جدلية الذكر والانثى


جدلية الذكر والانثى
لقد شغل موضوع الفرق بين الرجل والمرأة فكر العلماء في شتى مجالات المعرفة، فكرّسوا لها فصولا في مؤلفاتهم، وتطرق الجميع لنفس الموضوع من زاويته، فنجد الأمر قد شغل فكر أهل اللغة والأدب وعلم الإنسان والتربية والإعلام وحتى الطب والهندسة، وقد نبع هذا الاهتمام من انشغال العامة في هذا الموضوع، فلربما لا يخلو حديث المجالس العامة عن التطرق لموضوع الفرق بين الرجال والنساء (حتى وإن كان على سبيل الدعابة)، وقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين ثورة تأليف في موضوع الفرق بين الرجل والمرأة، فظهرت مؤلفات عديدة يستحيل حصرها في أي بحث في هذا المجال، وقد شهد علم اللغة -على وجه الخصوص- دراسات مستفيضة تحت عنوان الجندريات (Gender Studies)، وقد كان أبرزها ما صاحب ولحق بحركة تحرر المرأة في الغرب في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وقد أشتهر من مثل:

1.                                                                                                                              Language and Women's place 1975
2.                                                                                                                              Language and Sex: Difference and Dominance
3.                                                                                                                              Male/Female Language (1975)
4.                                                                                                                              You Just don't understand (1990)

