قصة داوود - الجزء الحادي عشر

 


من هو داوود؟ الجزء الحادي عشر

انتهينا في الجزء السابق من هذه المقالة عند حديثنا عن ماهية لسان عيسى بن مريم الذي جاء يكلّم الناس منذ أن كان صبيًا في المهد في يومه الأول، فكان أول ما نطق به هو قوله:

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (19:30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (19:31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (19:32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (19:33)

وزعمنا الظن بأن لسان عيسى بن مريم يختلف عن لسان العالمين جميعًا، مفترين الظن بأن لسانه هو لسان من أيده الله به، ألا وهو روح القدس:

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (2:87)

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (2:253)

إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (5:110)

كما ظننا بأن لسان داوود كان مختلفًا عن لسان البشر أيضا، فجاءت اللعنة للذين كفروا من بني إسرائيل على لسان هذين النبيين الكريمين:

لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (5:78)

وظننا من ذي قبل بأن سبب اختلاف لسان داوود كان متعلقا بأنه قد قضى طفولته بعيدا عن الناس بين كائنات الغابة البعيدة. فأصبح له طريقة مختلفة في الخطاب، وما تكلّم بلسان الناس إلا بعد أن عاد ليعيش بينهم لاحقًا عندما تمكّن طالوت (حسب ظننا طبعا) من إعادته إلى والده لقمان، الذي بدأ تلقين ابنه سلوكات اجتماعية تتناسب مع حياة الناس الذين أصبح داوود متواجدًا بينهم بعد أن أصبح فتى على مشارف سن البلوغ. فكانت موعظة لقمان لابنه على النحو التالي:

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (31:13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (31:14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (31:15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (31:16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (31:17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (31:18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (31:19)

لتكون النتيجة التي نحاول الوصول إليها على النحو التالي:

-          كان لعيسى بن مريم لسان خاص به

-          كان لداوود لسان خاص به

-          اختلف لسان عيسى ولسان داوود عن ألسنة الناس أجمعين

-          كان هناك اختلاف بين طبيعة لسان عيسى ولسان داوود، وذلك بسبب مصدر اكتساب اللسان عند كل واحد منهما

-          اكتسب عيسى لسانه ممن أيده الله به، ألا وهو روح القدس

-          اكتسب داوود لسانه من الغابة التي عاش بها

-          الخ

كما ظننا بأن كلا من عيسى وداوود قد تنقلا بين ثلاثة أماكن مختلفة على النحو التالي:

-          كان مولد عيسى في القدس

-          قضى فترة صباه في بيت لحم

-          كانت نهاية مهمته كرسول لبني إسرائيل (كهلا) في الناصرة

وتنقل داوود - بالمقابل - بين الأماكن التالية:

-          كان مولده في سبأ

-          قضى صباه في الغابة

-          كانت نهاية مهمة رسالته في بلاد ما وراء النهرين (دجلة والفرات(

نتيجة مفتراة 1: كان عيسى بن مريم مؤيدًا بروح القدس، فكان له لسانه الخاص

نتيجة مفتراة 2: كان عند داوود الزبور، فكان له لسان خاص به

إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (4:163)

وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (17:55)

ولو دققنا في حياة هذين النبيين الكريمين، سنجد لزاما علينا محاولة النبش في تفاصيلها منذ بدايتها. لذا ستكون التساؤلات التي تتعلق بعيسى بن مريم التي هي قيد التفكر الآن والدراسة لاحقا على النحو التالي:

-          مادام أن مريم قد وضعت المسيح في مكان بعيد عن قومها، فمن أين جاءت بذلك المهد الذي كان يتواجد فيه المسيح عندما أشارت إليه في حضور من قومها؟

فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (19:29)

-          من أين جاءت باللباس الذي كان يلبسه المسيح حينئذ؟ فهل يعقل أنّ المسيح كان في ذلك المهد بلا لباس يغطي جسمه؟

-          الخ

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن المهد الذي كان يتواجد به المسيح وأن ما كان يلبس في ذلك المهد هي من موروثات النبوة التي كانت في بيت عمران (والد مريم) والتي جاءته من ذرية عمران الأول الذي أصطفاه الله كما أصطفى آل إبراهيم.

