فهرس المقالة
مقدمة: "ما ترك الله" على عباده
تحدّثنا في الجزء التاسع السابق عن "ما ترك الله" على بعض عباده المحسنين، وقد افترينا الظن بأنه على الرغم من وجود الكثير من عباد الله المحسنين المؤمنين، إلا أن "ما تركه الله" كان على خمسة منهم، جاء ذكرهم في سياقات قرآنية أربعة، وهم:
- نوح وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴿٧٨﴾
سورة الصافات - إبراهيم وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴿١٠٨﴾
سورة الصافات - موسى وهارون وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ ﴿١١٩﴾
سورة الصافات - إلياس وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ﴿١٢٩﴾
سورة الصافات
فزعما القول (ربما مخطئين) بأن التركة تقع على الممتلكات الخاصة التي تكون في ذرية الشخص حتى آخرها، ويستطيع ذلك الشخص أن يختصّ بها واحدًا من ذريته دون الباقين. كما افترينا الظن بأنّ هذه المقتنيات تتناقل بين عباد الله المحسنين، فيستفيدون منها، فكما استفاد بنو إسرائيل من تالبوت آل عمران الذي كان بحيازة داوود حتى عادوا إلى الأرض المقدسة على يد طالوت، استفاد آل داوود من بقية ما ترك آل موسى وآل هارون في ذلك التابوت (المنسأة). لكنها تبقى ملكيّة خاصة في ذريتهم جيلًا بعد جيل حتى تصل إلى نهاية ذرية ذلك الشخص، صاحب تلك التركة.
وبناءً عليه، كانت الافتراءات الرئيسية في هذا الصدد هي على النحو التالي:
- كانت تركة نوح هي الفلك، فكانت من نصيب واحد من أبنائه بعد أجيال من الزمن، ألا وهو يونس
- كانت تركة إبراهيم هي القميص، وكانت في واحد من أبنائه وذريته من بعده، وهو إسحاق (فيعقوب فيوسف)
- كانت تركة موسى وهارون هي العصا
- كانت تركة إلياس تتمثل في التابوت
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا - ابتداء- أن تلك المقتنيات قد تمّت مناقلتها جيلًا بعد جيل، على النحو التالي:
- أما سفينة نوح فكانت عند من كان من ذرية نوح، لكن الله جعلها آية للعالمين فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴿١٥﴾– وسنكمل الحديث عنها في قصة نوح إن أذن الله لنا بشيء من علمه فيها لاحقا إن شاء الله.
سورة العنكبوت - وأما قميص إبراهيم فكان عند يوسف (وسنكمل الحديث فيه عندما متابعتنا لتفاصيل قصة يوسف إن شاء الله)
- أما عصا موسى فكانت منسأة بيد سليمان، فأكلتها دابة الأرض – فانتهت هناك
- وأما التابوت، فكان في ذرية إلياس، فكان في آل عمران حتى مريم (وهذا ما سنتابع بحثه هنا في قصة داوود – فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، وأن يزدني علما، فلا أفتري عليه اكذب، ولا أقول عليه ما ليس لي بحق، إنه هو العليم العظيم).
أما بعد،
التابوت: أداة شحن وأثر عجيب
كانت واحدة من الافتراءات الأساسية التي قدمناها في الجزء السابق من هذه المقالة حول التابوت تتمثل في ظننا بأن التابوت الذي كان في حيازة داوود كان سببًا مباشرًا في إلانة الحديد لداوود، الذي تعلّم صنعة لبوس، تقي من بأس الناس. وكان أبرز ما افتريناه حينئذ هو أن تلك الصنعة كانت عبارة عن ما يشبه الدرع الواقي الذي يحفظ لابسه من بأس الحديد. ويتمثل ذلك باستحداث مجال مغناطيسي يجعل من يحاول الاقتراب منه يصدف عنه، أي يتنافر معه، فلا يتمكن المعتدي (كجالوت مثلا) من النيل من صاحب ذلك الدرع الواقي (كداوود مثلا). وحاولنا الترويج لهذه الفكرة من خلال ما فعل ذو القرنين عندما ساوى بين الصدفين اللذين ظننا (حسب فهمنا طبعا) بأنهما القطبان المغناطيسيان. فكان منطقنا على نحو أن الذي يُحدِث الصدف، هو كمن يحاول أن يخلق وقاية من التأثيرات الخارجية. وما زلنا حتى اليوم ننعت بعض الكائنات الحيّة (خاصة البحرية) بالصدفيات. ولو حاولنا دراسة هذه الكائنات، لوجدنا أنّ أهم ما يميّزها هي أنها تطوّر ما يشبه الدرع الذي يحفظها من الأخطار الخارجية. وربما لا أحتاج لجلب صورة لهذه الكائنات، لأن الجميع ربما يعرفها. فالذي يريد المزيد من المعلومات عن هذه الكائنات، فيستطيع البحث عن ذلك في كتب أهل الاختصاص.
