فقه الحج - روية جديدة 11


فقه الحج - رؤية جديدة – الجزء الحادي عشر

تلخيص ما سبق

- تحصل المواجهة الفعلية بين موسى من جهة وفرعون وسحرته من جهة أخرى في منطقة المحرقة

- تكون الغلبة لموسى على فرعون وسحرته

- يتحول السحرة إلى صف موسى، متحدين فرعون نفسه، لعلمهم بأن المواجهة الحقيقية كانت بين موسى وفرعون، لأن فرعون هو من أكره السحرة على السحر في تلك المواجهة

- يأتي الوحي من الله لموسى بأن يتجه ببني إسرائيل وبمن آمن معه جهة البحر

- ينطلق موسى بمن معه باتجاه البحر سالكين الطريق الجبلي (وسنرى لاحقا سبب ذلك بحول الله وتوفيق منه)

- يبعث فرعون في المدائن حاشرين أن هؤلاء شرذمة قليلون

- يعقد فرعون مشاورات مع ملئه ومع عِلية القوم من المدائن كلها (وسنرى الدليل على هذا لاحقا)

- يلحق فرعون وجنوده وهامان وجنوده موسى ومن معه، فيتراءى الجمعان عند البحر

- يظن أصحاب موسى أنهم مدركون

- يؤكد موسى لهم بأن الله معه سيهديه طريق النجاة

- يأتي الوحي لموسى هناك بأن يضرب بعصاه البحر

- انفلق البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم

- يضرب موسى لمن معه طريقا في البحر يبسا (وسنرى لاحقا كيف يكون الطريق في البحر يبسا)

- يترك موسى البحر رهوا (وسنرى لاحقا كيفية ترك البحر رهوا)

- يتراجع هامان وجنوده عند تلك اللحظة إلى الوراء

- يلحق فرعون وجنوده بموسى في البحر

- يغرق الله جنود فرعون أجمعين باليم

- يدرك فرعون الغرق، فيحاول أن يستخدم كل ما لديه من إمكانات للخروج، فيفشل

- يقتنع فرعون في تلك اللحظة أن رب العالمين هو الوحيد القادر على أن ينجيه مما هو فيه، فينطلق لسانه بكلمة التوحيد

- ينجي الله فرعون ببدنه ليكون لمن خلفه آية

- ينجي الله موسى ومن معه إلى الطرف الآخر من البحر، فتكون محطتهم الأولى هي تلك القرية التي وصلها بنو إسرائيل في طريق رحلتهم مع موسى وهارون إلى الأرض المقدسة

- كانت تلك القرية هي (نحن نفتري الظن) ما يعرف اليوم بمدينة جدة في أرض الحجاز (انظر الخريطة حيث تكون هذه القرية هي المواجهة تماما في الجهة الشرقية للمكان الذي ضرب موسى بعصاه البحر من الجهة الغربية)

- تبدأ رحلة بني إسرائيل من هناك باتجاه الأرض المقدسة، فتبدأ الرحلة باتجاه الشمال

- يصل موسى مع قومه إلى المحطة الثانية في طريق رحلتهم

- هنا في هذه المحطة الثانية يترك موسى قومه (ويخلف هارون آخاه فيهم) مستعجلا ميقات ربه (وسنرى هذه المحطة على الخريطة بعد قليل بحول الله وتوفيقه)

- يتوجه موسى إلى مكة حيث البيت الحرام

- يلاقى موسى ربه عند الجبل (عرفات)

- يدك الله ذلك الجبل، فيصبح يعرف بجبل النور

- يأتي العلم لموسى من ربه مباشرة بأن قومه قد فتنوا وأن السامري قد أضلهم

- يعود موسى من هناك غضبان أسفا، حاملا الألواح التي كتب الله له فيها موعظة وتفصيلا لكل شيء

- يعمد موسى مباشرة إلى معالجة المشكلة التي أحدثها السامري الذي أخرج للقوم من حليهم عجلا جسدا له خوار