الدليل

لو دققنا في قصة مريم بنت عمران منذ يومها الأول، سنجد الآيات الكريمة التالية:

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (3:33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (3:34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (3:35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (3:36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (3:37)

فالمدقّق في هذه الآيات سيجد أن الاصطفاء الإلهي قد جاء لشخصين اثنين هما آدم ونوح (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا)، وكان كذلك لآلين، هما آل إبراهيم وآل عمران (وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ) على العالمين. وانظر عزيزي القارئ - إن أردت - كيف يتابع هذا السياق القرآني ذاته الحديث عن مريم ابنت عمران، ليكون السؤال الأساسي هو: لمن كانت مريم ابنت عمران تنتمي عرقيا؟ هل كانت من آل إبراهيم أم من آل عمران؟

رأينا المفترى: نحن نتبنى الرأي بأن مريم كانت من آل عمران الأول الذين اصطفاهم الله في موازنة متكافئة مع آل إبراهيم (وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ). ونحن نعتقد بأن والدها عمران هو عمران الثاني، الذي لم يكن له آل لأن ذريته كانت متوقفه عند مريم. لكن عمران الأول هو من كان له آل. وهو والد لقمان الذي جاء منه داوود الذي جاء منه سليمان. فأصبحت ذرية آل عمران موازية لذرية آل إبراهيم على النحو التالي:

 



وقد افترينا الظن بأن آل عمران هم ورثة تابوت العهد القديم الذي كان تركة من إلياس:

وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (37:123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (37:124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (37:125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (37:126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (37:127) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (37:128) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (37:129) سَلَامٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ (37:130) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (37:131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (37:132)

لذا، نحن نتبنى الرأي أن يبقى ذلك التابوت في ذرية إلياس (آل عمران) حتى آخرهم (مريم وذريتها). ولكن تبقى هنا حلقة مفقودة في هذا النقاش هي الفجوة بين سليمان من جهة وعمران (والد مريم) من جهة أخرى. لنطرح بناء على ذلك السؤال التالي: كيف انتقل إرث النبوة من آل داوود (داوود وسليمان) إلى عمران (والد مريم)؟

جواب مفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا وجود شخصية مهمة جدا في آل عمران تتوسط الطرفين (داوود وسليمان من جهة وعمران – والد مريم- من جهة أخرى).

السؤال: من هو هذا الشخص الذي يتوسط الطرفين؟

رأينا المفترى: ربما يستطيع الشخص أن يضع أكثر من احتمال في هذا النقاس، لكننا سنتجرأ على الظن هنا (ربما مخطئين) بأن الشخص الذي يتوسط الطرفين هو نبي الله اليسع. انتهى.

الدليل

نحن نعلم بأن التابوت قد جاء آية على ملك طالوت الذي بعثه الله ملكا، كما جاء ذلك على لسان ذلك النبي لبني إسرائيل من بعد موسى (لقمان) ليعيد بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة بعد انتهاء فترة التيه، كما كان في ذلك التابوت بقية مما ترك آل موسى وآل هارون:

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (2:248)

وقد حصل لهم ما أرادوا بعد هزيمة جالوت على يد طالوت وجنوده. وقد ظننا بأن ذلك التابوت قد كان في حيازة داوود الذي كان حتى الساعة جنديًا شابًا في جيش طالوت. فتكون النتيجة التي نحاول جاهدين أن نتبناها هنا تتمثل في أن التابوت ذاته كان في حيازة داوود الذي هو من آل عمران. لكن كان متوافر فيه مقتنيات هي بقية مما ترك آل موسى وآل هارون (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ).

