فقه الزكاة - الجزء 5

فقه الزكاة: الجزء الخامس 

خلصنا في الأجزاء السابقة من هذه المقالة إلى افترائنا القول بأن هناك ثلاث طرق لتقديم المال للغير، وهي على النحو التالي:

- القرض
- الدين
- الربا

فالمال يمكن أن يقدم للغير بواحدة من هذه الطرق الثلاث، فإما أن تقرض وإما أن تدين وإما أن ترابي. ولعل أفضلها على الإطلاق هو القرض، وذلك لأن القرض لله نفسه، قال تعالى:

مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)

مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)


فأفضلية القرض تأتي بأنه لله، وأن الله هو من يقوم بمضاعفته لك أضعافا كثيرة، وما ذلك كله إلا لأنك (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) لم تستفد منه في الحياة الدنيا وأجلت الفائدة منه إلى اليوم الذي ترجع فيه إلى الله. فيكون لك بذلك أجر كريم. والقرض يعطى لصاحب الحاجة لسداد حاجته فقط، فلا يستفيد منه في تنمية المال، ويعطى بمقدار الحاجة، فلا يزاد فيه. فإن كانت حاجة الشخص مئة دولار، أُعطي مئة دولار، وإن كانت حاجته ألفا، أُعطي ألفا. ويكون السداد على ذلك النحو، فلا يأخذ صاحب القرض (المقرِض) فلسا واحدا زيادة على ما أعطى. وعلى صاحب المال أن يعطي فسحة من الوقت لمن أعطاه القرض إن وجد أنه ذو عسرة (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ)، ويحق لصاحب المال أن يعتبره صدقة إن وجد أن صاحب الحاجة لا يستطيع سداده (وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). فيكون له ذلك هو خيرا وأعظم أجرا:

... وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)

أما الدين، فإنه يعطى لشخص يريد تنمية المال والاستفادة منه. فالشخص الذي يطلب الدين لا يكون بحاجة لهذا المال لقضاء حاجته كما في حالة القرض، وإنما لاستخدام هذا المال في تجارة ما والاستفادة منه، وبالتالي فإن على من أخذ هذا المال دينا أن يرده فلا يبخس منه شيئا، فيرده مزيدا غير منقوص.

وقد ذكرنا في الجزء السابق من هذه المقالة الشروط الواجب تحرِّيها عند تنفيذ عملية الدين، وهذه الشروط هي التي وردت في آية الدين التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

ونعيدها هنا للخوض في تفاصيلها الواحدة تلو الأخرى:

افتراء 1: الدين يكون بين المؤمنين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ)

افتراء 2: الدين يكون لأجل مسمى (إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى)

افتراء 3: الدين يجب أن يكتب (فَاكْتُبُوهُ)

افتراء 4: الذي يقوم بالكتابة هو كاتب متخصص، وهو ما يسمى بالمفردات الدارجة بكاتب العدل (وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ)

افتراء 5: يجب على الكاتب أن يكتب كما علمه الله (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ)
افتراء 6: الذي يملّ هو الذي عليه الحق (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ)

افتراء 7: على الذي عليه الحق أن يتق الله ربه (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)

افتراء 8: على الذي عليه الحق أن لا يبخس منه شيئا (وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا)

افتراء 9: في حالة أن كان الذي عليه الحق سفيها أو لا يستطيع أن يمل هو، يقوم بذلك وليه بالعدل (فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ)

افتراء 10: يجب أن يكون هناك شهداء للدين، رجلين أو رجل وامرأتان (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)

افتراء 11: سبب وجود المرأتين هو أن تضل أحداهما فتذكر إحداهما الأخرى (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ)

افتراء 12: لا يحق للشهداء أن يأبوا الشهادة (وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ)

افتراء 13: الدين يجب أن يكتب سواء كان صغيرا أو كبيرا (وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ)

افتراء 14: سبب كتابة الدين هو أن ذلك أقوم للشهادة (وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ) وأدنى أن تحصل الريبة (وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا)

افتراء 15: يجوز عدم كتابة الدين في حالة واحدة وهي أن تكون تجارة حاضرة (إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا)

افتراء 16: في حالة التبايع يجب توافر الشهادة (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ)

افتراء 17: لا يلحق الشهيد ولا الكاتب أي ضرر جراء ذلك (وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ)

افتراء 18: إذا وقع ضرر على الشهود أو الكاتب، فإن ذلك يقع في باب الفسق (وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ)

افتراء 19: يُحكَم ذلك كله بتقوى الله (وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ)

افتراء 20: إذا بني العقد على هذه الشروط، فإن النتيجة هي أن الله لا محالة سيعلمنا لأنه هو بكل شيء عليم (وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

باب الدين يكون بين المؤمنين فقط

قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ

السؤال: لماذا يكون الدين بين المؤمنين فقط؟
واب مفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن السبب في أن يكون الدين بين المؤمنين هو أن الدين يجب أن يخضع لشروط الشريعة نفسها. فمادام الدائن والمدين من الذين آمنوا، فهم إذن يقبلون بشروط العقيدة الدينية التي يؤمنون بها. ولا ننسى بأن تنفيذ عقد الدين (أي كتابته) تتم من خلال الكاتب بالعدل الذي يجب أن يكتب كما علمه الله:

... وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ...

كما أن عملية تنفيذ عقد الدين يجب أن تكون محكومة كلها بتقوى الله:

... وَاتَّقُوا اللَّهَ...

فلو كان أحد طرفي الدين من غير المؤمنين، فإن هذه الشروط لن تكون ملزمة له، لأنه أصلا من غير الذين آمنوا. وهنا يصبح لا ضمانة لأن يبرم عقد الدين بتقوى الله، وقد يصبح أحد طرفي العقد غير ملزم بشروط العقد حسب شريعة المؤمنين. وهذا بالضبط ما افتريناه في باب عقد النكاح في مقالات أخرى سابقة لنا. فقد زعمنا الظن بأن عقد النكاح لا يبرم إلا بين المؤمن والمؤمنة، وذلك لأن النكاح لا يقع إلا على مؤمن أو مؤمنة، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)

وقال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)

والسبب (نحن نرى ربما مخطئين) في أن يكون عقد الزواج بين المؤمن والمؤمنة هو عقد نكاح هو أن كلا الطرفين يتحاكمون إلى الشرعة ذاتها في حالة نشوب الخلاف بينهما. فلا يوضع في ذلك العقد شروط أخرى غير ما تنص عليه الشريعة التي يؤمن بها طرفا العقد (المؤمن الناكح والمؤمنة المنكوحة أو العكس المؤمنة الناكحة أو المؤمن المنكوح). لكن لو كان أحد طرفي العقد من غير المؤمنين، فإنه لا يبرم بينهما عقد نكاح، وإنما يبرم بينهما عقد مكاتبة:

وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

والسبب في ذلك هو إمكانية استحداث شروط يتفق عليها الطرفان مسبقا، تكون هي الفصل بينهما في حالة نشوب الخلاف. فلو كان الناكح مؤمنا وكانت المنكوحة من أهل الكتاب، فمن الطبيعي أن لا يقبل أحدهما بشروط الشريعة التي يؤمن بها الآخر، لذا لابد من وجود اتفاق مسبق بينهما تملى شروطه عند عقد الزواج، ويكون ذلك عقد مكاتبة أو عقد استمتاع. (للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا السابقة).

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا مهمة جدا: عقد الدين يجب أن يكون بين المؤمنين الذي يرضون التحاكم إلى الشريعة ذاتها في حالة نشوب خلاف بينهما (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ). انتهى.

باب الأجل المسمى

نحن نظن أن الشرط الثاني لإبرام عقد الدين هو الاتفاق المسبق بين الطرفين على الأجل المسمى بينهما، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى...

فالدين يجب أن يتحدد موعد سداده مسبقا. وهذا ما يجب أن يحدد عند كتابة الدين برضا الطرفين (الدائن والمدين). ولا شك عندنا أن الأجل المسمى يختلف من حالة إلى حالة. فربما أحتاج أنا مبلغا من المال من أجل تجارة ما لمدة سنة أو سنتين أو عشرا، وذلك لأن هذه التجارة المنوي تشغيلها بمال الدين ربما لن تؤتي أكلها إلى بعد حين، وهذا يختلف من حالة إلى أخرى. 

