فقه الصيام - الجزء 3






فقه الصيام - الجزء الثالث

خلصنا في الجزء السابق من هذه المقالة إلى جملة من الافتراءات من عند أنفسنا فيما يتعلق بلون الجن (مؤمنهم وكافرهم)، وذكرنا بأن الجن قد خلقوا من مارج من نار، وزعمنا الظن بأن المارج من نار هو لون الزرقة. كما افترينا القول بأن خطة الشيطان تمثلت في أن ينزع عن آدم وزوجه لباسهم (لباس التقوى) من أجل أن ينفذ خطره إلى جسم آدم وزوجه، وبالفعل نجحت خطة الشيطان في أن ينزع عنهما لباسهما، فاستطاع الشيطان أن ينفذ إلى جسم آدم، وتمثل ذلك في الزرقة الموجودة في جسم الإنسان، فتلونت عروقه وشراينه باللون الأزرق. 

وكان الدم الذي يجري في عروق وشرايين آدم وزوجه هو الكابح لفاعلية الشيطان، فمادام الدم يجري بقوة في دم الإنسان، فإن عمل الشيطان سيحبط لأن الجن (مؤمنهم وكافرهم) تهاب منظر الدم، وما أن يضعف جريان الدم في تلك الشرايين والعروق، حتى ينشط عمل الشيطان في الجسم.

فكانت النتيجة المفتراة الأهم التي حاولنا تسويقها حينئذ أن الدم مطهر من أذى الشيطان. وأن طهارة المكان (أي مكان) تتم بالذبح كما الحال في طهارة البيت العتيق التي أمر الله بها إبراهيم وإسماعيل:

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)

(للتفصيل انظر الجزء السابق)

وهنا يبرز السؤال التالي: ما هو عمل الشيطان؟

رأينا المفترى، لو تدبرنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)

فعمل الشيطان هو لا شك رجس، ليكون السؤال الآن: ما هو الرجس؟

رأينا المفترى: لو دققنا في الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأن لحم الخنزير على وجه التحديد هو رجس:

قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (145)

ولو دققنا في الآية الكريمة التالية، لوجدنا ارتباط الرجس بضيق الصدر، وتم التمثيل لذلك بالتشابه بمن يصعد في السماء:

فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (125)

ولو دققنا أكثر في الآية الكريمة التالي، لوجدنا بأن الرجس مرتبط ارتباطا وثيقا بالقلب: 

وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125)

فكانت النتيجة أن الرجس يقع على الذين لا يعقلون:

وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (100)

السؤال: لماذا؟ أي لماذا يقع الرجس على الذين لا يعقلون؟

رأينا المفترى: دعنا نطرح التساؤل التالي مبدئيا لنعود له بشيء من التفصيل لاحقا، والسؤال هو: ما علاقة الدم بالقلب؟

افتراء 1: القلب هو جهاز التحكم بالجسم كله، وهو الذي يستطيع (نحن نفتري الظن) أن يطهر الرجس من الجسم كله. فإذا كان القلب يعقل، فإنه سيعمل على تطهير الدم من رجس الشيطان، أما إذا كان القلب لا يعقل، فإنه سيعمل على تراكم الرجس على قلب الإنسان حتى ينتهي به الحال إلى أن يكون قلبا مختوم عليه، أو قلبا مطبوع عليه.

ولو دققنا في الآيات التي تبين الختم والطبع الإلهي على القلوب، لوجدنا بأنها تصف الكافرين المكذبين بآيات الله:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7)

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)

فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155)

تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)

إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (93)

إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108)

وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59)

الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)

وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ (16)

أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (100)

ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)

فالمرض يكمن في القلب:

فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)

فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)

ولو دققنا في الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن الذين في قلوبهم مرض هم فئة من الناس يختلفون عن المنافقين، بدليل التجاور اللفظي بين الفئتين، فهناك الذين في قلوبهم مرض وهناك أيضا المنافقون، قال تعالى:

إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)

وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)

وهناك فرق بين الذين في قلوبهم مرض من جهة والمنافقين من جهة ثانية والمرجفين من جهة ثالثة:

لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)

وهناك فرق بين الذين في قلوبهم مرض من جهة وبين الكافرين من جهة أخرى:

وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)

وهناك أيضا فرق بين من في قلبه مرض من جهة والقاسية قلوبهم من جهة أخرى: 

لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)

ومرض القلب يختلف عن الريبة والخوف:

أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)

السؤال: من هم الذين في قلوبهم مرض إذا؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن من كان في قلبهم مرض هم من كانت قلوبهم فيها أضغان، فالله هو من يخرج أضغان من كان في قلوبهم مرض: 

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)

وعند بحثنا عن مفردة الأضغان على مساحة النص القرآني كله، ما وجدناها قد ورت مرة أخرى إلا في الآية الكريمة التالي:

إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) 

ولو دققنا في هذه الآية الكريمة هذه في سياقها الأوسع، لوجدناها مرتبطة ارتباطا وثيقا بإخراج المال وإنفاقه:

إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)

لتكون النتيجة المفتراة من عند أنفسنا هي أن من كان في قلبه مرض هو من كان يحب المال حبا جما ولا ينفقه في سبيل الله:

وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)

وهؤلاء هم الساعون إلى جني المال وكنزه، فستكون نتيجة فعلتهم تلك أن تكوى بها جباههم وجلودهم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35)

والمدقق في هذه الآية الكريمة يجد أن الذين يأكلون أموال الناس بالباطل هم فئة كثيرة من الأحبار والرهبان (إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ)، وهم أنفسهم من يصدون الناس عن سبيل الله (وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ). 

نتيجة مفتراة: إن أهل الكهنوت الديني الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ولا ينفقون تلك الأموال في سبيل الله هم (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) فئة من الذين في قلوبهن مرض، وهؤلاء هم من سيجرج الله أضغانهم. 

نتيجة مفتراة 1: أحد الفئات الذين في قلوبهم مرض هم من يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، ويكون هدفهم كسب المال، كحال من تصورهم الآيات الكريمة التالية:

فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79)

وقد كان أبو لهب مثالا واضحا على هذه الفئة التي كتبت بيدها وكسبت بذلك مالا، فكان ممن اشترى بآيات الله ثمنا قليلا:


(للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة)

نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا: شهوة المال هي سبب تراكم الأضغان في القلوب.

