كيف تم خلق عيسى بن مريم 9؟




خلصنا في الجزء السابق إلى تحديد مكان الكهف الذي يرقد فيه الفتية اللذين زعمنا في الجزء الذي سبقه بأنهم هم أنفسهم حواريو المسيح عيسى بن مريم اللذين رفضوا الإذعان لتحريف العقيدة الذي وقع فيه قومهم عندما اتخذوا من دون الله آلهة:
هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
فكانت عقيدتهم أن لا يدعو من دون الله إلها وإن كان المسيح عيسى بن مريم معلمهم نفسه:
وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)
والحالة هذه، كان قرارهم للخروج من هذا المأزق هو اعتزال قومهم حتى ينشر الله لهم من رحمته ويهيئ لهم من أمرهم مرفقا:
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)
فتوجهوا نحو الكهف الذي يعرفونه ليكون مأوى لهم قسطا من الزمن:
          إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)
وما أن وصلوا إلى هناك حتى كان الكلب لا زال حاضرا يقوم بمهمة حراسة ذلك الكهف:
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)
وظننا أن عددهم كان سبعة لأن الكلب لم يصاحبهم في الرحلة من المدينة إلى الكهف ولكنه كان حاضرا عندما وصلوا إلى الكهف، فجاء في ظننا نتيجة ذلك الفصل واضحا في الآية الكريمة التالية بين الفتية من جهة والكلب من جهة أخرى بدليل وجود فاصل لغوي بينهم وهو الواو:
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (22)    
(للتفصيل انظر الجزء السابع من هذه المقالة)
وزعمنا في الجزء الثامن السابق أن الكهف الذي أوى الفتية إليه هو مكان جاء التفصيل فيه جليا في كتاب الله من حيث طبيعة تركيبه وتضاريسه ومن حيث مكان وجوده. وبعد أن ناقشنا الإشارات القرآنية التي ظننا أنها دالة على ذلك كما فهمناها نحن خرجنا بالاستنباط الخطير المتمثل بأن ذلك الكهف الذي أوى الفتية إليه يقع مباشرة تحت المسجد الأقصى الذي لازال يتواجد حتى الساعة كشاهد على تلك الآية البينة من آيات الله:
          أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)
كما ظننا أن واحدة من أهداف رحلة الإسراء التي حصلت للنبي محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما تبيّنها الآية الكريمة التالية:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)
كانت ليري اللهُ نبيَّه الكريم تلك الآية من آياته الكثيرة رأي العين، ليزيل بذلك ما وقع في قلب النبي محمد من العجب يوم أن جاءه نبأ أولئك الفتية:
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)
فجاء قص النبأ بالحق من الله مباشرة:
          نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)
فأسرى الله بالنبي محمد إلى هناك ليريه –نحن نفتري القول- رأي العين المكان الذي أوى الفتية إليه. وهناك أنزل الله على قلب محمد ما أصبح محمدٌ مكلّفا بتبيانه للناس كنذير لهم:
وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)
فهناك في المكان نفسه آتى الله موسى الكتاب وكتب له في الألواح. ولو حاولنا أن نربط الآية التي تتحدث عن الإسراء بالآية التي تليها وتتحدث عن إيتاء موسى الكتاب ربما وجدنا المعنى واضحاً:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً (2)
لنخلص بناء على ذلك إلى النتيجة المفتراة من عند أنفسنا التالية: كما آتى الله نبيه موسى الكتاب في ذلك المكان وجعله هدى للعالمين، أنزل الله الكتاب على قلب محمد وجعله هدى للناس كافة. وفي ذلك المكان آتى الله عيسى بن مريم الإنجيل، وهناك تعلم حواريو المسيح عيسى بن مريم من معلمهم ذلك الكتاب العظيم.

وأصبحت مهمة الحواريين تكمن في أن يبيّنوا للناس ما جاءهم من عند معلمهم المسيح عيسى بن مريم من الإنجيل. ولما كان عيسى لا يتكلم لغة أهل الأرض تولى الحواريون تلك المهمة، فقاموا برقم النسخ منه كل بما آتاه الله من وحي الكتاب:
          وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)
فكانوا بذلك ليس فقط أصحاب الكهف وإنما أصحاب الرقيم أيضا:
          أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)
وفي المكان نفسه تلقى الفتية العلم، فأصبحوا قادرين أن يبينوا للناس ما جاءهم من الإنجيل من معلمهم المسيح عيسى بن مريم، فخرج الإنجيل (أو العهد الجديد) بأكثر من نسخة لأن الذي رقمه هو أكثر من واحد، فهم سبعة من الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى:
          نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)
فكان الإنجيل رقيم (أي أكثر من كتاب مرقوم واحد).
ولكن بالمقابل لما جاء العلم لمحمد وحده من ربه بعد أن نزل الروح الأمين بالكتاب على قلب محمد مباشرة كما يمكن استنباط ذلك عند جلب السياقيين القرآنيين التاليين معا:
(أ‌)     وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)
(ب‌)  إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)
لنخلص إلى القول بأنه عندما علّم الله نبيه الكريم وقد كان الكتاب[1] قد نزل على قلبه جملة واحدة، كان دور محمد يتلخص بأن يكون من المنذرين بلسان قومه وهو اللسان العربي. لذا انتهى إلينا القرآن كما نجده اليوم نسخة واحدة وذلك لأنه ببساطة هو وحي الله إلى شخص واحد وهو محمد، وكذلك هي الحال بالنسبة للتوراة، فهي وحي الله إلى شخص واحد وهو نبيه موسى، ولكن لما كان الإنجيل وحي الله إلى الحواريين بتعليم من رسولهم المسيح عيسى بن مريم، فقد انتهى إلينا بأكثر من نسخة.
افتراء من عند أنفسنا:
1.     كان القرآن كتاب مرقوم واحد
2.     كانت التوراة كتاب مرقوم واحد
3.     كان الإنجيل رقيم (أي أكثر من كتاب مرقوم واحد)
السؤال: أين هو الإنجيل الرقيم (بنسخه المتعددة) كما رقمها الحواريون بوحي مباشر من الله لهم وبتعليم من المسيح عيسى بن مريم معلمهم؟
جواب: لقد كانت بحوزة الفتية أصحاب الكهف عندما أووا إلى الكهف.
الدليل
بادئ ذي بدء نحن نظن أن الكهف كان هو المكان الذي تلقى فيه الحواريون تعليمهم من المسيح عيسى بن مريم، فمن البديهي أن المعلم يحتاج إلى مكان لينقل ما عنده من العلم إلى تلاميذه. فلابد من وجود مكان ليلتقي فيه المعلم مع الذين يطلبون العلم على يديه لينقل إليهم ما عنده من العلم، ليكون السؤال الذي نود إثارته الآن هو: أين كان المسيح عيسى بن مريم يجتمع مع تلاميذه ليعلمهم؟
رأينا: في ذلك الكهف.