وتتابعت الأبحاث التي عنيت بالفروق بين المرأة والرجل من الناحية اللغوية، وعزت معظم الدراسات الاختلافات بين الجنسين إلى عوامل اجتماعية، تتعلق بالأدوار (Gender) التي يتمثلها كل طرف ضمن النسيج الاجتماعي للبيئة المحيطة، ونأت تلك الدراسات بالعامل البيولوجي (sex) أن يكون هو مصدر الاختلاف بين الطرفين، ولكن ما يهمنا هنا هو أن تلك الدراسات قد خلصت إلى نتائج متضاربة كان لها تأثير في التعليل الذي نظن أنه أخطأ طريقة في الوصول إلى الحقيقة، فعلى سبيل المثال، دللت دراسة O'Barr and Atkins (1980) التي أخذت عينتها من قاعات المحاكم أن الفروقات اللغوية المميزة للغة النساء تعزى إلى عوامل اجتماعية تتعلق بالمستوى الاجتماعي الأقل درجة (كالوظيفة والدخل والخبرة) الذي تحتله المرأة في المجتمع، الأمر الذي انعكس على لغتها لتكون أكثر ميولاً إلى عدم التيقن أو التأكيد في القول (tentativeness)، ولكن تضاربت نتائج دراسة أخرى مع هذا التحليل حين وجد Preisler (1986) أن النساء أكثر ميولا إلى هذا النهج اللغوي(tentativeness)  حتى وإن كن في موقع الإدارة، وأكدت دراسة Tannen (1994a) ما خلصت إليه الدراسة السابقة، ولكنها حاولت ليّ عنق النص عندما خرجت بتحليل اجتماعي لهذا الفرق الواضح بين لغة الرجال والنساء بالقول أن ذلك بدوافع الأدب والكياسة وهو ما أسموه بـ (save face)، أو حفظ ماء الوجه بالكلمات العربية. ومراد القول أن النساء يتمتعن بتلك الصبغة اللغوية حتى لا يقعن في خطر إهدار ماء وجه المخاطب، ولكن تبقى الحقيقة صارخة أنّ النساء مهما بلغن من المكانة  أو السلطة الاجتماعية فإنّ الصبغة الطبيعية غالبة على كل التأثيرات الاجتماعية.
وفي بحثنا اللغوي هذا نود تسليط الضوء على جدلية الفرق بين الرجل والمرأة من زاوية أخرى، وهي باستخدام طريقة تحليل الخطاب (Discourse Analysis) لمفردات الآيات القرآنية التي تتعرض للفروق بين الذكر والأنثى.
منهجية البحث
تحاول الدراسة الحالية تحليل مفردات الآيات القرآنية بالاستفادة من نوعين من المعرفة، أولهما مخاطبة المعرفة البشرية World Knowledge لهذه الفروقات، وثانيهما المعرفة المحصلة من النص نفسه Text-specific knowledge، ونقصد بالنص هنا "القرآن الكريم"، ولكننا نظن أنّ هذا النوع الأخير من المعرفة لا يتجلى في النص القرآني على الوجه الذي نريد إلاّ من خلال مستويين اثنين من البحث، أولهما مستوى النص المحلي المصغّر local microlevel، وثانيهما مستوى النص الكلي الكبير .global macrolevel
أما المستوى الأول فيتمثل بإثارة العلاقات بين مفردات الآية نفسها، والخروج باستنتاجات بناءً على الروابط التي يتم التدليل عليها، ولكن حتى تكتمل الصورة لابد من ربط تلك الاستنتاجات التي أفضى إليها التحليل في المستوى الأول مع استنتاجات مماثلة أفضى لها نفس التحليل في موقع آخر في القرآن الكريم، ولتبسيط الأمر نقدم المثال التالي في طريقة تحليل النص القرآني الذي نستخدمه هنا بالتمثيل من كتاب الله، قال –تعالى-:
          وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ                                                   المدثر (6)
ففي مجال تحليل الخطاب لابد من أن نسأل عن معنى مفردة " تَمْنُنْ" في هذه الآية الكريمة، فلقد جاء في تفسير ابن كثير معظم أقول المفسرين لهذه الآية الكريمة على النحو التالي:
قال ابن عباس لا تعط العطية تلتمس أكثر منها وكذا قال عكرمة ومجاهد وعطاء وطاوس وأبو الأحوص وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم وروي عن ابن مسعود أنه قرأ " ولا تمنن أن تستكثر " وقال الحسن البصري لا تمنن بعملك على ربك تستكثره وكذا قال الربيع بن أنس واختاره ابن جرير وقال خصيف عن مجاهد في قوله تعالى " ولا تمنن تستكثر " قال لا تضعف أن تستكثر من الخير قال تمنن في كلام العرب تضعف وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس تستكثرهم بها تأخذ عليه عوضا من الدنيا فهذه أربعة أقوال والأظهر القول الأول والله أعلم.
