قصة يونس - الجزء الثالث والعشرون



قصة يونس – الجزء الثالث والعشرون

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)


كان الافتراء الأكبر الذي حاولنا تسويقه في الجزء السابق من هذه المقالة هو التالي: في مكان محدد على الأرض وفي ليلة محددة بذاتها تبدأ مراسم تلك الليلة التي هي خير من ألف شهر. وزعمنا الظن بأن البقعة المباركة من الشجرة في الواد المقدس طوى التي تقع بجانب الطور الذي يقع حول المسجد الأقصى هو ذلك المكان الذي تحصل فيه الليلة التي هي خير من ألف شهر. وفي تلك البقعة تحدث الليلة مرة واحدة بعد كل ألف شهر شمسي (أي يوم وليلة معا)، وفي ذلك الوقت بالذات يُفرق كلُّ أمر حكيم:

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)

ونحن نكاد نجزم الظن بأن لتلك الليلة "طقوسها" الخاصة بها، التي تجعلها مميزة عن بقية الليالي الألف التي سبقتها.

السؤال: ما هي تلك الطقوس إن صح ما تزعم؟ يسأل صاحبنا مستغربا.

جواب مفترى 1: في تلك الليلة تنزّل الملائكة

جواب مفترى 2: في تلك الليلة تنزل والروح

جواب مفترى 3: تكون تلك الليلة كلها سلام حتى مطلع الفجر:

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)

دعنا نحاول مناقشة هذه الافتراءات تباعا.

أولا، باب تنزل الملائكة

لنبدأ بتنزّل الملائكة أولا، طارحين التساؤل التالي: لماذا تنزل الملائكة في تلك الليلة؟

جواب مفترى: نحن نظن أن تنزل الملائكة لا يكون إلا بالحق. فعندما طلب الكافرون من الرسول الكريم أن يأتيهم بالملائكة كدليل على صدق رسالته:

وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7)

جاء الرد الإلهي القاطع بأن تنزل الملائكة لا يكون إلا بالحق:

مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)

السؤال: ومتى يمكن أن تنزل الملائكة إذا؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الآية الكريمة التالية تجيب (كما نفهمها) على هذا التساؤل، قال تعالى:

وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا (25)

نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا: هناك يوم تشقق السماء بالغمام (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ)، ويصاحب ذلك تنزل الملائكة تنزيلا (وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا)

السؤال: لماذا تنزل الملائكة تنزيلا يوم تشقق السماء بالغمام؟

جواب مفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن تشقق الغمام هو العلامة الكبرى التي تدل على أن الإله قد أتى بنفسه:

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُورُ (210)

أي يتدلى الإله بنفسه حتى يكون قاب قوسين أو أدنى:

ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)

السؤال: لماذا؟ وكيف؟ أي لماذا يكون تشقق الغمام مصاحبا لتدلي الإله نفسه؟ وكيف يكون ذلك؟

رأينا: لو تدبرنا الآية الكريمة نفسها، لوجدنا (نحن نفتري القول) بأن الغمام مصاحب للذات الإلهية فقط ولا يكون الغمام مصاحبا للملائكة بدليل الفصل الواضح بينهما. انظر الآية الكريمة مرة أخرى:

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُورُ (210)

فلو كان الغمام مصاحبا للذات الإلهية وللملائكة معا لجاء النص القرآني (نحن نفتري القول) على النحو التالي:

هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام...

ولكن لمّا كان الغمام خاصا بالذات الإلهي وجب (نحن نفتري القول) الفصل على نحو (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ) ثم جاء ذلك متبوعا بقوله تعالى (وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُورُ)

السؤال: لماذا يكون الإله نفسه في ظلل من الغمام (أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ

جواب مفترى: تحدثنا في مقالات سابقة لنا عن هذه الجزئية، ورفضنا جملة وتفصيلا منطق أهل اللغة الذي يقول بأن حرف الجر "في" يعني الدخول في المكان، كقولنا مثلا:

زيد في الدار
لتعني أن زيدا موجود داخل الدار، فلو كان هذا المفهوم صحيحا لجاز لنا أن نقول بأن الإله موجود داخل ظلل من الغمام عند قراءتنا للآية الكريمة قيد التدبر:

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُورُ (210)

السؤال: هل الله فعلا موجود داخل ظلل من الغمام؟

جواب مفترى: كلا وألف كلا. فالله ليس موجود داخل شيء، لأنه لو كان الأمر كذلك لأصبح هناك ما يمكن أن يحيط به، وهو القائل بأنه هو المحيط بكل شيء:

وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا (126)

أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ (54)


السؤال: كيف نفهم أن الله هو من أحاط بكل شيء (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ) وفي الوقت ذاته أنه سيأتي في ظلل من الغمام (أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ

رأينا المفترى: نحن لا نتردد في مخالفة أهل اللغة في تقديم افتراء جديد (هو من عن أنفسنا) مفاده أن حرف الجر "في" لا يحمل في ثناياه الدخول في الشيء وإنما يدل على معنى الخفاء فقط. فعندما نقول مثلا:

زيد في الدار
فهذا يعني (نحن نفهم القول) أن الدار هي ما تحجز رؤيتنا لزيد في تلك اللحظة. فلو حاولت أن تنظر إلى زيد في تلك اللحظة لن تستطيع رؤيته مادام أنه في الدار. وليس أدل على ذلك من قولنا

زيد يقف على الشباك
فبالرغم أن زيداً موجود داخل الدار في تلك اللحظة إلا أننا لا نقول أنه في الدار. فعندما نقول بأن زيدا يقف على الشباك وهو موجود داخل الدار، فإن عنصر الخفاء قد انتهى مادام أن رؤية الشخص أصبحت ممكنه حتى رغم وجوده داخل الدار. فما عاد زيد بالنسبة لنا في الدار لأن رؤيته أصبحت ممكنة مادام أنه يقف على الشباك. ولو جاءك شخص وقال لك بأن ابنتك تقف على الشباك لربما رجعت غاضبا إلى الدار لتعرف سبب وقوفها على الشباك وذلك لأن رؤيتها من قبل المارة أصبحت ممكنة، فما عادت إذن في الدار. ولكن بالمقابل لو قال لك ذاك الشخص نفسه بأن ابنتك في الدار لربما لم يسبب ذلك لك (كعربي حمش) حرجا لأنك تعرف أن عنصر الخفاء واضح في القول (في الدار).