ولعل أهم ما يمكن أن نجلب انتباه القارئ الكريم له هنا هو أن ذلك التابوت هو بمثابة أداة الشحن لمن يستطيع الاستفادة منه. وبهذا المنطق المفترى، سنتجرأ على البوح بأن من يستفيد من الطاقة الكامنة في ذلك التابوت، لا يحتاج إلى مصدر طاقة خارجي، فهو يستفيد من الطاقة الكامنة في ذلك التابوت بدلًا من الطاقة التي يمكن أن يستمدها من مصدر خارجي. وبناء عليه، يمكن لنا أن نعيد تصورنا للسيناريوهات التالية:
- لو أن آدم وزوجه لم ينزلا عند نصيحة الشيطان، ولو أن الشيطان لم يتمكن من أن ينزع عن آدم وزوجه لباسهما، ولو أن الذرية تحصلت لهما في الجنة، لوضع مولودهما في ذلك التابوت، وعندها لن يكون ذلك المولود بحاجة أن يرضع من ثدي أمه.
- لما وضعت أم موسى رضيعها في التابوت، ما عاد يحتاج إلى من ترضعه وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴿١٢﴾.
سورة القصص - عندما قبض السامري قبضة من أثر الرسول، فأخذ جزء من تلك العصا التي فعّلت في النار في الواد المقدس، تم وضع بقية العصا في ذلك التابوت حتى أُعيد شحن ما تبقى منها، فوصلت منسأة إلى آل دوود كبقية مما ترك آل موسى وآل هارون.
- عندما وضعت امرأة لقمان وليدها (داوود) في التابوت الذي تقاذفته الأمواج حتى حطت به في تلك الغابة بعيدا عن أعين الناظرين، ما كان بحاجة إلى من ترضعه.
- عندما وضعت مريم ابنها المسيح في ذلك التابوت، جاءها الأمر الإلهي بأن تهزّ إليها بجذع النخلة، فتأكل وتشرب هي بنفسها، لكن لم تكن لترضع ذلك المولود أو تطعمه مادام أنه قد وضع في ذلك التابوت الذي أمده بالطاقة اللازمة ليبقى حيا، لا يعتمد على ثدي أمه كمواليد الناس العاديين.
- وسنتحدث لاحقا - بإذن الله - عما حلّ بذلك التابوت بعد أن توفى الله عيسى بن مريم، ورفعه إليه إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٥٥﴾
سورة آل عمران
ولعل أغرب ما يمكن أن نفتريه في هذا الصدد (ونترك لخيال القارئ أن ينشغل به فترة من الزمن) هو ظننا بأن من يوضع في ذلك التابوت سيكون عنده (لنقل تجاوزا) مشكلة في اللسان. وبكلمات أكثر دقة نقول: أن لسان من وضع في ذلك التابوت سيكون مختلفا عن لسان العالمين. فدعنا نجلب الملاحظات التالية في هذا النقاش الغريب العجيب:
- لو حصلت الذرية لآدم وزوجه في الجنة، ولو وضع مولودهما في ذلك التابوت، لما تحدث ذلك المولود بلسان الناس الذي نعرفه اليوم، ولظل ذلك المولود يتحدث بالأسماء التي علمها الله لآدم: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿٣١﴾
سورة البقرة - عندما أرضعت أم موسى وليدها فترة من الزمن، ثم عمدت إلى وضعه في التابوت، تأثر لسان موسى من ذلك، فأصبح عنده عقدة في اللسان، فاصبح من الصعب أن يفقه الناس قوله:وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ﴿٢٧﴾ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴿٢٨﴾
سورة طهقَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴿١٢﴾ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ﴿١٣﴾
سورة الشعراءوَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴿٣٤﴾
سورة القصص - عندما وضعت امرأة لقمان وليدها (داوود) في ذلك التابوت، أصبح عنده مشكلة في الكلام، فجاءت موعظة والده لقمان له بأن يصبر على ما أصابه:يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿١٧﴾لذا، عندما عاد داوود للعيش بين الناس، كان عليه أن يبدأ رحلة تعلم لسان الناس من حوله في سن متأخرة، فكان ذلك من عزم الأمور.
