قصة يونس - الجزء الرابع والثلاثون





قصة يونس – الجزء الرابع والثلاثون

 سنتابع في هذا الجزء الجديد من المقالة تقديم الأمثلة على فعالية المنهجية التي نتبعها في استنباط الأحكام من كتاب الله العزيز، وهي المنهجية التي تتمثل في استنباط المعاني الحقيقية للمفردات القرآنية من النص نفسه، ثم محاولة ربط الأفهام المفتراة من عند أنفسنا مع بعضها البعض، للخروج باستنباطات تؤطر للفكر الديني الذي نظن أنه صحيحا. فقد قدمنا في الجزء السابق من هذه المقالة مثال انشقاق القمر واقتراب الساعة كآيات كونية ظننا أنه قد جاء ذكرها وتفصيلها في النص القرآني. وافترينا القول في نهاية ذلك الجزء بأن مثل هذه الأفهام ستسعف في تكوين صورة أكثر وضوحا لحقيقة الأحداث كما يبينها النص الديني المقدس، وكان مثار النقاش حينئذ هو قصة مقاتلة فرعون رب موسى في ثلاث مناطق كونية، فقد حصلت (بناء على فهمنا ربما المغلوط للنص الديني) مقاتلة فرعون رب موسى في المواقع التالية:

- في الأرض

- في السماء

- في البحر

وافترينا الظن بأن هزيمة فرعون الكلية لم تكن لتحصل إلا في البحر، فقد هُزِم فرعون في المعركة الأرضية الأولى التي حصلت قريبا من البيت الحرام بمكة، وبالتحديد في منطقة منى (العقبة)، ولم يستطع فرعون اقتحام تلك العقبة:

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)


ولكن فرعون أعاد الكرة في القتال مرة أخرى ولكن في السماء هذه المرة، وحصل ذلك على مشارف الأرض المقدسة في منطقة العقبة الأردنية، فما استطع فرعون أن يقتحم تلك العقبة أيضا، ولكن تلك الهزيمة لم تكن لتثني فرعون عن الاستمرار في المواجهة، فحصلت الواقعة الثالثة في البحر، وهنا بالضبط كانت هزيمة فرعون النهائية:

فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)

وقد افترينا الظن من عند أنفسنا بأن الله (الذي هو خير الماكرين) قد استدرج فرعون إلى حتفه في البحر، وذلك لأن أدواة القتال التي كان يملكها فرعون في المواجهة قد فشلت في الماء. وذلك لأنه لا يمكن – برأينا- هزيمة الإله (كما ظن فرعون بنفسه) إلا في الماء.

وقد جلبنا الدليل الذي ظننا أنه قد يثبت مثل هذا الافتراء من قصة عجل السامري. وكان ذلك على النحو التالي: يخرج السامري لبني إسرائيل الذين كانوا يمشون على إثر موسى للحاق به عجلا جسدا له خوار، فيظن القوم جميعا أن هذا العجل هو إلههم وإله موسى:

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)

فيتوقف القوم عن المسير للحاق بموسى، فيظلون عاكفين عليه حتى يرجع إليهم موسى:

قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91)


وما أن رجع موسى من لقاءه ربه حتى كان يعلم يقينا بأن القوم قد فتنوا (من الله) ووقعوا في الضلالة (من السامري):

قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)

فرجع موسى غضبان أسفا. فيلقي الألواح ويأخذ برأس أخيه يجره إليه:

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)

وما أن يدرك موسى السبب الذي من أجله بقي هارون فيهم ولم يلحق بأخيه:

قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)


حتى يسكت عن موسى الغصب:

وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ۖ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)

ولكنه كان يعلم يقينا أنه لابد من التعامل مع العجل بطريقة حكيمة حتى لا تستمر الضلالة للقوم الذين اشربوا في قلوبهم العجل:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (93)

فيتوجه إلى السامري، يسأله عن ما بدر منه:

قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95)

ولما علم موسى بأن السامري لم يقبض إلا قبضة (واحدة) من أثر الرسول (وهي الجزء الأعلى من رأس عصا موسى) كما في الشكل التوضيحي التالي:







Source: https://www.google.jo/search?q=Moses+rod+image+free+download&biw=1708&bih=770&tbm=isch&tbo=u&source=univ&sa=X&ved=0ahUKEwj09tGv3JLLAhVh7nIKHfGaDmUQsAQIGQ&dpr=0.8#imgrc=oCqsllTcpDf9VM%3A

(وسنتحدث عن هذه القبضة لاحقا بحول الله، ولكن أرجو العودة أولا إلى قصة السامري على الموقع)

حتى يدرك موسى على الفور بأن الأمر لازال قابلا للمعالجة، وذلك لأن السامري لم يتمكن من عصا موسى إلى بالقبضة:

قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)
وهنا يتوجه إلى السامري بالقول:

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ ...فتصبح مهمة موسى بعدئذ تتمثل في التخلص من العجل نهائيا وإلى الأبد، فكيف سيتم التخلص من هذا العجل؟

جواب مفترى: لو دققنا في النص القرآني، لوجدنا أن موسى لم ينكر على السامري بأن ما أخرجه لهم هو إله:

... وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)

لذا كان على موسى أن يعمد إلى الطريقة التي لابد من سلوكها (نحن نفتري القول) للتخلص ممن هو فعلا إله (كالعجل)، وهنا يقوم موسى بالتالي:

 - تحريق العجل

- نسفه في اليم نسفا

السؤال المربك لنا: ما فائدة أن يقوم موسى بنسف العجل في اليم نسفا بعد أن يكون قد حرّقه؟ فلم (نحن نسأل) لم يكتف موسى بتحريق العجل؟ هل كان من الضروري أن ينسفه في اليم نسفا بعد أن يكون قد حرّقه؟ وماذا كان من الممكن أن يحصل لو أن موسى حرّق العجل فقط ولم ينسفه في اليم نسفا؟

رأينا: المفترى: لما كنا نعتقد أن كل ما جاء في كتاب الله هو الحق ولا يمكن الاستغناء عن أي جزئية منه مهما كانت، وجب علينا أن نتفكر في السبب الذي من أجله قام موسى بتحريق العجل (لَّنُحَرِّقَنَّهُ) أولا ثم نسفه في اليم نسفا (ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) ثانيا.