- يحرق موسى العجل وينسفه في اليم نسفا (وسنرى بإذن الله لاحقا الدليل على الأرض لذلك العجل)

- يترك موسى السامري ليذهب، حتى يكون له موعدا لن يخلفه (وسنرى تبعات ذلك لاحقا بحول الله وتوفيق منه)

- تبدأ رحلة موسى مع بني إسرائيل باتجاه الأرض المقدسة، فتكون عبارة عن محطات، حيث تحصل في هذه المحطات أمور عظيمة (سنتعرض لها في الأجزاء القادمة ن أذن الله لنا بشيء من علمه فيها، فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو العليم الحكيم - آمين)

- الخ

قبل أن نبدأ الحديث عن هذه المحطات في رحلة موسى ومن معه باتجاه الأرض المقدسة، لابد (نحن نرى) من تجلية بعض الأمور التي ربما بقيت عالقة في ذهن القارئ الكريم، فأثارت في رأسه تساؤلات عدة حول تصوّرنا المفترى هذا من عند أنفسنا عن قصة خروج موسى مع بني إسرائيل من أرض مصر.

القضية الأولى: الطريق التي سلكها موسى ببني إسرائيل في رحلتهم باتجاه البحر

لو تفقدنا رحلة موسى مع قومه من مصر باتجاه الأرض المقدسة، لوجدنا أنها قد بدأت بالوحي الإلهي التالي لموسى:

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)

ونحن نفهم (ربما مخطئين) أن الله هو من أمر رسوله موسى بأن يتجه ببني إسرائيل صوب البحر، فكان لابد لموسى أن يتجه إلى هناك، فسار موسى ببني إسرائيل صوب البحر، وقد بدأت الرحلة ليلا:

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52)

فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24)


فكان لابد لموسى (نحن نتخيل) أن يختار طريقا محددة باتجاه البحر، ولعلي أكاد أجزم الظن بأن موسى قد اختار أن يسلك طريقا جبلية وعرة جدا، وذلك من أجل غاية محددة، وهي (نحن نرى) أن لا يترك لفرعون وجنوده ميزة السرعة للحاق بهم. فنحن نعلم أن إمكانات فرعون المادية حينئذ كانت – لا شك عندنا – أكبر بكثير من إمكانات موسى وقومه. ففرعون يملك مثلا من أدوات التنقل ما لم يكن يملكه موسى وقومه حينئذ، ولا يجب أن نغفل أن فرعون يقود جيشا منظما يستطيع اللحاق بالقوم في غضون وقت أقل بكثير من الوقت الذي سيستغرقه موسى ومن معه للوصول إلى البحر. لذا، كان على موسى (نحن لازلنا نتخيل) أن يأخذ طريقا محددة تعيق حركة فرعون وجنوده، فلا يكون لهم السبق للحاق بموسى ومن معه قبل وصولهم إلى البحر. فكانت طريقهم (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) بين الجبال الوعرة التي ربما تعيق حركة جيش فرعون، فلا يستطيع فرعون اللحاق بهم إلا عند البحر، كما أمره ربه.

لذا، نحن نطلب من المتتبع لمسار الرحلة على أرض الواقع أن لا يبحث عن آثار رحلة القوم في المناطق السهلة لأن موسى – برأينا- أكثر ذكاء من أن يضع نفسه وقومه في قبضة فرعون بسهولة.

القضية الثانية: كيفية لحاق فرعون وجنوده بموسى ومن معه

لو تدبرنا ردة فرعون الأولى على خروج موسى وقومه من أرض مصر، لوجدنا أنها قد اتسمت بالتأني والحذر، فنحن نقرأ في كتاب الله الآيات التالية التي تصور لنا ما فعله فرعون عندما علم أن موسى قد أخذ قومه وخرج بهم من أرض مصر باتجاه البحر:

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)