لذا، جاء الحث الإلهي للناس على إنفاق المال في سبيل الله:

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)

الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)

الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)

لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)

وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)

انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41)

لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)

لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)

لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ۚ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)

الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)

وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24)

وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)

وبالمقابل جاء الذم واضحا لكل من أكل المال بغير الحق:

وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188)

فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)

وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)

وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)

وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)

كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)

وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)

قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)

ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6)

وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)

وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)

وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)

إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)

وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)

وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (5)

ولو تدبرنا الآية الكريمة التالية:

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)

لوجدنا بأنها تتحدث عن النار في البطون. ليكون السؤال هو: ما هي ماهية هذه النار التي تشتعل في البطون نتيجة أكل أموال اليتامى ظلما؟

رأينا المفترى: لو دققنا في الآية الكريمة التالية، لوجدنا التجاور بين إنفاق الماء ووجود الشيطان كقرين للإنسان:

وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: حب المال يكون في القلب

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 2: يقترن حب المال في القلب بوجود الشيطان. 

والآيات الكريمة التالية، تبين أن الإعجاب يأتي من كثرة الأولاد والأموال:

فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)

وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)

فجاء التحذير الإلهي واضحا ليبين لنا بأن الأموال والأولاد فتنة:

وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)

إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)

وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)

لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۚ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)

وجاء البيان الإلهي كذلك جليا في أن المال والبنين هما سببا في أن يلهو الإنسان عن ذكر الله:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)

والسبب في ذلك هو أن من يعش عن ذكر الرحمن فهو من قُيّض له قرين، فصده عن السبيل:

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)

السؤال: كسف يحصل ذلك؟

جواب مفترى: لو حاولنا تدبر الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأن الشيطان شريك لنا في الأموال والأولاد:

وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)

السؤال: كيف ذلك؟

رأينا المفترى: مادام أن الشيطان قد أخذ الإذن من الله بأن يشارك الناس أموالهم وأولادهم، فهو إذن يدخل إليهم من هذين البابين. فمن الأولاد من هم عدو لنا وجب علينا أن نحذرهم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) 

فكان هؤلاء فتنة:

إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)

نتيجة مفتراة: حب المال مكانه القلب. لذا تقع الفتنة في القلوب، فالفتنة تقع على من في قلبه مرض:

لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)

نتيجة مفتراة: الفتنة تصيب من في قلبه مرض. 

وعكس من كان في قلبه مرض هم أصحاب القلوب التي تخبت:

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (54)

فالمخبتون هم الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وهم الصابرون على ما أصابهم وهم المقيمون الصلاة ومما رزهم الله ينفقون: 

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35)

وعندما يخبت القلوب تهدأ النار التي تشتعل في البطون:

وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)

فالنار إذا تسعر وتخبت؛ فأما النار التي تسعر، فهي التي يشتد لهيبها، فترتفع حرارتها، وأما النار التي تخبت، فهي التي يخف لهيبها، وتنخفض حرارتها. 

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (54)

نتيجة مفتراة مهمة جدا: القلوب يمكن أن ترتفع حرارتها ويمكن أن تخبت (فيخف حرارتها)، وهنا نطرح التساؤل التالي: ما السبب الذي يجعل القلوب ترتفع حرارتها وتخبت؟

رأينا المفترى: إنه القرين (شيطان قيضه الله لمن يعش عن ذكره)

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)

فالشيطان الذي يدخل تأثيره إلى القلب يعمل على رفع درجة حرارته، فهو إذن يسعر نار القلب. أما إذا كان الشخص ممن إذا ذكر الله وجلت قلوبهم فهو إذا من المخبتين. ونحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن ما يرفع حرارة القلب هو حب المال والأولاد.

نتيجة مفتراة مهمة جدا: القلب يمكن أن يكون فيه مرض (وهو القلب الذي حب المال حبا جما)، ويمكن أن يكون سليما (وهو الذي يخبت لذكر الله). فالمقايضة هي إذن بين حب المال مقابل ذكر الله. فمن قدّم حب المال على ذكر الله فهو إذن من الذين قيض الله له قرينا فساء قرينا، وأما الذين آثروا الذكر على حب المال فهم المخبتون:

وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (35)

السؤال: كيف يحصل ذلك؟

رأينا المفترى: لو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن من كان في قلوبهم مرض، فهم من كان فيهم رجس، وهؤلاء هم من عندهم القابلية لزيادة الرجس:

وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ (125)

وربما أهم ما يمكن أن نصل إليه حتى اللحظة هو أنه من الممكن أن يصبح هؤلاء كلهم رجس:

سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (95)

السؤال: كيف يزيد الرجس في القلب حتى يصبحوا كلهم رجس؟

رأينا المفترى: لو دققنا في الآية الكريمة التالية:

قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)

لوجدنا بأن ربهم هو من يوقع الرجس عليهم:

وبهذا يصبحوا كلهم رجس: 

سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (95)

السؤال: من ربهم هذا الذي يوقع عليهم الرجس منه؟

جواب مفترى: دقق عزيزي القارئ – إن شئت- في الآية الكريمة التالية في سياقها الأوسع:

قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)

فالقوم إذن لم يكونوا على عبادة الله الواحد الأحد، ولكنهم كانوا يعبدون ما كان يعبد آباؤهم، أليس كذلك؟

فمن هو ربهم إذن الذي أوقع عليهم الرجس منه مباشرة؟

رأينا المفترى: لو دققنا في السياق الأوسع، لوجدنا بأن الآية تخص عاد (قوم هود)؟ 

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71) 

نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن رب القوم (قوم هود) هو الذي أوقع عليهم رجس منه، فمن كان ربهم إذن؟

لو دققنا في لفظ الرجس، لوجدنا أن مصدره ومحركه هو الشيطان، لذا نحن نتجرأ على الظن بأن رب عاد هو الذي أوقع عليهم الرجس هو الشيطان، وربما يدعم هذا الافتراء ما جاء في الآية الكريمة التالية:

وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)

وهذا الأمر ينطبق على كل الأمم التي اتخذت الشيطان وليا من دون الله:

وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35) وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)

نتيجة مفتراة: كان لقوم عاد آلهة كثيرة:

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (52) قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)

لكن كان ربهم هو الشيطان، وهو الذي قد زين لهم أعمالهم:

وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)

ولو دققنا أكثر، لوجدنا بأن الشيطان هو من زين أيضا لقوم فرعون عملهم:

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)

وهو قد نشط في أن يزين لفرعون نفسه سوء عمله:

أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)

ونجد هذا الثلاثي (عاد، وثمود، وفرعون) هم من زين لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن السبيل مجتمعين في هذا السياق القرآني:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)

فالأمم التي زين لهم الشيطان أعمالهم، قد كانت أمم فاجرة فاسقه، طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فاستحقت العقاب الإلهي:

تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)

فهذا ما فعله الشيطان في سبأ:

وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)

نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا: هذه مهمة الشيطان، وهي تزيين السيء للناس حتى يرونه حسنا:

قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)

وجاء التحذير الإلهي من الشيطان لأنه يزين لك سوء عملك:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)

نتيجة مفتراة 1: الشيطان هو من يزين الأعمال

نتيجة مفتراة 2: الشيطان هو من يسول للبعض سوء عملهم

نتيجة مفتراة 3: عملية التزيين تكون بأن يوقع عليهم الرجس

نتيجة مفتراة 4: يزيد ذلك الرجس إلى رجسهم

نتيجة مفتراة 5: يصبح كلهم رجس

نتيجة مفتراة 6: مكان الرجس هو القلب

نتيجة مفتراة 7: ينشر القلب ذلك الرجس إلى الجسم كله، فيصبح الشخص كله رجس

نتيجة مفتراة 8: تغلف قلوبهم

نتيجة مفتراة 9: يطبع على قلوبهم

نتيجة مفتراة 10: يختم على قلوبهم

نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا: من كان من هؤلاء (الذين هم رجس)، كان الشيطان هو ربه لأنه هو من يعبده، فيكون الشيطان هو وليهم، كما جاء على لسان إبراهيم موجها الخطاب لأبيه:

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)

فأب إبراهيم كان على عادة عبادة الآلهة الكثيرة:

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)

لكن بالرغم من تعدد الآلهة، كان أب إبراهيم (على وجه التحديد) يعبد الشيطان:

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)

نتيجة مفتراة: كان أب إبراهيم يعبد آلهة كثيرة (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي). لكن لو دققنا في النص، لوجدنا بأن أب إبراهيم كان فعليا يعبد كينونتين:

- آلهة كثيرة لا تسمع ولا تبصر (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا)

- الشيطان (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا)

السؤال المحوري: ما الفرق بين عبادة الآلهة التي لا تسمع ولا تبصر (الأصنام) من جهة وعبادة الشيطان من جهة أخرى؟ 

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن عبادة الشيطان تتم بالاتصال المباشر معه، فهو يزين لمن يعبده ما يعمل. ولا يتم ذلك إلا بأن يدخل تأثير الشيطان إلى القلب من خلال الفتنة (الأموال والأولاد). 

السؤال: كيف يحصل هذا؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ترتبط جميع شرايين وقنوات الدم في جسم الإنسان بالقلب فيما يسمى بالمفردات العلمية الدارجة بالدورة الدموية. فكل أعضاء الجسم تتلقى الدم الذي يجب أن يمر من مضخة الدم، ويكون القلب هو المتحكم بهذا التوزيع. ومادام أن في القلب رجس، فإن هذا الرجس ينتقل من القلب إلى باقي أعضاء الجسم. فتتأثر الأعضاء بهذا الرجس القادم إليها من القلب. ويظهر مقدار هذا التأثر بالأعضاء بكمية الرجس الواصل إليها من القلب على شكل زرقة تصيب عروق الدم الواصلة إلى هذه الأعضاء. وكلما ازداد تأثير الشيطان في هذا القلب، كلما زاد هذا الرجس، لدرجة أن يصبح الجسم كله رجس. ولعلي أكاد أجزم الظن بأن تأثير الشيطان ينقل من القلب إلى باقي الجسم من خلال الجهاز العصبي. فالجهاز العصبي يتأثر بما يقع في قلب الإنسان من حب المال (لمن كان في قلبه مرض) أو ذكر الرحمن (للقلوب التي توجل لذكر الله). فينقل تلك الطاقة السلبية أو الإيجابية إلى بقية أعضاء الجسم، فيصيبها ذلك الرجس من الشيطان أو تتطهر، ولا شك أن الله يجب المتطهرين:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)

نتيجة مفتراة: مريض القلب هو من كان في قلبه رجس بسبب ما زين له الشيطان من سوء عمله، وعكس ذلك هو سلامة القلب:

إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)

وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)

فبالرغم أن أب إبراهيم كان يعبد الشيطان، فإن إبراهيم هو من جاء ربه بقلب سليم، فسلامة قلب إبراهيم (نحن نظن جازمين) هو خلو قلبه من رجس الشيطان. 

السؤال: كيف يمكن التخلص من رجس الشيطان؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن الرجس هو من عمل الشيطان:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)

ولا شك أن الخنزير بأكمله رجس:

قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (145)

والسؤال هو: لماذا كان الخنزير (لحم الخنزير) كله رجس؟

رأينا المفترى: لو سلّمنا بأن الله هو من جعل الذين اعتدوا في السبت قردة وخنازير:

قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60)

فإننا سنضطر أن نميز بين من جعلهم الله قردة مقابل من جعلهم الله خنازير، فما الفرق بين الفئتين؟

رأينا المفترى: افترينا الظن في مقالات سابقة لنا بأن من جعلهم الله قردة هم الذين اعتدوا في السبت من العامة من بني إسرائيل، أما الذين اعتدوا من أهل الكهنوت الديني الذين زين لهم الشيطان أعمالهم، فهم من جعلهم الله خنازير، وليس أدل على ذلك – برأينا- بأن هؤلاء هم من كانت قلوبهم غلف، ومن طبع الله على قلوبهم:

وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155)

وهؤلاء هم بالضبط من لعنهم الله:

وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ (88)

فأصبحت كلها رجس، فما نقلت تلك القوب إلا الرجس إلى الجسم كله، فكانوا كلهم رجسا:

سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (95)

السؤال: ما هي آلية التخلص من الرجس؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن آليات التطهير من رجس الشيطان ومن عمل الشيطان هي التالية:

- الدم الذي يكبح عمل الشيطان

- الماء الذي ينظف عمل الشيطان

- الفضة التي تطهر الجسم من الرجس

- الذهب الذي يصد عمل الشيطان 

وسنتعرض لهذه الافتراءات لاحقا بالتفصيل متى ما أذن الله لنا بشيء من علمه فيها. فالله وحده نسأل أن يعلمنا ما لم نكن نعمل، وأن يزيدنا علما وأن يهدينا لأقرب من هذا رشدا. ونعوذ به أن نكون ممن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو العليم الحكيم – آمين.

