يستكمل هذا الجزء من سلسلة "قصة يونس" التحليل العميق لشخصية ذي النون، مع التركيز على مفهوم "الحكم" الذي أوتيه وكيفية ارتباطه بتسميته. يفترض الكاتب أن "الحكم" هو لغة الوحي الإلهية الأصلية، المتمثلة في الآيات المحكمات مثل الأحرف المتقطعة في القرآن. ويجادل بأن "الحكمة" هي القدرة على فهم هذا "الحكم" وتفصيله (ترجمته) بلسان البشر. ويخلص المقال إلى افتراض أن "نون" في بداية سورة القلم هي "الحكم" الذي أوتيه يونس، ولذلك سمي بـ "ذي النون"، ممهدًا لمناقشة سبب عدم صبره على هذا الحكم في الأجزاء اللاحقة.
نحاول في هذا الجزء الجديد من المقالة الإجابة على التساؤلات التي أنهينا بها الجزء السابق من المقالة نفسها، وهي تلك التساؤلات الخاصة بقصة ذي النون، نذكر منها:
من أين جاء ذا النون الحكم؟
وما ماهية ذلك الحكم الذي لم يصبر له؟
ولماذا لم يصبر له؟
ولماذا توجه إلى البحر عندما ذهب مغاضبا؟
وأين ذلك البحر الذي توجه نحوه؟
وكيف أبق إلى الفلك المشحون؟
وما هو ذلك الفلك الذي أبق الرجل إليه؟
ولماذا أبق إلى فلك المشحون أصلا؟
ولماذا ساهم هناك؟
وكيف ساهم؟
وكيف دُحِض الرجل؟
وهل كان وحده عندما دُحِض؟
ومن اللذين دُحِضوا معه؟
ومن هم اللذين دَحَضوا ذا النون ومن كان معه؟
الخ
باب الحكم: لماذا سمي يونس بذي النون؟
سنحاول جاهدين في هذا الباب أن نقدم (بما أذن الله لنا فيه من علم) تصورنا المفترى من عند أنفسنا الخاص بتسمية يونس بذي النون، طارحين التساؤل الرئيس التالي: ما معنى أن يكون يونس هو نفسه ذو النون؟
أما بعد،
مصدر الحكم الإلهي
افترينا الظن في واحدة من الأجزاء السابقة من هذه المقالة وفي غيرها من مقالاتنا السابقة الأخرى بأن الحكم مصدره إلهي، فهذا إبراهيم يطلب من ربه أن يهب له حُكْمًا بمجرد أن أخرجه الله سالما من النار:
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴿٨٣﴾
سورة الشعراء
وافترينا الظن (ربما من عند أنفسنا) بأن مرحلة الحكم هي مرحلة سابقة للنبوة. فإبراهيم قد طلب من الله كما جاء في الآية الكريمة السابقة أن يهب له شيئين اثنين وهما:
1. أن يهب له حكما (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا)
2. أن يلحقه بالصالحين (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
ولمّا ظننا أن اللحاق بالصالحين تعني الاصطفاء بالرسالة (انظر المقالات السابقة)، فإن الحكم هو (في ظننا) المرحلة السابقة لتلك الفترة. فحتى يصبح من أراد الله أن يصطفيه بالرسالة مؤهلا لها، فلابد (نحن نفتري الظن) أن يمرّ بمرحلة التجهّز لها، وهي في ظننا مرحلة الحكم والعلم، كما حصل مع موسى مثلا:
نتيجة 1: لذا نحن نفتري القول بأن الله وحده هو صاحب الحق في أن يُؤتي حكمه من يشاء من عباده. ولكن بالرغم من ذلك يبقى الله وحده هو أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ:
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ﴿٨﴾
سورة التين
(دعاء: اللهم يا من أنت وحدك أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فإني أسألك أن تؤتيني حُكْمًا وَعِلْمًا - آمين)
نتيجة 2: ولو تفقدنا بعض السياقات القرآنية السابقة لربما وجدنا أن الحكم مرتبط بفترة عمرية معينة وهي بلوغ الأشد، فحصل عليها يوسف مثلا بمجرد بلوغه أشده:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٢٢﴾
سورة يوسف
بينما انتظر موسى فترة زمنية أطول، فما حصل عليها إلا بعد أن بلغ أشده واستوى:
السؤال: ليكون السؤال المطروح على الفور هو: ما هو الْحُكْمَ؟
جواب مفترى غير مباشر: نحن نظن أن الإجابة على هذا التساؤل ربما يحتاج إلى بعض الروية والتأني، نبدأ النقاش فيه بمحاولتنا إمعان التدبر بالآية الكريمة التالية:
دقق - عزيزي القارئ- جيدا بهذا السياق القرآني، لتجد – برأينا- حالة من التنافر الظاهري العجيب بينها من جهة والآيات التي سبقتها وتلك التي لحقت بها من جهة أخرى. فدعنا أن نتأمل السياق أولا، ثم لا نتردد أن نطرح التساؤلات بكل جرأة ومصداقية:
* أليس القرآن تنزيل من رب العالمين (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؟
* ألم ينزل به الروح الأمين (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)؟
* ألم ينزله على قلب محمد (عَلَىٰ قَلْبِكَ)؟
* أليس الهدف من ذلك هو ليكون محمد من المنذرين (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ)؟
* ألم يكن ذلك الإنذار من محمد بلسان عربي مبين (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ)؟
* ما علاقة ذلك بزبر الأولين؟
* وكيف يكون هذا في زبر الأولين (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)؟
* وما هو "هذا" الذي هو في زبر الأولين؟
* وما هي زبر الأولين أساسا؟
* الخ
السؤال الكبير المربك لنا الآن هو: كيف يكون في هذا (الذي أُنزل على محمد) أية يعلمها علماء بني إسرائيل (أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) وهو الذي لا يتحدث بلسانهم مادام أن محمدا ليس من بني إسرائيل؟
* وكيف يكون هذا الذي جاء به محمد حجة على الجميع حتى وإن لم يكونوا من أصحاب اللسان العربي الذي أنذر به محمد؟
* الخ.
رأي مفترى: علاقة "الحكم" بالإجابة على التساؤلات
رأينا المفترى والخطير جدا جدا: نحن نظن أن الجواب على كل هذه التساؤلات ربما نجده في مفردة واحدة وهي " الحكم" – موضوع النقاش في هذا الجزء من المقالة، ليكون السؤال الآن هو: كيف يمكن لمفردة الحكم الواردة في النص القرآني أن تسعفنا في الوصول إلى إجابات مفتراة لجميع هذه التساؤلات المثيرة والمربكة في آن واحد؟
السؤال الذي يجب أن يتبادر إلى ذهن الجميع بعد قراءة ما جاء في هذه الآيات الكريمة على الفور هو: كيف أنزل هذا الكتاب حكما عربيا (وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا)؟
نتيجة مهمة جدا 1: نحن نفتري الظن أن محمدا كان منذرا به (أي الكتاب) بلسان عربي مبين، أليس كذلك؟
السؤال: كيف يمكن أن نفهم أن الكتاب قد أنزل حُكْمًا عَرَبِيًّا إذن؟
منطقنا المفترى: لمّا كان كلام الله مقصود بذاته، فإننا نجد لزاما الإقرار قبل كل شيء بالمبدأ الراسخ عندنا الذي مفاده بأن أي اختلاف في اللفظ (مهما كان صغيرا) يجب أن يكون مدفوعا باختلاف في المعنى، فآيات الكتاب الحكيم "محكمة" الصياغة، لذا يجب توخي أقصى درجات الدقة في التعامل معها. لذا نحن بحاجة أن نتوقف عند كل مفردة لنتدبرها مليّا قبل أن نقفز إلى استنباطات غالبا ما تتصف بالعموميات التي ربما لا تسمن ولا تغني من جوع.
السؤال: على من أنزل الكتاب؟
جواب مفترى: على جميع رسل الله. فالله هو من آتى موسى مثلا الكتاب:
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿٥٣﴾
سورة البقرة
السؤال: وهل أُنزل الكتاب الذي علمه الله عيسى حكما عربيا؟
جواب: كلا وألف كلا، فقد علم الله عيسى الكتاب بلسان من كان عيسى بن مريم رسولا من الله إليهم، فكان (نحن نتخيل) حكما آراميا.