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: لما كان الأجل المسمى يختلف من حالة إلى حالة، فإن من الواجب الاتفاق بين الطرفين على الأجل المسمى لذلك الدين عند كتابة الدين. فقد يكون الأجل المسمى شهرا واحدا وقد يكون عاما كاملا وقد يكون أكثر من ذلك أو أقل، لكن ما يهمنا هو ليس طول الفترة الزمنية ولكن تحديدها بالأجل المسمى بين الطرفين كما ينص عليه عقد الدين. ولعلي أكاد أجزم الظن بأن الذي يستطيع تحديد هذا الأجل هو المدين بشرط موافقة الدائن. 

ولما كان الأجل المسمى يختلف من حالة إلى حالة، كان من الضروري أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار في سداد الدين، فلا يحق للمدين أن يبخس من الدين شيئا بناء على الفترة الزمنية التي حددها لسداد الدين. فمن غير المنطقي أن أعطيك مئة ألف دولار لتعيدها إلي مئة ألف دولار بعد عشر سنوات مثلا. لأن ذلك سيلحق ضررا كبيرا بي كصاحب المال. وربما لن أقبل (كصاحب مال) أن أعطيك هذا المبلغ لتعيده إلي مئة ألف وعشرا بعد عشر سنين مثلا. لكن ربما أقبل أن أعطيك هذا المبلغ لتعيده لي مئة ألف وعشرا بعد عام واحد مثلا. 

افتراء خطير جدا: إن ما نود افتراءه (ربما مخطئين) هو أن مقدار فائدة صاحب المال من المال المدين يحدده طول الفترة الزمنية المتفق عليها بين الطرفين (أي الأجل المسمى بينهما).

باب كتابة الدين (فَاكْتُبُوهُ)

السؤال: لم يجب كتابة الدين؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن السبب الرئيس في كتاب الدين هو لأنه يجب أن يحدد بأجل مسمى. فلو كان الدين لا يتحدد بأجل مسمى لما دعت الحاجة إلى كتابته كما في حالة القرض الحسن. ولو حاولنا عقد مقارنة بين عقد الدين من جهة وعقد النكاح من جهة أخرى، لوجدنا أن عقد النكاح لا يشترط به الكتابة، ويكتفي بأن يتم ذلك بإذن أهلهن، قال تعالى:

وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)

وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)


كما أن المقارنة هنا تقتضي التنبيه أن عقد الدين يجب أن يكون مشهودا، أي توافر الشهود فيه:

... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ...

وهذا الأمر غير منصوص عليه في عقد النكاح. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- مرة أخرى في آيات النكاح:

وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)

وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)


السؤال: لم لا تجب كتابة عقد النكاح ولم لا يشترط حضور الشهود؟

جواب مفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك يعود إلى أن عقد النكاح لا يتحدد بأجل مسمى. لذا، لا داعي لوجود الشهود أو لكتابته بحضور الشهود. ويكتفى بأخذ الإذن من أهل المنكوحة من النساء:

... فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ...

أما الدين، فيجب كتابته بحضور الشهود (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) لسببين اثنين على الأقل:

- الاتفاق المسبق بين الطرفين على الأجل المسمى

- تحديد كمية الفائدة التي سيجنيها صاحب المال كما أملاها من كان عليه الحق.

باب وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ

السؤال: لم يجب أن تكون عملية كتابة الدين من قبل الكاتب بالعدل؟ لم لا يكتبه صاحب المال الدائن؟ ولم لا يكتبه المدين؟ ما أهمية وجود طرف ثالث يتولى كتابة الدين بيمينه؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك (ربما مخطئين) هو انتفاء حصول الريبة مادام أن الذي كتب الدين هو كاتب بالعدل، قال تعالى:

وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)

فلو كان الذي خط عقد الدين بيمينه هو أحد طرفي العقد (الدائن أو المدين)، لربما حصل في ذلك ريبة عند الطرف الآخر. وهنا يأتي دور محلل الخطوط في النزاعات. فمادام أن عقد الدين قد خط بيمين طرف ثالث (وهو الكاتب بالعدل)، فيستحيل أن تحصل الريبة من قبل أي طرف (الدائن أو المدين)، فتنتفي احتمالية التلاعب بالعقد من قبل أي طرف بالإضافة أو الحذف أو التزوير، لاسيما أن العقد مسمى لأجل بعينه، فقد يكون هذا الأجل بعيدا. فمن يدري ما يمكن أن تصبح عليه نفوس العباد بعد فترة طويلة من الزمن. كما ينفي احتمالية التلاعب بالعقد من أي طرف في حالة الوفاة لأحد طرفي العقد أو كلاهما. 

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن الضامن لاستبعاد احتمالية التلاعب بالعقد المكتوب بين الطرفين هو كتابة هذا العقد من طرف ثالث هو الكاتب بالعدل، بالإضافة لوجود الشهود على ذلك العقد.

السؤال: لماذا يسمى هذا الذي يكتب عقد الدين كاتب بالعدل؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن سبب تسميته بالكاتب بالعدل هو أنه الشخص الذي يحكم بين الطرفين بالعدل، فيكون ضامنا بأن لا يحصل البغاء من طرف على الطرف الآخر، قال تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)

فهذا الكاتب مخول بأن يحكم بالعدل، فلا يحصل البغاء من طرف على الطرف الآخر

وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)

والعدل يقتضي عدم المحاباة حتى لو كان الشخص من الأقربين:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)


فكاتب العدل لا يتبع الهوى، وهو الذي لا يجرمنه شنآن القوم أن يعدل، فلا يلوي ولا يعرض.

السؤال: كيف يمكن لكاتب العدل أن يحكم بين الطرفين بالعدل؟ وكيف يمكن لكاتب العدل أن يصلح بين الطرفين بالعدل لو حصلت الخصومة بينهما؟
رأينا المفترى: بالشهود

السؤال: وكيف يحكم الكاتب بين الطرفين بالعدل بالشهود؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الإجابة على هذا التساؤل يتطلب بداية الوقوف على الفرق بين الشاهد من جهة والشهيد من جهة أخرى. فكلا لمفردتين وردتا في النص القرآني، فمفردة الشاهد وردت في كتاب الله في السياقات القرآنية التالية:

رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81)

وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)

قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113)

مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)

أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)

قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56)


وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)

وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)

أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150)

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)

إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)

وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)


ووردت مفردة الشهيد في السياقات التالية:

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ (98)

وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)

فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)

وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72)

مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)


وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)

لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا (166)

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19)

فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ (46)

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)

وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (89)


قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)

وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)

قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52)

لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ۗ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)

قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)

إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ۚ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ (47)


سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۖ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)

وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)

وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ (7)


إن أهم ما يمكن أن نطرحه هنا هو أن الله شهيد لكنه ليس شاهدا. السؤال: لماذا؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الله شهيد لأنه لا يغفل ولا يغيب. فلا يعزب عن ربك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

أما الشاهد، فليس بالضرورة أن يكون حاضرا، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى:

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)

فذلك الشاهد (نحن نتخيل) لم يكن حاضرا الموقف، وجلّ شهادته قد كانت بالخبرة. انتهى.

السؤال: ما علاقة هذا بشهداء الدين؟

جواب مفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك يعود إلى أن شهيد الدَّين يجب أن يكون حاضرا على كتابته. انتهى.

