قصة داوود - الجزء الثاني عشر

 



من هو داوود؟ الجزء الثاني عشر

تعرضنا في الجزء السابق من هذه المقالة لبعض جوانب حياة تبي الله داوود، وذلك بمحاولة ربطها ببعض جوانب حياة نبي الله عيسى بن مريم، وكانت أهم التقاطعات بين القصتين هو (ما وجدناه)  في موضوعي اللسان واللباس. وكان الظن عندنا يتمثل بأن لسان داوود ولسان عيسى بن مريم يختلفان عن لسان العالمين أجمعين، وذلك بسبب مصدر اكتساب اللسان عند كل واحد منهما. ففي حين كان مصدر لسان عيسى بن مريم هو روح القدس، كان مصدر لسان داوود هو الغابة. أما اللباس، فقد ظننا أنه في حين كان لباس عيسى بن مريم هو القميص الذي جاءه من إرث النبوة، كان لباس داوود هو صنعة لبوس (للتفصيل انظر الأجزاء السابقة).

وقد كان افتراؤنا الأكثر خطورة يتمثل في أن كلا من داوود وعيسى بن مريم قد استفادا من ذلك الصندوق (الذي جاء وصفه في كتاب الله بمسمى التابوت أو المهد)، فما كانا بحاجة أن يرضعا من ثدي أمهما. لأن التابوت ذاته كان هو - في ظننا ربما المغلوط- المصدر الذي يمدّهما بالطاقة اللازمة، كما افترينا الظن من عند أنفسنا بأنه كان لعدم رضاعة داوود وعيسى من ثدي أمهما تأثيرا مباشرا على لسانهما الذي لم يتم تنشيط أنسجته (كعضلة) بالرضاعة الطبيعية، فكان لسان كل واحد منهما مختلفا عن لسان العالمين أجمعين. لكن كان الظن عندنا أيضا أميل إلى أن ذلك الصندوق كان "مهدا" بالنسبة لعيسى بن مريم وذلك لأن خلق عيسى في بطن أمه كان بطريقة لاجنسية (بالنفخ)، بينما كان تابوتا بالنسبة لداوود وذلك لأن خلق داوود في بطن أمه كان بطريقة جنسية (للتفصيل انظر الجزء السابق).  

ولمّا ما يزال هناك كثير من التفاصيل الأخرى في حياة داوود، نجد من الضرورة بمكان أن نحاول إلقاء الضوء عليها بطريقة أوسع وذلك بربط قصة نبي الله داوود مع غيرها من قصص الأنبياء الآخرين. وبكلمات أخرى، نحن نظن بأنه حتى تصبح الصورة أكثر وضوحا بمجملها وتفاصيلها، فلابد من محاولة تبيان الجوانب المشتركة (والمختلفة) في حياة أنبياء الله ورسله جميعا. لذا، سنحاول متابعة تسليط الضوء على بعض التفاصيل التي نعرفها عن حياة هؤلاء الرسل، محاولين الاستفادة منها للخروج باستنباطات مفتراة ربما يدعمها الدليل عند اسقاطها على حياة أنبياء آخرين كداودد الذي هو محور حديثنا في هذه السلسة من المقالات. فلبّ القول هو أنه على الرغم من ظننا بأنه كان لكل رسول منهم حياته الخاصة التي تميّزه عن غيره، إلا أن هناك - برأينا- الكثير من التقاطعات التي يشترك بها الكثيرون منهم. فخيوط العنكبوت الرئيسية في قصص حياة الأنبياء تتشابك بطريقة مكثفة جدا ومنظمة جدا. فما ينطبق على أحدهم في بعض جوانب حياته، ربما ينسحب على بعضهم الآخر في الموضوع ذاته، وما قد لا نجده مفصّلًا عند بعضهم، يمكن استعارته من عند الآخرين، وهكذا.

أما بعد،

لعل واحدة من الخيوط الرئيسية في حياة رسل الله جميعا تتمثل في طبيعة مرحلة حياتهم الأولى، وخاصة ما يتعلق بالعائلة التي نشأوا فيها، وبالمجتمع الذي وجدوه سائدًا من حولهم في تلك الفترة من حياتهم، وانعكاس ذلك كله على شخصيتهم الاستثنائية كرسل مبشرين ومنذرين، تأهلوا لأن يكون حاملين لرسالة ربهم إلى الناس من حولهم. لذا، سنحاول النبش في تفاصيل حياة بعض رسل الله في مرحلة الطفولة الأولى ومرحلة الصبا.

باب الطفولة والصبا (مؤهلات الاصطفاء الإلهي لهم بالرسالة)

عند الحديث عن أنبياء الله ورسله (كداوود مثلا)، يصبح لزاما أن نعود إلى مرحلة ما قبل الاصطفاء، أي المرحلة التي بدأت فيها تكوّن شخصيات هؤلاء العظماء من عباد الله المؤمنين منذ يومهم الأول في الحياة، وهم الذين كانت عليهم المنّة الإلهية سابغة من قبل أن يتم اصطفاؤهم بالرسالة. ليكون السؤال هو: ما الذي جعل هؤلاء – من بين جميع عباد الله- مؤهلين للاصطفاء الإلهي بالرسالة؟

رأينا المفترى الخطير جدا: نحن نظن بأن واحدة من الأسباب الرئيسية التي جعلت هؤلاء النفر من عباد الله مؤهلين للاصطفاء الإلهي بالرسالة يعود إلى الدور الذي لعبه الوالدان أو أحدهما. فنحن سنحاول في السطور التالية الدفاع عن الافتراء الذي مفاده أن صلاح الوالدين (أو أحدهما) كان سببًا مباشرًا في تأهيل أولئك "الأشخاص" للرسالة. وينبع هذا الظن من العقيدة التي مفادها بأن صلاح الوالد ينفع الولد، وليس العكس، فلا ينفع صلاح الإبن والده إلا أن كان ذلك الوالد أساسًا صالحًا من ذي قبل.

