فقه الحج - رؤية جديدة 10


فقه الحج - رؤية جديدة – الجزء العاشر

افترينا القول في الأجزاء السابقة من هذه المقالة بأن مكان البيت هو ميزان السموات والأرض، فلو حصل أي خلخلة لهذا المكان لاختل توازن الكون بأكمله، لذا جعله الله حرما آمنا:

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)

وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)


وهو قيام للناس كافة (وليس للمسلمين فقط):

جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)

فلا يمكن لأي قوة بشرية التلاعب فيه مادام أنه تحت المراقبة الإلهية المباشرة، فكان فيه آيات بينات:

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)

فكان مباركا، وهو لا شك هدى للعالمين:

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96)

وفيه آيات بينات، منها لا شك مقام إبراهيم، وقد فرض الله على الناس حج هذا البيت:

فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)

فكانت الكعبة هي البيت الحرام نقطة ارتكاز الكون. وزعمنا الظن بأن الكعبة هي مفرد لكواعب التي ترد في الآية الكريمة التالية:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)

فزعمنا الظن بأن الكعبة هي أحد بيوت الجنة، كما نزعم القول بأن لمفردة الكعبة علاقة مباشرة بما جاء في الآية الكريمة التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)

فنحن مأمورون أن نغسل أرجلنا إلى الكعبين، ونحن نفتري الظن بأن الكعب هو نقطة ارتكاز الجسم كله، فبدون الكعب يستحيل أن يعتدل الجسم بكليته، فمتى ما انهار الكعب، انهار الجسم كله، وكذلك (نحن نفتري الظن) هي الكعبة في وظيفتها على الأرض، فهي نقطة ارتكاز الكتلة كلها.

ولما كان الله هو من جعل لكل أمة منسكا هم ناسكوه:

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)

كان منسك المسلمين (نحن نفتري القول من عند أنفسنا) موجودا في هذا البيت، كما نفتري الظن بأن الحجر الأسود هو منسك المسلمين الأول، فكان لزاما على من حج البيت أن يصل إلى هذا المكان، فيكون أول فعل يقوم به هو الطواف بالبيت العتيق (لِلطَّائِفِينَ)، ثم يكون في حالة اعتكاف (وَالْعَاكِفِينَ)، فيعمد إلى إقامة الصلاة بالركوع والسجود (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) في مقام إبراهيم، وهو المنطقة القريبة من هذا البيت (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، ويكون عكوفه عبارة عن حالة انتظار وترقب دائمين، حتى يتدلى الإله بنفسه في يوم الحج الأكبر. وفي هذا اليوم (أي يوم الحج الأكبر) تعلن براءة الله ورسوله من المشركين:

بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)

ولقد ظننا أن المناسك هي الأماكن التي يجب على الحاج زيارتها والمكوث فيه فترة من الوقت، وذلك من أجل الحصول على الهُدى، فالبيت العتيق هو هدى للعالمين:

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96)

ليكون السؤال الآن هو: ما هو الهدى المنشود في ذلك البيت؟ أو بكلمات أخرى كيف يكون البيت العتيق بذاته هدى للعالمين؟ نحال نسأل.

رأينا المفترى: من أجل الإجابة على مثل هذا التساؤل، تعرضنا في المقالة السابقة إلى محاولة التمييز بين الشعائر من جهة والمناسك من جهة أخرى، فزعمنا القول من عند أنفسنا بأن المناسك خاصة بالناس بينما الشعائر فهي لله، فوجدنا الآيات التالية تبين لنا ما هي شعائر الله:

إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)


وحاولنا افتراء الظن بأن الشعائر هي التي تجلب التقوى (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)، فكانت البدن (أي بهيمة الأنعام) مثلا واحدة من هذه الشعائر:

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

وحاولنا التمييز بين ثلاث حالات لهذه الأنعام، وهي

1. بدن صواف

2. بدن بدون صواف

3. بدن قد وجبت

أما البدن الصواف فهي – برأينا- الأنعام التي لازالت تحمل جلودها وأشعارها وأوبارها:

وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)

ونحن نرى أنه لا يجوز أن تذبح تلك الأنعام إلا بعد ذكر اسم الله عليها وهي لازالت في حالة أن تكون صواف:

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ... (36)

وما أن تذبح تلك البدن الصواف باسم الله حتى يتم سلخ جلودها، فتصبح إذن بدن بلا صواف. ولكن لو دققنا في الآية الكريمة نفسها جيدا، لوجدنا (نحن نفتري القول) أنه لا يجوز الأكل من تلك البدن إلا بعد أن تكون قد وجبت، مصداقا لقوله تعالى (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا):

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

السؤال: كيف يمكن أن نفهم أن تلك البدن قد وجبت؟ أو ما معنى أن تكون تلك البدن قد وجبت؟ نحن نسأل

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن لا تكون قد جبت جنوبها إلا متى ما أصبحت وجبة طعام (أي طعاما جاهز للأكل)، فنحن نظن أن مفردة وجبت التي ترد في هذه الآية الكريمة لها علاقة مباشرة بعبارة "وجبة الطعام" التي نستخدمها على الدوام، فوجبة الطعام هي – برأينا - ما تم تجهيزه من طعام للأكل، فبالرغم أن الطعام يكون متوافرا في السوق وفي المطبخ (أو حتى في الثلاجة)، إلا أنه لا يصبح وجبة إلا عند تجهيزه وتقديمه على مائدة الطعام، فتصبح وجبة بعد أن كانت طعاما.