رأينا المفترى والخطير جدا: نحن نظن أنه لو لم يقم موسى بنسف العجل في اليم نسفا بعد أن حرّقه، لما تم التخلص من العجل نهائيا وإلى الأبد. لذا نحن نفتري ما يلي:

- كان الهدف من تحريق العجل هو التخلص منه نهائيا، فلا يبقى منه شيئا

- كان الهدف من نسفه في اليم نسفا هو التخلص من العجل إلى الأبد فلا يعود إلى الحياة مرة أخرى

السؤال: لماذا؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أنه لا يمكن التخلص تماما ممن كان إلها إلا بالماء. انتهى.

السؤال: ما علاقة هذا بنهاية فرعون؟

رأينا المفترى: نحن نظن أنه لمّا كان فرعون يملك من صفات الإلوهية ما يمكنه أن يدعيها لنفسه:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)

فإن التخلص منه تماما وإلى الأبد لن يكون ممكنا بغير الماء.

السؤال: أين الدليل على هذه الافتراءات (ربما غير المسبوقة)؟ يسأل صاحبنا مستغربا.

رأينا: من أجل جلب الدليل الذي يمكن أن يثبت افتراءاتنا هذه، فلا مناص (نحن نظن) من العودة مرات ومرات إلى قصة فرعون، والتركيز على شخصية هذا الرجل الذي جاء ذكره كثيرا في كتاب الله. فلم يذكر نبي ولا رسول ولا عبد صالح من عباد الله بنفس الحجم الذي ذكر فيه فرعون في كتاب الله، فلا يكاد جزء في كتاب الله يخلو من ذكر فرعون بالتصريح أو بالتلميح، ليكون السؤال الحتمي دائما هو: من هو هذا الرجل؟

باب: شخصية فرعون

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أن فرعون هو ذلك "الإنسان" الذي جاء ذكره كثيرا في كتاب الله. انتهى.

سؤال: وهل هذا فعلا افتراء خطير؟ ما الذي تقوله (يا رجل)؟ ألا ترى أنك لا تنفك عن قول كل ما فيه جنون؟

جواب: نعم، نحن نظن أن فرعون هو ذلك "الإنسان" الذي جاء ذكره كثيرا في كتاب الله.

السؤال: وما الجديد في ذلك؟ أليس فرعون هو الإنسان كما هم بقية الناس (من مثلي ومثلك)؟ 

جواب: كلا وألف كلا.

السؤال: لماذا؟

رأينا: لأني أنا شخصيا لست إنسانا. ولا أفضل أن أكون إنسانا.

جواب: إذا لم تكن أنت "إنسان" كما تزعم؟ فمن أنت إذن؟ هل أنت قرد أو حيوان؟ ربما يريد أن يرد محاورنا بكل أدب جم.

رأينا المفترى: أسأل الله وحده أن لا أكون إنسانا وأفضل أن أكون حيوانا؟

(دعاء: أللهم رب أدعوك وحدك أن لا أكون إنسانا، إنك أنت السميع العليم – آمين)

السؤال: لماذا لا تفضل أن تكون إنسانا؟

جواب: دعني أطرح التساؤل التالي على مسمع كل من يقرأ هذه السطور: هل محمد نفسه إنسان؟ وهل كان نوح أو إبراهيم أو موسى إنسانا؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري الظن بأن محمدا أو نوحا أو إبراهيم أو موسى أو عيسى أو كل عباد الله الصالحين لم يكونوا "إنسانا. انتهى.

السؤال: هل فعلا هذا قول يستحق أن يقرأ؟ وأين الدليل على ما تفتريه من قول؟ يسأل صاحبنا مستغربا.

جواب مفترى: دعنا ندقق في كل الآيات الكريمة التي جاء فيها ذكر مفردة الإنسان في كتاب الله، ثم نرى بعد ذلك ما يمكن لنا جميعا أن نستنبطه منها.

باب الإنسان في كتاب الله

قال تعالى:

يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)

وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26)

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4) 

وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا (11)

وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا (67)

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)

قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا (100)

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)

وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)

خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)

وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ (66)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12)

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8)

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7)

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)

أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77)

وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)

فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)

لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ (48)

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15)

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)

 خَلَقَ الْإِنسَانَ (3)

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)

أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ (3)

بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)

يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)

يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)

بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)

أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36)

هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)

يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ (35)

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)

فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ (24)

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)

فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)

فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)

وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23)

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4)

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)

عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)

كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6)

وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3)

إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)

إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)


لو دققنا في جميع هذه السياقات القرآنية السابقة الخاصة بمفردة الإنسان كما وردت في كتاب الله الكريم، لوجدناها تقع جميعا (نحن نفتري القول) في بابين اثنين رئيسيين، وهما:

1. باب الخلق
2. باب السلوكك

أما في باب الخلق، فإننا نجد الآيات الكريمة التالية، التي تتحدث على أن الإنسان لم يكن في الأصل شيئا مذكورا:

وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)

هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1)
وأن خلقه قد بدأ من طين:

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12)


وأن خلقه كان من صلصال من فخار:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26)

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)


وأن خلقه أصبح من نطفة:

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4)

أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77)

إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)


وأن خلقه جاء من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب:

فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)

وأن خلقه كان من علق:

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)

وأن الإنسان قد خلق ضعيفا:

يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)

وأن خلقه كان من عجل:

خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)

وأنه قد خلق هلوعا، وفي كبد:

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4)

وبالرغم من هذا كله، فقد جاء خلقه في أحسن تقويم:

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)

وأما في باب السلوك، فإننا نجد الآيات الكريمة التي تتحدث عن كفر الإنسان بنعمة ربه:

وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)

فالإنسان يئوس كفور:

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)

وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا (67)

وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ (66)


فهل ينطبق هذا على محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وكل عباد الله الصالحين؟

والإنسان ظلوم كفار:

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

والإنسان خصيم مبين:

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4)  أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77)

والإنسان دائما عجولا:

وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا (11)

والإنسان قتورا:

قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا (100)

والإنسان هو أكثر شيء جدلا:

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)

والإنسان هو الذي تقبل حمل الأمانة لأنه ظلوم جهول:

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)

والإنسان هو الذي ينسى نعمة ربه:

وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)

وهو الذي ينسب الفضل نعمة ربه إلى نفسه:

فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)

والإنسان دائم الدعاء بالخير ولكنه قنوط عندما يمسه الشر:

لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)

والإنسان هو صاحب الدعاء العريض عندما يمسه الشر:

وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)

وهو الذي يفرح بالنعمة ولكنه يكفر عندما تصيبه السيئة:

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ (48)فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)

فيكون بذلك كفور مبين:

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)


وهو الذي يخطئ التقدير فيقع عمله في باب الحسبة (التي لا خلو من الخطأ):

أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ (3)

بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)
يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)

يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)

بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)

أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36)

يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ (35)

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)

وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23)

عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6)

وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3)

إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)

وتكون النتيجة النهائية لذلك كله هو ما جاء في قوله تعالى:

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)

إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)

رأينا المفترى: لو تدبرنا هذه الآيات الكريمة التي تتحدث عن سلوك "الإنسان" جميعها، لوجدناها قد جاءت تتحدث عن الإنسان على سبيل الذم، أليس كذلك؟

السؤال: إذن، دعنا نطرح التساؤل التالي على الفور: هل يمكن أن يكون محمد إنسانا؟ فهل يمكن أن يكون محمد إنسانا والله هو من وصف الإنسان على أنه يئوس كفور وظلوم كفار وخصيم مبين وكفور مبين؟

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4) 

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15)

وهل يمكن أن يكون محمد إنسانا والله هو من وصف الإنسان على أنه لا يعترف بنعمة الله التي أنعمها عليه؟

وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)

إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
وهل يمكن أن يكون محمد إنسانا والله هو من تحدث عن نهاية الإنسان على النحو التالي:

كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6)

إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)

السؤال مرة أخرى: هل يمكن أن تنطبق مثل هذه السلوكيات على محمد (أو على نوح وإبراهيم وموسى)؟

رأينا: كلا، وألف كلا. 

السؤال: إذا لم يكن محمد كذلك، ألم يخلق محمد أصلا من نطفة كما جاء في قوله تعالى؟

يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26)

وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)

خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12)

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)

هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)

جواب: بلى. لقد خلق كذلك.

السؤال: وكيف إذن لا تعتبر محمدا إنسانا مادام أنه قد خُلِق من طين، ومادام أنه قد خُلِق من نطفة؟

رأينا المفترى: نعم، هنا نصل إلى غاية المقصد من كلامنا عن مفردة الإنسان في السياقات القرآنية كلها.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن محمدا (ونوحا وإبراهيم وموسى وفرعون وأنا وأنت) قد خلقنا بهذه الصفة (أي إنسان). ولكن في حين أن محمدا ونوحا وإبراهيم وموسى استطاعوا أن يتخلصوا من هذه الصفة (أي الإنسانية)، لم يتخلص فرعون منها، وها أنا وأنت نحاول جاهدين أن نتخلص منها.

(دعاء: أللهم أشهدك بأني أعلم أني قد خُلقت إنسانا ولكني أدعوك وحدك أن لا أموت كذلك)

السؤال: ما الذي تريد أن تقوله؟ لم أفهم ما تقصد. يرد صاحبنا قائلا.

تلخيص ما سبق: نحن نظن أن كل من بدأ الله خلقه من طين ثم من نطفة من ماء مهين، فهو يحمل هذه الصفة (الإنسان). ولكن الذين استطاعوا أن يحصلوا على الهداية من الله (كمحمد ونوح وإبراهيم وموسى)، فهم الذين استطاعوا أن يتخلصوا من هذه الصفة تماما. ولكن الذي لم يحصل على الهداية من الله (كفرعون) فقد استمر يحمل هذه الصفة. أما أنا وأنت فإننا نحاول (ما استطعنا إلى ذلك سبيلا) أن نتخلص منها.

السؤال: متى تخلص محمد مثلا من هذه الصفة (الإنسانية)؟

رأينا: نحن نظن أن محمدا قد خلق إنسانا، وظل يتصف بهذه الصفة مادام في الضلالة، وما تخلص منها إلى عندما هداه الله، مصداقا لقوله تعالى:

وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ (7)

إذن نحن نريد أن نميز بين فترتين زمنيتين في حياة محمد وهما:

1. فترة الضلالة

2. فترة الهداية

افتراء خطير جدا: خلال فترة الضلالة التي عاشها محمد، كان يتصف بصفة الإنسانية (فكان محمد إنسانا). ولكن وما أن وجده ربه ضالا وهداه حتى انقلبت الأمور تماما، فما عاد محمد إنسانا بعد هداية الله له:

وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ (7)

ولو راقبنا الحوار الذي دار بين موسى وفرعون من هذا الباب، لوجدنا السيناريو نفسه ينطبق على موسى، فهذا فرعون يوجه الحديث إلى موسى على أنه كان من الكافرين عندما فعل فعلته التي فعل:

وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)

فيرد عليه موسى (مصححا قول فرعون الذي أخطأ في التقدير) بالقول:

قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20)

نتيجة مفتراة: عندما فعل موسى فعلته التي فعل، كان لا يزال من الضالين، فكان (نحن نفتري الظن) لازال يحمل صفة الإنسان، وما تخلص منها إلا بعد أن هداه الله صراطه المستقيم؟

وهذا المنطق ينطبق أيضا على إبراهيم الذي قال في قومه:

وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن هناك حد فاصل في حياة كل من يولد إنسانا، عندها يصبح لزاما عليه أن يختار في أن يبقى إنسانا أو أن يتحول، وهذا الحد الفاصل هو- برأينا – سن الأربعين، مصداقا لقوله تعالى: 

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)

فإذا ما اختار الإنسان الذي بلغ سن الأربعين أن يشكر نعمة ربه التي أنعمها عليه وعلى والديه وقرر أن يعمل صالحا يرضاه ربه، فعاد إلى ربه مسلما تائبا، فهو بذلك قد اختار الطريق السليم وهي التخلص من الإنسانية، وأما إذا قرر خلاف ذلك، فإننا نظن أن قول الحق التالي ينطبق عليه:

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) 

(دعاء: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبيت إليك وإني من المسلمين)

وليس أدل على ذلك مما فعل الإنسان (فرعون) الذي رفض أن يتذكر أو أن يخشى، فالله هو من بعث موسى وأخاه هارون إلى فرعون بالرسالة التالية:

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)

فما كانت ردة فعله إلا التكذيب:

وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)
نتيجة مفتراة: نحن نظن أنه لو كانت ردة فرعون على نحو أن يتذكر أو أن يخشى، لخرج من نطاق إنسانيته، ولما استمر في طغيانه.

