قصة يونس: الجزء الرابع والعشرون




قصة يونس – الجزء الرابع والعشرون

وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)

           - أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)

           - وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)

          - وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)

الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)


أما بعد،

كانت النتيجة التي خلصنا إليها في نهاية الجزء السابق من هذه المقالة تتلخص بافتراء من عند أنفسنا مفاده أن حضارة عاد التي أهلكها الله بالريح التي سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما:

وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8)

تقع في منطقة إرم، أي أرض الهرم، وهي – برأينا- أرض الأهرامات الواقعة في الجيزة المصرية، فكان من أهم خصائصها هي تلك العماد (الأهرامات نفسها) التي لم يخلق مثلها في البلاد كلها، وزعمنا الظن بناء على خيالنا – ربما غير المنضبط بقواعد التفكير السليم المعهودة- أن تلك البلاد لازالت موجودة حتى اللحظة تحت تلك الرمال التي تغطي المنطقة بأكملها، وذلك بسبب نوعية العقاب الذي حلّ بها:

وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)

ويمكن أن نقدم (بناء على فهمنا لهذا السياق القرآني) بعض الافتراءات الخاصة بتلك الحضارة، نذكر منها:

- أن أخا عاد (أي هود) قد أنذر قومه (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ)

- كان ذلك الإنذار هو إنذار بالأحقاف (إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ)

- كانت دعوته هي دعوة التوحيد (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ)

- وحذرهم من وقوع العذاب الأليم بهم (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)

- كان القوم يعبدون آلهة لهم (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا)

- طلب القوم من رسولهم أن يأتيهم بما يعدهم ليدلّل على صدق دعوته (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)

- نسب هود العلم بذلك إلى الله ولكنه أبلغهم ما أرسل به إليهم (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ)

- كان هود يرى أن القوم هم قوم يجهلون (وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ)

- بدأت تباشير العذاب تظهر وكان أولها ما راءوه بأم أعينهم أنه مستقبل أوديتهم (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ)

- ظن القوم أن ذلك عارض ممطرهم (قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا)

- لم يخطر ببالهم أن ذلك هو ما كانوا يستعجلون رسولهم أن يأتيهم به (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ)

- كان ذلك ليس عارضا ممطرهم بل هي ريح فيها عذاب أليم (رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)

- أخذت الريح تدمر كل شيء بأمر ربهم (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا)

- لم يتبقى في صباح ذلك العذاب إلا مساكنهم (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)

- لم يكن ذلك إلا جزاء القوم المجرمين (كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)

- الخ

وفي مقامنا هذا، يمكن لنا أن نجلب انتباه القارئ إلى الافتراءات التالية التي هي من عند أنفسنا، والتي نظن أنه يجب الالتفاف إليها مليّا في هذا الطرح:

1. كانت المنطقة التي يسكنها القوم هي منطقة منخفضة بدليل أن ما ظنوا أنه عارض ممطرهم قد جاءهم مستقبل أوديتهم، ففي المكان أودية، فلربما ظنوا أن المطر إذا ما نزل (قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا)، سيسيل في تلك الأودية كما في التصوير القرآني التالي:

أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ (17)

وسنتحدث بحول الله وتوفيقه عن كيف كانوا يوقدون على النار من الزبد الرابي لعمل الحلي والأمتعة لاحقا (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ)، فالله وحده نسأل أن يعلمنا ما لم نكن نعلم، إنه هو الواسع العليم – آمين.

2. بدأ العذاب ينزل بهم، وما أن أصبح الصباح حتى لم يكن ليتبقى من آثارهم إلا مساكنهم:

فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(25)

نتيجة مهمة جدا: إن ما يهمنا الإشارة إليه هنا هو وجود الأودية في المنطقة التي كان يسكنها عاد (قوم هود) وبقاء المساكن بعد يوم من العذاب.

وقد فصل القرآن الكريم قصة القوم في موطن آخر على النحو التالي:

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (52) قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)

ولو تدبرنا هذا السياق القرآني جيدا، لربما حق لنا أن نخرج بالاستنباطات المفتراة التالية:

- كان رسول القوم هو هود

- كان هود هو أخوهم (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا)

- كان القوم يعبدون آلهة غير الله فكانوا قوما مفترين (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ)

- كان القوم أولي قوة حينئذ

- لو آمن القوم برسالة ربهم لزادهم الله قوة إلى قوتهم (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ)

- كان القوم يطلبون بيّنة من رسولهم التي ظنوا أنه لم يأتهم بها

- لم يتقبل القوم قول رسولهم فما تركوا آلهتهم التي كانوا يعبدون (قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ)

- ظن القوم أن هودا قد اعتراه بعض آلهتهم بسوء (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ)

- حذّر هود القوم بأن الله لا محالة سيستخلف قوما غيرهم (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ)

- جاء أمر الله بعذاب القوم (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا)

- نجّى الله هودا والذين آمنوا معه (نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا)

- كان العذاب الذي أصاب القوم عذابا غليظا (وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ)

- عادٌ هم أنفسهم قوم هود (أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ)

- الخ

وقد جاء تفصيل آخر للقصة في سورة الشعراء على النحو التالي:

كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135) قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (139) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (140)

وبناء على فهمنا لهذا السياق القرآني، فإننا نقدم الافتراءات التالية:

- جاء عاد أكثر من سول: كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)

- كان هود هو آخرهم بدليل أن العذاب قد وقع عليهم بعد دعوته إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125)
- كان القوم يقومون ببناء آية بكل ريع، فكانوا يعبثون: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)

- كان القوم يتخذون مصانع، وهدفهم من وراء ذلك هو الخلود: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)
- كان القوم قادرين على البطش، فكانوا جبارين في بطشتهم: وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)
- كان القوم على علم من الله، فهو الذي أمدهم بذاك العلم: وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132)
- كما أمدهم الله بأنعام وبنين وجنات وعيون: أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)
- ظن القوم أن العذاب لن ينزل بهم: وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)
- كان في هلاكهم آية: فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً...

- الخ

وبناء عليه، فإننا مدعوون الآن للتركيز على الافتراءات التالية:

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا (1): كانت حضارة عاد حضارة قائمة على علم عظيم مصدره الله نفسه كما جاء على لسان نبيهم هود (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ)، وقد وصل بهم العلم لدرجة أنهم كانوا يبنون بكل ريع آية ليعبثون:

أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا (2) لما كانت حضارة عاد حضارة قائمة على العلم، وصل بهم العلم لدرجة أنهم كانوا يبنون مصانع لعلهم يخلدون:

وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا (3): كانت نتيجة ذلك كله أنهم أصبحوا قوما جبارين:

وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)

السؤال: ما هي درجة التقدم العلمي التي وصل القوم إليها؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن القوم قد بنوا الآيات بناء: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ

السؤال: كيف كان القوم يبنون الآيات بناء؟

جواب مفترى: لو تدبرنا الفعل بنى (ومشتقاتها) في النص القرآني لوجدنا أنه مصاحب للبنيان:

وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا (21)

قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)

لتكون النتيجة التي نريد التوصل إليها هي أن القوم قاموا ببناء البنيان في كل ريع، فكان كل بنيان بنوه بكل ريع هو آية:

أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128)

نتيجة مفتراة: لذا، كان هناك (نحن نتخيل) بنيان كثير وذلك لوجود أكثر من ريع، وكان كل بنيان بكل ريع هو آية.