الدليل

نحن نظن أن مفردة "وجبت" مشتقة من الاستجابة، فأنت لا تستطيع أن تأكل كل الطعام مباشرة، فبعضه (كاللحوم مثلا) يحتاج إلى إعداد، ويكون ذلك بالطبخ، وذلك حتى يستجيب ذلك الطعام لك في عملية المضغ، فالطعام (كل الطعام) يصبح وجبة عندما يحضر، فيكون جاهزا للأكل. وقد وردت مفردة الاستجابة في السياقات القرآنية التالية:

الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)

لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)

إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38)


فالله هو من يجيب دعوة العبد:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)

والله هو من أجاب دعوة موسى التالية:

وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (89)

السؤال: كيف يمكن أن نفهم هذا كله في سياق الحديث عن الآية الكريمة قيد البحث حيث ترد مفردة (وَجَبَتْ

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

رأينا المفترى: نحن نفهم الأمر (ربما مخطئين) على النحو التالي: عندما يكون هناك مشكلة ما، ربما تكون مستعصية على صاحبها، فإنه يحاول بشتى الطرق أن يحل هذه المشكلة، فتصبح المشكلة على صيغة تساؤل قائم يحتاج إلى إجابة، كحالة المضطر الذي يسأل ربه بالدعاء:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)

لذا، عندما يكون عندك سؤال، فإنك تحاول أن تبحث له عن إجابة، أليس كذلك؟

السؤال: كيف يمكن أن تصل لإجابة مرضية لأي سؤال تطرحه أو يطرح عليك على طاولة البحث؟

رأينا: عندما تحاول البحث عن إجابة، فإنك تحاول أن تضع على طاولة البحث شتى الاحتمالات التي يمكن أن توصلك إلى إجابة مرضية على التساؤل قيد التدبر، فتحاول مناقشة كل الطروحات الممكنة عندما تبدأ النظر إلى الموضوع من جميع جوانبه الممكنة. وفي هذه الحالة، فإن جل ما تحاول فعله هو محاصرة الإجابة الصحيحة من كل الزوايا، ويكون ذلك بمحاولة سد المنافذ التي يمكن أن تخرق هذه الإجابة. فإذا ما استطعت أن تسد جميع المنافذ، فإنك ستصل في نهاية المطاف إلى طريق واحدة ستوصلك في نهاية المطاف إلى الإجابة الصحيحة التي تبحث عنها. لذا، نحن نفتري الظن بأن الإجابة الصحيحة هي التي لا يمكن اختراقها من منفذ آخر إذا ما أخذت جميع الاحتمالات بعين الاعتبار. فإبطال النظرية (أي نظرية) يتحصل بمجرد وجود دليل واحد على عدم صحتها. فالنظرية الصحيحة هي التي لا يمكن اختراقها من أي منفذ، وبذلك تكون هي الطريق الوحيد الموصل إلى القول الحق. ومتى ما وصلت إلى ذلك، فإن سؤالك يكون قد تمت الإجابة عليه، فما عاد مستعص عليك.

بناء على هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا، فإننا نؤمن يقينا بأنه لما كان كلام الله هو القول الحق، فهو إذن الطريق الوحيدة الصحيحة التي توصلك إلى بر الآمان لجميع التساؤلات التي يمكن أن تبحث لها عن إجابات شافية، فسبيل الله هي سبيل واحدة (لا ثاني لها)، قال تعالى:

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: لو توصلنا إلى سبيل الله (الطريق الصحيح)، فهي إذن كافية شافية، لأنه لا يمكن اختراقها من أي منفذ آخر، أي لا يمكن إيجاد الدليل على بطلانها. وبالتالي تصبح هي الإجابة الحقيقية على تساؤلك:

وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)

ومن أراد المجادلة بعد ذلك، فإنه يقع على عاتقه جلب البرهان إن كان من الصادقين:

... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64)

السؤال: كيف يمكن أن نصل إلى سبيل الله الوحيدة؟

رأينا المفترى: عندما يكون هناك قضية ما قيد البحث، فإنك تحاول أن تضع كل التصورات الممكنة لحلها. ولا شك عندنا أن أي تصور بشري (غير مضبوط بالنص الإلهي) سيكون له الهفوات والعثرات، لأنه من الممكن اختراقه (نحن نتخيل) من جوانب أخرى ربما لم يحسب لها حساب. ولتوضيح الصورة دعنا نتصور أنفسنا (في حالة طرح المشكلة، أي السؤال) أننا أمام نفق غير واضح المعالم، فعند بداية النفق نجد تشعبات كثيرة نظن بداية أن أي واحدة منها هي طريق سالكة قد توصلنا إلى بر الآمان. لكن لما كان هذا نفق واحد، فإننا نتخيل بأنه من بين جميع هذه التشعبات فإن هناك شعبة واحدة فقط يمكن أن تخرجك من هذا النفق وتوصلك إلى بر الآمان، بينما تؤدي بك كل التشعبات الأخرى إلى طرق مسدودة (أي cul de sac أو dead end بالمفردات الأجنبية). وهذا بالضبط (نحن لا زلنا نتصور) ما يحصل عند وضع أي قضية (أو تساؤل) على طاولة البحث. فجميع الخيرات المتاحة للحل ستؤدي بك إلى طريق مسدود في نهاية المطاف باستثناء طريق (أو سبيل) واحدة. ونحن نؤمن يقينا بأن هذه الإجابة الصحيحة هي الإجابة المضبوطة تماما بالنص الإلهي. فإن استطعت أن تسلك هذه الطريق في ضوء الهدي الإلهي، فإنك ستصل في نهاية المطاف إلى بر الآمان والخروج من هذا النفق سالما بإذن الله، فالله هو من يهدي من يشاء من عباده إلى نوره:

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

فالباحث عن الإجابة بين آيات الكتاب الحكيم هو – برأينا- كمن يدخل هذا النفق وفي يده مصباح ينير له طريقه، وبخلاف ذلك يصبح الشخص لا نور له، لأنه بحث عن المسألة غير مسترشد بنور الله:

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)

(دعاء: اللهم ربنا أنت وحدك من تهدي من يشاء من عبادك إلى نورك، اللهم ربنا ندعوك وحدك أن نكون ممن تهديهم إلى نورك، ونعوذ بك أن نكون كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها، إنك بكل شيء عليم – آمين).

نتيجة مفتراة: نحن نفتري القول بأنه من لم يجعل الله له نور، فما له من نور. وهذا هو النور الذي نسترشده ونهتدي به حتى لا نكون كما الميت الذي لا حياة فيه، قال تعالى:

أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (122)

نعم، عندما نقع في مشكلة ما، فإننا نكون في بداية المشكلة كمن هو في الظلمات، فيظن أنه ليس بخارج منها، ولكن لو كنا ممن يشاءون أن يكون من المهتدين بنور الله، فإن الله لا محالة سيجعل لنا نورا نمشي به بين الناس، فلا نبقى قابعين في تلك الظلمات.

