قصة يونس - الجزء الثالث والثلاثون



قصة يونس – الجزء الثالث والثلاثون

خرجنا في الجزء السابق من هذه المقالة عن فحوى النقاش الخاص بمقاتلة فرعون رب موسى، وكان الهدف من ذلك هو محاولة تسطير الخطوط العريضة في طريقة الاستنباط من النص القرآني بناء على المنهجية التي نتبعها، فحاولنا تقديم رأينا فيما يخص استنباط الأحكام والتشريعات في فقه الصوم والصلاة والزكاة والربا، وتبيّن لنا أننا لا نسير في خط متواز مع الفكر التقليدي السائد، فكان ذلك جليا في النتائج التي خلصنا إليها والتي تعارض في مجملها وفي تفاصيلها ما ألفناه من عند سادتنا أهل الدراية كما نقلها لنا أهل الدراية عنهم. ولا شك أننا خلصنا إلى الظن بأن الحاجة ملحة أن نفرد لهذه القضايا (إن شاء الله) مقالات منفصلة ومفصّلة لاحقا بحول الله وتوفيقه لنا، لأن هناك الكثير الذي لازال البحث فيه جاريا، ونسأل الله وحده أن يعلمنا ما لم نكن نعلم وأن يهدينا صراطه المستقيم، فلا نفتري عليه الكذب، إنه هو السميع البصير. لذا نحن نعد القارئ الكريم أن نخوض في هذه القضايا بالتفصيل المطلوب فيها إن شاء الله متى ما أذن الله لنا بشيء من علمه فيها.

أما الآن فسنعود إلى فحوى النقاش الخاص بفرعون، محاولين تسطير رأينا فيما يخص فقه القتال كما نفهمه من النص القرآني على مساحته. فلا نتسلح بمنطوق آية واحدة وننسى ما جاء في الآيات الأخرى التي تشكل بمجموعها كتلة واحدة، يجب الخوض في كل تفاصيلها من أجل الخروج بالاستنباطات الصحيحة التي ربما تكون مرضية للجميع مادام أن فيها (نحن نفتري الظن) السنة التي سطرها لنا ربنا في كتابه الكريم.

ولكن قبل الخوض في هذه التفاصيل علينا أن نحاول أن نبيّن للقارئ الكريم بأن هذه المنهجية (إن صحت) ستساعدنا ليس فقط في فهم الأحكام والتشريعات (فيما يخص الصلاة والزكاة والصيام وغيرها) بل ستساعدنا أيضا في فهم الظواهر الكونية المحيطة بنا. ولكي يبين للقارئ الكريم وجاهة ما نفتريه من ظن هنا، فإننا سنحاول تقديم المثال التالي الذي (إن صحت افتراءاتنا فيه) فإنها ستقلب الأمور رأسا على عقب، وسيبين للجميع بأن هذا الكلام (أي القرآن الكريم) ما كان أن يفترى من دون الله:


وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37)
مثال: قانون الجاذبية


لعل مما أصبح من المسلمات عند أهل المعرفة من بني البشر أن هناك قوانين تسيطر على الظواهر الطبيعية التي بدورها تجعل الحياة ممكنة، وبخلاف ذلك تعم الفوضى في الكون، وقد تصبح الحياة فيه أقرب إلى المستحيل، فحاول المختصون في هذه العلوم الفرعية (كعلم الفيزياء والرياضيات والطبيعة) إعمال التفكير في هذه "القوانين"، وخرج بعضهم بأفهام بشرية سُطِّرت على شكل قوانين أصبح التصديق بها من المسلمات، وبات التكذيب بها من قبيل الجنون والتخلف. وكان واحدا من هذه القوانين التي كانت (لا شك) نتاج الفكر الغربي المادي هو قانون الجاذبية الذي يرجع الفضل فيه إلى العالم الشهير إسحاق نيوتن. وكان فحوى ذلك "القانون" البشري أن الأجسام الكبيرة في حجمها تتحكم بالأجسام الصغيرة بفعل قوة الجذب الكامنة فيها. فبالرغم أن للأرض (بحسب مفردات هذا القانون) قوة جذب خاصة بها وأن للشمس قوة جذب خاصة بها، فإن الشمس هي التي تسيطر على الأرض، لأن كتلة الشمس تفوق كتلة الأرض بالآلاف المرات. والمنطق نفسه ينطبق على العلاقة بين الأرض والقمر، فهم يظنون أن الأرض هي المسيطرة على القمر بفعل جاذبيتها التي تفوق جاذبية القمر، وهكذا. والمنطق نفسه ينطبق على الأجسام الموجودة في الكوكب الواحد. فكل جسم موجود على الأرض ينجذب إليها لأن قوة جذب الأرض (الكتلة الكبيرة) أكبر من قوة جذب أي جسم آخر فيها.


السؤال: هل هذه فعلا حقائق كونية أم أفهام بشرية؟ وهل يمكن إعادة النظر فيها من منظور النص الديني (كالقرآن مثلا)؟ فهل يوجد في القرآن الكريم ما قد يثبت هذا الكلام أو ينفيه؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن النص الديني (الكامل) لا يجب أن يكون قد غفل عن مثل هذه القضايا، فيجب أن يكون فيه (كما نفهم) ما يثبت أو ينفي مثل هذا الكلام. وذلك لأن الله قد سطّر في كتابه الكريم قوله الخالد التالي:

... مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)

وبناء على هذا القول الفصل، فإننا نفهم أن كل شيء يجب أن يأتي ذكره في الكتاب حتى يرقى أن يكون الكتاب نفسه كتابا إلهيا، وإلاّ لأصبح ناقصا يعتريه الضعف بالتفريط. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل جاءنا القول الإلهي (الذي نؤمن بصحته المطلقة) أن هذه الأمور لم تذكر في كتاب الله على العموم، وإنما جاءت مفصلة تفصيلا، قال تعالى:

... وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (12)

لذا نحن نتوقع من النص القرآني ما يلي:

1. أن يأتي ذكر كل شيء فيه صغيرا كان أم كبيرا

2. أن يأتي كل ما جاء ذكره في كتاب الله مفصلا تفصيلا

وبناء عليه، فإن الأفهام البشرية (إن صحت) يجب أن تكون مطابقة تماما لما جاء ذكره في كتاب الله، كما نؤمن أنها يجب أن تكون مفصّلة بنفس التفصيل الذي ورد في كتاب الله. ومتى ما تعارضت أفهام البشر مع من ما جاء في كتاب الله وجب تركها بالكلّية، والبحث من جديد عن الحقيقة المطلقة بين مفردات النص القرآني.

ونحن نؤمن يقينا بأن الفهم الصحيح لمفردات النص القرآني أولا، ثم محاولة ربط هذه الأفهام بعضها ببعض في الآيات الكريمة على مساحة النص كله هي الكفيلة بالخروج بالاستنباطات الصحيحة التي لن يرقى إليها الشك مهما حاول الباحثون الخوض في تفاصيلها من جميع الزوايا، وكيفما طرقت في مؤلفاتهم على مر السنين.

لذا، نحن نحتاج إلى خطوتين اثنتين من أجل الخروج بالاستنباطات التي نظن أنها صحيحة، وهما:

1. فهم منطوق المفردات بمرادها الإلهي، لا كما ألفينا عليه آباءنا من قبل

2. ربط هذه المفاهيم بعضها ببعض على مساحة النص القرآني كله.