(للتفصيل: انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان: معنى حرف الجر على في العربية)

إن ما يهمنا افتراءه هنا هو القول بأن الآية الكريمة قد التدبر:

هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الامُورُ (210)

تبيّن لنا (كما نفهمها بالطبع) بأن الغمام هو الذي يمنع الرؤيا المباشرة للإله، ولا يدل ذلك على أن الإله موجود داخل الغمام إطلاقا. وبكلمات أخرى نحن نفتري القول بأن عبارة (أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ) تدلنا على أن الغمام يشكل حاجزا لنا يمنعنا من رؤية الإله لمن أراد ذلك. وليس أدل على ذلك من طلب موسى نفسه:

وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ...

فحتى يستطيع موسى أن يرى الله، فلابد من أن ينكشف ذلك الغمام (أي الحاجز) الذي يمنع الرؤيا البشرية المباشرة للإله، وهذا – برأينا- هو التجلي (أي انكشاف الغمام لتحصل الرؤيا المباشرة)، لذا طلب الله من موسى أن ينظر إلى الجبل حتى يلبي له طلبه ذلك. وانظر (إن شئت) تتمة الآية الكريمة السابقة:

... قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)

السؤال: ما الذي حدث عندما تجلى الله للجبل؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الغمام الذي يمنع الرؤيا البشرية للإله قد بدا يتشقق، وهذا ما نفهمه من معنى التجلي.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: عندما يتشقق الغمام الذي يمنع الرؤيا البشرية المباشرة للإله فإن ذلك يسمى تجلي الإله

وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا (25)

إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)


خروج عن النص في استراحة قصيرة: تَجَلَّى الإله

غالبا ما يردد أهل العلم على مسامع الناس كلمات جميلة في اللّحن (ربما غير مفهومة المعنى عند السامع والمتكلم)، فتطرب لها آذانهم وإن لم تعقلها قلوبهم، فيظن الكثيرون منهم أنها فعلا من الدين. ولكنهم قد لا يعوون تبعات ما يقولون لأنهم ببساطة ربما لا يفهمونها كما يجب أن تفهم. ولتبسيط الفكرة دعنا نقدم ما يقوله بعض الخطباء على المنابر عن هذه المفردة (أي مفردة تَجَلَّى ومشتقاتها). ففي خطب الجمعة وفي أيام وليالي رمضان المبارك وفي أشهر الحج (خاصة يوم الحج الأكبر)، يردد الخطباء عبارات رنانة كالعبارات التالية:

- هذا يوم يتجلى الله فيه على عباده

- في هذه الساعة يتجلى الله على العالمين

- في هذه المناسبة يتجلى الله على المؤمنين

- الخ.

ولا أخفيك عزيزي القارئ سرا إن قلت بأن الخوف الشديد (وربما الذعر) ينتابني كلما أسمع مثل هذه العبارات من سادتنا أهل العلم، ولا أخفيك سرا أنني كنت في بعض الأحيان أحاول أن لا أنظر حولي، وكم حاولت أن أضع يداي على وجهي مغمضا عيناي على الفور حتى لا أرى ما يحدث حولي. فهل تدري - عزيزي القارئ- لم كانت هذه ردة فعلي عندما أسمع قولهم بأن الإله يتجلى عليهم؟

جواب: لأني كنت أستذكر على الفور تجلي الإله للجبل وما حصل له، قال تعالى:

... فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا...

فكانت مخيلتي تدور حول ذلك المشهد الذي تصوره هذه الآية الكريمة، مرددا في نفسي القول: إذا كان الجبل قد جعله الله دكا عندما تجلى له، وإذا كان موسى قد خر صعقا وهو لا ينظر إلى التجلي الإلهي مباشرة، فما الذي سيحصل لنا لو أن الله فعلا قد تجلى لنا في هذه الساعة (كما يردد هذا الخطيب المفوّه الذي ربما هو - في ظني – لا يعي ما يقول عندما يكون واقفا على المنبر ممسكا بالميكرفون يصيح بأعلى صوته في الجموع الكبيرة من تحته).

السؤال: أما آن لهؤلاء "الببغاوات" أن يتدبروا للحظة ما يخرج من أفواههم من كلمات ربما لا يدركون خطورة مدلولاتها. من يدري؟!!!

عودة على بدء

نتيجة مفتراة مهمة جدا (1): نحن نظن أن التجلي الإلهي يحدث عندما يتشقق الغمام.

نتيجة مفتراة مهمة جدا (2): نحن نظن أن هذا التشقق للغمام يصاحبه تنزل الملائكة تنزيلا

وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا (25)

السؤال: لكن هل هذا التشقق للغمام يحدث فعلا في تلك الليلة؟

جواب مفترى: كلا وألف كلا. فلو حصل أن تشققت السماء بالغمام لصاحب ذلك حدوث الصاعقة كما حصل مع موسى الذي خر صعقا:

... فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا...

وكما حصل مع النفر من بني إسرائيل اللذين طلبوا الرؤيا المباشرة للإله:

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55)

(للتفصيل أنظر الأجزاء السابقة من هذه المقالة)

ونحن نظن أن تشقق السماء بالغمام كلّيا لن يحدث إلا مرة واحدة، وهو يوم الحساب

إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)

السؤال: ما الذي يحدث إذن في تلك الليلة المباركة؟

جواب مفترى: يدنو الإله ويتدلى دون أن يتشقق الغمام:

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)

نتائج مفتراة:

- يكون الإله في الأفق الأعلى

- يدنو الإله فيتدلى

- يكون الإله قاب قوسين أو أدنى

- في تلك الحالة يحدث الوحي من الله إلى عباده المرسلين كنوح وإبراهيم وموسى ومحمد

- الخ.