(دعاء: اللهم رب أدعوك وحدك أن تجعل لي نورا أمشي به بين الناس- إنك أنت السميع البصير – آمين)

ولكن دعنا نعود إلى آلية الخروج من تلك الظلمات أو من ذلك النفق المتشعب. فنحن إذن أمام نفق متشعب، ونحن كذلك في ظلمات بعضها فوق بعض، عندها نحاول أن نتلمس الطريق في كل الاتجاهات، لكن يجب أن نكون على وعي تام بأن هناك طريق واحدة فقط هي الموصلة إلى بر الآمان، وهي الالتزام بالهدي الإلهي والبحث عن النور الإلهي. فكل الأطروحات التي لا تلتزم بهذا الهدي الإلهي ستؤدي في نهاية الأمر إلى طريق مسدود، وبالتالي العودة من جديد إلى نقطة الصفر للبحث مرة أخرى عن المخرج الصحيح الذي يؤدي إلى بر الآمان في نهاية المطاف. لذا وجب علينا عند الوصول إلى كل مفترق طرق أن نبحث عن عيوب تلك المفترقات، ومتى وجدنا أن هناك عيبا واحدا في هذا المفترق، فعلينا أن نتركه لنبحث عن غيره، وهكذا حتى نصل في نهاية الأمر إلى المفترق الصحيح (أي السبيل الصحيح) الذي لا يمكن إيجاد عيب واحد عند سلوكه. وهذا بالضبط ما يحصل (نحن نرى) عند طرح كل الإجابات المحتملة على تساؤل واحد. فالجميع يجب أن يحاول البحث عن العيب في كل طرح من هذه الأطروحات حتى نصل في نهاية المطاف إلى الطرح الوحيد الخالي تماما من العيوب، والذي لا يمكن نقضه. فلو وجدنا هذا الطرح، لحق لنا أن نقول أن هذا هو سبيل الله الصحيح والوحيد.

منطقنا المفترى في سطور

ما هو السؤال؟

جواب مفترى: هو الوقوع في مشكلة.

ما هي الإجابات؟

جواب مفترى: هي كل الطروحات (أي الإجابات) المحتملة

ما هو الجواب الخاطئ؟

جواب مفترى: هو كل جواب يمكن إيجاد الدليل على بطلانه

ما هو الجواب الصحيح؟

جواب مفترى: هو الجواب الذي لا يمكن إيجاد الدليل على بطلانه

كيف تتم التوصل إلى الإجابة الصحيحة؟

جواب مفترى: يحصل ذلك بمحاولة محاصرة كل الإجابات الممكنة والنظر إلى إليها من جميع الجوانب.

أين يمكن أن نجد هذه الإجابة الصحيحة والوحيدة؟

جواب مفترى: في الهدي الإلهي.

السؤال: ما علاقة هذا كله بمفردة وجبت جنوبها؟

جواب مفترى: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن للمفردة وجبت علاقة مباشرة بمفردة "جابوا" التي ترد في الآية الكريمة التالية التي تتحدث عن ثمود (قوم صالح):

وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)

السؤال: ما معنى أن ثمود قد جابوا الصخر بالواد؟

رأينا المفترى: مادام أن ثمود قد جابوا الصخر بالواد، فهم إذا قد استطاعوا أن يدخلوا النفق، ويسلكوا الطريق التي تؤدي بهم في نهاية المطاف إلى نهايته، والوصول إلى مبتغاهم.

السؤال: أين هو ذاك الصخر الذي جابوه؟

رأينا المفترى: لما كانت ثمود هي الحضارة التي نشأت على أعقاب عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد، جاء التلازم واضحا بين هذه الحضارة من جهة وحضارة عاد التي سبقتها وحضارة فرعون التي لحقتها من جهة أخرى، كما نفهم ذلك من الآيات الكريمة التالية:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11)

فلو دققنا في هذه الآيات الكريمة جيدا، لوجدنا أن هذه الحضارات جميعا (كما نفهم النص القرآني) قد سكنت المنطقة الجغرافية نفسها، بدليل أنهم جميعا قد طغوا في البلاد (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ). فهذه البلاد هي نفسها التي أحدثوا فيها الطغيان. وهم من أهلكهم الله جميعا، وهم الذين كانوا – برأينا- يقومون بفعل التنقيب في البلاد:

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36)

ولا شك عندنا أن التنقيب هو عبارة عن عملية إحداث طريق (أو ممر) في عائق مسدود، كما فعل من حاولوا نقب الردم الذي أحدثه ذو القرنين:

حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)

فهذا ذو القرنين يردم الطريق التي تصل بين القوم الذين طلبوا منه المساعدة من جهة ويأجوج ومأجوج من جهة أخرى (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا). وما أن أصبح الردم هو الحاجز بين الطرفين حتى حاول الطرف الذي يريد الفساد في الأرض (وهم يأجوج ومأجوج) النقب فيه، فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا). فمن حاول النقب هو إذن من يريد إحداث ما يشبه النفق في ذلك العائق من أجل الوصول إلى مبتغاه. (للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان: قصة يأجوج ومأجوج).

لذا، نحن نتخيل أن ثمود كانوا من بين الأقوام التي نقبت في البلاد:

وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ (36)

فهم إذن من القرون التي أهلكها الله، وكانت غايتهم من التنقيب (نحن نتخيل) هو إحداث النفق في ذلك الصخر الموجود في ذاك الواد وذلك من أجل الوصول إلى مكان محدد بعينه.

السؤال: ما هو المكان الذي حاولت ثمود النقب فيه؟

جواب مفترى: نحن نظن أن المكان هو الصخر الموجود في واد النيل.

السؤال: وما هو المكان الذي يحاولون الوصول إليه جراء هذا التنقيب؟

جواب مفترى: نحن نفتري الظن بأن القوم كانوا يحاولون الوصول إلى قاعدة الأهرامات (أي إرم ذات العماد).