وجل ما نود أن نشير إليه هو أن طريقة تحليل الخطاب الذي نستخدمه ستبين لنا أن كلام المفسرين هذا هو أبعد ما يكون عن الحقيقة، فتحليل مفردة "تمنن" على المستويين المحلى micro والكلي macro لا يدعم بأي شكل من الأشكال مثل هذا الفهم، وقد أخطأ السادة العلماء المعنى لسبب بسيط وهو أنهم استخدموا نوعاً واحداً من المعرفة في استنتاجهم ذاك وهو معرفتهم الخاصة World Knowledge بمعنى المفردة، أي لقد استخدم العلماء فقط ما يعرفوا هم عن معنى تلك المفردة، واسقطوا فهمهم ذاك على النص القرآني، فظنوا أن به ما ذهبوا إليه، فهم يعلموا أن مفردة "تمنن" مشتقة من المنّة، وبالتالي تحصّل لهم الفهم أن النهي هنا جاء للنبي صلى الله عليه وسلم عن المنة أيّا كان نوعها، ولكن نستميح السادة العلماء العذر القول "أنكم أخطأتم الفهم حين ظننتم ذلك"، ولو استخدمتم طريقتنا هذه في البحث عن المعاني لتحصل لكم فهماً (لربما كان) أفضل مما ذهبتم إليه، وحتى لا نطيل على القارئ الكريم سنبين له الخطأ في فهم السادة العلماء، وسنقدم له في الوقت ذاته فهمنا الذي نظن أنه أكثر دقة وتميزا.
فعند استخدام معرفتنا الخارجيةWorld Knowledge ، يتبن لنا أن مفردة "تمنن" مرتبطة بمجالين من المعاني two semantic fields of meanings، وهما المنّة والمنيّ، أما المنة فهي التفضل بإعطاء الآخرين ثم التشهير بالأعطية، ولكن المنيّ هو إنزال ماء الشهوة عند الرجل أو صبه في رحم المرأة، ويظهر هذا جلي عند استعراض السياقات القرآنية في هذا الصدد، قال تعالى:
(1)      يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ                                                 الحجرات (17)
          (2)      أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)      الواقعة 58-59
ونحن نظن أن المقصود بالآية الكريمة النهي ليس عن الإكثار في التفضل بالأعطية على الآخرين (المنّة) وهو ما ذهب إليه معظم المفسرين للنص القرآني، ولكنه النهي عن الإكثار من صب المني في أرحام النساء (إي إنزال المنيّ بالشهوة)، ولكن كيف ذلك؟ وهنا يأتي دور تحليل الخطاب على المستويين المحلي والكلي
أولاً، التحليل على المستوى المحلي (micro-analysis)
يتطلب تحليل المفردة على المستوى المحلي إثارة العلاقات بين مفردات الآية الكريمة بعضها مع بعض وكذلك مع السياقات المحيطة بها في السورة التي وردت فيها تلك الآية الكريمة، فنحن نظن أن معنى المفردة الواحدة لا يتأتى من معناها المتعارف عليه بين الناس (World Knowledge) فقط، وإنما من السياق الذي وردت فيه (context-specific knowledge)، فالمفردة (أي مفردة) تكسب معناها من علاقاتها مع المفردات الأخرى في جميع السياقات التي وردت فيها، فعند البحث عن معنى مفردة مثل "تمنن" لا بد من ربطها أولاً مع مفردات الآية نفسه، ونعيدها هنا لامعان النظر في الآية الكريمة من هذا الجانب:
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ                                                   المدثر (6)
وهنا نثير التساؤل البسيط التالي: ما علاقة "تمنن " بــ "تستكثر"؟ إنّ أبسط ما يمكن أن نستنتجه هو النهي عن الإكثار من "تمنن" بغض النظر عن معناها، أليس كذلك؟ فالله ينهى النبي عن الإكثار من ذلك الشيء (تَمْنُنْ)، فهل يعقل أن ينهى الله النبي عن الإكثار من المنّة؟ فإن كان كذلك، فلا بأس إذاً بالقليل منها، فهل كان النبي يَمُن على أحد بشيء ولو كان بأقل القليل؟ أو هل كان يمنن بعمله على ربه فيستكثره؟ إن مراد القول هو أن النهي عن المنّة لا يمكن أن يكون بعدم الإكثار منها، بل بالنهي عنها كلياً، فلا قليلها جاز ولا كثيرها ممكن، ولنتخيل ذلك بحق النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يفهم قوله تعالى:
          قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ                  البقرة (263)
إنّ نهي النبي عن الإكثار من المنة فيه اتهام مبطن للنبي بمثل هذا السلوك الذي لا يصح أن يكون من أخلاق المؤمنين ناهيك عن أخلاق النبوة، ولا ننسى كذلك أن المنة ليست من الحق البشر، بل هي من حق رب البشر فقط، مصداقاً لقوله تعالى:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ                                                                             الحجرات (17)