ثانيا: باب تنزل الروح

لا تتوقف علامات تلك الليلة المباركة على تنزل الملائكة فقط وإنما يحصل أيضا تنزل الروح فيها. وانظر – إن شئت- في الآيات الكريمة مرة أخرى:

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)

السؤال: ما الروح؟

لو تدبرنا ما حصل في قصة خلق المسيح عيسى بن مريم لوجدنا أن الروح كان حاضرا، فالله هو من أرسله إلى مريم:

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

وما أن وجدته مريم في مكان خلوتها حتى استعاذت بالله منه لأنه كان تقيا (أي لا تستطيع الأبصار أن تراه رأي العين إلا بإذن الله):

قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18)

(للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا: كيف تم خلق عيسى بن مريم؟)

فما كان جوابه أكثر مما جاء في قوله تعالى مكملا السياق القرآني نفسه:

قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)

نتيجة مفتراة: يمكن أن يتواجد الروح فعليا في تلك الليلة المباركة.

السؤال: من هو الروح الذي سيتواجد في تلك اللحظة؟

رأينا المفترى: إنه روح القدس

وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)

ولو دققنا في السياقات القرآنية الخاصة بروح القدس لوجدناها مصاحبة على الدوام لعيسى بن مريم:

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)

إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (110)


السؤال: ما الذي يمكن أن نستنبطه من ذلك؟

رأينا المفترى والخطير جدا جدا: روح القدس هو الروح الذي ينزل في تلك البقعة المحددة من الأرض (أي القدس)

السؤال: لماذا؟

رأينا: لأنه هو الموكل بتنزيل الكتاب:

وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)

فالكتاب الذي في اللوح المحفوظ مكتوب باللغة الإلهية (ألم، المر، حم، عس، عسق، ن، ق، كهيعص، طس، طسم) هو – نحن نفتري القول من عند أنفسنا- في يد روح القدس، الذي ينزل بالكتاب في تلك الليلة إلى تلك البقعة المباركة من الشجرة في الواد المقدس طوى.

السؤال: ماذا عن الروح الأمين؟

جواب مفترى: الروح الأمين هو الذي يتولى نقل آيات الكتاب بلغته الإلهية ليلقي به على قلب الرسول:

وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)

والروح الأمين (نحن نفتري القول من عند أنفسنا – هو الموكل بقراءته على محمد شيئا فشيئا:

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)

حتى يتم فرقه كله:

وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106)

نتائج مفتراة مهمة جدا

- في تلك الليلة تنزل الملائكة تنزيلا

- في تلك الليلة ينزل روح القدس بالكتاب المبين

- في تلك الليلة يتولى الروح الأمين تنزيله على قلب الرسول

إن هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا يجبرنا على طرح التساؤل التالي: ما الروح؟

رأينا: غالبا ما خلط الناس المفردات بعضها ببعض دون تمحيص يبين لنا الفروقات التي ترشدنا إلى المعاني الحقيقة المقصودة من وراء استخدام تلك الألفاظ في السياقات القرآنية العديدة، فقلما نجد مثلا تميزا بين الروح والروح الأمين وروح القدس وروحنا. فهناك الروح:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)

تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)


وهناك الروح الأمين:

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)

وهناك روح القدس الذي أيد الله به المسيح عيسى بن مريم والذي نزل بالكتاب:

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)

إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (110)


وهناك روحنا الذي أرسل إلى مريم فتمثل لها بشرا سويا:

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91)

وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)

وهناك روحي الذي نفخ في آدم:

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)


ليكون السؤال: ما الذي يمكن أن نستنبطه من هذا التنوع اللفظي الذي لا شك يصاحبه اختلاف في المعنى؟

رأينا: بداية نحن نظن أن مفردة الروح تدل على المفرد (روح واحد) والجمع (أكثر من روح) في آن واحد. فالمفردة هي مفردة جامدة لا يشتق منها المفرد والجمع بلفظين وإنما يستخدم المفرد والجمع بنفس اللفظ، فهي كلمة غير معدودة (uncount بالمفردات الأجنبية). ولتبسيط الفكرة دعنا نقدم المثال التالي: لو أنت استخدمت مفردة ككلمة بندورة وملوخية وهواء، الخ لوجدت أنها تستخدم على صيغة واحدة ولا يمكن اشتقاق صيغة للمفرد وأخرى للجمع منها، ولكن لو أنت أخذت مفردة ككلمة تفاح أو برتقال أو ليمون لوجدت أنها تستخدم على لفظين مفرد وجمع كما في الشكل التالي:

الكلمة
مفرد
المثنى
جمع
التفاح
البرتقال
الليمون
الخ
تفاحة
برتقالة
ليمونة
تفاحتان
برتقالتان
ليمونتان
تفاح
برتقال
ليمون
البندورة (طماطم)
الملوخية
الهواء
؟
؟
؟
؟
؟
؟
؟
؟
؟

السؤال: لماذا؟ أي لماذا لا نستطيع اشتقاق المفرد والمثنى والجمع من الكلمات في الجزء الأخير من الجدول السابق (بندورة، ملوخية، هواء، الخ)؟

جواب: لأن هذه مفردات جامدة لا يمكن اشتقاق العدد منها؟

السؤال: كيف يمكن أن نستخدمها في حالة المفرد أو المثنى أو في حالة الجمع؟

جواب: نحن نستخدم المفردة نفسها في حالة المفرد والمثنى والجمع بالاستعانة بمفردة أخرى هي التي تغير شكلها. فنحن نقول مثلا حبة بندورة وحبتان بندورة وثلاث حبات بندورة، وكيلو بندورة وثلاث كيلو بندورة، وصندوق بندورة وعشرة صناديق بندورة، وسيارة بندورة وأربع سيارات بندورة، ومزرعة بندورة ومزارع بندورة، وهكذا.