السؤال: لماذا عمدت ثمود إلى إحداث هذا النقب ومن ثم الوصول إلى قاعدة الأهرامات؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن أن غايتهم كانت على نحو الوصول إلى مكامن القوة في تلك الحضارة التي سبقتهم وهي حضارة عاد.

السؤال: وكيف ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نشأت حضارة ثمود في واد النيل على أعقاب حضارة عاد، ووصلت من الحضارة مبلغا عظيما، وكانت أهم انجازاتهم الحضارية كلها هي – برأينا- أنهم استطاعوا أن ينقبوا في البلاد، فشقوا طرقا لهم في باطن الأرض، فكانت ما يعرف اليوم بصحراء النقب واحدة من المناطق التي نقبوها، ولكنهم لم يتوقفوا عند هذا الحد، فتكللت جهودهم (نحن لازلنا نتخيل) بإحداث النقب في الصخر من الجهة الجنوبية حيث المنطقة الصخرية التي تقع في واد النيل، وبالفعل استطاعوا أن يجيبوا الصخر بالواد، فأحدثوا ما يشبه النفق في ذلك الصخر حتى تمكنوا بالفعل (نحن نفتري القول) من الوصول إلى قاعدة الأهرامات، فتكللت جهودهم (نحن لازلنا نتخيل) بإحداث ذلك الأخدود الذي جاء ذكره في الآيات الكريمة التالية (كما نفهمها بالطبع):

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)

وكان هدفهم (نحن لازلنا نتخيل) جلب الطاقة المخزّنة في قاعدة تلك الأهرامات. فاستطاعوا نقل الطاقة المخزنة في تلك الأهرامات إلى مكان سكناهم (أي ذاك الواد الذي كانوا يسكنون فيه) من خلال ذاك الأخدود.

ونحن نتجرأ أيضا على الظن بأن هذا بالفعل هو ما استطاع فرعون أن يستفيد منه في يوم المحرقة العظيمة. فلقد استطاع فرعون في يوم المواجهة الكبرى بين سحرته من جهة وموسى من جهة أخرى أن يشعل نارا عظيمة بواسطة ذاك الأخدود عندما جلب الطاقة (النار) من قاعدة الأهرامات إلى مكان المحرقة التي وقعت على جوانبها تلك المواجهة بين الطرفين. ونحن نتجرأ على الظن أن فوهة ذلك الخدود تبدأ من عند مكان المحرقة التي لازالت بقاياها ظاهرة للعيان على الخريطة الجغرافية للمنطقة. (للتفصيل انظر الأجزاء السابقة من المقالة)

وكانت تلك الطاقة هي التي أمدت السحرة بالقوة الرهيبة التي أحدثت في نفس موسى نفسه الخيفة:

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)

وكان ذلك بعد أن ألقى السحرة عصيهم وحبالهم التي خيل للحاضرين أنها تسعى :

قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)

الدليل

لو دققنا في تتمة هذا السياق القرآني العظيم، لوجدنا بأن جلّ ما حصل في تلك المواجهة لم كن أكثر من كيد ساحر واحد:

قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)

دقق عزيزي القارئ – إن شئت – في السياق جيدا، لتجد أن السياق قد بيّن لنا (كما نفهمه طبعا) بأن جل فعل السحر الذي وقع على الأرض في تلك الحادثة قد جاء من صنع ساحر واحد:

... إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)

لكن الذين ألقوا سجدا كانوا السحرة جميعا:

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا... (70)

السؤال: من هو الساحر الذي صنع ذلك الكيد؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الساحر الذي صنع الكيد كله هو فرعون. انتهى.

السؤال: من هم السحرة الذين القوا سجدا؟

جواب: إنهم السحرة الذين حشرهم فرعون من أجل تلك المواجهة المرتقبة:

قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (38)

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن المواجهة الفعلية في ذلك اليوم المعلوم كانت بين فرعون نفسه من جهة وموسى من جهة أخرى.

السؤال: لماذا جمع فرعون السحرة إذن؟

رأينا المفترى: لما كان فرعون لا يريد أن يظهر لمن حوله بأن المواجهة الفعلية هي بينه وبين موسى، استخدم فرعون السحرة كأداة للتغطية على فعله. فإذا ما كانت الغلبة للسحرة، اتبعهم الجميع وبان للحاضرين جميعا بأن المنتصر الأكبر هو فرعون نفسه وأن الخاسر هو موسى ومن معه:

فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (38) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40)

ولكن إذا ما كانت الغلبة لموسى، فإنه سيظهر بأن المهزوم (في نظر جميع الحاضرين من حوله) هم السحرة، وسيظل عندها فرعون بشخصه في موقف قوة لا في موقف ضعف، فلا يخسر جميع أوراقه في تلك المواجهة مرة واحدة.

السؤال: كيف فعل فرعون فعلته تلك؟

جواب مفترى: لقد كان فرعون ينفذ مراده بطريقة غير مباشرة، وكان ذلك من خلال ما أمد السحرة به من قوة.

السؤال: كيف استطاع فرعون أن يمد السحرة بالقوة في بداية المواجهة؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نتخيل أن فرعون قد فعل ذلك من خلال الأخدود وبواسطة حبال السحرة.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن ذلك قد تم بجلب الطاقة المتوافرة تحت الأهرامات من خلال الأخدود الذي تنتهي فوهته عند ذلك الواد، حيث المواجهة دائرة بين الطرفين المتخاصمين.

نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: نحن نظن أن فرعون قد جلب النار (الطاقة) من تحت الأهرامات من خلال ذلك الأخدود وذلك ليمد السحرة بالسحر.