إن مثل هذا الفهم يدعونا إلى النظر في احتمالية أن يكون المعنى الآخر "إنزال ماء الرجل بالشهوة في رحم النساء" هو المقصود في الآية الكريمة التي نحن بصدد تبيان بعض معانيها، فالله سبحانه ينهى النبي عن الإكثار من المعاشرة التي من خلالها يخرج ماء الشهوة.
ولكن حتى يتأكد هذا المعنى لا بد من وجود الروابط التي تدعمه في السياق القرآني نفسه، وهنا ندعو القارئ إلى ربط هذا الاستنتاج (أي المعنى الجديد الذي تحصّل لنا) مع المعاني المجاورة في السياق نفسه، وهنا نورد الآية الكريمة في سياقها الأوسع لنتدبرها من هذا المنظور:
            يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
 قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
          وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
وهنا نبادر القارئ الكريم بالتساؤل التالي: إن صح ما قاله السادة العلماء في معنى تمنن (أي المنّة)، فما علاقة ذلك بالآيات السابقة واللاحقة للآية التي وردت فيها تلك المفردة؟
فلعل القارئ العادي (لربما حتى غير المتدبر) يدرك المعنى الكلي لتلك الآيات التي تتحدث في مجملها عن دعوة الله لنبيه بتبليغ الرسالة، فالخطاب موجها أولاً وقبل كل شيء للمدثر، أليس كذلك؟ والسادة العلماء أنفسهم لا يشكون قيد أنملة أنّ هذه الآيات كانت من أوائل ما نزل على النبي بعد العلق في مجمل أقوال العلماء، وهي –لا شك-  دعوة للنبي للنهوض من فراشه للقيام بواجبات الدعوة، أليس كذلك؟
فالدعوة جاءت للنبي " قُمْ فَأَنْذِرْ" على النحو التالي: النهوض من الفراش، وتكبير ربه، وتطهير ثيابه، وهجر الرجز، ومن ثم عدم الإكثار من "تمنن"، وأخيراً الصبر على ذلك كله، وهنا نسأل عن علاقة "المنّة على الناس" بمجمل هذه المعاني، أي هل يستقيم معنى "المنة على الناس" مع النهوض من الفراش وتكبير الرب وتطهير الثياب، الخ؟ وما دخل طهارة الثياب بـ "المنة على الناس"؟ كلا وألف كلا، إن ذلك يجعل النص القرآني ليس أكثر من مفردات متناثرة لا علاقة لها ببعضها البعض.
 والآن لنتصور المعنى الآخر في هذا السياق  وهو النهي عن الإكثار من إنزال ما الشهوة في رحم النساء، فنحن نعلم أن الرجل النائم (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) يقوم من فراشة، فيذكر - أولاً وقبل كل شيء- الله بالتكبير والحمد (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)، ثم تطهير ثيابه والاغتسال من الجنابة (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)[1]، وقد جاء النهي للنبي عن الإكثار من الجماع للسببين رئيسيين على الأقل:
1.     نحن نعلم القوة الجنسية التي كان يتمتع بها النبي، ولا أخال أنني بحاجة أن أورد الأحاديث بهذا الصدد، فالسادة العلماء على دراية كافية بهذا الأمر،
2.     أن من أعباء القيام بالدعوة هو التضحية ببعض نِعَم الحياة، لهذا جاءت الدعوة من الله لنبيه في السياق القرآني نفسه مباشرة بعد الآية التي ورد فيها ذكر مفردة "ولا تمنن" على النحو التالي:
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
إن مراد القول أن علاقة المفردة نفسها مع مفردات السياق نفسه تؤكد معنى مغاير لما فهمة العلماء من الكلمة عندما أسقطوا المعنى المألوف لديهم لمفردة "تمنن" على السياق القرآني دون الآخذ بالحسبان الموضع الذي وردت به الآية الكريمة.
ولكن تبقى الصورة غير قطعية لتأكيد المعنى الذي ذهبنا إليه، وهنا تبرز أهمية استدعاء السياقات القرآنية الأخرى التي لها ارتباط بمفردة تمنن حتى وإن كانت في غير السياق نفسه، وهو ما نسميه بتحليل السياق الكلي macrolevel
ثانياً، التحليل على المستوى الكلي (macro-analysis)
إن استدعاء السياقات الأخرى يتطلب وجود رابط بين تلك السياقات، ولعل من أقوى الروابط هو ورود المفردة نفسها في سياقات مختلفة، وهو ما يسمى بـ الترابط الإحالي (coreferential coherence)، أي إحالة النص قيد الدراسة إلى نص آخر، وهكذا، فعندما نجد مفردة يصعب استنباط معناها من السياق الواحد نفسه، يصبح لزاماً إحالتها إلى سياقات أخرى، ومن ثم ربط ما يتحصل من استنتاجات من السياقات المختلفة مع بعضها البعض.
الدليل الأول: المنة لله فقط، قال تعالى:
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ                     آل عمران (164)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا                                       النساء (94)
          وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ                                                                                                         الأنعام (53)
قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ                                                           يوسف (90)
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ                      إبراهيم (11)
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37)                طه 36-37
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ                        القصص (82)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ                                                   الصافات (114)
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)                                                                              الطور 26-27
إن هذه السياقات جميعاً تشير إلى حقيقة صارخة يصعب المجادلة فيها وهي أنّ المنّة من حق الله وحده، ولا يجوز لبشر أن يحيز ولو القليل منها، لهذا جاء الردع من الله للناس كافة بعدم المنة إطلاقاً، قال تعالى:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
والمدقق في السياقات القرآنية هذه يجد السبب في ذلك واضح، وهو أن المنة فيها استعلاء على الآخرين، لذا جاءت جميع تلك السياقات متبوعة بحرف الجر "على"، ونحن نعلم أنّ العلو هو صفة خاصة بالله وحدة، فلا يحق للناس أن يعلو بعضهم على بعض[2].
الدليل الثاني: إنزال المني هي واحدة من صفات الناس:
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ (47)                                                                          النجم 45-47
نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ               (59)                                                                        الإنسان 57-59
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (39) أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ (40)                                                                            القيامة 36-40

