تقدم هذه المقالة تحليلاً وتأويلاً عميقاً ومفصّلاً لقصة قارون، مع التركيز على مفهوم "البصر الحديد" كقدرة خارقة على اختراق الحواجز ورؤية الكنوز. يقارن الكاتب بين قارون وصاحب موسى، ويطرح فرضية أن كنوز قارون لم تكن مقتصرة على باطن الأرض، بل ربما شملت مصادر من السماء. يتوسع التحليل ليشمل الفروقات اللاهوتية الدقيقة بين مفاهيم "الله"، "الرب"، و"الإله" في القرآن، ويربطها بمفاهيم الخلق والفطرة والإرادة الحرة، مقدماً رؤية متكاملة حول التكليف الإلهي وعلاقة الإنسان بخالقه.
وزعمنا القول بأن ذلك كان سببه شيء واحد ألا وهو امتلاك الرجل لبصر لا يلين، أي بصر حديد. لذا كان يستطيع بصره أن يخترق العوائق (الحواجز)، فيستطيع بذلك أن ينظر ما وراءها. وزعمنا القول بأنه يمكن فهم ذلك بنفس آلية ما فعل صاحب موسى عندما وجد كنزا تحت جدار لم ينقض بعد:
وذلك لأن الحديد الذي يمكنه أن يخترق الحواجز هو حديد غير ملين، فإذا أصبح حديدا ليّنا، لم يعد فيه خاصية القدرة على اختراق الحواجز، فأصبح هناك في رأينا نوعان من الحديد:
حديد لم يلين وهو القادر على النفاذ، لذا فهو يتصف بالقسوة اللازمة لاختراق العوائق
حديد قد أُلين وهو الذي يفقد خاصية النفاذ
لذا كان الافتراء الذي قدمناه هو أن البصر إذا كان حديدا، فقد اكتسب خاصية القسوة اللازمة لاختراق العوائق. فأنت عندما تنظر إلى جدار ما، فإن بصرك لا يستطيع أن يخترقه لأن بصرك غير حديد، فيحصل أن ينقلب ذلك البصر خاسئا لأنه حسير:
أما من كان بصره حديدا ونظر إلى جدار ما، فإن بصره حينها لن ينقلب خاسئا لأنه لم يعد حسيرا، لذا يستطيع أن يخترق الحواجز فيرى ما وراءها. فأنت عندما تدق مسمارا من حديد في الجدار فإن ذلك المسمار سينفذ من الجدار لأنه – ببساطة- حديدا، أي يتصف بخاصية القسوة اللازمة لاختراق الجدار. أما إن كان هذا المسمار من خشب مثلا، فهو (لا شك) لن يخترق الجدار وذلك لأنه يفقد خاصية القسوة اللازمة لاختراق الحواجز. لأن المعادلة – في ظننا- هي على النحو التالي: كلما ازدادت قسوة المسمار، كلما أصبح اختراقه للجدار أكثر سهوله، أليس كذلك؟
ولو دققنا في الأمر أكثر، لربما وجدنا أن الشيء إذا كان يتصف بالقسوة ووقع عليه وزن زائد عن طاقة تحمله، فإنه يتصدع. فالجبل الذي يتصف بالقسوة، كان سيتصدع لو أنزل عليه حملا ثقيلا أكبر من قدرته على التحمل. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في قوله تعالى:
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: مادام أن القول ثقيل، فإن هذا القول الثقيل سيكون أكبر من طاقة الجبل على التحمل، لذا فإن النتيجة الحتمية هي تصدع الجبل لو أن هذا القول قد أنزل على الجبل:
نتيجة مفتراة: نحن نريد أن نميز بين البصر إذا كان حديدا من جهة والبصر إذا كان غير حديد من جهة أخرى، وكذلك نريد أن نميز بين القلب إذا كان فضا غليظا من جهة والقلب إذا كان ليّنا من جهة أخرى.
نتيجة مفتراة: لقد كان بصر صاحب موسى حديدا، لذا كان يستطيع أن يرى ما تحت الجدار حتى وإن لم ينقض بعد، وذلك لأنه يتصف بخاصية القدرة على اختراق العوائق:
وبهذا المنطق المفترى من عند أنفسنا، عقدنا مقارنة (ربما غير ضرورية وغير صحيحة) بين ما كان يملكه قارون من العلم مع بعض ما كان الله قد علمه لهذا العبد الصالح الذي جاء موسى يطلب العلم منه:
لكن المفارقة تكمن في حين أن صاحب موسى قد رأى الكنز تحت الجدار بأم عينه فحافظ عليه لأصحابه الحقيقيين، وهما اليتيمان الموجودان حينئذ في المدينة وليس في القرية حيث بُني الجدار (للتفصيل انظر سلسلة مقالات قصة موسى)، كان قارون يحوز على تلك الكنوز لنفسه، فلربما كان يتعدى بذلك على حقوق الآخرين:
وربما يعود ذلك إلى أن قلب ذلك الرجل الذي وجد الكنز تحت الجدار كان لينا بينما كان قلب قارون قاسيا، فأصبحت العلاقة عكسية بين البصر الحديد من جهة والقلب اللين من جهة أخرى. فالمطلوب ممن كان بصره حديدا أن يكون قلبه لينا حتى لا يقع في محظور الاعتداء على أموال الآخرين كما فعل قارون.
السؤال: لكن السؤال الذي لابد أن يثار الآن هو: هل كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي كان يحوز بها قارون على الكنوز؟ وبكلمات أكثر دقة نحن نسأل: هل كان باطن الأرض هو مصدر كنوز قارون كلها؟
رأينا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأنه ربما كان لدى قارون أكثر من مصدر للكنوز التي آتاه الله إياها.