السؤال: وكيف ذلك؟

جواب مفترى: عندما حصلت المواجهة بين الطرفين كان كل ما يملكه موسى هو تلك العصا، أليس كذلك؟ ونحن نتصور بأنه كان يكفي السحرة أن يحضروا معهم العصي، لكن الملفت للانتباه أن السحرة قد جلبوا معهم العصي والحبال أيضا. ليكون السؤال الآن هو: لم جلب السحرة حبالهم مع عصيهم؟ فما فائدة تلك الحبال في المواجهة المرتقبة بين الطرفين؟

رأينا: لو تفقدنا مفردة الحبال في النص القرآني على مساحته، لوجدنا أن الحبل ليس أكثر من حلقة وصل بين نقطتين متباعدتين، كما نفهم ذلك من الآية الكريمة التالية:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)

ومادام أن الحبل هو عبارة عن أداة وصل بين نقطتين، فقد يتواجد عند نهاية كل طرف من الحبل أحد ما، والآية الكريمة التالية تصور لنا بأن الإله نفسه يتواجد في نهاية طرف الحبل في حين يكون الطرف الآخر المتواجدون عند نهاية الحبل الأخرى هم الناس، قال تعالى:

وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)

وهذا لا يمنع أن يكون الطرفان المتواجدان عند طرفي الحبل هم جميعا من الناس، مصداقا لقوله تعالى:

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (112)

وهذه الآيات الكريمة جميعا تبين لنا (كما نفهمها) بأن المتواجد عن نهاية أحد طرفي الحبل يقوم بفعل المساندة للطرف الثاني من خلال هذا الحبل، فالله هو من يساندنا بحبله المتين:

وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)

وتبين لنا هذه الآيات أيضا (كما نفهمها) أن الطرف الثاني قد لا يستطيع (لضعفه) أن يتغلب على خصمه إلا من خلال ما يتحصل له من مساندة من الطرف الأول من خلال هذا الحبل، وبخلاف ذلك تضرب عليه الذلة والمسكنة:

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (112)

السؤال: ما علاقة هذا كله بحبال السحرة؟

قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن حبال السحرة كانت مرتبطة في طرفها الثاني مع فرعون مباشرة، وليس أدل على ذلك – برأينا- مما جاء في الآية الكريمة التالية على لسان السحرة:

فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)

فالسحرة إذن يظنون أنهم هم الغالبون بعزة فرعون، أليس كذلك؟

السؤال: لماذا قال السحرة ذلك؟ وما علاقة عزة فرعون بالمواجهة الدائرة بين الطرفين؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن فرعون هو من كان يعزز موقف السحرة في المواجهة الدائرة مع موسى. وليس أدل على ذلك من قولهم عندما حسم الصراع لصالح موسى:

قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)

السؤال: لماذا قال السحرة لفرعون ما نصه (وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ)؟ فهل كان فرعون هو فعلا من أكره السحرة على السحر؟ أليسوا هم أصلا سحرة من "دار أهلهم" (كما نقول باللسان الأردني الدارج)؟

جواب مفترى خطير جدا: نعم، نحن نظن أن فرعون هو من أكره السحرة على السحر الذي وقع على الأرض في ذلك اليوم المعلوم على وجه التحديد. انتهى.

وربما يبين لنا مثل هذا الرأي المفترى من عند أنفسنا سبب تخلي السحرة عن فرعون في الحال بغض النظر عن ما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك. فلهجة التحدي لفرعون بشخصه واضحة على لسان السحرة عندما قالوا له مباشرة بملّ الفيه (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ). ليكون السؤال الآن: لم تخلى السحرة عن فرعون على الفور؟ ولم آثروا اللحاق بركب موسى على الفور؟ ولم لم ينشق أحد من السحرة عن رأي الجمع فيهم؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: لمّا حصلت المواجهة بين طرفين، ظن الحاضرون من الناس بأن المواجهة هي فعلا بين موسى من جهة والسحرة من جهة أخرى، فاعتقدوا أن الغالب سيكون إما موسى أو السحرة. ولكن لمّا كان السحرة أنفسهم يعلمون يقينا بأن المواجهة الفعلية هي بين موسى من جهة وفرعون من جهة أخرى، وأنهم ليسوا أكثر من أداة ينفذ فرعون فيها مآربه، وأن جل السحر الذي أحدثوه كان من صنيعة فرعون نفسه مادام أن حبالهم موصولة مع فرعون نفسه، وهو الذي لازال حتى الساعة في نظرهم الإله الذي يظنون أنه وهو ربهم الأعلى، بان لهم جميعا (أي للسحرة جميعا) ضعف حيلة فرعون في مواجهة موسى الذي كان معتصما بحبل من ربه. فكان السحرة إذن على دراية تامة بأن المواجهة الحقيقية هي أصلا بين إله موسى من جهة وفرعون المدّعي الإلوهية من جهة أخرى. وما أن بان للسحرة جميعا ضعف حيلة فرعون في مواجهة إله موسى حتى أدركوا على الفور بأن الحق مع موسى، وأنه لا طاقة لفرعون بموسى ومن معه ما دام أن إله موسى قادر على غلبة هذا الإله الكاذب.

تلخيص ما سبق: نحن نتجرأ على الظن بأن حضارة ثمود هي الحضارة التي نشأت في واد النيل، فهم الذين جابوا الصخر بالواد، فأحدثوا ذلك الأخدود، فاستفاد فرعون منه في يوم المحرقة.

خروج عن النص: تخيلات غريبة جدا غير مضبوطة بالدليل

دعنا نضع خريطة المنطقة التي نظن أنها كانت مسرحا لتلك الأحداث العظيمة لنتفقدها من خلال ما نظن أنها شطحات فكرية غريبة جدا ربما غير موجودة إلا في ذهن كاتب هذه السطور، لذا سنحاول (بما أذن الله لنا به من علم في ذلك) أن نجلب الدليل على إثباتها، وفي الوقت ذاته فإننا ندعو الجميع إلى إيجاد الدليل على بطلانها.