ولكننا نقول بالمقابل تفاحة تفاحتان ثلاث تفاحات عشر تفاحات دون الحاجة للاستعانة بمفردات أخرى لتدل على العدد، وهكذا. فكلمة التفاح تقبل أن تغير شكلها بنفسها في الإفراد (تفاحة واحدة) والتثنية (تفاحتان) والجمع (ثلاث تفاحات)، فتغيرت الكلمة بذاتها بناء على العدد، بينما نجد بالمقابل أن كلمة البندورة لا تقبل أن تغير شكلها، فتتخذ الشكل نفسه في حالة الإفراد (حبة بندورة واحدة) والتثنية (حبتان بندورة) والجمع (ثلاث حبات بندورة)، ولو دققت عزيزي القارئ جيدا لوجدت أنه في هذه الحالة استعانت كلمة البندورة بمفردة (حبة، حبتان، حبات، وهكذا) لتساعدها في تبيان العدد.

السؤال: ما علاقة ذلك بمفردة الروح؟

جواب مفترى: نحن نظن أن مفردة الروح من الناحية العددية هي كمفردة البندورة، فهي كلمة جامدة لا يمكن اشتقاق العدد منها بذاتها، لذا فهي تستخدم بذاتها لتدل على روح واحدة (الروح) وأكثر من روح واحدة (الروح). فيصبح الجدول السابق على النحو التالي:

الكلمة
مفرد
المثنى
جمع
التفاح

البرتقال

الليمون

الخ
تفاحة

برتقالة

ليمونة
تفاحتان

برتقالتان

ليمونتان
تفاح

برتقال

ليمون
البندورة (طماطم)

الملوخية

الهواء

الروح
؟

؟

؟

؟
؟

؟

؟

؟
؟

؟

؟

؟

السؤال: ما تبعات هذا الظن؟

جواب مفترى: عندما يأتي الحديث عن الروح لابد إذن من فهم ماهية الروح. فيبدأ طرح التساؤل على النحو التالي:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)

عندها يجب – نحن نفتري القول- أن نركز على ماهية الروح، طارحين التساؤل التالي: هل هي روح واحدة؟ أم هل هي أكثر من روح واحدة؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: هي روح واحدة وهي أكثر من روح واحدة في الوقت ذاته.

السؤال: كيف يكون ذلك؟

جواب مفترى: لاشك أن لله نفسه روح واحدة وهي التي نفحها بنفسه في آدم:

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)

ولكن بالوقت ذاته لاشك أن الروح التي أرسلها الله إلى مريم لم تكن روحه وحده بل كانت متعددة بدليل أنها (رُوحَنَا):

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91)

وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)


السؤال: كيف يكون ذلك؟ هل أرسل الله إلى مريم أكثر من روح؟

جواب: كلا، بل هي روح واحدة، ولكنها لم تكن روح الله وحده ولكنها روح الله وروح غير الله اجتمعت جميعا لتشكل روح واحدة هي التي أرسلت إلى مريم:

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

السؤال: لم أفهم ما تقول، كيف يمكن تبسيط الفكرة بطريقة يمكن استيعابها دون فلسفة زايدة؟

جواب: يجب أن تكون لديك القدرة عزيزي القارئ على أن تتخيل أن الروح هي كينونة واحدة قابلة أن تجزئ نفسها إلى كينونات أصغر منها، فهي بالنهاية كتلة واحدة يمكن أن تتجزأ إلى كتل أقل منها في الحجم، ويمكن أن تتجمع معا مرة أخرى لتشكل في النهاية كتلة واحدة. فالكتلة الواحدة التي تجتمع فيها كل الكتل المنقسمة منها هي روح الله نفسه:

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)

وهي التي تعرج إلى الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة:

تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)

ولكن تلك الكتلة الهائلة النهائية هي التي تنقسم منها كتل أقل في الحجم فتشكل الروح (الجمع)، فينتج عنها روح القدس:

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)

إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (110)


وينتج عنها الروح الأمين:

وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196)

وهكذا.

السؤال: لماذا؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: لأن الروح هي "القوة" المنفذة للقول الإلهي. فإذا أراد الله أن ينفذ قوله بشيء، فإن المسئول عن تنفيذ الأمر الإلهي هو الروح (ككتلة واحدة)، قال تعالى:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)

فما يكون من تلك الروح إلا أن تتجزأ، فبتزل بعضعا على من يشاء من عباده:

أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (2)

رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)


ويأتي بعضها كوحي للرسل:

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)

ولكنها تتجمع كلها في النهاية لتشكل الروح (الكتلة الكلية) التي ستقوم والملائكة لرب العالمين.

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا مهمة جدا: الروح قابلة على أن تتمثل (أي التشكل) بكليتها أو بأجزائها، وليس أدل على ذلك من أنها تمثلت لمريم بشرا سويا:

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

وعملية تمثل الروح (أي تشكلها) سهلة جدا بدليل أنه تتم بالنفخ:

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ

فروحنا التي تمثلت لمريم بشرا شويا انفصل شيء منها (بالنفخ) ودخل فرج مريم حتى أصبح المسيح روح من الله:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (171)

نتيجة مفتراة: المسيح ابن مريم هو كلمة الله وروح منه

وهذه الروح يمكن أن يؤيد الله بها من يشاء من عباده كما في قوله تعالى:

لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)

نتيجة مفتراة: لا يمكن لبشر غير المسيح عيسى ابن مريم أن يكون كلمة الله وروح منه لكن يمكن أن يؤيدنا الله بروح منه.

(دعاء: اللهم أسألك أن أكون من عبادك المؤمنين الذين تؤيدهم بروح منك، إنك أنت السميع البصير – آمين)

عودة على بدء

دعنا نعود إلى صلب الموضوع بالنتيجة المفتراة من عند أنفسنا التالية: هناك الملائكة وهناك الروح، وجميعها تتنزل في تلك الليلة المباركة التي هي خير من ألف شهر:

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4)

وفي تلك الليلة المباركة يفرق كل أمر حكيم:

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)

السؤال: ما نتيجة تنزل الملائكة والروح في تلك الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم؟

جواب مفترى: عندما يتنزل الملائكة والروح فعليا في تلك الليلة تكون هي سلاما، فيستمر ذلك السلام حتى مطلع الفجر:

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)

السؤال: كيف تكون تلك الليلة سلاما؟

جواب مفترى: نحن نظن أن السلام يأتي من السماء، أي من الله نفسه:

قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)

فلو راقبنا مفردات هذه الآية بدقة لوجدنا أن السلام فقط مرتبط بالإله نفسه. فالله يأمر نوح بالهبوط يحفه السلام من الله مباشرة (اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا). ولكنه لم يقل (اهبط بسلام وبركات منا) أو(اهبط بسلام منا وبركات منا). فارتبط السلام هنا بالإله فقط.