الدليل الثالث، ما هو المصدر الذي اشتق منه كل واحد من هذه المعاني؟ إنني لا أرغب الدخول في جدلية اللغة، والتدليل على كلام الله بما قاله الآخرون، ولكني أجلب انتباه القاري إلى صيغة الفعل المضارع الذي نحن بصدد تبيانه والخوض فيه، فلقد جاء فعل المنة على النحو التالي:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
وجاءت كذلك على نحو:
          مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (46)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ
إنّ المدقق في صيغة الفعل المضارع يجد حقيقة صارخة وهي على النحو التالي:
جاءت "الميم"  في الفعل المضارع لفعل المنّة الذي هو من حق الله وحده مضمومة في جميع السياقات القرآنية على نحو يَمُنُّونَ و تَمُنُّوا و يَمُنُّ  ، وجاءت "الميم" في الفعل المضارع لفعل "إنزال المني" الذي هو من صفات الناس ساكنة على نحو " تُمْنَىٰ" و يُمْنَىٰ. 
وعند تدبر صيغ الفعل الأخرى كالفعل الماضي مثلاً نجد أنّ الميم في جميع صيغ الفعل الماضي لفعل المنة جاءت متحركة على نحو مَنَّ ، فالفرق بين الفعلين هي حركة الميم، فإن كانت متحركة فهي مشتقة من المنّة التي هي من حق الله وحده، وإن كانت ساكنة فهي مشتقة من فعل المني الذي هو من فعل الناس، وبهذا الفهم نعود إلى الآية القرآنية التي بدأنا منها:
          وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
فعند مراقبة حركة الميم نجد أنها ساكنة، الأمر الذي يدعم ما زعمنا في البداية أنه المعنى المقصود في هذا السياق القرآني، وهو عدم الإكثار من صب المني في رحم المرأة.