أما الآن، فسنطرح قضايا مهمة جدا له علاقة بهذا الفهم المفترى من عندنا عن عمل الشيطان.

الباب الأول: آلية تزين الشيطان للناس أعمالهم

السؤال: لماذا يزين الشيطان للناس أعمالهم؟

جواب مفترى: ليصدهم عن السبيل:

وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)

وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)

أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)

وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)

نتيجة مفتراة مهمة جدا: إن الهدف مما يقوم به الشيطان من تزين الأعمال للناس هو أن يصدهم عن السبيل. انتهى.

السؤال: كيف يزين الشيطان للناس أعمالهم؟

رأينا المفترى الخطير جدا جدا: نحن نظن أنه عندما يزين الشيطان للناس أعمالهم، فهو يجعلها تظهر في أبهى حلة ممكنة، وذلك من أجل أن يوقعهم في الفتنة، وذلك بأن يجعل الناس تتشبث بهذه الزينة، وبالتالي يبعدهم عن ذكر الرحمن، فيسهل عليه عندئذ غوايتهم. 

السؤال: كيف يحدث هذا على أرض الواقع؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: لو دققنا في الأمم والأشخاص الذين زين لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن السبيل، لوجدناها الأمم التي عمرت الأرض، حتى طغت في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، كقوم عاد وثمود وفرعون نفسه:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)

ولو دققنا في الأمر أكثر، لوجدنا بأن الشيطان للإنسان عدو مبين:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208)

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا (101)

وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ۚ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (142)

فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)

قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)

وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا (53)

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15)

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60)

وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (62)

فبالرغم أن الشيطان للإنسان عدو مبين، إلا أنه يستطيع أن يوقعهم في شراكه. ليكون السؤال الحتمي الآن: كيف؟ أي كيف يستطيع من كان للإنسان عدو مبين (واضح وجلي) أن يوقعه في شراكه؟

ولو دققنا أكثر في السياقات القرآنية، لوجدنا أن الكافرين للمؤمنين عدو مبين:

وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا (101)

السؤال: كيف يمكن لمن كان لك عدو مبين أن يوقعك في شراكه؟ هل لو تيقنت بأن فلانا من الناس لك عدو مبين، ألا تتخذ كل أسباب الحيطة والحذر منه؟ هل يمكن أن يوقعك في شراكه بسهولة؟ وما هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوقعك في شراكه مع علمك اليقيني المسبق بأنه لك عدو مبين؟

رأينا المفترى: نحن نظن أنه من الاستحالة بمكان أن يستطيع عدوك المبين أن يوقعك في شراكه إلا بطريقة واحدة فقط: أن يقدم لك من المغريات (الزينة) ما يكفي أن يخادعك فيها.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: إن أول ما يلفت الانتباه هنا هو أن اللفظ جاء بصيغة التعريف للمفرد (الشيطان)، ليكون السؤال المبدئي من هو هذا الشيطان الذي هو عدو مبين؟ 

رأينا المفترى: إنه الشيطان نفسه الذي يزين لنا أعمالنا ليصدنا عن السبيل؟

السؤال: من هو؟

رأينا المفترى: لو عدنا لقصة بداية الخلق، لوجدنا التحذير الإلهي الأول لآدم وزوجه من هذا الشيطان:

فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)

وهذا الشيطان (نحن نفتري القول) هو الذي أخرج آدم وزوجه من الجنة:

يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)

فهو إذن من وسوس لآدم وزوجه عندما كانا في الجنة:

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)

السؤال: من هو هذا الشيطان الذي وسوس لآدم وزوجه حتى نزع عنهما لباسهما وبالتالي استطاع أن يخرجهما من الجنة؟

رأينا المفترى الخطير جدا جدا: إنه هامان. انتهى.

السؤال: ما مهمة هذا الشيطان (هامان) على وجه التحديد؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن مهمة هامان هي على وجه التحديد أن يخرج الناس من الجنة. فمهمة هذا الشيطان أن يوقع الناس في الشقاء الدنيوي والأخروي. فهو الذي أخرج آدم من الجنة، فسبب له الشقاء:

فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)

لقد كان من المفترض أن يظل آدم يعيش في الجنة، فلا يخرج منها، لأن الخروج منها سيسبب له الشقاء لا محالة. 

السؤال: كيف يستطيع هذا الشيطان (هامان) أن يوقع الناس في الشقاء؟

جواب مفترى: بالتزيين

السؤال: وكيف ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن خطة الشيطان مبنية على التصور (الذي هو لا شك من عند أنفسنا) التالي: يحاول هذا الشيطان (مادام أنه عدو مبين هدفه غواية الناس) أن يقدم خدماته (الجليلة ظاهريا) للإنسان، فتبدو بأنها خيرا له في حياته هذه. فيقع الإنسان (بسبب الزينة المقدمة له من الشيطان) فريسة لهذا التضليل الشيطاني. وتكمن الخطة في أن يجعل الشيطان من نفسه ربا لمن أوقع منهم في شراكه، فيعبدوه كما فعل أب إبراهيم الذي كان يعبد الشيطان:

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)

فبالرغم من أن أب إبراهيم كان يعبد الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني من الله شيئا:

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42)

إلا أنه في الوقت ذاته كان يعبد الشيطان:

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)