إنّ هذا المنطق يجبرنا على الظن بأن تركة آل عمران (التابوت) قد استمرت في آل عمران حتى وصلت إلى مريم وذريتها (عيسى). وهذا الأمر ربما يسعفنا في الاجابة على سؤالين اثنين هما:

- لماذا نذرت امرأت عمران ما فيه بطنها؟

- كيف جاءت مريم تحمل وليدها في المهد بعد غياب قصير عن أهلها؟

رأينا المفترى: لو حاولنا الإجابة على السؤال الأول، سنضطر أن نطرح سؤالا آخر ، ألا وهو: كيف تقبّل الله ما وضعت امرأت عمران؟

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (3:33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (3:34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (3:35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (3:36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (3:37)

فالمدقق في هذا السياق الأوسع، سيجد ما يلي:

-          الاصطفاء الإلهي كان لآدم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)

-          كانت ذرية هؤلاء جميعا هي ذرية بعضها من بعض (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ)- وهذا ما سنتناوله بإذن الله لاحقا في المقالات القادمة إن اذن الله لنا بشيء من علمه فيها.

-          كان عمران (والد مريم وزوج أمها) من آل عمران (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ)

-          تنذر امرأت عمران لله ما في بطنها، وتطلب منه أن يتقبل ذلك محررا (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا)

-          تضع امرأت عمران ما في بطنها، فتتفاجىء بأن ذلك كان أنثى (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ)

-          تطلق امرأت عمران على المولدة اسم مريم وتعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم (وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)

-          يتقبل الله ما وضعت امرأت عمران بقبول حسن، وينبتها نباتا حسنا ويكفلها زكريا  (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)

-          تتواجد مريم على الدوام في المحراب، فيأتيها رزها من عند الله (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا)

-          الخ

التساؤلات

-          لماذا نذرت امرأت عمران ما في بطنها محررا؟

-          كيف نذرته؟

-          لماذا وضعتها انثى؟

-          كيف تقبل الله ما نذرت امرأت عمران له؟

-          لماذا تقبل الله ما نذرت امرأت عمران؟

-          متى تقبل الله ما نذرت امرأت عمران؟

-          كيف أعاذتها بالله من الشيطان الرجيم؟

-          كيف أنبتها نباتا حسنا؟

-          لماذا كفلها زكريا؟

-          لماذا ظلت مريم متواجدة في المحراب؟

-          الخ

رأينا المفترى: لقد تعرضنا في سلسلة مقالاتنا السابقة حول الموضوع لكثير من هذه التساؤلات، لكن سنركز هنا ابتداء على سؤال واحد من بينها جميعا، ألا وهو: متى تقبل الله ما نذرت امرأت عمران؟

جواب مفترى: ربما لن يجد المدقق في هذا السياق القرآني صعوبة بأن يرى بأن الله لم يتقبل ما نذرت امرأت عمران عندما كانت مريم في بطنها، ولكنه تقبلها بعد أن وضعتها. فنحن نطلب من القارئ الكريم – إن شاء- أن يدقق جيدا في تسلسل الأحداث كما تبينها الآيات الكريمة في هذا السياق القرآني ذاته:

إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (3:35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (3:36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (3:37)

السؤال الآن: لماذا جاء التقبل الإلهي لما نذرت امرأت عمران بعد أن وضعتها (وليس قبل أن تضعها)؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن السبب في ذلك هو ما فعلت امرأت عمران بعد أن وضعت ما في بطنها؟

السؤال: وما الذي فعلته امرأت عمران بعد أن وضعت مريم؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن القبول الإلهي لمريم كان بسبب أن امرأت عمران قد وُضعت مريم في شيء من إرث النبوة: إنه اللباس

تخيلات مفتراة: عندما مات عمران، كانت امرأته تحمل مريم في بطنها، فعمدت إلى أن تنذر لله ما في بطنها محررًا (وسنتعرض إن شاء الله لاحقا لمعنى إن يكون ما نذرت امرأة عمران محررا). لكن الملفت للانتباه - حسب ظننا- هو أن التقبل الإلهي لمريم لم يحصل عندما كانت في بطن أمها (امرأت عمران)، لكن ما أن وضعت امرأت عمران طفلتها مريم حتى جاء التقبل الإلهي لها، ليكون السؤال الذي نكررة هنا هو: لماذا جاء التقبل الإلهي لمريم بعد أن وضعتها أمها وليس قبل ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن السبب في ذلك يعود إلى أن امرأت عمران قد ألبست طفلتها ما كان في ذلك التابوت من إرث النبوة، ألا وهو القميص، فأصبح الموضوع في ذلك اللباس محررا.  