عودة على ذي بدء
لقد قدمنا هذا المثال للتمثيل على منهجيتنا في البحث في كتاب الله عن المعاني المطلوبة في التدليل على جدلية الذكر والأنثى، ومحرك البحث هنا سؤال واحد وهو: هل يدعوا القرآن الكريم إلى المساواة بين الذكر والأنثى؟

أولاً، القرآن الكريم لا يساو الذكر بالأنثى
يجد القارئ البسيط أن القرآن الكريم يفرق بين الذكر والأنثى، فعندما وضعت امرأة عمران ما نذرت في بطنها، جاء قول الحق مصدّقاً لما قالت:
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ                   آل عمران (36)
وقد كان هذا التفريق لصالح الذكر، فامرأة عمران تعي ما تقول، والناس بطبيعتهم جبلوا على تفضيل الذكر على الأنثى:
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)                                                                                              النحل 58-59
والله نفسه فضل الذكر على الأنثى:
          وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ                            النحل (57)
فالله يستنكر عليهم أن ينسبوا له البنات ولهم البنون، وقد جاء التأكيد في تفضيل الله للذكر دعوة جلية لا لبس فيها في قوله تعالى:
          أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَىٰ (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ (22)                   النجم 21-22
وأنكر عليهم تسمية الملائكة بالإناث:
          وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ                                                                               الزخرف (19)
وقد كانت مظاهر التفضيل الرباني للذكر على الأنثى متعددة، سنتعرّض لبعضها:
أولاً، كانت خلافة الله على الأرض خاصة بالذكر، قال تعالى:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ             البقرة (30)
فالمدقق في السياق القرآني يجد أن الله جعل على الأرض خليفة واحد وليس خليفتين، لذا جاءت الآية التالية لهذه الآية الكريمة على النحو التالي:
          وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ                                                                                               البقرة (31)
فخص الله الذكر بذلك العلم الذي تفضل به على آدم في بداية الخلق.
ثانياً، بدأ خلق البشر بالذكر:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا         النساء (1)
فلقد سبق خلقُ آدم خلقَ حواء، في حين أننا نعلم أن التكاثر البشري يأتي من الأنثى، فالأنثى هي التي تنجب، وسؤالنا هو: لِمَ لم يبدأ الخلق بحواء ومن ثم تقوم هي بإنجاب آدم، كما نعلم جميعاً مما يحدث في واقع حال الإنسان من بعد خلق آدم وحواء