السؤال: هل يمكن إثبات ذلك في قضية قانون الجاذبية المطروح الآن على طاولة البحث؟

جواب: دعنا نحاول الخوض في ذلك، تاركين للقارئ نفسه فرصة الحكم على ما قد نتوصل إليه من أفهام هي لا شك من عند أنفسنا. ولا ننسى أن نعيد التأكيد لكل من يقرأ هذه السطور أن ما صح منها فهو بفضل الله وتوفيق منه وحده، وما قد يثبت خطأه من هذه الأفهام المفتراة من عند أنفسنا فهو مما كسبت أيدينا. والله وحده نسأل أن يعلمنا قول الحق فلا نفتري عليه الكذب، إنه هو الواسع العليم.

أما بعد،

قال تعالى:

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)

بداية، نحن نظن أن هذه الآيات الكريمة التي ترد في بداية سورة القمر هي التي ستكون مرشدنا في الخوض في تفاصيل هذه القضية (أي ذكر وتفصيل ما يسمى بـ "قانون الجاذبية").

فبعد التدبر الأولي لهذه الآيات، تبين لنا ما يلي:

1. هناك حقيقتان كونيتان جاء ذكرهما هنا، وهما (1) اقتراب الساعة (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) و (2) انشقاق القمر (وَانشَقَّ الْقَمَرُ).

2. هاتان الآيتان هما من الآيات التي يمكن أن نراها كما يمكن أن نرى الآيات الأخرى (وَإِن يَرَوْا آيَةً)

3. تكون ردة فعل الغالبية الساحقة من البشر عندما يرون هذه الآيات الإعراض ونعتها بالسحر (يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ)

4. يكون التكذيب بها هو السمة الغالبة لردة فعل الغالبية الساحقة ممن يرونها (وَكَذَّبُوا)

5. يفضل هؤلاء المكذبون بالآيات إتباع أهواءهم على تدبر هذه الآيات (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ)

6. يفضل الكثيرون إتباع ما هو مستقر من الأمر (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ)

7. جاءت هذه الآيات كجزء من الأنباء لتكون زاجرة لهم عن إتباع أهواءهم وكل أمر مستقر (وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ)

8. يكون في ذلك حكمة بالغة (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ)

9. الخ.

افتراء خطير جدا: نحن نظن أن ما يسمى بـ "قانون الجاذبية" الذي صاغته العقول البشرية قد أصبح من الأمور المستقرة التي يفضل الناس إتباعه بدلا عن البحث عن الحقيقة في الأنباء التي جاءتنا في النص الديني (كالقرآن الكريم).

السؤال: كيف يمكن إثبات ذلك؟

رأينا المفترى: لو بدأنا النقاش في الآية الأولى:

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)

لوجدنا على الفور أن هناك أربع مفردات وجب علينا محاولة تجلية معانيها الحقيقة بمراد الإله منزل الكتاب نفسه، فلا نتفكر بالآية الكريمة بناء على ألفيناه من أفهام من عند أهل اللغة والشعر والخطابة عن هذه المفردات كما هي دارجة على ألسنة العامة من الناس وأهل الاختصاص منهم. وبناء عليه، تصبح هناك أربعة أسئلة فورية وجب طرحها وهي:

1. ما معنى (اقْتَرَبَتِ)؟ أو ما هو الاقتراب كما جاء في النص القرآني؟

2. ما هي (السَّاعَةُ)؟ أو ما معنى الساعة كما ترد في النص القرآني؟

3. ما معنى (وَانشَقَّ)؟ أو كيف يحصل الانشقاق كما يرد في النص القرآني؟

4. ما هو (الْقَمَرُ)؟ أو كيف يجب أن نفهم معنى مفردة القمر الذي جاء ذكره كثيرا في النص القرآني؟

باب الاقتراب (اقْتَرَبَتِ)

 لو تفقدنا النص القرآني على مساحته، لوجدنا أن مفردة الاقتراب قد وردت في الآيات الكريمة التالية:

أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1)

وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)

كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ۩ (19)


ليكون السؤال الآن هو: ما معنى الاقتراب؟

رأينا المفترى: نحن نستطيع أن نقدم جملة من الافتراءات التي نظن أن مفردة الاقتراب تحملها في ثناياها، نذكر منها:

أولا، نحن نفتري الظن بأن الاقتراب لا يعني حدوث الشيء (الذي اقترب) فعلا على أرض الواقع، ولكن زمنه قد دنا. وذلك لأن الأجل لم يحن بعد ولكنه قد اقترب (وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)، ولأن الحساب لم يحصل بعد ولكنه اقترب (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ)، ولأن الساعة لم تقع بعد ولكنها اقتربت (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)، أليس كذلك؟

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن الاقتراب يحمل في ثناياه قرب زماني

ثانيا، نحن نؤمن أن في الاقتراب دنو في المكان، فها هم سحرة فرعون يطلبون الأجر من فرعون، فيرد عليهم بالإيجاب، بل ويزيد على ذلك تقريبهم إليه مكانيا:

وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)
فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)

والله هو نفسه من نهى آدم وزوجه عن الاقتراب من الشجرة مكانيا:

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن الاقتراب يحمل في ثناياه قرب مكاني أيضا.

ثالثا، نحن نؤمن أن الاقتراب يكون على درجات (أي تدرجي)، فهناك ذوي القربى:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83)

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)

وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (8)

وهناك المقربون (أو المقربين):

لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا (172)

إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)

فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)

وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَّرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)

يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)

وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)

فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)

فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89)

فنحن نفهم أنه ليس كل من كان من ذوي القربى يتمتع بنفس المسافة المكانية من الشخص، فقد يكون هناك من ذوي القربى من يقربك من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، وهكذا.


نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن الاقتراب يحمل في ثناياه التدرج في العلاقة

رابعا، لو تدبرنا الآيات الخاصة "بذوي القربى والأقربين" على وجه التحديد، لوجدنا على الفور أن الوالدين ليسوا منهم، بدليل الفصل بين الوالدين من جهة وذوي القربى والأقربين من جهة أخرى، قال تعالى:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ (83)كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)

لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: الوالدان ليسوا من الأقربين وليسوا من ذوي القربى. انتهى.

رابعا، وربما ينطبق هذا (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) على الأبناء أيضا:

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)
نتيجة مفتراة: يصعب علينا اتخاذ قرار حاسم بدرجة القرابة بين الشخص وآباءه من جهة والشخص وأبناءه من جهة أخرى (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا):

             الآباء ↔ الشخص ↔ الأبناء

السؤال: لماذا؟ أي لماذا يصعب تقدير درجة القرب بين الشخص وآبائه من جهة والشخص وأبنائه من جهة أخرى؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن الاقتراب يعني وجود الشخص (أو الشيء) في متوسط العلاقة بين طرفين، فإذا ما قصرت المسافة بين شخص وطرف آخر ولو بمقدار ضئيل جدا أصبح هذا الذي دنا منه هو الأقرب، كما في قوله تعالى:

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)
فتكون الصورة للذين نافقوا (كما نفهم ذلك من الآية الكريمة) على النحو التالي:

               الإيمان ← ← الذين نافقوا ← الكفر

فالذين نافقوا ليسوا بكافرين ، فهم لم يصلوا إلى درجة الكفر بعد، ولكنهم قد اقتربوا من الكفر بسبب ما نافقوا به. فهم بذلك أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ).