نتيجة مفتراة مهمة جدا: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن سبب التقبل الإلهي لمريم كان بسبب وضع مريم في شيء من إرث بيت النبوة، ألا وهو القميص. وهذا الظن يجبرنا على أن نبوح بالعقيدة التي مفادها لو أن كل امرأة في الكون نذرت ما في بطنها لله محررا، لما تُقبّل منها مادامت لا تملك ذلك اللباس الذي تضع فيه مولودها. فاللباس هو – برأينا- كان السبب المباشر للتقبل الإلهي لما نذرت امرأت عمران. وهو لا شك عندنا من إرث النبوة الذي وصل إلى بيت عمران (والد مريم)، فاستخدمته امرأت عمران ليكون ما وضعت محررا.

السؤال القديم مرة أخرى: كيف وصل ذلك الإرث النبوي إلى بيت عمران (والد مريم)؟

رأينا المفترى: نحن نعتقد (ربما مخطئين) بأن وصول إرث النبوة (التابوت والقميص) إلى بيت عمران (والد مريم) كان عن طريق أحد الأشخاص الذي يربط سلسلة النبوة في آل عمران، فيكون بمثابة حلقة وصل بين طرفين في آل عمران. فنحن نعتقد بأن التابوت (وما فيه من إرث النبوة من آل موسى وآل هارون) كان متوافرا في آل داوود (داوود وسليمان) كما يبرز ذلك في الحادثة الشهيرة التي تخص طالوت وجالوت عندما جاء التابوت (الذي كان ما يزال فيه بقية من آل موسى وآل هارون) كآية على ملك طالوت حيث يظهر هناك داوود الذي استطاع أن يقتل جالوت. فيكون السيناريو  (الذي نحاول أن نرسمه الآن) على نحو أن يبقى ذلك التابوت في آل داوود بعد أن آتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء:

فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (2:251)

حتى يظهر على شكل مهد يوضع به المسيح عيسى بن مريم منذ اليوم الأول الذي جاءت به أمه تحمله إلى قومها:

فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (19:27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (19:28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (19:29)

السؤال: لماذا جاء وصف – لنقل تجاوزا - "ذلك الصندوق" على نحو أنه تابوت في السياقات القرآنية الأخرى بينما جاء وصفه على نحو أنه "مهد" في سياق الحديث عن قصة المسيح عيسى بن مريم؟ وبكلمات أخرى نحن نسأل: لماذا كان مهدا عند عيسى بينما كان تابوتا عند غيره (كما في حالة أم موسى وحالة طالوت)؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن السبب في ذلك يعود إلى أن المسيح هو من جاءت ولادته بطريقة النفخ. فلو عدنا إلى ما سطرناه من افتراءت سابقة بهذا الصدد، لأصبح لزاما علينا تذكير القارئ الكريم بأن ذلك المهد قد تم تجهيزه من قبل الملائكة لتضع فيه زوج آدم مولودها في الجنة لو أن التكاثر تم هناك طريقة النفخ (الخلافة). وبكلمات أكثر وضوحا نحن نقول: لو تحصلت الذرية لآدم وزوجه في الجنة بطريقة الخلافة، ولو حصل التكاثر هناك بآلية النفخ، لظل ذلك مهدا لمن ولد بتلك الطريقة. لكن لما حصل أن نزل آدم عند نصيحة الشيطان، ولما استطاع الشيطان أن ينزع عن آدم وزوجه لباسهما، ولما أصبح التكاثر بالنفخ غير ممكن بعد أن نزع الشيطان عن آدم وزوجه لباسهما وبدت لهما سوءاتهما، ولما أصبح التكاثر حينئذ غير ممكن إلا بالطريقة الجنسية، لم يعد ذلك "الصندوق أو السرير" - بالكلمات الأردنية الدارجة- " مهدا لكل ذرية آدم الذين جاءوا بالطريقة الجنسية، فأصبح بالنسبة لهم تابوتا وليس مهدا. وما زلنا حتى اليوم نستخدم لفظ المهد للطفل المولود حديثا، بينما نستخدم مفردة التابوت للصندوق الذي يكفّن به الموتى. وسنتعرض بالتفصيل للسبب في ذلك لاحقا إن أذن الله لنا بشيء من علمه في ذلك في الأجزاء القادمة من هذه المقالات. ولكن يكفينا هنا أن نجلب انتباه القارئ الكريم – إن أراد- لقوله تعالى:

أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (6:122)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 1: لما كانت ولادة المسيح قد تحصلت بالنفخ، كان من حقه أن يكون له ذلك "الصندوق" مهدا، وليس تابوتا.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 2: لما كانت ولادة ذرية آدم بالطريقة الجنسية، كان ذلك "الصندوق" بالنسبة لهم تابوتا وليس مهدا.

دعنا نعود بهذا الفهم المفترى لنطرح السؤال القديم الذي نحن بصدد محاولة الإجابة عليه الآن على النحو التالي: كيف وصل إرث النبوة (التابوت ومقتنايته) من آل داوود (داوود وسليمان) إلى بيت عمران (والد مريم)؟

رأينا المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) لزوم وجود حلقة وصل بين آل داوود من جهة وعمران (والد مريم) من جهة أخرى، فقد كان ذلك الإرث النبوي – برأينا- في حيازة شخص من آل عمران الأول حتى تم نقله بعد ذلك من آل داوود إلى عمران الآخر (والد مريم). ليكون السؤال بشكل أكثر دقة الآن هو: من كان حلقة الوصل بين آل داوود (داوود وسليمان) وعمران ألآخر (والد مريم)؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن واحدا من السيناريوهات المحتملة (والذي نطلب من القارئ الكريم أن لا يصدقة) هو على النحو التالي: إنه نبي الله إليسع.

الدليل

لو حاولنا البحث في السياقات القرآنية التي جاء فيها ذكر لنبي الله إليسع، سنجد أن ذكر هذا النبي الكريم كان مصاحبا على الدوام للرسل الذين لم ترد قصصهم بشكل مستفيض في كتاب الله. فجاء ذكره بشكك مقتضب فقط في سياقيين قرآنيين هما:

وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (6:86)

وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (38:48)

لو دققنا في السياق القرآني الأول، لربما حقّ لنا أن نقول بأن الرسل الوارد ذكرهم في هذه الآية قد تواجدوا في زمن كان يتواجد فيه رسل آخرين في نفس الفترة الزمنية، وهم – برأينا- على النحو التالي:

-          كان إسماعيل متواجدًا في الفترة  الزمنية التي كان متواجدا فيها والده إبراهيم وأخوه إسحاق.

-          كان يونس متواجدًا في الفترة الزمنية التي تواجد فيها إلياس

-          كان لوط متواجدًا في الفترة الزمنية التي تواجد فيها إبراهيم

السؤال: هل كان إليسع متواجدا في فترة زمنية تواجد فيها غيره من الرسل؟! من يدري؟!

ولو دققنا في السياق القرآني الثاني لوجدنا بأن ثلاثة من الرسل هم الأخيار، ألا وهم إسماعيل واليسع وذو الكفل (وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ). ليكون السؤال الآن هو: ما معنى أن هؤلاء - على وجه التحديد- هم الأخيار؟

رأينا المفترى: لو بحثنا عن الأخيار في النص القرآني على مساحته، لوجدنا (بالإضافة للسابقين) من جاء ذكرهم في الآية الكريمة التالية:

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (38:45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (38:46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (38:47)

لذا، بناء على ما جاء في هذا السياق القرآني، وجب علينا التفريق بين الرسل الأخيار من جهة والرسل المصطفين الأخيار من جهة أخرى. فالرسل الأخيار هم إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ بينما المصطفين الأخيار هم إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. قارن عزيزي القارئ - إن شئت - السياقين القرآنيين مرة أخرى من هذا الجانب:

وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (38:48)

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (38:45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (38:46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (38:47)

السؤال مرة أخرى: ما الفرق بين من كان من الأخيار من جهة ومن كان من المصطفين الأخيار من جهة أخرى؟

رأينا المفترى: لو دققنا في سياق المصطفين الأخيار، لوجدنا بأنهم إبراهيم نفسه وذريته من إسحاق:

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (38:45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (38:46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (38:47)

ولن يجد المدقق في السياق ذاته صعوبة بأن يرى أنه يخلو من إسماعيل الذي هو من ذرية إبراهيم.

نتيجة مفتراة: نحن نظن بأن إسماعيل من الأخيار لكنه لم يكن من المصطفين الأخيار، بينما كان اسحاق ويعقوب من المصطفين الأخيار، كما كان هؤلاء (المصطفين الأخيار) هم أولي الأيدي والأبصار. لذلك علينا أن نتنبه إلى الفرق بين طرفي آل إبراهيم: إسماعيل وإسحاق على نحو أن الطرف الأول (إسماعيل) قد كان من الأخيار بينما كان الطرف الآخر (اسحاق ويعقوب) من المصطفين الأخيار. ولا ننسى بأن إبراهيم نفسه كان من المصطفين الأخيار الذين هم أيضا أولي الأيدي والأبصار.

ليكون السؤال الآن هو: لماذا كان إسماعيل من الأخيار فقط وليس من المصطفين الأخيار (كأخيه إسحاق مثلا)؟

رأينا المفترى: نحن نفتري نظن (ربما مخطئين) بأن من كان من المصطفين الأخيار هم من كان عندهم شيئا من إرث النبوة، بينما لم يكن هناك شيء من إرث النبوة عند من كانوا من الأخيار. وهذا الافتراء يدعونا إلى النظر إلى من جاء ذكرهم في الآية الكريمة على نحو أنهم من الأخيار من هذا الباب، أي على أساس أنهم لم يستفيدوا من إرث النبوة، وبالتالي لم تناط بهم - بظننا ربما المغلوط- أكثر من واحدة من مهمتين: إما أن يكونوا واسطة في انتقال ذلك الإرث أو ربما أن يكونوا مراقبين من بعيد لذلك الإرث حتى يصل إلى أصحابه الحقيقين.

وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (38:48)

وبهذا المنطق المفترى الغريب العحيب، دعنا نسطر الافتراءات التالية:

-          كان اسماعيل مراقبا عن بعد لإرث النبوة الذي انتقل إلى المصطفين من آل إبراهيم، وهم أخوه إسحاق وابن أخيه يعقوب

-          كان ذو الكفل مراقبا عن بعد لإرث النبوة الذي انتقل إلى آل موسى

-          كان اليسع مراقبا لإرث النبوة الذي انتقل إلى عمران (ومن ثم إلى مريم ابنت عمران).

والافتراء الأخير منها يعيدنا إلى قصة مريم حيث نجد الآية الكريمة التالية:

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (3:42)

لنطرح بناء على ما جاء فيها التساؤل التالي: ما معنى أن الله قد اصطفى مريم؟

 

 

 

رأينا المفترى: مادام أن مريم كانت مصطفاه، فلابد أنه (نحن نظن) كان عندها شيئا من إرث النبوة.

السؤال: ما هو الشيء الذي كان عند مريم حتى تم لها الاصطفاء الإلهي؟

للإجابة على هذا التساؤل، نحن نرى لزوم طرح سؤال آخر بهذا الصدد، ألا وهو: لماذا جاء لفظ الاصطفاء لمريم مرتين (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ

رأينا المفترى: نحن نظن أن الاصطفاء الأول لمريم كانت نتيجته الطهارة (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ). ليكون السؤال الآن هو: كيف يمكن أن نفهم ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن سبب الاصطفاء الإلهي الأول كانت نتيجته طهارة مريم، وذلك (نحن نرى) بسبب أنها قد ألبست شيئا من إرث النبوة، ألا وهو القميص، الأمر الذي يضطرنا إلى الظن (ربما مخطئين) بأن مريم لم تكن بحاجة أن تأكل من أكل الناس العاديين، وبالتالي لم يصيبها المحيض، ولم تكن بحاجة إلى استخدام الحمام بالتبول أو التغوط، فكانت على الدوام متواجدة في المحراب:

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (3:37)

أما الاصفاء الثاني فكان لمريم على نساء العالمين (وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)، وذلك (نحن نرى) لأنها الوحيدة من بين نساء العالمين أجمعين من تأهلت لحمل كلمة الله في بطنها.

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن وضعت امرأة عمران ما في بطنها، حتى ألبستها ذلك القميص الذي هو من إرث النبوة، فجاءها القبول الإلهي "محررا"، وظلت مريم تلبس ذلك اللباس حتى يوم أن وضعت المسيح. وهناك بالضبط أصبحت مريم مؤهلة أن تأكل مما يأكل منه الناس العاديين ويشربون:

فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (19:23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (19:24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (19:25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (19:26)

السؤال: لماذا جاء المخاض لمريم هناك؟ ولماذا جاءها الأمر الإلهي أن تهز إليها بجذع النخلة لتأكل وتشرب كبقية نساء العالمين؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك يعود إلى أن مهمة مريم كمصطفاة بالطهارة أولا وكمصطفاة على نساء العالمين بحمل كلمة الله ثانيا قد انتهت عند هذا الحد. فالمهمة التي انيطت بمريم قد انتهت عند تلك اللحظة، فعادت لتكون كبقية نساء العالمين، تأكل وتشرب، وتحيض. وهنا بالضبط تأففت مريم من ذلك، وتمنت لو أنها كانت نسيا منسيا من قبل ذلك، أي من قبل أن يصيبها المحيض:

فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (19:23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (19:24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (19:25)

السؤال: ما الذي حصل على أرض الواقع لمريم حينئذ؟

رأينا المفترى: ما  أن وضعت مريم المسيح حتى أصبح لزاما عليها أن تضع عنها ذلك القميص لتضربه على ابنها المسيح عيسى. فأصبح القميص هو ما يجلب الطهارة للمسيح، فما كان بحاجة لأن يأكل من أكل أهل الأرض، وما كان بحاجة أن يرضع من ثدي أمه.

لكن كان هناك ميزة أخرى للمسيح تتمثل باستخدامه للمهد الذي وضع فيه منذ اليوم الأول لولادته، فيصبح الفرق بين مريم من جهة وابنها المسيح من جهة أخرى - برأينا- على النحو التالي:

Ø      مريم : تلبس القميص فترة من الزمن، فيسبب لها الطهارة طوال تلك الفترة

Ø      المسيح: يلبس القميص طوال حياته فيسبب له الطهارة، ويوضع في المهد فيكون مصدر طاقته طوال حياته

السؤال: ماذا حلّ بالقميص الذي كان يلبسه المسيح؟ وماذا حلّ بالمهد الذي كان يتواجد به المسيح؟

رأينا المفترى: ظل عيسى يلبس القميص ويتواجد في التابوت الذي كانت تحمله الملائكة حتى أقدم نفر من الكافرين من بني إسرائيل على الحاق الأذى بالمسيح، وذلك بإراقة الدم في ذلك المهد. فلم يكن المسيح يستطيع التواجد في التابوت بعد الآن، فكانوا هم الماكرين. ولكن لما كان الله خير الماكرين، جاء في هذا اللحظة القرار الإلهي بأن يرفع المسيح إليه ويطهره من الذين كفرا. قال تعالى:

وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (3:54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (3:55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (3:56)