السؤال: ولكن أين الدليل على ما تقول؟
جواب: نحن نظن أن بإمكاننا أن نستنبط هذا الافتراء الذي هو لا شك من عند أنفسنا من فهمنا لما جاء في الآية الكريمة التالية بلفظ مفردة بِوَرِقِكُمْ:
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)
سؤال: ولكن كيف ذلك؟
جواب: نحن إذن بحاجة أن نفهم معنى مفردة بِوَرِقِكُمْ كما وردت في السياق القرآني نفسه. فماذا تعني هذه المفردة؟
رأينا: نحن نظن أننا بحاجة دائما أن نظهر مخالفتنا لما جاءنا من عند علمائنا الأجلاء أصحاب الدراية والرواية من أخبار لنبين بعد ذلك موقفنا ورأينا الذي نظن أنه أكثر دقة وتميزا. فبعد أن حاولنا النبش فيما قاله الأقدمون عن معنى مفردة "بِوَرِقِكُمْ" كما جاءت في السياق القرآني في قصة أصحاب الكهف والرقيم وجدنا أنهم يكادون يجمعون على أن المفردة (بِوَرِقِكُمْ) تدل على النقود أو العملة المالية التي استخدمها الفتية لشراء حاجتهم من طعام المدينة. وكان الاختلاف بين معظم أهل الدراية من سادتنا العلماء منصبا على المادة التي صكت منها تلك النقود، أهي الذهب أم الفضة؟ أم... ؟ من يدري!!!
ولكننا نتوقف هنا لنخالفهم الرأي بالقول بأن مفردة بِوَرِقِكُمْ لا علاقة لها بالنقود إطلاقا للأسباب التي نظن أنها موجبة التالية:
1.     وجود مفردة هَذِهِ مباشرة بعد كلمة بِوَرِقِكُمْ. انظر السياق القرآني جيدا:
فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ
فوجود اسم الإشارة هَذِهِ لاحقة على الفور لمفردة بِوَرِقِكُمْ  يدل على بما لا يدع مجالا للشك وجود غيرها، فالمعنى بمجمله أن الفتية يملكون "ورقهم هذه" وعندهم أيضاً ورق غيرها، وإلا لما كان استخدام مفردة بِوَرِقِكُمْ  مبررا هنا. وللنظر إلى كيفية استخدام مفردة هذه في السياق القرآني التالي مثلا:
وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
فالإشارة إلى سورة بحد ذاتها يعني بالضرورة وجود غيرها، وهذا ينطبق على كل أسماء الإشارة كما في الآية الكريمة التالية حيث استخدم اسم الإشارة هاتين للحديث عن المثنى المؤنث:
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)
فشعيب يشير إلى موسى أن يختار من بين بناته هاتين ليدلّنا بأن الرجل كان عنده من البنات غير هاتين ولكن اختيار موسى يجب أن يكون من بين هاتين فقط.
وبالمنطق نفسه فإن الفتية يجمعوا أمرهم أن الذاهب منهم يجب أن يذهب "بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ", ليكون السؤال الآن على النحو التالي: إذا كانت مفردة ورقكم تدل على النقود، ما الداع أن يختاروا نوعا محددا من النقود ليبعثوا أحدهم بها إلى المدينة؟ ألا يستطيع من أراد أن يشتري شيئا من السوق أن يستخدم أي نوع من النقود يتوافر لديه؟ من يدري!!!
2.     أليس من الطبيعي أن من أراد أن يشتري شيئا من السوق أن يأخذ معه نقوده؟ فما الداع إذن أن يجمع الفتية أن من أراد أن يذهب إلى السوق فليأخذ هذا النوع على وجه التحديد من النقود؟ فنحن نفتري الظن بأن ما دام أن شراء السلع من السوق يتطلب توافر النقد لذلك فلا داع أن يذكر النقد أصلا لأن ذلك يصبح من باب حشو الكلام الذي لا لزوم له. لذا نحن نظن أن هناك سببا عظيما جعل الفتية يجمعون على ضرورة أن يأخذ الذاهب منهم إلى المدينة بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ، فما السبب يا ترى؟
3.     نحن نظن أن الدليل الحاسم على صحة ما نزعم بأن مفردة بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ  لا علاقة لها بالنقود ربما يمكن استقصاءه من ضمير المتكلم المتصل المستخدم مع المفردة نفسها:
فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ
ولكن كيف ذلك؟
رأينا: لو كانت المفردة تدل على النقد لما كان الفتية بحاجة أن يستندوا المفردة إلى ضمير المتكلم الخاص بهم بِوَرِقِكُمْ، فالنقد هو نقد للجميع وليس خاص بمجموعة محددة إلا إن كان هناك نزاع عليه، فأنت لا تقول مثلا أنك اشتريت حاجة بنقودك إلا إن كان هناك شك في أن النقود لا تعود لك أصلا كأن تكون أخذت السلعة بطريقة غير شرعية مثلا أو أن تكون النقود التي استخدمتها مسروقة. ولكن في الوضع الطبيعي فأنت تقول أنك اشتريت السلعة بمئة دينار مثلا دون الحاجة أن تنسب الدنانير إليك، أليس كذلك؟
4.     الخ.
السؤال: لماذا نسب الفتية الورق إليهم (بِوَرِقِكُمْ)؟ ولماذا حددوه بنوع محدد من الورق باستخدام اسم الإشارة هذه (بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ
رأينا: نحن نظن أن الجواب على ذلك بسيط ويتمثل في أمرين اثنين وهما:
1.     أن الورق كان خاصا بهم على وجه التحديد، فأصبح الورق ورقهم وليس ورق غيرهم، فنسبوه لأنفسهم (بِوَرِقِكُمْ)، فذاك – برأينا- ورق خاص بهم لا يستطيع أحد أن ينازعهم في ملكيته. فأسندوا المفردة إلى ضمير المتكلم الجمع (بِوَرِقِكُمْ)
2.     لأنه كان لدى الفتية أكثر من وَرِق واحد، فكان لزاما أن يحددوا أيّا منها يجب استخدامه من أجل هذا الغرض وهو شراء الرزق من الطعام من سوق المدينة. فاستخدموا اسم الإشارة هذه معه (بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ)
ولكن كيف ذلك؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أنه يمكن فهم ذلك لو صح افتراؤنا التالي: هناك علاقة مباشرة بين مفردة (بِوَرِقِكُمْ) التي جاءت في سياق الحديث عن شراء الرزق من الطعام من المدينة بمفردة (الرَّقِيمِ) التي جاءت في بداية قصتهم:
     أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)

العلاقة بين َالرَّقِيمِ و وَرِقِكُمْ
افتراء من عند أنفسنا: لما كان كل واحد من حواري المسيح قد رقم شيئا من الإنجيل بنفسه مما جاءه من العلم من عند معلمهم جميعا المسيح عيسى بن مريم، كان لزاما وجود فروقات بين كل واحدة من الكتب التي رقموها، فما رقمه أحدهم قد لا يكون بالضرورة هو نفسه الذي رقمه الآخر وهكذا وإن وجد بعض التشابه بينهما. لذا كان في كل كتاب مرقوم من الرقيم التي لديهم شيء مختلف عن غيره، ولتبسيط الصورة نقول دعنا نشبّه تلك الكتب (أو لنقل الورق) التي رقمها الفتية بسور القرآن الكريم، فهناك سورة البقرة وهناك سورة المائدة وهناك سورة الأنعام، وهكذا. وبالرغم من وجود تقاطعات وتشابهات بين هذه السور من حيث الجزئيات لكن كل واحدة منها هي سورة مستقلة بذاتها، تختلف بشكل واضح عن غيرها، والأهم من ذلك هو أنك ستجد في كل واحدة من تلك السور ما لا تجده في الأخرى. فلو تطرقنا إلى موضوع الطلاق مثلا قد لا نجد شيئا عنه في سورة الأنعام ولكن ربما نجد شيئا عنه في البقرة أو في سورة الطلاق نفسها، وهكذا هو الأمر بالنسبة للنكاح، والطعام والتحريم والتحليل. فلو أنت بحثت في سور القرآن الكريم عن ما يمكن أن يؤكل وعن ما لا يجوز أكله فلا بد أن تتعرض لما في سورة المائدة أو الأنعام مثلا. وهكذا هي – برأينا- الحال بالنسبة للكتب التي رقمها الحواريون بأنفسهم، ولكن كيف ذلك؟
جواب: لقد رقم الفتية عن معلمهم المسيح عيسى بن مريم في ورق خاص بهم التعاليم الربانية التي جاءهم بها، فكان عندهم ورق خاص بالطعام والشراب، وورق خاص بأحكام النكاح والزواج والطلاق،وهكذا.