السؤال: ما المطلوب من الإنسان أن يفعل حتى يخرج من نطاق إنسانيته؟

جواب مفترى: نحن نفتري الظن بأن الإنسان (أي إنسان) يستطيع أن يتخلص من إنسانيته بواحدة من طريقين أو بالطريقين معا، وهما:

1. أن يتذكر، أو

2. أن يخشى

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: إن هذا النقاش يعيدنا إلى القضية الكبيرة جدا التي تطرقنا لها في سلسلة مقالاتنا تحت عنوان باب الأمانة، الخاصة برحلة الإنسان في الوجود. طارحين التساؤلات التالية:

- متى بدأت؟

- كيف بدأت؟

- ولماذا حصلت على هذا النحو؟

- وإلى أين ستنتهي؟

- الخ.

لذا، أدعو القارئ الكريم إلى العودة إلى سلسلة تلك المقالات من أجل متابعة النقاش في هذا الجزء من المقالة)

تلخيص الافتراءات السابقة التي جاءت في سلسلة تلك المقالات

أولا، لقد افترينا القول حينئذ بأن خلق الإنسان (كل إنسان) قد بدأ مع خلق آدم نفسه. فنحن كنا متواجدين كبشر (وليس كـ ناس) مع خلق آدم نفسه، وقد كنا حاضرين بصورنا (أي بهيئاتنا الحالية دون تغيير) قبل أن يطلب الله من الملائكة السجود لآدم، مصداقا لقوله تعالى:

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11)

لذا، نحن نفهم أن خلقنا وتصويرنا قد حصل قبل حدوث الطلب الإلهي (أو بكلمات أدق الأمر الإلهي للملائكة) السجود لآدم. 

ثانيا، ما أن تم خلقنا وتصويرنا حينئذ حتى تم إيداعنا جميعا كذرية في ظهر أبينا الأول آدم، فحصل السجود من قبل الملائكة لآدم ونحن متواجدين في ظهره كذرية.

ثالثا، ما أن انتقلت تلك الذرية في ظهور الآباء حتى حصل أمر جلل، يتلخص بقول الحق في كتابه الكريم:

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)  

لذا، حصلت منا الشهادة بأن الله هو وحده ربنا.

ثالثا، حصلت المعصية الأولى من قبل آدم، فتحولت الآلية في الإنجاب من الخلافة التي كان الله يريدها لآدم:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)
إلى الملك الذي أرداه الشيطان لآدم:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)

رابعا، كانت أول نتائج هذا التحول هو نزع اللباس عن آدم وزوجه:

يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)

وكان ذلك – برأينا- سبب نشوء العلاقة الجنسية الحميمة بنسختها الجديدة التي نعرفها.

خامسا، أصبح من مسلمات تلك العلاقة انتقال الذرية من ظهور الآباء إلى بطون الأمهات

سادسا، كانت الذرية في ظهور الآباء شاهدة كلها لله بالربوبية:

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)

سابعا، انتقلت الذرية من ظهور الآباء لتمكث في بطون الأمهات فترة تسعة أشهر (أي فترة الحمل حتى الوضع)

ثامنا، كانت أول ثمرات مكوث الذرية في بطون الأمهات هذه الفترة الطويلة من الزمن أن خرجوا جميعا لا يعلمون شيئا:

وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)

السؤال: ما الذي نفهمه من هذا كله؟

جواب مفترى: إن ما نحاول تبيانه جاهدين هو الظن بأن الله خلقنا بشرا:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28)

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71)


ولكننا أصبحنا أناسا بسبب المعصية التي غيرت طريقة الإنجاب والتكاثر، فبدل أن نكون خلائف في الأرض، أصبحنا ذرية بعضها من بعض. ولم يسلم من هذه المعادلة إلا عيسى بن مريم.

الدليل

قال تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)

فكل من خلق من ذكر وأنثى فهو إذن من الناس. وبناء عليه يخرج من هذا التصنيف (الناس) ثلاثة، هم:

1. آدم

2. زوجه

3. عيسى بن مريم

السؤال: ما الذي حصل مع كل واحد من هؤلاء الثلاثة؟

رأينا المفترى: أما آدم فقد خلق بشرا:

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71)

ولكنه نسي فما كان له عزم على ذلك:

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)

فنسي، فتحول بسبب هذا النسيان (نحن نفتري القول) إلى أن يصبح إنسانا، وهناك تلقى من ربه كلمات:

فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)

أما زوج آدم، فهي لم تخلق أصلا من ذكر وأنثى أصلا، لذا فهي لم تخسر الكثير، وذلك لأنها لم تنزل عند رغبة الشيطان، فلم تنسى كثيرا، فما حملت من التكليف ما حمل زوجها، ولازالت تشعر بنعيم الجنة حتى اليوم. وليس أدل على ذلك من شعورها بحب الحلي والزينة (انظر ماذا ستفعل النساء في الجنة). وسنتحدث عن هذا بالتفصيل بحول الله وتوفيقه عندما نتحدث عن أسورة فرعون. فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يجعل فضله وحده عليّ عظيما – آمين.

أما عيسى بن مريم فلم ينسى، فكان كلامه الأول في المهد على النحو التالي:

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)
النتيجة المفتراة: نحن نظن أن رحلتنا في هذا الكون قد بدأت على أساس البشرية ثم تحولت إلى الإنسانية (بسبب النسيان)، فأصبحت مهمة هذا الإنسان (الذي نسي) الرجوع مرة أخرى إلى بشريته بعد أن يستطيع التخلص من عبء الإنسانية الذي أثقل كاهله.

افتراءات خطيرة جدا جدا: نحن نظن بأن

- البشرية هي صفة فطرية في الخلق

- الإنسانية هي صفة مكتسبة وليست فطرية في الخلق

- النسيان هو الذي سبب ذلك

- الإنسانية هي إذن تدرجية تزيد وتنقص

- الإنسانية تختلف من شخص إلى آخر، فتزداد الإنسانية في الشخص كلما زاد نسيانه وتقل كلما تذكر

- الإنسانية يمكن التغلب عليها بالخشية

- الخ.