السؤال: إذا كان كل بنيان بنوه بكل ريع هو آية، فلم كانوا يعبثون؟

جواب مفترى: لمّا تفقدنا مفردة تعبثون (ومشتقاتها في النص القرآني)، لم نعثر إلا على الآية الكريمة التالية:

أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)

لنفتري بناء على فهمنا لهذه الآية الكريمة أن العبث له علاقة مباشرة بالخلق (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا)، ولكن كيف يكون كذلك؟

رأينا: لمّا كان الله لم يخلقنا عبثا، لذا كان هناك هدف من وراء ذلك، والهدف هو - لا شك عندنا- العبادة، بدليل قوله تعالى:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)

كان العابث هو الذي يظن أنه لم يخلق لهذه الغاية (أي العبادة)، لذا عندما كان عاد يعبثون من وراء بنائهم الآيات، كان هدفهم (نحن نفتري الظن) هو أن لا يعبدوا الله، ولا شك أن الذي يظن أنه لا يجب أن يعبد الله، فهو لا يؤمن بالبعث الذي سيؤول به إلى خالق واحد، لأنه يظن أنه ليس براجع إلى الله:

أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)

نتيجة مفتراة (1): هناك من يظن أنه لم يخلق عبثا، لذا فهو يعلم أنه راجع إلى خالقه

نتيجة مفتراة (2) وهناك - بالمقابل - من يظن أنه قد خلق عبثا، لذا فهو يظن أنه لن يرجع إلى خالق

نتيجة مفتراة مهمة جدا: كانت عاد تنتمي إلى الفريق الثاني الذي يظن أنه قد خلق عبثا، لذا كانوا يعبثون (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ)، لأنهم كانوا يعتقدون أنهم لن يرجعوا إلى خالق بعد موتهم، لذا عمد القوم (نحن نفتري القول) إلى فعل آخر هو فعل الخلود، فاتخذوا مصانع لهذه الغاية:

وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)

نتيجة مفتراة: لمّا كانت عاد لا تؤمن أنهم إلى ربهم راجعون، عمدوا إلى الخلود إلى الأرض.

السؤال: كيف يمكن أن يتحصل لهم الخلود الذي ينشدوه؟

رأينا مفترى: تعرضنا لهذه الجزئية في الأجزاء السابقة من هذه المقالة، وافترينا الظن بأن الخلود هو خلود المكان وليس خلود الزمان، لأن خلود الزمان يجب أن يصاحبه مفردة تدل على ذلك، فحاولنا التفريق بين منطوق الآيات الكريمة التالية:

خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ (162)

إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (169)


فهناك بين من هم خالدين فيها (خَالِدِينَ فِيهَا) ومن هم خالدين فيها أبدا (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا). فزعمنا الظن أن خَالِدِينَ فِيهَا تدل على أن الخلود هو خلود مكان، أي لا يبرحون ذلك المكان إلى مكان آخر غيره، أما من كانوا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، فهم الذين لا يبرحون المكان إلى مكان آخر غيره، ويكون ذلك على سبيل الدوام (أي أَبَدًا).

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: لما كانت عاد قد اتخذت مصانع للخلود، كان ظنهم أن هذه الأرض هي مكانهم الوحيد الذي لن يبرحوه إلى غيرها. فهم قوم يجهلون كما جاء على لسان رسولهم هودا:

قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)

ولو دققنا في الأقوام التي خوطبت على لسان رسلهم بأنهم "يجهلون"، لوجدنا موسى يصف من يطلب آلهة غير الله على أنهم قوم يجهلون:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)

كما نجد نوحا قد خاطب قومه بتلك الصيغة نفسها:

وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)

وكذلك نجد لوطا يخاطب قومه بتلك الصيغة:

أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)

لتكون النتيجة أن من جاءتهم البينات من ربهم وآثروا أن لا يؤمنوا هم قوم يجهلون:

وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا مهمة جدا جدا: ظن القوم بأن هذه الأرض هي دارهم التي لن يبرحوها إلى غيرها في حياتهم الأولى والآخرة، فهي دارهم في حياتهم الأولى وهي نفسها دارهم في حياتهم بعد الموت، فهم يسكنون هذه الأرض في حياتهم الأولى، وسيرجعون إليها في حياتهم الأخرى (أي بعد موتهم)، فاتخذوا مصانع ظانين أنها ستمكنهم من ذلك الخلود:

وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)

السؤال: ما هي تلك المصانع؟

افتراء من عند أنفسنا خطير جدا جدا لا تصدقوه: نحن نفتري القول من عند أنفسنا أن الأهرامات الحالية المتواجدة في أرض إرم (أي أرض الهرم) هي تلك المصانع التي كان الهدف منها صناعة الخلود.

السؤال: كيف كان ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: استطاعت ثمود أن تخلق تلك الحضارة العملاقة التي لم تجاريها حضارة سابقة في منطقة إرم (الهرم)، فبنت البنيان الكثير، فكان لهم بنيان بكل ريع، وكان كل بنيان بنوه في كل ريع هو آية، وكان الهدف من وراء ذلك هو العبث، لأنهم ظنوا أنهم لن يبرحوا هذه الأرض، وأنها هي دار أولهم وآخرهم، فهم سيعيشون فيها في هذه الحياة الدنيا وسيبعثون فيها في حياتهم الأخرى. ولما كانت هذه (كما نزعم) هي عقيدتهم، عمدوا جميعا إلى اتخاذ بعض ذلك البنيان ليكون مصانع للخلود، فكانت الأهرامات الثلاثة في إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)

هي تلك المصانع التي ظنوا أنها ستمكنهم من صناعة الخلود:

وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129)

 
باب الأهرامات وتمثال أبي الهول (The Pyramids and the Sphinx)

لعل السرّ لم يكشف بعد عن سبب بناء تلك الأهرامات في تلك البقعة الجغرافية من الأرض، كما لازال الغموض يحيط بجذورها، وطريقة بنائها، والعلم الذي لازال مكنون فيها. ليكون السؤال الأهم الآن هو: لماذا بنيت تلك الأبنية العملاقة في غابر الزمان؟ وكيف استطاعت أن تحافظ على نفسها بالرغم من العبث البشري بها في الحقبات التاريخية المتعاقبة؟ وكيف حافظت على نفسها بالرغم من عوامل التعرية الطبيعية بفعل الحرارة والبرودة وتقلبات الطقس والمناخ؟