دقق عزيزي القارئ – إن شئت- في هذه الآيات الكريمة جيدا، لتجد أن أول ما فعله فرعون عندما انتهى له خبر خروج موسى ومن معه من أرض مصر هو أنه قد بعث في المدائن حاشرين، وهذا يدعونا إلى أن نعيد النظر في التصور الشعبي لما حصل حينئذ. فغالبا ما ظن القارئ لكتاب الله (ربما بما ترسخ في أذهانهم مما وصلهم من عند أهل الدراية) بأن فرعون قد لحق بموسى ومن معه على الفور. فهذا التصور الشعبي الدارج هو – برأينا – تصور غير دقيق لما حصل فعلا على أرض الواقع. فنحن نفهم من الآيات السابقة أن فرعون لم يعمد إلى اللحاق بموسى فورا بمجرد علمه بخروجه من قومه، بل جلّ ما فعل فرعون هو أنه قد بعث رسالة في المدائن حاشرين (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ)، ليكون السؤال هو: لماذا بعث فرعون في المدائن حاشرين؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن فرعون كان يتّبع أعلى معايير "الديمقراطية" باستشارة من حوله والأخذ برأيهم، ومن ثم جعلهم في صورة ما يجري من أحداث حينئذ، فلا يقوم بفعل فردي من تلقاء نفسه دون الأخذ برأي ملئه وعِلية القوم في المدائن كلها، بل كان يعمد إلى أخذ موافقة القوم على كل ما هو مقدم على فعله. فلو تفقدنا مفردة حَاشِرِينَ في النص القرآني التي جاءت في سياق الحديث عن قصة فرعون مع موسى في أرض مصر، لوجدناها قد وردت مرتين، ففي المرة الأولى أرسل فرعون في المدائن حاشرين للسحرة لمنازلة موسى في المواجهة المرتقبة حينئذ بين الطرفين:

يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111)

قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)


وفي المرة الثانية أرسل في المدائن حاشرين عندما بدأ موسى ومن معه رحلتهم بالخروج من أرض مصر:

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)

ولو تفقدنا هذه السياقات القرآنية، لوجدنا الدليل على ديمقراطية فرعون في استشارة من حوله عندما قال لهم (فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)

يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111)

قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)


ولو تفقدنا السياق القرآني الخاص بخروج موسى ومن معه، لوجدنا أن فرعون قد أرسل في المدائن حاشرين، ولا نجد ذكر للسحرة هذه المرة، وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في السياق القرآني نفسه مرة أخرى:

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)
ففي هذه المرة، بعث فرعون (نحن نتصور) في المدائن حاشرين لأصحاب الرأي، وذلك من أجل اتخاذ القرار "الديمقراطي" بما سيفعله بخصوص خروج موسى ومن معه من أرض مصر.

السؤال: ما الذي يمكن أن نستفيده من هذا الافتراء؟ يسأل صاحبنا.

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نتصور أن الأمر الفرعوني للحاق بموسى ومن معه قد تطلب بعضا من الوقت، فما أن أطلق فرعون نداء الحشر هذا:

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)

حتى حضر عِلية القوم إلى مجلس فرعون، فخطب فيهم فرعون قائلا:

إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)

ولما كان هذا قد تطلب بعضا من الوقت، تأخر لحاق فرعون وجنوده بموسى ومن معه فترة من الزمن، وخلال هذه المدة من الزمن، كان موسى (نحن لا زلنا نتخيل) قد قطع شوطا لا بأس به بمن معه في رحلة الذهاب باتجاه البحر.

السؤال: لماذا تأخر فرعون للحاق بموسى ومن معه؟ لِم لم يلحق به على الفور؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن فرعون قد فعل ذلك لأمرين رئيسيين، وهما:

1. لأن فرعون كان شخصا ديمقراطيا، فلا يفعل ما يريد فعله إلا بعد مشورة القوم (فَمَاذَا تَأْمُرُونَ)

2. لأن فرعون يعلم يقينا بأن موسى متجها صوب البحر، لذا كان تصور فرعون على نحو أن موسى لن يتمكن من عبور البحر إلا ويكون قد لحق به وبقومه. ففرعون يتصور بأن سرعة موسى ومن معه باتجاه البحر لن تفيده مادام أن هذا البحر (كما يتصور فرعون) سيكون حاجزا مانعا لأن يخرج موسى من أرض مصر قبل أن يلحق به فرعون وجنوده، فمهما تعجل موسى بقومه فإن فرعون (أظنه كان يظن) لا محالة لاحق بهم عند البحر.