السؤال المهم: لماذا هذه العبادة المزدوجة لأب إبراهيم؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: كان أب إبراهيم يعبد الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنه شيئا ظاهريا بهدف أن يجر العامة من الناس من حوله إلى عبادتها، فيظن هؤلاء العامة من الناس أن هذه الأصنام (الآلهة) هي التي تجلب لهم الخير وتحقق لهم مطالبهم. لكن في حقيقة الأمر، كان أب إبراهيم هو وحده من يعبد الشيطان، لأن الشيطان هو فعليا من يحقق له مطالبه. فكان أب إبراهيم بمثابة حلقة الوصل بين الشيطان من جهة وهذه الأصنام من جهة اخرى كما في الشكل التوضيحي التالي:

فأب إبراهيم يتلقى الأوامر والتعليمات (والعلم) من الشيطان نفسه، فيظهر ذلك أمام الناس على أنه من قوة هذه الآلهة الماثلة أمامهم أصناما لا تسمع ولا تبصر، فينخدع الناس بها، فيذلّون لها رقابهم، طامعين في النعمة المتحصلة لهم من جراء ذلك. ونحن للظن أميل بأن أب إبراهيم كان هو رأس الكهنوت الديني الذي يأكل أموال الناس بالباطل ليصدهم عن سبيل الله، فيحقق لنفسه بذلك المكانة الاجتماعية الرفيعة والقوة الاقتصادية اللازمة ليسيطر بهما على القطيع من حوله. فهو لا يستطيع أن يبوح لهم بالسر الكامن بأن مصدر القوة الظاهرية لهذه الحجارة (الأصنام) هو الشيطان (عدوهم المبين)، فهذه معلومة محتكرة له وحده لم يطلع عليها إلا إبراهيم لما جاءه من العلم:

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)

لكن لما كان أب إبراهيم هو كله رجس، لم ينزل عند قول إبراهيم، فطلب من إبراهيم أن لا يفضح أمره، ولا يكون ذلك إلا بالهجران، وإلا فالعاقبة وخيمة ستكون من أب إبراهيم لإبراهيم:

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)

فالأب يتهدد الابن بالرجم إن هو لم ينتهي، وإلا فإن الحل الأمثل بالنسبة لهما هو الهجران. فكان قرار إبراهيم اعتزالهم وما يعبدون من دون الله:

وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)

إن ما يهمنا طرحه هنا هو تصورنا التخيلي بأن الشيطان (هامان) يتصل بمن كان من الجبلة كأب إبراهيم هذا، فيعطيه من العلم الشيطاني ما يمكنه من رقاب العباد، فيعمد هذا الكاهن الأكبر إلى استخدام هذا العلم الشيطاني بكل دهاء ومكر، فيلبي للناس طلباتهم من خلال الآلهة المزعومة (الأصنام)، فيظهر للعيان بأن هذه الأصنام هي مصدر هذا الخير العميم الظاهري الذي أصابهم، فتنقاد الرقاب طوعا وكرها، ويكون الهدف الحقيقي هو الصد عن سبيل الله.

وقد تكرر هذا السيناريو في كل الأمم السابقة التي ظلت الطريق وصدهم شياطينهم من الإنس والجن عن السبيل. فقد كانت عاد وثمود وفرعون جميعا على عادة عبادة الشيطان، فأصبغ عليهم العلم الشيطاني الذي جعل حياتهم رغدا من خلال آلهة مزعومة، فظنوا أن هذه الآلهة المزعومة هي سبب ذاك الخير الوفير، فصدوهم بذلك عن سبيل الله. 

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: كان الشيطان (هامان) هو سبب حضارة عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: كان الشيطان (هامان) هو سبب حضارة ثمود الذين جابوا الصخر بالواد

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: كان الشيطان (هامان) هو سبب حضارة فرعون ذي الأوتاد

السؤال: لماذا؟ 

جواب مفترى: لغوايتهم وبالتالي صدهم عن سبيل الله

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نؤكد مرة أخرى بأن الخطة الشيطانية غاية في الدهاء والمكر؛ فالشيطان لا يستطيع أن يزل قدمك (مادام أنه عدو مبين لك) ما لم يقدم لك خدمات "ظاهرية جليلة"، يصعب عليك التنازل عنها لاحقا. 

مثال

عندما طلب فرعون من قومه أن يتخذوه إلها، كان عليه أن يقدم لهم الأدلة والبراهين التي تثبت زعمه هذا. وإلا كيف لهم أن يقتنعوا جميعا بألوهيته وربوبيتهم لهم؟

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)

فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)

رأينا المفترى: بعد الاستفادة من خدمات الشيطان هامان، جعل فرعون أرض مصر جنات وعيون، وكنوز، وجعلها مقاما كريما، فكانت لهم نعمة هم فيها فاكهين:

كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)

فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)

ولو تدبرنا هذه الآيات التي تصف لنا طبيعة حياة قوم فرعون في أرض مصر حينئذ، لوجدنا فيها الجنات والعيون والزروع والكنوز والمقام الكريم، فتعددت عليهم النعمة. وعندما جاءهم موسى برسالات ربهم، لم يكن من السهل عليهم اللحاق بركب موسى ومن معه تاركين كل هذه النعمة التي يتمتعون بها. 

السؤال: لو كنت أنت (عزيزي القارئ) أحد الشاهدين على تلك النعمة في أرض مصر حينئذ، هل سيكون من السهل عليك أن تترك كل ذلك الخير الوفير الذي أعده فرعون لك لتلحق بركب بني إسرائيل المستضعفين في الأرض حينئذ؟

تخيلات أغرب من الخيال: لم يكن فرعون كما يتصوره الفكر الشعبي حاكما ظالما، مستبدا برأيه، بل كان (نحن نتخيل) رجلا ديمقراطيا من الطراز الرفيع، فلعلي أنخيل فرعون ينادي في قومه:

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)

ويكأن لسان حاله يقول لمن حوله (أنا أتخيل): أنتم أحرار فيما تختارون، إما أن تتخذوني إلها، فتنالون مما عندي من النعمة التي أنا موجدها، أو أن تلحقوا بركب هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين (حسب مفرداته)، وعندها تحرمون من هذه النعمة التي عندي. 

السؤال مرة أخرى: لو كنت (عزيزي القارئ) متواجدا حينئذ، فما الذي ستختاره؟ هل تترك كل هذه النعمة التي عند فرعون لتلحق بركب موسى ومن معه؟ من يدري؟!!!