السؤال الكبير: كيف يمكن أن نفهم أن الكتاب الذي أُنزل على محمد قد أنزل حُكْمًا عَرَبِيًّا؟
باب: وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا
بداية، لابد من تدارس الآيات الكريمة التالية التي تبيّن – ربما بما لا يدع مجالا للشك- الفصل الواضح بين الكتاب من جهة والحكم من جهة أخرى، فالكتاب شيء والحكم شيء آخر، والنبوة شيء ثالث:
ثانيا، لو أمعنا التفكر في هذه المفردة على مساحة النص القرآني لوجدنا على الفور إمكانية الحصول على واحدة أو أكثر من هذه الثلاثة (الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) في المرة الواحدة، فانظر مثلا ما حصل عليه هؤلاء:
إبراهيم:
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴿٨٣﴾ سورة الشعراء
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٢٢﴾ سورة يوسف
ثالثا، نحن نظن أنه بالرغم أن الحكم شيء منفصل عن الكتاب بدليل الفصل بينهما في الآية السابقة (الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) إلا أن العلاقة بينهما وثيقة، فلو تدبرنا الآيات الكريمة التالية لوجدنا الربط بين الكتاب والحكم مباشرا:
لتكون الافتراءات التي نحاول الخروج بها من هذا النقاش على النحو التالي:
* هناك الكتاب
* هناك القرآن
* الكتاب أحكمت آياته
* آيات الكتاب التي أحكمت قد فصلت قرآنا
* جاءت تلك الآيات مفصلة قرآنا عربيا
ليكون السيناريو الذي نحاول أن نرسمه على النحو التالي:
الكتاب القرآن
* من لدن الله
* آيات
* أحكمت
* عند محمد
* آيات
* فصلت
نتيجة مفتراة: تكون آيات الكتاب محكمة (باللغة الإلهية) فيتم تفصيلها، ويكون ذلك بترجمتها عربية وأعجمية.
السؤال: كيف يمكن أن نفهم هذا كله؟
رأينا: بداية نحن نظن أن الضرورة ربما تستدعي الرجوع إلى ما افتريناه من عند أنفسنا في مقالات سابقة لنا حول هذا الموضوع وأخص بالذكر ما جاء في سلسلة مقالاتنا تحت عنوان لماذا قدم نبي الله لوط بناته بدلا من ضيوفه؟ خاصة الجزء الحادي عشر وما بعده وكذلك ما جاء في سلسلة مقالاتنا كيف تم خلق المسيح عيسى بن مريم؟ لذا نحن ننصح القارئ الكريم بالرجوع إلى تلك المقالات لينظر بما جاء فيها لأن ذلك ربما يكون ضروريا له حتى تتكوّن عنده صورة واضحة لما نحاول تسويقه من ظنون مفتراة من عند أنفسنا حول هذا الموضوع الخطير جدا. فنحن نعلم مقدار الضعف (وربما العجز) الذي نعاني منه في صياغة الأفكار التي تدور في ذهننا كنصوص واضحة يستطيع القارئ الكريم أن يتابعها بيسر وسهولة، لذا نحن نعتمد على قدرة المتلقي على فهم الفكرة أكثر من قدرتنا على صياغتها بالشكل الذي يجب أن تكون عليه. سائلين الله وحده قبل كل شيء أن يهدينا رشدنا وأن يعلمنا ما لم نكن نعلم، وأن يهدينا لأقرب من هذا رشدا، وأن يزدنا علما، إنه هو الواسع العليم – آمين.
أما بعد،
العلاقة بين الكتاب والحكم والحكمة
السؤال الكبير: ما العلاقة بين الكتاب والحكم؟
بعد محاولتنا تدبر السياقات القرآنية الخاصة بالحكم وارتباطها بالكتاب، لفت انتباهنا الملاحظة التالية: لم يكن عيسى بن مريم من رسل الله اللذين آتاهم الله حكما، لكننا وجدنا أن "الْحِكْمَةَ" (وليس الحكم) هي المصاحبة له على الدوام:
ليكون السؤال الذي حاولنا على الفور تدبره هو: لماذا؟ أي لماذا جاءت الْحِكْمَةَ مصاحبة لعيسى بن مريم؟ ولِم لم يكن عيسى ابن مريم ممن آتاهم الله حكما كما حصل مع يحيى مثلا، وهو من آتاه الله الحكم صبيا:
جواب مفترى: لو تفقدنا السياقات القرآنية الخاصة بعيسى ابن مريم على وجه التحديد مرة أخرى، وحاولنا تدبرها جيدا، لوجدنا ما يدعو الوقوف عنده مليّا، وأقصد على وجه التحديد الملاحظة التي فحواها أن عيسى قد حصل على أربعة أشياء وهي الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وكان ذلك بطريقة التعليم، راقب – عزيزي القارئ- هذه الآيات مرة أخرى:
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ﴿٤٨﴾
سورة آل عمران
... وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ...