ولو دققنا في الخطاب الذي جرى بين الملائكة (رسل ربنا) من جهة وإبراهيم من جهة أخرى في زيارتهم التاريخية له ولأهل بيته لوجدناه على النحو التالي:

وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)

إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52)

إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (25)


السؤال: إذا كان خطاب الملائكة إبراهيم كان مبدوء بالسلام، فأين البركات؟

جواب مفترى: نحن نظن أن البركات قد جاءت في الآية الكريمة التالية التي تتحدث عن أهل بيت إبراهيم:

قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73)

نتيجة مفتراة 1: السلام جاء على جميع الحاضرين بمن فيهم إبراهيم نفسه : وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَمًا

نتيجة مفتراة: الرحمة والبركات جاءت خاصة بأهل البيت (ويستثنى من ذلك إبراهيم نفسه): رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ

(للتفصيل حول هذه الجزئية انظر سلسلة مقالاتنا: لماذا قدم نبي اله لوط بناته بدلا من ضيوفه؟)

نتيجة مفتراة: تصبح تلك الليلة سلاما حتى مطلع الفجر وتكون تلك الليلة مباركة.

السؤال: لماذا هي ليلة مباركة؟

جواب مفترى: لأن البركات تأتي من السماء ومن الأرض

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96)

قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)

قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73)


إن هذا التصور المفترى من عند أنفسنا يعيدنا على الفور إلى طرح جملة من الافتراءات الخاصة بطقوس تلك الليلة المميزة التي هي خير من ألف شهر، ففي تلك الليلة تكون الطقوس (كما نتخيلها) على النحو التالي:

- ما أن تنقضي فترة الألف شهر حتى تبدأ مراسم تلك الليلة الأولى بعد مغيب شمس ذلك اليوم الذي ينهي الألف شهر كاملة لتبدأ "حكاية" ألف شهر جديدة

- تبدأ المراسم بتنزل الملائكة فيها ويتنزل الروح فيها بإذن ربهم من كل أمر

- يدنو الإله بنفسه

- يتدلى الإله حتى يكون قاب قوسين أو أدنى

- يأتي الإله في ظلل من الغمام التي تحجز الرؤيا البشرية المباشرة له

- يعم السلام المطلق عندما يأتي الإله بنفسه تلك الليلة حتى مطلع الفجر

- تبدأ طقوس "الفرقان" حيث يفرق في تلك الليلة كل أمر حكيم

- يستمر السلام ليعم تلك الليلة حتى مطلع الفجر

- تكون تلك الليلة قد حظيت بالمباركة الإلهية المباشرة

- الخ

السؤال: هل يمكن أن نشهد تلك الليلة؟

جواب مفترى: نعم يمكن أن يشهد الواحد منا طقوس تلك الليلة المباركة بنفسه، وليس أدل على ذلك مما حصل مع موسى نفسه عندما جاء على قدر في تلك الليلة المباركة:

فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)

وليس أدل من ذلك أيضا مما حصل مع محمد نفسه:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)

السؤال: كيف يمكن مراقبة تلك الليلة؟

جواب مفترى: لابد من تقدير تلك الليلة، كما لابد من معرفة علامات تلك الليلة.

السؤال: وما هي علامات تلك الليلة؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا أن من أهم علامات تلك الليلة هو ذلك النجم الذي يهوي فيها:

وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)

فذاك هو نجم الهداية لمن أرادها. فالذي يطلب تلك الهداية لابد أن يراقب ذلك النجم الذي يهوي في تلك الليلة كعلامة أولى على بداية مراسيم تنزل الملائكة والروح ومن ثم تدلي الإله بنفسه.

السؤال: كيف يمكن أن نقدر تلك الليلة حتى نستطيع أن نرى ذلك النجم يهوي ومن ثم الظفر بالجائزة الكبرى؟

جواب: لابد من أن نقدرها تقديرا كما فعل موسى. فالله هو من شهد أن موسى قد جاء على قدر:

... فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)

السؤال: ما معنى أن موسى قد جاء على قدر؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن مجيء موسى إلى ذلك المكان قد حصل في تلك الليلة المباركة (أي ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر)

السؤال: كيف علم موسى ذلك. أي كيف استطاع موسى أن يقدرها؟

جواب مفترى: لنبدأ القصة من أولها. فنحن نعلم جميعا أن موسى قد خرج هاربا من المدينة، فتوجه تلقاء مدين، سائلا ربه أن يهديه سواء السبيل:

وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22)

ولما وصل ماء مدين وجد هناك امرأتين تذودان:

وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)

فسقى لهما موسى ثم تولى إلى الظل، وهناك دعا الله أن يرزقه:

فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)

فجاءته أحداهما، تخبره دعوه أبيها له إلى بيته، وهناك قصص عليه القصص:

فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)

فطلبت تلك المرأة من أبيها (بطريقة غير مباشرة) أن يزوجها موسى:

قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)

وبالفعل أنكح ذلك الرجل الصالح موسى ابنته تلك لقاء أن يأجره:

قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)

نتيجة مفتراة: كان على موسى أن يمكث في مدين أحد الأجلين:

1. (على أقل تقدير) ثمانية حجج أو

2. (على أكبر تقدير) عشرة حجج

السؤال: أي الأجلين قضى موسى؟

جواب مفترى: لمّا كان الطالب هو رجل من الصالحين (شعيب)، فهو من كان خطابه:

وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)

ولمّا كان المطلوب منه هو موسى الذي كان خطابه:

قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)

فإن الظن أميل عندنا إلى أن موسى قد قضى الأجل الثاني وهو عشرة حجج:

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)

السؤال: لماذا؟

جواب: للإجابة على هذا التساؤل كان لابد أن نطرح التساؤلات التالية التي نظن أنها ذات صلة بالموضوع:

- لماذا آثر موسى أن يترك الرجل؟

- إلى أين سار موسى بأهله؟

- متى قفل موسى عائدا بأهله؟

- الخ.