سورة لقمان - عندما وُضِع المسيح في التابوت منذ اليوم الأول لوالدته، لم يحتاج إلى من ترضعه، فكان لسانه مختلفا، فما تحدث بلسان الناس من حوله اطلاقا، فكان بحاجة إلى من ينقل كلامه إلى الناس من حوله، فكان له حواريون، أوحى الله إليهم، فكانوا هم رسل المسيح إلى الناس:وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴿١١١﴾ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿١١٢﴾
سورة المائدة
لغز اللسان المختلف
رأينا المفترى: لا شك عندنا أن اللسان واحدا من أهم الأسباب التي تجعل الشخص قادرا على الكذب:
سورة آل عمران
سورة النحل
سورة النحل
واللسان أداة أساسية في تحريف الكلم عن مواضعه:
سورة النساء
كما هو أداة تمكن صاحبه من ابطان شيء في قلبه غير ما ينطلق على لسانه:
سورة الفتح
كما هو أداة للبسط بالسوء
سورة الممتحنة
ولعل المشاهدة البشرية البسيطة تتمثل في أن الذي يستخدم لسانه أكثر مما يجب يقع كثيرا في المغالطات. بينما الحافظ للسانه، هو من يمكن أن يتقي كثيرا من الشرور، فكانت واحدة من نعم الله على بعض عباده أن جعل لهم لسان صدق عليا:
سورة مريم
وكانت هذه واحدة مما دعا به إبراهيم ربه:
سورة الشعراء
ولعل كثير من لغات الأرض تستخدم الجذر "لغو" لتصف اللسان، كما في الانجليزية مثلا. فمفردة (LANGUAGE) مشتقة من مادة (LANG, LANGE, LANGUE, LINGUA) ، أي لغو بعد أن تم تحريف بعض أصواتها في اللغات الأوروبية المتعددة، وحتى كلمة TONGUE، فهي – كما يعرف أهل اللغة- مشتقة أساسا من الجذر ZUNGA و LINGUA
رأينا المفترى: لا شك بأن هذا موضوع هائل، له تبعات جمّة، ربما لم يحن الوقت بعد لطرحها على مسامع الناس، خاصة الذين يظنون أننا نهرف بما لا نعرف. أما نحن، فإننا نعتقد جازمين بأننا بحاجة إلى كثير من المقدمات للوصول إلى مبتغانا في هذا الجانب، فالله وحده نسأل أن ياذن لنا بشيء من علمه فيه لا يكون لأحد من العالمين غيرنا، إنه هو السميع البصير.
لكن دعنا نعود الآن إلى قصة داوود، لنذكّر القارئ الكريم – إن أراد طبعا- بأهم التقاطعات (التي تعرضنا لها) بين قصة هذا النبي الكريم (أي داوود) وغيرها من القصص القرآني. فحتى الآن حاولنا ايجاد التقاطعات بين داوود من جهة وآدم من جهة أخرى في قضيتين رئيسيتين:
- الخلافة
- اللباس
وقد قادنا النقاش في قضية اللباس إلى البحث في التقاطع بين داوود من جهة وذي القرنين من جهة أخرى، وظننا أن واحد من العوامل المشتركة بين الشخصيتين هو استخدامها لزبر الحديد، الذي هو بمثابة الدرع الواقعي لصد خطر خارجي. ففي حالة داوود كان الهدف من ذلك هو الوقاية من بأس الناس، أما في حالة ذي القرنين فكانت الغاية هي صدّ خطر يأجوج ومأجوج عن الأرض حتى لا يفسدوا فيها كما كانوا يفعلون من ذي قبل.
وسنتابع في هذا الجزء - بإذن الله - البحث عن تقاطعات قصة داوود مع غيرها من قصص القرآن، والهدف من ذلك هو محاولة تجلية بعض جوانب قصة هذا النبي الكريم التي تحفّها كثيرٌ من الألغاز المحيّرة التي ربما ما زالت عصية على الأفهام. سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا، فلا نفتري عليه الكذب ولا نقول عليه ما ليس لنا بحق، إنه هو السميع البصير.
أما بعد،
داوود وعيسى بن مريم: تقاطعات ورؤى
عند محاولتنا تدبّر الآيات الكريمة التي جاء فيها ذكرٌ لنبي الله داوود صراحة، وجدنا أنه لزاما علينا التعرض لبعض خيوط الترابط بين داوود من جهة وعيسى بن مريم من جهة أخرى، وذلك لأن الآية الكريمة التالية تجمع الشخصيتين معا بطريقة ملفتة للانتباه. قال تعالى:
سورة المائدة
ليكون السؤال (الذي نريد من القارئ الكريم أن يبقى دائم التفكر فيه) هو: لماذا كان هناك لسان خاص بداوود كما كان هناك لسان خاص بعيسى بن مريم على وجه التحديد؟
إن مجرد طرح هذا السؤال سيجلب معه عشرات الأسئلة التفصيلية ذات العلاقة، نذكر منها:
- ما هو لسان داوود؟
- ما هو لسان عيسى بن مريم؟
- ما وجه الشبه بين لسان داوود ولسان عيسى بن مريم؟
- ما هو وجه الاختلاف بين لسان داوود ولسان عيسى بن مريم؟
- ما الذي يميّز لسان هذين النبيين الكريمين عن سائر خلق الله أجمعين؟
- ما أهمية أن يكون لهذين الرسولين الكريمين لسان خاص بكل واحد منهما؟
- ما علاقة هذين الرسولين ببني إسرائيل حتى جاءت لعنة الكافرين منهم على لسانهما فقط؟
- لماذا لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان هذين النبيين الكريمين؟
- ماذا كانت عاقبة لعنة الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان هذين النبيين الكريمين؟
- الخ
باستخدام استراتيجية المقابلة بين الشخصيات الواردة في كتاب الله، يمكننا الاستفادة من تفاصيل بعض جوانب حياة أحدهما المفصّلة في كتاب الله في فهم جوانب شخصية الآخر التي عُمِيت علينا. فمهمة فهم الكتاب تكمن في القدرة على الخروج باستنباطات يدعمها الدليل. فإذا صحّ الاستنباط من عند أحدهما، استطعنا إلقاء الضوء على جانب من جوانب شخصية الطرف الآخر، وهكذا.