نتيجة مفتراة خطيرة جدا: كلما زادت إنسانيتك زاد كفرك، قال تعالى:

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) 

باب القتل

سنحاول فيما تبقى من هذا الجزء من المقالة تبيان افتراءنا بأن فرعون (بشخصه) كان يمثل قمة الإنسانية، فهو الشخص الذي تنطبق عليه الآيات القرآنية التي تتحدث عن الْإِنسَانَ بسلوكياته المذمومة التي جاءت في آيات الكتاب الحكيم التي أوردناها سابقا، ونعيدها هنا لتأكيد الفكرة نفسها ثم نحاول بعد ذلك المضي قدما في النقاش الخاص بشخص فرعون نفسه، قال تعالى:

وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)

وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا (67)

وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ (66)

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (4) 
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77)

وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا (11)
قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا (100)وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)

وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)

فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)

لَّا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)

فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ (48)
فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)

وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا ۚ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15)

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)

أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ (3)

بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)
يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)

يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)

بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)

أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36)

يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ (35)

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)

وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23)

عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6)

وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا (3)

إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)

إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
 

وقد كان فرعون بشخصه هو فقط من ادعى لنفسه الإلوهية والربوبية، وتجرأ على مقاتلة رب موسى، فما كان نصيبه أكثر من القتل:

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)
السؤال: كيف حصل ذلك؟

رأينا: إن هذا الظن يدعونا إلى محاولة تدبر مفردة القتل في سياقاتها القرآنية، مبتدئين النقاش بالافتراء الخطير التالي: القتل لا ينهي الحياة. انتهى.

السؤال: أين الدليل على أن القتل لا ينهي الحياة (كما تزعم)؟ يسأل صاحبنا مستغربا.

جواب مفترى من عند أنفسنا: دعنا نتدبر ما جاء في الآية الكريمة التالية:

وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن هناك من يقتل في سبيل الله، فالبعض كان يحسب (من باب الخطأ) أن من قتل في سبيل الله قد مات، وهذا ما جاءت الآية الكريمة السابقة لتصححه. فالظن بأن المقتول في سبيل الله هو من الأموات هو قول يقع في باب الحسبة الخاطئة (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا)، والحق هو أن من قتلوا في سبيل الله هم أحياء (بَلْ أَحْيَاء)، ولكن حياتهم هذه هي عند ربهم (بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). واقرأ – إن شئت- الآية الكريمة السابقة كلها مرة أخرى:

وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)

والله ينهانا في الآية الكريمة الأخرى التالية أن نقول لمن يقتل في سبيله أمواتا:

وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ (154)

لكن المشكلة تكمن في أننا لا نشعر بذلك (وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ)، فيقع فعلنا كله في هذا المجال في باب الحسبة (وَلاَ تَحْسَبَنَّ).

عندما يقتل شخص في سبيل الله، يظن الكثيرون بأن حياة هذا الشخص قد انتهت عند هذه اللحظة التي قتل فيها، فتنطلق ألسنتهم بالقول بأن هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله هم أمواتا، فيكون قولهم هذا من باب الحسبة الخاطئة، لأن الحقيقة هي أن هؤلاء ليسوا أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وإن كنا لا نشعر بذلك.

السؤال: كيف يمكن أن نفهم ذلك؟ هل فعلا يكون المقتول في سبيل الله حي عند ربه يرزق؟ وما فائدة ذلك؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري الظن أن من قتل في سبيل الله حي عند ربه يرزق وذلك لأن أجله المسمى عند ربه لم يحين بعد. انتهى.

السؤال: ما معنى هذا؟ لم أفهم شيئا. يرد صاحبنا قائلا.

رأينا المفترى: نحن نظن أنه يجب علينا أن نميز بين نوعين من الوفاة وهما:

1. الوفاة بالموت

2. الوفاة بالقتل

فقد تحصل الوفاة للشخص بالموت وقد تحصل الوفاة له بالقتل. والفرق بينهما يتمثل بأن الوفاة بالموت تحصل بسبب حضور الأجل المسمى عند الله أما الوفاة بالقتل فتحصل قبل حضور ذلك الأجل.

الدليل

لو تفقدنا الآية الكريمة التالية لوجدنا أن هناك أجل مسمى. وإذا ما حضر هذا الأجل المسمى فإن من الاستحالة بمكان أن يستقدم الإنسان ساعة أو أن يستأخر ساعة:

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (61)

وهنا بالضبط (نحن نفتري القول) يحصل الموت:

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61)

وهنا بالضبط (نحن نفتري القول) تحصل الوفاة بالموت، ويكون الموكل بوفاتك هنا هو ملك الموت:

قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)

وهنا بالضبط (نحن نفتري القول) يتوفى الله بنفسه نفسَ من مات:

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)

نتائج خطيرة جدا جدا مفتراة من عند أنفسنا:

- هناك أجل مسمى عند الله لكل شخص

- إذا حضر هذا الأجل وقع فعل الموت

- إذا وقع فعل الموت بالأجل المسمى عند الله يصبح من الاستحالة بمكان أن يتقدم الشخص ساعة أو أن يستأخر ساعة

- يكون الموت (ككينونة) هو الذي ينهي حياة الشخص الذي حضره الأجل المسمى عند الله

- تقوم رسل ربنا (وبالذات ملك الموت الذي وكّل بنا) بفعل الوفاة، فهو الذي يتوفانا

- يكون الله نفسه هو الذي يتوفى النفس، أي نفس الشخص الذي مات.

نتيجة خطيرة جدا جدا: يشترك في إنهاء حياة الشخص الذي حضره الأجل المسمى ثلاثة أطراف، وهم:

- الموت

- ملك الموت

- الله

وتكون مهمة كل طرف على النحو التالي:

1. الموت (الذي يجيء ككينونة) هو الذي يسبب نهاية حياة الشخص

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61)

2. ملك الموت هو الذي يتوفى الشخص

قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)

3. الله هو الذي يتوفى نفس الشخص

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ...

تلخيص ما سبق: إذا ما حصلت الوفاة للشخص بالموت عند حضور الأجل المسمى، يجيء الموت (ككينونة) ليكون السبب في إنهاء حياة هذا الشخص، ويتوكل ملك الموت حينها بوفاة هذا الشخص، ويتوكل الله نفسه بوفاة نفس هذا الشخص الذي مات. وفي هذه الحالة يستحيل الرجوع: 

فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (87)

لهذا، نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الموت لا يجيء (ككينونة) إلا حين يحضر الأجل المسمى عند الله، فيجيء الموت ليسبب نهاية حياة هذا الشخص، ويحضر معه ملك الموت (كرسول من ربنا)، وتتلخص مهمة هذا الرسول (المسمى بملك الموت) بأن يتوفى الشخص الذي قضى عليه الموت، فيكون ذلك الشخص في عهدة هذا الملك (أي مدون في سجلاته)، ويتولى الله بنفسه وفاة نفس هذا الشخص الذي قضى عليه الموت. 