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن موسى لم يترك مدين كرها بأهلها، ولم يكن ليتركها جراء ظلم وقع عليه فيها، ولكنه تركها لغاية عظيمة في نفسه.

السؤال: ما غاية موسى في مغادرة مدين بعد أن قضى الأجل؟

جواب مفترى خطير جدا: نحن نفتري القول بأنه لما قضى موسى الأجل في مدين، سار بأهله متجها إلى الأرض المقدسة باحثا عن ربه فيها، ليجد الهداية هناك، كما فعل إبراهيم من قبل. فالله هو من أخرج إبراهيم من النار:

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)

ولكن بالرغم من ذلك، كان خطاب إبراهيم وهو خارج من النار على النحو التالي:

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)

فكانت نجاته إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين:

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)

نتيجة مفتراة: ما أن خرج إبراهيم من النار حتى كانت وجهته إلى ربه ليهديه.

السؤال: أين كان إبراهيم ذاهبا؟ أليس ربه هو من أنجاه من النار؟ فأين هو رب إبراهيم الذي كان إبراهيم سيذهب إليه بعد خروجه من النار مباشرة؟

جواب مفترى خطير جدا: نحن نفتري القول بأن إبراهيم كان يعلم جيدا المكان الذي سيجد فيه ربه بذاته.

السؤال: وأين هو ذلك المكان؟

جواب مفترى: إنه المكان نفسه الذي توجه إليه موسى عندما سار بأهله تاركا مدين وراءه؟

نتيجة مفتراة: نحن نفتري القول بأن موسى كان أيضا يعلم جيدا المكان الذي يجد فيه ربه، فتوجه إليه مع أهله. وما أن وصل إلى مقربة من ذلك المكان حتى حصلت العلامة الكبرى التي تدل على أن موسى قد وجد فعلا ما كان يبحث عنه طيلة حياته: إنه ذلك النجم الذي هوى، فالنجم الذي هو عندما جاء محمد إلى سدرة المنتهى التي عنها جنة المأوى:

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)

هو النجم نفسه الذي هوى عندما أنس موسى نارا من جانب الطور:

إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11)

نتيجة مفتراة (1): ما أن يهوي ذلك النار حتى تشتعل تلك النار المقدسة

نتيجة مفتراة (2): في تلك الليلة المباركة يهوي ذلك النجم، فتشتعل تلك النار المقدسة، فتكون إذانا بأن الإله قد دنا فتدلى بنفسه، فذلك النجم هو نجم الهداية (الذي يهتدي به نفر قليل جدا من عباد الله الصالحين):

وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)

وما أن يهوي ذلك النجم حتى تشتعل النار المقدسة، فهي التي آنسها موسى بنفسه:

وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)

إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)


السؤال: كيف استطاع موسى أن يأنس تلك النار؟

جواب مفترى: لما كان موسى قد جاء على قدر، فهو إذا كان يقدّر تلك الليلة، أي يعلم اللغة الرياضية التي تمكنه من إجراء الحسابات (أو التقدير بكلمات أكثر دقة) كي يظفر بتلك الليلة:

إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)

مادام أن موسى قد آنس من جانب الطور نارا، فتلك النار لم تكن مكشوفة للآخرين حتى أهل موسى أنفسهم، بدليل أنها لو كانت كذلك لجاء النص القرآني على نحو أن موسى قد رأى نار يمكن للآخرين أن يروها بأم أعينهم.

إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)

لتكون النتائج على النحو التالي:

- كان موسى هو من رأى نارا

- لم يرى أهل موسى تلك النار

- آنس موسى تلك النار

- لم يأنس أهله تلك النار

- أراد موسى أن يذهب إلى تلك النار لوحده

- لم يذهب أهل موسى معه

- كان هناك احتمالان أن تكون تلك النار نارا عادية (كغيرها) فيأتيهم منها بقبس

- أو أن تكون تلك هي النار المقدسة فيجد عليها هدى

- الخ

السؤال: ما الذي حصل فعلا؟

جواب مفترى: ما أن وصل موسى تلك النار حتى تبين له أنها هي فعلا النار المقدسة التي أشعلها ذلك النجم (أي نجم الهداية):

إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11)

فطلب الله من موسى أن يخلع نعليه على الفور قبل أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام:

إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)

وذلك لأنّ البركات قد نزلت هناك بالضبط:

فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)

(للتفصيل حول هذه الجزئية انظر سلسلة مقالاتنا: قصة موسى)

السؤال: من أين جاء لموسى العلم بتلك الليلة؟ وكيف علم طقوسها؟ وكيف علم سرها؟

جواب مفترى خطير جدا: لما كانت تلك الليلة (نحن نفتري القول من عند أنفسنا) تحدث كل ألف شهر منذ أن خلق الله الأرض، كان العلم بها متوافرا في الأمم التي سبقت. فاستفاد منها من كان باحثا عن الهداية (كإبراهيم وموسى ومحمد) وخسرها من ظن أنه يهتدي بنفسه (كفرعون مثلا). لذا كان خبر تلك الليلة ومكان حصولها وطقوسها معلومة من ذي قبل.