سورة المائدة
ولكن – بالمقابل- لو قارنا ذلك بما كان لمحمد لوجدنا أن ما حصل عليه محمد هو الكتاب والحكمة وكان ذلك بطريقة التنزيل (وليس التعليم)، راقب – عزيزي القارئ- السياق التالي جيدا:
وبالإضافة إلى الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ اللذان جاءا محمدا تنزيلا، علّم الله محمدا أيضا ما لم يكن محمد يعلمه:
... وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴿١١٣﴾
سورة النساء
ولو حاولنا تدبر السياقات التالية لوجدنا أن عيسى ومحمد قد تولّيا مهمة تعليم من حولهما الْحِكْمَةَ، فكان محمد يقوم بتعليم غيره الكتاب والحكمة اللتان جاءته تنزيلا بعد أن يتلو عليهم الآيات:
بعد هذه المقدمة، دعنا نثير التساؤل الكبير جدا التالي: لماذا جاء علم الكتاب والحكمة عيسى بن مريم تعليما بينما جاء محمد تنزيلا؟
عيسى:
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ﴿٤٨﴾ سورة آل عمران
محمد:
... وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴿١١٣﴾ سورة النساء
وبالمنطق المفترى نفسه نحن نسأل: لماذا علم الله محمدا بعد ذلك ما لم يكن محمد يعلمه؟ ولِم لم يعلم عيسى مثل ذلك؟
وبالمنطق المفترى نفسه نحن نسأل: لماذا علم الله عيسى التوراة والإنجيل؟ ولِم لم يحصل مثل هذا التعليم لمحمد؟
نتائج مفتراة خطيرة جدا
- كان عيسى يعلم ما في الكتاب وكذلك كان محمد (وإن اختلفت الطريقة)
- كان عيسى يملك الحكمة وكذلك كان محمد (وإن اختلفت الطريقة)
- كان عيسى يستطيع أن يقرأ ما في التوراة ولكن محمد لم يكن يستطيع ذلك لأن الله لم يعلمه التوراة كما علم عيسى
- كان عيسى يستطيع أن يقرأ ما في الإنجيل ولكن محمد لم يكن يستطيع ذلك لأن الله لم يعلمه الإنجيل كما علم عيسى
السؤال: لماذا؟
رأينا المفترى والخطير جدا جدا الذي نطلب من القارئ الكريم أن لا يصدِّقه ما لم يجد أن الدليل يدعمه: نحن نظن أن لهذا علاقة مباشرة بالآية الكريمة التالية التي تخط واحدة من سنن الله الكونية التي لا تتبدل ولا تتحول، والآية هي:
السؤال: ما علاقة هذه الآية بمحاولتنا الإجابة على التساؤلات السابقة؟
رأينا: نحن نظن أن ذلك يمكن أن يتضح لاحقا، لكن لابد أن نبدأ (نحن نظن) من المنطق المفترى التالي: لم يكن لعيسى ابن مريم قوم، لذا فهو لا يتحدث لغة الناس بينما كان محمد ينتمي إلى عشيرة محددة فكان ينذرهم بلسانهم.