دعنا نحاول أن نفهم الموضوع أكثر باستخدام مثال الساعة بعقاربها المتحركة. فعندما يقف عقربا الساعات والدقائق على رأس الساعة، تدق الساعة الثانية عشر كما في الشكل التالي:



وعندما يبدأ عقرب الدقائق بالحركة متجاوزا هذه النقطة يبقى أقرب إلى الساعة الثانية عشر منه إلى الساعة الواحدة التي تليها (انظر الشكل التوضيحي في نهاية هذه الفقرة)، ويبقى كذلك حتى يصل إلى منتصف الدورة (أو الدائرة)، فتكون الساعة قد دقت عند ذلك الحد الثانية عشرة والنصف تماما. وعندما يصل عقرب الدقائق إلى نقطة المنتصف هذه، يصبح من الصعب الحكم على درجة القرب من الساعة السابقة (أي الثانية عشر) أو الساعة اللاحقة (أي الواحدة). ولكن لو تحرك عقرب الدقائق دقيقة واحدة بعد المنتصف لأصبح أقرب إلى الساعة الواحدة (أي الساعة اللاحقة) منه إلى الساعة الثانية عشر (التي سبقت)، كما في الأشكال التوضيحية التالية:



وربما ينطبق هذا (نحن نفتري الظن) على علاقة الشخص بـ آبائه وأبنائه، فالشخص يقف في منتصف الخط لتكون المسافة الفاصلة بينه وبين آبائه هي نفس المسافة التي تفصله عن أبنائه كما في الشكل التالي:

                   الآباء ← الشخص ← الأبناء

وهنا يصبح من الصعب تحديد أيهما أقرب، مصداقا لقوله تعالى:

... آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)

السؤال: ما علاقة هذا بالآية الكريمة (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن الساعة قد اقتربت لأنها تجاوزت نقطة المنتصف. انتهى.

السؤال: ما معنى ذلك؟

جواب: من أجل فهم المقصود من هذا المنطوق، وجب علينا الآن محاولة تدبر المفردة الثانية في الآية الكريمة نفسها وهي مفردة السَّاعَةُ.

 باب السَّاعَةُ

السؤال: ما الساعة؟ ولماذا سميت بـ السَّاعَةُ؟

لو تدبرنا ما يدور على ألسنة العامة، لوجدنا بداية أن الساعة تعني ما يلي:

1. الجهاز اليدوي الذي يستخدم لقياس الوقت، ويظهر بأشكال متعددة كالذي يلبسه المرء على يده، أو كالذي يعلقه على الجدار، كما في الأشكال التوضيحية التالية:






2. الفترة الزمنية التي تمتد 60 دقيقة، ويُسأل عنها بالسؤال التالي: كم الساعة الآن؟ وقد جاء ما نفتري أنه يحمل هذا المعنى في آيات الكتاب الحكيم التالية:


وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)

لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (117)

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ۚ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)

قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)

وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)

قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)


3. وجاءت مفردة "الساعة" للحديث عن نهاية الحياة على الأرض، كما في الآيات الكريمة التالية:

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)

أَفَأَمِنُوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)

وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)

وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)

قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75)

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)

الَّذِينَ يَخْشَوْنَ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)

وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ (7)

وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)

بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)

إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)

يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ ۚ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)

إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ (47)

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)

اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)

وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61)

هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)

وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)

وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)

فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)

بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ (46)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)

السؤال مرة أخرى: لماذا نسمي هذا الجهاز الذي نلبسه على أيدينا ساعة وذاك الذي نعلقه على الحائط ساعة؟ ولماذا تسمى هذه (أي الفترة من النهار) ساعة وتسمى تلك (أي نهاية الحياة) ساعة؟ وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- الجمع بينهما في الآية الكريمة التالية:

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)

فما هي الساعة إذن؟

جواب مفترى خطير جدا من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن الساعة هي الدورة فقط.

الدليل

السؤال: لماذا نسمي الساعة ساعة؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الساعة (60) دقيقة تعني دورة كاملة، فعندما تدق الساعة 12، فإن عقرب الدقائق يتحرك دورة كاملة، فينطلق من عند النقطة (12) ويتحرك باتجاه اليمين، وما أن يعود إلى النقطة (12) التي انطلق منها حتى تكون قد اكتملت ساعة كاملة. وأصبحت الساعة الآن الواحدة، أليس كذلك؟

السؤال: لماذا تسمى نهاية الكون ساعة؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري الظن بأنها تسمى ساعة لأنها تمثل دورة كاملة.
السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا: نحن نؤمن أن الكون قد بدأ بنقطة زمنية محددة، كما نؤمن بأنه سيعود إلى النقطة ذاتها التي انطلق منها، فالحياة عبارة عن دورة كاملة، انطلقت من نقطة محددة وستعود إلى النقطة ذاتها، بالضبط كحركة الساعة عندما تنطلق من نقطة محددة ثم تعود إلى النقطة نفسها، فتكون بذلك قد أكملت الساعة.

السؤال: أين الدليل على أن حركة الحياة من بدايتها إلى نهايتها تشبه حركة الساعة؟

جواب مفترى: دعنا نقرأ الآية الكريمة التالية:

لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)

السؤال: ما الذي تفهمه عزيزي القارئ من هذه الآية الكريمة؟

رأينا: في ذلك اليوم الموعود (هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)، ستطوى السماء كطي السجل للكتب (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)، ويكون في ذلك عودة للخلق الأول (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ)، وهذا هو الوعد الذي لا محالة حاصل (وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ)، وعندما تتم هذه العملية (أي العودة للخلق الأول)، تكون الساعة قد قامت:

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)

نتيجة مهمة جدا: نحن نظن أن الساعة هي عبارة عن دورة (أو circle باللسان الأعجمي) بغض النظر عن حجمها. فقد تكون دورة قصيرة (كدورة الساعة ستين دقيقة) وقد تكون طويلة جدا كدورة الحياة كلها:





فكل دائرة مكتملة في هذا الشكل هي عبارة عن ساعة (أي دورة).

السؤال: ما علاقة هذا بالآية الكريمة (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن الله قد اتخذ قراره بأن يبدأ الخلق، كما اتخذ قراره بأن يعيد هذا الخلق كما بدأه، فبدأ المؤشر (العقرب) يسير بانتظام تام، فانطلق من النقطة (صفر):



متجها في حركة دائرية تشبه حركة عقرب ساعة اليد:


ليعود هذا العقرب إلى النقطة صفر نفسها التي انطلق منها، وما أن يكمل دورته كلها حتى تكون هذه هي الساعة التي وعد الله أنها لا محالة آتيه:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)

السؤال: ما علاقة هذا كله بانشقاق القمر كما جاء في الآية الكريمة نفسها (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ

رأينا المفترى: نحن نظن أن انشقاق القمر كان هو العلامة الأكبر والأهم لاقتراب الساعة.

السؤال: وكيف يكون ذلك؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن دورة الكون التي اتخذ الله قراره أن تكتمل (ساعة) قد تجاوزت نقطة المنتصف، فالعقرب قد وصل إلى المنتصف كما في الشكل التالي:


وأخذ يتعدى هذه النقطة (أي المنتصف). ولكن ما أن تجاوز العقرب حاجز المنتصف بنقطة واحدة حتى حصل أمر عظيم ليدل على أن الجزء الأول من الدورة قد انتهى، مؤذنا في الوقت ذاته بداية الجزء الثاني منها، فكان انشقاق القمر، فانشقاق القمر (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) هو الآية الكبرى على اقتراب الساعة من موعدها، أي لقد أصبح العقرب (أي الساعة) الآن بعد انشقاق القمر هو أقرب إلى نقطة النهاية منه إلى نقطة البداية. انتهى.