السؤال: لماذا يجب حضور الشهيدين؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن شهداء الدَّين يجب أن يكون لهم دور في تحديد كمية الفائدة من الدين. فكاتب العدل يستعين بهؤلاء الشهداء لتحديد كمية الفائدة حتى لا يحصل الظلم لأي طرف من الأطراف. وهنا يصبح الكاتب كاتبا بالعدل، لأنه يعدل بين الطرفين، فلا يظلم طرف على حساب الطرف الآخر. فلو كانت مهمة الكاتب هي الكتابة فقط لكان أسمه كاتبا وكفى، لكنه هو كاتب بالعدل لأنه يحكم بينهما بالعدل:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (76)

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)

وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)


(وسنتابع النقاش في ذلك لاحقا بحول الله وتوفيقه)

باب فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ

افترينا الظن في الجزء السابق من هذه المقالة بأن الذي يجب أن يملّ الدين هو الذي عليه الحق، وكان هذا – برأينا- هو الحد الفاصل في أن تكون المعاملة المالية دينا مشرّعا أو ربا محرّما. فإذا كان صاحب المال هو الذي يضع الشروط، فإن ذلك يصبح ربا محرما، وذلك لأن الظلم سيحصل لا محالة في المعاملة المالية، وسيكون المستدين هو الذي يقع عليه الظلم مقابل الفائدة الكبيرة التي سيضمنها صاحب المال لنفسه. فيصبح الهدف هو الربا وليس البيع، قال تعالى:

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)

إن الهدف من الدين هو البيع، وذلك بإنشاء تجارة يتحصل من ورائها ربحا حلالا لكل الأطراف. أما الربا، فهو محرم لأن الفائدة لن تكون إلا لصاحب المال، فيضمن بذلك تكدس الثروة بيد حفنة من الأغنياء:

مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)

لكن إذا كان الذي يملّ الشروط هو المدين (من عليه الحق)، فإن ذلك يصبح دينا مشرعا، لأن المدين هو الأعلم بظروف تلك التجارة المتوقع إنشائها، وبهامش الربح الممكن أن يتحصل من ورائها، وبالفترة الزمنية اللازمة لسداد الدين، فلا يظلم نفسه ولا يظلم غيره خاصة بوجود الشهود على الدين، وفي الوقت ذاته، فهو مطالب أن لا يبخس الناس أشيائهم، لذا عليه أن لا يبخس من الدَّين شيئا مادام أنه متق لله:

... وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ...

وهنا تبرز التساؤلات المثيرة التالية:

- كيف يمكن أن يكون الذي عليه الحق سفيها؟ 

- وكيف يمكن أن يكون ضعيفا؟ 

- وكيف يمكن أن يكون من الذين لا يستطيعون أن يملّوا؟

نحن نجد أن الآية الكريمة تحدّد ثلاث حالات يتعذر حينها أن يكون الذي عليه الحق هو الذي يملّ الدين، وينتقل الأمر إلى وليّه. فكيف يكون ذلك؟


باب: من كان سفيها

لو تفقدنا مفردة السفيه ومشتقاتها في النص القرآني على مساحته، لوجدنا أن لها علاقة مباشرة بالعقيدة، قال تعالى:

وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)

فالذي يرغب عن ملة إبراهيم ولا يرضى بها، فهو إذن شخص قد سفه نفسه، وهذا هو ديدن الذي لا يؤمنون بما شرعه الله، قال تعالى:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13)

سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ۚ قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142)

وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا ۖ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)


ولعل إبليس هو سفيه الجن الأول، وذلك لأنه فسق عن أمر ربه:

وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)

ولعل السفهاء هم الذين ينقصهم العلم الحقيقي:

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ ۚ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)

وهؤلاء هم الذين أرشدنا الله بأن لا نؤتيهم أموالنا:

وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (5)

السؤال: إذا كان الله قد أمرنا أن لا نؤتي السفهاء أموالنا، فكيف يمكن أن نعطيهم الدَّين؟ 

جواب مفترى: نحن ننفي جملة وتفصيلا أن يعطى السفهاء المال بما في ذلك الدَّين إطلاقا. 

سؤال: لكن آية الدَّين تجيز إعطاء السفيه المال، فهل في ذلك شك؟

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

السؤال مرة أخرى: ألا تشير الآية الكريمة إلى احتمالية أن يكون المدين سفيها؟

جواب مفترى: نعم؟

السؤال: فكيف إذن تزعم أنه لا يجوز أن نعطيه المال (كدين مثلا)؟

رأينا المفترى: عندما لا يكون الذي عليه الحق سفيها، فلا يتوجب وجود الولي له، ويكتفى بوجود الكاتب بالعدل والشهداء، أليس كذلك؟

لكن - بالمقابل - عندما يكون الذي عليه الحق سفيها، فلابد من وجود الوليّ (وهو ما نسميه بمفرداتنا الدارجة بالكفيل). لذا فإن المال الذي يعطى للسفيه هو أصلا يعطى لولي السفيه (وهو المتكفل بشروط عقد الدين) وليس للسفيه نفسه. انتهى.

نتيجة المفتراة: يكون المتكفل بالدين (في حالة أن يكون الذي عليه الحق سفيها) هو الولي، فهو الذي يملّ الدين، وذلك لأنه هو الذي يجب عليه الإيفاء به في حينه. 

نتيجة مفتراة: لا يؤتى المال للسفيه إلا في حالة وجود الولي له، وهذا الوليّ هو الذي يرضى بأن يلتزم بشروط العقد. انتهى.

السؤال: كيف يمكن فهم هذا على أرض الواقع؟

رأينا المفترى: عندما يكون طالب الدين سفيها، فهو إذن من الذين لا يحسنون التصرف بالمال، لذا وجب في هذه الحالة أن لا يعطى هذا الشخص (من عرف أنه سفيها) الدين إلا في حالة واحدة ألا وهي وجود الوليّ له الذي يرضى بأن يلتزم بشروط عقد الدين المبرمة بين الطرفين، كما يملها هذا الولي بنفسه، فيكتبها الكاتب بالعدل ويشهد على ذلك الشهداء. والسبب في ذلك هو ضمان حق صاحب المال في استرداد ماله مزيدا غير منقوص، ففي حالة أن يعجز السفيه عن السداد بنفسه، فإن ذلك يقع على الفور على عاتق الوليّ، وذلك لأنه رضي بأن يقوم مقام المدين (السفيه)، فيفي بالالتزامات المترتبة على صاحبه. 

ولا تقتصر الولاية (أي وجود الوليّ) على السفيه، وإنما تتعدى لمن كان ضعيفا، ولمن كان لا يستطيع أن يمل أيضا. ليكون السؤال الآن هو: من هو الضعيف؟ وما هو الضعف هنا؟ ولم يجب أن يكون للضعيف وليّا في حالة طلبه للدين؟

باب الضعف

مادام أن الولي هو الذي يكون متكفلا بالدين في حالة أن يكون الذي عليه الحق ضعيفا، فإنه يتوجب علينا أن نفهم كيفية ذلك. لذا، علينا أن نبدأ النبش في معنى مفردة الضعيف ومشتقاتها في النص القرآني على مساحته، قال تعالى:

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)

وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ (47)

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (21)

الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)


لو تدبرنا هذه الآيات الكريمة، لربما وجدنا أن الضعف يتولد (نحن نرى) من حالتين اثنتين، الحالة الأولى هي الضعف الجسمي، قال تعالى:

أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)


فالبنية الجسدية تتسم بالضعف في مرحلة الولادة حتى مرحلة ما قبل بلوغ الأشد، وهذا ما نسميه نحن بالضعف الفردي.

أما الحالة الثانية للضعف فتحصل (برأينا) في حالة قلة العدد، قال تعالى:

الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)

فعندما تواجه فئة قليلة فئة كثيرة، فإن من أهم سمات الفئة القليلة هو الضعف، وهذا ما نسميه نحن بالضعف الجماعي.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن الفرد بذاته قد يكون ضعيفا (لضعف بنيته الجسدية) وقد يكون ضعيفا (بسبب قلة عدد من هم حوله ليساندوه).