رأينا المفترى: لما كانت تلك الأبنية هي التي لم يخلق مثلها في البلاد، فإن الحضارات المتعاقبة لن تكون قادرة على مجاراتها لما وضع فيها من هندسة محكمة، مبنية على علم حقيقي، عزّ نظيره عند الأمم الأخرى، حتى أصبح من الاستحالة بمكان (نحن نفتري القول) منازلتها إلا من قبل من يملك مثل ذلك العلم الذي استثمر فيها. فأنا لا أستطيع – مثلا- أن أهدم برجا من أبراج ناطحات السحاب في منهاتن العجم أو في دبي العرب بمجرد أني أحمل بيدي فأسا ومعولا. فمن أراد أن ينازل ذلك البناء العملاق ليطيح به، فعليه أولا أن يملك من التقنية ما امتلكه من بناها. فالذي بني ناطحات السحاب في نيويورك ودبي قد استخدم من التكنولوجيا ما يجعل من الصعب على غيره الذي لا يملك مثل تلك التكنولوجيا أن يطيح بها، وهكذا.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن السرّ في بقاء الأهرامات قائمة حتى الساعة هو رقي التقنية التي رفعت بنيانها، فهي مبينة على أساس علمي متين لا يمكن منافسته إلا بعلم مثله.

السؤال: من الذي بنى تلك الأبنية العملاقة؟

جواب مفترى خطير جدا: نحن نظن أن من استطاع أن يشيد ذلك العمران قد جاءه تأييد مباشر من ربه.

السؤال: من الذين جاءهم التأييد الإلهي المباشر؟

جواب: نحن نظن أن عاد كانت من القرون الأولى التي جاءها التأييد الإلهي المباشر.

السؤال: أين الدليل على ذلك؟

جواب مفترى: دعنا نقرأ الآية الكريمة التي تدل – برأينا- على حصول التأييد الإلهي المباشر لعاد كما جاء على لسان أخيهم هود:

وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)

سؤال مربك: وهل هذا دليل على أن عاد قد سكنت تلك الأرض؟

جواب مفترى: لو تفقدنا هذا السياق القرآني لوجدنا فيه العجب، فنبيهم هود يبيّن بأن هؤلاء القوم (أي عاد) قد جاءهم التأييد من الله بـ ثلاثة أشياء رئيسية:

- أمدهم بما يعلمون (أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ)

- أمدهم بأنعام وبنين (أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ)

- وجنات وعيون (وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)

ونحن نفتري الظن بأن واحدة من أوجه العجب في هذا السياق القرآني هو أن الأولى والثانية جاءت مصحوبة بالفعل (أَمَدَّكُم)، بينما جاءت الثالثة بدون هذا الفعل (وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ). فالله لم يكرر الفعل أمدكم مع الجنات والعيون.

السؤال: لماذا؟ أي لماذا جاءت الأولى مصحوبة بالفعل أمدكم (أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ)؟ ولماذا جاءت الثانية مصحوبة أيضا بالفعل أمدكم (أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ)؟ ولماذا جاءت الثالثة غير مصحوبة بذلك الفعل (وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن السبب في ذلك أن المدد الإلهي كان مباشرا وخاصا بهؤلاء القوم في حالة العلم (أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ)، وكذلك كان مباشرا وخاصا بهم في حالة الأنعام والبنين (أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ)، فكان ذلك على سبيل الحصر والانقطاع، بينما كان غير مباشر وغير خاص بهم في حالة الجنات والعيون (وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)، فكان ذلك على سبيل الدوام.

السؤال: لماذا؟ وكيف يمكن فهم ذلك؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن الأرض التي سكنها عاد كانت تتسم بوجود الجنات والعيون على سبيل الدوام، فذاك مدد إلهي لم يكن خاصا بعاد ولم يعد محصورا عليهم، وإنما يمكن لعاد ولكل من جاء قبلهم ليسكن تلك الأرض، وكل من سيأتي من بعدهم ليسكن تلك الأرض أن يستفيد من تلك الجنات والعيون (وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ). بينما كان العلم الذي حصلت عليه عاد خاص بهم لأنه (نحن نظن) قد جاءهم بمدد مباشر من الله، فلم تتحصل عليه أمة قبلهم ولم تتحصل عليه أمة بعدهم (أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ)، وكذلك الأنعام والبنون، فما أمد الله عاد به من الأنعام والبنين كان أيضا خاصا بهم (أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ).

نتيجة مفتراة مهمة جدا: إن مراد القول هنا هو أنه قد يصبح من الصعب تتبع آثار ذلك العلم الذي أمد الله به عاد مادام أنه كان خاصا ومحصورا بهم (أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ)، وكذلك قد يكون من الصعب تتبع آثارهم من خلال تلك الأنعام والبنين التي أمدهم الله بها (أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ) مادام أنها كانت خاصة بهم ومنقطعة عن غيرهم، ولكن قد يكون من السهل تتبع آثارهم من خلال تلك الجنات والعيون مادام أنها كانت لهم ولغيرهم من الأقوام التي سبقتهم وتلك التي لحقت بهم (وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).

السؤال: كيف يمكن تتبع آثارهم من خلال تلك الجنات والعيون؟

جواب مفترى: نحن نظن أن ذلك ممكنا شريطة طرح التساؤل التالي: ما هي الأرض التي جاء ذكرها في كتاب الله على أنها أرض الجنات والعيون؟

جواب مفترى خطير جدا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا أن مصر هي أرض الجنات والعيون كما جاءت في كتاب الله

باب: مصر أرض الجنات والعيون

بداية، لمّا كنت عقيدتنا مبنيّة على الإيمان اليقيني بأن لا شيء في كتاب الله يعزي إلى عامل الصدفة، وأن كل ما في كتاب الله مقصود لذاته، وجب علينا أن نبحث فيه عن كل السياقات القرآنية الخاصة بالجنات والعيون، طارحين التساؤل التالي: أين هي أرض الجنات والعيون كما يبينها النص القرآني نفسه؟

جواب مفترى: لما حاولنا تتبع عبارة جنات وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ على مساحة النص القرآني كله، وجدناها قد جاءت محصورة بالسياقات القرآنية التالية:

1. الجنة التي سينتهي إليها المتقون بعد الحساب:

- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ (46)

- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53)

- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)


2. الأرض التي كانت تسكنها عاد وثمود:

- كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)

- إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (145) أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ (146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (148) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (149)


3. الأرض التي كان يسكنها فرعون وقومه وأورثها الله من بعدهم بني إسرائيل

- فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)

- فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ (22) فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24) كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)


السؤال: ما الذي يمكن أن نفهمه من ذلك؟

رأينا: لمّا كانت الأرض (أي كل أرض) لها سماتها الطبيعية التي تجعلها تختلف عن غيرها، فإن عوامل الجغرافيا تبقى تميزها عن غيرها على مر الزمان، فهذه – على سبيل المثال- سمات الأرض التي كان يسكنها نوح وقومه:

قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)

وهذه سمات الأرض التي بارك الله فيها للعالمين:

أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)


وهذه سمات الأرض التي بعث الله فيها نبيا لنا من أنفسنا:

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

لذا، فإن عوامل الجغرافيا الطبيعية (نحن نظن) من أهم المميزات التي ربما تدلنا على الأرض التي أنزلت فيها الرسالات تباعا كرسالة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد.