الدليل
لنبدأ البحث عن الدليل بإثارة التساؤل التالي: إذا كان كل رسول قد أُرسل بلسان قومه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ)، فمن هم قوم عيسى بن مريم؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن هناك اثنان من رسل الله اللذين لم يكن لهم قوم ينتمون إليهم وهما (1) عيسى بن مريم و (2) داوود. وربما لهذا السبب (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا كما سنرى لاحقا بحول الله وتوفيق منه) جاء اللعن للذين كفروا من بني إسرائيل على لسان هذين الرسولين الكريمين:
ألا تجد – عزيزي القارئ- أن موسى يوجه خطابه إلى قومه (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ) بأنه رسول الله إليهم (أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ)، ولكن عيسى – بالمقابل- لا يخاطب قوما له ولكنه يخاطب بني إسرائيل كرسول من الله إليهم فقط (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم)
والآن دعنا نحاول أن نربط ذلك بما جاء بحق محمد، لنجد على الفور الآية الكريمة التالية التي تصور محمدا رسولا إلى الناس جميعا:
تلخيص ما سبق: نحن نثير جملة من التساؤلات التي نظن أنها مترابطة، وذلك لغرض التأطير للتساؤل الأول وهو: لماذا جاء علم الكتاب والحكمة عيسى بن مريم تعليما بينما جاء محمدا تنزيلا؟
رأينا المفترى: لمّا لم يكن عيسى بن مريم ينتمي إلى قوم من الناس، فهو بالتالي لم يكن يتحدث لسانهم، وبالتالي كان عيسى بن مريم (نحن نفتري الظن) يحتاج أن يتعلم تعليما، فجاء تعليمه على النحو التالي:
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ﴿٤٨﴾
سورة آل عمران
... وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ...
سورة المائدة
ليكون المشهد الخاص بعيسى بن مريم (كما نفتريه من عند أنفسنا) على النحو التالي: ينفذ الله أمره بكلمته المسيح، فيكون المسيح عيسى بن مريم كلمة الله وروح منه:
ولما كان عيسى بن مريم كلمة الله التي ألقاها إلى مريم ، لم يكن عيسى بن مريم (نتيجة ذلك النفخ الإلهي ككلمة منه) ينتمي إلى قوم من الناس مادام أنه لم يمر بمراحل خلق من كان من الناس كما تصور ذلك الآية الكريمة التالية:
فلا يكون هناك معلما له من الناس، لذا لم ينطق عيسى بن مريم بلسان قوم من الناس عندما تكلم في المهد صبيا وذلك لأنه (نحن نفتري الظن) ليس منهم.
نتيجة مفتراة مهمة جدا: جاء عيسى بن مريم يتحدث منذ يومه الأول لغة خاصة به ليست من لغات الناس. لذا كان لعيسى بن مريم لسانا يختلف عن ألسن الناس جميعا.
ينشأ المسيح عيسى بن مريم يتحدث كلاما ليس من كلام البشر، فلا يستطيع من حوله أن يفهموا ما كان يقول، لذا فهو لم يخاطب الناس إلا في طفولته وعند كهولته:
وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٤٦﴾
سورة آل عمران
وذلك (في ظننا) لسبب بسيط وهو أن من كان حول المسيح لم يكن ليفهم ما كان ينطلق لسان المسيح به مادام أنه يتحدث بلسانه الخاص الذي يختلف عن ألسنتهم جميعا. وربما لهذا كان عيسى بن مريم إلى مجموعة من الناس ليفهموا لغته الخاصة، فأختص الوحي الإلهي المقدسة بمجموعة من الشبان هم الحواريون:
(للتفصيل انظر سلسلة مقالتنا كيف تم خلق المسيح عيسى بن مريم؟)
وبالمنطق نفسه، فإن المسيح عيسى بن مريم لم يكن ليفهم كلام من كان حوله من الناس لأنهم يتحدثون بلسان غير لسانه، ولم يكن المسيح أصلا بحاجة أن يفهم كلامهم لأن كلامهم لم يكن أكثر من أسماء سموّها هم وآباءهم ما أنزل الله بها من سلطان، ولما لم يكن عيسى ليستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير:
لم يكن ليترك اللسان الذي يتحدث به (وهو خير) من أجل أن يتحدث بلسان القوم من حوله من بني إسرائيل (وهو أدنى).
والحالة هذه لم يكن عيسى بن مريم يحتاج أن يتعلم شيئا من عند هؤلاء القوم إلا ما نصت عليه الآيات الكريمة التالية:
وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ﴿٤٨﴾
سورة آل عمران
... وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ...
سورة المائدة
فجاء التعليم الإلهي له على النحو والترتيب التالي:
تعليم الكتاب (الْكِتَابَ)
تعليمه الحكمة (وَالْحِكْمَةَ)
تعليمه التوراة (وَالتَّوْرَاةَ)
تعليمه الإنجيل (وَالْإِنجِيلَ)
السؤال الكبير جدا: فأين الحكم؟ لِم لم يؤتي الله المسيح عيسى بن مريم الحكم كما آتى ذلك إبراهيم وموسى ويوسف ولوطا وغيرهم من رسله؟ ولم لم يؤتيه الحكم صبيا كما حصل مع يحيى مثلا؟
رأينا المفترى الخطير جدا جدا: لأن المسيح عيسى ابن مريم قد ولد ومعه الحكم أصلا.