ولو تفقدنا النص القرآني عن مفردة ضَعِيفًا على وجه التحديد، لما وجدناها قد وردت إلا في السياقات القرآنية التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)
الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)


ولو تدبرنا الآية الكريمة الأخيرة الخاصة بشعيب (كشخص)، لوجدنا أن القوم من حوله ينعتونه بالضعف، فيكون السؤال الحتمي هو: كيف كان شعيب ضعيفا فيهم؟ وهل كان ضعف شعيب هو ضعف فردي جسمي أم كان ضعفه جماعي بسبب قلة عدد من هم حوله؟

رأينا المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن شعيبا كان فيه ضعف فردي جسدي كما كان فيه أيضا ضعف جماعي لقلة عدد من حوله ليساندوه ويشدوا من أزره، وذلك لسببين اثنين على الأقل، هما:

أولا، لم يكن الذين حول شعيب (المناصرون له) أكثر من رهط. وانظر الآية الكريمة عزيزي القارئ – إن شئت- مرة أخرى:

قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)

ولا شك عندنا أن الرهط هم مجموعة قليلة في العدد بدليل قوله تعالى:

وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)

أما الدليل الثاني على ضعف شعيب فيأتي من الحقيقة الماثلة في الآيات الكريمة كما جاءت على لسان ابنتيه اللتين سقا لهما موسى يوم أن ورد ماء مدين:

وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)

منطقنا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن بأنه لو لم يكن شعيب ضعيفا، لما كان أصلا بحاجة أن يجعل بناته هن من يقمن على سقاية الماشية ورعايتها، فهو الآن شيخ كبير كما جاء على لسان إحداهن:

قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)

فمادام شعيب قد أصبح الآن شيخا كبيرا، فهو من رُدّ الآن إلى مرحلة الضعف والشيبة بعد مرحلة القوة:

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)

هذا بالنسبة لضعف بنية شعيب الجسدية الفردية الآن، أما بالنسبة لضعفه الجماعي، فنحن نرى بأنه لو كان حول شعيب ما يكفي من الرجال الأقوياء ليعينوه على أعباء الحياة اليومية على الأقل، لما تركوا بنات نبيهم يقومون بهذه المهمة بأنفسهن. فقد كان من حوله أمة يقومون بفعل السقاية ولا يتركون المجال لبنات شعيب إلا من بعد أن ينتهوا من سقايتهم لمواشيهم الخاصة بهم. والأهم من ذلك أنهم لم يكونوا يقومون بفعل السقاية لبنات شعيب حتى بعد أن ينهوا سقاية مواشيهم. وانظر عزيزي القارئ - إن شئت- في النص نفسه مرة أخرى:

وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)

ولا تتوقف الحجة عند هذا الحد، فنحن نظن (ربما مخطئين) بأنه لو كان حول شعيب من يعينه على تلك المسؤولية، لما دعته الحاجة أن يطلب من موسى إجارته ثمان حجج مقابل أن ينكحه إحدى أبنتيه:

قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)

فقد وجدت إحدى ابنتي الرجل (وهن الأدرى بظروف أبيهم المعيشية) في موسى الرجل القوي الأمين المؤهل لأن يتحمل المسؤولية عن كاهل الشيخ الكبير:

قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)

فشعيب (الضعيف في قومه) يحتاج إلى من هو قوي (كموسى) ليسانده على تحمل أعباء الحياة. فلقد وجد شعيب (الشيخ الكبير) ضالته المفقودة (القوة) في موسى الشاب القوي.

ولتوضيح ماهية الضعف أكثر، دعنا نتدبر الآية الكريمة التالية التي تصور لنا هارون ضعيفا في قوم موسى بعد أن استخلفه فيهم:

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)

السؤال: كيف استضعف القوم هارون؟

رأينا المفترى: تعرضنا لهذه الجزئية في مقالة سابقة لنا، وزعمنا الظن من عند أنفسنا (ربما مخطئين) بأن هارون كان من آل فرعون لأنه أخ لموسى من أمه بدليل قوله له في أكثر من موضع في كتاب الله (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ). لذا لمّا وجد هارون نفسه محاطا بالعدد الهائل من بني إسرائيل (قوم موسى)، أصبح فيهم ضعيفا لا يستطيع أن يدفع أذاهم عن نفسه، فسكت على ما فعلوا حتى رجع إليهم موسى. (للتفصيل انظر المقالات السابقة كقصة موسى وباب السامري وقصة يونس).

السؤال: ما علاقة هذا بالضعيف الذي يجب أن يكون له وليا في حالة طلبه الدين كما جاء في آية الدين (محور الدراسة هنا) نفسها:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

رأينا المفترى من عند أنفسنا: غالبا ما يكون طالب الدين قد بلغ أشده، ملي ماليا بنفسه، يستطيع أن يسدّ دينه، وذلك لتنوع مصادر الدخل عنده، فهو إذن غير ضعيف لأنه ربما قوي بأمواله المنقولة وغير المنقولة، وربما يكون مسنودا كذلك من قبل من هم حوله من الأهل والأقارب، فهو يكون (بمفرداتنا الدارجة) ملي ماليّا ليس فقط بذاته، وإنما كذلك بمن هم حوله. فمن غير المنطقي أن يقع شخص ذو مكانة في قومه وأهله بالدين ويعجز عن الإيفاء بالتزاماته، ثم لا تجد أن أهله من حوله يساندوه على الإيفاء بالتزاماته المادية. فالأب عادة يتكفل بولده، والولد يتكفل بوالده، والإخوة غالبا ما يكونون عصبة يشد بعضهم أزر بعض. لذا يكون صاحب المال (الدائن) مرتاح لا يخشى أن يضيع ماله مادام أنّ طالب الدين مسنودا من أهله وعشيرته الأقربين (أي ملي ماليا). فهو قد لا يحتاج في هذه الحالة إلى ولي ليتكفل سداد الدين عنه في حالة عجزه عن السداد بنفسه، لأن المدين لديه من الأموال المنقولة وغير المنقولة ما يضمن سداد الدين في أجله ليس بقط كفاءته المالية الفردية وإنما بمساندة أهله من حوله له.

أما إذا وجد صاحب المال أن الشخص طالب الدين ضعيفا (لا يسنده أحد من أهله من حوله)، فإن من دواعي ضمان سداد الدين أن يطلب صاحب المال وليا ليتكفل هو بنفسه الإيفاء بالتزامات هذا الضعيف المالية في حالة عجزه عن القيام بذلك بنفسه.

باب لا يستطيع أن يمل هو

أما الحالة الثالثة التي تستوجب وجود الولي لصاحب الدين فهي أن يكون هذا المدين لا يستطيع أن يمل هو. ليكون السؤال الآن هو: كيف يمكن أن نفهم ذلك؟ ما معنى أن يكون المدين غير مستطيع أن يمل هو؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نجد أن مفردة الاستطاعة قد وردت في السياقات القرآنية التالية:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)

فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)

فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)

وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)

فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (45)

لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)

إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112)

وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192)


وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (197)

أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)

وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)

انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)

الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)

بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ (40)

أَمْ لَهُمْ آلِهَ
ةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا ۚ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ (43)

انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)

وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211)

فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)

لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ (75)

يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)

وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)

أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)

قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)

قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)

قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78)

فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا ۚ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19)


السؤال: ما هي الاستطاعة؟

جواب مفترى: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الاستطاعة تعني توافر الإمكانات اللازمة لتنفيذ الأمر على أرض الواقع بالطريقة الشرعية. انتهى.

فالكفار يحاولون قتال المؤمنين وردهم عن دينهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)

فما الذي يمنعهم عن تنفيذ هدفهم هذا؟

جواب مفترى: الاستطاعة، أي ما توافر لهم من إمكانات لتحقيق ذلك على أرض الواقع. فلو توافرت الاستطاعة الكاملة عندهم، لما ترددوا لحظة عن رد المؤمنين عن إيمانهم.

ولو تفقدنا الآية الكريمة التالية:

وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)

لوجدنا أن الذي يمنعنا عن العدل بين النساء هو الاستطاعة.

السؤال: ما معنى أن يكون طالب الدين لا يستطيع أن يمل هو؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن طالب الدين قد لا يكون مستطيعا لأنه لا يملك الإمكانات اللازمة التي تضمن الإيفاء بالدين في أجله. وهذا ما نسميه بمفرداتنا الدارجة (المدين غير الملي ماليا). فلا أخال أن يأتيك شخص ليس لديه الخبرة الكافية لتنمية المال، ولا يملك من المقومات المالية ما قد يساعده على الإيفاء بالدين بنفسه، ثم تقوم بإعطائه المال لينشئ بذلك تجارة جديدة ربما لا تكون موثوقة النتائج. ففي هذه الحالة لا يعذر صاحب المال أن لا يطلب وليا يتكفل هو بنفسه بالإيفاء بالتزامات عقد الدين بين الطرفين.