لذا، سنبدأ النقاش هنا باستعراض بعض الافتراءات السابقة التي توصلنا إليها (ربما مخطئين) حول قصة نبي الله عيسى بن مريم. وسنقدم تاليًا من جوانب قصة عيسى أهم ما نظن أنه قد يسعفنا في الطرح هنا حول قصة نبي الله داوود، نذكر منها:
- لم يكن عيسى رسولًا من بني إسرائيل، ولكنه رسولًا لهم
- لا ينتمي عيسى بن مريم بيولوجيًا إلى قوم بعينهم
- لم تخلو ولادة عيسى بن مريم من الغرابة في تفاصيلها
- لم تكن حياة عيسى بعد ولادته واضحة المعالم لمن كان متواجدًا حينئذ في بني إسرائيل
- لم يظهر عيسى بن مريم على الساحة ليكلم الناس إلا مرتين: في المهد وفي كهولته
- غابت الفئة العمرية الوسطى بتفاصيلها عن مسرح الأحداث
- تكلم عيسى بن مريم من اليوم الأول من ولادته، فكان له لسان خاص به، غير لسان القوم من حوله
- أُحيطت حياة عيسى بن مريم بما يسميه العامة من الناس "بالمعجزات" العصيّة على الفهم العادي
- ارتبطت قدرة عيسى بخلق الطير من الطين
- كان لعيسى بن مريم حواريون، وهم من كانوا قادرين على فهم لسانه، وبالتالي محاورته، ونقل رسالته إلى الناس بلسان القوم من حوله
- وجد عيسى الصدّ من قبل الذين كفروا من بني إسرائيل، وذلك لأن عيسى لم يكن رسولًا منهم (وإن كان رسولًا إليهم)
- الخ.
وبناءً على ذلك، سنتجرأ على الظن بأن:
- عيسى بن مريم قد ولد في مكان ما – فكانت ولادته (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) في القدس (الأقصى)
فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا ﴿٢٢﴾ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴿٢٣﴾ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴿٢٤﴾ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴿٢٥﴾
سورة مريم - نشأ عيسى بن مريم حياته الأولى في مكان آخر – فكان في بيت لحم (ما يعرف اليوم بكنيسة المهد)، بعيدا عن أعين الناس
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٤٦﴾
سورة آل عمران - كانت نهاية مهمة عيسى بن مريم في مكان ثالث – فكان في الناصرة
فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴿٥٢﴾
سورة آل عمران - كان لعيسى بن مريم لسان خاص به، لم يكتسبه من الناس
- لم يكن عيسى بن مريم رسولًا من بني إسرائيل (ولكن كان رسولًا لبني إسرائيل)
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴿٦﴾
سورة الصف - الخ
ولو حاولنا - ابتداءً - الربط بين شخصية عيسى من هذه الجوانب مع شخصية داوود، لوجدنا تقاطعات كثيرة، وجب (نحن نظن) التنبه لها، نذكّر القارئ الكريم ببعضها كما افترينا ذلك في الأجزاء السابقة من هذه المقالة:
- كانت طفولة داوود غاية في الغرابة، ويحيطها الغموض، فولد في مكان نحن نفتري الظن بأنه سبأ.
- كانت نشأته في صباه يميزها عنصر الانعزال عن العالمين، فعاش في مكان منعزل عن الناس (في الغابة)
- انتقل داوود بعد ذلك إلى مكان آخر بين الناس
- كان لداوود لسان خاص به، يميزه عن لسان من حوله من الناس
- لم يكن داوود رسولًا من بني إسرائيل (وإن كان رسولا لهم)
- أُحيطت حياة داوود بما يسميه العامة من الناس "بالمعجزات" العصيّة على الفهم العادي (والتي سنحاول التعرض لها لاحقًا إن أذن الله لنا بشيء من العلم فيها)
- تعلم داوود منطق الطير
- وجد داوود الصدّ من قبل الذين كفروا من بني إسرائيل، فكانت اللعنة لهم على لسانه كما كانت على لسان عيسى من بعده.