السؤال: كيف حصل ذلك؟

رأينا: نحن نظن أن الآية الكريمة التالية تصور لنا ما حصل:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (187)

بناء على فهمنا لهذه الآية الكريمة نستطيع أن نتجرأ على الافتراءات التالية:

- للساعة مرسى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا)

- علم الساعة عند ربي (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي)

- ستحدث تجلية لوقتها، والله هو الذي وكّل نفسه بهذا (لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ)

- ثقلت الساعة في السموات والأرض (ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)

- ستأتي الساعة بغتة (لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً)

- كان سؤال الناس للنبي عنها ويكأنه حفي عنها (يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا)

- جاء القول الإلهي الفصل بأن علمها عند الله (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ)

- جاءنا العلم من الله نفسه بأن كثيرا من الناس لا يعلمون (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).

السؤال: ما الذي يمكن أن نفهمه من هذا كله؟

أولا، لما كان للساعة مرسى فإننا نظن (مفترين القول من عند أنفسنا) بأن مرسى الساعة هو نقطة النهاية التي سيعود إليها المؤشر (العقرب) بعد أن انطلق في تلك الرحلة الدائرية الطويلة. ولتوضيح الفكرة دعنا نقارن ذلك بحركة السفينة في الماء كما جاء في الآية الكريمة التالية:

وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41)

فلقد انطلقت سفينة نوح مباشرة مع بداية الطوفان، واستمرت تجري بهم في موج كالجبال، حتى وصلت إلى نقطة النهاية، فكان ذلك هو مرساها. والآيات الكريمة التالية تصور حركة الساعة بنفس المفردات، قال تعالى:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)

نتيجة مفتراة: نحن نتخيل الساعة وكأنها تجري إلى مرساها كما تجري الفلك في البحر إلى مرساها.

ثانيا، لما قضى الله أن يجلي الساعة لوقتها، أصبح العلم بها ممكنا. فصحيح أن علمها عند الله، وصحيح أن كثيرا من الناس لا يعلمون، لكن هذا لا يمنع أن يحصل العلم بها عند بعض الناس.

(دعاء: اللهم أسالك وحدك أن أكون أول الذين يأتيهم العلم بها، إنك أنت الواسع العليم – آمين)

السؤال: هل نستطيع إذن تحديد وقتها؟

جواب مفترى: نعم نستطيع ذلك بحول الله وتوفيق منه، لكن دعنا أولا نتحدث عن قضية أخرى لها علاقة بفهم موضوع الساعة، وهو عملية قيام الساعة. ليكون السؤال الآن هو: كيف تقوم الساعة؟ أو لماذا تقوم الساعة قوما؟

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55)
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن الإجابة على هذا التساؤل تتطلب تدبر مفردة "تَقُومُ". فكيف يحصل الفعل "تَقُومُ"؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن القيام يحمل في ثناياه الارتفاع، فعندما تقوم أنت من مقامك، فإنك تبدأ بالارتفاع من الأسفل إلى الأعلى، كما جاء في قوله تعالى:

قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)

وهذا القيام يعني الارتفاع التدريجي، فلو قام شخص من مقامة لظهر رأسه أولا، ثم يتبع ذلك بقية أجزاءه شيئا فشيئا، فأول ما يظهر منه رأسه وآخر ما يظهر منه هو قدميه، وهذا واضح عندنا في تصور قيام الناس لرب العالمين:

يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)

ويمكن تشبيه ذلك بحركة ظهور السفن في البحر. فلو كنت واقفا على ساحل البحر ترقب حركة السفن القادمة من بعيد، لظهرت لك السفينة بشكل تدريجي، فترى قمتها قبل قاعدتها، والسبب في ذلك يعود إلى الحركة القوسية على سطح الماء، بفعل كروية المكان. وهذا يعني أن السفينة تجري لمرساها. فإذا ما وصلت المرسى بانت كلها.

السؤال: ما علاقة هذا بالساعة؟

رأينا: ذكرنا سابقا أن للساعة مرسى كما في قوله تعالى:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)

وهذا يشبه مرسى السفينة:

وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41)

ولكن الاختلاف بين السفينة والساعة، هي أن الساعة تقوم قياما، فكيف يكون ذلك؟

رأينا: دعنا نعود إلى مثال الساعة التي جاوزت المنتصف كما في الشكل التالي:



ألا ترى - عزيزي القارئ- أن الساعة تجري لمستقرها في حركة قوسية لتنتهي إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها. ولكن لو تدبرت الحركة أكثر لوجدت أن العقرب (انظر عقرب الدقائق) في حركة ارتفاع بعد المنتصف، بعد أن كان في حركة انخفاض إلى الأسفل قبل نقطة المنتصف. انظر الشكلين التاليين:



تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما انطلق عقرب الساعة من بداية الخلق كان في حركة انخفاض إلى الأسفل، واستمر على تلك الشاكلة حتى وصل إلى نقطة المنتصف، وهناك أصبح من المستحيل تحديد درجة القرب لأن العقرب يقع على نقطة المنتصف من بداية الخلق ونهايته، ولكن ما أن بدأ العقرب يتجاوز نقطة المنتصف حتى أصبح أقرب إلى النهاية منه إلى البداية، وهناك حدث انشقاق القمر كآية لهذا الحدث الكوني العظيم، وهنا بالضبط بدأت الساعة في حركة قيام، فالعقرب بدأ يرتفع ارتفاعا تدريجيا منتظما، ويبقى على تلك الشاكلة حتى يصل إلى نقطة النهاية وهو المرسى:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)

وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)

ولو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن الله لم يخفي الساعة تماما:

إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)

نتيجة مفتراة: لما قضى الله أمره بأن لا يخفي الساعة تماما، ولكنه قضى بأن لا يجليها تماما للناس، كان هناك متسعا من المكان أن نبحث عن العلم فيها. فهل يمكن أن نعلم شيئا عنها أو عن وقتها؟

جواب: دعنا ننتظر قليلا لنرى ما يمكن أن يأذن الله لنا به من العلم فيها.

ثالثا، لما كانت الساعة قد ثقلت في السموات والأرض، وجب علينا أن نفهم كيفية حصول ذلك. فبعد أن حاولنا تدبر ذلك من كتاب الله، وجدنا الآية الكريمة التالية:

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ (47)

فطرحنا التساؤل التالي: لماذا جاء ذكر الساعة في هذه الآية الكريمة مع خروج الثمرات من أكمامها ومع وضع الأنثى ما تحمل في بطنها؟

وقد تخيلنا الأمر على النحو التالي: عندما تبدأ الحياة في الأكمام، تكون الثمرة قد تولدت داخل تلك الأكمام، وتبدأ دورة حياتها هناك داخل تلك الأكمام، ولا تخرج تلك الثمرات من أكمامها إلا بعد اكتمال نضوجها، ولكل نوع من الثمرات دورته الخاصة به، فمنه من يبدأ وينتهي في أيام قليلة، ومنها ما يستمر بعض الشهور، ومنها ما يستمر حولا كاملا، وهكذا. فلكل نوع منها ساعته الخاصة به، أليس كذلك؟

والمنطق نفسه ينطبق (نحن نفتري القول) على تولد الجنين داخل بطن أمه، فيبدأ بتلك النطفة التي يقذفها الرجل في رحم المرأة، وهنا بالضبط تبدأ دورة الحياة، فيبدأ الجنين بالنمو داخل بطن المرأة، ولا يخرج منه إلا بعد اكتمال دورته (أي ساعته) وهي تسعة أشهر، فإن هو خرج قبل ذلك أو تأخر عن ذلك الموعد، أُصيب الجنين بالأذى، الذي قد يؤدي به إلى الموت. فالوضع الطبيعي يتمثل في خروج الجنين من بطن أمه عندما يكمل دورته، وهي الفترة الزمنية اللازمة لنضوجه وخروجه سليما، أليس كذلك؟

السؤال: وما علاقة هذا بالساعة؟

رأينا المفترى: لو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن هناك مرحلة محددة من حياة الجنين في بطن أمه تبدأ فيها الأم (وهي من تحمل الجنين في بطنها) تشعر بالثقل، مصداقا لقوله تعالى:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)

فلو تدبرنا مفردات هذه الآية العظيمة، لوجدنا أن الحمل يبدأ من تلك اللحظة التي يتغشى فيها الرجل زوجته، وهنا يبدأ الحمل، ولكنه يكون حملا خفيفا (فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا)، وما أن تمر المرأة بذلك حتى تبدأ المرحلة التالية وهي مرحلة الشعور بالثقل (فَلَمَّا أَثْقَلَت). وتستمر هذه المرحلة حتى تضع المرأة حملها.

