قصة يونس - الجزء الخامس والثلاثون



قصة يونس - الجزء الخامس والثلاثون

بداية، لابد أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى أننا سنخوض في هذا الجزء الجديد من المقالة في قضايا جدلية غاية في الخطورة، سيكون لها – لا شك عندنا- تبعات جمّة على مجمل العقيدة من الجانب النظري والتطبيقي، لذا فإننا نطلب من القارئ الكريم ما يلي:

أولا، مراعاة أقصى درجات الدقة في التعامل مع الألفاظ، فقد يجد القارئ الذي لم يعتاد أسلوب كتابتنا صعوبة كبيرة في متابعة النقاش، وذلك لأن خلط المفردات ستؤدي بالضرورة (نحن نرى) إلى ضبابية التفكير وبالتالي صعوبة إدراك المراد من النقاش، فنحن نظن أنه مادامت الألفاظ مرسومة في ذهن القارئ بطابعها التقليدي الذي اعتاد عليه، فلن يستطيع التمييز مثلا بين الوفاة من جهة والموت من جهة أخرى، أو بين الموت والقتل، أو بين الشهيد ومن قتل في سبيل الله، وهكذا. فلقد اعتاد العامة من الناس (نتيجة الفوضى في استخدام المفردات من قبل أهل الدراية والمتكلمين المفوهين على منابر الخطابة)على خلط هذه المفردات، فهي إذن – برأينا- مرسومة في ذهنهم على أنها مفردات متعددة للمفهوم ذاته، وهو ما نرفضه جملة وتفصيلا.

ثانيا، نحن نظن أن القارئ الكريم قد يجد صعوبة في النقاش أيضا لأن كثيرا من الأفكار التي ستطرح هنا قد سبق التطرق لها في مقالات سابقة، لذا نحن نرى ضرورة قراءة تلك المقالات السابقة كلما تمت الإشارة لها في سياق الحديث لاحقا، لتصبح الفكرة أكثر وضوحا في ذهن القارئ. وبالتالي متابعة النقاش بكل يسر وسهولة.

ثالثا، ضرورة عدم العجلة في الاستنباط قبل نهاية النقاش، وذلك لأن النتائج ستكون غاية في الغرابة، وهو ما قد لا يرضاه العقل الذي انطبع على حب المألوف كما وردنا من عند أهل الدين.

رابعا، نحن نؤكد أن القارئ قد يجد أيضا صعوبة في متابعة النقاش وذلك لضعف القدرة عندنا على توصيل المراد كما يجب، فقد لا يستطيع الكاتب تجلية الأفكار التي تدور في خلده بالصورة نفسها على الورق. لذا، نحن نراهن على ذكاء القارئ وفطنته في التقاط الأفكار حتى وإن خانته قدرة الكاتب اللغوية على صياغتها بالشكل المناسب.

خامسا، نحن لا نملّ من تكرار مقولتنا المعتادة بأن ما سنفتريه لاحقا لا يعدو أكثر من أفهام بشرية قابلة للنقاش، فقد يثبت صحت بعضها (ما ثبت الدليل عليها)، وقد يبين خطأ بعضها (إن لم يكن الدليل كافيا لإثباتها). فإن نحن أصبنا، فذلك فضل من الله وتوفيق منه، وإن نحن أخطأنا فذلك مما كسبت أيدنا، ولكنا لا نعدم اليقين الإيماني بأن الله هو من يهدي من يشاء من عبادة إلى نوره ليخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه. فالله وحده نسأل أن يهدينا إلى نوره، فلا نفتري عليه الكذب، ولا نقول عليه ما ليس لنا بحق، إنه هو الواسع العليم.

أما بعد، 

كان جلّ النقاش في الجزء السابق من هذه المقالة منصبا على محاولتنا التمييز بين الموت من جهة والقتل من جهة أخرى. فنهاية حياة الإنسان تتم بطريقتين اثنتين، هما:

- الموت

- القتل

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144)
ولا شك عندنا أن الموت هو النهاية الطبيعية لحياة الإنسان، وهذا – برأينا- لا يحصل إلا عندما يحين الأجل المسمى عند الله:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (2)

وفي هذه الحالة (أي عندما يحين الأجل المسمى عند الله) يتولى الموت نفسه (ككينونة) إنهاء حياة الإنسان:

وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ (61)

قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8)


ولكن – بالمقابل- عندما تحصل نهاية لحياة الإنسان بالقتل، فإن الموت (ككينونة) لا يتدخل في ذلك، ويكون القاتل هو المسئول الأول والأخير. وفي هذه الحالة يُقضى الأجل الأول قبل أن يقضى الأجل المسمى عند الله:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (2)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: هناك إذن أجل قد يقضى قبل أن يقضى الأجل المسمى عند الله، وهو ما يكون سببه (نحن نفتري القول) القتل وليس الموت.

ولو حاولنا ربط هذا الموضوع بما افتريناه في مقالة سابقة لنا تحت عنوان "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه"، لربما صحّ لنا أن نميز بين نوعين من النهاية، وهما

- الوفاة

- القتل

أما الوفاة فتتفرع إلى نوعين، وهما:

- الوفاة بالموت

- الوفاة بالنوم

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)

ويتفرع القتل إلى نوعين أيضا، وهما:

- القتل الخطأ

- القتل المتعمد

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)

السؤال: كيف تتم الآلية في كل حالة من هذه الحالات؟

باب الوفاة

هنا تجدر الإشارة إلى التفريق بين الموت (ككينونة) من جهة وملك الموت (ككينونة أخرى) من جهة أخرى، لنقدم بناء على ذلك الافتراءين الخطيرين التاليين:

افتراء (1): الموت هو الذي ينهي الحياة عندما يقضى الأجل المسمى عند الله

افتراء (2): ملك الموت هو الذي يتوفى كل من يموت

ولو تفقدنا السياقات القرآنية الخاصة بالوفاة، لوجدنا لزاما التفريق بين الوفاة التي يقوم بها الله بنفسه والوفاة التي يتوكل بها ملك الموت. وبناء عليه نحن نقدم الافتراءين الخطيرين التاليين:

افتراء (1): الله هو الذي يتوفى الأنفس

افتراء (2): ملك الموت هو الذي يتوفى من يموت

وبناء على هذا، يجب التمييز بين الشخص (الذي يتوفاه ملك الموت) ونفس الشخص (الذي يتوفاها الله بنفسه)
وبهذا يكون التمييز واجبا بين الإنسان من جهة ونفسه من جهة أخرى:

بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)

وبناء عليه يجب أن نفرق بين من يتولى وفاة الإنسان (وهو ملك الموت) ومن يتولى وفاة نفس الإنسان (وهو الله)

الدليل

نحن نفتري القول بأن الله هو من يقوم بوفاة الأنفس، مصداقا لقوله تعالى:

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)

نتيجة مفتراة (1): الله يتوفى الأنفس

نتيجة مفتراة (2): الله يتوفى الأنفس في حالة الموت

نتيجة مفتراة (3): الله يتوفى الأنفس في حالة النوم

نتيجة مهمة جدا جدا: وفاة الأنفس فعل خاص بالله فلا يتدخل في ذلك غيره. 