لسان الحق وطبيعة الوحي
رأينا المفترى: بعيدا عن تفصيلات الموضوع، فإن النتيجة التي نحاول جاهدين الوصول لها تتلخص بما يلي: لم يكن عيسى يتكلم لسان القوم من حوله، وذلك على الأقل للأسباب التالية:
- لم يكن عيسى بن مريم من الناس
- لم يرضع عيسى بن مريم من أمه
- لم يتعلم عيسى بن مريم الكلام من الناس مادام أنه تكلم منذ اليوم الأول لولادته
- لم يتعلم عيسى بن مريم لسان الناس في لاحق الأيام وذلك لأنه كلمة الله
رأينا المفترى: لما كان عيسى ابن مريم يتكلم منذ ولادته، فقد جاء لسانه معه، فهو من كانت كلماته الأولى على النحو التالي:
سورة مريم
الأمر الذي دعنا منذ زمن بعيد أن نتجرأ على افتراء الظن بأن لسان عيسى هو لسان من أيده الله به، إنه روح القدس:
سورة البقرة
سورة البقرة
استراحة قصيرة
عندما نقرأ في كتاب الله قصة عيسى بن مريم، نجد في بعض تفصيلاتها (نحن نظن) ما نظن أنه يسعفنا في فهم ماهية لسان عيسى بن مريم. ونحن ندعو القارئ إلى أن يتدبر معنا الآية الكريم التالية التي تتحدث عن ما قاله المسيح عيسى بن مريم عندما أشارت أمه إليه. فالله هو - ابتداءً - من أمر مريم أن تنذر للرحمن صومًا، فلا تكلم إنسيا في ذلك اليوم:
سورة مريم
وها هي تحمله وتعود به إلى قومها، فيتفاجأ القوم (مستغربين من، مستفسرين عن) ما كانت تحمل عندما أتت به قومها:
سورة مريم
فالسؤال الذي سيبرز هنا على الفور هو: هل حصل خطاب (نحن نسأل) بين مريم من جهة وقومها من جهة أخرى في ذلك الموقف؟ ألم تكن مريم مأمورة أن لا تكلم اليوم إنسيا؟ فكيف نفهم إذًا قوله تعالى:
سورة مريم
إن ما نحاول جاهدين أن نصل إليه هنا هو الافتراء الغريب التالي: لم تكن مريم مخاطبة قومها عندما أشارت، وذلك لأن إشارتَها كانت (نحن نظن) موجهةً لابنها فقط بدليل اللفظ ذاته (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ). فغالبا ما ظن القارئ للنص القرآني أن تلك الإشارة من مريم قد كانت عبارة عن مخاطبة غير كلامية للقوم من حولها، وهذا ما ننفيه جملة وتفصيلا، وذلك لأن مريم كانت مأمورة أن تنذر للرحمن صوما، فلا تكلم اليوم إنسيا.
سورة مريم
فالأمر إذًا قد جاءها بعدم تكليمها القوم بأي طريقة كانت قبل أن تأتي قومها، فحتى المخاطبة غير اللفظية لكل من كان إنسيا حولها كانت (نحن نرى) ممنوعة على مريم. لذا، فالإشارة التي قامت بها مريم لم تكن (نحن نرى) جزءا من حوار لها مع قومها، ولكنها كانت (نحن نظن) طريقة تخاطب بينها من جهة وابنها المسيح من جهة أخرى. فمريم تستطيع اليوم أن تكلم عيسى لأنه (نحن نظن) ليس إنسيا، ولكنها لا تستطيع أن تكلم من كان إنسيا (أي القوم من حولها). إن لب القول هو لربما فهم القوم من إشارة مريم لإبنها بأن يخاطبوه هم بأنفسهم، لكن مريم كانت في الحقيقة تخاطب وليدها الذي انطلق لسانه مباشرة بعد إشارة أمه:
سورة مريم
ولو دققنا في السياق القرآني ذاتها، لما وجدنا أن القوم قد وجهوا أي نوع من الخطاب لذلك الصبي الذي كان متواجدا أمام ناظريهم في المهد. فقد انطلق لسان الصبي مباشرة دون أن يعطي للقوم الفرصة أن يسألوه بأنفسهم.
خيال مفترى عجيب غريب: تأتي مريم قومها تحمل شيئا مختلف، يحاول القوم الاستفسار عمّا كانت تحمل، توجه مريم الخطاب لابنها لأنه كان محظورا عليها أن تكلم اليوم إنسيا، يفهم المسيح ما أشارت به أمه إليه، ينطلق لسانه على الفور، مبينا هويته الحقيقة.
لكن كان ما أشار به زكريا – بالمقابل- جزءا من حوار له مع القوم، فما كان حوارا لفظيا، وإنما حوار غير لفظي، نفذه بالرمز.
رأينا المفترى: إن معرفة تلك الإشارة تتطلب النظر إلى الرد الذي قاله المسيح، فالإشارة كانت (نحن نظن) طلبا من مريم ليفصح هذا الصبي الذي كان في المهد عن هويته. لذا جاء رده عبارة عن تعريف بنفسه. وبناء عليه، فإننا نفتري الظن بأن إشارة مريم كانت تفيد التالي: قل لهم من أنت.
جواب مفترى: نحن نظن بأن إشارة مريم لابنها المسيح كان من نوع الخطاب المفهوم لعيسى. فذلك إذا (نحن نظن) من لسان عيسى.
الدليل
لو دققنا فيما فعل زكريا الذي كان مطلوب منه ألا يكلّم الناس ثلاث ليال سويًا، سنجد بأن زكريا قد أوحى للقوم، وذلك بمخاطبتهم بالرمز:
سورة آل عمران
جواب مفترى: لو دققنا في النصين في سياقهما القرآني، سنجد أن هناك فرقًا واضحًا يتمثل بوجود مفردة الصوم في حالة مريم، وغيابها في حالة زكريا، فمريم قد نذرت للرحمن صوما ألا تكلم اليوم إنسيا:
سورة مريم
بينما لم ينذر زكريا للرحمن صومًا (كما فعلت مريم)، ولكنه أُمر ألا يكلّم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا:
سورة آل عمران
ولو دققنا أكثر في حالة زكريا، لوجدنا فرقا بين ما كان زكريا مأمورا به في الليل مقابل ما كان مأمورا به في اليوم. فالأمر لزكريا جاء مرتين، جاء الفرق بينهما جليا في كتاب الله. قال تعالى:
سورة آل عمران
سورة مريم
فالمدقق في هذين السياقين، سيجد أن زكريا مأمور بأن لا يكلم الناس اطلاقا ثلاث ليال سويا (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا)، لكنه يستطيع أن يكلمهم في اليوم رمزا (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا). فكان هناك استثناء لزكريا بأن يكلم الناس بالرمز فقط في اليوم. فعلينا أن نتخيل فرقا في حالة زكريا في اليوم (أي من الفجر إلى المغرب) مقابل حالته في الليل (من المغرب حتى الفجر).