السؤال: متى تبدأ مرحلة الثقل عند المرأة؟ أو متى تبدأ المرأة تحس بثقل ما في بطنها؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أن المرأة تبدأ تشعر بثقل الحمل في اليوم الأول بعد منتصف المرحلة كلها.

السؤال: كيف يكون ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نعلم أن فترة الحمل الطبيعية هي تسعة شهور كاملة، ولو قسمنا فترة الحمل كلها إلى ثلاث مراحل كما في الشكل التالي:

  بداية الحمل منتصف الحمل نهاية الحمل
خفيفا تقيلا الوضع

لربما جاز لنا أن نستنبط بأن مرحلة الثقل هي المرحلة التي تتوسط نقطة البداية وتستمر حتى نقطة النهاية (أي الوضع)، لذا تبدأ مرحلة الثقل في اللحظة التي يبدأ النصف الثاني من الحمل.

السؤال: ما علاقة هذا بأمر الساعة؟

جواب مفترى: نحن نظن أن السيناريو في حالة الساعة يشبه تماما سيناريو الحمل كما جاء في الآية الكريمة التالية:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)

وليس أدل على ذلك من أن الساعة قد ثقلت في السموات والأرض:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (187)

وربما يفسر لنا مثل هذا الفهم (على ركاكته) سبب الجمع بين الحدثين في الآية الكريمة التالية:

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ (47)

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نتخيل بأن السموات والأرض هي وعاء الساعة (كما أن بطن المرأة هو وعاء الجنين)، وتبدأ الحركة المنتظمة من أجل الاكتمال (أي النضوج) بنفس الآلية، فيزداد حجمها كما يزداد حجم الجنين في بطن أمه، وما أن يتجاوز المنتصف حتى تبدأ مرحلة الثقل، ولا تتوقف حتى يكتمل نضوجها فتأتينا بغتة كما يحصل في حالة الولادة. فبالرغم أن أيام الحمل تكون قد شارفت على نهايتها، وبالرغم من وجود العلم بها مسبقا بمفردات الشهر كله، فالمرأة الحاملة للجنين تعلم أن هذا هو شهر الوضع، وكذلك يعلم من حولها بذلك، إلا أنهم لا يستطيعون تحديد لحظة حصوله، لأن لحظة ولادة الجنين تأتي دائما بغتة. وكذلك هي الساعة، فنحن نستطيع (بحول الله وتوفيقه) أن نحدد موعدها، لكن هذا لن يكون على سبيل الدقة المطلقة، لأنها ستأتينا بغتة خلال الفترة المرتقبة، كما يأتي المولود بغتة خلال فترة الشهر الأخير من الحمل.

السؤال: كيف سنستطيع تحديد موعدها؟

جواب مفترى خطير جدا: نحن نظن أننا نستطيع ذلك بالعلامة الكبرى لاقترابها وهو انشقاق القمر، قال تعالى:

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)

فانشقاق القمر كان دليلا (نحن نفتري الظن) على أن النصف الأول من الرحلة (أو الدورة) قد تم. وأن النصف الثاني منه قد بدأ. وكان انشقاق القمر هو العلامة الفارقة على بداية هذا الجزء الثاني منها. لذا، لو استطعنا أن نحدد متى انشق القمر، لربما استطعنا أن نعرف متى ستكتمل الدورة ومتى يحين موعد قيام الساعة. انتهى.

السؤال: وهل نستطيع ذلك؟

جواب مفترى: نعم بكل تأكيد، لكن بشرط أن نفهم موضوع انشقاق القمر برمته، وأول مستلزمات هذا الفهم المنشود هو طرح الموروث التراثي الذي جاءنا من عند سادتنا أهل الدراية كما نقله لنا أهل الرواية جانبا ومحاولة البحث عن البديل الذي ربما يكون أكثر وجاهة تليق بالنص القرآني كنص إلهي، يفصل لنا آيات هذا الكون تفصيلا. فنحن نتجرأ على القول بأن ما وصلنا من عندهم لا يعدو أن يكون أكثر من "تخريفات" الأعراب في ليال الصيف أو الشتاء بمجالسهم الليلة العامرة بالتهريج والتقول على الآخرين بما لم يقال أصلا.

السؤال: كفاك تهجما على الآخرين، هات ما عندك. يطلب ابن عمي إبراهيم في أرض الاغتراب البعيدة.

بداية أقول للمهندس إبراهيم (في أرض النمسا على وجه التحديد) أن هذا الكلام موجه لمن هو من مثلك. فقناعتي بقدراتك العقلية راسخة لا تتزعزع، وأنا على علم بأنك قادر على أن تتنبأ بما أريد قوله قبل أن تسمعه، فأنت أهل لذلك، لأني أعتقد أننا (أي أنا وإياك) نملك من القدرات العقلية المتواضعة (بفعل العوامل البيولوجية والبيئة) ما يمكننا من فهم بعضنا البعض.

لكن دعني أسرد على مسامعك أولا ما قاله أجدادنا عن هذه الآية الكريمة (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) قبل أن نخوض فيما قد يصدّع الرؤوس قبل أن يستقر نبأه في القلوب، فهذا بداية ما سطرته أقلام أهل الرواية عن أهل الدراية في تفسير القرآن العظيم للطبري مثلا:


اقتربت الساعة
القول في تأويل قوله تعالى : { اقتربت الساعة } يعني تعالى ذكره بقوله . { اقتربت الساعة } : دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة , وقوله { اقتربت } افتعلت من القرب , وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنو القيامة , وقرب فناء الدنيا , وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم , وهم عنها في غفلة ساهون.
وانشق القمر
وقوله : { وانشق القمر } يقول جل ثناؤه : وانفلق القمر , وكان ذلك فيما ذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة , قبل هجرته إلى المدينة , وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية , فأراهم صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر , آية حجة على صدق قوله , وحقيقة نبوته ; فلما أراهم أعرضوا وكذبوا , وقالوا : هذا سحر مستمر , سحرنا محمد , فقال الله جل ثناؤه { وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر } , وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار , وقال به أهل التأويل . ذكر الآثار المروية بذلك , والأخيار عمن قاله من أهل التأويل : 25292 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية , فأراهم انشقاق القمر مرتين . 25293 - حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , قال : سمعت قتادة يحدث , عن أنس , قال : انشق القمر فرقتين . 25294 -حدثنا ابن المثنى والحسن بن أبي يحيى المقدسي , قالا : ثنا أبو داود , قال : ثنا شعبة , عن قتادة , قال : سمعت أنسا يقول : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . * حدثني يعقوب الدورقي , قال : ثنا أبو داود , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : سمعت أنسا يقول : فذكر مثله . * علي بن سهل , قال : ثنا حجاج بن محمد , عن شعبة , عن قتادة , عن أنس , قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين . 25295 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع , قال : ثنا بشر بن المفضل , قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة , عن قتادة , عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية , فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما . 25296 -حدثني أبو السائب , قال : ثنا معاوية , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن أبي معمر , عن عبد الله , قال : انشق القمر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشهدوا " . 25297 - حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل , قال : ثنا النضر بن شميل المازني , قال : أخبرنا شعبة , عن سليمان , قال : سمعت إبراهيم , عن أبي معمر , عن عبد الله , قال تفلق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين , فكانت فرقة على الجبل , وفرقة من ورائه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اشهد " . 25298 - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل , قال : ثنا النضر , قال : أخبرنا شعبة , عن سليمان , عن مجاهد , عن ابن عمر , مثل حديث إبراهيم في القمر . * حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي , قال : ثني عمي يحيى بن عيسى , عن الأعمش , عن إبراهيم , عن رجل , عن عبد الله , قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى , فانشق القمر , فأخذت فرقة خلف الجبل , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشهدوا " . 25299 -حدثني محمد بن عمارة , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن سماك , عن إبراهيم , عن الأسود , عن عبد الله , قال : رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق . 25300 -حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي , قال : ثنا يحيى بن حماد , قال : ثنا أبو عوانة , عن المغيرة , عن أبي الضحى , عن مسروق , عن عبد الله , قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم فسلوا السفار , فسألوهم , فقالوا : نعم قد رأيناه , فأنزل الله تبارك وتعالى : { اقتربت الساعة وانشق القمر } . 25301 -حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن مغيرة , عن إبراهيم , عن عبد الله قال : قد مضى انشقاق القمر. 25302 - حدثني أبو السائب , قال : ثنا أبو معاوية , عن الأعمش , عن مسلم , عن مسروق , قال : عبد الله خمس قد مضين : الدخان , واللزام , والبطشة , والقمر , والروم. 25303 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا ابن علية , قال : أخبرنا أيوب , عن محمد , قال : نبئت أن ابن مسعود كان يقول : قد انشق القمر . 25304 -قال : أخبرنا ابن علية , قال : أخبرنا عطاء بن السائب , عن أبي عبد الرحمن السلمي , قال : نزلنا المدائن , فكنا منها على فرسخ , فجاءت الجمعة , فحضر أبي , وحضرت معه , فخطبنا حذيفة , فقال : ألا إن الله يقول { اقتربت الساعة وانشق القمر } ألا وإن الساعة قد اقتربت , ألا وإن القمر قد انشق , ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق , ألا وإن اليوم المضمار , وغدا السباق , فقلت لأبي : أتستبق الناس غدا ؟ فقال : يا بني إنك لجاهل , إنما هو السباق بالأعمال , ثم جاءت الجمعة الأخرى , فحضرنا , فخطب حذيفة , فقال : ألا إن الله تبارك وتعالى يقول : { اقتربت الساعة وانشق القمر } ألا وإن الساعة قد اقتربت , ألا وإن القمر قد انشق , ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق , ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق , ألا وإن الغاية النار , والسابق من سبق إلى الجنة . * حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن عطاء بن السائب , عن أبي عبد الرحمن قال : كنت مع أبي بالمدائن , قال : فخطب أميرهم , وكان عطاء يروي أنه حذيفة , فقال في هذه الآية : { اقتربت الساعة وانشق القمر } قد اقتربت الساعة وانشق القمر , قد اقتربت الساعة وانشق القمر , اليوم المضمار , وغدا السباق , والسابق من سبق إلى الجنة , والغاية النار ; قال : فقلت لأبي : غدا السباق , قال : فأخبره. 25305 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن فضيل , عن حصين , عن محمد بن جبير بن مطعم , عن أبيه , قال : انشق القمر , ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة . * حدثنا ابن حميد , قال : ثنا مهران , عن خارجة , عن الحصين بن عبد الرحمن , عن ابن جبير , عن أبيه { وانشق القمر } قال : انشق ونحن بمكة . 25306 - حدثنا محمد بن عسكر , قال : ثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن عبد الحكم , قالا : ثنا بكر بن مضر , عن جعفر بن ربيعة , عن عراك , عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة , عن ابن عباس , قال : انشق القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . 25307 -حدثنا نصر بن علي , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود بن أبي هند , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قال : انشق القمر قبل الهجرة , أو قال : قد مضى ذاك . * حدثنا إسحاق بن شاهين , قال : ثنا خالد بن عبد الله , عن داود , عن علي , عن ابن عباس بنحوه . 25308 -حدثنا ابن المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن علي , عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية : { اقتربت الساعة وانشق القمر } قال : ذاك قد مضى كان قبل الهجرة , انشق حتى رأوا شقيه . 25309 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله : { اقتربت الساعة وانشق القمر } . .. إلى قوله : { سحر مستمر } قال : قد مضى , كان قد انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة , فأعرض المشركون وقالوا : سحر مستمر . 25310 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث , قال : ثنا الحسن , قال : ثنا ورقاء جميعا , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { اقتربت الساعة وانشق القمر } قال : رأوه منشقا . 25311 -حدثنا ابن حميد , قال : ثنا مهران , عن سفيان , عن منصور , وليث عن مجاهد { اقتربت الساعة وانشق القمر } قال : انفلق القمر فلقتين , فثبتت فلقة , وذهبت فلقة من وراء الجبل , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اشهدوا " . 25312 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا مهران , عن أبي سنان , عن ليث , عن مجاهد انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فصار فرقتين , فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : اشهد يا أبا بكر " فقال المشركون : سحر القمر حتى انشق . 25313 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا مهران , عن أبي سنان , قال : قدم رجل المدائن فقام فقال : إن الله تبارك وتعالى يقول : { اقتربت الساعة وانشق القمر } وإن القمر قد انشق , وقد آذنت الدنيا بفراق , اليوم المضمار , وغدا السباق , والسابق من سبق إلى الجنة , والغاية النار. 25314 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { اقتربت الساعة وانشق القمر } يحدث الله في خلقه ما يشاء . * حدثنا ابن عبد الأعلى , قال : ثنا ابن ثور , عن معمر , عن قتادة , عن أنس , قال : سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية , فانشق القمر بمكة مرتين , فقال : { اقتربت الساعة وانشق القمر } . 25315 - حدثت عن الحسين , قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وانشق القمر } قد مضى , كان الشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة , فأعرض عنه المشركون , وقالوا : سحر مستمر . 25316 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن عمرو , عن مغيرة , عن إبراهيم , قال : مضى انشقاق القمر بمكة
 السؤال: هل فهمت (يا مهندس) من هذا الكلام شيئا؟ أما أنا فلا. فلا أظن أن قدراتي العقلية المتواضعة تمكنني من سبر أغوار هذا "العلم العظيم" في بطون تلك الكتب الصفراء. لذا دعني أترك الاشتغال بها لأهل العقول الفذة من أصحاب العقائد الراسخة، لأبحث لنفسي (ومن هم على شاكلتي) عن ما يمكن لنا أن نستوعبه، داعين الله وحده أن يهدينا صراطه المستقيم.