السؤال: لماذا يتولى الله بنفسه وفاة الأنفس؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن السبب في وفاة الله للأنفس يتمثل في أن هذه النفس هي الأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان:

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)

ولما كانت الأمانات تؤدى إلى أصحابها:

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)

وجب أن ترجع (نحن نفتري القول) هذه الأنفس (التي هي أمانة عند الإنسان) إلى صاحبها وهو الله:

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28)

(للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان: باب الأمانة)

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن يقضى الأجل حتى يحدث تفكك لمكونات الإنسان الثلاثة وهي الجسد والنفس والروح بطريقة عكسية، فالموت أو القاتل يقضي على الروح (أي الحرارة أو الطاقة المشغلة للجسم وللنفس)، وعندها ترجع النفس مباشرة إلى ربها، وتصبح في عهدة الإله نفسه، فيتم مسكها من قبل الله، وتخزن في صناديق خاصة ليتم استخراجها في يوم الحساب الكبير:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)

فتنتقل النفس إلى ربها لأن الله جعل على كل نفس حافظ:

إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)

وما أن ترجع النفس إلى ربها حتى يتولى ملك الموت وفاة الشخص الذي رجعت نفسه إلى ربه، ويتم التخلص من الجسد بالدفن في التراب.

السؤال: ما الذي يحصل في حالة القتل؟

قال تعالى:

وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)

في هذه الحالة يقوم القاتل بالفعل الذي كان من المفترض أن يقوم به الموت في حالة مجيء الأجل المسمى عند الله، فيسكت تلك الروح (الحرارة) المشغلة للنفس والجسد، ولكن لما كان القاتل قد استبق الأمر، فهو إذن قد كان سببا في أن يقضى الأجل الأول قبل مجيء الأجل المسمى عند الله. فيقوم بإطفاء الروح، فيقع بذلك فعل القتل، فيصبح لزاما أن ترجع نفس المقتول إلى ربها ليتوفاها بنفسه، ولكن تحصل – برأينا- الفارقة العجيبة التالية: لا يحضر ملك الموت ليتوفى المقتول كما في حالة الموت بمجيء الأجل المسمى عند ربك. وذلك لأن هذا الشخص المقتول لم يحن أجله بعد. فلا يتم تسجيل الميت بالقتل (أي وفاته) في سجلات ملك الموت، وينتظر ملك الموت حتى يحين الأجل المسمى عند الله ليسجل المقتول في سجلاته (أي ليتوفاه). 

السؤال: كم يمكث ملك الموت منتظرا؟

جواب مفترى: يمكث ملك الموت منتظرا طوال الفترة الممتدة بين القتل (الذي يحين بالأجل الأول) والموت (الذي يحين بالأجل المسمى عند الله). انتهى.

السؤال: ما معنى ذلك؟

تخيلات مفتراة من عن أنفسنا: تخيل أن فلانا قد قتل في سبيل الله وهو في سن الأربعين من العمر، ولكن أجله المسمى عند الله هو مثلا مئة عام. وفي هذه الحالة، ينتظر ملك الموت (نحن نفتري القول) فترة ستين عاما حتى يعمد إلى وفاة الشخص المقتول. وما أن يحين الموعد حتى يحضر ملك الموت ليتوفى المقتول (أي ليتم تسجيله في سجلاته) التي وكلّ بها:

قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)

السؤال: ما الذي يحصل خلال فترة الانتظار هذه؟

جواب مفترى: نحن نفتري القول بأن المقتول في سبيل الله يبقى حيا يرزق عند ربه حتى يحين أجل المقتول المسمى عند ربه:

وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)

حياة من قتل في سبيل الله عند ربه: الفكر الشعبي بقالب قتل جديد 

كثيرا ما سمعنا من عند أهل العلم (في مختلف العقائد الدينية) بأن جثة الذي قتل في سبيل الله (وهو من يسمونه شهيدا بمفرداتهم) لا تتحلل، أليس كذلك؟

رأينا: إن صحّ منطق علمائنا الأجلاء بأن جثة الذي قتل في سبيل الله لا تفنى، فإننا نظن أن الأمر (إن صحّ طبعا) يكون على النحو المفترى التالي: نحن نفتري الظن بأن حياة الذي قتل في سبيل الله ليست أبدية كما ظن أهل الدراية من قبلنا. وهي متفاوتة من شخص إلى آخر، وتعتمد على مقدار المدة الزمنية المتبقية لكل شخص حتى يحين أجله المسمى عند ربه. فلو افترضنا أن المقتول قد فارق الحياة في سن الأربعين، بينما أجله المسمى عند ربه هو مئة عام، فإن ذلك المقتول في سبيل الله يبقى حيّا عند ربه يرزق مدة ستين عاما. ولكن لو أن المقتول في سبيل الله قد فارق الحياة في سن الستين عاما لظل حيّا عند ربه يرزق مدة أربعين عاما.

السؤال: كيف يمكن أن نفهم ذلك على أرض الواقع؟

جواب مفترى: لو تأكدنا بأن شخصا قد قتل في سبيل، فما علينا إلا أن نراقب جثته في قبره، فنحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن جثة هذا الشخص الذي قتل في سبيل الله لن تتحلل على الفور، بل ستمكث فترة من الزمن حتى تبدأ بالتحلل، وهذه الفترة هي الفارق الزمني بين أجله الذي قتل فيه وأجله المسمى عند ربه. بينما في حالة من مات بطريقة طبيعية (أي لم يكن قتلا في سبيل الله)، فإن جثته ستبدأ بالتحلل على الفور. 

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن نفس المقتول في سبيل الله تنتقل على الفور إلى ربها، وهناك يتم النفخ فيها من جديد، فتعود مدركة واعية، تعمل بكامل طاقتها. أما في حالة الموت الطبيعي (أي إذا لم يكن الشخص قد قتل في سبيل الله)، فإن نفسه لا ينفخ فيها من جديد، وإنما يتم إيداعها على الفور في ذلك الصندوق المحكم عند الله إلى يوم البعث المعلوم حتى يتم حسابها بعد أن تخرج من مخزنها:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)

ولما كانت تلك النفس قد فقدت الروح (النفخ)، لذا يبدأ جسد الميت بالتحلل على الفور.

السؤال: لماذا يتم النفخ في نفس من قتل في سبيل الله؟

رأينا: دعنا نتصور الأمر على النحو التالي: تصور أن شخصا ما قد شارف على الهلاك بسبب حادث مروري أو نوبة قلبية، ولكن تم نقل المصاب إلى المستشفى قبل أن تخرج نفسه من جسده، ألا يستطيع الأطباء أحيانا إنقاذ الشخص في غرفة الإنعاش (غرفة الحياة) بصعقه بالشحنات الكهربائية التي تعيد عمل قلبه، ولكن ما الذي يمكن أن يحصل لو أن الشخص لم ينقل في الوقت المناسب إلى المستشفى، ألا يكون ذلك موتا مؤكدا؟ 

جواب مفترى: نحن نتخيل أن هذا ما يحصل في حالة من قتل في سبيل الله، فيتم نقله إلى "المشفى الإلهي"، وهناك يصار إلى صعقه بالشحنات الكهربائية (الروح) لتشتغل نفسه من جديد. فيكون بذلك حيا عند ربه يرزق وإن كنا لا نشعر بذلك:

وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ (154)

وتظل الروح عاملة في نفسه، مشغلة لها حتى يحين الأجل المسمى عند الله، وهناك بالضبط (نحن نفتري الظن) يأتي الموت فيقضي عليه، ويتولى ملك الموت وفاته، وترجع نفسه المطمئنة إلى ربه، فيتم إيداعها في ذلك الصندوق المحكم إلى يوم البعث المعلوم. ومنذ تلك اللحظة يبدأ جسده بالتحلل الطبيعي كما لو أنه مات في هذه اللحظة.