الدليل
دعنا لا ننسى أن الفتية يتحدثون عن موضوع شراء الرزق من الطعام من الأسواق، أليس كذلك؟
لذا فهم بحاجة إلى ما جاءهم من العلم الذي رقموه بأنفسهم عن معلمهم المسيح عيسى بن مريم عن هذا الموضوع على وجه التحديد، فأجمع الفتية أمرهم بالقول بأن من أراد أن يذهب منهم إلى سوق المدينة ليحضر لهم شيئا من الطعام فعليه أن يأخذ معه ما رقموه (أو لنقل ما رقمه بعضهم) بأيديهم عن موضوع الطعام، وهو موجود – كما نتخيله- في واحدة من تلك الرَّقِيمِ (أي الكتب المرقومة) فأشاروا إليها بالقول (بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ). ولكن لماذا؟
جواب: نحن نتخيل أن الفتية كانوا يعيشون في الزمن نفسه الذي عاش فيه المسيح عيسى بن مريم بين بني إسرائيل، أليس كذلك؟ كما أننا نعلم من السياقات القرآنية المتعددة أن مسألة الطعام (ما يؤكل وما لا يؤكل) كانت بلا شك قضية شائكة بين بني إسرائيل لسببين اثنين على الأقل وهما:
1.     بالرغم أن كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا أن إسرائيل نفسه قد حرم على نفسه شيء منه:
كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93)
ليصبح هناك من الطعام ما هو محرم أكله على بني إسرائيل بسبب تحريم إسرائيل ذلك نفسه
2.     أن القوم كانوا قد ظلموا أنفسهم من ذي قبل، فكانت العاقبة على نحو تحريم بعض الطيبات التي أحلت لهم:
فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا (160)
لنخلص بناء على ذلك إلى النتيجة التالية: لقد كان موضوع اختيار الطعام الذي يجوز أكله أمرا شائكا بين بني إسرائيل في ذلك الوقت، فهناك محرمات لا يجب الاقتراب منها كالتي حرمها إسرائيل على نفسه وهناك أيضا طيبات محرمة عليهم بسبب الظلم الذي أوقعوا أنفسهم فيه، فكيف سيكون الاختيار؟ وكيف سيستطيع من يذهب منهم إلى السوق أن يختار لهم طعاما مناسبا؟
جواب: لابد من وجود الدليل، والدليل هو – برأينا- الكتاب المرقوم الذي يوجد به علم ما يؤكل وما لا يؤكل كما وصل إلى الفتية من عند معلمهم ورسولهم المسيح عيسى بن مريم.
الدليل
لو تفقدنا السياقات القرآنية الخاصة بالطعام وارتباطه بالمسيح عيسى بن مريم لوجدنا الآية الكريمة التالية على الفور:
وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ (50)
لتكون واحدة من المهام الرئيسة لعيسى بن مريم أن يحل لبني إسرائيل بعض الذي حرم عليهم (وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)، أليس كذلك؟ ولكن ما علاقة هذا الأمر بموضوع إرسال الفتية أحدهم (بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ) إلى المدينة ليحضر لهم بعضا من طعامها.
تخيلات من عند أنفسنا: جاء المسيح عيسى بن مريم في زمن كان التحريم في الطعام على أشده في بني إسرائيل بما في ذلك تحريم بعض الطيبات التي كانت قد أحلت لهم قبل أن يظلموا أنفسهم. وكانت واحدة من مهماته هو أن يحل لبني إسرائيل بعض ما حرم عليهم من الطعام، فقدم لحواريه العلم بذلك، فقام بعض حواريو المسيح عيسى بن مريم برقم ذلك في واحدة من كتبهم، فكان هناك كتاب مرقوم واحد من بين جميع كتبهم المرقومة (الرقيم) يبيّن خبر الطعام الذي يؤكل والطعام الذي لا يؤكل، لذا طلب الحواريون أن يذهب أحدهم إلى المدينة ليحضر لهم شيئا من طعامها أشاروا عليه بأن يذهب (بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ)، أي ليأخذ معه ذلك الكتاب المرقوم (وَرِقِ) الذي يتواجد فيه العلم بالمحرمات من الأطعمة، وما أن يصل إلى هناك حتى ينظر في كتابه المرقوم ذاك (الوَرِقِ) ثم ينظر ما يتواجد في السوق منه ليختار من بينها أزكاها:
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)
ولو دققنا في النص لأصبحنا بحاجة أن ننبش في المفردات التالية:
1.     النظر (فَلْيَنظُرْ)
2.     أزكى (أَزْكَى طَعَامًا)
3.     التلطف (وَلْيَتَلَطَّفْ)
فما الحاجة إلى كل ذلك؟
السؤال الأول: لماذا وردت في النص مفردة فَلْيَنظُرْ؟
رأينا: مادام أن ذاك الشخص المبعوث منهم إلى سوق المدينة كان متوقع منه (لا بل مطلوب منه) أن ينظر، فلابد من وجود شيء لينظر فيه، فأين يا ترى سينظر من ذهب منهم إلى السوق؟
جواب: نحن نظن أنه بحاجة أن ينظر (1) في ورقه (الوَرِقِ) الذي جاء يحمله معه كما أنه بحاجة أن ينظر (2) في السوق، ويقوم بناء على ذلك بعملية مقارنة بين ما هو مرقوم في ورقه وما هو متوافر في السوق لتتم عملية الاختيار بعد ذلك.