السؤال: كيف يمكن أن نفهم هذا الكلام المفترى؟

فلسفة وجودية جديدة: ثلاثية الجسد والنفس والروح

دعنا نحاول تبيان ذلك بطرح تصورنا لفكرة الموت، كما نفهمها (ربما مخطئين) من الآيات الكريمة. 

بداية، نحن على العقيدة التي مفادها أن الإنسان ككينونة يتشكل من ثلاث طبقات (أو مستويات)، وهي على الترتيب:

1. مستوى الجسد

2. ومستوى النفس 

3. ومستوى الروح

فحتى تحصل الحياة للشخص، فلابد من تجمّع هذه المستويات معا، فخلق الإنسان (نحن نفتري القول) قد مر بهذه المستويات الثلاثة. فالله هو الذي خلق بشرا من طين (مستوى الجسد)، وقام بعد ذلك بتسويته (أي وضع النفس فيه)، ثم نفخ فيه روحه (مستوى الروح)، فكان حيا:

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) 

فحتى أصبح كائنا حيا (بصورته النهائية)، مر هذا الكائن بثلاثة مراحل متتابعة وهي مرحلة الخلق (الجسد من طين) ثم مرحلة التسوية (وضع النفس) وأخيرا مرحلة النفخ (أي الروح). وما كان قادرا على الحياة إلا بعد أن تجمعت هذه المستويات الثلاثة مع بعضها البعض، فشكلت كينونة واحدة، هي هذا الكائن الحي الذي نعرفه.

ولكي يتم إنهاء حياة هذا الكائن، لابد (نحن لازلنا نفتري القول) من تفكك هذه المستويات، ولكن بطريقة عكسية تماما:

1. خروج الروح

2. وفاة النفس

3. هلاك الجسد

السؤال: كيف يحصل ذلك؟

رأينا المفترى: عندما يحين الأجل المسمى عند الله، يجيء الموت، فيكون سببا في نهاية حياة الشخص، ويحصل ذلك بإخراج الروح من الجسد، أي تفريغ الجسد من الطاقة (الحرارة). فيبرد الجسد، ويؤدي ذلك إلى تعطل وظائف الأعضاء فيه تماما. ولتقريب الصورة دعنا نتخيل الروح ويكأنها مفتاح التشغيل في الآلة. فإذا ما تم إطفاء المحرك بالمفتاح، فإن حرارة الآلة تنفذ، وبالتالي تؤدي إلى تعطل عمل كل الأجزاء الأخرى في الآلة حتى لو كانت سليمة. 

وفي حالة الكائن الحي، فإن مجرد توقف الحرارة (الروح) فيه، فإن ذلك يؤدي إلى الموت المحتم إذا لم يتم التدخل السريع لشحن الجسم مرة أخرى، كما يحصل في حالات الإنعاش بالمستشفيات. فعندما يتم إحضار شخص إلى المستشفى في حالة تعطل لحرارة جسمه، تقوم فرق الإنقاذ بشحن الجسم بالكهرباء، في محاولة لتشغيل الدينامو المولد للطاقة في الجسم، وهو القلب. فيصعق قلب المريض بالشحنات الكهربائية، وإذا ما نجحت المحاولات، فإن الشخص يعود إلى الحياة، وتستمر أعضاء جسمه بالعمل كالمعتاد. 

نتيجة مفتراة مهمة جدا: إذا ما خرجت الروح (أي الحرارة) من الجسم يمكن إعادتها إذا حصل تدخل طبي مباشر.

السؤال: لماذا تنجح بعض محاولات الإنعاش؟ ولماذا تفشل بعض المحاولات؟ أي متى يمكن أن تنجح محاولة إعادة الروح (الحرارة أو الطاقة) للجسم ومتى تفشل؟

رأينا المفترى الخطير جدا جدا: نحن نظن أن محاولات الإنعاش (أي إعادة الطاقة) للجسم لا يمكن أن تنجح إذا كان الموت هو الذي قضى نفس الإنسان. لكن بالمقابل إذا لم يكن الموت هو سبب الوفاة، فإن محاولة الإنعاش يمكن لها أن تنجح بالتدخل الطبي المباشر.

السؤال: لماذا؟

جواب مفترى: لأن الموت لا يجيء إلا إذا قضى الأجل المسمى عند الله. انتهى.

السؤال: وهل يمكن أن تحصل الوفاة للشخص دون حضور الموت (ككينونة)؟

جواب مفترى خطير جدا: نعم. يمكن أن تحصل الوفاة للشخص بدون حضور الموت.

السؤال: ومتى يكون ذلك؟

جواب: بالقتل.

السؤال: وكيف ذلك؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أن القتل يحصل قبل أن يأتي الأجل المسمى عند الله. انتهى.

الدليل

لو تفقدنا السياقات القرآنية الخاصة بالقتل على مساحة النص القرآني لوجدنا أن القتل هو فعل غالبا ما يقوم به الناس بحق بعضهم البعض، أو بحق أنفسهم. فها هو الأمر الإلهي قد جاء بني إسرائيل بأن يقتلوا أنفسهم:

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)

وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (56)

الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (168)

وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)

وهذا هو النهي إلهي عن أن يقتل الإنسان ولده:

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)

قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)

وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (12)

وها هم آل فرعون يقتلون أبناء بني إسرائيل:

وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)

وقد كان موسى يخاف أن يقتله بنو إسرائيل حتى بعد أن طلب الله نفسه منه أن يأتيهم:

وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (11) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ (15)

وبالفعل كان الملأ يأتمرون به ليقتلوه:

وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)

وذلك لأن موسى قد قتل منهم نفسا:

قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33)

وها هم الناس يقتلون بعضهم البعض:

فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)

اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)

قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)

مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)

فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)

وها هم بعض الناس يقتلون أنبياء الله:

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61)

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (112)


والله نهانا عن قتل النفس بغير حق:

وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا (33)

والقتل يقع بحق الصيد:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95)

وهذا هو جزاء القتل المتعمد

وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)
وهذا هو جزاء القتل الخطأ:

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)

السؤال: ما الذي يمكن أن نستنبطه من هذا كله؟

رأينا المفترى: نحن نظن أننا نستطيع تقديم الاستنباطات المفتراة من عند أنفسنا التالية عن القتل:

- القتل فعل يقوم به الناس بحق بعضهم البعض، كقتل الناس العاديين، وكقتل الأنبياء، وكقتل الأولاد

- القتل قد يكون خطأ

- القتل قد يكون متعمدا

- القتل الخطأ له كفارة

- القتل المتعمد جزاءه جهنم

- القتل يقع بحق الصيد

- الخ

السؤال: لماذا يسمى ذلك قتلا؟

جواب مفترى: لأن ذلك قد وقع قبل أن يأتي الأجل المسمى عند الله. لذا فإن جزاءه النار إذا كان متعمدا، وله كفارة إن كان القتل قد وقع خطأ.