السؤال: من هو الذي قتل في سبيل الله؟

رأينا الخطير جدا جدا: دعنا نترك الفكر الشعبي الذي صور أن المقتول في سبيل الله هو من فقد حياته في ساحة المعركة لحظة من الزمن، ثم لنتصور الأمر بطريقة أخرى، ربما قد لا تلقى رواجا عند العامة وأهل الدين، لأنها لا شك تخالف كل الموروث العقائدي، لا بل وربما تقلبه (إن صحت) رأسا على عقب. فنحن نرى (ربما مخطئين) بأن المقتول في سبيل الله هو حالة واحدة فقد، تتمثل فقط في من فقد الحياة الدنيا من أجل غاية نبيلة واحدة وهي: أن تكون كلمة الله هي العليا. انتهى.

السؤال: هل تريد أن تقول بأن القتل في ساحة المعركة ليس قتلا في سبيل الله؟

جواب: نعم، هذا ما أريد قوله شريطة أن نفهم الأمر على النحو التالي: ليس كل من قتل في ساحة المعركة هو مقتول في سبيل الله. 

السؤال: إذا كان القتل في ساحة المعركة ليس قتلا في سبيل الله، فما هو القتل في سبيل الله إذن؟

رأينا: لعلنا لا نختلف في أن كل ما ورثناه من عند أهل الدين في كل العقائد خاصة السماوية منها كاليهودية والمسيحية والإسلامية تروج للفكرة التي تروق لهم بأن من قتل في ساحة المعركة هو في سبيل الله (أي شهيد بمفرداتهم)، أليس كذلك؟

السؤال المربك لنا: ما الذي يحصل في حالة تلاقي جيوش هذه العقائد ضد بعضها البعض؟ فمن من القتلى من هؤلاء الجيوش التي تصارع بعضها البعض وتحمل جميعها لواء الدفاع عن دينها هو "شهيد" (أي مقتول في سبيل الله)؟ أم هل تظن أن هذا يقاتل في سبيل الله وغيره لا يقاتل في سبيل الله؟ فلم إذن يرفع كل منهم صوته عاليا بأنه هو (وليس خصمه) من يقاتل في سبيل الله؟ أم هل أن القتلى من كل الأطراف هو "شهيد"؟

رأينا المفترى: نحن ننفي جملة وتفصيلا أن يكون أيا من القتلى (من جميع الأطراف) "شهيدا" (بمفرداتهم) إلاّ إذا كان فعلا يدافع ليكون كلمة الله هي العليا.

السؤال: وكيف يمكن لنا أن نعرف ذلك؟

رأينا المفترى الخطير جدا جدا لا تصدقوه (1): نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأنه من الاستحالة أن يكون يحصل القتل في سبيل الله إلا لمن كان مدافعا.

رأينا المفترى الخطير جدا جدا لا تصدقوه (2): نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأنه من الاستحالة أن يحصل القتل في سبيل الله لمن كان مهاجما.

قصة موسى مع رجل بني إسرائيل: رؤية جديدة

يدخل موسى المدينة على حين غفلة من أهلها فيجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه، فيستغيثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، فما يكون من موسى إلا أن يكز الرجل فيقضي عليه:

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17) 

وفي صبيحة اليوم التالي يستصرخ الرجل نفسه موسى ليقتل رجلا آخر:

فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18) 

فما يكون من موسى إلا أن يريد أن يبطش به، فكان جواب هذا الرجل على الفور موجها إلى موسى نفسه على النحو التالي (قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ):

فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)

نتيجة مفتراة: كان موسى هو القاتل (أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ)، أليس كذلك؟

السؤال: لماذا كان موسى قاتلا؟

جواب: لأن موسى كان هو المهاجم.

السؤال: لماذا كان الرجل من آل فرعون هو المقتول؟

جواب: لأن الرجل كان في حالة دفاع.

قصة ابني آدم بالحق: رؤية جديد

يقدم ابنا آدم قربانا لفضّ الخلاف بينهما، فيتقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فلا يروق ذلك لمن لم يتقبل الله منه، فيتوعد أخاه بالقتل:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)

فما كانت ردة الأخ الآخر الذي تقبل الله منه أكثر من التسليم بالقول:

لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)

فيعمد الأخ إلى قتل آخيه بعد أن طوعت له نفسه ذلك:

فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)

السؤال: لماذا كان الأخ الأول قاتلا؟

جواب: لأنه هو من كان في حالة الهجوم.

السؤال: لماذا كان الأخ الآخر مقتولا؟

جواب: لأنه كان في حالة دفاع.

قتل أنبياء الله: رؤية جديدة

كانت المنة الإلهية تتمثل في أن يجعل من بيننا أنبياء، فجاءوا أقوامهم بكلمة الحق، فما كان من تلك الأقوام إلا قتل هؤلاء الأنبياء:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91)

لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155)


السؤال: لماذا كان القوم هم القاتلون؟

جواب: لأنهم كانوا في حالة هجوم.

السؤال: لماذا كان الأنبياء هم المقتولون؟

جواب: لأنهم كانوا في حالة دفاع.

السؤال: ما علاقة هذا بالقتل في سبيل الله؟

رأينا: هذه قصة ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى:

وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (24) إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)

السؤال: ماذا كانت ردة فعل قومه؟

جواب مفترى: قتله على الفور بدليل نهايته التي تصوره حيّا عند ربه يرزق:

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)

السؤال الكبير جدا: هل حمل هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله (كالأنبياء وهؤلاء الصالحين) السلاح في وجه خصمهم؟ وهل كانوا (كما تصورهم آيات الكتاب الحكيم) في طرف الهجوم أم في طرف الدفاع؟ 

رأينا المفترى: لو كان هؤلاء في وضعية هجوم، لوجدناهم يحملون أسلحتهم، ليرفعوها في وجه خصمهم، أليس كذلك؟

السؤال: ما هي أسلحتهم التي كان يتسلح بها كل من قتل في سبيل الله؟

رأينا المفترى الخطير جدا جدا: إنها الكلمة.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن من قتل في سبيل الله لا يحمل سلاحا سوى الكلمة، فهو لا يشهر سلاحا في وجه خصمه ولا يكون في حالة هجوم أبدا. وليس أدل على ذلك من قتل الأنبياء. فلا أخال أن أنبياء الله الذين قتلهم أقوامهم قد حملوا السلاح وشهروه في وجه خصمهم، بل كان جلّ ما فعلوه هو الوقوف إلى جانب الحق بالكلمة ولا شيء غير الكلمة. انتهى.

نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: نحن ننفي أن يكون أحد قد قتل في سبيل الله إلا من كان سلاحه الكلمة. انتهى.

رسالة شخصية إلى علماء الجهاد والنكاح

إن من أكبر المصائب الذي ابتلي بها هذا الدين هم أولئك الرجال أصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة الذين ظنوا أن ذروة سنام الدين هو حمل السيف في وجه البشرية كلها، وهم يظنون في الوقت ذاته أن غاية هذا الدين هو تلك الجنة المليئة بالحور العين المنتظرات لهم على سرر مرفوعة، والمتجهزات لحفلات الخمر والمضاجعة.