السؤال: وما هو الحكم الذي ولد عيسى وهو يملكه؟
رأينا: إنها اللغة الإلهية. انتهى
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نتخيل الموقف على النحو التالي: ولد عيسى بن مريم يتحدث بلسانه الخاص به، فانطلق لسانه به منذ اليوم الأول، فكلم من حوله وهو لازال صبيا في المهد، ولم يكن يتحدث (نحن لازلنا نتخيل) بلسان القوم اللذين هم من حوله (أي بني إسرائيل) لأنه لم يكن منهم أساسا، ولكنه كان رسولا إليهم. فكان يتكلم حكما (خاصا به)، وهو القول الفصل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ونحن نستطيع تصوير ذلك (من أجل تقريب الصورة إلى الأذهان) على نحو أن عيسى ابن مريم هو النسخة المادية الحية للقرآن الذي هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فما تكلم عيسى بن مريم إلا الحق، وما يكون له غير ذلك:
تلخيص: ولد المسيح عيسى بن مريم ومعه حكما خاصا به (فحدّث به من كان حوله من الناس منذ اليوم الأول لولادته)، فما تعلم لسان القوم الذين من حوله لأنهم ببساطة ليسوا قومه وإن كان رسولا من الله إليهم، وكان جلّ ما يحتاج المسيح أن يتعلمه مما عند هؤلاء التوراة والإنجيل، فعلمه الله ذلك بعد أن علمه الكتاب والحكمة، فأصبح عند عيسى بن مريم علم الكتاب والحكمة (مما عند الله) وعلم التوراة والإنجيل (مما عند الناس من حوله من بني إسرائيل).
(للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا كيف تم خلق عيسى بن مريم؟)
نتيجة مهمة جدا جدا سنحتاج إليها لاحقا: مادام عيسى بن مريم لا يعرف لسان الناس الذين من حوله فهو إذن يحتاج أن يتعلم الحكمة تعليما.
حالة النبي محمد: التنزيل والتبيان
أما في حالة محمد ، فإن الأمر يختلف بشكل جذري، فقد كان محمد من الناس مادام أنه مر بمراحل خلق الناس جميعا:
أنزل الله على محمد الكتاب والحكمة (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، كانت مهمة محمد تشمل تعليم الناس ذلك (الكتاب والحكمة: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، فكان يقوم بذلك خير قيام، وكان أيضا يبيّن لهم ما نزّل إليهم من ربهم (من الكتاب والحكمة)، وكان يبين لهم ذلك بما أنزل الله إليه من الذكر (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)
السؤال: وكيف يمكن أن نفهم المشهد بصورة أكثر وضوحا؟
رأينا المفترى: نزل على محمد الكتاب المبين:
الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿١﴾ سورة يوسف
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ سورة القصص
تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ سورة الشعراء
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ سورة الدخان
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ سورة الزخرف
وأنزل الله معه الحكمة (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، فكانت مهمته تكمن في أن يعلّم محمدٌ الناسَ ما أُنزل إليهم من ربهم من الكتاب والحكمة (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، وأصبحت مهمة محمد هي تبيان ما هو أصلا مبينا (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).