Source: http://maps.discountrip.com/city-map.php?lang=en&ind=RedSea1

أما بعد،

هذه هي خريطة وادي النيل والبحر الأحمر، ففي مكان ما على هذه الخريطة نجد أرض المحرقة التي تظهر في الخريطة التالية:





وهنا في أرض المحرقة (نحن نفتري القول) حصلت المواجهة الفعلية بين موسى والسحرة، فكان ذلك مكانا سوى بين الطرفين:

فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58)

وهذه المنطقة هي منطقة التقاء الجبال من الشرق مع السهل من الغرب، فكان موسى ومن معه في الجهة الشرقية حيث الجبال وكان فرعون ومن معه في الجهة الغربية حيث السهل والأنهار:

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)

كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)


حصلت المواجهة بين الطرفين في ذلك المكان، وخسر فرعون ومن معه تلك المواجهة، واتجه موسى ومن معه مشرقين صوب البحر بأمر من ربه:

وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (52)

فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24)


فاتبعهم فرعون ومن معه مشرقين باتجاه البحر الأحمر:

فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)

وجاء الأمر الإلهي لموسى بأن يضرب بعصاه البحر، فحصل ذلك (نحن لازلنا نتخيل) في المنطقة التي تشبه فرج المرأة على البحر كما نوضحها في الخريطة التالية:


وهي المنطقة المواجهة لمدينة جدة من الطرف المقابل (انظر الخريطة جيدا)، حيث تظهر المنطقة القوسية التي تشبه في تفاصيلها فرج المرأة الذي يضربه الرجل بعصاه (أي بعضوه الذكري). وهناك ضرب موسى البحر بعصاه.

الخيال الأول: في هذه المحطة من النقاش الذي لا شك هو مفترى من عند أنفسنا نقدم للقارئ الكريم معلومة هي في ظننا أغرب من الخيال نفسه ربما لا توجد (كما أسلفنا) إلا في ذهن كاتب هذه السطور، والمعلومة الجديدة الخيالية تتلخص في أن ندقق مليا فيما يمكن أن نراه على الخريطة في تلك المنطقة خاصة عند منطقة الفرج (حيث ضرب موسى البحر بعصاه) والتي تظهر على الخريطة التالية تحت النقطة رقم 7:

دقق مليّا عزيزي القارئ، ألا تجد عند تلك المنطقة بالذات ما يشبه الرجل الواقف على حافة البحر. فما الذي يفعله هذا الرجل الواقف هناك، ألا تجد ويكأنه يقوم بفعل ما، فما هو؟

خيالنا المفترى: نحن نظن أن الرجل يظهر علينا ويكأنه يقوم بفعل ما بواسطة يده اليمنى، فما هو ذلك الفعل؟

جواب مفترى: نحن نظن أن هذا الرجل هو موسى نفسه حيث يقوم بضرب البحر بعصاه هناك.

السؤال: كيف تم ذلك؟ ولماذا بقي أثر هذا الرجل قائما حتى الساعة على الأرض؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما وقف موسى عند حافة البحر، جاءه الأمر الإلهي بالضرب:

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)

فقام موسى على الفور بإدخال العصا التي في يمينه في ذلك الفرج، كما يدخل الرجل عصاه (عضوه الذكري) في فرج المرأة. ولا شك عندنا أن إدخال الرجل لعضوه الذكري في فرج المرأة يتم من أسفل الفرج وليس من أعلاه. وهذا – برأينا - واضح في الصورة حيث يدخل موسى العصا في ذلك البحر من أسفل المنطقة التي تشبه فرج المرأة. وعندما انفلق البحر ظل موسى واقفا في تلك المنطقة، وبدأ الانفلاق من هناك، لكن لما كان الوقت هو النهار بدليل أن الجمعين قد تراءى:

فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)

كانت الشمس ساطعة على موسى من الجهة الشرقية الجنوبية، فكان خيال موسى واضحا على الأرض، فشكل الفلق صورة واضحة لخيال موسى على الأرض، ويكأنها قد رسمت بريشة فنان ماهر.

الخيال الثاني: لو دققنا في الصورة التالية المأخوذة من جوجل إرث لامتداد شاطئ البحر الشرقي لوجدنا أن هناك ما يشبه النتوءات على طول ساحل البحر، انظر الصورة التالية جيدا:


ونحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن هذه النتوءات على طول شاطئ البحر هي خيالات هامان وجنوده الذين نكصوا على عقبيهم عندما دخل فرعون وجنوده البحر:

وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)

فالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله هم فرعون وجنوده، والذي زين لهم أعمالهم هو الشيطان هامان:

وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)

ولكن ما أن وصلهم الشيطان إلى حتفهم حتى نكص على عقبيه، فكان الغرق لفرعون وجنوده:

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)


وظل الشيطان هامان وجنوده يراقبون عن بعد ما حلّ بفرعون وجنوده. فظلت آثار تواجدهم ذاك (نحن نتخيل) شاهدة على مراقبتهم لذلك الحدث العظيم.

الخيال الثالث: لو حاولنا النظر إلى البحر الأحمر كله، لوجدنا (كما نتخيل ذلك) أن البحر برمته يشبه شكل الحوت (السمكة الكبيرة)، فالمنطقة الشمالية حيث مجمع البحرين (التقاء خليج العقبة مع خليج السويس) نجد زعانف الحوت الخلفية، وفي هذه المنطقة حصل اللقاء بين موسى والعبد الصالح (للتفصيل انظر قصة موسى)، بينما تشكل المنطقة الجنوبية (آخر البحر) حيث يلتقي البحران ما يشبه رأس الحوت، ويكون جسم الحوت هو المنطقة الواصلة بين الزعانف الخلفية والرأس. انظر صورة البحر جيدا من هذا الجانب:


وهذه المنطقة هي منطقة التقاء البحرين حيث الحاجز الذي يحول دون أن يبغي أحدهما على الآخر:

مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)

السؤال: ماذا يعني لك ذلك؟

خيالنا المفترى: نحن نرى أن هذا البحر قد تشكل على شكل الحوت الذي التقم يونس:

وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)

فحوت يونس موجود في هذا البحر، لذا حاول نفر من بني إسرائيل الاعتداء في يوم سبتهم من أجل الظفر بهذا الحوت:

واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)

فكان العقاب الإلهي لهم على نحو أن جعلهم قردة خاسئين:

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)

(للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة تحت عنوان قصة موسى وقصة يونس)