والجدول التالي يلخص الحالات التي تستوجب طلب الولي لطالب الدين:
 
أن يكون سفيها
لا يحسن التصرف بالمال
أن يكون ضعيفا
لا يوجد من يسانده من أهله
لا يستطيع أن يمل هو
ليس لديه الملاءة المالية بنفسه

وربما يؤكد افتراءاتنا هذه ما جاء في الآية التي تلي مباشرة آية الدين نفسها. فانظر عزيزي القارئ – إن شئت- الآيتين معا: 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)


فلو تدبرنا الآية الثاني، لوجدنا أنها تصور لنا حالة من حالات الدين وهي السفر، وهذه الحالة هي التي قد تعذر فيها وجود الكاتب بالعدل، نجد كذلك غيابا للشهود وغيابا للولي، ويسد محل هذا كله الرهان المقبوضة. ليكون السؤال: لماذا؟ 

رأينا المفترى: نحن نظن أن من أهم شروط وقوع الدين هو القدرة على سداده في أجله المسمى. لذا جاءت الشروط السابقة في آية الدين تبين كيفية إنشاء عقد الدين في الحالة العادية (أي في الحضر)، وهي الحالة الأكثر شيوعا. لكن الشارع الكريم الذي أحاط بكل شيء علما، وفصل كل شيء تفصيلا، لم يدع الاستثناءات الممكنة حتى يتم معالجة الأمر من جميع جوانبه الممكنة، فأفرد الحالة الاستثنائية وهي احتمالية وقوع الدين في حالة السفر. وفي هذه الحالة، قد لا يتأتى وجود الكاتب بالعدل والشهود والولي، لذا كان لابد من تبيان كيفية ضمان سداد الدين في أجله المسمى لمن كان على سفر (أي خارج أرضه وبلده وأهله). ولا يمكن في هذه الحالة أن يتم عقد الدين إلا بشرط واحد وهو الرهان المقبوضة. فكيف يكون ذلك؟

مثال: تخيل أني كنت على سفر خارج بلدي وأهلي، وكنت بحاجة إلى مبلغ من المال اضطررت إلى استدانته من شخص آخر، فكيف سيضمن الدائن سداد المال المدين في أجله المسمى؟

رأينا المفترى: في هذه الحالة لا ضير أن يطلب صاحب المال (الدائن) رهان مقبوضة تواز لا بل وتزيد عن قيمة الدين المطلوب. فلو كنت بحاجة إلى عشرة الآلاف دولار، فيجب علي أن أوفر رهان (كمصاغ ذهبي مثلا) يواز في قيمته السوقية العشرة الآلاف دولار التي طلبتها من صاحب المال. وهذه الرهان المقبوضة هي التي تضمن لي أن يقوم المدين بسداد دينه في أجله المسمى.

افتراء من عند أنفسنا: لما كان صاحب المال يريد ضمان أن يسد المدين المال في أجله المسمى فلابد أن يلجأ إلى طريقة تجعل المدين ملزما بالسداد. فلو كانت القيمة السوقية للرهان المقبوضة تساوي أو ربما تقل عن قيمة الدين، فإن ذلك لن يجبر المدين على سداد الدين، لأن أصلا على سفر. فلو عاد لبلاده الأصلية، ربما لن يكون مضطرا أن يعيد المال المدين إلى صاحبه مادام أن قيمة الرهان المقبوضة تساوي أو تقل عن قيمة الدين نفسه. 

لكن بالمقابل، لو كانت قيمة الرهان المقبوضة أكثر من قيمة الدين، فإن هذا سيشكل عامل ملزما للمدين أن لا يتلكأ عن سداد ما عليه من التزامات مالية لصاحب المال في حينه، لأن ذلك يعني له خسارة كبيرة تفوق ما أخذه من مال. ولتوضيح الصورة أكثر، دعنا نتخيل المثال السابق نفسه. فلو أخذت منك دينا بقيمة عشرة الآلاف دولار، وقدمت لك رهان مقبوضة بقيمة خمسة عشر ألف دولار، فإني لن أحاول اللف والدوران والتلكؤ عن سداد الدين، لأني كصاحب المال أملك في يدي رهان تفوق في قيمتها السوقية ما أخذته مني من مال. لذا ستحاول أنت كمدين أن تعيد المال في أجله المسمى حفاظا على رهانك التي قبضتها أنا لضمانة لسداد الدين من طرفك أنت كمدين. 

نتيجة مفتراة: الرهان المقبوضة هي الضمان الذي يسد محل الكاتب بالعدل والشهود والولي. انتهى.

ولو تفقدنا الآية الكريمة نفسها، لوجدنا أنها تحث على أداء الأمانة:

وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)

السؤال: لماذا؟

رأينا: نحن نظن أن الرهان المقبوضة هي التي أصبحت أمانة في يد الدائن، وعلى هذا الشخص أن لا تسول له نفسه أن لا يرد هذه الأمانة (الرهان المقبوضة) متى ما تحصل على ماله من المدين صاحب الرهان المقبوضة. فقد تسول لمن كانت نفسه مريضة أن يطمع في تلك الرهان المقبوضة (التي أصبحت في يده أمانة) أن لا يردها إلى صاحبها مادامت قيمتها السوقية تفوق قيمة الدين نفسه. لهذا جاء الحث في الآية نفسها على أداء الأمانة (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) وعلى التقوى (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ). 

ولضمان أداء الأمانة، جاءت الشهادة لتكون حاضرة في المشهد (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ). لذا، فإن الشرط الوحيد هنا (نحن نفتري الظن) هو تقديم الرهان المقبوضة على الملأ، أي لابد من حضور الناس في حالة أخذ الدين وتقديم الرهان من أجل إقامة الشهادة على الطرفين. ولو دققنا في الآية أكثر، لما وجدنا وجود شهيدين ولكننا نجد الشهادة فقط، ليكون السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: مادام أن الدَّين لم يكتبه كاتب بالعدل، فإن من الواجب حضور أكبر عدد من الناس ليشهدوا عملية تبادل الدين بالرهان المقبوضة، وهنا جاء الأمر الإلهي بأن يشهد هؤلاء جميعا إذا ما دعوا إلى الشهادة، ولا يحق لأحد ممن حضر عملية التبادل هذه أن يكتم الشهادة (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ)، لأن النتيجة الحتمية هي على نحو أن من يكتم الشهادة، فإن قلبه آثم (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ).

باب شهداء للدين

لو دققنا في آية الدين الذي يكتبه كاتب بالعدل، لوجدنا أن من شروط إتمام عقد الدين على الوجه الأكمل هو وجود شهيدين على نحو أن يكونا رجلين أو رجل وامرأتان

... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ...

ليكون السؤال المطروح على الفور هو: لماذا؟ لم يتوجب وجود الشهداء مادام كتابة عقد الدين قد تمت من قبل الكاتب بالعدل، وبحضور الدائن والمدين (والولي في الحالات الواجب فيه حضور هذا الولي)؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن واحدة من مهمة الشهداء الذين يحضرون كتابة الدين هو 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

رأينا المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) أن مشروعية وجود الشهيدين ليس فقط حضورهم على العقد لمعرفة تفاصيله وبالتالي الشهادة بالعين المجردة، ولكن أيضا لضمان عدم وقوع ظلم من طرف على طرف. فالشهود يشهدون بخبرتهم بأن شروط العقد غير مجحفة بحق طرف على حساب الطرف الآخر، فإذا ما طلب صاحب المال زيادة أكثر مما يجب، كان الشهود له بالمرصاد، حتى لا يقع الربا، وإذا ما بخس المدين من الدين شيئا، كانوا هم الضمانة الحقيقية بأن هذا ظلم لصاحب المال. فهم بمثابة الميزان الذي لا يدع كفة ترجح على الكفة الأخرى. لذا جاء النص الإلهي ليبين لنا الشرط الواجب توافره فيمن تقبل شهادتهم في هذه الحالة، وهو قوله تعالى (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)، ولو دققنا في مفردة ترضون على وجه التحديد، لوجدنا بأنها تتطلب عقد مقارنة بين طرفين، كما جاء في الآية الكريمة التالية:

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)

ففي الطرف الأول هناك آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ وفي الطرف الثاني هناك اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ وعملية الرضا لا تتم إلا بعد موازنة هذه بتلك. فهناك من يقدم الأولى على الثانية وهناك من يفضل الثانية على الأولى، وهذا لا يتم إلا بأن يرضى الشخص بواحدة على حساب الأخرى.