فهم (نحن نفتري القول) الذين صوّروا للنشء من أبناء هذه الأمة بأن أعظم فعل يستطيع "المسلم" القيام به هو حمل سيفه والخروج إلى ساحة المعركة لقتل كل من لا يتقبل عقيدتهم، ثم الظفر بالغنائم المتمثلة بأموال العدو ليأخذوها إلى بيت مالهم، والظفر بنساء الأعداء الحسناوات ليستحلوا فروجهن (ومن أراد المجادلة فليرجع إلى الجزء الرابع من كتاب الترغيب والترهيب)، والظفر كذلك بأولاد وغلمان العدو ليكونوا لهم رقيقا، فيستعبدوهم إن شاءوا أو يبيعونهم ليسددوا ديونهم ومستحقاتهم المالية المتأخرة عليهم من أيام الحج إلى البيت العتيق. فهذا هو نصيب من نجا منهم من القتل في ساحة المعركة.

أما من فقد حياته في ساحة المعركة، فإن نصيبه يتمثل بوفرة الحور العين في الجنات المليئة بالعسل المصفى والخمر الذي هو لذة للشاربين وباللبن الذي لم يتغير طعمه، وبالولدان المخلدون الذين يطوفون عليهم بأكواب وأباريق، أليس كذلك؟ من يدري؟!

السؤال: وما الذي يضيرك في ذلك؟ يسأل صاحبنا مستغربا من لهجة خطابنا التي يظن أنها تهكمية.

أولا، إن ما يضيرني في ذلك هي الصورة الذهنية التي أتخيلها لتلك الجنة التي رسموها لنا، فهي جنات فيها المسكرات من المشروبات وفيها النساء (الحور العين) المتجهزات للجنس غير المحكوم بأي ضابط. فأنا أدعو القارئ الكريم أن يتخيل معي (إن شاء) ماهية تلك الجنات (كما صوروها لنا) بعد كل ما يحصل فيها من قذف بالعمليات الجنسية التي تحصل فيها. فهل يروق لك (عزيزي القارئ) العيش في مثل تلك الأماكن كجنات فعلا نظيفة يطيب فيها السكن والخلود أبدا؟!

فقط تخيل معي أولئك الرجال (أصحاب اللحى الطويلة والثياب القصيرة) وقد فضوا بكارة الحور العين بالعمليات الجنسية التي لا تتوقف (كما تصورها كتبهم)، فهل يروق لك أن تتواجد في تلك الأماكن؟! من يدري؟!!!

ثانيا، إن ما يضيرني أكثر هو تلك الصورة الذهنية التي رسموها لهذا الدين في مخيال الذين لا ينتمون إليه. فهم الذين ظنوا أن الالتحاق بالدين الإسلامي يجب أن يتم عنوة (أي بالسيف). فجهزوا جيوشهم على مدار القرون (كما فعلت جيوش كثير من أهل الشرائع التي سبقتهم) وغزوا البلاد الأخرى بحجة نشر الدين، ظانين أنهم بذلك هم الذين يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، في حين أن شريعة الله الخالدة قد سطرتها الآيات الكريمة التالية في كتاب الله الحكيم:

وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا (29)

لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)

السؤال المربك: إذا كانت سنّة الله قد قضت بأنه لا إكراه في الدين (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، فلم نجهز الجيوش لغزو الآخرين من أجل أن يؤمنوا شاءوا أم أبوا؟ وإذا كانت مشيئتهم هي الكفر (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)، فلم نطلب منهم أن تكون مشيئتهم الإيمان ولا شيء غير الإيمان؟!

رأينا المفترى: نحن لا نتقبل إطلاقا ما فعلته كثير من جيوش الإسلام (وجيوش غيرهم) عبر القرون من الزمن. فنحن على العقيدة التي مفادها بأن جيش الإسلام هو جيش دفاع لا جيش هجوم. انتهى.

السؤال: هل جننت يا رجل؟ ألا ترى أنك قد تجاوزت كل الحدود؟ فما الذي يجب على جيش المسلمين فعله؟ ألا يحق لجيش المسلمين الهجوم على الأمم الأخرى لنشر دين الله؟

رأينا: تمهل عزيزي القارئ واسمع ما سنقول لك في هذا المقام قبل أن تتهمنا بما ليس فينا. فنحن لا نقبل أن توضع الكلمات في أفواهنا. لأننا ربما نرى ما لا ترون.

أما بعد،

فقه خروج الجيش المسلم إلى بلاد غير المسلمين: رؤية جديدة

أولا، نحن نظن أن الغاية الأساسية من وجود جيش للمسلمين هو من أجل الدفاع عن المسلمين وعن بلاد المسلمين ضد المعتدين، فجيش المسلمين لا يخرج إلى البلاد الأخرى ليحتلها ويستبيح حرمات أهلها من أجل إجبار الآخرين على الدخول في دين الله بالإكراه ما دام أن عقيدة المسلم مبنية على الأساس المتين بأنه لا إكراه في الدين. لكننا نرى في الوقت ذاته أنه إذا ما تم الاعتداء على مسلم على وجه الأرض وإذا ما اعتدي على شبر واحد من أرض المسلمين في كل أصقاع المعمورة، أصبح لزاما على جيش المسلمين أن يتحرك لنصرته، فجيش المسلمين هو جيش دفاع لا جيش هجوم. ولو تفقدنا سيرة النبي محمد في المدينة المنورة، لوجدنا أن كل الحالات التي حرّك فيها محمد جيشه ضد عدوه تقع في خانتين وهما:

1. للدفاع عن نفسه وعن مدينته كما حصل في غزوات بدر وأحد والخندق

2. للدفاع عن المسلمين وعن حلفاء المسلمين كما حصل في غزواته ضد يهود المدينة وفي فتح مكة

وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)

ثانيا، نحن نعتقد جازمين أنه يحق لجيش المسلمين أن يتحرك ضد أي أمة على وجه الأرض ليغزوها في عقر دارها في حالة واحدة فقط ألا وهي: إذا منعت سلطات تلك البلاد إتاحة الفرصة لإيصال كلمة الإسلام إلى مواطنيها، فضيقت الخناق في مجال حرية الاعتقاد على رعاياها. وهنا جاء – برأينا- الخلط في الفهم عند علماء الإسلام. 

السؤال: وكيف يمكن أن نفهم ذلك؟

رأينا: نحن على العقيدة التي مفادها أن محمدا لم يكن يهدف من غزواته جلب أموال الأمم الأخرى إلى بيت مال المسلمين، فحمد (نحن نؤمن) يفهم أن ربه لا يحب المعتدين. كما أننا لا نعتقد أن محمدا كان يحاول من وراء الخروج بجيشه إلى الآخرين الظفر بنساء وغلمان الأمم الأخرى. فغاية محمد كانت تتمثل في إيصال دين الله الحق إلى الناس دون إجبارهم على الدخول في الإسلام كرها، لأن الآيات الكريمة التالية هي (نحن نفتري القول) هي المرشدة له في هذا الهدف:

مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)

وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18)


نتيجة مفتراة: نحن نفتري القول بأن مهمة محمد لا تتعدى البلاغ.

السؤال: كيف يمكن تطبيق ذلك على أرض الواقع في كل الأزمنة والعصور؟

رأينا: لمّا كانت من واجبات الرسول هي إيصال الرسالة إلى الناس كافة، ولما كانت مهمتنا أيضا تتمثل في متابعة هذه الغاية من بعده، أصبح لزاما على حكومات أهل الأرض كلها أن تفتح المجال لأهل الإسلام لتبليغ هذه الرسالة إلى الناس بالطريقة السلمية (أي بالكلمة)، دون إجبار الناس في تلك البلاد على اعتناق رسالة الإسلام، فالدخول في دين الله أو عدم الدخول في دين الله هو حق يعود للشخص نفسه دون إجبار ولا إكراه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وبناء عليه نحن نرى (ربما مخطئين) بأنه لا يحق لحكومات الأرض على اختلاف عقائدها أن تجبر أحدا على الدخول في الإسلام أو أن تمنع أحد عن الدخول في الإسلام. 