السؤال الثاني: لماذا جاءت مفردة أَزْكَى في النص؟ فهل يبحث الفتية فعلا عن طعام "لذيذ" كما يمكننا أن نفهم ذلك من الاستخدام الشعبي للمفردة؟ فما معنى أن يكون الطعام أَزْكَى (أو لنقل زاكيا أو زكيا)؟
جواب: نحن نظن أن لمفردة أَزْكَى علاقة مباشرة بالحلال والحرام (ولا علاقة لها بالطعم)، لنفتري الظن من عند أنفسنا بأن الطعام يكون أَزْكَى عندما لا يشوبه الحرام حتى وإنْ لم يكن لذيذ الطعم، وبالمقابل فإن الطعام لا يكون أَزْكَى عندما يشوبه شيء من الحرمة حتى وإن كان طعمه لذيذا. فالزكاة تعنى – في ظننا- التبرئة من الحرام، فالشيء الذي يتزكى هو ما قد أخرجت الحرمة منه كما في حالة الطلاق والنكاح مثلا:
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (232)
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
أو في حالة الصدقة:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ                 (103)
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)        
أو حتى في حالة الاستئذان لدخول بيوت الغير:
فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)
فالشيء الزكي هو – برأينا- ذلك الشيء الذي خرج الحرام منه. لذا فإننا نقوم نحن بإتباع المنهج الديني الصحيح لنخرج ما بنا من الحرام:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18)
فكانت تلك واحدة من مهام الرسول الكريم:
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129)
نتيجة: الزكاة تعني خروج الحرمة من الشيء. ولو تفقدنا السياقات القرآنية لما وجدنا أن هناك بشرا من بين خلق الله جميعا كان زكيا إلا المسيح عيسى بن مريم، فلقد كان المسيح عيسى بن مريم هو وحده الغلام الزكي فقط بنص كتاب الله:
          قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)
والسبب في ذلك - كما نفتريه – هو أن المسيح عيسى بن مريم لم يدخله شيء من الحرام قط، فكان كله حلالا خالصا، فهو لم يأكل أصلا من طعام أهل الأرض، ولم يتزوج من نساء الأرض، ولم ... الخ. وكل ما عدا المسيح عيسى بن مريم (حتى الأنبياء أنفسهم) فقد دخل فيه شيء من الحرام، لذا فهم بحاجة أن يجهدوا على أنفسهم ليقوموا بفعل التزكية:
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
فبمقدار ما تجتهد على نفسك بأن تترك الحرام، تكون مقدار الزكاة التي ستتحصل عليها لقاء الجنة التي وعدت:
          جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى (76)

الفرق بين الطهارة والزكوة
ففي حين أن المسيح عيسى بن مريم كان زكيا إلا أن الله قد طهّره يوم أن رفعه إليه:
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)
ليكون السؤال الآن هو: ما الفرق بين الطهارة والزكاة كما ترد المفردتان متلازمتان في السياق القرآني التالي:
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
لاحظ أن أخذ الرسول المال من الناس سينتج عنه أمران وهما الطهارة (تُطَهِّرُهُمْ) والزكاة (وَتُزَكِّيهِم)، فكيف سيتم ذلك؟ وكيف ستختلف الطهارة عن الزكاة؟ أو كيف سيختلف التطهير عن التزكية؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن الزكاة هي طهارة ما في الداخل بينما الطهارة هي طهارة ما في الخارج فقط.
الدليل
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
فالطهارة من المحيض تعني توقف الأذى من الظهور إلى الخارج. فدم الحائض لا ينضب، ولكن متى خرج إلى الظاهر أصبح لزاما القيام بفعل التطهر منه، ولا يحصل ذلك إلا بعد أن يتوقف كليا عن الخروج.
ولكن بالمقابل فإن التزكية قد تحصل للنفس:
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9)
السؤال: ما علاقة ذلك بطعام الفتية الذي بعثوا أحدهم ليطلبه من السوق؟
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن الفتية قد طلبوا من صاحبهم الذي بعثوه إلى السوق أن يختار لهم الطعام الزكي الذي ليس فيه شبهة الحرام، ولكن كيف يستطيع التحقق من ذلك؟ أي كيف يستطيع أن يأتيهم بالطعام الذي هو أزكى؟
رأينا: نحن نظن أنه يستطيع القيام بذلك متى نظر في ما بين يديه من العلم الموجود في (الوَرَق) الذي أخذه معه ليقارنه بما هو متوافر من ذلك الطعام في الأسواق.

باب: وَلْيَتَلَطَّفْ
السؤال: ما سبب ورود مفردة وَلْيَتَلَطَّفْ في النص نفسه؟ فلماذا طلب الفتية من صاحبهم أن يتلطف؟
جواب: جواب لعل البعض يظن أن ذلك بمعنى حتى لا يراه الآخرون فيتعرف عليه من في السوق فينكشف أمر الفتية، نقول أن هذا ربما لا يصح لسبب بسيط وهو أن مثل هذا المعنى متوافر في العبارة التي تليها مباشرة وهي (وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا). انظر النص جيدا:
وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)
لنطرح السؤال الآن على النحو التالي: ماذا يمكن أن يفيدنا وجود مفردة وَلْيَتَلَطَّفْ متصاحبة مع عبارة (وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا)؟ ألا تكفي هذه العبارة الأخيرة أن تشير إلى المعنى المقصود في محاولة الفتى بذل جهده بأن لا ينكشف خبر الفتية جميعا؟
جواب: نحن نظن أن المعنى الذي جاءنا من عند سادتنا أهل العلم يمكن أن يتحقق من وجود عبارة (وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) وكفى، وربما لا يكون هناك حاجة لوجود عبارة وَلْيَتَلَطَّفْ سابقة لها في السياق نفسه (وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) إن كان ما قاله سادتنا العلماء صحيحا.
رأينا: إذن لابد من البحث عن معنى مفردة وَلْيَتَلَطَّفْ حتى نستطيع إن أذن الله لنا الإحاطة بشيء من علمه أن نستجلي الغاية التي من أجلها وردت هذه المفردة في هذا السياق مصاحبة لعبارة  وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا وفي هذا الموضوع من السياق على وجه التحديد.
تساؤلات
-        ما معنى عبارة وَلْيَتَلَطَّفْ؟
-        ما معنى عبارة وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا؟
-        كيف تختلف عبارة وَلْيَتَلَطَّفْ عن عبارة وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا؟
-        الخ
السؤال الأول: ما معنى عبارة وَلْيَتَلَطَّفْ؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن عبارة وَلْيَتَلَطَّفْ تعني محاولة إخفاء شخصيتك من خلال إخفاء الشكل أو المظهر الخارجي حتى لا يتعرف عليك من كان يعرفك من مظهرك.
السؤال الثاني: ما معنى عبارة وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن هذه العبارة تعني أيضا محاولة إخفاء شخصيتك ولكن من خلال عدم الحديث حتى لا يتعرف عليك الآخرون من خلال كلامك
السؤال الثالث: ما الفرق بين عبارة وَلْيَتَلَطَّفْ عن عبارة وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: هناك طريقتان لإخفاء هوية الشخص وهما التستر بإخفاء المظهر الخارجي والتستر على الهوية بعدم البوح بالحديث
افتراء من عند أنفسنا: لذا نحن نفتري الظن بأن الفتية أصحاب الكهف والرقيم قد طلبوا ممن بعثوه إلى المدينة منهم ليحضر لهم رزقا من طعامها بأن يحاول قدر الإمكان إخفاء شخصيته وهويته من خلال أمرين مهمين وهما عدم (1) إظهار شكله الخارجي (وَلْيَتَلَطَّفْ) و(2) عدم الخوض في الحديث مع أهل المدينة حتى لا ينكشف أمره من خلال حديثه معهم (وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا).