إن ما يهمنا طرحه هنا مرة أخرى: أن الشيطان ينفذ خطة ماكرة جدا، تتمثل في أن يسبغ على الناس نعمة ظاهرة يصعب عليهم بعد ذلك التنازل عنها، ويعمد إلى تنفيذ خطته تلك من خلال من يجحد بنعمة الله من أهل الكهنوت الديني، فينصّب لهم آلهة مزعومة، يدّعون أن هذا من عندهم، فتذل رقاب العباد لهم. وما أن يتخدع الناس بتلك الخطة الماكرة حتى يأتيهم العقاب الإلهي الشديد، فيخسرون بذلك دنياهم وآخرتهم. 

نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: إن هدف الشيطان هامان هو أن يخرج الناس من الجنات، فيكونوا من الذين خسروا الدنيا والآخرة، فيزين لهم أعمالهم ليصدهم عن السبيل، فيكونون ممن شقوا في الدنيا والآخرة. فالشيطان (هامان) لا يروق له أن يعيش الناس في جنات ربهم، فيكسبوا الدنيا والآخرة. 

السؤال: كيف يفعل ذلك؟

رأينا المفترى: عندما يجد الشيطان أن هناك من الناس من يستطيع أن يقوم بهذه المهمة على أكمل وجه، فإنه ينبري له بالتأييد والمساندة، وقد لا يجد أفضل من أهل الكهنوت الديني للقيام بهذه المهمة الشيطانية نيابة عنه، والسبب في ذلك هو العلم ولا شيء آخر غير العلم. 

السؤال: وكيف ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما يلمح الشيطان بوادر العلم عند شخص ما، فإنه يسعى بكل ما أوتي من مكر وحيلة أن يساعد هذا الذي عنده العلم، فيآزره ويشد على يده، ويصبح (كما يقول المثل الشعبي) خاتما في أصبعه. فينفذ له ما يريد، كما فعل مع فرعون عندما بني له صرحا لبلوغ الأسباب. ويبقى هذا الشيطان مؤازرا لهؤلاء:

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)

وبالفعل، يقع هؤلاء فريسة سهلة له، بسبب حاجتهم الماسة لمساندته، حتى يستمر (حسب ظنهم) ما هم فيه من النعمة فاكهين. لكنهم لا يدركون أن هذا الشيطان يزين لهم أعمالهم، ويسول لهم ويملي لهم:

إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)

السؤال: كيف استطاع فرعون أن يجعل أرض مصر ملكا له؟

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)

وكيف جعلها جنات وعيون تجري من تحتها الأنهار، وزروع ومقام كريم، وكنوز ونعمة هم فيها فاكهين؟

كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)

فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58)

وكيف استطاع أن يبني المصانع وأن يجعل لهم العروش فوق أرض مصر؟

... وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (137)

رأينا المفترى: نحن نظن أن فرعون استطاع عمل ذلك بالعلم. انتهى.

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: لما وجد الشيطان هامان أن فرعون يملك من العلم ما يمكنه أن يجعل أرض مصر جنات تجري من تحتها الأنهار، انبرى له لتقديم خدماته الجليلة، ليشدّ من ملك فرعون، ويحكم قبضته على قومه. فكان خادما تابعا لفرعون، كما نفهم ذلك من الآية الكريمة التالية:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)

وكانت الخدمة الأكبر التي قدمها هامان لفرعون وهو بناء الصرح لبلوغ الأسباب:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39)

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)

نتيجة مفتراة: لم يكن فرعون يستطيع النفاذ من أقطار السماوات والأرض إلا بمعاشرة الجن. فالإنس وحده لا يستطيع ذلك، والجن وحده لا يستطيع ذلك. فالنفاذ من أقطار السماوات والأرض تتطلب المعاشرة بين الإنس والجن:

يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)

(للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة)

فقد كانت سلطة فرعون على أرض مصر مطلقة، لكن كان يريد المحافظة عليها من خطر السماء الذي قد يتهددها في أي لحظة، فكان لابد له من طلب المساعدة من الجن، فيشكل حلفا من الجن والإنس للنفاذ من أقطار السماوات والأرض. وهنا وجد هامان الفرصة سانحة أن يعين فرعون في مهمته هذه، وبالفعل بنى له الصرح الذي يمكنه من بلوغ الأسباب للاطلاع على إله موسى. 

فالشيطان هامان يعلم يقينا أنه لا يستطيع تجاوز حد معين في السماء، فالسماء بالنسبة له لو دخلها لأصابه الرجم فيها:

وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)

وهو يعلم أن الله قد اعتد لهم فيها عذاب السعير، فهو إذا لا يستطيع تجاوز مناطق السمع، لوجود الحرس الشديد والشهب:

وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا (9)

لذا، فهو قد أعدّ الوسيلة (المركبة) التي تمكن فرعون من النفاذ إلى أسباب السماوات. وهنا تلاقت مصالح الطرفين، فرعون من جهة وهامان من جهة أخرى. ففرعون يريد الاطلاع على إله موسى لصد الخطر الذي يتهدده من هناك، وهامان يريد أن يوقع فرعون وقومه في الهلاك. 

لقد كان بإمكان فرعون أن يوقع هامان في شراكه، فيستفيد من علمه، وينقلب عليه فورا، إلا أن فرعون أخطأ خطأ ذريعا حينما ركب راسه، وظن أنه يمكن أن ينجح في مهمته. ولو تدبرنا النص القرآني في سياقه الأوسع، لوجدنا على الفور أن تلك الاحتمالية كانت قائمة، لولا أن فرعون قد أخلد إلى الأرض:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)

لقد كان فرعون كالكلب الذي يلهث، لأنه أخلد إلى الأرض.