ونحن نرى أيضا (ربما مخطئين) بأن هذا الحق ليس حركا على المسلمين، بل يجب على حكومات بلاد المسلمين أن تفتح المجال أمام أهل الشرائع الأخرى أن توصل رسالتها إلى الناس في بلاد المسلمين، ولا يحق لحكومات بلاد المسلمين أن تجبر أحدا من رعاياها (حتى المسلمين منهم) على اعتناق تلك الشرائع أو أن تمنع أحدا عن اعتناق تلك الشرائع.

وبهذا المنطق المفترى من عند أنفسنا، يصبح الباب مفتوحا في كل أصقاع الأرض للدعوة بحرية وبالطرق السلمية (أي بالكلمة) أمام كل الشرائع. لتكون الغلبة في نهاية المطاف للشريعة الحق، الشريعة التي يرى الناس بأنفسهم أنها دين الله الخالد. وهذا برأينا ما يمكن أن يصاغ تحت عنوان حرية الاعتقاد.

السؤال: لماذا يجب أن تكون الحال على هذا النحو؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن العقيدة السليمة هي التي تستطيع أن تدافع عن نفسها. فإذا كانت العقيدة صحيحة سليمة (ربانية) فهي – برأينا- قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها، ولا تحتاج إلى سيف مسلط على رقاب الناس لتقبلها. فصاحب البضاعة السليمة لا يخشى على بضاعته من الكساد، بل يتفاخر بها لأنها بضاعة تسوق نفسها بنفسها. وصاحب هذا البضاعة السليمة القادرة على المنافسة هو شخص دائم الدعوة لغيره إلى المنافسة بطريقة شريفة سليمة تخلو من الغش والخداع واستخدام القوة. أما صاحب البضاعة الفاسدة فهو الذي يخشى كساد بضاعته وهو الذي قد يلجأ إلى التحايل والخداع، لا بل واستخدام القوة أحيانا للترويج لبضاعته. 

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: إن مهمة أتباع أي شريعة على الأرض تتمثل في إبراز عقيدتهم بمجملها وبتفاصيلها للناس، فلا يجعلها قراطيس يبدي ما يشاء منها ويخفي كثيرا منها، لأن هذا المنهج الفاسد هو ما حذرنا الله منه يوم سلكه من سبقنا من الأمم:

وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)

فالتنافس الشريف المحكوم بالمقاصد السليمة وبالآلية السلمية بين هذه الشرائع هو ما يجلّي للناس العقيدة السليمة من العقيدة الفاسدة والمحرّفة. فالذي يؤمن أن ما جاءه من ربه هو هدى ونور لا يخشى أن يقدمه للناس كما هو، وذلك لأن العامة من الناس في كل أصقاع الأرض تتوق إلى معرفة الحقيقة، ولا شك عندنا أن العقيدة السليمة هي التي تخرج الناس من الظلمات إلى النور. لذا يصبح لزاما على المنظرين المدافعين عن عقائدهم من أهل الدين (من مختلف الشرائع) أن يبينوا للناس الآلية التي من خلالها يتم إخراجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم. فلا يجب أن يكون الهدف هو إثبات إرث الآباء كما ألفوه، وإنما الوصول إلى الحقيقة المطلقة بغض النظر عن صاحبها. لكن الواقع الأليم الذي نعيشه بسبب ما أوقعنا به أهل الدين يتمثل في أن أصحاب الشرائع الدينية يبذلون جهدهم في البحث عن الدليل الذي يثبت صدق دعوتهم وتكذيب دعوى غيرهم. ويكأن لسان حالهم يقول أننا نحن فقط أصحاب الحق المطلق وغيرنا لا يعدو أن يكون أكثر من كاذب مروج لبضاعة فاسدة. والأخطر من هذا يتمثل في أنه إذا ما ثبت لديهم أنهم مخطئون لجئوا إلى الغش والتحايل لا بل واستخدام القوة للدفاع عن ألإرث الذي ألفوا عليه آباءهم. فهدهم إذن ليس الوصول إلى كلمة الحق (كما أرادها الله) بل إثبات أن ما ألفوا عليه آباءهم هو الحق بعينه بغض النظر عن الطريقة والآلية.

السؤال: إذا كان أهل شريعة ما يظنون أنها هي الحق بعينه، فلم إذن يخافون من المواجهة مع الشرائع الأخرى بالطرق السلمية (بالكلمة)؟ ولم يوصدون الباب في وجه غيرهم من أصحاب الشرائع الأخرى التي يظنون أنها باطلة؟ ولم يلجئون إلى استخدام القوة في فرض وجهة نظرهم؟ أليس هذا هو الظلم والاعتداء؟

وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)

نتيجة مفتراة: إذا كنا نحن المسلمين نظن بأن ديننا هو الحق، فلم إذن لا نقبل المواجهة الفكرية؟ ولم نخاف من الشرائع الأخرى؟ ولم نمنع أهل الشرائع الأخرى عن نشر دعوتهم بالطرق السلمية؟ ألا نؤمن بأن الغلبة لا محالة هي لدين الله الحق؟

كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)

مفارقات عجيبة: لم نطلب نحن المسلمين أن تبنى المساجد في كل الأرض، ونفرح بذلك، ونحتج بأشد الطرق المتاحة لنا على كل من يمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ويسعى في خرابها، وفي الوقت ذاته لا نتقبل أن تبنى كنيسة واحدة أو معبد واحد على أرضنا؟ لم نقيم الدنيا ولا نقعدها إذا ما أرادت طائفة (غير مسلمة) أن تمارس طقوس وشعائر عبادتهم على أرضنا؟ ألم تأت نص الآية لكريمة على النحو التالي:

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)

فلِم نُطالب بهدم الصوامع والبيع والصلوات، بينما نطالب بإقامة المساجد فقط؟ لماذا إذا رفضت سويسرا مثلا أن تُبني فيها المآذن، يقف الخطباء منا على المنابر ليتهموهم بالتعصب والكرة للإسلام، بينما لا نتهم أنفسنا بالتعصب عندما نرفض أن يبنى معبد للبوذيين أو الهندوس في دبي أو المنامة أو أن تبني كنيسة أو دير في عمان أو القاهرة؟ ولم نقيم الدنيا ولا نقعدها فوق رؤوس من يريد أن يعبد ربه في معبد يهودي في صنعاء أو الرباط؟ أليس تلك إذن قسمة ظيزى؟! من يدري؟!!

ألا نجد المسلمين يفرحون بدخول اليهودي والمسيحي والبوذي في الإسلام ويعتبرون ذلك انتصارا لهم؟ فلم لا نتقبل أن يترك بعض المسلمين دينهم لاعتناق عقيدة غيرهم؟ هل نريد أن يكون الإسلام هو الدين الوحيد على الأرض؟ أليس الله هو من قضى مشيئته أن لا يؤمن الناس كلهم؟

وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99)

فلم إذن نُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين؟

وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99)

إن من أكبر البلاء الذي أصاب هذه الأمة هي – برأينا- تلك العقيدة التي سطرتها أقلام أهل الدراية كما نقلها لنا أهل الرواية والمتمثلة في استحلال دم من آثر ترك دين الإسلام. فنقلوا ما سموه بحديث نسبوه إلى محمد مفاده ما يلي:

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) رواه البخاري ومسلم .