الدليل

لو دققنا في الآية الكريمة التالية:

وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (18:82)

سنجد بأن الغلامين اليتمين قد استفادا عمليًا من صلاح أبوهما (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا). فصلاح ذلك الأب كان سببا في تحقق الإرادة الإلهية لهما أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما.

نتيجة مفتراة: إن اقامة صاحب موسى للجدار قد حفظت للغلامين اليتمين كنزهما، وكان السبب في ذلك كله هو صلاح أبوهما.

وهذا المنطق المفترى من عند أنفسنا يجبرنا – بالمقابل - أن نتجرأ على الظن بأنه لو لم يكن الأب لهذين الغلامين صالحا في سابق الأيام، لما أقدم صاحب موسى على إقامة الجدار (الذي كان يريد أن ينقض) لهما. ولو دققنا أكثر في السياق ذاته لوجدنا بأن كل ذلك يقع في باب الرحمة الإلهية (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ). ولو تتبعنا عبارة "رحمة من ربك" على مساحة النص القرآني، لوجدنا ما يثير الدهشة، ألا وهو أنها قد جاءت مصاحبة على الدوام لحصول الوحي:

وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (17:86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (17:87)

وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (28:46)

وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَىٰ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (28:86)

حم (44:1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (44:2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (44:3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (44:4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (44:5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (44:6)

ولو عدنا إلى قصة صاحب موسى، سنجد بأن أهم ما تميز به ذلك الشخص الذي جاء موسى طالبا صحبته هو رحمة ربه التي آتاه الله إياها:

فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (18:65)

الأمر الذي يدعونا إلى الظن بأن ذلك الشخص (صاحب موسى) الذي أوتي رحمة من ربه كان من الذين يتلقون الوحي (للتفصيل أنظر سلسلة مقالات قصة يونس)

ولو تابعنا بحثنا عن الرحمة الإلهية على بعض عباده، سنجد بأنها تتحقق - كذلك - بحصول الذرية الطيبة كما حصل - مثلا - مع أيوب:

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (21:83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (21:84)

السؤال: كيف تتحق الرحمة الإلهية بالذرية؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن الرحمة الإلهية إن تحققت في الذرية للشخص، فإن النتيجة ستكون الاستخلاف في الأرض

الدليل

لو دققنا في الآية الكريمة التالية:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (24:55)

لوجدنا بأنه من الوعد الإلهي أن يكون الاستخلاف في الأرض للذين آمنوا وعملوا الصالحات. ليكون السؤال الآن هو: ما هي آلية استخلاف الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟ وبكلمات أخرى، نحن نسأل: كيف يستخلف الله من آمنوا وعملوا الصالحات؟

رأينا المفترى: لو دققنا في الآية الكريمة التالية:

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (46:15)

لوجدنا بأن الإنسان يدعو بأن يعمل صالحا، فيكون ذلك سببا في اتمام النعمة الإلهية على ذريته. فيكون ذلك بتوفية الأجر للصالحين من عباده، وزيادتهم من فضل الله:

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (4:173)

ويكون ذلك من باب ما يجعل لهم الرحمن ودا:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (19:96)

ويكون ذلك في باب ادخالهم في الصالحين:

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (29:7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29:8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (29:9)

السؤال: ما معنى أن يدخل الله بعض عباده في الصالحين؟

رأينا المفترى: علينا التمييز بين من كان صالحا من عباد الله، مقابل من كان من الصالحين منهم. فوالد الغلاميين اليتميين اللذين أقام لهما صاحب موسى الجدار كان صالحا:

وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (18:82)

لكن هل كان ذلك الرجل "من الصالحين؟

رأينا المفترى: لو تفقدنا عبارة " من الصالحين" على مساحة النص القرآني، سنجد بأنهم رسل الله وأنبياؤه

إبراهيم: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (2:130)

وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (16:122)

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (29:27)

-          ذرية إبراهيم: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ (37:99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (37:100)

وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (37:112)

-          يحيى: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (3:39)

-          عيسى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (3:46)

-          زكريا: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (6:85)

-          لوط: وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ ۗ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (21:74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (21:75)

-          اسماعيل وإدريس وذو الكفل: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (21:85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (21:86)

-          شعيب: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (28:27)

-          يونس (صاحب الحوت): فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (68:48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (68:49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (68:50)

نتيجة مفتراة: نحن نظن أن هناك فرقا بين أن تكون صالحا أو أن تكون من الصالحين، فكثير من الناس قد يكون صالحا، لكن قلة منهم من يدخلهم الله في الصالحين، فيكونوا بذلك من الصالحين. فمن كانوا من الصالحين هم رسل الله الذين أوكل الله لهم مهمة الرسالة.

نتيجة مفتراة: من كان من الصالحين، فهو من الذين اصطفاهم الله برسالاته

نتيجة مفتراة: من كان صالحا، هو من أسبغ الله عليه من نعمه وزاده من فضله، وكانت واحدة من تلك النعمة هي سابغة على ذريته، ويكون ذلك (نحن نظن) في باب جزاء الضعف:

وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (34:37)

ولو دققنا في هذه الآية الكريمة، لوجدنا أن الأموال والأولاد لا تقرب الإنسان إلى الله زلفى إلا لمن كان قد آمن وعمل صالحا. ليكون السؤال الآن هو: كيف يمكن للأولاد أن تقرب الإنسان إلى الله زلفا إن كان ذلك الشخص مؤمنا وممن عمل صالحا؟

رأينا المفترى: لو عدنا إلى ما افتريناه سابقا حول قصة قتل صاحب موسى لذلك الغلام، لوجدنا أن صاحب موسى يبرر حادثة قتل الغلام على يده على نحو أن ما فعله كان سببه إيمان الأبوين للولد المقتول، ومدفوعا – بالتالي- بالإرادة الإلهية أن يبدلهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما:

وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (18:80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (18:81)

فتحققت الرحمة الإلهية على الأبوين – نحن نرى- بأن تواجد الآن في ذريتهما من تأهل لأن يكون رسولًا، فكان لقمان هو من أبدل الله به الأبوين المؤمنين خيرُا زكاة وأقرب رحمًا من ابنهما المقتول على يد صاحب موسى (للتفصيل انظر الأجزاء السابقة من هذه المقالة).

