على فعلتكم تلك؟ كم مرة اصطحبتم زوجتكم الثانية بحجة أنها أختكم أو أنها الشغالة في البيت؟ لم تظن أن هذه مشكلة عندما تتزوج المرأة بأكثر من رجل ولا تفطن أنها كانت مشكلة كبرى عندما يتزوج الرجل بأكثر من امرأة؟

ثامناً، ويصل كلام صاحبنا إلى ذروته في الاستهزاء بمشاعر الآخرين عندما يقول:

على أي حال، فأنا احذر الزميلة «نادين» من ان فكرتها هذه - لو تحققت - وتزوجت من مجموعة رجال - دفعة واحدة - فسوف ينتهي تاريخ صلاحيتها خلال ستة اشهر فقط ولا تعود «صالحة للاستهلاك الآدمي»، وقد تأتيها جرافات فريق الإزالة وتأخذها إلى مكان.. بعيد.

لكن يا سيدي هل انتهت صلاحيتك (وأقرانك من الرجال) عندما تزوجت بأكثر من امرأة؟ وهل انتهت صلاحية المسلم الذي يتزوج بأربع نساء طوال حياته؟ والأهم من ذلك كله " هل انتهت صلاحية محمد بن عبد الله عندما تزوج بأحد عشر امرأة؟ إنني أظن أنك نشأت في بيئة تعتقد أن للمرأة صلاحية تنتهي بعد ليلتها الأولى في العرس، ولكن يصعب عليك أن تفهم أن صلاحيتك وأمثالك من أصحاب اللحى الذين لا تتجاوز عقولهم رغبات فروجهم قد انتهت قبل الآلاف السنين. لذا، فإنني أجزم القول أنك لا تحتاج إلى جرافات لإزالة بقاياك وأمثالك الذين لا يلقون لمشاعر الآخرين بالاً لان الديدان وقوارض الأرض تتكفل بتسويتها بالتراب.

انتهى التعليق على المقالة

أما بعد،

وبعد هذا التعليق على المقالة سأحاول الخوض في موضوع فقه تعدد الزوجات، وسأحاول تقديم ذلك بطريقة مختلفة تتكفل الرد بالحجة والبرهان على كل ما يمكن أن يثار حول الموضوع من كل الأطراف المؤيد لتعدد الزوجات والمعارض لها.

بادئ ذي بدء، أود أن أنبه أن لا يفهم كلامي هذا على أنني أؤيد زواج المرأة بأكثر من رجل أو أنني أعارض زواج الرجل بأكثر من امرأة، بل فإن موقفي هو العكس تماماً.  ولكن جل غايتي هو أن أبين أن فقه تعدد الزوجات السائد قد استند إلى مثل تصورات زميلنا السابق، فهو بالطبع لم يبتكر تلك الحجج من بنات أفكاره، وإنما سوّق فكراً متجذراً في الثقافة الإسلامية منذ قرون.

وسأحاول فيما تبقى من مقالتي هذه أن أعيد طرح فقه تعدد الزوجات بتصور (قد يكون) جديداً بعض الشيء وذلك بدراسة الأمر من المنظور القرآني فقط، وسأحاول أن أقدم  ما يبرر هذا السلوك (تعدد الزوجات للرجل وتعذر ذلك بالنسبة للمرأة) كما شرعه الله، وليس كما علق في أفكار من نخرت عقولهم الجاهلية الأولى، التي وإن كفت عن وأد الفتيات في التراب إلا أنها ما انفكت تأدهم في العقول والبيوت والمدارس والجامعات وحتى في قاعات المحاكم.

تكملة المقالة : تعدد الزوجات