الدليل

لو تدبرنا ما أمر الله به موسى أن يفعله حينئذ، لربما حق لنا أن نفتري الظن أن تفاصيل الأحداث لم تكن واضحة تماما حتى لموسى نفسه، فالله قد أمر موسى أن يتجه صوب البحر، والله هو من طلب من موسى أن يترك البحر رهوا، لكن الله (نحن نظن) لم يخبر موسى عن طريقة النجاة من البحر، فكل ما يعلمه موسى هو أن الله منجيهم لا محالة، لكنه ربما لم يكن يعلم حتى اللحظة شيئا عن كيفية النجاة من البحر:

فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24)

لذا، عندما تراءى الجمعان عند البحر، ظن أصحاب موسى أنهم مدركون:

فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)

لكن ردة فعل موسى كانت على النحو اليقيني التالي:

قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)

فموسى (نحن نظن) كان يعلم حتى اللحظة أن الله لا محالة منجيه وقومه من فرعون وجنوده، لكنه لا يعلم كيف سيحصل ذلك على أرض الواقع. وهنا فقط جاء الوحي لموسى بأن يضرب بعصاه البحر:

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)

لذا، نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن موسى نفسه لم يكن يعلم كيف سينجيه الله ومن معه من البحر، ولكنه على يقين أن الله لا محالة منجيهم. فلو كان موسى (نحن نرى) يعلم طريقة النجاة بضرب البحر بالعصا، لفعل ذلك فورا دون الحاجة لانتظار الوحي الإلهي.

السؤال: لماذا لم يخبر الله موسى عن كيفية النجاة من البحر من قبل؟ ولم جاء الأمر الإلهي لموسى الأولى على النحو التالي؟

فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24)

فجل ما كان عند موسى من علم في تلك اللحظة هو التالي:

1. أن يسر بعباد الله ليلا (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا)

2. أنهم متبعون (إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ)

3. أن يترك البحر رهوا (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا)

4. أن عدوهم جند مغرقون (إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ)

رأينا المفترى: نحن نفهم أن ذلك تدبير إلهي لاستدراج الذين مكروا إلى حتفهم من حيث لا يعلمون، كان الهدف من عدم معرفة موسى نفسه لطريقة إغراق جنود فرعون في البحر (نحن نرى) حتى لا يشيع الخبر بين الناس، فينتهي العلم به إلى فرعون نفسه وإلى جنوده من بعده. فلو شاع خبر ذلك بين الناس قبل وصول موسى إلى البحر، لربما قام فرعون (نحن نتخيل) باللحاق بموسى ومن معه على الفور. وبكلمات أخرى نحن نفتري القول بأنه لو شاع خبر بأن الله قد أمر موسى بالذهاب إلى البحر وأنه سيفلق البحر بعصا موسى، لربما أحدث ذلك زعزعة في نفس فرعون وجنوده، أي لعلم جنود فرعون أن البحر سينفلق بعصا موسى، ولربما أحدث ذلك شيئا من الريبة في نفوسهم، ولربما تلكئوا عن اللحاق بموسى ومن معه خاصة عند البحر. لذا لم يخطر ببال فرعون وجنوده بأن البحر سينفلق بعصا موسى، لذا كانوا جميعا متيقنين (حسب ظنهم) أن نهاية موسى ومن معه ستكون لا محالة عند البحر، فخرج فرعون وجنوده مطمئنين لنتيجة الأحداث المستقبلية، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.