نتيجة مفتراة مهمة جدا: دعنا نجلب انتباه القارئ الكريم الآن – إن أراد- بأن الهدف من جلّ النقاش السابق هو الوصول إلى نتيجة مفتراة من عند أنفسنا مفادها بأن للوالدين الصالحين (أو أحدهما) دور في حصول الرحمة الإلهية بالوحي على بعض ذريتهم. انتهى

السؤال المحوري: كيف يمكن تطبيق هذا المنطق المفترى حول دور صلاح الوالدين (أو أحدهما) على الأنبياء والرسل كما جاءت قصصهم مفصلة في كتاب الله؟

رأينا المفترى: علينا أن نميز بين نوعين من الرسل:

-          الرسل الذين كانوا من ذرية الذين هم أصلا "من الصالحين"، أي رسل سابقين، أي أن يكون والده رسول من قبله، فإسماعيل واسحق هم من الصالحين من ذرية من كان أيضا من الصالحين (أي إبراهيم)، ويعقوب هو "من الصالحين" الذين جاءوا من ذرية من كان "من الصالحين" (أي إسحاق)، وكذلك كان سليمان ابن داوود وكذلك كان يحيى بن زكريا، الخ.

-          الرسل الذين أصبحوا "من الصالحين"، ولكنهم لم يكونوا من ذرية رسل آخرين مباشرة (من الصالحين)، ولكن كان أبوهم صالحا (أي ليس رسولا، ولكنه ممن كان من المتقين الذين يقولون قولا سديدا).

فنقاشنا التالي سينصب على الرسل الذين أصبحوا "من الصالحين"، ولا يظهر صراحة أنهم من ذرية مباشرة من رسل سابقين. لنطرح هنا السؤال التالي: كيف كانت المنّة الإلهية حاضرة على هؤلاء منذ طفولتهم بالرغم أن والديهم ليسوا رسلا "من الصالحين"؟ 

رأينا المفترى: لقد كانت المنّة الإلهية حاضرة على موسى منذ ولادته، فألقى الله عليه محبّة منه منذ أنْ كان طفلًا صغيرًا، وتمت صناعته على عين الله نفسه:

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (20:37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (20:38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (20:39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (20:40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (20:41)

السؤال: لِم كانت المنّة الإلهية على موسى منذ يوم ولادته؟ ما الذي جعله مؤهلًا لأن يُصنع على عين الله طفلا صغيرا في بلاط عدو الله فرعون؟ وما الذي جعل المحبة الإلهية ملقاةً عليه منذ نعومة أظفاره؟

رأينا المفترى: إنه صلاح والديه. انتهى

التفصيل: نحن نتذكر طفولة موسى، وكيف تربى في كنف عدو الله وعدوه. وكيف ألقى الله عليه محبة منه، وكيف صنعه الله على عينه. لا بل كان الله يصنع موسى لنفسه:

وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (20:41)

السؤال: لماذا حظي موسى بكل تلك العناية الإلهية؟ وكيف تمت على أرض الواقع؟

رأينا المفترى: نحن نتجرأ على افتراء الظن أن السبب في ذلك كله يعود إلى صلاح والدي موسى. لكن ما يجدر التنبّه له هنا هو أن موسى كان يتربى في كنف من كفله، وذلك لغياب الأب البيولوجي له بالموت، فوالد موسى (نحن نظن جازمين) كان قد توفاه الله قبل ولادة موسى (أو ربما بعد والدة موسى بوقت قصير) وذلك على الأقل لسببين اثنين:

-          لو كان والد موسى على قيد الحياة، لمّا كان التركيز في قصة موسى (نحن نظن) على ما تفعل أم موسى بوليدها إن هي خافت عليه من بطش فرعون وملئه. فالمنطق البسيط يتمثل بأنه لو كان والد موسى على قيد الحياة، لربما كان له رأي في ذلك، ولربما ما كانت أم موسى هي صاحبة القرار كله في أن تقذف بوليدها في التابوت فتقذفه في اليم، فيلتقطه عدو الله وعدوه:

 

إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (20:38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (20:39)

 

-          لو كان والد موسى على قيد الحياة، لربما ما احتاج موسى إلى من يكفُله:

 

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (20:40)

لكن موت الأب لا يعني أن تتوقف الرحمة الإلهية على ذريته، مادام أنه كان في سابق الأيام "صالحا" ممن يتقون الله ويقولون قولًا سديدًا:

وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (4:9)

لذا، نحن نتجرأ على الظن بأن والد موسى الذي غيبه الموت وما تزال ذريته ضعفاء قد كان صالحا ممن يتقون الله وممن يقولون قولا سديدا. ليكون السؤال الآن هو: كيف تجسدت المنة الإلهية على ذرية هذا الرجل على أرض الواقع بالرغم من وفاته بالموت؟

رأينا المفترى: لقد افترينا الظن منذ أمد بعيد بأن موسى قد تربى في كنف نبي الله ذي الكفل، الذي هو – برأينا- والد نبي الله هارون. فظننا بأن أم موسى قد تزوجت بني الله ذي الكفل بعد وفاة والد موسى، فأنجبت منه ولدها الآخر هارون، فأصبح موسى وهارون أخوة غير أشقاء يشتركان في الأم ويختلفان في الأب. فكان خطاب هارون لموسى دائما على نحو "يا ابْن أم":

قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (20:94)

وقد كان خطاب موسى مع هارون في لحظة ما على نحو أن يخلفه في قومه:

وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (7:142)

ولمّا عاد موسى إلى قومه، وجد أن القوم قد استضعفوا هارون وكادوا يقتلوه. فخاطبه هارون مرة أخرى بصيغة يا ابْن أم:

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (7:150)

وقد زعمنا الظن حينئذ بأنه لو كان هارون من قوم موسى، لما تردد فرعون أن يأخذ ثأره القديم من موسى الذي قتل نفسا من آل فرعون في سالف الأيام. ففرعون لم يقدم على محاسبة هارون بما فعل أخوه موسى وذلك لأنّ هارون – نحن نظن- لم يكن من قوم موسى وإن كان يشاركه الأم.