الدليل
نحن نظن أن الدليل الأول على معنى عبارة وَلْيَتَلَطَّفْ يمكن استقصاءه من المشاهدة التالية: نحن نظن أن الفتية قد خرجوا من المدينة وظنوا أنهم قد قضوا وقتا قليلا في كهفهم، وما أن استيقظوا من رقودهم حتى طلبوا جميعا أن يذهب أحدهم إلى المدينة نفسها ليحضر لهم بعضا من طعامها، لذا فهم يظنون أن أهل المدينة (أو على الأقل نفر منهم) يمكن أن يتعرف على الذي بعثوه منهم من خلال مظهره أو لنقل شكله الخارجي. ولما كان هدفهم هو أن لا يظهر عليهم أهل المدينة كما تدل الآية الكريمة على ذلك بصريح اللفظ، كان لزاما أن يطلبوا من أحدهم أن يحاول قدر المستطاع أن يخفي بعض ملامحه (أو سيماه) حتى لا يتعرف عليه نفر من أهل المدينة، فتكون النتيجة على نحو ما لا يرغبون ولا يتمنون:
                    إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
وقد يظن البعض بأن الفتية قد أرسلوا أحدهم إلى مدينة غير تلك التي خرجوا منها أصلا، فنرد على ذلك بالقول بأننا نرفض مثل هذا الفهم لسببين اثنين على الأقل، وهما:
-        لو أن الفتية كانوا قد بعثوا أحدهم إلى مدينة غير تلك التي خرجوا منها لما كانوا – برأينا- بحاجة أن يطلبوا ممن بعثوه منهم أن يتلطف وأن لا يشعرن بهم أحدا،
-        والأهم من ذلك هو ظننا بأنه لو كانوا قد خرجوا من مدينة غير تلك المدينة التي بعثوا احدهم إليها لما نسبوا العذاب الذي قد يقع عليهم (لو أن أمرهم قد انكشف) لأهل تلك المدينة نفسها، انظر الآية جيدا:
          إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
فالفتية ينسبون إلى أهل المدينة نفسها القيام بمهمة صد الفتية عن دينهم بأحد أمرين وهما إما الرجم (يَرْجُمُوكُمْ) أو العودة في ملتهم (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) أي ملة أهل المدينة.
نتيجة: نحن نظن أنه لمّا كان بعض أهل المدينة يعرفون الفتية كان لزاما أن يطلب الفتية ممن بعثوه منهم أن يحاول أن يخفي شكله الخارجي حتى لا يتعرف عليه من كان يعرفه من أهل المدينة، وهذا برأينا واحدة من أسباب استخدام مفردة وَلْيَتَلَطَّفْ
سؤال: فماذا عن عبارة وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا؟ أين الدليل على زعمك بأنها تعني تغطية الشخصية أو الهوية من خلال الحديث (الكلام)؟
رأينا: لو تتبعنا السياقات القرآنية عن مفردة "يشعرون" لوجدنا أنها مصاحبة على الدوام لحصول الحديث، فها هي امرأة فرعون تجري حديثا مع زوجها بوجود الملأ من آل فرعون ولكنها تحاول أن لا يشعر الحاضرون به:
          وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)[2]
وهذا الوحي يأتي ليخبر يوسف بما ستكون عليه الحال بعد زمن بوجود أخوته على باب غيابة الجب ولكن إخوانه لا يشعرون بذلك:
فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (15)      
وها هي النملة تجري حديثا مع بنات جلدتها وتحاول أن لا يشعر به الآخرون:
حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن النصيحة الأخرى التي قدّمها الفتية لمن بعثوه منهم إلى السوق هو محاولة أن يخفي شخصيته وذلك بأن لا يجري حديثا صريحا على العلن مع أهل المدينة حتى لا يتعرف عليه أهل المدينة من خلال خطابه. فلو ذهب ذلك الفتى إلى السوق وأخذ يحدث الناس بأمر الطعام الزكي (الحلال) الذي يأكلونه والطعام غير الزكي (الحرام) الذي لا يأكلونه لربما انكشف أمرهم. ولنضرب مثلا على ذلك من أجل تبسيط الفكرة.
 فعلى سبيل المثال عندما يذهب المسلم منا إلى بلاد الغرب، ويواجه مشكلة الحلال والحرام من الأطعمة، فإن البعض قد يتحدث على الفور عن هذا الأمر من المنظور الديني (أي بالقول بالحلال والحرام)، عندها قد لا يخفى على من تحدثه من أهل الغرب بأنك شخص غريب عن ثقافته، وربما يستطيع من خلال حديثك معه عن الموضوع من هذه الزاوية أن يحدد هويتك الدينية، فأهل الغرب مثلا يعلمون أن المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير، فإن أنت حدثت الناس أنك لا تأكل لحم الخنزير لحرمته في تعاليم دينك، سيفهم من تحاوره إذن بأنك لست من أهل الديانة المسيحية، وربما يستطيع أن يحدد أنك من أهل الديانة الإسلامية أو اليهودية مثلا. ولكن ربما تستطيع أن تسلك طريقا أخرى لتتجنب أكل لحم الخنزير مثلا دون أن تدل الآخرين على هويتك الدينية، وذلك بعدم الحاجة إلى إقحام الدين في الموضوع أساسا، كأن لا تدخل في نقاش حول الموضوع أصلا، وإن أنت دخلت في ذلك الموضوع، فيمكنك أن تعزو عزوفك عن الأكل منه لعامل عدم الرغبة مثلا، وكفى. عندها لن يستطيع الذي تتحاور معه أن يحدد هويتك الدينية من خلال نقاشك في هذا الموضوع بالتحديد. وهذا ما نظن أن الفتية قد طلبوه ممن بعثوه منهم إلى سوق المدينة: أن لا يدخل في نقاش الحرمة في الطعام والشراب مع من هو في السوق من أهل المدينة حتى لا يستطيع من يتحاور معهم من أهل المدينة أن يتعرف على هوية الفتى الدينية من خلال ذلك النقاش لأن العاقبة ستكون (إن انكشف أمرهم) وخيمة عليهم جميعا، وتتمثل بواحدة من خيارين وهما:
1.     الرجم (يَرْجُمُوكُمْ) أو
2.     العودة في ملة أهل المدينة (يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ)
 مصداقا لقوله تعالى:
          إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
السؤال: ما معنى الرجم؟ وكيف سيتم تنفيذه؟
باب الرجم
لو حاولنا أن نتفقد أمهات كتب التفاسير عن معنى مفردة الرجم التي وردت في هذه الآية الكريمة لوجدناها جميعا تجمع إلى أن عمليه الرجم تتم بضرب المرجوم بالحجارة حتى يموت. وأنا إن كنت لا أعرف الأصل في ذلك إلا أنني أجد أن هذا المعنى هو أبعد ما يمكن عن الحقيقة. فلو تفقدنا السياقات القرآنية الخاصة بمفردة الرجم لما وجدنا أن إلقاء الحجارة وارد فيها على الإطلاق. لذا نحن نرى ضرورة فتح الملف من جديد، لتقصي معنى مفردة الرجم من السياقات القرآنية نفسها. ونحن نظن أن ذلك يجب أن يمر بمرحلتين اساسيتين وهما:
1.     جلب الدليل على دحض الفكر السائد وتفنيده
2.     جلب الدليل على المعنى البديل المقترح
دحض الفكر السائد المتمثل بالظن بأن الرجم يتم باستخدام الحجارة لقتل المرجوم.
لعل فكرة الرجم بالحجارة قد جاءت من الحد الذي جاء من عند أهل العلم ولا يوجد عليه دليل في كتاب الله وهو حد الزاني المحصن كما يحب أهل الدراية أن يصفوه. ففي حين أن العقوبة للزاني كما وردت في كتاب الله هي الجلد مئة جلدة:
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
خرج علينا علماؤنا الأجلاء بحدٍ نظن أنه من عند أنفسهم يتمثل بأن هناك حد آخر للزنا لم ينص عليه القرآن الكريم صراحة وهو حد الرجم بالحجارة، وروّجوا لذلك بحديث لم يعدموا الوسيلة أن يبرروا به فعلتهم الشنيعة تلك. ونحن نرفض مثل هذا الحد للأسباب التالية:
1.     إن هذا حدٌ خطير جدا يتحدد بناء عليه إزهاق أرواح البشر، لذا لابد من التريث فيه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا
2.     لمّا كان هذا حد خطير جدا نظن أن الدليل عليه يجب أن يكون دامغا من كتاب الله، فلما كان كتاب الله قد تحدث بصريح اللفظ عن حدود هي أقل خطورة من هذا الحد كحد السرقة مثلا، فإنه من غير المنطقي – برأينا- أن لا يتحدث عن هذا الحد الخطير الرجم (إن وجد) بأقل من صريح اللفظ
3.     لمّا كان القرآن الكريم قد تطرق لحد الزاني غير المحصن (على عهدة علمائنا الأجلاء) كما في آية الجلد، فإنه كان من الأولى أن يتحدث عن حد الرجم (إن وهو وجد) مادام أنه أكثر خطورة واشد عاقبة على الناس.