السؤال: من كان يعلم سر تلك الليلة؟

جواب مفترى: لعلي أكاد أجزم الظن أن اللذين عرفوا سر تلك الليلة هم جميع الأمم السابقة التي نزلت بهم الحاقة، قال تعالى:

الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8) وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً (10)

وهم

- عاد (كقوم)

- ثمود (كقوم)

- وفرعون (كشخص)

فالمتدبر لهذا السياق القرآني العظيم يجد على الفور أن هناك قومان من أقوام الرسل السابقين قد نزلت بهم الحاقة وهم ثمود وعاد من قبلهم:

كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)

وكانت الحاقة التي نزلت بثمود على النحو التالي:

فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)

وكانت الحاقة التي نزلت بعاد على النحو التالي:

وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)

ولو تدبرنا السياق أكثر لوجدنا أن فرعون قد حاق به ما حاق بهم. فالترابط بين هذه الأقوام السابقة (كأقوام) وفرعون (كشخص) هو ترابط لا تكاد تنفك عراة:

وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)

السؤال: لماذا هذا الترابط العجيب بين هؤلاء الثلاثة (عاد وثمود وفرعون) على وجه التحديد؟

رأينا المفترى: لأنهم هم الذين عصوا الرسول، والآن لنقرأ النص بدقة أكبر:

الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8) وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً (10)

السؤال: كيف تكون معصية الرسول؟ أليست المعصية هي معصية الله نفسه؟ ما الفرق بين أن تعصي الله أو أن تعصي الرسول؟

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)

نتيجة مفتراة: نحن نظن أن من أبسط معاني المعصية هو أنك لا تتبع ما أمرت به. فالذي يعصي الله هو الذي لا يتبع (أو يخالف) الأمر الإلهي له كما فعل آدم من قبل:

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

فبالرغم من الأمر الإلهي الذي صدر لآدم وزوجه بأن لا يقربا الشجرة، إلا أنهما آثرا نصيحة الشيطان لهما، راغبين عن الأمر الإلهي الذي سبق، فكان في ذلك معصية لربهما.

السؤال: كيف تكون معصية الرسول:

وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)

جواب مفترى: نحن نظن أن معصية الرسول تكون بعدم الإذعان للآيات التي جاء بها ذلك الرسول حتى قد تصل الجرأة ببعضهم إلى درجة السخرية من آيات الله التي جاء بها ذلك الرسول، فيستهزئوا بالرسل ويسخرون منهم:

وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (10)

لاحظ عزيزي القارئ أن الذين سخروا واللذين استهزءوا هم اللذين حاق بهم، أي نزلت بهم الحاقة.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن عذاب الحاقة هو العذاب الذي يحيق بالذين سخروا واستهزءوا برسل الله.

السؤال: من اللذين سخروا واستهزءوا برسل الله؟

جواب مفترى: نحن نظن أن كل من استهزأ برسل الله وسخر منهم قد نزل بهم العقاب الرباني، كما حصل مع قوم نوح:

وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (39)

وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ (10)

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (41)


السؤال: لماذا نزلت الحاقة بعاد مثلا؟

جواب لأنهم جحدوا بآيات ربهم وعصوا الرسل واتبعوا أمر كل جبار عنيد:

وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)

سؤال: وماذا عن ثمود والأقوام الأخرى التي أهلكها الله؟

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)

سؤال: وماذا عن فرعون؟

جواب مفترى: نحن نظن أنه قد حل به ما حل بثمود.

السؤال: لماذا؟

لأنه هو من عصى الرسول حتى أخذه الله أخذا وبيلا:

فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)

السؤال: وكيف ذلك؟

جواب مفترى: بقتاله الله

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)

فهؤلاء هم اللذين عملوا على إخراج الرسول وقتاله، بعد أن عصوا رسول ربهم واستهزءوا به وبالآيات التي جاءتهم:

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)

وهذا فرعون يخرج بجنوده مطاردا موسى (ومن معه) إلى البحر بعد أن عصى الرسول، فأخذ أخذا وبيلا:

فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)

تلخيص ما سبق: لما كانت الأمم السابقة على علم بالآيات التي جاءتهم، ولما كان عندهم من العلم ما ظنوا أنه يمكنهم من معصية الرسل والاستهزاء بهم، شن بعضهم الحرب على الله بإخراج الرسل وتكذيب الآيات، وكانت عاد وثمود على رأس القائمة، ثم جاء من بعدهم فرعون كوريث شخصي لما كان عند ثمود وعاد من العلم، فكانت نهايتهم جميعا هي الحاقة:

الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8) وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً (10)

إن مراد القول هو أن العلم بآيات الله (كعلم ليلة القدر) كان متوافرا في عاد وفي ثمود، وقد وصل هذا العلم إلى شخص فرعون، فاستخدمه بطريقة سلبية حتى ظن بنفسه أنه هو الإله لمن حوله، مكذبا رسالة موسى:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)

فطغى الرجل وتكبر:

اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)

اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)


حتى بلغت به الجرأة أنه حشر فنادى بأنه هو ربهم الأعلى:

فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)

السؤال: لماذا وصلت الجرأة بفرعون إلى هذه الدرجة؟

رأينا: نحن نظن أن فرعون قد تجرأ على رسل الله ومن ثم على الله نفسه لأنه كان (نحن نفتري القول) يملك مقومات هذا التمرد. فعند فرعون (نحن لازلنا نتخيل) من العلم ما جعله يظن بنفسه أنه كان قادرا على الوقوف ندا قويا للإله نفسه.

تساؤلات

- ماذا كان علم فرعون؟

- من أين حصل عليه؟

- كيف حصل عليه؟

- أين ذهب ذلك العلم؟

- الخ.

السؤال الأول: ماذا كان علم فرعون؟

جواب مفترى: نحن نظن أن فرعون كان يملك علم القرون الأولى وهم عاد وثمود. ولو تدبرنا النص القرآني التالي لوجدنا أن أول شيء سأل فرعونُ موسى عنه هم تلك القرون الأولى:

قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى (52)

السؤال: كيف يمكن أن نفهم ذلك؟

افتراء خطير جدا (1): مادام أن فرعون يسأل موسى عن القرون الأولى، فهو إذا يعلم ما بال القرون الأولى، فمن غير المنطقي أن يسأل فرعون موسى عن شيء وهو لا يملك العلم فيه، لأن موسى كان سيرد عليه بالقول أنه في كتاب عند ربي لا أعلمه أنا ولا أنت. ولكن لما كان موسى لا يعلمه فهو آثر أن لا يتحدث عنه.