السؤال: ما معنى أنه قد أخلد إلى الأرض؟

رأينا المفترى: لو تدبرنا معنى الخلود في النص القرآني، وحاولنا البحث عن مفردة "أخلد" على مساحة النص القرآني، لما وجدناها قد وردت إلا في السياقين التاليين:

وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)

يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)

ولو حاولنا ربط هذين السياقين معا، لربما حقّ لنا أن نفتري الظن بأن فرعون قد حسب أنه قادر على الخلود بسبب ماله، فهو الذي (نحن نفتري الظن) جاء النص القرآني التالي ليصور حالته:

أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)

فلقد ظن فرعون (نحن لازلنا نتخيل) أنه قادر على الخلود بما لديه من المال الوفير، وهذا المال هو مال لبدا. أي مال ملبود بما أن الشياطين ترصده، فكان يملك الكنوز العظيمة:

فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60)

وقد كان مصدر هذه الكنوز هم الشياطين التي تلبد هذا المال الوفير، فكانت تصل يد فرعون لهذا المال، لأن زعيم الشياطين نفسه (هامان) يعمل تحت طاعة فرعون. فهو بذلك قد قدم له الخدمات الجليلة التي تتمثل بـ:

1. المال الوفير

2. الصرح لبلوغ أسباب السماوات 

وقد شكلت هذه العوامل مجتمعة قوة إضافية لفرعون، مكنته من إحكام السيطرة المطلقة على قومه، فأخضعت رقابهم له، فاعتقدوا جازمين بأنه ربهم الأعلى.

فلقد ظن فرعون أنه قادر على بلوغ أسباب السماوات وبالتالي فهو قادر على صد الخطر الذي قد يحدق بهم من هناك، كما كان لديه المال الوفير الذي يمكنه من بناء حضارة عملاقة، تمثلت في أن تكون أرض مصر جنات وعيون، ومقام كريم. 

السؤال: كيف تحقق هذا الخلود إلى الأرض لفرعون؟

رأينا المفترى: لو تدبرنا ما جاء في الآية الكريمة التالية، لوجدنا فيها العجب:

... وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (137)

ليكون السؤال الفوري هو: ما الذي كان يصنعه فرعون وقومه؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: مصانع

السؤال: ما هي تلك المصانع؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: لو بحثنا عن المصانع في النص القرآني، لوجدناها من عمل عاد (قوم هود):

أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأن المصانع التي بناها قوم هود (عاد) كانت مصانع الخلد (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ). انتهى.

السؤال: كيف يمكن أن نفهم ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن مصانع الخلد لها علاقة مباشرة بالحياة والموت. انتهى.

سؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: لعلنا لا نتردد أن نظن بأن معضلة الموت والحياة هي من القضايا التي أقلقت الفكر البشري منذ الأزل، فأهم مشكلة للإنسان على هذه الأرض هي قضية الموت، وانتهاء الحياة عليها. فبحث الإنسان منذ القدم على وسيلة تمكنه من فك لغز هذه الظاهرة الأبدية، فكان لابد له من اللجوء إلى شتى الوسائل التي تزيح عن كاهله هذه الكارثة التي لا مفر منها. فأعمل فكره فيها، وحاول البحث عن أسبابها، ومسبباتها، وآليتها، وطرق التغلب عليها. وأشغل تفكيره فيما يحصل للإنسان بعد موته، فكانت قضايا البعث بعد الموت من أهم المشاكل التي تقض مضجعه. فكيف سيتعامل مع هذه الظاهرة الأزلية التي تهدد وجوده على الأرض؟

رأينا المفترى: للإجابة على هذا التساؤل، فإننا نجد الحاجة ملحة أن نخوض في التصور الذي كان متواجدا عند قوم فرعون الذين اتخذوا فرعون ربا لهم، واتخذوه إلها لهم، ليكون السؤال الحتمي هو: ألم يبرر لهم فرعون سبب الموت؟ ألم يبين لهم فرعون كيف يتعامل هو بنفسه مع هذه المعضلة؟ هل كان يظن القوم أن فرعون نفسه لن يموت؟ هل قال لهم فرعون بأنه لن يموت هو نفسه؟ فكيف يمكن لفرعون أن يثبت لهم أنه إلها لهم وفي الوقت ذاته يمكن أن يصيبه الموت هو بنفسه؟

السؤال: هل كان فرعون يظن كإله أنه سيموت في يوم من الأيام؟ 

جواب مفترى: نعم. 

السؤال: هل كان قوم فرعون يظنون أن فرعون (كإله لهم) سيموت في يوم من الأيام؟

جواب مفترى: نعم

السؤال القوي: كيف إذا اتخذوه ربا وإلها لهم مادام أن الموت سيصيبه في يوم من الأيام؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن القوم قد اتخذوا فرعون ربا أعلى وإلها أوحد لهم بالرغم أنه سيصيبه الموت في يوم من الأيام، وذلك لأن فلسفة الموت والحياة عندهم مختلفة تماما.

السؤال: ماذا كانت فلسفة الموت والحياة عند قوم فرعون؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن فرعون قد أقنع قومه بأن فلسفة الموت والحياة هي الخلود إلى الأرض. انتهى.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن فرعون قد بنى مصانع الخلد كالتي كانت في قوم عاد، وكان الهدف منها شيئا واحدا، وهو أن يعيش الإنسان الأجل كله، قال تعالى:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (2)

رأينا المفترى: لو دققنا في هذه الآية الكريمة، لوجدنا أنها تتحدث عن أجلين:

- أجل مقضي

- أجل مسمى عنده

السؤال: ما الفرق بين الأجلين؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الأجل المقضي هو الأجل الذي يختلف من شخص لآخر، فيموت الناس بأعمار متفاوتة، كما أن طريقة موتهم تختلف، فمنهم من يقضي عليه الموت، ومنهم من يموت بحادث طارئ، ومنهم من يموت بمرض مفاجئ، ومنهم من يموت بطريقة غامضة لا يمكن التنبؤ بها، وهكذا. فتتفاوت أعمارهم، وتختلف الميتة من شخص إلى آخر. لكن بالمقابل هناك الأجل المسمى، الذي يحدد أعمار الجميع بالتساوي، لأن الموت حتمي لا مفر منه منها طال الأجل:

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30)

وهنا بالضبط تكمن المعضلة، فمشكلة الإنسان ليست بحتمية الموت، لكن مشكلته بطول الأجل، وبطريقة الموت. فلو حصل أن كل الناس قد بلغوا الأجل المسمى، لأصبح الأمر مفهوما لا يخيف الناس ولا يشكل تهديدا لحياتهم. فتخل معي – عزيزي القارئ- أن كل الناس تعيش بالتساوي إلى حد معين، كأن يعيشوا جميعا أجلا واحدا محددا بمئة وخمسين عاما مثلا. وتخيل أن لا أحد يموت قبل أن يبلغ هذا الأجل. ويصبح الموت حتمي لكل من بلغ هذا المقدار من السنيين، فكيف سينظر الناس حينئذ لقضية الموت؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأنه لو كانت حياة الناس تجري على هذه الشاكلة، لما سبب الموت مشكلة لأحد، ولربما نظر الناس للأمر على أنه ليس أكثر من عملية انتقال من مرحلة إلى أخرى. والأهم من ذلك، لظن الناس أن الحياة ليست أكثر من مسألة خلود إلى الأرض.