السؤال: كيف كان محمد يقوم بذلك؟
رأينا المفترى: كان محمد يقوم بذلك بلسان قومه وليس بالنسخة الأصلية التي نزل بها الكتاب من لدن الله
السؤال: وما هي النسخة الأصلية من الكتاب؟
جواب مفترى: إنها لغة الوحي. فآيات الكتاب مسطورة في الكتاب (نحن نفتري القول من عند أنفسنا) حكما إلهيا كما نظن أن الآيات الكريمة التالية من بداية سورة الشورى تصورها أحسن تصوير:
نتيجة خطيرة جدا جدا: كان محمد يستطيع تفصيل آيات الكتاب التي أحكمت بما عنده من الحكمة التي أنزلها الله عليه مصاحبة للكتاب، لذا استطاع أن يفصلها (أي يترجمها) قرآنا عربيا بلسان قومه الذي بعث فيهم. لذا نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن الْحِكْمَةَ هي الأداة اللازمة لفهم آيات الكتاب المحكمات. فمن يمتلك الحكمة فهو يستطيع أن يفهم آيات الكتاب المحكمات قبل أن يتم تفصيلها بلسان بشري، لتصبح الصورة على النحو التالي: الكتاب المبين (آيات محكمات) – الحكمة – التفصيل – الذكر- فالتبيان
تبعات هذا الظن
لو تفقدنا الآية الكريمة التالية لوجدنا فيها (نحن نظن) أمرا يدعو إلى الاستغراب على الفور، فلننظر الآية أولا ثم نطرح التساؤل بعد ذلك:
فمفردة كَذَٰلِكَ تعود (نحن نظن) على ما سبقها من الكلام وهو (حم ﴿١﴾ عسق ﴿٢﴾)، ليكون المعنى كما نفهمه هو: أنه بمثل هذه الكلام (حم ﴿١﴾ عسق) جاء الوحي محمدا كما جاء كل الذين من قبله من رسل الله.
السؤال: ومن يستطيع من أهل اللسان العربي (مهما بلغ من الفصاحة) أن يبيّنها لنا؟
رأينا المفترى: هي هذه الآيات التي لم تفصل قرآنا عربيا وبقيت حكما عربيا، فلا يستطيع من يعرف اللسان العربي (مهما بلغ من الفصاحة) أن يفهم هذه الآيات المحكمة التي لم تفصل قرآنا عربيا، لأن من يستطيع ذلك لابد أن يكون قد أوتي الحكمة.
السؤال: كيف يمكن فهمها؟
رأينا: من أراد أن يفهم هذه الآيات فلابد أن يؤتي الحكم فيها، أي يستطيع أن يفهم لغتها، ومن ثم يستطيع أن يفصلها أي يترجمها، فيكون بذلك قد أوتي الحكمة، أي لابد أن يكون عنده حكما بها أو ببعض منها، ونحن نتجرأ على الظن بأن كل واحدة من هذه الآيات المحكمة هي "حكما" مستقلا بحد ذاتها، لكنها تشكل مجتمعة "الحكم" كله، فالله وحده هو من له الحكم:
(دعاء: اللهم أسألك وحدك أن تنفذ أمرك بمشيئتك وإرادتك بأن أكون من عبادك اللذين آتيتهم الحكمة، وأنت أحكم الحاكمين – آمين)
عودة على بدء
السؤال: ما علاقة هذا كله بقصة يونس التي نحاول جاهدين أن نتدبرها بما أذن الله لنا فيها من علم؟
جواب: نحن نحاول من خلال هذا الطرح (على ركاكته وعلاّته) أن نفهم الحكم الذي كان يملكه صاحب الحوت ولم يصبر له كما تصور ذلك الآية الكريم التي جاءت في سورة القلم خاصة بهذا الرجل الذي ذهب مغاضبا وظن أن لن يقدر عليه:
السؤال: ليكون السؤال الذي حاولنا طرحه في بداية هذا الباب (باب: وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا) هو: ما هو ذلك الحكم الخاص بيونس الذي لم يصبر له كما جاء في السياق القرآني الذي يتحدث عنه في هذه الآية من سورة القلم؟
رأينا الخطير جدا جدا: إنه موجود في بداية سورة القلم نفسها؟
السؤال: وما هو؟
جواب مفترى: لنقرأ معا بداية هذه السورة الكريمة، لترى بأم عينك – عزيزي القارئ- ما نطمح إليه من محصّلة هذا النقاش كله:
ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿١﴾
سورة القلم
السؤال: وأين الحكم في هذه الآية الكريمة؟
رأينا: أنه الحكم الذي لم يفصل قرآنا عربيا؟
السؤال: وما هو؟
جواب مفترى: إنه ن ۚ
افتراء خطير جدا جدا: نعم إنه ن ۚ، فهذه (نحن نفتري القول) آية محكمة (ظلت حكما عربيا) لم تفصل قرآنا عربيا، فبقيت من الآيات المحكمات التي لا يستطيع من كان لسانه عربيا أن يفهمها ما لم يؤتي الحكمة.