السؤال: لم يجب أن يكون الشهداء ممن يرضى به أطراف عقد الدين (الدائن والمدين)؟

لو تدبرنا الحالات التي يجب توافر الشهداء فيها، لوجدنا أنها غير مشروطة برضا الأطراف كحالة الشهادة على الإفك:

لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)

أو حادثة رمي المحصنات:

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)

فلب القول هنا أن الشهادة تجوز من أي شخص ولا داع لتوافر عامل الرضا من أي طرف من الأطراف.

السؤال: لم إذن يشترط وجود عامل الرضا في شهادة الدين؟

رأينا المفترى: لو أن الشهادة هنا مقتصرة فقط على الرؤيا بالعين المجردة، لجاء النص على نحو (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) وكفى، ولما دعت الحاجة إلى أن تأتي عبارة (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)، ويصبح النص القرآني على النحو التالي:

... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ...

ولكن لما كان الشهود هم بمثابة العامل المثبت لموازين العقد حتى لا يقع الظلم من طرف على طرف آخر كان لابد أن يكون حضور الشهداء برضا أطراف الدين. فعند إبرام عقد الدين، يقوم الكاتب بالعدل المكل بكتابة العقد بسؤال طرفي العقد عن رضاهم بالشهود الحاضرين، فإن قبل الطرفان بالشهود، وجب على الكاتب بالعدل أن يأخذ برأي الشهود في بنود الاتفاق. فإن وجد الكاتب بالعدل أن الشهود يقبلان الشهادة على العقد، ظانين أنه قد تم إبرامه بطريقة شرعية، فإن هؤلاء الشهود هم فقط الواجب دعوتهم للشهادة في حالة حصول خلاف بين الطرفين لاحقا. فحتى لو حضر أناس كثيرون عملية إبرام عقد الدين، فإن المحكمة لا تستدعي كل من كان حاضرا إبرام ذلك العقد في حينه، ولكنها تستدعي فقط الشهود اللذين رضي الطرفان بهما. وهذا بخلاف حالة الرهان المقبوضة في حالة السفر، حيث يمكن لكل من حضر الواقعة أن يشهد بذلك سواء رضي الأطراف بهما أم لم يرضيا بهما. ففي حالة الرهان المقبوضة، لا يحق لم دعي للشهادة أن يكتمهما لأنه حينئذ يكون قلبه آثم:

وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)

وفي هذه الحالة فإن الآيات الكريمة تكون هي الحكم على جميع الشهود الذين حضروا عملية مقايضة الدين بالرهان المقبوضة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)


فكل من حضر الشهادة عليه أن يشهد بالقسط حتى ولو على أنفسهم أو الوالدين أو الأقربين، وعليه أن يشهد فلا يجرمنه شنآن القوم، ولا يحق لهؤلاء الشهداء الحاضرين أن يتبعوا الهوى أن يعدلوا أو أن يلووا أو أن يعرضوا. فأنت كشهيد حاضر للواقعة ملزم بالشهادة ولا يحق لك أن تتعذر بأي سبب أن لا تشهد. 

باب الرجلين أو الرجل وامرأتين

السؤال: لم يجب أن يكون شهيدا رجلين أو رجل وامرأتين؟

رأينا المفترى 1: يمكن أن يكون شهيدا الدين رجلين

رأينا المفترى 2: يمكن أن يكون شهيدا الدين رجل وامرأتين

رأينا المفترى 3: لا يمكن أن يكون شهيدا الدين أربعة من النساء

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: لابد من وجود رجل واحد على الأقل في شهادة الدين كما في الجدولين التوضيحين التاليين:

شهيد 1
شهيد 2
رجل
رجل


شهيد 1
شهيد 2
رجل
امرأتان

لكن يستحيل أن يكون على النحو التالي:

شهيد 1
شهيد 2
امرأتان
امرأتان

السؤال: لماذا؟

جواب مفترى: نحن نفتري الظن بأن القاعدة الموجهة لهنا في هذا الصدد هو قوله تعالى:

يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ...

فكما تنطبق هذه السنة الإلهية (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) في الميراث، فهي تنطبق كذلك (نحن نظن) في حالة الشهادة وغيرها. لكن يبقى هنا تساؤلين أثنين لابد من التعرض لهما:

السؤال الأول: لم يجب وجود الرجل (على الأقل رجل واحد) في الشهادة على الدين، ولا يجوز أن يكون جميع الشهود من النساء كما نفتري الظن من عند أنفسنا؟

... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ...

السؤال الثاني: لم جاءت الضلالة خاصة في حالة النساء فقط (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ

وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ

أليس من الممكن أن يضل الرجل، فيذكر أحداهما الآخر؟ لم اقتصرت الضلالة على النساء، فجاء النص ليبين أن أحداهما يمكن أن تظل، فيكون دور إحداهما أن تذكّر الأخرى؟

رأينا المفترى: إنّ هذا الطرح المفترى من عند أنفسنا يدعونا على الفور إلى فتح ملف الضلالة برمته، محاولين أن نفهم (بإذن الله وحده) ماهيتها وكيفية حدوثها، فالله وحده نسأل أن يهدينا رشدنا وأن يعلمنا ما لم نكن نعلم، ونعوذ به أن نفتري عليه الكذب أو أن نقول عليه ما ليس لنا بحق، إنه هو السميع العليم – آمين.

أما بعد،

باب الضلالة

دعنا نبدأ النقاش في هذا الباب بالافتراء الخطير جدا جدا التالي الذي هو لا شك من عند أنفسنا: نحن نفتري القول بأن فعل الضلالة يمكن أن يقع فيه النساء لكن يستحيل أن يقع فيه الرجال. انتهى.

السؤال: وكيف ذلك؟ هل أنت بكامل قواك العقلية يا رجل؟ أليس فعل الضلالة عام شامل للجميع؟ ألا تدل الآيات الكريمة على أن الجميع (سوءا كانوا رجالا أو نساء) يمكن أن يضلوا؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: كلا وألف كلا. نحن نعاود القول بأن فعل الضلالة لا يمكن أن يحدث للرجال ولكن يمكن أن تقع فيه النساء،

السؤال: ما الدليل الذي يمكن جلبه لإثبات هذا الافتراء ربما غير المسبوق؟ يسأل صاحبنا مستغربا

رأينا المفترى: نحن نظن أنه من أجل إثبات هذا الظن فإنه يتوجب علينا بداية أن نفهم ماهية الضلالة التي نتحدث عنها، والتي يمكن أن تقع فيها النساء ولا يقع فيها الرجال.

أما بعد،

لنبدأ جلب الدليل على هذا الافتراء بمناقشة بعض ما جاء في الآية الكريمة التالية:
وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)

في هذا السياق القرآني نجد موسى وقد وصل إلى ماء مدين ليجد هناك امرأتين تذودان، فما كان من موسى إلى أن استغرب سبب عدم سقايتهما وابتعادهما عن القوم، فطرح عليهن السؤال التالي: قَالَ مَا خَطْبُكُمَا؟

فجاء الرد منهما على الفور على النحو التالي: قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ

وهنا نود أن نطرح التساؤل الغريب جدا التالي: كيف جاء ردهما بصيغة المثنى: قَالَتَا؟ من التي ردت منهن على سؤال موسى؟

جواب مفترى: نحن نظن أن كلاهما ردت على سؤال موسى؟

السؤال: وكيف ذلك؟ هل ردتا معا وكأنهما يحفظن الإجابة عن ظهر قلب وينطقن بها ويكأنها قصيدة شعرية؟

جواب مفترى: كلا، لم ينطقن بالإجابة معا.