ولو عدنا لحالة مريم، لوجدنا بأن مريم كانت ممنوعة أن تكلم إنسيا في ذلك اليوم الذي أتت به قومها. ليكون السؤال المطروح هو: لم جاء منع مريم فقط في اليوم (من الفجر إلى المغرب) بينما جاء المنع لزكريا في اليوم والليل؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك ربما يعود إلى أن مريم (نحن نظن) قد غادرت قومها إلى مكان آخر في نهاية ذلك اليوم، فما عادت على اتصال معهم بعد ذلك، وإلا لربما عاد القوم في اليوم التالي ليتبينوا حقيقة ذلك الصبي مرة أخرى.
رأينا المفترى: نحن نتخيل بأن مريم قد عمدت إلى الذهاب بذلك الصبي بعيدًا عن أعين الناظرين، فما أعطت لأحدهم الفرصة أن يحتك بذلك الصبي حتى أصبح كهلا.
الدليل
دعنا نقرأ اولا قوله تعالى:
سورة آل عمران
فالمدقق في هذا السياق، سيجد بأن العلم قد جاء لمريم منذ أن بُشرت بذلك الصبي بأنه سيكلم الناس في المهد فقط وسيكلمهم كهلا، فكان عليها (نحن ما زلنا نتخيل) أن تبتعد به عن أعين الناس بعد أن يكلمهم في المهد، ليعود فيكلمهم من جديد عندما يصبح كهلا.
ولو دققنا في السياق التالي، سنجد بأن الله قد كفّ بني إسرائيل عن عيسى (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ):
سورة المائدة
ونحن نفهم (ربما مخطئين) بأن الكف لا يتوقف على عدم قدرتهم ايقاع الأذى به (كما ربما يفهم القارئ للنص للوهلة الأولى)، ولكنه يتعدى إلى منع وصولهم إليه طوال فترة من الزمن حتى عادهم مبلغا برسالته:
سورة الصف
فالدقة القرآنية تلزمنا التفريق بين الكف بشكل عام وكف الأيدي بشكل خاص كما جاء في قوله تعالى:
سورة الفتح
سورة المائدة
سورة الفتح
لنخرج من هنا بالحاجة إلى التفريق بين كف الأيدي (الذي نظن أنه يحمل معه معنى الاعتداء المادي) من جهة، والكف بشكل عام من جهة أخرى. ونظن (ربما مخطئين) بأن الكف يتمثل بعدم التواصل اطلاقا. لذا، سنتجرأ على القول بانه عندما كف الله بني إسرائيل عن عيسى، فهو قد قطع اتصال بني إسرائيل مع عيسى بعد أن كلمهم في المهد حتى عاد إليهم بنفسه ليكلمهم عندما أصبح كهلا. ليكون السؤال الآن هو: لماذا كف الله بني إسرائيل عن عيسى بن مريم فترة طويلة من الزمن؟
رأينا المفترى: لو جلبنا السياق القرآني ذاته، لوجدنا السبب في ذلك. فدعنا نجلب الآية الكريمة ذاتها مرة أخرى، لنحاول تدبرها من هذا الجانب:
سورة المائدة
فالمتدبر لمفردات الآية ذاتها سيجد (إن صح افتراؤنا) بأن السبب هو أن يجيئهم عيسى بالبينات (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ). فعندما جاء عيسى بن مريم بني إسرائيل بالبينات، كانت ردة فعل من كفر منهم على نحو (فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). ليكون السؤال الآن: ما هي البينات التي جاء بها عيسى بن مريم (كما جاء بها رسل كثيرون من قبله)؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأن واحدة من أهم خصائص البينات التي تميزها عن غيرها (كالآيات والذكر والزبور والفرقان والكتاب، الخ) هو أن البينات تطبيقات عملية على أرض الواقع (demonstrations) أمام أعين الناظرين. وربما يدل على ذلك ما قاله السحرة في خطابهم مع فرعون بعد المواجهة التي احتدمت بينهم من جهة وموسى وهارون من جهة أخرى في تلك الواقعة الشهيرة. فهذا فرعون يتوعدهم بالعذاب:
سورة طه
فيأتي ردهم على النحو التالي:
سورة طه
فالذي كان في يد موسى (العصا) هي آية، لكن ما فعلت عصا موسى بعصا السحرة وحبالهم كانت بينات كما وصفها السحرة في خطابهم مع فرعون (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ)، وذلك لأنهم شاهدوا بأم أعينهم ما فعلت تلك العصا الحقيقية بعصيهم وحبالهم الوهمية التي عجزت عن مقارعة عصا موسى.