السؤال: كيف يكون ذلك؟

رأينا المفترى: لفهم هذه الإشكالية علينا أن نطرح تساؤلات مهمة جدا عن حياة القوم (قوم فرعون) حينئذ:

- ألم يتخذ قوم فرعون فرعون هذا ربا لهم؟

- ألم يتخذ قوم فرعون فرعون هذا إلها لهم؟

- ماذا كان فرعون يقدم لهم من خدمات بمستوى الإله؟

- ماذا لو مرض أحد من قوم فرعون وطلب مساعدة فرعون كإله؟

- هل يستطيع فرعون أن يتلكأ عن مساعدته؟

- هل لو عجز فرعون على تقديم العون للمريض الذي يطلب منه مساعدته، هل يظل هذا الشخص يؤمن به كإله؟ أليس الإله يشفي من يمرض؟

وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)

- ماذا لو كان هناك شخص قد أصيب بإعاقة جسدية؟ 

- ألن يلجأ إلى ربه وإلهه (فرعون) أن يذهب ما به من إعاقة بدنية؟

- ماذا لو تلكأ فرعون عن فعل ذلك؟ 

- وماذا لو ثبت عجزه أمام هذه المشاكل؟ 

- هل يظل الناس ينظرون له بمنظور من هو فعلا إله قادر على ذلك؟

- الخ

رأينا المفترى: من أجل أن يثبت فرعون زعمه للإنسان بأنه إله، ومن أجل أن يقتنع الناس بأن فرعون هذا فعلا ربا وإلها لهم، فلابد أن يكون قادرا على التعامل مع هذه المشاكل بكل يسر وسهولة، وإلا لبان عجزه مباشرة، ولأصبح الإيمان به كإله أمرا غير ممكن إطلاقا.

السؤال: هل كان فرعون فعلا قادرا على التعامل مع هذه القضايا؟ وهل كان فرعون يملك من المقومات ما يجعل القوم يؤمنون فعلا أنه ربا لهم وإلههم الذي لا يعلم لهم سواه؟

جواب مفترى: نعم. لقد كان فرعون قادرا على أن يثبت زعمه لهم، وقد آمن الناس به كإله لأنه كان فعلا قادرا على أن يخلدهم إلى الأرض. انتهى.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: لقد كان فرعون وريث حضارة عاد وثمود، وكان بنفسه ذا الأوتاد:

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) 

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) 

وهذه الأوتاد (نحن نعاود الافتراء مرات ومرات) هي الأهرامات الموجودة في الجيزة في أرض مصر، فهذه هي (نحن نرى) مصانع الخلود التي بناها قوم هود (عاد)، والغاية منها أنها عبارة عن مشافي طبية، تستخدم لعلاج الأمراض كلها. فلقد ملك فرعون سر هذه المصانع، وعلّم قومه طريقة بناء أهرامات مصغرة على غرارها، فكان كل هرم جديد صنعه قوم فرعون عبارة عن عيادة طبية، تختص بنوع معين من الأمراض والإعاقات. وكانت كفيلة بأن نحقق للناس الخلود في الأرض حتى بلوغ الأجل المسمى، فما قضى أحد منهم بالأجل السابق قبل أن يبلغ الأجل المسمى. فكانت أهم نعمة لفرعون على قومه هو أنه جعلهم يعيشون في جنات وعيون، ومقام كريم، فما كان أحد منهم يخشى أن يقضي بالأجل الأول قبل بلوغ الأجل المسمى، فعاشوا جميعا، في نعمة كانوا فيها فاكهين:

وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)

ولو حاولنا البحث عن هذه المفردة (فَاكِهِينَ) على مساحة النص القرآني، لما وجدناها قد وردت مرة أخرى إلا في السياق القرآني التالي الذي يصور حياة الأزواج في جنة الخلد الإلهية:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)

ولعل التحليل الأولي لمفردة فكهين تشير لنا أن من كانت حياته من الفاكهين، فإنه من أهل الجنة التي لا يصبهم ولا يفزعهم الموت أو حتى الخوف منه.

وللحديث بقية بإذن الله

فالله وحده أسأل أن يعلمني، وأن يزيدني علما، وأن يهدين لأقرب من هذا رشدا. وأعوذ به وحده أن أكون ممن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، إنه هو العليم الحكيم – آمين.



المدكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان

بقلم د. رشيد الجراح

28 آب 2018

هناك 3 تعليقات:

  1. غير معرف28/9/22

    لو كانت كلمة ربكم تعني الشيطان في الحديث عن قوم هود فماذا تعني ذكر من ربكم في الآية التي قبلها ٦٩؟؟ هل يأتي من الشيطان ذكر ..واذا كانت الأولى تعني ان الله ربهم فما مبرر ان تكون الثانية تشير ان الشيطان ربهم

    ردحذف
  2. هنا اربط بين المصانع وقصة البقرة التي ادارؤوا فيها والتي تخبرنا ان علم احياء الموتى موجود حقيقةـ تخبرني صديقة مصرية عن خبيرة آثار أن هناك طقوس فرعونية يستخدم الفراعنة فيها ذيل البقر. فلعل الذيل هو البعض المذكور في (فاضربوه ببعضها).

    ردحذف
  3. اصبحت وبلا داعي تخلط حقيقة بخيال ودون دليل ومازلت تتوسع لماذا لا أعرف ؟؟ هل فهمت تعليقي لا يهمني اذا كنت فهمت فانت لا يعنيك تعليقي اصلا وانت مستمر كما انت بدون اعتناء لاحد !!!!

    ردحذف