(للتفصل انظر مقالاتنا عن موسى وكيف تربى في كنف نبي الله ذي الكفل والد هارون).

نتيجة مفتراة: كان لموسى أم على قيد الحياة، لكن كان والده ميتا عندما ولد، وكان والد موسى "صالحا" من المتقين الذين يقولون قولًا سديدًا.

نتيجة مفتراة: كانت واحدة من جوانب المنّة الإلهية على موسى عندما كان صغيرا أن أعاده الله من البلاط الفرعوني، ليتربى في كنف أمه فترة طفولته:

وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (28:7)

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (20:37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ (20:38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (20:39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (20:40)

ولا ننسى كذلك بأنه كان لموسى أخت هي من بصُرت به عن جنب في البلاط الفرعون بتوجيه من أمها:

وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (28:11)

وهي من دلّت آل فرعون على أهل البيت الذين سيكفولونه لهم:

وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (28:12)

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (20:40)

إن هذا الفهم المفترى لأحداث قصة حياة موسى في طفولته تدعونا إلى طرح تساؤلات كثيرة جدا، نذكر منها:

-          كم الفترة الزمنية التي عاشها موسى مع أمه؟

-          كيف عاد إلى أمه؟

-          هل عاد بالتابوت ذاته الذي قذفته به من ذي قبل؟

-          ماذا كان تأثير أمه عليه في فترة الطفولة؟

-          هل عادت أم موسى لترضع طفلها من جديد بعد أن عاد إليها؟

-          كيف كانت علاقة موسى بأخيه غير الشقيق (هارون) في فترة طفولتهما وصباهما؟

-          كيف كانت علاقة موسى بزوج أمه ذي الكفل خلال فترة كفالته في بيته؟

-          من هي أخت موسى التي بصُرت به عن جنب والتي دلّت آل فرعون على من يكفُله لهم؟

-          كم كان عمر أخت موسى عندما دلّت آل فرعون على من يكفلونه لهم؟

-          كيف كانت علاقة موسى باخته هذه خلال مراحل حياته المختلفة؟

-          لماذا لا نجد ذكر لاخت موسى بعد ذلك؟

-          ماذا كان أسم أخت موسى التي بصُرت به عن جنب في البلاط الفرعوني ودلّت آل فرعون على من يكفله لهم؟

-          كيف استطاعت الوصول للبلاط الفرعوني حينئذ؟

-          لماذا أخذ آل فرعون بمشورتها؟

-          ماذا استفاد موسى من علاقته بكل هؤلاء الأشخاص الذين كانوا من حوله خلال تلك الفترة الزمنية من عمره؟

-          الخ

دعوة للجميع: نحن ندعو من أراد أن يتابع معنا النقاش في هذه القضايا أن يبقى دائم التفكير بهذه التساؤلات (وغيرها) التي تتعلق بقصة طفولة موسى ونشأته منذ ولادته حتى تبدأ أحداث قصته تتسطر شيئا فشيئا مع توالي الأيام والسنون. فربما لا نستطيع الاجابة على معظم هذه التساؤلات في الوقت الحاضر بالاستناد على تفاصيل قصة موسى فقط. لذا، علينا أن نبحث في تفاصيل حياة أنبياء آخرين، فلربما وجدنا في قصصهم آثارة من علم ترشدنا إلى محاولة تقديم افتراءات تتعلق بالاجابة على مثل هذه التساؤلات التي قلّما وجدناها تُطرح على مسامع الناس من قبل أهل الاختصاص.

فلو عدنا – مثلا- إلى قصة المسيح عيسى بن مريم، لوجدنا سيناريو مشابها وإن لم يكن متطابقا. فأم عيسى موجودة في مسرح الأحداث منذ البداية، لكن لم يكن (نحن نعلم يقينا) لعيسى أب بيولوجي. فكان مؤيدا بروح القدس، وكان لسانه هو لسان روح القدس نفسه. لكن نجد - بالمقابل- بأن والدة المسيح (مريم) قد كان لها أم وأب بيولوجيين، والملفت للانتباه هنا هو أن أمّ مريم (امرأت عمران) كانت حاضرة في المشهد بينما كان والد مريم (عمران) غائبا عن مسرح الأحداث. فكان القرار النهائي لأم مريم أن تنذر لله ما في بطنها محررا:

إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (3:35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (3:36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (3:37)

كما كان القرار لأم موسى أن تقذف بوليدها في التابوت:

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (20:39)

ولو دققنا أكثر في قصة مريم، لوجدنا بأنه كان لها أخ يسمى هارون كما جاء على لسان القوم الذين وجهوا الخطاب لمريم يوم أن أتت قومها تحمل ذلك الصبي في المهد:

فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (19:27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (19:28)

كما كان لموسى أخ غير شقيق هو هارون:

اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (20:42)

ولا يفوتنا أن نذكّر كذلك بأنّ مريم قد تربت منذ نعومة أظفارها في كنف من كفلها وهو نبي الله زكريا:

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (3:37)

كما تربى موسى في كنف من يكفله، ألا وهو – برأينا- نبي الله ذو الكفل:

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (20:40)

نتيجة مفتراة: نحن نظن أن هذا الطرح يدعونا إلى افتراء القول من عند أنفسنا بأن مريم هي الصورة الأنثوية المقابلة لموسى كما في الشكل التالي:

موسى (أبن ------)

مريم (مريم ابنت عمران)

والد موسى متوفى بالموت

أم موسى (امرأت ....)