ولو طبقنا المنطق ذاته في حالة المسيح، لربما حق لنا أن نظن (ربما مخطئين) بأن ما كان يقوم به المسيح من تطبيقات عملية أمام أعين الناظرين (Demos) هي بينات ثتبت لهم بما لا يدع مجالا للشك حقيقة ما كان يملك المسيح من الآيات. فالآيات البينات هي إذا تلك التي يمكن أن تطبق على أرض الواقع، فقد نلمسها بأيدينا ونشاهدها بأعيننا، كما جاء في قوله تعالى:
سورة آل عمران
سورة الإسراء
وبمثل هذا الفهم المفترى من عند أنفسنا، نحن نظن بأن ما أنزل الله لنا ربنا من الآيات البينات يمكن أن تطبق عمليا على أرض الواقع:
سورة البقرة
سورة الحج
سورة العنكبوت
سورة الحديد
سورة المجادلة
استراحة قصيرة
ولو دققنا في الآية الكريمة التالية التي وردت في بداية سورة النور،
سورة النور
سنجد بأن هذه السورة العظيمة قد جاء فيها فيها آيات بينات. ليكون السؤال المحير هو: مادام أن الله قد أنزل الكتاب آيات بينات، فلم يذكرنا بأن هذه السورة العظيمة على وجه التحديد فيها آيات بينات (سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)؟ أليست آيات الكتاب كلها آيات بينات؟
رأينا المفترى: لو دققنا في هذه الآية الكريمة في سياقها الأوسع، لوجدنا أن بدايتها تتحدث عن بعض "الأحكام" التي وجب علينا تطبيقها على أرض الواقع. فأول ما تحدثت عنه هو ما يجب علينا تطبيقه من "حد" (أو لنقل مجازا عقوبة) بحق الزاني والزانية:
سورة النور
ثم تتحدت بعد ذلك مباشرة عن الحد الذي يجب أن نوقعه بحق الذين يرمون المحصنات:
سورة النور
ثم عن الذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم:
سورة النور
ثم عن الذين جاءوا بالإفك:
سورة النور
ثم تخبرنا عن عذاب الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا:
سورة النور
ثم عن عذاب الذين يرمون المحصنات الغافلات:
سورة النور
ثم عن مآل الخبيثين والخبيثات:
سورة النور
ثم عن ما يجب علينا فعله لدخول البيوت الآخرين أو البيوت غير المسكونة:
سورة النور
ثم عن ما نحن مطالبين به من غض البصر كسلوك للمؤمنين والمؤمنات:
سورة النور
ثم تأتينا بالتوجيه الصحيح في النكاح:
سورة النور
وتختم كل هذه الآيات المتتالية السابقة جميعا بقوله تعالى:
سورة النور
فتنتهي هنا الآيات البينات التي جاءت في هذه السورة العظيمة، تلك الآيات التي أخبرنا عنه في الأية الأولى منها:
سورة النور
لأن الحديث بعد ذلك ينتقل مباشرة إلى آيات ربما يصبح من المستحيل علينا تطبيقها على أرض الواقع، وهي قوله تعالى:
سورة النور
ولو دققنا في بعض ما جاء به المسيح عيسى بن مريم، لوجدنا بأن البينات كانت مصاحبة له على الدوام:
سورة البقرة
جواب مفترى خطير جدا: نحن نظن أن السبب في ذلك كله هو طبيعة لسان عيسى بن مريم
جواب مفترى: إنه لسان روح القدس الذي أيد الله به المسيح. إنه لسان الروح الذي خاطب مريم في الحجاب:
سورة مريم
رأينا المفترى: إن هذه التساؤلات تدعونا إلى البحث أكثر في طريقة كلام الوحي (كروح القدس الذي جاء مريم)، طارحين السؤالي المبدئي التالي: ما هو لسان روح القدس؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن روح القدس لا يتكلم اللسان البشري العادي الذي نعرفه، ظانين أن له لسانه الخاص الذي يجعله مختلفا عن غيره، ليكون السؤال مرة أخرى: ما هو لسان روح القدس الذي خاطب به مريم في الحجاب:
جواب مفترى: لو دققنا في قوله تعالى:
سورة الشورى
سنجد أن كلام الله يصل للبشر بطرق ثلاث، ألا وهي:
- وحيا (إِلَّا وَحْيًا)
- أو من وراء حجاب (أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)
- أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ)
ولما كان روح القدس قد كان رسول من رب مريم كما جاء في قوله:
سورة مريم
ربما يصح لنا أن نفتري القول (ربما مخطئين) بأن ما حصل مع مريم هي الطريقة الثالثة، التي تتمثل في أن أرسل الله رسولا (روح القدس) فأوحى بإذنه، لنخرج بالاستنباط المهم جدا التالي: كان روح القدس يخاطب مريم وحيا، أي لم يخاطبها بالطريقة البشرية العادية.