السؤال: كيف يقع القتل قبل أن يأتي الأجل؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أنه إذا حصلت الوفاة للشخص قبل أن يأتي الأجل المسمى عند الله، فإن ذلك لا يقع في باب الموت، وإنما يقع في باب القتل، فالذي يقتل في المعركة قد حصلت له الوفاة بالقتل وليس بالموت:

وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)

وكذلك هو قتل الأنبياء بغير حق، وكذلك هو قتل الآباء أولادهم أو قتل الأمهات أولادهن، وهكذا هو قتل الصيد. الخ.

السؤال: كيف يمكن أن نفهم ذلك؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: لو تفقدنا الآية الكريمة التالية:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (2)

لوجدنا أن الدقة في التدبر تتطلب منا التفريق بين أجلين، هما:

1. الأجل

2. الأجل المسمى عند الله

فلقد مضت سنة الله في الخلق أن يكون هناك أجل (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً) كما قضت سنته أن يكون هناك أجل مسمى عنده (وَأَجَلٌ مُّسمًّى). وبناء على هذا (كما نفهمه)، فإننا نتجرأ على الافتراءات التالية:

- نهاية حياة هذا الكائن (الإنسان) قد تحدث بالأجل الأول أو قد تحدث بالأجل الثاني (وهو الأجل المسمى عند الله)

- إذا حصلت النهاية لحياة الإنسان بالأجل الأول فإن الموت (ككينونة) لا يمكن أن يكون هو السبب في ذلك، فيسمى ذلك قتلا، وتكون نهاية هذا الكائن قد حصلت بالقتل وليس بالموت.

- إذا حصلت النهاية لحياة الإنسان بالأجل الثاني (أي الأجل المسمى عند الله) فإن الموت (ككينونة) هو السبب في ذلك، ويسمى ذلك وفاة بالموت وليس بالقتل.

الموت أو القتل: فلسفة جديدة

نحن على العقيدة التي لا تتزحزح بأن الله لا يظلم مثقال ذرة:

إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)
فقضى مشيئته بأن يكون لجميع الخلق أجل مسمى عنده. ويكون سببه الموت (ككينونة)

ولكن لم يقضي الله مشيئة بأن لا يظلم الناس أنفسهم، فوقع الظلم من الناس لأنفسهم:

إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)

فكان هناك (نتيجة ظلم الناس أنفسهم) أجل آخر قد يسبق الأجل المسمى عند الله، وهذا ما يمكن أن يكون سببه الناس أنفسهم.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 1: هناك لكل إنسان أجلان

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 2: هناك أجل (ثُمَّ قَضَى أَجَلاً)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 3: هناك أجل مسمى عند الله (وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ)

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: قضت مشيئة الله أن يخلق، فكان هذا الكائن بشرا، فقضى لهذا الكائن أجلا مسمى عنده، فكان من العدل الإلهي أن يقضي لكل إنسان الأجل نفسه (أي بنفس المقدار)، فكان هذا هو – برأينا- الأجل المسمى عند الله. فلو لم يحصل ظلم للناس من أنفسهم لحصلت الوفاة بالموت للناس جميعا بهذا الأجل المسمى عند الله. فالله (نحن نتخيل) قد قدر أعمار الناس كلهم لتكون متساوية تماما، فكان من المفترض أن يعيش كل إنسان العمر نفسه الذي يعيشه غيره، فلا تحصل الوفاة بالموت لأحد قبل أن يحين هذا الأجل المسمى عند الله.

ولكن لمّا كان هناك فرصة أن يظلم الناس أنفسهم، أصبح من الممكن أن تحصل الوفاة للناس قبل هذا الأجل المسمى عند الله، وهنا يمكن أن يقضى أجل قبل الأجل المسمى عند الله. فيحصل التفاوت في الوفاة بين الناس، مصداقا لقوله تعالى:  

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)

نتائج مفتراة من عند أنفسنا:

1. إذا لم يقع ظلم للناس على أنفسهم من أنفسهم، فإن الإنسان يعيش الفترة الزمنية بطولها حتى يبلغ الأجل المسمى عند الله، وهنا بالضبط يمكن أن تحصل الوفاة للشخص بالموت، ويقوم بتنفيذ بذلك الموت نفسه:

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61)

2. إذا وقع ظلم للناس على أنفسهم، فإن ذلك يؤدي إلى أن يقضى أجل قبل الأجل المسمى عند الله، وهنا بالضبط تحصل الوفاة للشخص بالقتل، ويقوم بتنفيذ ذلك القاتل وليس الموت.

3. لذا وجب علينا التفريق بين الموت (ألذي هو من الله وينفذه الموت نفسه) والقتل (الذي هو من عند الله ولكنه ليس من الله) وهو الذي لا ينفذه الموت:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144)

الدليل

تساؤلات

- لماذا قضى الله أن يكون هناك عقاب للقاتل المتعمد وهو الخلود في النار؟

- لماذا شرع الله أن يكون هناك كفارة للقتل الخطأ؟

 - إن صح منطق الفكر الشعبي السائد بأن كل ذلك من الله (وهو ما نرفضه جملة وتفصيلا)، ألا يكون القاتل منفذا لقضاء الله؟ فلم يعاقب الله من يقوم بتنفيذ قضاءه؟

- لم يكون الشعور بالحزن متفاوتا في حالة القتل المختلفة؟ فلم يزداد الشعور بالحزن كلما كان المقتول أصغر في العمر؟

- الخ.

تخيل عزيزي القارئ أنك كنت تقود سيارتك ، وحصل (لا قدر الله) أن أصدمت بشخص في الطريق، فكانت النتيجة قتل هذا الشخص، فماذا ستكون ردة فعلك لو كان هذا الشخص قد بلغ من العمر السبعين أو الثمانين من العمر؟ وماذا ستكون ردة فعلك لو أن هذا الشخص المقتول كان في الثلاثين أو الأربعين من العمر؟ وماذا ستكون ردة فعلك لو أن هذا المقتول لازال شابا صغيرا أو حتى طفلا؟ ألا يزداد شعورك (وكذلك شعور الناس من حولك) بالحزن كلما كان المقتول أصغر في العمر؟ فلماذا؟ نحن نتساءل.