خروج عن النص: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)

سنحاول الخروج الآن عن صلب الموضوع قيد البحث من أجل تسطير رأي خاص بنا عن تقسيم الأرض (كل الأرض) بين الأمم التي جاءها النذير، لنعود من هناك باستنباط مفترى من عند أنفسنا نظن أنه غاية في الخطورة، ستكون له تداعيات جمة على هذه القضية قيد البحث وعلى منظومة التفكير في السياقات القرآنية كلها من منظور نظن أنه غير مسبوق. فالله وحده نسأل أن يهدينا رشدنا وأن يهدينا لأقرب من هذا رشدا، وأن يزدنا علما، وندعوه في الوقت ذاته أن لا نكون ممن يفترون عليه الكذب، أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو الواسع العليم – آمين.

أما بعد،

السؤال: كيف يمكن أن نفهم الآيات الأولى من سورة التين: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)؟

تساؤلات

- ما هو التين المذكور هنا؟

- ما هو الزيتون المذكور هنا؟

- ما هو طور سينين المذكور هنا؟

- ما هو البلد الأمين المذكور هنا؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري القول أن هذه أسماء المناطق التي نزلت بها الرسالات السماوية الخالدة: رسالة نوح ورسالة إبراهيم ورسالة موسى وعيسى ورسالة محمد. انتهى.

السؤال: أين الدليل على ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أنه من الضروري قراءة آيات هذه السورة العظيمة في ضوء افتراءاتنا التالية:

1. كان لابد لكل أمة من نذير:

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)

2. لو شاءت المشيئة الإلهي لبعث الله في كل قرية نذير:

وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51)

3. لم يهلك الله قرية إلا بعد أن جاءها نذير:

وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (4)

مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)


4. جاء رسل الله تترا، أي متتابعين مكانيا:

ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (44)

5. جاء رسل الله بعضهم بعد بعض، أي متتابعين زمانيا:

ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (44)

6. بدأت الرسالات من الشرق، وأخذت تنتقل غربا مع الزمن، فالرسالة الأقدم هي أرض نوح (أي أقصى الشرق)

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا (17)

(للتفصيل انظر مقالاتنا عن قصة نوح)

7. كان هناك خمسة رسل هم أولي العزم:

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)

وهم محمد وعيسى وموسى وإبراهيم ونوح، وهم من أخذ الله منهم ميثاقا غليظا::

وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (7)

8. كان هناك خمس رسالات رئيسية غطت الأرض كلها، وهي شريعة نوح وشريعة إبراهيم وشريعة موسى وعيسى وشريعة محمد:

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)

9. الخ

نتيجة مهمة: لما قضت مشيئة الله أن لا نكون أمة واحدة، كان لزاما على الله أن يبعث في كل أمة نذير:

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)

لفتة مهمة جدا: نحن نجلب انتباه القارئ إلى مفهوم الأمة، وضرورة عدم ربط ذلك بمفهوم القرية. فالسُّنة الإلهية كانت على الدوام على نحو أن يبعث الله في كل أمة نذير:

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)

ولكن لم تقضي المشيئة الإلهية أن يكون في كل قرية نذير:

وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51)

ليكون السؤال: من هي الأمم التي خلا فيها نذير (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ



جواب مفترى: نحن نظن أن هناك أمم أربعة رئيسية هي من خلا فيها نذير، وهي على الترتيب:

- أمة نوح

- أمة إبراهيم

- أمة موسى وعيسى

- أمة محمد

السؤال: لماذا جاء موسى وعيسى لأمة واحدة؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الآية الكريمة التالية توضح السبب:

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6)

فلقد كان عيسى رسولا من الله إلى بني إسرائيل، كما كان موسى من قبله رسول الله إلى بني إسرائيل، وكان هدف رسالة عيسى هو:

وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ (50)

نتيجة مهمة: كان الترابط واضحا بين رسالة عيسى وموسى لدرجة أن مصدر التشريع عند أتباع هذه الديانات هو الكتاب المقدس نفسه بجزأيه الرئيسيين: العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الإنجيل).

لتكون النتيجة المفتراة الآن هي: أن عيسى وموسى كان رسولان إلى أمة واحدة (بني إسرائيل). وبناء عليه، فإن موطن تلك الأمة هي بقعة محددة من الأرض، وهي الأرض التي باركنا فيها للعالمين:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)

نتيجة مفتراة مهمة جدا (1): هناك خمسة رسل هم أولي العزم (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد)

نتيجة مفتراة مهمة جدا (2): لكن هناك – بالمقابل- أمم أربعة، وذلك لأن موسى وعيسى جاءا لأمة واحدة، هم بنو إسرائيل

نتيجة مفتراة: إذن، نستطيع أن نستنبط الافتراء التالي الذي هو لا شك من عند أنفسنا: تنقسم الأرض كلها بين أربعة أمم رئيسية جاهم خمسة من الرسل هم أولي العزم. فهناك إذن مواطن أربعة على وجه الأرض لرسالات رئيسية أربعة مادام أن رسالة عيسىى هي مكملة ومصدقة لرسالة موسى.

نتيجة مفتراة خطيرة جدا: هذه المواطن الأربعة هي التي يمكننا استنباطها من السياق القرآني التالي الذي هو قيد البحث هنا:

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)

تساؤلات:

- ما هي تلك الأمم التي خلا فيها نذير؟

- وأين سكنت تلك الأمم من الأرض؟

- فأين موطن الأمة التي بُعث فيها نوح؟

- وأين موطن الأمة التي بُعث فيها إبراهيم؟

- وأين موطن الأمة التي بُعث فيها موسى وعيسى؟

- وأين موطن الأمة التي بُعث فيها محمد؟

افتراءات من عند أنفسنا:

- نحن نفتري الظن بأن التين هي موطن الأمة التي بُعث فيها نوح

- نحن نفتري الظن بأن الزيتون هي موطن الأمة التي بُعث إبراهيم

- نحن نفتري الظن بأن طور سنين هي موطن الأمة التي بُعث فيها موسى وعيسى

- نحن نفتري الظن بأن هذا البلد الأمين هي موطن الأمة التي بُعث فيها محمد

قال تعالى:

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أنه لا يمكن قراءة الآيات الكريمة منفصلة عن بعضها البعض ويكأنها قطع غير متجاورة، لذا لابد من ربط جميع الآيات في السياق الواحد، وبناء علع هذا المنطق المفترى، وجب علينا إذن أن نطرح التساؤلات التالية: ما علاقة التين بالزيتون هنا (التِّينِ وَالزَّيْتُونِ)؟ وما علاقتهما معا (التِّينِ وَالزَّيْتُونِ) بطور سينين (طُورِ سِينِينَ)؟ وما علاقة الثلاثة (التِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ) بهذا البلد الأمين (هَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)؟ فكيف يمكن أن نفهم السياق القرآني ككتلة واحدة؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: حتى لا نقع في جدل لا طائلة منه، دعنا نقرأ هذه الآيات بطريقة معكوسة، فلنبدأ بالآية الثالثة أولا:

وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)

السؤال: ما هو هذا البلد الأمين الذي يتحدث الله عنه هنا؟ أليس هو بلد الحرم الآمن؟

وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)

أليس هو الموجود بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم؟

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

أليست تلك هي أم القرى وما حولها؟

وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)


أليست هي أرض مكة؟

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)

وأليست بكة، ذلك الحي من مكة، هو الذي يتربع فيه البيت العتيق؟

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96)

وأليس هو ذلك البيت العتيق الذي يؤدي عنده كل من اتبع شريعة محمد مناسك الحج؟

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)

ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)


نتيجة مهمة: لما كان لكل أمة منسكا هم ناسكوه:

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ (67)

ولما كان قد خلا في كل أمة نذير:

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)

ارتبط كل منسك بواحد من الرسل الذي كان نذيرا لتلك الأمة.

وبناء عليه، فإننا نستطيع أن نفتري القول:

- أن المنسك الذي يذكر اسم الله فيه حسب شريعة محمد هو ذلك البيت العتيق الموجود في (هَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)؟

- كانت مكة هي الأرض التي بُعث فيها خاتم النبيين محمد، وهي أرض لا زرع فيها، تجبى إليها ثمرات كل شيء:

وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57)

والآن لنعد إلى بدايات سورة التين:

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)

بالفهم المفترى من عند أنفسنا بأن هَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ هو أرض مكة التي يتواجد بها البيت العتيق، حيث يؤدي من اتبع شريعة محمد مناسك الحج عنده. ليكون السؤال الآن على الفور هو: إذا كان البلد الأمين هو موطن رسالة محمد، فأين موطن الرسالات التي سبقت، كرسالة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: ذلك موجود في الآيات نفسها، فلننتقل بالحديث الآن إلى طُورِ سِينِينَ في الآية رقم 2:

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)

السؤال: أين طُورِ سِينِينَ؟

رأينا المفترى (1): نحن نفتري الظن بأن أرض طُورِ سِينِينَ هي موطن رسالة موسى وعيسى معا، وهناك يوجد المنسك حيث يؤدي أتباع شريعة موسى وعيسى حجهم.

السؤال: أين الدليل على ذلك؟

رأينا: لمّا كنا قد لا نختلف كثيرا في أن هذا البلد الأمين هو موطن رسالة محمد، فإن الاختلاف قد لا يكون كبيرا بيننا أيضا في باب الحديث عن طور سينين. فالحديث عن الطور قد جاء محصورا بالحديث عن موسى وتفاصيل قصته مع بني إسرائيل في الأرض التي باركنا فيها للعالمين، حيث وجدنا الطور وقد ذكر في المواطن التالية:

- فموسى هو من آنس من جانب الطور نارا عندما سار بأهله راجعا من مدين بعد أن قضى الأجل هناك:

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)

- وحصلت المناداة الإلهية له هناك:

وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)

وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46)


- وحصلت المواعدة الإلهية لبني إسرائيل جانب الطور:

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ (80)

- وذاك هو الطور الذي رُفع فوق بني إسرائيل:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (93)


وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154)

- ومن طور سيناء تنبت الشجرة التي تخرج بالدهن وصبغ للآكلين:

وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ (20)

- وهناك الطور:

وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ

- وهناك طور سينين:

وَطُورِ سِينِينَ (2)

السؤال: فأين هو الطور؟

رأينا المفترى والخطير جدا: هو المكان الذي يقضي فيه من كان متبعا لشريعة موسى مناسك حجهم، إنه ما يعرف اليوم بحائط المبكى عن اليهود.

السؤال: ما هو طور سينين؟

رأينا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن سينين هي جمع لمفردة سيناء:

وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ (20)

فعندما نقول بأن هناك سيناء، فهي قطعة من أكثر من سيناء، هي سينين، فالأرض التي قطعت، واقتسمت بين الناس كان كل قسم منها هو بحد ذاته سيناء، وكانت كلها مجتمعة سينين:

السؤال: ما هي الأرض التي قطعت بهم؟

جواب مفترى: إنها الأرض التي جاء ذكرها في الآية الكريمة التالية:

وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)

منطقنا المفترى: كانت الأرض التي باركنا فيها للعالمين أرضا واحدة، فدخلها قوم موسى، فاستسقى موسى لقومه:

وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)

فقطّع الله بينهم الأرض:

وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)

فأصبحت الأرض المقدسة سنيين (أي أثني عشر سيناء)، فكان الطور الذي تخرج منه تلك الشجرة موجود بواحدة منها:

وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ (20)

ولما لم يكن هناك طور آخر في بقية القطع (أي السينين الأخرى)، كان هو نفسه الطور وهو نفسه طور سينين:

وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ

وَطُورِ سِينِينَ (2)


(وسنتحدث عن علاقة ذلك الطور بالكتاب المسطور لاحقا بحول الله وتوفيق منه، فالله أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، إنه هو الواسع العليم – آمين).

والآن لنعد إلى السياق القرآني قيد البحث بهذا الفهم المفترى عن هذا الْبَلَدِ الْأَمِينِ وعن طُورِ سِينِينَ ، لنطرح بعد ذلك التساؤلات حول الزيتون والتين:

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)

السؤال: ما هو الزيتون في هذه الآية الكريمة؟

جواب مفترى خطير جدا: إنه موطن الأمة التي بُعث فيها إبراهيم نذيرا، وفيها كان يوجد المنسك الذي كان يعكف القوم فيه لتماثيلهم:

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)

(للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان: ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته: باب التماثيل)

السؤال: أين هي تلك الأرض؟

جواب مفترى: نحن نظن أنها الأرض التي تتسم بالصفات الواردة في الآية الكريمة التالية:

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

- لم لأفهم شيئا. يرد صاحبنا قائلا.

رأينا: نحن نظن أنها الأرض التي تقع فيها تلك الشجرة، حيث أنها زيتونة لا شرقية ولا غربية (زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ).