القضية الثالثة: طريق في البحر يبسا

السؤال: كيف نفهم أن الله قد طلب من موسى أن يضرب لهم طريقا في البحر يبسا؟

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)

السؤال مرة أخرى: كيف يمكن أن يكون طريقا في البحر وفي الوقت ذاته يكون يبسا؟

رأينا المفترى: لعل الفكر الشعبي السائد قد تخيل ذلك على نحو أن تكون الطريق في البحر كما الطريق على اليابسة، أي تخلو تماما من المياه، أليس كذلك؟

جواب مفترى: نحن نظن بأنه لو كانت الطريق التي ضربها موسى في البحر طريقا يبسا، بمعنى أنها تخلو تماما من الماء، لما أصبحت إذا طريق في البحر أصلا. فمن أهم ميزات البحر وجود الماء، فلو كانت الطريق خالية تماما من الماء، لما كانت طريقا في البحر أصلا.

السؤال: كيف يمكن أن نتصور ذلك إذن؟

رأينا المفترى: نحن نظن أنها كانت طريقا في البحر (فكان الماء متواجدا في الطريق) بالرغم أنها طريقا يبسا؟

السؤال: وكيف يكون ذلك؟ ألا ترى أنك تهذي؟ يرد صاحبنا قائلا.

جواب مفترى: كلا، وألف كلا، فدعنا نتفقد معنى مفردة يَبَسًا أولا.

لو تفقدنا السياقات القرآنية الخاصة بمفردة يَبَسًا ومشتقاتها على مساحة النص القرآني، لما وجدنا أنها قد وردت إلا في الموضعين التاليين:

أولا، اليابس هو عكس الرطب، كما في قوله تعالى:

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)

ثانيا، واليابس يقابله الأخضر كما في السياقات القرآنية التالية:

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)

يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)


ليكون السؤال الآن هو: ما معنى اليابس؟

رأينا المفترى: عندما نرى ورق الشجر نستطيع على الفور أن نصنفه إلى نوعين: رطب ويابس، ولعلنا لا نختلف أن الرطب هو الذي لازال الماء متوافرا بداخله، أما اليابس فهو الذي جف الماء من داخله. وهنا نجد أن من المهم التنبيه إلى أن اليابس هو ما جف الماء من داخله وليس من خارجه، فلو أنت سكبت الماء على الورق اليابس، فهل يعني ذلك أنه قد أصبح رطبا؟

جواب مفترى: كلا وألف كلا. فلا يمكن لشيء أن يكون رطبا إلا إذا تخلله الماء إلى الداخل. فلو أنت سكبت الماء على قطعة من الحديد، فهل يعني ذلك أنها يمكن أن تصبح رطبة؟ لكن لو سكبت – بالمقابل- الماء على التراب اليابس، فإنه سيصبح رطبا لأن الماء يتخلله إلى الداخل، أليس كذلك؟

وهذا المنطق المفترى من عند أنفسنا ينطبق على السنبلات أيضا. فالسنبلات تبقى خضر مادام الماء متوافر فيها من الداخل، ولكن ما إن يجف ماؤها من الداخل حتى تصبح يابسة، فكلما كثر الماء في داخلها كلما ازدادت رطوبتها، وكلما قل الماء في داخلها كلما قلت رطوبتها وازداد يباسها، ويستحيل أن تعود خضراء مرة أخرى حتى لو سكبت الماء عليها من الخارج.

السؤال: ما علاقة هذا بالطريق "يَبَسًا" التي ضربها موسى لقومه في البحر؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن الطريق كانت يبسا بالرغم من وجود الماء فوقها، لأنها (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) كانت طريقا صخرية لا يتخللها الماء إلى الداخل. فموسى قد ضرب لقومه طريقا في البحر، فانفلق البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم، لكن الماء (نحن نتخيل) ظل متواجدا على سطح الطريق، لأنها كانت طريقا يبسا في البحر.

السؤال: لماذا ظل الماء متواجدا على سطح الطريق التي ضربها موسى لقومه في البحر؟ لم لم يجف الماء كليا (كما تزعم)؟ يسأل صاحبنا مستغربا.