السؤال: إذا كانت شريعة محمد هي استحلال دم المسلم إذا ترك دينه وفارق الجماعة، فهل نجد تطبيقا عمليا لذلك في حياة محمد؟ فهل حدث أن استحل محمد دم من كان مسلما وفارق الجماعة كما حصل مع بعض من هاجروا إلى الحبشة مثلا؟

وإذا كانت هذه شريعة محمد، فلم يوافق محمد نفسه أن تكون واحدة من شروط صلح الحديبية أن يرد محمد من جاءه مؤمنا مسلما من قريش بينما لا ترد قريش له من جاءها مرتدا تاركا لدين محمد؟ فهل يتهاون محمد في حد من حدود الله (كهذا) لو أن هذه فعلا من شريعته:

وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)

ولو وافقهم محمد على ذلك وهو ليس من شريعته ألا يكون بذلك قد ركن إليهم شيئا قليلا:

وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74)

فهل تعلم عزيزي القارئ ماذا كانت ستكون عليه عاقبة محمد لو أنه ركن فعلا إليهم شيئا قليلا. انظر الآية السابقة في سياقها الأوسع:

وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)

نتيجة مفتراة: ما كان محمد ليتهاون في الأمر لو أن ذلك من شريعته. انتهى. 

ثم، هل نجد تطبيقا عمليا لذلك في حياة الخلفاء الراشدين؟ فهل استحل أبو بكر مثلا دم من ترك دين محمد؟

ربما يريد البعض بالقول بأن ما يسمونها "حرب الردة" كانت لهذه الغاية، فنرد عليه بالقول بأن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، وذلك لأن قتال أبي بكر "للمرتدين" (إن صح التعبير) كان بسبب منعهم إياه زكاة أموالهم. فلقد واجه أبو بكر في بداية خلافته ثورة داخلية تمثلت في رفض جماعة من المسلمين دفع الزكاة لبيت مال المسلمين (انظر الجزء الثاني والثلاثين من هذه المقالة)، وكرئيس للدولة الناشئة كان على أبي بكر أن يتعامل مع هذا الشأن الداخلي المدني؛ فهو كخليفة للمسلمين لن يتهاون في حق من حقوق رعاياه. لذا جهز أبو بكر جيشه لإسكات هذا التمرد الداخلي.

ثم يأتي السؤال الأكبر، ماذا لو أردت أنا أن أتخلى عن دين الإسلام، هل يستطيع أحد أن يمنعني؟ ألا أملك من الطرق والوسائل ما يمكّنني من ذلك دون الوقوع في العقاب؟ ألا أستطيع مثلا أن أهاجر من بلاد المسلمين كلها إلى بلاد غيرهم ثم أعلن من هناك عداوتي للإسلام في بلاد الاغتراب كما فعل كثير من أبناء الإسلام على مر التاريخ؟ ألا أصبح بذلك شوكة في حلوق أهل الإسلام؟ ثم ألا أستطيع أن أتخلى عن الإسلام دون البوح بذلك حتى وأنا أعيش بين ظهراني أهل الإسلام؟ فمن يستطيع أن يكشف عن قلبي؟ ألا نجد في بلاد المسلمين من يعيش بينهم كمسلم بالهوية الشخصية وهو لا ينتمي إلى الإسلام بشيء؟ 

السؤال: هل نريد من الناس أن يكذبوا علينا أنهم مسلمين (خوفا من السيف المسلط على رقابهم فقط)؟ هل هذا هو الإسلام الذي نريده؟ وهل هؤلاء هم المسلمون الذين سيرفعون رايته ويدافعون عنه كلما لزم الأمر؟ من يدري؟!

نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن حرية العقيدة هي الحق الذي كفله الله للناس أجمعين لأنه لا أكراه في الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولا وصاية لمخلوق على عباد الله في هذا الجانب، فلا يحق لمحمد نفسه أن يكره الناس حتى يكونوا مؤمنين:

وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99)

لذا، نحن نرى أن كفالة حرية العقيدة التي نحاول الترويج لها تتمثل بالسطور التالية، ضمن قاعدة ترتيب الأولويات:

1. لا لاستخدام القوة في نشر الدعوة إلى الله

2. لا يحق للفرد استخدام السلاح على المستوى الشخصي تحت أي ذريعة كانت

3. لا يحق لمجموعة من الأفراد تنظيم أنفسهم كمجموعة قارة على استخدام السلاح لأي غرض كان

4. استخدام السلاح هو قرار الدولة نفسها

5. تنشر الدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة (كما فعل رسل الله جميعا)

6. قبول الدعوة إلى الله أو رفضها حق شخصي يعود للفرد نفسه

 7. حماية هذا الحق تكفله الدولة نفسها سواء كانت دولة مؤمنة أو دولة كافرة

8. إذا أخلت أي دولة بهذه الشروط فاعتدت على مواطنيها وجبت مقاتلتها

9. لا يحق لأي دولة على وجه الأرض أن تغلق أرضها أمام واجب نشر كلمة الله بالسلم
10. هذا حق مكتسب لكل الشرائع على وجه الأرض

11. المواجهة بين الشرائع المختلفة هي مواجهة فكرية بالكلمة فقط في كل أصقاع المعمورة

12. لا يحق لأي دولة أن تتدخل لصالح شريعة محددة على حساب الشرائع الأخرى

13. الخ.

مثال: متى يحق لي أن أقاتل حكومات أمريكيا أو روسيا أو اليابان أو جزر المالديف مثلا؟

بداية، لا يحق لي كشخص أن أقاتل أحدا لأن شريعة الله التي أعرفها تمنعني عن قتل نفس واحدة، لأن قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعا، قال تعالى:

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)

ثانيا، لا يحق لي أن أعمل تنظيما جماعيا لمقاتلة الآخرين، وذلك لأن في ذلك تفريقا لصف المسلمين، فالذين تحزبوا جماعات هم الذين فرقوا هذا الدين وجعلوا أهله شيعا:

مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)

فلا تفرح أخي المسلم أنك على الطريق الصحيح مادمت تنتمي إلى حزب محدد بعينه، فذاك ليس مدعاة للفرح لأنك أنت من شققت صف هذه الأمة وجعلت أهلها شيعا. فالله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص:

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (4) 

فلتعلم يا من حملت السلاح بمفردك ولتعلم يا من حملت السلاح مع مجموعة دون الأمة كلها أنك أنت من شققت هذا الصف. فلا تفرح كثيرا بمنجزاتك. فقد جلبت من الخراب أضعاف أضعاف ما تظن أنك حققته من إصلاح:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13)

ولو راقبت سلوك هؤلاء الأفراد وهذه المجموعات لوجدت أنهم يملكون خطابين: خطاب مع العامة من الناس وعلى الملأ وخطاب مع شياطينهم عندما يخلون بهم:

وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14)

فهؤلاء (أصحاب اللحى والعمائم) يخاطبون الناس على الملأ بخطاب الجماعة المسلمة الذين يحرصون على مصالح الجميع، ولكن تجدهم إذا ما خلو إلى شياطينهم من شياطين الإنس (الذين يوجهونهم وينظرون لهم) تجد أن خطابهم مختلف تماما. فهم يستهزئون من الجميع فلا يتقبلون إلا من آمن بعقيدتهم الخاصة كما روجها لهم شيطانهم الأكبر، فكل الناس الذين لا يقبِّلون يد شيخهم ولا يؤدون له طقوس والولاء والطاعة فهو عدو لهم وجبت مقاتلته. فنحن ننبّه هؤلاء إلى السؤال التالي: هل يجوز للمؤمن أن يظهر ما لا يبطن؟ وهل يجوز للمؤمن أن يقول ما لا يفعل؟ قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)