السؤال: كيف هي زيتونة لا شرقية ولا غربية؟ فأين تقع؟ فهل يمكن أن يوجد مكان لا شرقي ولا غربي حتى تكون تلك الشجرة متواجدة فيه؟

جواب مفترى: نعم، هناك مكان ليس شرقي وليس غربي.

السؤال: أين هو ذلك المكان؟

رأينا المفتري: إنه المكان (أي المنطقة) التي تقع بين الشرق والغرب.

السؤال: وأين هي تلك المنطقة؟ وهل هي موجودة على الأرض؟ وهل يمكن تحديدها على الخريطة الجغرافية؟

رأينا المفترى: نعم، هي منطقة موجودة على الأرض، وهي التي نظن أننا نستطيع أن نصفها (بمفرداتنا الدارجة) على أنها الأرض الوسطى الواقعة بين الشرق والغرب.

السؤال: وأين هي تلك الأرض (المنطقة أو المكان)؟

رأينا المفترى: إذا كان هناك الشرق، وإذا كان هناك الغرب، فهناك منطقة وسطى بينهما يصعب علينا أن نعتبرها من أرض الشرق كما يصعب علينا في الوقت ذاته أن نلحقها بأرض الغرب، فتبقى واقعة بين الطرفين.

السؤال: وما هي تلك الأرض؟

رأينا: نحن نفتري القول أنها الأرض التي تعرف اليوم بمنطقة الشرق الأوسط.

السؤال: وما هي أرض الشرق الأوسط؟ هل تستطيع تحديدها على الخريطة الجغرافية؟

جواب مفترى: لننظر إلى الكرة الأرضية من منظور خطوط الطول (التي تحدد الشرق والغرب) فقط،





Source: https://www.google.jo/search?q=the+globe+image+free+download&biw=1708&bih=770&tbm=isch&imgil=H5pLar2CszdbRM%253A%253BwrZifk4MHy7w6M%253Bhttp%25253A%25252F%25252Fwww.vectortemplates.com%25252Fraster-globes.php&source=iu&pf=m&fir=H5pLar2CszdbRM%253A%252CwrZifk4MHy7w6M%252C_&dpr=0.8&usg=__vkE-jPLw_twZ9JtR4LOndAxu2uo%3D&ved=0CEwQyjdqFQoTCNSvp6ypxMcCFYs5GgodRHsE4w&ei=YmvcVdT2BovzaMT2kZgO#imgrc=iA9wtGslktIATM%3A&usg=__vkE-jPLw_twZ9JtR4LOndAxu2uo%3D

فكل منطقة على الأرض يمكن تحديدها إلى الشرق أو إلى الغرب من خط طول معين (أو Meridians Lines بالمفردات الأعجمية). وعددها 360 خط، كل خط منها عبارة عن نصف دائرة افتراضية تمتد من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، وقد وضعت من قبل علماء الجغرافية لغايات عديدة أهمها ضبط الوقت. وكان خط الصفر هو خط غرينتش كما في الشكل التوضيحي التالي:





SOURCE: https://www.google.jo/search?q=%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%86+%D9%88%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%B7+%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%84&biw=1708&bih=770&tbm=isch&imgil=QdxoHvmGaT64eM%253A%253BwSCVOYtCIKD--M%253Bhttp%25253A%25252F%25252Fwww.e3lm.com%25252F%25252525D9%2525252587%25252525D9%2525252584-%25252525D8%25252525AA%25252525D8%25252525B9%25252525D8%25252525B1%25252525D9%2525252581-%25252525D9%2525252585%25252525D8%25252525A7-%25252525D9%2525252587%25252525D9%252525258A-%25252525D8%25252525AE%25252525D8%25252525B7%25252525D9%2525252580%25252525D9%2525252588%25252525D8%25252525B7-%25252525D8%25252525A7%25252525D9%2525252584%25252525D8%25252525B7%25252525D9%2525252580%25252525D9%2525252588%25252525D9%2525252584-%25252525D9%2525252588%25252525D8%25252525AF%25252525D9%2525252588%25252525D8%25252525A7%25252525D8%25252525A6%25252525D8%25252525B1-%25252525D8%25252525A7%25252525D9%2525252584%25252525D8%25252525B9%25252525D9%2525252580%25252525D8%25252525B1%25252F%25252525D8%25252525A7%25252525D9%2525252584%25252525D9%2525252583%25252525D9%2525252588%25252525D9%2525252586-%25252525D9%2525252588%25252525D8%25252525A7%25252525D9%2525252584%25252525D8%25252525B7%25252525D8%25252525A8%25252525D9%252525258A%25252525D8%25252525B9%25252525D8%25252525A9%25252F&source=iu&pf=m&fir=QdxoHvmGaT64eM%253A%252CwSCVOYtCIKD--M%252C_&dpr=0.8&usg=__yvorJyJi7BpO9exQv4eu_TPtD0I%3D&ved=0CEQQyjdqFQoTCJ71rKDgxscCFca9FAod5jkFcg&ei=ZLHdVZ6zHMb7UubzlJAH#imgrc=QdxoHvmGaT64eM%3A&usg=__yvorJyJi7BpO9exQv4eu_TPtD0I%3D

وبناء عليه، فإن خط الصفر (غرينتش) ليس شرقي ولا غربي. فكل ما يقع إلى يمين الناظر إلى ذلك الخط على الشاشة يقع إلى الشرق من خط غرينتش، بينما يكون كل ما يقع إلى يسار الناظر هو إلى الغرب من خط غرينتش.

السؤال: ماذا عن غرينتش نفسه (أي خط الصفر)؟ هل هو شرقي أم غربي؟

جواب: لا شرقي ولا غربي.

سؤال: ماذا لوجدت شجرة على ذلك الخط؟ هل تكون شرقية أم غربية؟

جواب مفترى: لا شرقية ولا غربية.

خط الصفر: رواية جديدة

إذا كان خط غرينتش هو لا شك صناعة بريطانية بامتياز تم اعتماده بمؤتمر دولي عام 1884م، حتى أصبحت كل بقعة على الأرض يقاس موقعها (وبالتالي توقيتها) بناء على قربها وبعدها عن هذا الخط الافتراضي. وبمنطق الأيدلوجيا، أصبحت كل بقعة على الأرض تقاس بمقدار بعدها أو قربها الجغرافي عن بريطانيا العظمى، صاحبة خط غرينتش، لأنه هو خط الصفر. ألا يحق لنا أن نطرح التساؤل التالي: أين هو فعلا خط الصفر الحقيقي؟ هل لو كان المسيطر (صاحب الفكرة) هم الأمريكان حينئذ، هل كان خط الصفر سيكون بريطانيا؟ وهل لو ولدت الفكرة في فرنسا، ألن يكون خط الصفر فرنسيا؟ وماذا لو جاءت الفكرة من الدولة العثمانية في العصور الوسطى، هل كان الخط سيكون بريطانيا أو أمريكيا أو فرنسيا؟ وماذا لو أن الرومان أو الإغريق في غابر الزمان التفتوا إلى هذه الجزئية، فأين يا ترى سينتهي خط الصفر؟

رأينا: لما كان خط الصفر (غرينتش) هو خط وهمي من صناعة الحضارة البريطانية، فإننا نرفض جملة وتفصيلا هذا التقسيم، لنطرح التساؤلات العلمية الحقيقية بعيدا عن التعصب الحضاري، نذكر منها:

- أين خط الصفر الحقيقي؟

- وهل هناك أصلا خط صفر حقيقي؟

- وما الفائدة من وجود مثل هذا الخط (إن وجد أصلا)؟

- الخ.