رأينا: نحن نظن بأن ذلك هو ما نجده في الآيات الكريمة التالية:
سورة الشورى
فالمدقق في هذه الآيات الكريمة، سيجد بأن الوحي يتم باستخدام هذه الرموز اللفظية مثل حم عسق، الخ
رأينا المفترى: إنه اللسان المحكم الذي لا يدخله اللغو.
الدليل
لو تدبرنا الآيات الكريمة التالية:
سورة النجم
الأمر الذي يدعونا إلى التفريق بين الاسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان من جهة والاسماء التي نزلت بالحق من ربك:
سورة الإسراء
فما نزل به الروح الأمين على قلب محمد كان وحيا:
سورة النساء
سورة فاطر
سورة الشورى
سورة الشورى
رأينا المفترى (لا تصدقوه): إنه ما يشبه هذا:
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
An abstract, mystical visualization representing the 'language of revelation' (lisan al-wahy). The image should be filled with intricate, glowing, calligraphic-like patterns that are not from any known language. These patterns flow and intertwine, forming complex geometric shapes reminiscent of sacred geometry, like fractals and mandalas. The color palette should be deep blues, purples, and gold, evoking a sense of divine mystery and profound knowledge. The overall impression should be one of incomprehensible, divine communication that transcends human language.
جواب: شو دخلني؟! من يدري!
خلص بكفي اليوم
المدّكرون: رشيد سليم الجراح وآخرون
بقلم: د. رشيد سليم الجراح
تاريخ النشر: آيار 2023

كل هذا الوقت ونحن في صندوق حان الاوان لنخرج من الصندوق دكتور لقد فتحتم مجالا للبحث اكبر من ان يستوعبه عقل بشري ولا تفكير جمعي هذا المجال الاستقصائي وعلى حسب فهمي ما يمكن ان نسموا به .. مهما قدمنا لك من الشكر دكتور فلن نوفي هذا المجهود وهذه النتائج الا ان ربما نجعل ابحاثك اساسا لعلوم جديده نستنفع وننفع بها
ردحذفبارك الله فيك دكتور
ردحذفبارك الله في اجتهادك ورزقك الفردوس الاعلى ولذة النظر الى وجهه الكريم
ردحذفاتمنى ان توضح الوحي او الصورة المرسومة لم افهم معناها
ربما تشير الى النقوش المصرية القديمة دكتور
ردحذفمتحمس جدا جدا للفصل 11. بدئنا نقترب جدا من سر الحروف المقطعة وآلية عمل الكون سبحان من رزقك العلم و الحكمة يا دكتور في انتظارك على احر من الجمر
ردحذففعلا دكتور، مهما حاولنا ان نشكرك فلن نوفيك حقك، نسأل ربنا ان يشكرك فيزيدك من لدنه علما...
ردحذفيا ايها الذين ءامنوا ان تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم
ردحذفقل أأنتم أعلم أم الله و من أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله و ما الله بغافل عما تعملون
الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا إلا الله و كفى بالله حسيبا
و قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها و إن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب و ساءت مرتفقا
ماشاء الله عندك من العلم و الهدى و الكتاب لكن طريقتك في قول ما عندك من علم ليس فيها نصرة لله و ليس فيها دعوة للناس ان
يؤمنوا
بآيات ربهم و ليس فيها نذر للذين يكذبون بآيات الله و الذين يجعلون مع الله الها ءاخر .كأنك تقول للناس انك تخوض مع الخائضين و كأنك تقول للناس أنك تخوض و تلعب و لا أدري أ هذا لأنك حقا تخوض و تلعب أم أنك تخشى الناس أم أنك في شك و ريب أم ...
لست اقول ان كل كلامك علم و هدى و نور بل فيه من شيء من الظن و الضلال و الظلمات لكن هاذا لا ينفي أن الله علمك علما و هداك و بيّن لك و أراك من ءاياته فلا تقلل قدرك لله و تقول أن كلامك هو افتراءات و تتمنى ان ترقى الى الفكر لأنك هكذا تتخذ ءايات الله هزوا
الر كتاب أحكمت ءاياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا الا الله إنني لكم منه نذير و بشير
فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولئك اصحاب النار هم فيها خالدون
يا بني ءادم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتي فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها اولائك أصحاب النار هم فيها خالدون
فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني اعمى و قد كنت بصيرا قال كذالك أتتك ءاياتنا فنسيتها و كذالك اليوم تنسى و كذالك نجزي من أسرف و لم يؤمن بآيات ربه و لعذاب الآخرة أشد و أبقى
لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين و لا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون و لو جاءتهم كل ءاية حتى يروا العذاب الأليم
قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من ضل فإنما يضل عليها و ما أنا عليكم بوكيل و اتبع ما يوحى إليك و اصبر حتى يحكم الله و هو خير الحاكمين
أفمن كان على بينة من ربه و يتلوه شاهد منه و من قبله كتاب موسى إماما و رحمة أولئك يؤمنون به و من يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك و لكن أكثر الناس لا يؤمنون
و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا و لئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا الا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هاذا القرءان لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا و لقد صرفنا للناس في هذا القرءان من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا
إرسال تعليق