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن الحكمة الإلهية (كما نتصورها طبعا) قد جاءت على هذا النحو ليشكل الماء المتوافر على سطح تلك الطريق عائقا طبيعيا أمام فرعون وجنوده، فلا يكون لهم أفضلية اللحاق بموسى ومن معه مادام أن فرعون وجنوده يملكون من أدوات التنقل السريعة ما لا يملكه موسى وقومه. فلو تخيلنا أن فرعون كان يملك الخيل والبغال والعربات التي تجرها هذه الدواب السريعة (كما شاهدنا ذلك في أفلام هوليود التي تصور الحدث) لشكّل لهم الماء المتواجد على سطح الطريق عائقا طبيعيا يحول دون تحركهم بسرعة أكبر من سرعة موسى ومن معه. فالعربات التي تجرها الخيول، والخيول نفسها، لا تستطيع السير في البحر بسرعة كبيرة جدا كما هي الحال في البر. فحتى لو لحق فرعون وجنوده موسى ومن معه مستخدمين العربات والخيول، فإن ذلك لن يعطيهم ميزة السبق للحاق بموسى ومن معه اللذين ربما لم يكونوا يركبون مثل تلك الدواب. فالخيل والعربات يعيقها الماء المتواجد على سطح الطريق اليبس في البحر، فلا تسير بسرعة أكبر بكثير من السرعة الطبيعية للإنسان العادي الذي يقطع ذلك الماء الضحل على رجليه .

القضية الرابعة: اترك البحر رهوا

لو تفقدنا ألآية الكريمة التالية، لوجدنا أن الله قد أخبر موسى بأن يترك البحر رهوا:

فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24)

السؤال: كيف يمكن أن نتخيل أن موسى قد ترك البحر رهوا؟ وكيف يمكن أن نتخيل موسى قد ترك البحر رهوا وهو الذي ضرب لهم طريقا في البحر يبسا؟

رأينا المفترى: نحن نتخيل أن البحر كان رهوا، مادام أن الماء الموجود على سطح الطريق لم يكن عميقا جدا، وإنما كان ماء ضحلا، لدرجة أن يتمكن السائر على أقدامه (كحالة موسى ومن معه) أن يتجاوزوه. فلقد خاض موسى ومن معه (نحن لا زلنا نتخيل) البحر عندما كان رهوا، فوجدوا طريقهم في البحر يبسا، فلم تكن أقدامهم لتغرز في الطين، مادام أن الأرض تحت أقدامهم يابسة، أي صخرية، لا تؤدي بهم إلى الغرق. وعندما لحق فرعون وجنوده بموسى ومن معه، شكّل لهم ذلك الماء الذي لازال متواجدا على سطح الطريق اليبس في البحر عائقا طبيعيا، فلم يستطيعوا اللحاق بموسى ومن معه بالرغم من حيازتهم لأدوات التنقل السريعة لتي ربما لم يكن يملكها موسى ومن معه.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نستطيع أن نتخيل تلك الطريق على نحو أنها كانت طريقا صخرية تحت أقدامهم، مادامت طريقا يبسا، فالماء لم يكن ليتخللها إلى الداخل، ولكنها كانت مغمورة بكمية كافية من الماء لتعيق سرعة السالك فيها سواء كان إنسانا أو دابة. ونحن نكاد نجزم الظن بأن تلك الطريق كانت مغمورة بالماء من فوقها بارتفاع ربما لا يتجاوز النصف متر، فكانت أقدام القوم والدواب يغمرها الماء حتى الركبة، فشكل ذلك عائقا طبيعيا أما الجميع للسير تقريبا بنفس السرعة، فلا يكون لفرعون وجنوده أفضلية السرعة للحاق بالقوم على الفور.