ولما كنت أنت الآن (كما كنت أنا في يوم من الأيام) قد عشنا في بلاد الاغتراب مدة من الزمن، ورسخت العقيدة عندنا هناك بحرية الرأي والرأي الآخر، فدعنا نترك هذا القول بما فيه من علم عظيم لمن أراد التصديق بعقائد آباءه، وتعال معي لسرد على سمعك رأيا ربما يكون جديدا ومغايرا لما ألفناه، ثم سأترك الفرصة لك (كشخص مثلي يحاول أن يكون صاحب فكر محترم) أن تفاضل بين هذا التخريص الذي سنسطره نحن بعد قليل وذاك العلم العظيم الذي سطروه هم في مؤلفاتهم الخالدة بخلود عقولهم العظيمة.

أما بعد،

السؤال: كيف انشق القمر؟

جواب: دعنا نحاول الإجابة على هذا التساؤل بطرح التساؤلات التالية أولا:

- لماذا لم يأتي النص على نحو شق القمر؟

- ولم جاء على نحو انشَقَّ الْقَمَرُ؟

- وما الفرق بين أن يكون القمر قد شق أو قد انشَقَّ؟

- الخ

رأينا المفترى: نحن نظن أنه لو جاء النص على نحو شق القمر، لربما سلّمنا بفرضية انفلاق القمر نفسه، كأن يكون القمر نفسه قد انفلق إلى شطرين كما جاءنا من عند أهل لرواية. ولكن لما جاء النص على نحو أن القمر قد انشَقَّ، فإننا نرفض جملة وتفصيلا أن يكون القمر قد انفلق إلى شطرين.

السؤال: ما الذي حصل إذن؟

رأينا المفترى: لما كان القمر قد انشق، فإننا نظن أن القمر قد انفصل ككتلة كاملة عن كتلة أكبر منه. ويمكن أن نتخيل ذلك بمثال انشقاق الجيش، فعندما يحدث انشقاق في الجيش، فإن كتلة منه (بغض النظر عن حجمها) تنفصل عن الكتلة الكبيرة التي كانت تشكل بجموعها الجيش والواحد. فنحن نقول أن الفصيل الفلاني قد انشق عن الجيش، وأن القائد الفلاني قد انشق عن الجيش، وهكذا. وهذا يعني بمفردات بسيطة انفصل كتلة صغيرة عن الكتلة الأم.

فتكون الصورة على النحو التالي: يكون الجيش كله قد شق ويكون الفصيل المنفصل عنه قد انشق.

وربما ينطبق المنطق نفسه على انشقاق الثوب، فانشقاق الثوب يحدث عندما تنفصل قطعة صغيرة منه عن القطعة الكبيرة، فيكون الثوب كله قد شق وتكون تلك القطعة التي انفصلت عنه قد انشقت. وغالبا ما يكون هذا الانشقاق غير منظم. فلو كان الانفصال منظما، لأصبح ذلك يقع (نحن نفتري الظن) في باب القص، فالخياط يقص الثوب بحرفية، لأنه يعرف بالضبط ما يفعل. لكن عندما ينشق الثوب انشقاقا، فإن ذلك يحصل بطريقة غالبا ما تتصف بالعشوائية، وذلك لأنه ينقصها التنظيم في الهدف والطريقة. ولو حاول الخياط إعادة تجميع الثوب بعد الانشقاق بالخياطة، لظل أثر الانشقاق واضحا.

ولو تفقدنا النص القرآني حول هذا الموضوع، لوجدنا قصة موسى مع البحر حاضرة، فالله هو من أمر موسى أن يضرب البحر بعصاه، فحصل انفلاق للبحر، قال تعالى:

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)

لذا، نحن نفتري القول أنه كان من الواجب على علمائنا الأجلاء التمييز بين الانشقاق (الذي حصل للقمر) والانفلاق (الذي حصل للبحر)، وعدم الخلط بين الأمرين، فلو رجع القارئ إلى ما جادت به عقول سادتنا العلماء عند تفسيرهم لحادثة انشقاق القمر، لوجدناهم يتحدثون عنها بمفردات الانفلاق. فهم – برأينا- لا يميزون بين الانشقاق والانفلاق.

السؤال: ما الفرق بين الأمرين؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن من أهم سمات الانفلاق هو التنظيم، بدليل وجود فرقين (فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)، عادا معا في نهاية المطاف إلى وضعهما الطبيعي. فبعد أن جاوز موسى ببني إسرائيل البحر ضاربا لهم طريقا في البحر يبسا، وما أن دخل فرعون ومن معه في تلك الطريق حتى أطبق عليهم البحر من جديد، فعاد البحر إلى وضعه الطبيعي الذي كان عليه قبل حصول الانفلاق، فما ترك الانفلاق أثرا واضحا يمكن رؤيته بعد تلك الحادثة.

أما في حالة الانشقاق فإنه يتعذر ذلك، أي يتعذر عودة الجزء المنشق إلى الكتلة الكبيرة بنفس الآلية، ويستحيل أن يعود الأمر إلى سالف عهده كما كان من ذي قبل. وذلك لأن الانشقاق يكون عشوائيا، ينقصه التنظيم. فعندما ينشق الثوب، فإن من الاستحالة أن يعود إلى سالف عهده ويكأن شيئا لم يكن، فلابد أن يبقى أثر الانشقاق واضحا حتى لو عملت على إعادة تجميعه من جديد. وهذا ما يحدث – برأينا- في حالة انشقاق فصيل من الجيش عن الجيش كله، فحتى لو حصلت العودة إلى أحضان الجيش الأم، لحصل ذلك بالتجميع، بعد أن تحصل هناك بعض التصفيات لعناصر من الفصيل المنشق، فيحدث ذلك أيضا بطريقة التجميع.

نتيجة مهمة جدا جدا: عندما يحصل عودة للطرف المنشق إلى أحضان الكتلة الكبيرة التي انشق عنها فإن ذلك يحدث بطريقة التجميع. انتهى.

السؤال: ما علاقة هذا بانشقاق القمر؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن ما حدث في حالة انشقاق القمر كان على النحو التالي: كانت هناك كتلة كبيرة عملاقة جدا. انفصل جزء من تلك الكتلة عن الكتلة الأم، سميت هذا الكتلة الصغيرة التي انشقت بالقمر، فكان القمر بذلك قد انشق (انشَقَّ الْقَمَرُ).

السؤال: ما هي الكتلة الكبيرة التي انشق القمر عنها؟ أو ما هي الكتلة الكبيرة التي شقت؟

جواب مفترى خطير جدا جدا لا تصدقوه إن استطعتم: إنها الشمس. انتهى.