بداية، ربما يعصب المجادلة بأن الصين واليابان والهند – مثلا- هي بلاد ذات حضارات شرقية، وربما يصعب المجادلة بأن الأوروبيين والأمريكان مثلا – أصحاب حضارة غربية، لكن يبقى هناك تساؤل مشروع: إلى أي الحضارات يمكن أن ننسب إيران وتركيا مثلا؟ فهل إيران ذات صبغة شرقية؟ وهل تركيا ذات صبغة غربية؟ وإذا كان هذا ممكنا بالنسبة لإيران وتركيا، فماذا عن العراق؟

رأينا المفترى: لا شك أن الجزء الشرقي من إيران هو أقرب إلى الحضارة الشرقية كحضارة الهند وما حولها، ولا شك عندنا أن الجزء الغربي من تركيا هو أقرب إلى الحضارة الغربية، لكن يبقى التساؤل المشروع هو: ماذا عن منطقة كردستان إيران وكردستان تركيا وكردستان العراق؟ إلى أي حضارة هي أقرب: إلى الشرق أم إلى الغرب؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا أن منطقة كردستان (بحدودها الإيرانية والتركية وبقلبها العراقي) هي منطقة لا تتبع إلى الشرق ولا تتبع إلى الغرب، وهي الحد الفاصل بين الشرق والغرب. وبكلماتنا الحالية هي المنطقة التي ليست شرقية ولا غربية، كما في الخريطة التوضيحية التالية:





SOURCE: http://www.qanon302.net/articles/2013/11/15/3646

رأينا المفترى: نحن نظن أن خط الصفر الذي يجب أن يقسم الكرة الأرضية إلى قسمين (شرقية وغربية) يجب أن يمر بالنقطة الحمراء (أو ما يجاورها) الواقعة في منطقة كردستان كما توضحها صورة العم غوغل في الشكل التالي:

SOURCE: https://www.google.jo/search?q=%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A9+%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86+%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89&biw=1708&bih=770&tbm=isch&imgil=zUnsiZST1fhhqM%253A%253Bi4y6yyztmDiEkM%253Bhttp%25253A%25252F%25252Fwww.baghdadnp.com%25252Fnews.php%25253Faction%2525253Dview%25252526id%2525253D1618&source=iu&pf=m&fir=zUnsiZST1fhhqM%253A%252Ci4y6yyztmDiEkM%252C_&dpr=0.8&usg=__EYFuOtO5iGbo0fUcJtPGBzSSqzA%3D&ved=0CC0QyjdqFQoTCL_-9vfnxscCFUh-Ggod1-0CjQ&ei=c7ndVf_4Csj8adfbi-Gi#imgrc=LqCQOF3GUKSy-M%3A&usg=__EYFuOtO5iGbo0fUcJtPGBzSSqzA%3D

افتراءات خطيرة من عند أنفسنا

- يمتد خط الصفر الحقيقي من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي ليمر بتلك النقطة (منطقة كردستان) فيقسم الأرض إلى قسمين: شرق و غرب

- تكون الأرض الواقعة على ذلك الخط لا شرقية ولا غربية

- تقع الشجرة المذكورة في القرآن على أنها لا شرقية ولا غربية على هذا الخط

- هذه هي أرض الزيتون، حيث حضارة الأمة التي بُعث فيها إبراهيم نذيرا

نتيجة مفتراة مهمة جدا: تتوسط هذه الحضارة الأرض، فكل ما يقع إلى يمين الناظر إلى ذلك الخط على الشاشة يكون شرقيا، وكل ما يقع إلى يساره يكون غربيا، وكل ما يقع على ذلك الخط مباشرة، فهو لا شرقي ولا غربي.

السؤال: ما فائدة ذلك؟ ما فائدة أن تكون هناك نقطة تقسم الشرق عن الغرب؟

جواب مفترى خطير جدا لا تصدقوه: هذا هو المكان الأمثل على الأرض كلها لمراقبة الكون بأكمله.



الدليل

إن هذا الافتراء الخطير ينقلنا مباشرة للحديث عن إبراهيم وكل ما يتعلق بهذا الرسول الأعظم على مر التاريخ. فهو بداية من كان بنفسه أمة:

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)

وهو من اجتباه الله وهداه إلى صراط مستقيم:

شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)

وهو من أُري ملكوت السموات والأرض كما جاء في الآية الكريمة التالية:

وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)

وهو من رأى بأم عينه ذاك الكوكب والشمس والقمر بازغين كما جاء في الآيات التي تلي ذلك مباشرة:

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)

وهو من أخرجه الله من النار:

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)

وهو من ذهب إلى ربه بعد أن خرج من النار مباشرة:

قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)

إن هذه الآيات تدعونا إلى تدبر قصة هذا الرسول الكريم من أولها، طارحين تساؤلات كثيرة حول كل جزئية جاءت في كتاب الله عنه، لأن في ذلك (نحن نؤمن) عبرة لأولي الألباب. فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا وأن يزدني علما – آمين

أما بعد،

باب إبراهيم كان أمة

تحدثنا عن هذه الجزئية في معرض حديثنا عن قصة يوسف عندما تعرضنا للآية الكريمة التالية:

وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)

وافترينا القول بأن الأمة هي ما تشكله مجموعة من الناس بينهم قواسم مشتركة كالعقيدة والأرض والتاريخ، فهناك الأمة العربية وهناك الأمة الإنجليزية وهناك الأمة الهندية وهناك الأمة الصينية، وهكذا. فالأمة هي بمفرداتنا الدارجة الحضارة. وهناك هيئة الأمم المتحدة التي تجتمع فيها كل أمم الأرض تحت مظلة واحدة. أليس كذلك؟

السؤال: ما علاقة ذلك بإبراهيم؟

رأينا المفترى: لمّا كان كلّ رسول قد أُرسل إلى أمة، فإن إبراهيم قد أرسل إلى قومه الذين كانوا يعكفون على أصنامهم:

وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)

وهناك جرت المواجهة الفعلية بين الطرفين:

قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)

وانتهى قرارهم بأن يحرقوه:

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68)

ولكن لما كان كيد الله غالبا، خرج إبراهيم من النار لم يصبه أذى:

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)

ودارت الدائرة على رؤوسهم، فأتى الله بنيانهم من القواعد، فخر عليهم السقف:

قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (26)

وهناك اتخذ إبراهيم قراره بالهجرة إلى ربه:

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)

وكانت وجهته الأرض التي باركنا فيها للعالمين:

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)

السؤال: ما الذي حصل مع إبراهيم بعد ذلك؟

راينا المفترى: ما أن هاجر إبراهيم من تلك الأرض حتى بقى وحيدا، فلم يتخذ قوما من بعهدهم. فوهب الله له على الكبر من الذرية اثنين: إسماعيل وإسحق:

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء (39)

فأنشأ هو بنفسه أمة جديدة مكونة من بيتين اثنين: واحد في الأرض المقدسة حيث يسكن إسحاق وأمه، والآخر في الأرض التي لا زرع فيها خاصا بإسماعيل وأمه:

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

وكان إبراهيم هو المرجع لكليهما، فكان إبراهيم بنفسه أمة:

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)

منطقنا المفترى: لو تفقدنا السياقات القرآنية كلها، لوجدنا أن موسى مثلا كان في قومه:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)

وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84)


ولكن بالرغم من وجود موسى نبيا لبني إسرائيل، إلا أن الأمة المتبعة لموسى تقبل شريعة إبراهيم أيضا.

والمنطق نفسه ينطبق في حالة عيسى، فالله هو من أرسل عيسى رسولا إلى بني إسرائيل، فلم يرضى المتبعون لشريعة عيسى إلا بعيسى وإبراهيم:

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (6)

وجاء محمد في أمة جديدة، فلم يرضى أتباع محمد إلا بمحمد وإبراهيم:

إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)

فكان إبراهيم هو الأصل الذي يجتمع عنده الجميع، فهو البيت الذي تجتمع فيه كل الأمم الأخرى، ولتبسيط الفكرة فإننا نتخيل إبراهيم بمثابة هيئة الأمم المتحدة التي تنطوي تحتها كل الأمم الأخرى. وبذلك أصبح إبراهيم بشخصه إماما لكل الناس:

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)

تلخيص ما سبق: كان إبراهيم يقيم في قومه، فحصلت المواجهة الإيمانية بين الطرفين، وانتهت بالإبادة الجماعية للقوم، ونجاة إبراهيم ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين، وهناك اتخذ لوط قوما له:

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)

فكان أخوهم:

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161)

مرسل إليهم:

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)

ولكن إبراهيم لم يتخذ له قوما كما فعل لوط، فلم يكن إبراهيم أخا لقوم آخرين. وآثر أن يقيم أمة جديدة من صلبه:

رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (40)

فكان إماما للناس أجمعين:

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)


استراحة قصيرة: باب الرسول أخ القوم

نجد في النص القرآني أن بعض الرسل قد تم وصفهم بصيغة الأخ للقوم بينما لا نجد رسولا آخرين يحملون هذا الوصف، فموسى مثلا لم يكن أخا لبني إسرائيل، ولم يكن محمد نفسه أخا لقومه.

السؤال: لم نعت بعض الرسل بصفة الأخ للقوم بينما لم ينعت آخرون بهذه الصفة؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الرسول الذي كان أخا للقوم فهو ليس من ذرية القوم أنفسهم، وليس أدل على ذلك من قصة لوط. فلوط هو من هاجر مع إبراهيم إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين:

وهناك اتخذ لنفسه قوما، فكان رسولا لهم:

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162)

وهكذا يمكن أن نفهم علاقة نوح بقومه:

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106)

وكذلك علاقة هود بعاد:

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (65)

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50)

كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ (124)


وعلاقة صالح بثمود:

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)

وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142)


وعلاقة شعيب بمدين

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (85)

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84)

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)


ومن هذا الباب يمكن أن نفهم لم كان القوم ينعتون الرسول الذي هو أخوهم بالضعف:

قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)

 

باب هداه إلى صراط مستقيم (نكرة)

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)

السؤال: إذا كان صراط الله هو الصراط المستقيم (معرفة):

اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)

وإذا كان الله قد هدى بعض عباده إلى ذلك الصراط المستقيم (معرفه):

وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116) وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)

فما هو الصراط المستقيم الذي هدى الله إبراهيم إليه؟

شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)

لو تدبرنا هذا النص القرآني لوجدنا أن الله قد هدى إبراهيم إلى صراط مستقيم (نكرة)، أليس كذلك؟

السؤال المربك: لِم لم يأتي النص على نحو أن الله قد هدى إبراهيم إلى الصراط المستقيم، كأن نقول مثلا:

شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى الصراط المستقيم؟

السؤال: هل الصراط المستقيم الذي هدى الله إليه إبراهيم هو نفسه صراط الله المستقيم؟

رأينا: كلا، لأن منطوق الآية يبين أن هناك أكثر من صراط مستقيم، فكانت هداية الله لإبراهيم إلى واحد منها:

شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)

السؤال: ما هو ذلك الصراط المستقيم (على وجه التحديد) الذي هدى الله إليه إبراهيم؟

 
وللحديث بقية إن شاء الله

 
التساؤلات في المرة القادمة:

- أين كانت بلاد إبراهيم الأولى؟

- ما علاقة هذا بخط الصفر؟

- ما علاقة هذا بالزيتونة التي لا شرقية ولا غربية؟

- ما علاقة هذا برؤية إبراهيم ذاك الكوكب؟

- ما علاقة هذا برؤية إبراهيم الشمس بازغة؟

- ما علاقة هذا بروية إبراهيم القمر بازغا؟

- وما علاقة هذا بنشوء الحضارات القديمة (آشور وبابل) في تلك المنطقة على وجه التحديد؟

- لماذا برعت تلك الحضارات على وجه التحديد بعلم الفلك؟

- ما علاقة هذا بهداية إبراهيم إلى ربه؟

- ما علاقة هذا بالتين؟

- أين هي أرض التين؟

- ومن هي الأمة التي سكنت بلاد التين؟

- ومن هو النذير الذي خلا فيهم؟

- كيف تكتمل الرسالات في أرجاء الأرض بهذه المناطق الجغرافية (التين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين)؟

- ما علاقة هذا بالإله نفسه ومكان لقاءه؟

- ما علاقة هذا كله بمنطق فرعون الذي اطلع إلى إله موسى؟

- ما علاقة هذا بالأهرامات وبحضارة عاد؟

- وما سر هذا الصراع التاريخي القديم الجديد في هذه المناطق الجغرافية على وجه التحديد؟

- الخ.

-

(دعاء: أسأل الله وحده أن ينفذ مشيئته وإرادته لنا الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيري، إنه هو العليم الحكيم، وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأن يجعل لي من لدنه سلطانا نصيرا، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، إنه هو الواسع العليم – آمين)



المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان



بقلم د. رشيد الجراح

27 آب 2015

الجزء السابق                      الجزء التالي