القضية الخامسة: باب العجل

بعد أن أغرق الله فرعون وجنوده، وبعد أن حصلت النجاة لموسى ومن معه، وجد القوم أنفسهم على الطرف الآخر من البحر، فكانت محطتهم الأولى هي تلك القرية التي وجدوا فيها أهلها يعكفون على أصنام لهم، فطلب القوم من رسولهم أن يجعل لهم آلهة كما لهؤلاء آلهة:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ...

فكانت ردة فعل موسى على طلبهم على النحو التالي:

... قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)

فكانت تلك محطتهم الأولى بعد أن جاوز الله بهم البحر، ونحن نفتري الظن بأن تلك القرية هي ما يعرف اليوم بمدينة جدة في الحجاز الواقعة على الطرف الشرقي من البحر الأحمر.

ما أن تجاوز موسى بمن معه من بني إسرائيل تلك القرية حتى كانت محطتهم التالية هي الأرض التي تقع إلى الشمال من مدينة جدة، وهناك حصل الوعد الإلهي لموسى بملاقاته بعد أربعين ليلة. انظر عزيزي القارئ – إن شئت- النص القرآني السابق في سياقه الأوسع:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)

فترك موسى قومه مخلفا أخاه هارون فيهم، وتعجل موسى للقاء ربه، وهنا جاء العلم لموسى من ربه مباشرة بأن القوم قد فتنوا، وأن السامري هو من أضلهم:

وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)

عندما أخرج لهم عجلا جسدا له خوار:

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)

السؤال: أين أخرج السامري العجل للقوم؟

تخيلات أغرب من الخيال نفسه: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأننا نستطيع تحديد المنطقة الجغرافية التي حصل فيها إخراج السامري العجل للقوم من بعد ذهاب موسى لملاقاة ربه. ولا يفوتني القول قبل كل شيء بأن الإشارة إلى ذلك قد جاءتنا من أحد القراء المتابعين لمقالاتنا والمهتمين بالبحث في مثل هذه القضايا الفكرية وهو السيد عيد خلف الغليلات الذي بعث لنا بالخريطة الجغرافية التي تصور لنا مكان العجل الذي أخرجه السامري للقوم الذي يظهر (حسب مخيالنا طبعا) في الشكل التوضيحي التالي على الخريطة الجغرافية للمنطقة الواقعة إلى الشمال من مدينة جدة:

فلو أنت نظرت (عزيزي القارئ) في هذه الخريطة، لوجدت أن صورة العجل (أو لنقل مكان حرقه) لازالت واضحة المعالم (كما نتخيلها طبعا) على مقربة من ذلك البحر، وهي المنطقة الواقعة إلى الشمال من مدينة جدة، كما توضح ذلك الخريطة الجغرافية التالية للمنطقة المحيطة:



هنا (نحن نفتري القول) كانت المحطة الثانية في الرحلة حيث أخرج السامري للقوم من حليهم عجلا جسدا له خوار. وهنا بالضبط (نحن نفتري الظن) حرق موسى العجل الذي أخرجه السامري للقوم. فآثار العجل عند منطقة التحريق قد بقيت آثارها على الأرض شاهدة على ما حصل لذاك العجل في تلك المنطقة بالضبط. ونحن نفتري القول بأن التنقيب الأثري العلمي الجاد سوف يبين للناس (إن صح منطقنا هذا المفترى من عند أنفسنا) تفاصيل أكثر دقة لما حصل على أرض الواقع حينئذ. فالله وحده نسأل أن لا نكون ممن يفترون عليه الكذب، ونعوذ به وحده أن نكون ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق. إنه هو السميع البصير – آمين.