الخيال الرابع: لو نظرنا إلى البحر الأحمر من زاوية أخر، لوجدنا أنه يشكل ما يشبه حورية البحر، ففي المنطقة الشمالية الواقعة تحت مجمع البحرين نجد رأس المرأة المتوج، ثم تنتفخ منطقة الصدر تحت ذلك، ثم تضيق منطقة الخضر، وتعود للانتفاخ عند منطقة الحوض، ثم تبدأ تضيق تدريجيا حتى تصل منطقة الرجلين المغطاة بالثوب الفضفاض. انظر صورة البحر من هذا الجانب مرة أخرى:





السؤال: من هي هذه المرأة، ومن هي حورية البحر هذه؟

رأينا المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) بأنها هي تلك المرأة التي كانت تملك قومها واستطاعت أن تحتجب عن سليمان فترة من الزمن. فهذا البحر كان يشكل الحاجز الذي منع سليمان من الوصول إلى تلك المرأة، فكان الهدهد هو كشف له خبرها (للتفصيل انظر مقالة ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته)

عودة على بدء

إن ما يهمنا في هذا الطرح هو الظن بأن في هذا البحر من العجائب ما تحير فيه العقول، ولعل أغرب الخيال الذي نحاول الوصول إليه هو الخيال الخامس التالي حيث جاء قوله تعالى لموسى:

وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)

الخيال الخامس: دعنا نركز على نهاية الآية الكريمة هذه، وهي قوله تعالى لموسى (لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى)، ليكون السؤال الآن هو: ما معنى هذا الكلام الإلهي الموجه لموسى في تلك اللحظة؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: لما كان الله هو من قال لموسى (لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى)، فإننا نفهم ذلك (ربما مخطئين) أن موسى كان يواجه حينئذ خطرين اثنين، والخطران هما:

1. الخوف من الدرك (لَّا تَخَافُ دَرَكًا)

2. الخشية (وَلَا تَخْشَى)

السؤال: ما الفرق بين أن يخاف موسى الدرك أو أن يخشى؟

تخيلات مفتراة: نحن نظن أن موسى في تلك اللحظة كان أمامه خطران اثنان، وهما:

1. البحر نفسه

2. فرعون

فحتى لو نجا موسى من قبضة فرعون، فإن الخطر الداهم هو البحر. وبكلمات أكثر بساطة نحن نفتري القول بأن موسى كان يواجه البحر من أمامه وفرعون من خلفه.

السؤال: هل كان البحر يشكل خطرا على موسى؟ ألم يفلق الله البحر لموسى؟

جواب مفترى: نعم، لقد فلق الله البحر لموسى، فكان كل فرق كالطود العظيم، ولكن ماذا لو سار موسى في ذلك الواد (البحر المفلوق) ثم وجد نفسه أما تضاريس أرضية خطيرة؟ فهل فلق البحر سيجعل البحر ممهدا أمام موسى حتى النهاية؟

جواب مفترى: كلا وألف كلا، فلقد كان موسى يعلم يقينا أن فلق البحر سيؤدي إلى إيجاد طبقات أرضية متفاوتة في الارتفاع، فالدرك هو عبارة عن طبقة ربما تعلوها طبقة أخرى، وهكذا.

الدليل

قال تعالى:

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)

مادام أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، فإننا نستطيع أن نتخيل النار، ويكأنها عبارة عن طبقات (أي درك)، فهناك الدرك الأسفل من النار، وهناك درك فوقه، وهكذا.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: بهذا المنطق المفترى نفسه، نحن نستطيع أن نتخيل ما حصل للبحر عندما فلق بعصا موسى ويكأنه عبارة عن درك، أي طبقات بعضها فوق بعض، فكان موسى خائفا الدرك، فجاءه التطمين الإلهي بأن لا يخشى دركا، لأن الله قد مهد له الطريق حتى نهايتها.

لكن الأمر كان بالنسبة لفرعون مختلفا تماما، وذلك لأن فرعون قد أدركه الغرق:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)

السؤال: ما معنى أن فرعون قد أدركه الغرق؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: لما لحق فرعون بموسى في عرض البحر المفلوق حصل له ومن معه الغرق أجمعين:

فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ (136)

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)


السؤال: كيف حصل لهم الغرق؟

جواب مفترى: في اليم:

فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ (136)

السؤال: إذا كانت الحادثة قد حصلت كلها في البحر مادام أن موسى قد ضرب البحر بعصاه (أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ)، فكيف تم لهم الغرق في اليم (فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن اليم هو عبارة عن الماء الساقط من فوق إلى الأسفل. فهذه أم موسى قد أمرت أن تقذف التابوت (حيث الطفل موسى متواجدا) في اليم، فما كان من ذلك اليم إلا أن يلق بالتابوت بمن فيه بالساحل:

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)

لذا، فإن اليم (كماء جاري يصب الماء من فوق إلى تحت) يمكن أن يلق بمن فيه في منطقة أخرى. ونحن نتخيل ذلك على نحو شلال من الماء يصب في منطقة محددة من ارتفاع، فلو كان فيه شيء (كالتابوت)، فإن قوة دفع الماء ستلقي بذلك التابوت في طرف الماء، أي حيث الساحل.

السؤال: كيف يمكن (في ضوء هذا الفهم المفترى من عند أنفسنا) أن نتصور ما حصل من أمر غرق فرعون ومن معه في اليم؟

رأينا: لمّا فلق البحر، ولمّا كان كل فرق كالطود العظيم، كف الماء من الجهتين الشمالية والجنوبية، فأحدث طريق في البحر يبسا، كما في الشكل التوضيحي التالي:


https://www.google.jo/search?q=the+red+sea+image+free+download&biw=1366&bih=616&tbm=isch&imgil=aUz6y7Y5SX9twM%253A%253BD-Qm9IwejPoo9M%253Bhttps%25253A%25252F%25252Fwww.dreamstime.com%25252Froyalty-free-stock-images-moses-parting-red-sea-image19194869&source=iu&pf=m&fir=aUz6y7Y5SX9twM%253A%252CD-Qm9IwejPoo9M%252C_&usg=__MVg9ZbsXhVGnGaXi20CxoZ3vU68%3D&ved=0ahUKEwi8-Y-C2bfRAhXOzRoKHZiFAiwQyjcIJA&ei=O-N0WPzvA86ba5iLiuAC#imgrc=aUz6y7Y5SX9twM%3A