أخ موسى (هارون)

كافل موسى (ذو الكفل)

والد مريم متوفى بالموت

أم مريم (امرأت عمران)

أخ مريم (هارون)

كافل مريم (زكريا)

 

ولو دققنا في قصة أم مريم (امرأت عمران) أكثر، لوجدنا بأنها قد تفاجأت بأن ما وضعته كان أنثى، ربما لأنها – نحن نرى- كانت تتوقع أن يكون ما في بطنها ذكرا. كما نجد بأنها قد عمدت إلى تسمية مولودتها مريم:

فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (3:36)

لنطرح من خلال ذلك عدة اسئلة، نذكر منها:

-          لماذا تفاجأت امرأت عمران بأن ما وضعته كانت أنثى؟

-          لِم لَم يكن ما وضعت ذكرا؟

-          ماذا كان يمكن أن تكون العواقب لو أنّ ما وضعت كان ذكرا؟

-          ماذا كان من الممكن أن تسميه؟

-          لماذا سمّت امرأت عمران المولودة لها مريم؟

-          هل جاء هذا الاسم من أم مريم مصادفة أم كان فعلا مقصودا بذاته؟

-          ما معنى أن يكون اسم المولودة لها مريم؟

-          هل كان من الممكن أن تطلق عليها أسما آخر غير مريم؟

-          ماذا لو قسمنا اسم مريم إلى مقطعين (مر ... يم)؟ ما الذي يمكن أن نفهمه؟

-          الخ

جواب مفترى من عند أنفسنا: كانت أم مريم (امرأت عمران) تتوقع أن يكون ما في بطنها ذكرا، وكانت مهيئة نفسها (نحن نظن) بأن تسمي ذلك المولود (إن كان ذكرا) موسى. لكن لمّا كان ما وضعت امرأت عمران أنثى عمدت إلى تسميتها مريم. الأمر الذي يدعونا إلى افتراء الظن (ربما مخطئين) بأن ذلك هو اسم أخت موسى التي بصرت به عن جنب، والتي دلّت آلَ فرعون على من يكفله:

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَنْ يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (20:40)

إن هذا المنطق الغريب العجيب ((المبني على مبدأ المقابلة في قصص القرآن الكريم) يدعونا إلى طرح تساؤلات جديدة ربما تكون أكثر إثارة من سابقتها ، نذكر منها:

-          هل كانت أم موسى امرأت شخص يسمى "عمران" كما كانت أم مريم امرأت عمران؟ أي هل كان موسى ابن عمران كما كانت مريم ابنت عمران؟

-          هل كان أخ مريم (هارون) هو أخ غير شقيق لمريم كما كان هارون السابق أخ غير شقيق لموسى؟

-          إذا كان هارون "أخ شقيق" لمريم، لم لم تنذره امرأة عمران (أم مريم) لله كما نذرت مريم؟

-          إذا كان هارون أخ غير شقيق لمريم كما كان هارون القديم "أخ غير شقيق" لموسى، فمن يكون والده؟

-          هل كان هارون "أخ غير شقيق" لمريم من أمها أم من أبيها؟ أي هل كانت مريم تشترك معه في الأم أم في الأب؟

-          الخ

ربما لا نستطيع الآن الإجابة على هذه التساؤلات الآن بناء على فهمنا غير الدقيق لتفاصيل قصة المسيح وأمه مريم، لذا، علينا البحث في تفاصيل قصص غيرهم من الأنبياء والمرسلين، فربما وجدنا في قصصهم آثارة من علم ترشدنا إلى محاولة تقديم افتراءات بهذا الصدد.

لو حاولنا أن نتذكر قصة إبراهيم - مثلا- لوجدنا أن ابراهيم قد تربى في كنف أبيه صغيرا، وذلك لأن والديه البيولوجيين المباشرين كانا متوفين بالموت من قبل. فهذا إبراهيم يعِد أباه الذي كان يتربى في كنفه بالاستغفار:

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (19:46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (19:47)

ولكنه يتبرأ منه عندما تبيّن له أن أباه ذاك عدوا لله:

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (9:113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (9:114)

نتيجة مفتراة: أب إبراهيم (كان عدوا لله، لذلك ليس هو والده المباشر).

وفي الوقت ذاته نجد إبراهيم يستغفر لوالديه:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (14:39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (14:40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (14:41)

فهناك كما افترينا القول في أكثر من مقالة سابقة - فرق بين الأبوين من جهة والوالدين من جهة أخرى. وملخص القول أن الأب ليس بالضرورة أن يكون مباشرا، وليس بالضرورة أن يكون ذكرا أو أنثى، فآدم وزوجه هما أبوان للناس أجمعين، لكنهما ليسا والدان للناس، قال تعالى:

يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (7:27)

ولهذا كان ليعقوب أكثر من أب واحد:

أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (2:133)

كما كان ليوسف أكثر من أب واحد:

قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (12:37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (12:38)

(للتفصيل انظر سلسلة مقالات يوسف مثلا).

لكن للإنسان والدين اثنين فقط هما من ولداه مباشرة:

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29:8)

وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (90:3)

وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2:233)

وهذا الأمر الذي يدعونا إلى تقديم بعض الافتراءات بهذا الصدد، نذكر منها:

-          كان أب إبراهيم عدو لله، فتبرأ إبراهيم منه

-          كان والدا إبراهيم البيولوجيان المباشران مؤمنين، فاستغفر لهما إبراهيم

ولو ذهبنا بهذا المنطق المفترى إلى قصة نوح - أيضا- سنجده يدعو لوالديه (كما دعا إبراهيم) بالمغفرة لهما:

وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (71:26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (71:27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (71:28)

وربما يحق لنا - لو دققنا في الدعاء بالمغفرة للغير- أن نفتري بأن الدعاء للغير خاص بمن سبق، وما عاد على قيد الحياة:

وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (59:10)

فالاستغفار للآخرين إذاً يجب أن يكون مشروطا بأنهم من الذين سبقوا بالإيمان، فما عاد هناك احتمال لنكوصهم بعد إيمانهم.

نتيجة مفتراة: إن ما يهمنا طرحه هنا هو - نحن نظن- أن هؤلاء المصطفين من عباد الله كانت لهم حياة خاصة في طفولتهم تتميز بعدم وجود الوالدين (كنوح وإبراهيم) أو أحدهما (كموسى ومريم). انتهى.