ثالثا، يصبح لزاما عليّ أن أطالب حكومة الدولة المسلمة أن تتحرك لنشر دين الله في تلك البلاد، ويجب أن يتم ذلك أولا بالطرق السلمية، أي بالكلمة الطيبة. لذا، على حكومة الدولة المسلمة أن تتحرك دبلوماسيا لتندد بالتضييق على حرية الاعتقاد في كل بقعة من بقاع الأرض. فواحدة من واجبات الدولة المسلمة (نحن نفتري القول) هو مراقبة حرية الاعتقاد على وجه الأرض. وإذا ما فشلت الدبلوماسية الإسلامية عن تحقيق هذه الغاية، بثني المعتدي الذي يمنع حرية الاعتقاد، صار هناك خياران لا ثالث لهما أمام حكومة الدولة المسلمة، وهما:

1. إذا كانت الدولة المسلمة قادرة على إحقاق الحق بالقوة، وجب عليها أن تفعل لثني المعتدي حتى لو حصلت المواجهة الفعلية في ساحة المعركة. وفي هذه الحالة يحق (نحن نرى) للدولة المسلمة أن تفرض على المعتدي الذي منع حرية الاعتقاد الجزية:

قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)
فالجزية المفروضة على هؤلاء هي من أجل ثنيهم عن ظلم الناس المستضعفين على أرضهم:

وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75)

وليست الجزية – برأينا- طريقة لإتخام بيت مال المسلمين بالغنائم، وسلب الآخرين مقدراتهم، وإنما هي وسيلة ضغط تمارس على المعتدي لثنيه عن ظلمه، وإحقاقا لحق المستضعفين في الأرض في كل مكان.

2. إذا كانت الدولة المسلمة غير قادرة على ثني المعتدي لأنه يملك من القوة ما لا تستطيع الدولة المسلمة مواجهته، لجأت الدولة المسلمة إلى سياسة الإغلاق (أي المقاطعة). وهذه المقاطعة تتمثل في قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المعتدي، وإغلاق حدودها أمام مصالح تلك الدولة المعتدية، فلا تستورد منها ولا تصدر لها، ولا تتقبل عضويتها في أي مكان تواجدت هي فيه. شريطة عدم المساس بحقوق الأفراد على أرضها، فتتكفل لهم بحرية الاعتقاد على أرضها، فلا يلحق أذى بأحد من رعاياها مهما كانت عقيدته، وذلك لأن المرشد لنا هو قوله تعالى:

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)

السؤال: لماذا خرج محمد بجيشه إلى بعض قبائل العرب من حوله كـ بني المصطلق مثلا؟ ولِم لم يخرج بجيشه إلى كل القبائل من حوله؟ ومن هم القبائل التي خرج إليهم محمد بجيشه؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نؤمن أن محمدا لم يخرج بجيشه إلى كل القبائل التي كانت تعيش من حوله، ونحن نؤمن كذلك بأن محمدا قد خرج إلى قبائل محددة (كبني المصطلق مثلا) ولم يخرج بجيشه إلى قبائل أخرى لسبب معلوم للجميع بالضرورة، ونحن نظن أن السبب في ذلك يعود إلى أن هذه القبائل التي خرج إليها محمد بجيشه هي القبائل التي منعت حرية الاعتقاد على أفرادها، فهي التي أنزلت العقاب بكل من سولت له نفسه اللحاق بركب محمد أو تغيير عقيدة آباءه وأجداده، وذلك لأنهم قوم لا يؤمنون بحرية الاعتقاد، ويقدسون موروثات الآباء والأجداد. لذا كان لزاما على محمد أن ينصر المستضعفين في الأرض حتى ولو لم يكونوا من رعاياه، وذلك لأن حرية الاعتقاد هي واجب مقدس كفله رب الناس للناس أجمعين، فلا يحق لأمة على الأرض أن تحضره على أحد من رعاياها. وليس أدل على ذلك من قرار محمد في لحظة تاريخية محددة بذاته أن يجهز جيشه للخروج به إلى مكة. فخروج محمد في نهاية دعوته إلى مكة بجيش عظيم كان مدفوعا (نحن نرى) بهذه الغاية، فلقد وصلت الوقاحة بسادة مكة وحلفاءهم أن يلحقوا الأذى بمن أراد أن يغير دينه. لذا نحن نتخيل أنه لما أصبح من المتعذر على سادة مكة وحلفائهم إلحاق الأذى بمحمد وأصحابه في المدينة لما تحصل لمحمد من قوة مادية يستطيع بها الدفاع عن نفسه وعن أصحابه، اتخذ هؤلاء السفهاء قرارهم بمحاربة دين محمد بطريقة أخرى، تتمثل في التضييق على رعاياهم في حرية الاعتقاد. فأنزلوا العقاب بكل من حاول تغيير دين آباءه. ولما انتهى الخبر إلى محمد، لم يكن ليسكت عن هذا الظلم الذي وقع على المستضعفين في الأرض، فكان لزاما عليه أن يتحرك بجيشه لنصرة المظلوم، لكي ينتهي هؤلاء السفهاء عن فعلتهم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)

فجاءت الدعوة الإلهية صريحة لقتال الذين يلون المسلمين من الكفار. ويكونوا بذلك قد نقضوا عهدهم وطعنوا في دين محمد وأصحابه:

وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12)

نتيجة مهمة جدا: كان الدافع عند محمد لقتال هؤلاء هو حتى ينتهي أئمة الكفر عن طغيانهم وإلحاقهم الأذى بغيرهم.

السؤال: لماذا يجب أن تكون هذه هي سياسة الدولة المسلمة؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن ذلك يجب أن يكون مدفوعا بالعقيدة الراسخة المتمثلة بأن الهدف الأول والأخير هو أن نجعل كلمةَ الذين كفروا السفلى وكلمةُ الله هي العليا:

إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)

تخيلات مفتراة: تخيل عزيزي القارئ أن هذه هي سياستنا مع العالم من حولنا، ألا يبين للناس أجمعين بأننا منصفين غير معتدين؟ ثم ألا تشكل تلك قوة عظيمة لهذا الدين الذي يحاور الجميع بالكلمة لا بل وينصر المظلوم في كل أصقاع الأرض؟ ألا نستطيع بذلك أن نجلب الناس الباحثين عن الحقيقة إلى دين الله؟ ألا نتيح بذلك الفرصة أمام الجميع لسماع كلمة الله التي هي العليا؟ ألا نكون بذلك قد أوقعنا الحجة على غيرنا فكنا رسل مبشرين ومنذرين للناس أجمعين؟

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)

ألا يبين للبشرية حينها بأن رسولنا الذي جاء بهذه الدعوة المنصفة هو فعلا رحمة للعالمين:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)

لكن بالمقابل، ألم تجلب العقيدة التي روّج لها سادتنا العلماء (علماء الجهاد والنكاح) من أهل الدراية من قبلنا على مر القرون الأذى لمحمد؟ ألم تصوره تصرفاتهم بأنه ليس أكثر من زير نساء باحثا عن المتعة بين فروج النساء وأدبار الغلمان؟

(دعاء: اللهم أني أبرأ إليك من كل أذى ألحقوه بنبيك الكريم الذي شهدت له أنت بنفسك أنه على خلق عظيم):

وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)

عودة على بدء: باب مقاتلة فرعون ربه

لقد خرجنا عن موضوع النقاش الخاص بمقاتلة فرعون ربه في باب القتال هذا لإثبات شيء واحد، وهو أن الله (صاحب القوة المطلقة) لا يقاتل إلا من يشرع في مقاتلته كفرعون مثلا. وذلك لأن سنة الله الكونية تقضي بأن الله لا يحب المعتدين:

وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)

فالذي يقاتل من لا يقاتله فهو إذن من المعتدين:

إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)




ولو تدبرنا الآية الأخيرة جيدا، لوجدنا أن القتال لا يقع إلى على من قاتلنا في الدين وعلى الذين أخرجونا من ديارا ظلما (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ).