4.     نحن نرى أن تطبيق حد الرجم بالحجارة (إن هو وجد) كما روج له سادتنا العلماء على مر القرون يستحيل تطبيقه في بعض الحالات، نذكر منها الحالتين التاليتين
أ‌.        تطبيق حد الرجم بحق نساء النبي لو أن واحدة منهن قد وقعت فيه لا قدر الله، وذلك لأن العقوبة على نساء النبي التي تأتي منهن بتلك الفاحشة يضاعف لها العذاب ضعفين، مصداقا لقوله تعالى:
يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
السؤال: فدلوني بالله عليكم كيف يمكن أن نعاقب بالرجم بضعفين من العذاب؟ هل نستخدم حجارة أكبر من تلك التي نستخدمها في حالة الرجم الطبيعي؟ أم نضاعف عدد الحجارة التي نستخدمها؟ نحن نطلب من علمائنا الأجلاء إذن أن يحددوا لنا حجم وعدد الحجارة التي يجب أن تستخدم في حالة الرجم الطبيعي. من يدري!!!
ب‌.    تطبيق حد الرجم بالحجارة (إن وجد) بحق ما ملكت أيماننا من فتياتنا المحصنات اللاتي جاءت عقوبتهم محددة بالنص الصريح على نحو نصف ما على المحصنات من العذاب:
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)
وهنا نعيد توجيه السؤال إلى سادتنا العلماء بالقول: إن كنتم تظنون (كما نظن نحن أيضا) بأن نساء النبي لن يقعن بالفاحشة، لذا لا يصبح لزاما عليكم تفصيل كيفية أن يضاعف حد الرجم ضعفين، لكن ألستم ملزمين أن تبيّنوا لنا كيفية حد الرجم في حالة فتياتنا المحصنات إن هن أتين بالفاحشة؟ فكيف يمكن أن ترجم نصف رجمة؟ هل يكون ذلك باستخدام حجارة أصغر من تلك التي تستخدم بحد الرجم الطبيعي؟ أم هي فقط مسألة عددها، كأن نستخدم نصف عدد الحجارة التي نستخدمها في حالة الرجم الطبيعي؟ من يدري!!!
حتى يتمكن علماؤنا الأجلاء من تحديد حجم تلك الحجارة وعددها، فإننا نبقي على عقيدتنا التي مفادها أن حدَّ الزنا هو مئة جلدة فقط بغض النظر عمن أقترفه سواء كان محصنا (أي متزوجا كما نفهم من كلام سادتنا العلماء) أو غير متزوج، لأننا ببساطة لا نستطيع أن نفهم كيف يمكن تطبيق ذلك في حالة الخاطِبْ (الذي لم يدخل بعد) أو المطلق أو الأرمل، الخ. فهل ينضوي أُولئك تحت مجموعة المحصنين (التي ترجم) أم تحت مجموعة غير المحصنين (التي تجلد)؟ من يدري!!!
الخ.
الفكر المقترح البديل
نحن نظن أن مفردة الرجم لا علاقة لها باستخدام الحجارة أو التعذيب باستخدام الحجارة
الدليل
رأينا: لو تدبرنا الآية الكريمة الخاصة بأصحاب الكهف والرقيم لربما استوقفتنا ملاحظة نظن أنها غاية في الأهمية في هذا السياق، وهي نهاية الآية الكريمة نفسها، فلنعيد تلك الآية مركزين على نهايتها هذه المرة:
          إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
لنطرح بناء على ذلك التساؤل التالي: ألا تشعر عزيزي القارئ أن تلك النهاية تدل على الحالة التي سيؤول إليها الفتية بعد تطبيق الرجم أو العودة في ملة أهل المدينة (وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا
- نعم، ولكن ما علاقة ذلك بمفردة الرجم؟
- جواب: ألا ترى أن الفتية لن يفلحوا إذا ما تم تطبيق حد الرجم عليهم أو العودة في ملتهم؟
- نعم، ولكن لم أفهم شيئا.
- حسنا، لنتخيل أن أمر الفتية قد انكشف، وأن أهل المدينة قد قاموا برجمهم، هل يعني ذلك أن الفتية لم يفلحوا أبدا؟ فهل لو مات الفتية تحت ضربات حجارة القوم في حد الرجم، أليس ذلك هو الفلاح الأكبر؟ وأي فلاح أكبر من أن تموت في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى؟ ثم ألا ترى أن هؤلاء الفتية لو تم قتلهم رجما بالحجارة (على عهدة سادتنا العلماء)، ألن يكون ذلك في سبيل الله إذن؟ ألن ينطبق عليهم قول الحق الذي جاء في الآية الكريمة التالية؟
          وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)
ولو حصل ذلك فأي فلاح أكبر من ذلك؟ نحن نتساءل فقط!!!
نتيجة: نحن نظن أنه لو كان الرجم يعني إلقاء المرجوم بالحجارة حتى يموت لأصبح الفلاح (وليس عدمه) هو نصيب أولئك الفتية، لذا نحن نتجرأ على البوح بالعقيدة التالية: إن الرجم لن ينتج عنه الموت أو القتل، فأولئك الفتية سيبقون على قيد الحياة حتى لو تم رجمهم وهنا فقط نستطيع أن نفهم قولهم بأنهم لن يفلحوا أبدا، ولكن كيف يكون ذلك؟
باب المفلحون: من هم المفلحون؟
رأينا: نحن نظن أن من سيكون من المفلحين فعليه أن يقوم بأفعال محددة بذاتها نذكر منها
1.     الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بما أنزل واليقين بالآخرة كما تصور ذلك مطلع سورة البقرة:
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
نتيجة: حتى يكون الفتية من المفلحين لابد عليهم من القيام بمثل هذه المهام، وحتى يستطيع قومهم أن يبعدوهم عن الفلاح فلن يتركوا لهم الفرصة للقيام بمثل هذه الأفعال
2.     المفلح يقوم بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويوق شح نفسه:
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
          (104)
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
نتيجة: حتى يكون الفتية من المفلحين لابد عليهم من القيام بمثل هذه المهام، وحتى يستطيع قومهم أن يبعدوهم عن الفلاح فلن يتركوا لهم الفرصة للقيام بمثل هذه الأفعال.
3.     أن تثقل موازينه:
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102)
4.     إتباع النبي ونصرته سواء كان النبي محمد أو أي نبي غيره كعيسى بن مريم مثلا:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)
لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)
نتيجة: حتى يكون الفتية من المفلحين لابد عليهم من القيام بمثل هذه المهام، وحتى يستطيع قومهم أن يبعدوهم عن الفلاح فلن يتركوا لهم الفرصة للقيام بمثل هذه الأفعال.