-          موسى له أم على قيد الحياة بينما والده متوفا بالموت

-          عيسى له أم على قيد الحياة، وليس له أب بيولوجي

-          إبراهيم له والدان متوفيان بالموت

-          نوح له والدان متوفيان بالموت

ولو دققنا في الربط بين الطلب الإلهي من محمد بأن لا يستغفر للمشركين ولو كانوا ذوي قربى إن تبين له أنهم من أصحاب النار (كأب إبراهيم مثلا):

مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (9:113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (9:114)

سنضطر عندئذ أن ننتقل مباشرة للحديث عن قصة حياة نبيا الكريم الأولى في قومه. وأول ما يمكن أن نفتريه هنا هو أن محمدا مطالب (كما كان إبراهيم مطالبا) أن لا يستغفر للمشركين ولو كانوا ذوي قربى. ليكون السؤال هو: من كان من أولى القربى للنبي الكريم الذين كانوا مشركين حتى جاءه التوجيه الإلهي بأن لا يستغفر لهم؟

رأينا المفترى: إن أي محاولة لنا للإجابة على هذا التساؤل، ستدعونا أن نبدأ البحث في قصة حياة نبينا الكريم في سنوات عمره الأولى. لكن يجب تنبيه كل قارئ لهذه السطور وكل مستمع لتسجيلاتنا لها أن ما سنطرحه في الصفحات التالية لا يعدو أكثر من تساؤلات، الغاية منها إثارة الاهتمام وجلب الانتباه للنظر في الموضوع من زاوية جديدة، وهي لا ترقى بأي حال أن تكون مسلّمات قد قطع الدليل بها. لذا، يجب الحذر في تناولها، ولا يجب – تحت أي ظرف من الظروف أو لأي سبب كان- أن تقتص خارج هذا السياق، لأنها ستكون حينئذ مادة دسمة للجرح والهجوم غير المبرر على عقائد الناس. فنحن ندعو القارئ الكريم لأن ينظر للأمور من زاوبة أخرى لأن كل ما سيتحصل منها سيندرج في باب النقاش الفكري الظني، الذي ربما يصدق بعضه، وقد يثبت بطلان أكثره. لذا، نحن نحمل كل من اقتص شيئا منها خارج سياقها الأكاديمي البحثي مسئولية الدفاع عن ما يظن أنه صحيح منها، وذلك بجلب الدليل الذي يثبت صحة ما يتبنى منها، ونحذره من أن يأخذ بها كحجة للهجوم على عقائد الآخرين.

 

أما بعد،

نحن نعرف مما وصلنا على ألسنة أهل الرواية فيما خطته أيدي أهل الدراية بأن طفولة النبي الكريم كانت مميزة بأحداث تستدعي التدبر والتفكر، نذكر منها:

                     ·زواج والده بأمه

                     ·عائلة والده

                     ·عائلة أمه

                     ·طريقة رضاعته

                     ·طريقة حياته بين الناس في شبابه

                     ·عمله في قومه

                     ·زواجه من خديجة

                     ·وجوده في الغار

                     ·تنزل الرسالة في بداية الوحي

                     ·هجرته من مكة

                     ·مكوثه في المدينة

                     ·صراعه مع الأعراب من حوله

                     ·نهاية رسالته

                     ·الخ.

وسنحاول في الصفحات التالية أن نقحم أنفسنا (كطلاب علم أغرار) في هذه القضايا، محاولين الدفاع عن موقفنا المتمثل بالافتراء الذي مفاده بأن رحلة التأهيل الإلهي لمحمد بالرسالة قد بدأت من عند والديه الكريمين. فنحن نعتقد جازمين بأن والد النبي الكريم ووالده المباشرين كان صالحين، فاستفاد ابنهما من صلاح والديه حتى كان محل الرعاية الإلهية التي جاءت صريحة في الآية الكريمة التالية:

وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (52:48)

ولو حاولنا أن نربط هذا بما جاء بحق موسى في قوله تعالى:

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (20:39)

لوجدنا بأن واحدة من أهم ما يجمع نبينا الكريم مع موسى هي تلك المراقبة الإلهي لهما. لكن في حين كان موسى يصنع على عين الله نفسه (وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي)، كان محمد تحت الرعاية الإلهي غير المباشرة من جنود ربه، بدليل أن صناعته قد جاءت بصيغة الجمع على نحو " بِأَعْيُنِنَا ". ولو عدنا إلى قصة صناعة سفينة نوح، لوجدنا أنها تمت بالطريقة ذاتها، أي بأعيننا:

وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (11:37)

فكما كانت المراقبة الإلهية غير مباشرة في حالة صناعة سفينة نوح، كان محمد تحت المراقبة الإلهية المستمرة من جند الله.

وهنا يبرز (إن صح منطقنا طبعا) سؤال مثير جدا، ألا وهو: لماذا كان موسى يصنع تحت عين الله مباشرة (عَلَىٰ عَيْنِي)، بينما كان محمد تحت العناية الإلهية غير المباشرة من جند الله (بِأَعْيُنِنَا

رأينا المفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك أنه في حين كان والدا موسى ووالدا محمد صالحين، فقد استحقا الرعاية الإلهية بسبب ذلك، لكن لمّا كان موسى موضوعا في مكان فيه شيء من إرث النبوة: العصا والقميص والتابوت، كان تحت العين الإلهية ذاتها. وبالمقابل، لما كان محمد لا يملك تلك الآيات المادية لم يكن تحت العين الإلهية المباشرة، وذلك لسبب بسيط، ألا وهو ظننا بأن عين الله المباشرة حاضرة على الدوام على آياته.

وحتى نجلب الدليل على هذا الافتراء العجيب الغريب، دعنا نثير بعض المعضلات التي نظن أننا بحاجة إلى تدبرها بطريقة ربما تكون غير مألوفة على أذن القارئ الكريم من ذي قبل.