(دعاء: اللهم أسألك نفاذ مشيئتك بأن تأذن لي الإحاطة بشيء من علمك فيها، إنك أنت الحكيم العليم – آمين)
السؤال: من يستطيع أن يفهمهما إذن؟
رأينا: من كان يملك "الحكمة"؟
السؤال: هل أذن الله لأحد من خلقه الإحاطة علما بهذه الآية المحكمة (ن ۚ)؟ هل ملك أحد حكمها (أي الحكمة التي تبيّنها)؟ أو بكلمات أكثر بساطة نحن نسأل: هل أوتي أحد العلم ب ن ۚ؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نعم، نحن نظن أن شخصا واحدا قد أوتي العلم فيها: إنه ذو النون نفسه.
لماذا سمي يونس بذي النون؟
السؤال: لماذا سمي يونس بذي النون؟
جواب مفترى خطير جدا جدا: لأنه هو من كان قد أوتي الحكم بهذه الآية المحكمة من آيات الله اللاتي هنّ أم الكتاب. فسمي بذي النون – نحن نفتري القول- نتيجة الحكم الذي أوتي فيها، فكان يعلم ماهية هذا الآية المحكمة من آيات الله المحكمات.
السؤال: ما معنى أن يكون يونس قد أوتي حكم ن ۚ ؟ فهل هذا شيء كثير؟
رأينا: لو دققنا في الآية الكريمة نفسها لربما خرجنا بالاستنباط المفترى الخطير التالي: نحن نظن أن العلم ب ن ۚ يوازي (أو ربما يزيد) عن كل ما سطروا بالقلم:
ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿١﴾
سورة القلم
كما أنه – لا شك- سابق للقلم وما يسطرون، بدليل أنها سبقته بالترتيب. فلو حاولنا أن نضع ذلك في كفتي ميزان لجاءت ن ۚ في كفة وجاء وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ في كفة أخرى، ولربما (نحن نظن) رجحت كفت نون.
تعدد تسميات يونس
السؤال: متى حصل له ذلك؟
رأينا: من أجل الإجابة على هذا التساؤل فلابد من طرح التساؤل المثير التالي: لماذا كان يونس يحمل مسميات مختلفة؟
هذا ما سنبدأ به الجزء القادم من هذه المقالة بحول الله وتوفيق منه، في محاولة منا الإجابة على بقية التساؤلات التي طرحناها في بداية هذا الجزء من المقالة، نعيد التذكير يبعضها، خاصة تلك التي لم تتح لنا الفرصة لتناوله في هذا الجزء، واعدين القارئ الكريم (إن شاء الله) أن نتناولها في الأجزاء القادمة من المقالة نفسها:
* لماذا توجه إلى البحر عندما ذهب مغاضبا؟
* وأين ذلك البحر الذي توجه نحوه؟
* وكيف أبق إلى الفلك المشحون؟
* وما هو ذلك الفلك الذي أبق الرجل إليه؟
* ولماذا أبق إلى فلك المشحون أصلا؟
* ولماذا ساهم هناك؟
* وكيف ساهم؟
* وكيف دُحِض الرجل؟
* وهل كان وحده عندما دُحِض؟
* ومن اللذين دُحِضوا معه؟
* ومن هم اللذين دَحَضوا ذا النون ومن كان معه؟
* الخ
فكان جل ما فعلناه في هذا الجزء هو إبداء رأينا في جزئية واحده تحت باب الحكم الذي آتاه الله ذا النون تتعلق بماهية هذا الحكم، فخلصنا إلى افتراء القول بأن حكم ذي النون هو الذي جاء حاملا صفته تحت أحد الأسماء التي عُرف بها الرجل: إنه ذو النون:
بعد أن ربطنا ذلك بما جاء بالآية الكريمة التالية التي تبين (في رأينا) واحدة من آيات الله المحكمات التي لم تفصل قرآنا عربيا:
ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿١﴾
سورة القلم
فالله وحده أسأل أن يعلمني الحق الذي أقوله فلا أفتري عليه الكذب، وأن ينفذ مشيئته بالإذن لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لغيري، وهو أحكم الحاكمين – آمين
المدّكرون
رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
📖 شروط قراءة المقالات:
❌ المقالة ليست فتوى.
💭 هي رأي فكري شخصي قابل للخطأ والصواب.
📝 يُمنع تلخيصها أو إعادة صياغتها.
📚 يُسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر وعدم تحريف المعنى.
⚖️ لا يحق مقاضاة الكاتب بسبب اختلاف الآراء.