5.     المفلح هو من يريد وجه الله:
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)
نتيجة: حتى يكون الفتية من المفلحين لابد عليهم من القيام بمثل هذه المهام، وحتى يستطيع قومهم أن يبعدوهم عن الفلاح فلن يتركوا لهم الفرصة للقيام بمثل هذه الأفعال.
6.     المفلحون لا يُوَادُّونَ من حاد الله ورسوله
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
نتيجة: حتى يكون الفتية من المفلحين لابد عليهم من القيام بمثل هذه المهام، وحتى يستطيع قومهم أن يبعدوهم عن الفلاح فلن يتركوا لهم الفرصة للقيام بمثل هذه الأفعال.
وبناء على ذلك فإن منع الفتية عن الفلاح كما جاء على لسانهم يكون بواحدة من أمرين وهما:
1.     الرجم 
7.     العودة في ملة القوم
وبهذا يتحقق – بر|أينا- صد الفتية عن الفلاح بواحدة من خيارين وهما:
1.     أن يبقى الفتية على دينهم ولكن القوم في هذه الحالة سيمنعونهم كليا عن القيام بشعائرهم الدينية المتمثلة بالإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مفردة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتباع الرسول ومودة الذين آمنوا (مقابل مودة من حاد الله ورسوله)، وبالتالي لن يستطيع الفتية أن يثقلوا موازينهم بمثل هذه الأعمال التي تؤدي (إن قاموا بها) إلى فلاحهم.
2.     أن يعود الفتية إلى ملة قومهم إن لم يستطيعوا أن يصبروا على كل ذلك الأذى الذي سيلحقونه بهم
نتيجة مفتراة: نحن نظن أنه سواء اختار الفتية الحل الأول أو الحل الثاني ستكون النتيجة في كلا الحالتين هي عدم فلاحهم. وهذا برأينا السبب الذي ربما جاءت من أجله عبارة وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا في نهاية الآية الكريمة التي تتحدث عن عقابهم في حالة أن أنكشف أمرهم:
                   إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
ونحن نطلب من القارئ أن يتدبر هذه الآية الكريمة من هذا المنظور. ولكن يبقى أن نثير بناء على ذلك التساؤل الكبير جدا التالي: ما معنى الرجم إذن؟ وكيف يتم تنفيذه؟
رأينا الخطير المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن الرجم يتمثل بما نفهمه نحن من معنى وضع الحجر على الشخص لغرض عقائدي يتمثل بمنع الشخص عن القيام بالمهمات الدينية المطلوبة منه، فالمرجوم هو برأينا ذلك الشخص الذي لا يستطيع أن يقوم بالمهام الدينية التي تثقل موازينه كالتي ذكرناها سابقا حتى لا يكون من المفلحين. والرجم، بهذا المعنى، يختلف عن السجن لأن السجن لا ينطوي على منع عقائدي، فهذا يوسف يدخل السجن ولكنه يبقى يمارس طقوس العبادة الخاصة به في داخل السجن، والأهم من ذلك يستمر في ممارسة الدعوة إلى الله داخل قضبان سجنه:
     يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)
لذا، فإن الرجم يتمثل في تقييد حركة الشخص ولكنه يتضمن أيضا مراقبة سلوكه الديني لئلا يكون من المفلحين.
ونحن نظن أيضا أن الرجم يختلف عن المقاطعة كالتي حصلت للنبي وصحبه في شعب بني هاشم، لأن المقاطعة تنطوي على إيقاف التعامل المادي مع المقاطعين، ولكنها لا تنطوي على مراقبة سلوكهم الديني، ليصبح – بناء على ذلك- في مخيلتنا ثلاث حالات مختلفة، ألا وهي:
1.     السجن: منع الحركة مع استمرار تزويد المسجون بالطعام والشراب وترك حرية العبادة له حتى وهو وراء القضبان
2.     المقاطعة: إيقاف التعامل مع الشخص بالبيع و الشراء ولكن يبقى للشخص حرية ممارسة عباداته
3.     الرجم: مراقبة حركة الشخص لمنعه من ممارسة طقوسه الدينية بالرغم من الاستمرار بتزويده بالطعام والشراب حتى لا يهلك، في محاولة لصده عن دينه والعودة في ملة قومه، فلا يكون بذلك من المفلحين الذين ثقلت موازينه بأعمال العبادة التي كان من المفترض أن يقوم بها.
الدليل
نحن نقرأ الدليل على ذلك مما قاله الأب لابنه الذي خالف شريعته عندما ردد على مسامعه الدعوة إلى الله جلية:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)
عندها جاء رد الأب على دعوة ولده على النحو التالي، متوعدا إياه بالرجم إن هو لم ينتهي عن ذلك:
     قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)
لنطرح التساؤل الآن على النحو التالي: ألم يتوعد الوالد ولده بالرجم إن هو لم ينته؟
جواب: بلى
سؤال: إذن هل تتخيل – عزيزي القارئ- أن والد إبراهيم كان ينوي أن يرجم ولده بمعنى أن يقتل ولده بوضعه في حفرة ومن ثم إلقاء الحجارة عليه حتى يفارق الحياة؟
رأينا: كلا وألف كلا، فالوالد لن يستطيع أن يقتل ولده بيده بتلك الطريقة (أي بوضعه بحفرة ورميه بالحجارة حتى يموت)، فكيف سيرجمه إذن؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن والد إبراهيم كان يخيّر ولده بين أمرين وهما (1) الرجم (أي أن يحجر عليه فيمنعه من ممارسة عباداته حسب معتقده الجديد)، أو (2) أن يهجر الولد أباه بترك الأرض التي يتواجد بها الوالد مع ولده. وعندها يقرر إبراهيم (كما فعل أصحاب الكهف والرقيم) اعتزال القوم، فردد القول التالي على مسمع والده:
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)
ولو راقبنا قصة الرجم في كتاب الله، لوجدنا أن أقواما كثيرين توعدوا رسلهم بالرجم:
     قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116)
وها هم قوم شعيب يتهددونه بالرجم:
قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)
نتيجة: يمكن للرهط على قلتهم أن تمنع الرجم عن الشخص، فكيف يكون ذلك؟
السؤال: وكيف كانت السماء رجوما للشياطين؟
رأينا: لو دققنا في الآية الكريمة التالية لوجدنا أن السماء نفسها هي الرجوم، أليس كذلك؟
     وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)
السؤال: فهل تقذف الشياطين بتلك المصابيح التي تزين السماء؟
جواب: كلا، وإلا لتناقصت تلك الزينة مع الزمن، وربما تنتهي ولو بعد حين
السؤال: وهل تقذف الشياطين بالسماء نفسها حتى ترجم؟
جواب: كلا، وإلا لانتهت السماء برجمة واحدة؟
السؤال: كيف تكون السماء رجوما للشياطين؟
رأينا: إن السماء هي المكان الذي يتم الحجر على الشياطين فيها، فنحن نعرف أن الشياطين متواجدون بين السماء والأرض بدليل أنهم كانوا يستطيعون استراق السمع:
     وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)
ولكن ما أن نزل القرآن الكريم حتى أصبح من المتعذر عليهم استراق السمع، ولكن كيف ذلك؟