أما بعد،

المعضلة الأولى: زواج والد النبي بأم النبي. ولنطرح جملة من التساؤلات حول هذه القضية، نذكر منها:

-          كيف تزوج والد النبي (عبدالله) بأم النبي (آمنه)؟

-          متى تزوجها؟

-          أين تزوجها؟

-          هل كانت والدته من قومه الذي تربى فيهم؟

-          لماذا قبلت أمه أن تتركه بين أيدي مرضعة له بالرغم أنه طفلها الوحيد؟

-          لماذا لم ترضعه هي بنفسها؟

-          لماذا عادت (كما تقول بعض روايات أهل العلم) إلى قومها بعد ولادته تاركة رضيعها عند أخرى؟

-          لماذا عادت إليه مرة أخرى بعد فترة من الزمن؟

-          كم كانت الفترة الزمنية التي قضتها مع ولدها قبل أن تتركه وبعد أن عادت إليه مرة أخرى في لاحق الأيام؟

-          متى توفيت؟

-          أين دفنت؟

-          متى توفي والده؟

-          أين دفن؟

-          الخ.

المعضلة الثانية: دور أولى القربى للنبي في مرحلة طفولته، لنطرح حولها التساؤلات التالية:

-          لماذا لم يتدخل أهله ليثنوا أمه عن العودة إلى أهلها تاركة رضيعها بأيدي أخرى؟

-          لماذا كانت رضاعته من نصيب من كانت تسمى (كما تقول بعض الروايات) حليمة السعدية؟

-          لماذا أشفقت عليه كما تقول الروايات- حليمة، فأخذته دون أجر مدفوع لها من قبل أهل الطفل؟

-          ألم يكن جده كما تقول الروايات- سيد مكة وزعيمها؟

-          لماذا لم يدفع أجر رضاعة حفيده؟

-          ألم يكن قد نحر مئة من الإبل فداء لوالده من ذي قبل (وسألوا أهل العلم عن ذلك إن لم كونوا مصدقين)؟

-          فهل أعجزه أن يدفع لمرضعة حفيده؟

-          ألم يكن أعمامه من أشراف مكة وسادتها؟

-          ألم يكونوا – كما تقول الروايات- من أهل الثراء والمال في مكة؟

-          كيف يوافقون على أن تأخذ حليمة ابنهم دون أجر يُدفع لها من أحدهم؟

-          الخ.

المعضلة الثالثة: أباء النبي الأولين، لنطرح حول هذا التساؤلات التالية:

-          لماذا كان اسم الآباء الأولين للنبي الكريم على نحو عبد المطلب وعبد مناف وعبد شمس؟

-          فهل كانت تلك آلهة في ذلك الوقت، فنسبوا لها؟

-          هل يمكن أن يدلّنا هذا على الطبقة الاجتماعية التي كانوا ينحدرون منها؟

-          لماذا كان أبوه (جده بكلماتنا الدارجة) اسمه عبد المطلب؟

-          ولماذا كان أبوه الأقدم عبد مناف؟

-          ولماذا كان أحد آبائه الأقديمن اسمه عبد شمس؟

-          هل يمكن أن نربط كل هذا باحتجاج القوم على رسالة النبي الكريم أن ذلك القرآن قد أنزل على رجل هو في نظرهم- ليس عظيما؟

وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (43:31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (43:32)

المعضلة الرابعة: تنقل محمد في أكثر من بيت واحد خلال طفولته، لنطرح حولها التساؤلات التالية:

-          لماذا صوّرت لنا الروايات بأن محمدا كان ينتقل من بيت إلى بيت في طفولته؟

-          لماذا لا نجد أنه قد عاش حياة طبيعية في قومه؟

-          لماذا كان حمل رعايته صغيرا يقع على أشخاص محددين بعينهم دون الآخرين؟

-          لماذا كان أبو طالب هو من انبرى كما تقول الروايات- ليتحمل مسئولية تربيته بالرغم من وجود أكثر من عم للنبي؟

-          لم لا نجد حمزة أو العباس أو أبا لهب حاضرين في قصة طفولة النبي الكريم؟

-          أين عماته؟

-          أين خالاته؟

-          لِم لَم نسمع أنّ إحداهن قد انبرت لتعتني بالطفل صغيرا؟

-          هل يمكن أن نربط كل هذا بما جاء في قوله تعالى:

 

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (33:50)

 

-          فكيف يصوّر لنا القرآن بأنّ له عمٌ واحد وخالٌ واحد بينما له عمات كثيرات وخالات كثيرات؟

-          الخ.

المعضلة الخامسة: عمل النبي الكريم شابا في مكة، لنطرح حولها التساؤلات التالية:

-          لماذا أضطر ذلك الشاب كما تقول بعض الروايات- أن يشتغل عند أناس من مكة بالرغم أنه كما تقول روايات أخرى- ابنُ سيد مكة وزعيمُها؟

-          فهل يقبل سيدُ القوم أن يشتغل أحدُ أبنائه أجيرًا عند الآخرين؟

-          لماذا رعى ذلك الشاب الغنم لغير أهله؟

-          ألم يكن أحد من أهله قادرا أن يجعله يشتغل عنده؟

-          ألم يكن أعمام النبي كما تقول روايات كثيرة- من أثرياء مكة وتجارِها؟ فما حاجة من كان من تلك العائلة الثرية (نحن نسأل) أن يجد عملا له في غير أهله؟

-          الخ

المعضلة السادسة: زواج النبي الأول، لنطرح حول ذلك التساؤلات التالية:

-          لماذا تزوج ذلك الشاب وهو في ريعان الشباب بسيدة تكبره بالعمر، ولها من الذرية من زوجها السابق؟

-          ألم يجد في مكة من النساء من تكافئه في العمر والجاه؟

-          لماذا تسطّر لنا الروايات ما يصعب قوله في هذا المقام عن قصة زواج محمد بخديجة (ومن لا يصدقنا فلينيش في مؤلفات أهل العلم ليرى بأم عينه ما سطرته أقلامهم عن تلك الحادثة)؟

-          ما سبب اعتراض والد خديجة على مصاهرة محمد في بادئ الأمر؟

-          لماذا وافق والد خديجة على ذلك الزواج بعد ذلك؟

-          ماذا كان والد خديجه (والناس من حوله) ينعتون محمدا حينئذ؟

-          الخ

المعضلة السابعة: عزلة محمد عن الناس، لنطرح حولها التساؤلات التالي:

-          لماذا نجد هذا الشاب كما تقول الروايات- يقضى أكثر وقته بعيدا عن الناس، في ذلك الغار الذي يقع في جبال مكة الشاهقة الجرداء؟

-          ما الذي يدفع شابا في بداية حياته ليبتعد فترة طويلة عمن حوله من الناس؟

-          كيف كانت علاقاته مع أهل مكة في تلك الفترة العمرية؟

-          من كان من أهل مكة الأكثر صحبة له في ذلك الوقت؟

-          الخ.