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: لم يكن القمر (ككتلة منفصلة) موجودا عندما انطلقت الساعة (مؤذنة ببداية رحلة الكون). ولكن كانت الشمس حاضرة حينئذ. أخذت الشمس تجري في فلكها، متجهة نحو مستقرها. وما أن وصلت الساعة إلى المنتصف، حتى حصل أمر جلل، إيذانا ببداية النصف الثاني من الرحلة، وما أن تجاوزت الساعة مرحلة المنتصف حتى بدأت مرحلة الثقل، وهنا بالضبط انشقت قطعة صغيرة (هي القمر) عن الكتلة الأم الكبيرة (هي الشمس)، فكان ذلك إيذانا باقتراب الساعة:

اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)

فأصبحت هذه الكتلة الصغيرة المنشقة عن الكتلة الكبيرة تجري في فلكها الخاص بها:

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)

لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)

فكان ذلك هو بداية العلم بالسنين والحساب:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)

نتيجة مفتراة: بدأت رحلة الساعة من نقطة الخلق الأول، ولم يكن القمر حاضرا حينئذ ككينونة منفصلة مستقلة. واستمر الأمر على تلك الشاكلة حتى بلغت الساعة مرحلة المنتصف، وما أن تجاوزت الساعة نقطة المنتصف إيذانا ببدء النصف الثاني من دورة الحياة حتى حصل انشقاق القمر، فسَبَحَ القمر في فلك خاص به، مستقلا عن الفلك الذي تسبح فيه الشمس:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (12)

وهناك بالضبط (نحن نفتري القول) بدأت مرحلة السنين والحساب (وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ).
نتائج مفتراة مهمة جدا

- لم يكن القمر حاضرا عند نقطة الخلق الأولى

- كانت الشمس حاضرة حينئذ

- وصلت الساعة إلى نقطة المنتصف

- ما أن تجاوزت الساعة نقطة المنتصف حتى انشق القمر

- انشق القمر عن الشمس

- كان ذلك من أجل العلم بعدد السنين والحساب

- كانت تلك آية من آيات الله الكونية

- سبح القمر في فلك خاص به

- استمرت الشمس تسبح في فلكها الخاص بها

- أصبح من الاستحالة أن تدرك الشمس القمر، فما عاد ممكنا أن تجمع مرة أخرى ما انشق منها

- الخ.


الدليل

بداية، لعل من الأمانة العلمية القول بأن فكرة انشقاق القمر عن الشمس قد سمعتها من مصادر أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبح من العسير أن أحددها، فالمتحدثون عن هذه القضية يذكرون الأمر من باب الاستعجال، غير المضبوط بقواعد التوثيق العلمي، فلا تشكل أكثر من فكرة سريعة تلقى على مسامع المتصفحين لتلك المواقع على عجل. ولعل أهم ما ينقصها – برأينا- هو جلب الدليل الذي يثبت أو ينفي ما يفترونه من قول. أما نحن، فإننا سنحاول تثبيت الفكرة نفسها بجلب الدليل الذي نعتقد أنه يؤيد ما قدمنا من افتراءات في هذا الجزء من المقالة.

لو تفقدنا النص القرآني على مساحته لوجدنا التلازم الواضح بين الشمس والقمر:

فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)

إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)

اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)

وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18)

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13)

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)

وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)

الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)

وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)

يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)
    

ولو تفقدنا النص القرآني على مساحته لما وجدنا أن هناك تلازما بين الشمس والأرض أو القمر والأرض، بل نجد التلازم جلينا  بين السموات والأرض، لنخرج من ذلك بالافتراءات التالية:

- وجود الشمس والقمر هو لخدمة ما في الأرض

- تلازم السموات والأرض

- تلازم الليل والنهار

- تلازم الشمس والقمر

- تبعية القمر للشمس

- انشقاق القمر عن الشمس

- العلم بالسنين والحساب

- الخ.

أين الدليل على صحت هذا الكلام؟

أولا، لو تدبرنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن الدليل حاسم على الترابط بين الشمس والقمر فقط، قال تعالى:

يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)

السؤال: ما معنى أن واحدة من أحداث يوم القيامة هو جمع الشمس والقمر على وجه التحديد (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ

رأينا المفترى: مادام أن القمر قد انفصل ككتلة صغيرة عن الشمس، فسبح في فلك خاص به، واستمرت الشمس تسبح في فلك خاص بها، فإن تلاقيهما من جديد لن يحدث إلا في نهاية الرحلة كلها. فعندما تقترب الساعة من موعدها، تبدأ الفجوة بين الشمس والقمر تضيق شيئا فشيئا على طول تلك الرحلة حتى يتلاقيا من جديد، فيجمع الشمس والقمر ككتلة واحدة مرة أخرى.

ثانيا، دعنا نتدبر الآية الكريمة التالية:

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)

فنحن نفتري القول بأن هذه الآية الكريمة تبين لنا (كما نفهمها) عدم وجود الشمس والقمر معا في آن واحد، فوجود القمر كان تاليا لوجود الشمس. ولو تدبرنا هذه الآيات الكريمة في سياقها الأوسع، لربما خرجنا باستنباطات غاية في الخطورة نظن أنها غير مسبوقة:

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)

الافتراءات

- القمر يتلو الشمس (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا)

- النهار يجلي الشمس (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا)

- الليل يغشى الشمس (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا)

- السماء مبنية (وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا)

- الأرض مطحاة (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا)

إن أهم ما يمكننا أن نستنبطه هنا مخالفين تماما كل النظريات البشرية هو أن الليل والنهار لا يتكونان بفعل الشمس (كما درسنا في معاهد المعرفة البشرية)، ولكن النهار موجود منفصلا عن الشمس وهو الذي يقوم بتجلية الشمس (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا)، والليل موجود منفصلا عن الشمس وهو الذي يقوم بتغشية الشمس (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا). لو تفقدنا الآية لكريمة التالية لوجدنا ذلك – برأينا- جليا، قال

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)

فالآية الكريمة تصور لنا خلق الليل والنهار سابقا لخلق الشمس والقمر.

نتائج هذا الفهم المفترى: نحن نظن أن الافتراءات المفتراة التالية هي النتائج الطبيعية لهذا الفهم (ربما الخاطئ) الجديد.

أولا، نفي ما يسمى بقانون الجاذبية جملة واحدة، فالشمس لا تجذب إليها شيئا، بل هي تسير في فلك خاص بها حتى تنتهي إلى نقطة النهاية.

ثانيا، القمر لا ينجذب إلى شيء، فهو يسير في فلك خاص به

ثالثا، انتظام مسير الشمس والقمر في أفلاك متوازية متقاربة هو ما سبب الخلط في الفهم، فظن أهل المعرفة أن سبب هذا الانتظام هو ما يسمى بقانون تجاذب الكتل.

رابعا، النهار موجود ككينونة منفصلة عن الشمس وهو الذي يجلي الشمس

خامسا، الليل موجود ككينونة منفصلة عن الشمس وهو الذي يغشيها

سادسا، الأرض هي الكينونة المركزية، ولا علاقة لها بالشمس والقمر، الموجودان أصلا لخدمتها.

سابعا: إن أهم خدمة للشمس لما في الأرض هي الرزق (انظر الأجزاء السابقة من هذه المقالة)

ثامنا: إن أهم خدمة يقدمها القمر لمن في الأرض هو معرفة السنين والحساب.

تاسعا: علاقة الأرض منظورة مع السماء، ففي حين أن الارتباط للقمر مع الشمس، فإن ارتباط الأرض مع السماء.

عاشرا: حصل التباعد بين الأرض والسماء بطريقة بالفتق:

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)

السؤال: كيف حصل ذلك؟

جواب مفترى: هذا ما سنتناوله في الأجزاء القادمة بإذن الله

السؤال: ما أهمية ذلك؟

رأينا: نحن نظن أن من أراد أن يفهم ما فعله فرعون في قتاله رب موسى، وفي بلوغه الأسباب، فعليه أولا أن يفهم هذه الآيات الكونية. وليس أدل على ذلك مما حصل في المحآجة الشهيرة بين إبراهيم وذاك الذي آتاه الله الملك:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)

وللحديث بقية


نسأل الله وحده أن ينفذ مشيئته وإرادته لنا الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيرنا، إنه هو العليم الحكيم، وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا. وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، فالله وحده أدعو أن أكون ممن أتوه بقلب سليم، فهداهم الصراط المستقيم، إنه هو العليم الخبير – آمين.



المدّكرون: رشيد سليم الجراح & المهندس يزن علي سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان


بقلم د. رشيد الجراح


11 شباط 2016