رأينا: لما كانت الشياطين متواجدة بين السماء والأرض كان لهم حدٌ لا يستطيعون الآن تجاوزه، فمن يتعدى ذلك الخط الفاصل (الذي يشكل الآن نقطة النهاية بالنسبة لهم) يجد على الفور شهابا رصدا. فالذي يقذف به الشياطين هو الشهاب، وهذا الشهاب يكون رصدا، لذا يجب أن نتخيل المشهد على نحو غير ما يمكن أن تشكله الصورة الذهنية الخاطئة، فقد يظن البعض بأن الشهاب الرصد سيضرب الشيطان الذي استرق السمع في رحلة العودة من الاستماع، ويكأن ذاك الشيطان كان قد ذهب فاسترق السمع وما أن يعود من هناك حتى يكون الشهاب الرصد جاهزا ليضربه, فنرد على هذا التصور الخاطئ بالقول بأننا نتخيل الصورة بالطريقة المقابلة التالية: ما أن يرفع الشيطان رأسه في نيّة منه لأن يسترق السمع من السماء حتى يجد الشهاب له بالمرصاد، فالشهاب هو أصلاً رصدا (يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) وذلك لأنه يتنبه – برأينا- للحركة بمجرد حصولها، ولا ينتظر حتى تحصل لتكون ردة فعله بعد أن يقع الفعل ويتحقق. لذا نحن نتخيل أن هناك حدا فاصلا بين السماء والأرض لو تم تجاوزه ولو بجزء من الجزء من السنتمتر الواحدة لتم استراق السمع من السماء، وقد كان تجاوز هذا الحد متاحا للشياطين قبل نزول القرآن، ولكن ما نزل القرآن حتى أصبح ذلك متعذرا عليهم بسبب الشهاب الرصد وليس بسب رجوم السماء، قارن الآيتين التاليتين:
(1)   وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)
(2)   وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)
نتيجة مفتراة: يستحيل أن يتم قذف الشياطين بالمصابيح التي هي موجودة أصلا لتكون زينة للسماء الدنيا، كما يستحيل أن يتم قذف الشياطين بالسماء نفسها لأن السماء كتلة واحدة. وهناك كم هائل من الشياطين. ويتم قذف الشياطين بالشهاب الرصد، ولكن السماء نفسها تبقى رجوما للشياطين، لنطرح التساؤل السابق الآن مرة أخرى على النحو التالي: كيف تكون السماء نفسها رجوما للشياطين ونحن نعرف أن الشياطين تقذف بالشهاب الرصد؟
رأينا المفترى: نحن نتخيل الأمر على النحو التالي: هناك في السماء نفسها أماكن كثيرة يمكن أن يتم الحجر على الشياطين فيها، لمراقبة حركتهم، فلا يستطيعون فعل ما يريدون. وبالتالي تكون الشياطين مرجومة فيها، وتكون السماء نفسها رجوما لهم.
افتراء خطير جدا: الرجم يكون إذن بوضع الشخص (وحتى الشياطين أنفسهم) في أماكن محددة لمراقبة حركتهم فلا يستطيعون القيام بما يريدون. وهذا هو مصير الشيطان الرجيم نفسه:
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)
وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (17)
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)
فالله قد طرد إبليس من الجنة بعد مخالفته الأمر الإلهي، وقضى عليه بأن يكون رجيم:
     قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)
     قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
لذا فهو تحت المراقبة على الدوام. فلا يستطيع القيام بتأدية شعائر دينية كالتي ذكرناها سابقا يمكن أن تثقل موازينه، وحتى لا يكون من المفلحين. لذا لو لم يكن إبليس من المرجومين لربما استطاع القيام ببعض الشعائر الدينية، فلا ننسى أن إبليس بالرغم من الخطيئة التي ارتكبها بمخالفته للأمر الإلهي إلا أنه لم يتخلى عن إيمانه بالربوبية:
     قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ              الحجر 36
     قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ              ص 79
السؤال: ما دام أن إبليس يقر بالربوبية لله، فما الذي يمنعه عن تأدية بعض أعمال العبادة؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن السبب هو لأن إبليس كان رجيما بقرار إلهي:
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)
     قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
لذا، لا يستطيع بسبب هذا الحجر أن يقوم بأي طقس من طقوس العبادة التي يمكن أن تثقل موازينه وبالتالي ربما تؤدي إلى فلاحه.

إن هذا الطرح يقودنا على الفور إلى تقديم الافتراء الخطير التالي الذي هو بلا شك من عند أنفسنا والذي نظن أنه غير مسبوق.
افتراء خطير خطير خطير من عند أنفسنا: هذا هو حد الرجم للزاني والزانية. إنه الحجر عليهما، ومراقبة سلوكهما الديني لإيقاع الأذى بهما فلا تقل موازينهم ولا يكونا من المفلحين، ونحن نفتري الظن بأن فهمنا هذا يمكن تسويقه من خلال ما نفهمه نحن من صريح اللفظ في من السياق القرآني التالي:
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)
هذا هو – برأينا- حد الرجم الذي أوجعتم رؤوسنا بترداد لفظه على مسامعنا وإن لم تفهمونا ماهيته يا علماء الأمة، هذا هو الحد الذي جاء في كتاب الله عن ما يمكن أن يسمى بالرجم، والذي سمعتم خبره فلم تفهموا ماهيته، فحرفتم العقيدة قرونا من الزمن بأساطير وأوهام صنعتها بنات أفكاركم فصدقتموها وسطرتموها للناس في مؤلفاتكم التي لا نظن أنها تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به. هذا هو حد الرجم الذي أمر به النبي الكريم بحق الغامدية، ولكن بدل أن تفسروا مفردة الرجم كما أمر بها الرسول الكريم أن يفعلوه بحق الغامدية، عدتم إلى قواميس اللغة التي صاغتها عقولكم الجبارة، وألزمت القرآن الكريم بها، بدل أن تلزموا قواميسكم ومؤلفاتكم بمعاني القرآن العظيم. فبدل أن تنقلوا ما في القرآن إلى قواميسكم اللغوية نقلتم ما في قواميسكم (بغثّه وسمينه) إلى القرآن، فظللتم عن جادة الصواب، وأظللتم الناس بروايات وأساطير ما أنزل الله بها من سلطان.
فالرجم يا سادة هو – كما نفهمه نحن بالطبع-  هو رجم المحصنة من النساء بإمساكها في بيتها (أي الحجر عليها) حتى يتوفاها الموت أو يجعل الله لها سبيلا، وهذا هو الحد نفسه الذي يمكن أن نفعله بمن جاء بذلك من الرجال:
          وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)
فأين الحفرة التي يوضع بها المرجوم والمرجومة؟ وأين الحجارة التي ستلقى على رأسه ورأسها لتنهي به حياتهما؟ وما شكل تلك الحجارة وعددها؟ من يدري!!!

والله أعلم

وللحديث بقية

المدّكرون:        رشيد سليم الجراح
                   علي محمود سالم الشرمان
                   7  آب 2013   
بقلم: د. رشيد الجراح






[1] يجب أن نجلب انتباه القارئ الكريم إلى ضرورة التمييز بين الكتاب من جهة والقرآن من جهة أخرى، فنحن نظن أنه في حين أن الكتاب نزل جملة واحدة جاء القرآن مفرقا (للتفصيل انظر مقالاتنا تحت سلسلة لماذا قدم نبي الله لوط بناته بدلا من ضيوفه خاصة من الجزء الحادي عشر)
[2] لذا نحن نظن أن أخت موسى كانت تقص خبر أخاها بالكلام، وليس فقط بالمشاهدة، فلقد كانت – نحن نتخيل- تحاول أن تجري حديثا جانبيا عن خبر المولود الذي في الماء ولكن دون أن تبدي أمره:
            وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)