المعضلة الثامنة: المواجهة المحتدمة بين محمد من جهة وسادات مكة من جهة أخرى في بداية دعوته، لنطرح حولها التساؤلات التالية:

-          ألم يجد ذلك الرسول الكريم صدا من قبل سادة مكة وكبرائها؟

-          لماذا لم نجد صوتا لآل هاشم يعارض إخراج النبي من مكة أو يعارض شن الغزوات عليه بعد أن خرج منها؟

-          ألم تكن مكة وما حولها منطقة قبلية، يدفع الناس بعضهم بعضا بحجة القبلية التي لا تتنازل عن مناصرة أفرادها بغض النظر عن كل المسوغات الأخرى؟

-          كيف تصور لنا الروايات الهجوم المباشر والأذى الجسدي واللفظي من قبل أهل مكة على النبي الكريم، ولا نسمع صوتا إلا لحمزة (كما صورها لنا العقاد في فلمه الشهير)؟

-          أليس من المتوقع أن يدفع أهل النبي وعشيرته عنه ذلك الأذى حتى بدافع المناصرة العشائرية التي كانت في أوجها في تلك القرية (مكة) حينئذ؟

-          الخ

المعضلة التاسعة: الخلاف العرقي على الخلافة بعد وفاة النبي الكريم، لنطرح حول التساؤلات التالية:

-          لماذا نشبت الخلافات المناطقية والعرقية على الخلافة مباشرة بعد وفاة النبي الكريم؟

-          لماذا كانت الخلافة فيمن كان قرشيا ثم انتهت إلى من كان أمويا أو عباسيا؟

-          أين دور من ناصروه في بداية دعوته؟

-          لم لا نسمع صوت الذين كانوا مستضعفين فيهم في بداية الدعوة؟

-          لماذا دبّ الخلاف بين البارزين من الصحابة، خاصة من عرفنا من خلال الروايات أنهم جميعا من كبار الصحابة المبشرين بالجنة كالخلاف بين طلحة والزبير من جهة وعثمان من جهة أخرى؟

-          ما سر الخلاف بين عائشة وعلي مثلا؟

-          أين صوت بلال وعمار وأمثالهم من المهاجرين الذين اتبعوه ساعة العسرة؟

-          هل يمكن ربط كل هذا بما جاء في كتاب الله في قوله تعالى:

 

لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (9:117)

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9:100)

لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (59:8)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (8:72)

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (8:74)

الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (9:20)

وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (57:10)

المعضلة العاشرة:  الاقتتال على الخلافة، لنطرح حولها التساؤلات التالية:

-          لماذا أصرّ عليٌ كما تقول الروايات- على حقّه في الخلافة منذ وفاة النبي الكريم؟

-          لماذا لم يستطع الوصول للسلطة إلا بعد حين؟

-          لماذا لم يتنازل عن ذلك الحق بالرغم من كثرة الدماء التي سالت تحت ذريعة الخلاف بين علي من جهة وبني أمية من جهة أخرى؟

-          لماذا كانت الغلبة في نهاية المطاف لبني أمية؟

-          كيف استطاع الأمويون أن ينقلبوا على الجميع، فيصبح ملكًا وراثيًا فيهم؟

-          لماذا لم تخمد ثورة العباسيين إلا بالانتصار على الأمويين لاحقًا؟

لقد أثارت مثل هذه التساؤلات ربما غير المبررة- حفيظتنا في محاولة البحث عن بعض تفاصيل حياة النبي الكريم من قبل ولادته وحتى بعد وفاته. وسنتجرأ على بعض الافتراءات التي ربما تساعد (وإن لم تكن دقيقة أو حتى صحيحة) على النظر إلى الأمور من زاوية أخرى، وبطريقة مختلفة عما ألفناه عند آبائنا الأولين.

السؤال: ما علاقة كل هذا بقصة داوود؟ فمن هو داوود؟

المدّكرون: رشيد سليم الجراح وآخرون

بقلم: د. رشيد الجراح


هناك 6 تعليقات:

  1. غير معرف9/6/23

    الان مريم لها اخ اسمه هارون...ومن قبل كان هارون هو الغلام الذي قتله العبد الصالح...الله يعينك على السباحة...شأن كل من ينتقدون السنة والجماعة..كل يوم وهم في وادي

    ردحذف
    الردود
    1. غير معرف9/6/23

      موتوا بغيظكم وأنتم تراقبون من وراء الشاشات
      الدكتور رشيد هدم المعبد الذي تعرضون فيه بضاعتكم

      حذف
    2. أزال المؤلف هذا التعليق.

      حذف
    3. مريم ابنة عمران سميت على اسم اخت هارون و موسى في عصر فرعون الزمن الذي يسبق بفتره كبيره زمن زكريا ومريم ابنة عمران الثاني والتي كان لها ايضا اخ غير شقيق يدعى هارون.
      يجب ان تملك المرونه في التفريق بين الاحداث والشخوص.

      حذف
    4. بوركتم، بوركتم، بوركتم، زادكم ربي من لدنه علما...

      حذف
    5. غير معرف28/10/23

      من وين علم من لدنه ..ياراجل ...اللي في المسلمين مكفيهم..والله الاسلام مش ناقص...اللي فيه مكفيه

      حذف