السؤال: ماذا حلّ بالقميص والتابوت بعد أن رفع الله إليه المسيح؟

رأينا المفترى: هذا ما سنتناوله لاحقا عندما ياذن الله لنا بشيء من علمه فيه. فلا استطيع أن أبوح بما في جعبتي الآن بما يتعلق بهذا الموضوع، وذلك لخطورة الأمر من جهة، ولدقة المعلومة التي تتطلب النبش أكثر في تفاصيل الأمر لاحقا من جهة أخرى. لكن ما استطيع أن أقوله حتى الساعة هو أن لا يقلق المؤمنون من عباد الله على ذلك، فالأمر أعظم من يقع شيء من إرث النبوة في يد من لا يستحقه. فالله هو من أحكم آياته، وهو من تعهد بأن يصرف عن آياته الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق:

سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (7:146)

فحتى لو رأى المكابرون الماكرون آيات الله فلن يؤمنوا بها، وذلك لأنهم لم يكونوا مكذبين بها فقط ولكن لأنهم غافلين عنها أيضا (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ).

ويأتي التطمين الإلهي لعباده بأنه سيريهم آياته، فلا داع لأن يستعجلوها:

خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (21:37)

فالله وحده أدعوه أن لا أكون ممن يصرفهم عن آياته، وأعوذ به أن أكون من المتكبرين في الأرض بغير الحق. وادعوه وحده أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يزدني علما، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا. وادعوه وحده أن يختصني برحمة منه وعلما من لدنه لا يكون لأحد غيري، إنه هو السميع البصير. 

دعنا نعود إلى لب النقاش هنا، بطرح السؤال القديم مرة أخرى: كيف وصل اللباس والتابوت إلى بيت عمران (والد مريم)؟

رأينا المفترى: نحن نعيد افتراءنا بأن إرث النبوة الذي وصل بيت عمران كان عن طريق من كان من الأخيار وليس عن طريق المصطفين الأخيار. فناقلوا الإرث (والمراقبون له) هم الأخيار، لكن من تتناقل التركة في ريتهم هم المصطفين الأخيار. ليكون السؤال الآن من هو الرسول الذي من الأخيار من آل عمران؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن ذلك النبي (الرسول) الذي كان أداة نقل إرث النبوة في آل عمران هو نبي الله إليسع:

وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (38:48)

فتصبح سلالة تلك الذرية (آل عمران) على النحو التالي:

 



السؤال: من كان ناقل إرث النبوة من آل إبراهيم وهو الذي من المفترض أن يواز إليسع في آل عمران؟

رأينا المفترى: إنه زكريا. فتصبح سلالة النبوة في آل إبراهيم على النحو التالي:

 



فذرية آل إبراهيم قد انتهت عند يحيى الذي كان سيدا وحصورا:

فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (3:39)

وانتهت ذرية آل عمران عند عمران الثاني والد مريم، وكانت مريم ابنت عمران هي الأثنى الوحيدة من بين جميع نساء العالمين من كان لها ذرية:

فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (3:36)

فالمسيح ليس من ذرية آل إبراهيم وهو ليس من ذرية آل عمران، ولكنه كان ذرية لمريم نفسها.

السؤال: كيف استفادت تلك الذرية من إرث النبوة فيهم؟

للإجابة على هذا التساؤل، نجد لزاما علينا طرح سؤال مقابل له، ربما تكون تبعاته جمة على النقاش هنا في قصة نبي الله داوود، ألا وهو: ماذا كان للأنبياء والرسل الذين لم يكن في أيديهم شيء من إرث النبوة المادي، كالتابوت والعصا والسفينة واللباس؟

رأينا المفترى: إن هذا السؤال يدعونا إلى محاولة ربط قصة داوود مع غيرها من قصص الأنبياء الآخرين. وهذا ما سنتجرأ عليه في الأجزاء القادمة من هذه السلسة إن شاء الله. فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يزدني علما، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا. وأعوذ به وحده أن أكون ممن يفترون عليه الكذب، أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو العليم الحكيم.

المدكرون: رشيد سليم الجراح وآخرون

بقلم: د. رشيد الجراح

هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف6/6/23

    تحمست لموضوع الوحي و رموز الوحي أرجو التطرق لموضوعها يا دكتور الرموز الموجودة اخر الصفحة في الجزء العاشر من قصة داود

    ردحذف