القضية السادسة: باب السامري

في هذه المحطة كانت مفارقة السامري للقوم على النحو التالي:

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)

وقد تعرضنا لهذه الجزئية في مقالاتنا السابقة وافترينا الظن بأن موسى لم يكن يستطيع التخلص من السامري كما تخلص من العجل، بل جل ما طلبه موسى من السامري هو أن يذهب (قَالَ فَاذْهَبْ)، وبالفعل ذهب السامري، وكان من أهم ميزات هذا الرجل أنه يستطيع القول (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ)، وهذا يعني برأينا أن السامري ما عاد عرضة للمس، فما يكون للشيطان أن يمسه بضر ولا بنصب وعذاب:

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)

وما كان للضر أن يمسه:

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)

وما كان للسوء أن يمسه:

قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)

والأهم من هذا كله هو أن الكبر لم يكن ليمسه:

قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا خطيرة جدا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا أن السامري منذ تلك اللحظة قد ذهب، فما كان الشيطان يستطيع أن يمسه بنصب وعذاب، وما كان الضر يمسه، وما كان السوء يمسه، وما كان الكبر يمسه. فالرجل لازال موجودا بهيئته التي ذهب فيها. انتهى.

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن السبب في ذلك يتمثل في أن السامري قد أخذ جائزته في الدنيا بسبب ما تحصل له من تلك القبضة التي قبضها من أثر الرسول:

قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)

فكانت قبضة من أثر الرسول (أي قبضة من العصا)، فكانت تلك القبضة كفيلة أن تبعد عنه الضر بكل أشكاله، لذا فالرجل لا يمكن أن يمسه الضر. كما أن هذا كان له على مدى الحياة (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ)، لذا فالرجل لازال موجودا في تلك المنطقة ينتظر ذلك الموعد الذي لن يخلفه:

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)

السؤال: ما هو ذلك الموعد الذي لن يخلفه السامري؟

رأينا المفترى: لما كان موسى لا يستطيع أن ينهي على حياة السامري بفضل تلك القبضة التي قبضها من أثر الرسول، كان لزاما على ذلك الرجل أن ينتظر موعدا، لا يمكن للسامري أن يخلفه وحينها ستكون المواجهة الفعلية بين السامري وذاك الذي أيده الله بما يفوق ما عند السامري.

السؤال: من هو هذا الذي سيواجه السامري في ذلك الموعد؟ ومتى سيحصل ذلك على أرض الواقع؟

جواب مفترى: هذا ما سنتناوله لاحقا بحول الله وتوفيق منه في مقالات لاحقة مستقلة متى ما أذن الله لنا بشيء من علمه فيها. فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو الواسع العليم – آمين.

القضية السابعة: باب الفيل

في الوقت الذي كنت أبحث فيه مع آخرين من حولي خاصة صديقي عبد الملك عن بقية الآثار المتبقية حول ذلك البحر، وفي الوقت الذي وقعت فيه أعيننا على آثار نظن أنها عظيمة لأحداث مفصلية في التاريخ، جاءتنا الصورة نفسها من بعيد من عند صاحبنا السابق السيد عيد خلف الغليلات، كما في الشكل التوضيحي التالي الذي أرسله لنا.




باب النمل

لا يقتصر الأمر عند البحر الأحمر على هذا الحد، فهناك نجد واد النمل كما يمكن أن تبين الأشكال التالية الموجودة على الطرف الشرقي للبحر:




وهذا ما سنتحدث عنه بحول الله وتوفيقه في مقالات مستقلة لاحقا متى ما أذن الله لنا بشيء من علمه فيها. فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو السميع العليم – آمين.

المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان & عيد خلف الغليلات

بقلم د. رشيد الجراح

26 كانون ثاني 2017

هناك تعليقان (2):

  1. ما علاقه كل ذلك بالحج فانتم لم تختمو مقالات الحج واوردتم معها قصه موسى لم افهم المقصد

    ردحذف
  2. غير معرف7/4/24

    نشكركم على هذا البحث حيث كانت هناك ربط منطقي بين الاحداث ولكن لقد تشعبتم في كثير من القضايا ، الميزان، التماثيل، الاصنام والكعبة والأيكة بدون إنهاء الفكرة وبالتالي يفضل عمل ملخص لكل هذا الطرح...
    سؤال آخر كيف تربط بين العجل والفيل والنمل وتلك الصور الجغرافية ؟؟!

    ردحذف