ثالثاً، جاء التفضيل الرباني للذكر بزيادة حصته، فالذكر له مثل حظ الأنثيين، في الميراث:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)
و كـ ذلك في الشهادة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

ثالثاً، جاء التفضيل للرجال بزيادة حصته في الزواج، فيستطيع الرجل الزواج بأكثر من امرأة ولكن لا تستطيع المرأة الزواج بأكثر من الرجل في الوقت ذاته:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (3)
رابعاً، جاءت القوامة للرجل على المرأة:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ...
خامساً جاء التفضيل للرجل صريحاً في قوله تعالى
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ ...
سادساً، جاءت الطاعة للرجل لزاماً على المرأة حتى وإن أضطر للجوء إلى الضرب،
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا                                                                             النساء (34)

خامساً، جاء الخطاب الرباني في كتابه العزيز موجهاً دائماً للرجل، فصيغة " يا أيها ..." هي موجه للذكر فقط، وقد وردت في كتاب الله على صيغتين اثنتين، وهما: "يا أيها الذين امنوا..." و "يا أيها الناس..."، ونحن نظن أن المقصود بذلك الذكر فقط.
وهنا ربما تقوم الدنيا ولا تقعد إن نحن زعمنا أن ذلك الخطاب موجهاً فقط للذكر ولا يخص الأنثى، فقد يرد البعض – وهم يستشيطون غضباً- أليست الأنثى من الذين أمنوا؟ أليست الأنثى من الناس؟ فنقول لا، ليست مشمولة بالخطاب "يا أيها الذين أمنوا..."، وهي بالتأكيد ليست من الناس، وسنحاول إثبات ما نزعم على الفور.
أما ما يخص صيغة "يا أيها الذين أمنوا..." فهي صيغة المذكر، وجميع السياقات القرآنية التي وردت فيها هذه الصيغة تبين أن ضمير المذكر هو المقصود، ولنتدبر -عزيزي القارئ- كيف تفصل الآية الكريمة التالية بشكل لا لبس فيه أن الذين آمنوا هم الذكور فقط:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
ثم لنتدبر بقية النص القرآني وخصوصاً " وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ"، فمن الذي سينكح المؤمنات، أليس الخطاب موجهاً للذين أمنوا؟ فهل يعقل أن تكون النساء مشمولات بذلك الخطاب "لتنكح النساءُ النساءَ؟!

وعند متابعة السياقات القرآنية المتنوعة نجد أنه عندما يكون المقصود الذكر والانثى في خطاب المؤمنين والمؤمنات يأتي التفصيل واضح لا لبس فيه:
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ                                                                                      التوبة (71)
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ                           التوبة (72)

لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُبِينٌ          النور (12)

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا                                                           الأحزاب (35)
          وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا                                                                                                                                                                                                   الأحزاب (58)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
         
          فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ                                                                                          محمد (19)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا                                                 الفتح (5)
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ                     الحديد (12)

رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا                                                                    نوح (28)
          إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ                                                                                               البروج (10)

ويأتي سؤالنا على النحو التالي: إذا كانت عبارة "يا أيها الذين امنوا..." تشمل المؤمنات على سبيل التغليب كما ظنّ البعض، فلم يأتي التفصيل في مواطن أخرى؟ فهل يمكن أن يرضى الجميع أن نختصر شيئاً من الآيات السابقة ليبقى الحديث موجهاً للمؤمنين لتشمل المؤمنات كذلك؟ وبكلمات أخرى هل يمكن أن نقرأ آخر آية ذكرناها آنفاً على النحو التالي؟
          إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ ... ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ
لا شك أن الجميع لا يرضى، فلا يمكن الاستغناء عن لفظة المؤمنات هنا، فما دام الأمر كذلك، فلم ندخل في كلام الله ما ليس فيه؟ ولم نحذف منه ما هو موجود فيه؟ إننا نقصد القول أنّ المؤمنون هم المؤمنون والمؤمنات هن المؤمنات، ولا يجب الخلط كيف ما نشاء ومتى نحب، حتى لا يصبح كلام الله خاضعاً لآراء الناس وتفسيراتهم غير المستندة على المرجعية الثابتة، فكلام الله يجب أن يؤخذ على محمل الجد، والوقوف عند كل مفردة وتجليتها كما هي في كتاب الله، وليس كما نحبها أن تكون في كتاب الله.