السؤال: كيف يمكن لهؤلاء أن يقاتلونا في الدين (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ

إن هذا السؤال يعيدنا على الفور إلى سبب تقتيل فرعون لأبناء بني إسرائيل واستحياء نساءهم في أرض مصر. فلو تفقدنا الآية الكريمة التالية لوجدنا أن بني إسرائيل قد منعوا من حرية الاعتقاد، فلقد كان لزاما عليهم أن يؤمنوا بما آمن به فرعون وملأه، قال تعالى:

وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)

فما أن انتهى إلى علم فرعون أن موسى وقومه سيفسدون في الأرض وهم الذين ذرءوا فرعون وآلهته، كان الرد الفوري من فرعون هو أن يعمد إلى تقتيل نساءهم واستحياء نساهم، فكان ذلك هو الأذى الذي لحق ببني إسرائيل من قبل أن يأتيهم موسى ومن بعد ما جاءهم:

قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)

فكان الطلب من موسى واضحا وهو الصبر:

قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)

فجاءت المنّة الإلهية على المستضعفين في الأرض أن يكونوا هم الوارثين:

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)

فكان فرعون هو المفسد لأنه ما أن علا في الأرض حتى استضعف طائفة من أهل مصر، فجعل أهلها شيعا، فاستضعف طائفة منهم (وهم بنو إسرائيل) فذبح أبناءهم واستحيي نسائهم:

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن المفسد في الأرض هو الذي يمنع الآخرين من حرية الاعتقاد.

نتيجة مهمة جدا جدا لا تصدقوها: نحن نفتري الظن بأن واقعنا الآن يحتم علينا الخروج بالنتيجة المفتراة من عند أنفسنا بأن أفسد أهل الأرض هم من يسمون أنفسهم بحكومات العالم الإسلامي، لأنهم هم الذي يمنعون الناس من ممارسة حرية الاعتقاد. انتهى.

فحالهم (نحن نرى) لا يختلف كثيرا عن حال حكومة فرعون في أرض مصر، فلقد كان آل فرعون يؤمنون بما آمن به فرعون نفسه، ولا يتقبلون أن يكون غيرهم على عقيدة غير عقيدتهم. فهو يريدون الجميع أن يؤمنون بما يؤمنون به هم. فهذا فرعون نفسه يخاطبهم بالصيغة المطلقة التالية:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)

وكان جل خوفه من موسى أن يبدل لهم دينهم:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)

فحرية الاعتقاد في أرض مصر كانت محظورة حينئذ، فلحق ببني إسرائيل الأذى:

قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
لكن لنستفيد عزيزي القارئ من هذه الحالة التاريخية في حياتنا المعاصرة؛ فقد يلحق الأذى بالقتل للمؤمن لكن هذا ليس سببا كافيا أن يعمد هو إلى قتل غيره، فنحن نرى بأنه حتى لو تم الاعتداء على المؤمن بالقتل، فلا يحق له أن يدفع هذا الأذى عن نفسه بمفرده، فعليه أن يصبر كما فعل ابن آدم الذي قتله أخوه:

لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)

فالمؤمن الذي يخاف الله ربه لا يبسط يده بالقتل لمن بسط يده إليه ليقتله، وعليه أن ينتظر حتى يصبح الأمر جماعيا، تقوم به الأمة بمجملها، بدليل قوله تعالى:

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)

فلو تفقدنا الآيات التي تتحدث عن نصر الله للمؤمنين، لوجدناها خاصة باللذين يقاتَلون (بفتح التاء) وليس باللذين يقاتِلون (بكسر التاء). فنحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن الله لا ينصر من يحمل سيفه ويقاتل الناس، ولكنه ينصر من ظُلم لأن القتال وقع عليه رغما عنه.

السؤال: لماذا لا ينصر الله من يقاتل الآخرين بينما ينصر من وقع القتال عليه رغما عنه؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن المؤمن الذي يخاف الله يخشى أن يكون من المعتدين، لذا فهو الذي يرفع صوته بالكلمة الطيبة، وإذا ما وجد المقاومة من غيره، فعليه أن يصبر حتى يحكم الله بين الطرفين:

وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)

فالمؤمن لا يجبر غيره على قبول الهداية، لأن هذا شأن شخصي، ولكن يبقى المؤمن متبعا لما أوحي إليه صابرا حتى يحكم الله:

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)

ولن يأتي النصر من الله إلا إذا مس المؤمن البأساء والضراء من الذين لم يؤمنوا:

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (214)

وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)

وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)

وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)

حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)

ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116)


نتيجة مهمة جدا (1) على المؤمن أن يؤمن بما أنزل إليه من ربه

نتيجة مهمة (2): على المؤمن أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة

نتيجة مهمة (3): على المؤمن أن يجادل غيره بالتي هي أحسن

نتيجة مهمة (4): على المؤمن أن لا يحاول إجبار غيره على قبول دعوته

نتيجة مهمة (5): على المؤمن أن يصبر على الأذى الذي قد يلحق به جراء ذلك

نتيجة مهمة (6): على المؤمن أن ينتظر النصر من ربه

نتيجة مهمة (7): على المؤمن أن يعتقد يقينا بأن النصر من عند الله، ينصر من يشاء

سنحاول في الجزء القادم من هذه المقالة متابعة النقاش في هذه القضايا وذلك بإسقاط تبعاتها على ما بدر من فرعون (الإنسان) في مقاتلته ربه في المواطن الثلاث التي حصلت فيها المواجهة، وهي على النحو التالي:

1. المواجهة في الأرض

2. المواجهة في السماء

3. المواجهة في الماء

وستكون الفكرة المسيطرة على النقاش حينئذ تتمثل في الافتراء الخطير جدا الذي هو لا شك من عند أنفسنا، ألا وهو: لقد استطاع فرعون أن يدرأ القتل عن نفسه لأنه لم يستطع أن يدرأ الموت عنها، قال تعالى:

الَّذِينَ قَالُواْ لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (168)

ولكي تستبين الصورة التي نحاول تجليتها سنتعرض للقضايا الخطيرة جدا التالية:

1. الفرق بين الموت والقتل والذبح

2. لماذا يبدأ الله الحرب لكنه لا يبدأ القتال

3. دافع فرعون من تذبيح أبناء بني إسرائيل

4. الطلب الإلهي من بني إسرائيل ذبح البقرة، وطريقة تنفيذها وآلية عملها

5. استخدام فرعون عصاه الشخصية في مواجهة عصا موسى

6. العودة إلى باب الخلافة والملك.

7. الخ.

فالله وحده أدعو أن ينفذ مشيئته وإرادته لي الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيري، إنه هو العليم الحكيم، وأدعوه أن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا. وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون وما أمر فرعون برشيد، إنه هو العليم الخبير – آمين.

المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان & المهندس يزن علي سليم الجراح


 بقلم د. رشيد الجراح