السؤال: وكيف إذن قَالَتَا؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: لو دققنا في رد المرأتين، لوجدنا أنهما معلومتان اثنتان يمكن قسمتهما على النحو التالي:

... لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء

... وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ


ونحن نفتري الظن بأن المعلومة الأولى (لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء) قالتها المرأة الأولى، ثم تابعت المرأة الأخرى الكلام فنطقت بالمعلومة الثانية (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) كما في الشكل التوضيحي التالي:

المرأة الأولى
لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء
المرأة الثانية
وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ

السؤال: ما الذي يمكن أن نستفيده من ذلك؟

رأينا المفترى: بمثل هذا الفهم، ربما يحق لنا أن نقول أن أحد المرأتين لم تعط المعلومة كاملة، فما كان من الأخرى إلا أن تذكر أختها بالمعلومة الأخرى. فاكتملت المعلومة بمشاركة المرأتين معا على النحو التالي:

... قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما ورد موسى ماء مدين، وجد امرأتين تذودان، فما كان من موسى إلا أن توجه إليهما بالسؤال: قَالَ مَا خَطْبُكُمَا؟ فردت الأولى (وأظنها الكبرى منهما) قائلة (لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء)، ولم تزد على ذلك.

السؤال: لماذا توقف هذه المرأة عند هذا الحد؟ لم لم تكمل هذه المرأة المعلومة الأخرى بنفسها؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن السبب الذي منعها عن إعطاء المعلومة الأخرى هو الحياء.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الحياء قد اعترى هذه المرأة لأن شيئا من حب موسى قد وقع في قلبها، فسبب لها الإرباك، فما أرادت أن تكمل الحديث مع موسى لخجلها، فهذه المرأة (نحن لازلنا نتخيل) هي التي جاءت موسى لاحقا على استحياء لتدعوه إلى بيت أبيها:

فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)

وهي نفسها التي طلبت من أبيها استئجار موسى:

قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)

أي هي التي طلبت من أبيها أن ينكحها موسى، فما خفي ذلك على أبيها، فتوجه إلى موسى بالقول:

قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)

(للتفصيل حول هذه القضية، انظر مقالاتنا السابقة)

أما ما نود قوله هنا هو أن الحياء هي الصفة التي سيطرت على هذه المرأة بوجود موسى، وما كان ذلك (نحن نتخيل) إلا لحب وقع في قلبها لموسى منذ أن رأته لأول مرة (حب من أول نظرة). فعندما تكون المرأة (نحن نجزم الظن) في حضرة الرجل الذي وقع في قلبها حب له حتى تكون غاية في الارتباك، فتحاول اختصار الحديث للحرج والرهبة من الموقف. فالمرأة وإن كانت لا تستطيع أن تخفي مشاعرها كليا، فتظهر أعراضها بطريقة غير مباشرة عليها، إلا أنها تكون حريصة كل الحرص أن لا تبدي تلك المشاعر بطريقة مباشرة وعلانية أمام من قد وقع في نفسها شيء من الحب لذلك الرجل الذي يقف أمامها. فالمرأة الأولى التي خاطبت موسى قائلة على عجل وباختصار شديد (لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء)، قد قالت ذلك بلهجة المرتبكة التي تحاول إخفاء مشاعرها تجاه هذا الرجل قوي البنية ومليح الشكل الذي يقف أمامها، وهو ما صرحت به لأبيها لاحقا:
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)

لكن المرأة الأخرى التي لم يقع شيء من حب موسى في قلبها (والتي لا شك لاحظت مشاعر أختها تجاه الرجل حينئذ) كانت أكثر جراءة على الطلب من موسى أن يساعدهما في سقاية الماشية، فجاء ردها على النحو التالي:

... وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ

ويكأنها تقول لموسى (نحن نفهم ربما مخطئين) أننا بحاجة للمساعدة (لأن أبينا شيخ كبير) ولا يوجد من يعيننا على هذه المهمة، فهلا فعلت ذلك شاكرين ومقدرين؟

السؤال: لماذا جاءت هذه المرأة على ذكر أبيها هنا؟ وهل سألها موسى عنه؟ وهل هناك داع أصلا لذكر شيء عن أبيهما في مثل هذا الموقف؟

رأينا المفترى: لعل هذا يقع (نحن نظن) في باب كيد النساء، فالمرأة الثانية تحاول أن تجر رجل موسى إليهما، ربما لإدراكها بمشاعر أختها الأخرى تجاه الرجل. فلعلي أكاد أجزم الظن أن الهدف من كلامها لم يكن السقاية بحد ذاتها بقدر ما كان استدعاء موسى إلى بيت أبيها حتى يتسنى اللقاء مرات ومرات مع هذا الغريب الذي وقع في نفس أختها شيء من حبه.

ولا أظن أن موسى قد فاته الفهم بأن المرأتين بحاجة إلى مساعدة فورية وعاجلة، فما كان منه إلا أن شمر على الفور عن ساعديه ليسقي لهما:

فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)

فتحقق مراد المرأتين على نحو ما يرضيهن، وتابعت فصول القصة على النحو الذي جاء تبيانه في كتاب الله.

السؤال: ما علاقة هذا بقصة التذكير في حالة الدين؟

وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ

رأينا المفترى: نحن نظن أنه عندما تتواجد امرأتان، فإن المعلومة قد لا تصدر كاملة من أحدهما، فيأتي تذكير أحدهما الأخرى لإتمام المعلومة. انتهى.

السؤال: كيف نفهم ذلك في سياق الحديث عن تذكير المرأة الأولى المرأة الأخرى في حالة الشهادة للدين؟

رأينا المفترى: لو تفقدنا السياق القرآني الخاص بالشهادة نفسه، لوجدنا أن السبب في ذلك يعود إلى احتمالية وقوع فعل الضلال من قبل إحداهما، قال تعالى:

وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ

السؤال: كيف يمكن أن يقع فعل الضلال؟ وما علاقة ذلك بإتمام المعلومة من قبل المرأتين معا؟

رأينا المفترى: لا بد بداية من تسطير الافتراء الخطير جدا جدا التالي: استحالة حصول الضلال في حالة أن يكون الشهداء من الرجال، لكن هذا ممكن في حالة وجود النساء. انتهى.

السؤال: هل جننت يا رجل؟ كيف يمكن أن لا يحدث فعل الضلال في حالة أن يكون الشهيدان رجلين؟ ولم يمكن أن يحصل الضلال في حالة أن يكون أحد أطراف الشهادة امرأتين؟

رأينا المفترى: إن مثل هذا الطرح (ربما الخاطئ) يدعونا على الفور إلى محاولة تفقد ماهية فعل الضلال وكيفية وقوعه، لذا لابد أن نبدأ النبش في مفردة الضلال ومشتقاتها على مساحة النص القرآني كله، سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا وأن يعلمنا ما لم نكن نعلم، ونعوذ به أن نفتري عليه الكذب أو أن نقول عليه ما ليس لنا بحق، إنه هو السميع البصير – آمين.

أما بعد،

السؤال: ما هو الضلال؟

جواب مفترى: لو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا على الفور أنه إذا لم يتوافر البيان الواضح لنا من الله في كتابه الكريم، فإن احتمالية الضلال تكون حينئذ واردة جدا (يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ):

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)

لذا، فإن السبيل لتجنب الوقوع في الضلال هو إتباع آيات الله وعلم الكتاب والحكمة، كما بيّنها الله لنا في كتابه الكريم، قال تعالى:

لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (164)

فنحن إذا قد كنا في ضلال مبين حتى جاءنا البيان من الله بتلاوة آياتهم علينا وتعليمنا كذلك الكتاب والحكمة. فهناك إذن حالتان متناقضتان تماما: الحالة الأولى هي السابقة لتلاوة الآيات وتعليم الكتاب والحكمة (وهنا كنا لا محالة في ضلال مبين)، والحالة الثانية هي اللاحقة لتلاوة الآيات وتعليمنا الكتاب والحكمة (وهو ما أنقذنا من الضلال الذي كنا فيه من قبل).