فعبر موسى ومن معه البحر سالكين تلك الطريق، وفي هذه الأثناء لحق فرعون وجنوده بموسى ومن معه، وما أن وصلا إلى النقطة التي لا رجعة فيها، تساقط عليم الماء من الجهتين (لأن الماء أصبح يشكل اليم)، فغرق جنود فرعون أجمعين، ولكن فرعون من بينهم جميعا، كان قد أدركه الغرق:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)

السؤال: ما معنى أن فرعون بنفسه قد أدركه الغرق؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن الماء قد جرف فرعون إلى درك في البحر، لم يعد باستطاعة فرعون حينها النجاة منه، وفي هذه اللحظة انطلق لسان فرعون بكلمة الإيمان، فقال

قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)

السؤال: أين نطق فرعون بتلك الكلمة؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن فرعون قد نطق بتلك الكلمة عندما وصل ببدنه إلا منطقة الدرك، أي المنطقة السفلى في ذلك البحر. فأصبح حاله هو – برأينا – ما تصوره الآية الكريمة التالية:

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: في خضم تلاطم الأمواج بعد سقوط ماء اليم من الاتجاهين، حاول فرعون المقاومة حتى النفس الأخير (كما نقول باللسان الدارج)، وفي تلك اللحظة وصل به الأمر إلى درجة الإنهاك، فكان الظمأ هو ما أصابه، فحاول فرعون أن يبحث عن مصدر الماء للشرب، فتشكلت أمامه السراب البقيعة، فظن أنه ماء، ولكن لما جاءه لم يجده شيئا، وهناك وجد الله وحده، فوفاه حسابه، على النحو التالي:

آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)

السؤال: لماذا استطاع فرعون المقاومة حتى النهاية؟ لِم لَم يستسلم من البداية؟

جواب مفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك يعود إلى ما نفهمه من الآيات الكريمة التالية:

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)

لقد وجد فرعون نفسه في بحر لجي، فغشاه الموج الأول، ثم غشاه من بعد ذلك الموج الثاني، وتشكل السحاب من فوق ذلك.

السؤال: وما علاقة فرعون بهذا كله؟

جواب مفترى: دعنا ندقق بما جاء في الآية الكريمة نفسها في قوله تعالى (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا)، ليكون السؤال: كيف يمكن أن نتخيل شخص ما قد أدركه الغرق في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب سيخرج يده؟ فأين هي يده حتى يخرجها؟ ومن أين سيخرجها؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن لا نتخيل أن الغارق في الماء يستطيع أن يخرج يده من فوق الماء، فهذا أمر من الصعوبة بمكان أن نتصوره. فأين إذا سيخرج يده؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن اليد لا يمكن أن تخرج إلا إن كانت موضوعة في مكان ما. فأين يمكن أن توضع اليد لتخرج؟ ومن أين يمكن أن يُخرِج الشخص الغارق في مثل هذا الماء يده؟

رأينا المفترى: نحن نظن أنه من أجل الإجابة على مثل هذا التساؤل، فلابد من العودة إلى السياقات القرآنية التي تصور لنا إخراج اليد على وجه التحديد، لنجد قوله تعالى واضحا (كما نفهمه) في الآيات الكريمة التالية:

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (11) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)

اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)


لتكون النتيجة التي نحاول جاهدين الوصول إليها هي أن اليد لا يمكن أن تخرج إلا إن كان صاحبها قد (1) أدخلها أو سلكها في جيبه أو (2) أن يكون قد ضمها من ذي قبل إلى جناحه:

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)

تخيلات مفتراة: نحن نظن أن فرعون كان في خضم تلاطم الأمواج سالكا يده في جيبه أو ضاما إياها إلى جناحه.

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: لمّا كان موسى يدخل أو سلك يده في جيبه، ولمّا كان يضمها إلى جناحه كانت تخرج بيضاء من غير سوء، فكانت عبارة عن كتلة مضيئة تنير الطريق له.

السؤال: ما علاقة ذلك بفرعون؟

رأينا المفترى: نحن نفتري القول (ربما مخطئين) بأن فرعون كان قادرا على فعل ذلك، أي كان قادرا على أن يسلك يده في جيبه أو أن يضمها إلى جناحه لتخرج بيضاء من غير سوء، فكان يظن فرعون أن يده تلك ستفيده في تلك الظلمات، ولكن لما أحكم الله على فرعون القبضة، كانت الظلمة أشد من قدرة يد فرعون أن تفيده في شيء، فكان الضوء الخارج منها لا يكاد يفيد فرعون في أن يبصرها بنفسها، فحتى لو أخرج فرعون يده، لم يكد ليراها بذاتها، فكيف بها ستنير له تلك الظلمات:

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)

هناك أدرك فرعون أن لا ملجأ إلا الله، وهناك أدرك ضعف قوته وقلة حيلته، فنطق بكلمة التوحيد:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)

فجاءه الرد الإلهي المباشر على هذا النحو:

آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)

السؤال: أين هو ذلك المكان الذي نطق فيه فرعون بكلمة التوحيد؟

الخيال السادس: نحن نتخيل (ربما مخطئين) أنه نفس المكان الذي انطلق لسان يونس بالدعاء إلى الله أن يخرجه من تلك الظلمات في بطن الحوت:

وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)

وهناك وجد الله، فجاءته الاستجابة الفورية على النحو التالي:

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)

(دعاء: لا إله إلا أنت سبحانك، أعوذ بك أن أكون من الظالمين)

وللحديث بقية

فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو السميع العليم. وأعوذ به وحده أن أكون ممن يفترون عليه الكذب، أو ممن يقولون ما ليس لهم بحق، إنه هو العليم الحكيم – آمين.

المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان

بقلم د. رشيد الجراح

10 كانون ثاني 2017

هناك تعليقان (2):