افتراء خطير جدا (2): لما كان ذلك العلم موجود في كتاب عند رب موسى، فإننا نستطيع أن نتجرأ على افتراء القول أن فرعون كان مطلعا على علم القرون الأولى الموجود في كتاب رب موسى. انتهى.

السؤال: ما معنى أن فرعون يملك علم القرون الأولى؟ وما معنى أنه مطلع على ما في ذلك الكتاب؟

جواب مفترى: نحن نظن أن فرعون قد استطاع أن يرى آيات الله كلها:

وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)

ولو تدبرنا جميع السياقات القرآنية على مساحة النص القرآني كله لما وجدنا أن أحدا قد أراه الله آياته كلها إلا فرعون، فحتى الرسل (كموسى ومحمد) قد رأوا من آيات ربهم ولكنهم لم يروا آيات الله كلها:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)

مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)


السؤال: لماذا كان فرعون على وجه التحديد هو من أراه الله آياته كلها؟

وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)

جواب مفترى خطير جدا جدا لا تصدقوه: لأن الله كان يحضر فرعون ليكون هو الرسول الأعظم على مر التاريخ.

ما الذي تقوله يا رجل؟ هل فعلا أنت في كامل قواك العقلية عندما تقول مثل هذا القول؟ ألا ترى أنك تفتري على الله الكذب؟

(دعاء: أعوذ بك رب أن أكون ممن يفترون عليك الكذب أو أن أكون ممن يقولون عليك غير الحق، وأعوذ بك أن أكون من الذين يظنون ظن الجاهلية، فيقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، إنك أنت السميع العليم – آمين)

السؤال المعاكس: هل لديك دليل يثبت صحة هذا الافتراء الخطير؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الآية الكريمة التالية (كما نفهمها) تنطبق على فرعون فقط، قال تعالى:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)

ليكون الافتراء الأكبر الآن هو: كان فرعون بشخصه هو من أوتي آيات الله كلها، ولكنه آثر إلاّ أن ينسلخ منها. وآثرا إلاّ أن يخلد إلى الأرض متبعا هواه، فكان مثله كمثل الكلب:

وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)

(دعاء: اللهم أعوذ بك أن يكون أمري كأمر فرعون - آمين)، وذلك لأن أمر فرعون ما كان رشيدا:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)

السؤال: كيف أوتي فرعون آيات الله كلها؟

جواب: لقد استطاع فرعون أن يحوز على علم القرون الأولى (عاد وثمود) التي لم يكن يعلمها إلا الله.

السؤال: كيف استطاع فرعون الحصول على علم القرون الأولى (عاد وثمود)؟

جواب: نحن نظن أن الآية الكريمة التالية تدلنا على طريقة فرعون في الحصول على علم القرون الأولى:

وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)

نتيجة مفتراة خطيرة جدا: نحن نكاد نجزم الظن بأن علم القرون الأولى متوافر في تلك الأوتاد التي هي من صناعة عاد وثمود، والتي أصبحت من ملكية فرعون لأنه هو الوحيد الذي حاز ما فيها من العلم النفيس.

السؤال: ما هي تلك الأوتاد؟

جواب مفترى: إنها أهرامات الجيزة في أرض مصر الخالدة.

الدليل

أولا، لما كان الله قد دمر ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون، فإننا نتجرأ على افتراء القول بأن تلك الأوتاد (الأهرامات) لم تكن من صناعة فرعون وقومه:

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (137) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (9)

افتراء خطير جدا جدا: نحن نظن أن تلك الأوتاد هي من صناعة عاد ومن تقنية ثمود، فعاد هم اللذين بدءوها وثمود هم اللذين أتقنوها بعد ذلك. وما أن حلت بهم الحاقة حتى تركتها دليلا على مساكنهم.

السؤال: أين مساكن عاد؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أنها موجودة تحت الأهرامات، تغطيها الرمال التي سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما:

وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8)

السؤال: وما هي تلك البلاد الموجودة تحت رمال الجيزة المصرية؟

جواب مفترى: إنها إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)

نتيجة مفتراة: تقع حضارة عاد في منطقة إرم، حيث يوجد فيها تلك العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد كلها، وهي موجودة حتى اللحظة تحت تلك الرمال التي تغطي المنطقة كلها بسبب نوعية العقاب الذي حل بها:

وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8)

تخيلات مفتراة: كانت حضرة عاد قائمة في منطقة الجيزة المصرية إرم، ومنها (نحن نفتري القول) اشتقت مفردة الأهرام التي لازلنا نتداولها حتى اليوم، وكانت حضارة عظيمة شيدت على علم، وامتازت بالمباني ذات العماد، وكان أطولها تلك الأهرامات التي لازالت موجودة كآية من الله على مساكنهم، وما أن كذبت عاد بآيات ربهم وعصوا رسله حتى حاق بهم العذاب، فكانت الحاقة التي حلت بهم على شكل رياح تحمل التراب، سخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما، حتى أصبحت

وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)

وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)


السؤال: هل تساءلت - عزيزي القارئ- عن سبب وجود تلك الأهرامات في تلك الأرض التي تبدو للناظر بأنها صحراء رملية لا حياة فيها؟ هل عجز أهل تلك الحضارة بما لديهم من مقومات العمارة أن يشيدوا مبانيهم تلك في أرض أكثر خصوبة؟ أليس النيل على مقربة منهم؟ لم إذن ذلك المكان؟

رأينا المفترى: لو قدّر لنا أن نكشف تلك الرمال الكثيفة التي تغطي تلك الأرض لوجدنا تحتها العجب.

السؤال: ما الذي يمكن أن نجده تحت كثبان الرمال في أرض الجيزة، أي تحت الأهرامات (إرم)؟

جواب: هذا ما سنحاول النبش فيه في الجزء القادم من هذه المقالة بحول الله وتوفيق منه.

سائلين الله أن ينفذ مشيئته وإرادته لنا الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيرنا، إنه هو العليم الحكيم، وندعوه وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأن يجعل لي من لدنه سلطانا نصيرا، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، إنه هو الواسع العليم – آمين.



المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان

بقلم د. رشيد الجراح

15 آب 2015

الجزء السابق                                               الجزء التالي