نتيجة مفتراة مهمة جدا: نحن نحتاج لما بيّنه الله لنا حتى لا نضل، وبخلاف ذلك سنبقى في ضلال مبين.

ولو تدبرنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن حصول الضلال هو أمر وارد جدا إذا ما حصلت الفتنة:

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)

نتيجة مفتراة 2: عندما تقع الفتنة من الله (إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ)، فإن الضلال أمر وارد جدا (تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء). ولا يمكن الخروج من الضلال الذي حصل بالفتنة إلا بإتباع الآيات التي تليت علينا.

ولو تفقدنا السياق القرآني التالي، لوجدنا أن الضلالة يمكن أن تشترى:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44)

نتيجة مفتراة 3: يمكن شراء الضلالة حتى من قبل من أوتوا نصيبا من الكتاب، ولا يكون غرض هؤلاء إلا أنهم يريدوننا أن نضل السبيل.

ولو تفقدنا الآيات الكريمة التالية، لوجدنا أن الضلالة قد تقع بفعل فاعل، فالله نفسه قد يضل قوما ما:

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)

وهؤلاء قوم موسى قد أضلهم السامري:

قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)

والشيطان هو عامل فاعل في وقوع الضلال، خاصة بالوعد والأماني:

وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60)

فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30)


ويمكن أن يكون الخليل (الصاحب المقرب جدا) هو الدافع للوقوع في الضلال:

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29)

وكذلك المجرمون:

تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)

وكذلك الأصنام كما جاء على لسان إبراهيم:

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36)

ولا يجب أن نغفل بأن سبب الضلال هو الإتباع:

فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)

وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)


السؤال: كيف يمكن أن نربط ذلك بضلال النساء على وجه التحديد كما جاء في آية الدين؟

وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ

ولم لا يمكن (كما زعمت سابقا) أن يقع الرجال في الضلال؟ ربما يريد صاحبنا أن يسأل مستغربا.

رأينا المفترى الخطير جدا جدا (فلا تصدقوه) 1: نحن ننفي أن يقع الضلال من قبل الرجل وذلك لأن الرجل إذا ضل فإنما يظل على علم، ويكون قابلا لذلك من تلقاء نفسه.

رأينا المفترى الخطير جدا جدا (فلا تصدقوه) 2: نحن نظن – بالمقابل- أن المرأة قد تضل وهي غير راضية عن ذلك.

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: نحن نظن أنه لما كان الرجل يتمتع باستقلالية تامة، لذا يستحيل أن يكون هناك من يوقعه في الضلال إلا إن كان هو أصلا متقبلا لذلك، راضيا به، عندها يكون ضلاله من نفسه، فلا يمكن أن يعزى السبب إلى عامل خارجي.

الدليل

دعنا نعود إلى سياقات الضلال التي أوردناها سابقا لنناقشها من هذا المنظور، قال تعالى:

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)

السؤال: كيف يمكن أن نفهم أن الله يضل بعض الناس ويهدي بعض الناس؟ هل المسألة إذن رغبة إلهية؟ ولم أكن أنا من أضله الله وتكون أنت من هداه الله؟ أليس هذا هو الظلم بعينه؟ ألا يناقض هذا قول الله تعالى:

إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)

السؤال: كيف إذن يمكن أن نخرج من هذا المأزق الذي قد يضعنا فيه الفهم السطحي لآيات الكتاب الحكيم؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن باب الخروج من مثل هذا المأزق هو محاولة فهم الآيات الكريمة التالية:

وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93)

أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)


السؤال: كيف يجب أن نفهم ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نؤمن يقينا بأن الله لا يظلم مثقال ذرة، لذا فإن الله يضل من الناس (الرجال البالغين المكلفين) من يشاء الضلالة بنفسه (يُضِلُّ مَن يَشَاء) ويهدي من يشاء منهم الهداية بنفسه (وَيَهْدِي مَن يَشَاء)، فيستحيل إذن أن يضلك الله ما لم تكن أنت بنفسك ممن يشاءون الضلالة. فالله يضل من يشاء لعلمه بأن هذا الشخص يريد الضلالة:

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)

وهذا المنطق ينطبق كذلك على كل السياقات القرآنية التي جاءت الضلالة من مصدر خارجي، كالسامري الذي أضل قومه مثلا:

قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)

فما كان السامري يستطيع أن يضل من قوم موسى إلا من شاء الضلالة بنفسه، وإلا كيف نفهم عدم وقوع هارون في الضلالة حينئذ بالرغم أنه كان بينهم.

نتيجة مفتراة: ما أضل السامري من بني إسرائيل إلا من كان يريد الضلالة منهم.

أو كالشيطان الذي توعد الناس بالضلال:

وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60)

فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30)


فالشيطان يطلق دعوته لهم، لكنه لا يستطيع أن يضل إلا من يستجيب له:

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)

نتيجة مفتراة: ليس للشيطان سلطان إلا على من اتخذه وليا:

فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30)

نتيجة مفتراة: لا يقع في الضلالة إلا من حقت عليه، وهم الذين اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله

أو كالخليل (الصاحب المقرب جدا) الذي قد يضل صاحبه:

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29)

أو كالمجرمين الذين أضلوا من هم حولهم:

تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)

أو كالآلهة التي قد تضل المتبعين:

وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)

أو كالأصنام التي أضلت كثيرا من الناس:

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36)

السؤال المحوري: هل إذا أضلك الله، تلقي باللائمة عليه فتنجو من العقاب؟ وهل إذا أضلك الشيطان، تلقي باللائمة عليه فتنجو من العقاب؟ وهل إذا أضلك الخليل، تلقي باللائمة عليه فتنجو من العقاب؟ وهل إذا أضلك المجرمون، تلقي باللائمة عليهم فتنجو من العقاب؟ وهل إذا أضلتك الأصنام، تستطيع أن تلقي باللائمة عليها فتنجو من العقاب؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: كلا وألف كلا، إنك لا تستطيع أن تلقي باللائمة على من أضلك، لأنك ببساطة أنت من أردت الضلالة، ولو لم تكن مستعدا لذلك، قابلا لها، لما استطاعوا أن يضلوك. انتهى.

(دعاء: أعوذ بك رب أن أكون ممن يشاءون الضلالة، وأسألك وحدك أن أكون ممن يشاءون الهداية، وأدعوك أن أكون ممن أناب إليك، فهديتهم صراطك المستقيم – آمين)

السؤال: كيف يمكن أن نطبق المنطق هذا في حالة النساء؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن النساء يمكن أن يضللن لكن يستحيل أن يكون ذلك عن رغبة ذاتية من تلقاء أنفسهن.

السؤال: كيف ذلك؟

رأينا المفترى: جواب مفترى: هذا ما ستناوله بالتفصيل بحول الله وتوفيق منه في الجزء القادم من هذه المقالة إن أذن الله لنا بشيء من علمه فيها، فالله وحده أسأل أن يعلمني، وأن يزيدني علما، وأن يهدين لأقرب من هذا رشدا. وأعوذ به وحده أن أكون ممن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، إنه هو العليم الحكيم – آمين.


المدكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الجراح

بقلم د. رشيد الجراح

26 أيلول 2017








هناك تعليق واحد:

  1. لو لم يكن الرجال يضلوا لطلب الله شهادة رجل واحد فقط ممن يرضون شهادته .. ثم ان الاية فيها ذلك ادني الا ترتابوا يعني ليس هذا الا حد ادني ولا مانع من الزيادة فيكون الشهيد ثلاث امراات بدون الرجل
    فشهادة رجل شهادة ناقصة وشهادة امراه شهادة ناقصة لذلك نحن بين الحد الغير مقبول وهو رجل او امراه وبين الحد الادني ان نرتاب هو رجل وامرأتين .. الم نتفق ان الرجال ليس اشارة لجنس ولكن صفة لحالة تخص الذكور وتخص الاناث ايضا .. فكل من فضله الله وانفق فهو رجل قوام علي النساء الغير مفضلين ... والا كانت الاية تقول الذكور قوامين علي الاناث ؟؟!!!!

    ردحذف