جواب مفترى: نحن نظن أن الشعور بالحزن يزداد كلما كان المقتول أصغر في العمر وذلك لأنك أنت (القاتل) قد كنت سببا في قضاء الأجل الأول بفترة زمنية أطول. فلو تخيلنا مثلا بأن الأجل المسمى عند الله هو مئة عام، أي كان من المفترض أن يعيش هذا الشخص (المقتول) مئة عام، وكنت أنت سببا في وفاته بالقتل في سن الطفولة، كأن يكون عمر المقتول حينئذ عشرة أعوام، فتكون أنت قد سلبت هذا الشخص (المقتول) تسعين عاما من عمره الافتراضي. فالمقتول الذي كنت أنت سببا في أجله هذا قد فقد من عمرة (أي أجله المسمى عند الله) تسعين عاما، وهذه لا شك فترة زمنية طويلة. ولكن لو كان عمر الشخص المقتول ثلاثين عاما، فأنت تكون قد تسببت في أن يفقد هذا الشخص 70 عاما، وهذه أيضا فترة زمنية لا بأس بها، وفي هذه الحالات يكون شعورك (وشعور جميع الناس من حولك) هو الحزن الشديد. ولكن لو كان عمر الشخص المقتول خمسين عاما، لخف الحزن بعض الشيء لأن الشخص المقتول قد تمتع بخمسين عاما سبقت، وسلبته أنت خمسين عاما كان من المفترض أن يعيشها لو لم تتسبب أنت في أجله هذا. ولو أن الشخص المقتول كان قد بلغ من العمر ثمانين عاما، لخف الحزن كثيرا، لأنه قد تمتع بثمانين عاما من عمره وما تبقى إلا عشرين عاما.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: يزداد الحزن في حالة القتل كلما كان المفقود من العمر الافتراضي (أي الأجل المسمى عند الله) أكثر.

تبعات هذا الظن.

نحن نفتري القول بأن الله قد شرع كفارة للقتل الخطأ تتمثل في تحرير رقبة (وفي الصيام لمن لم يجد) وفي الدية المسلمة إلى أهل المقتول:

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92)

السؤال: كم يجب أن تكون مقدار الدية المسلمة إلى أهل المقتول؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري الظن بأن الدية المسلمة إلى أهل المقتول يجب أن تتناسب تناسبا عكسيا مع عمر المقتول وطرديا مع مقدار الفترة الزمنية المفقودة.

السؤال: وكيف يكون ذلك؟

رأينا المفترى: دعنا نحدد السقف جدلا (أقول جدلا) بأن السقف هو مئة عام. فإذا كان المقتول قد وصل من العمر ثمانين عاما، وجب على القاتل (الذي تسبب في وفاة المقتول) أن يدفع دية (كتعويض) بمقدار ما فقده المقتول من العمر أي عشرين عاما. ولكن إن كان المقتول قد بلغ من العمر خمسين عاما، فإن الدية لا شك – عندنا- يجب أن تكون أكبر، أي بمقدار الخمسين عاما التي فقدها المقتول (وأهله بالطبع). ولو كان المقتول طفلا يبلغ العاشرة من العمر، وجب على القاتل أن يدفع ديّة بالمقدار الذي يعوض عن فقدان تسعين عاما من العمر. وهكذا.

دعنا نحاول تبسيط الفكرة باستخدام الأرقام الافتراضية. فلو افترضنا أن الدية هي بمقدار ألف دولار للعام الواحد. فلو أنت قتلت شخصا يبلغ من العمر عشرة أعوام، فإنك تكون بذلك قد تسببت في خسارة تسعين عاما من حياة الشخص حتى يبلغ الأجل المسمى عند الله، لذا وجب عليك أن تدفع دية مسلمة إلى أهله بمقدار تسعين ألف دولار (أي ألف دولا عن كل عام واحد). ولكن لو أنت قتلت شخصا يبلغ من العمر سبعين عاما، فإنك تكون قد تسببت له في خسارة ثلاثين عاما من عمر المقتول، لذا وجبت عليك دية بمقدار ثلاثين ألف دولارا وهكذا. وهذا ما يسمى عندنا بدفع جزاء المثل كما جاء في كفارة قتل النعم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95)

الغرب يطبق الإسلام أكثر من بلاد المسلمين

لاحظ القوانين التي تضعها الدول المتقدمة في أدب التعامل مع الطريق مثلا. فلو راقبنا تشريعاتهم لوجدنا أنها تلزم السائق بتوخي أقصى درجات الحذر على الطريق في حالة وجود الأطفال، فعليك أنت كسائق المركبة أن تتوقف توقفا تاما على مسافة معقولة لإتاحة الفرصة للطفل أن يستخدم الطريق بكل حرية، ولكن لا نجد مثل هذا الحذر واجبا في حالة وجود البالغين من الناس على الطريق.

السؤال: لماذا؟

رأينا: نحن نظن أنه من الفطرة البشرية أن لا يتسبب الإنسان في قتل النفس، ويتناسب هذا الاهتمام عكسيا مع عمر المقتول. فكلما كان المقتول أصغر في العمر كلما وجب الحذر أكبر. 

تلخيص ما سبق: نحن نحاول التمييز بين الموت من جهة والقتل من جهة أخرى. فافترينا الظن بأن الموت لا يحين إلى بالأجل المسمى عند الله، ويتولى تنفيذه الموت نفسه الذي يجيء بنفسه ككينونة، ولكن القتل يحين بالأجل الذي يسبق الأجل المسمى عند الله، ويتولى تنفيذه القاتل، ولا علاقة للموت به. 

السؤال: كيف تتم الآلية في كل حالة؟

جواب: هذا ما سنحاول تبيانه في الجزء القادم من المقالة بحول الله وتوفيق منه، والهدف من هذا النقاش كله هو محاولة الوصول إلى قصة فرعون الذي لم يقضي عليه الموت، ولم تكن نهايته سابقة للأجل المسمى عند الله، فما مس فرعون طوال حياته سوء ولا فحشاء. فعاش حياة سليمة تماما. واستطاع أن يواجه رب موسى مواجهة شخصية، حتى كانت نهايته بالقتل. 

دعاء: أسأل الله وحده أن ينفذ مشيئته وإرادته لنا الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيرنا، إنه هو العليم الحكيم، وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا. وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، فالله وحده أدعو أن أكون ممن أتوه بقلب سليم، فهداهم الصراط المستقيم، إنه هو العليم الخبير – آمين.


المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان & المهندس يزن علي سليم الجراح


بقلم د. رشيد الجراح