ولكن يرد البعض بالقول: ما قصة "يا أيها الناس ..."؟ أليست النساء من الناس؟ فالله سبحانه قد وجه الخطاب إلى الناس كافة، ألا يكفي ذلك ليشمل المذكر والمؤنث؟ نقول كلا، إننا نملك الدليل (كما نظن) من كتاب الله نفسه أنّ مفردة الناس لا تشمل الإناث، بل هي خاصة بالذكور (لا بل بـ فئة خاصة من الذكور).
ولنبدأ بقوله تعالى:
          اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ                  الحج (75)
تشير الآية الكريمة أن رسل الله تعالى هم من فئتين من خلقه: من الملائكة ومن الناس، وقد سبق وأشرنا أن الله لا يقبل أن يسمي الملائكة تسمية الأنثى، وبالتالي فرسل الله من الملائكة لا يمكن أن يكونوا إناثا:
          وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ                                                                                         الزخرف (19)
ونحن نعلم كذلك أن رسل الله من الناس لم يكونوا إناثاً، فالله قد خص شرف وتكليف الرسالة بالذكور، لذا فعندما يقول الله سبحانه " اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ" فإننا نستشعر أنّ مفردة الناس لا تشمل في ثناياها الإشارة إلى الإناث، ولكن يبقى هذا دليل مرجح وغير يقيني، لذا فإننا بحاجة إلى أدلة أخرى تدعم ما نذهب إليه من زعم أن الإناث ليسوا من الناس، وهنا نورد الآية الكريمة التالية التي تشير إلى هذا الفهم، قال تعالى:
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ              القصص (23)
فموسى إذاً قد وجد أمة من الناس، ولكنه وجد أيضاً من دونهم (من بينهم جميعاً) امرأتين، فلو كان بين الناس نساء غير الامرأتين المشار إليهما لكان حالهم كحال تلك المرأتين، ولربما رد البعض بالقول أنه من الممكن وجود نساء أخريات، ولكن لربما كنّ بصحبة أزواجهم أو آباءهن أو إخوانهن، فنقول نعم، لربما كان الأمر كذلك، ولكن الخطاب في الآية الكريمة يشير إلى الذين كانوا يسقون، ولا شك أن الذين كانوا يسقون أغنامهم أو مواشيهم هم من الذكور، فالذين كانوا يقومون بعمل سقي الدواب والأنعام هم من الناس، وبالتالي فهم من جنس الذكور، فحتى لو كان هناك إناث في ذلك الموقف إلا أن الخطاب غير موجه لهن.
ولكن تبقى الصورة غير قطعيه، لننتقل إلى دليل آخر، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
فالخطاب هنا موجه للناس، ولكن المدقق في النص القرآني يجد أن المقصود هم الذكور على وجه التحديد، فتتمة الآية الكريمة تشير أن الوالد لا يجزي عن ولده وكذلك الولد لا يجزي عن والده، فأين الوالدة وأين ابنتها؟
وحتى لا يسبقنا القارئ بالافتراض أن ذلك يعني الذكر والانثى ولكن جاءت صيغة المذكر للتغليب، نورد الآية الكريمة التالية وندعوه لتدبرها:
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ                                         غافر (40)
فلو كان الأمر يؤخذ على التغليب لكانت عبارة "مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ" في هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات الكريمات غير ضرورية ولصحّ المعنى بدونها على نحو:
" مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ........... وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ"
ونحن نؤكد انه إذا وردت عبارة " مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ" فإن الخطاب لا يوجه باستخدام مفردة "الناس"، وكلما وردت مفردة الناس كان الخطاب خاصاً بالذكور فقط.
ولكن يبقى الدليل غير قطعي، فننتقل إلى الآية الكريمة التي تشكل الدليل الدامغ أن النساء ليسوا من جنس الناس (والتي تليت على مسامعنا ليل نهار، ولكننا غفلنا عن الوقوف عند أبسط استنتاج يمكن أن نخرج فيه لو ربطنا مفردات الآية نفسها بعضها مع بعض)، قال تعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ                                                                                          آل عمران (14) 
تدبر –عزيزي القارئ – مفردات الله الكريمة جيداً، فالله سبحانه يقول "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ"، أليس كذلك؟ فمن هم الناس الذين زين لهم حب الشهوات؟ هل هم الذكور والإناث معاً؟ أم هل هم الذكور فقط؟
إن تتمة الآية الكريمة تبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل أن المقصود هم الذكور فقط؟ فالله سبحانه يقول:
          زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ...
فكيف إذا يستقيم المعنى أن تكون المرأة شهوة للمرأة (إلاّ أن يكون الفكر الإسلامي قد قبل فكرة السحاقيات)؟ فإذا كانت المرأة من الناس، فهناك مجال من التأويل أن تكون المرأة شهوة للمرأة، (كأن يصبح معنى الآية الكريمة "زين للنساء حب الشهوات من النساء") وهو ما لا يمكن أن يتقبله الفكر الإسلامي، وللخروج من هذا المأزق، نقول أن مفردة الناس لا تشمل الإناث، وعندها لا تكون النساء شهوة للنساء، وإنما النساء شهوة للناس (إي الذكور)، ولكن ذلك لا يشمل-بلا شك- الذكور جميعاً، وإنما الذكور الذين أصبحت النساء شهوة لهم، وهم بالتأكيد من بلغ الحلم، لذا نجد الدقة المتناهية في الآية الكريمة لتبين أن الشهوات للناس تشمل النساء وكذلك البنين، فالأطفال ليسوا كذلك من الناس، فالذكر يصبح من الناس متى بلغ الحلم، لذا نفهم أنّ خطاب التكليف من الله جاء موجهاً دائماً للناس، ونحن نعلم أن الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم غير مكلفين وغير معنيين بالخطاب الرباني عندما يأتي موجهاً على صيغة "يا أيها الناس":
          يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ                 البقرة (21)
إننا نستنتج أن تصنيف الخلق إلى من هم من فئة الناس (الذكور) ومن هم ليسوا من فئة الناس (الإناث والصغار الذين لم يبلغوا الحلم) هو تصنيف وظيفي وليس خلقي (أي على أساس الجنس). ولهذا الإدعاء تبعاته الجمة التي يمكن أن تحل كثيراً من إشكالات الفكر الإسلامي التي أوقعنا بها القدامى والمحدثين نتيجة فهمه الخاطئ لمثل هذه المفردات التي ظنوا أنها بسيطة لدرجة أنها لم تشغل تفكيرهم كما يجب، ربما لظنهم أنهم قد أحاطوا بها علماً، ولكننا نؤكد أن هناك الكثير الذي يجب عمله لفهم مثل هذه المفردات "البسيطة" قبل القفز إلى إصدار الأحكام الشرعية العقائدية منها والفقهية.
ونحن نظن أننا نستطيع تسليط الضوء على مجمل تلك القضايا بطريقة قد تيسر فهماً جديداً، منها ما يتعلق بقضايا حقوق المرأة وتعدد الزوجات، وحق الانتخاب، والميراث، والشهادة، والحج، والحكم، والقضاء، الخ. وهذه أمور سنتعرض لها لاحقاً لانّ كل منها يحتاج إلى بحث منفصل.

                                                        بقلم: رشيد الجراح
                                                        مركز اللغات – جامعة اليرموك
                                                        4/5/2010




[1] لاحظ عزيزي القارئ أن من أبجديات عقيدتنا هو الاغتسال لإسقاط الحدث الأكبر والأصغر عند الدخول في الإسلام
[2] في حين أنه لا يحق للبشر أن يعلو بعضهم على بعض يحق لهم أن يعلوا على ما دونهم من الخلائق، كالجن والدواب والأنعام وغيرها.