السؤال: وماذا كانت مصادره إذن؟
جواب مفترى: من أجل محاولتنا الإجابة على هذا التساؤل، فإننا نجد لزاما الخوض في قضيتين رئيسيتين، وهما:
ماهية بصر قارون؟
مكان تواجد الكنوز؟
ماهية بصر قارون
لو رجعنا إلى قصة صاحب موسى (الذي جاء موسى طالبا أن يعلمه)، لوجدنا أن الرجل كان صاحب بصر ثاقب، وتمثل ذلك في أكثر من موقف وليس فقط في قصة الكنز المدفون تحت الجدار.
أولا، كان الرجل قد أخبر أن هناك ملك قادم من بعيد يأخذ كل سفينة غصبا، فكان ذلك هو دافعه لخرق سفينة المساكين اللذين يعملون في البحر، أليس كذلك؟
السؤال: كيف علم هذا العبد الصالح بقدوم ذلك الملك من بعيد؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن الرجل قد رأى قدوم الملك من بعيد بأم عينه. لذا نحن نقدم الافتراء الخطير التالي: كان بصر الرجل حديدا لأنه كان يستطيع أن يرى مسافات بعيدة. لذا لابد أن نتخيل بأن مجال الرؤيا الأفقية عنده بعيد جدا كما في الشكل التالي:
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
A photorealistic, panoramic view from a high vantage point looking out over a vast, calm ocean. In the distance, a small, solitary, tropical island is visible on the horizon under a clear blue sky. The perspective emphasizes vastness and the ability to see for miles.
ثانيا، كان الرجل يعلم أن للغلام الذي قتله أبواين مؤمنين يسكنان في مكان بعيد:
لذا كانت مجال الرؤيا الأفقية عنده (نحن نظن) تخترق حتى ما وراء الحواجز (كالبيوت مثلا). فهو لا يرى فقط ما هو بعيد عنده كما في حالة الملك القادم من بعيد بجنده، ولكنه يستطيع أن يرى ما هو بعيد عنه حتى وإن كان وراء حجاب كما في حالة والدي الغلام الذي قتله كما في الشكل التالي:
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
A sun-drenched green valley sprawls at the foot of a majestic, snow-capped mountain. Nestled among the trees sits a warm, terracotta-roofed ranch house, overlooking a wide pasture. Below, a small group of horses grazes peacefully in the brilliant light. The scene is a perfect portrait of tranquil, rustic beauty on a grand scale.
نتيجة مفتراة: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا أن مجال الرؤيا الأفقية للرجل كانت حديدا، أي تستطيع أن تخترق الحواجز.
ثالثا، عند التعريج على قصة الكنز الذي وجده تحت الجدار الذي لم ينقض بعد، نجد أن مجال رؤيته كانت عمودية إلى الأسفل، فبصره كان يستطيع أن يخترق الحواجز التي تحت قدميه ؟ كما في الشكل التالي:
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
Against a stark white void, the full silhouette of a man is captured mid-stride. He wears a suit, yet his posture tells a different story: his head is bowed low and his hands are pushed into his pockets. It’s a powerful, minimalist portrait of introspection, exhaustion, or the quiet weight of a heavy mind.
لكن يبقى الآن تساؤل واحد يخص هذا الرجل ألا وهو: هل كان الرجل يستطيع أن ينظر عموديا إلى الأعلى في السماء كما في الشكل التالي؟
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
Shot from a dramatic low angle, a determined young man in a business suit stands against a vast, clear blue sky. His face is tilted upward towards the light, his gaze fixed on an unseen point, radiating pure ambition. This powerful perspective makes him seem heroic, a figure on the verge of greatness. The image is a striking metaphor for aspiration, vision, and reaching for the limitless sky.
جواب مفترى: نحن نستبعد أن يكون بصر الرجل حديدا (أي ثاقبا يخترق الحواجز) في الاتجاه العمودي إلى الأعلى.
الدليل
بداية، نحن نظن أن من طبيعة الناس أن تنظر في اتجاهات ثلاثة فقط، وهي:
لكن الافتراء الذي نحاول تسويقه هو أنه في حين أن النظرة الأفقية إلى الأمام والنظرة العمودية إلى الأسفل ممكن أن تكون حديدا، فيستطيع صاحبها أن يخترق ببصره الحواجز الأفقية التي أمامه وتلك التي هي من تحته، فإن النظرة العمودية إلى الأعلى لا يمكن أن تكون حديدا.
الدليل
لنبدأ البحث عن الدليل بإثارة التساؤل التالي: إلى أين يمكن أن ينظر الشخص إلى الأعلى؟
جواب: في السماء
فهذا محمد يقلّب وجهه في السماء باحثا عن قبلة يرضاها:
السؤال: لماذا الحاجة إلى مد السبب إلى السماء ثم النظر من هناك؟
جواب مفترى: لاستحالة النظر من هنا مباشرة. فلو كنا نستطيع النظر في السماء من هنا لما كان هناك داع أن نمدد بسبب إلى السماء أولا (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء) ثم نقطع فننظر فيها من هناك (ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ). وهذا (نحن نظن) ما فعله فرعون عندما طلب من هامان أن يبني له صرحا ليبلغ من خلاله أسباب السموات والأرض ليطلع إلى إله موسى:
منطقنا المفترى: لو كان فرعون يستطيع أن ينظر إلى إله موسى من هنا، لربما ما طلب من هامان أن يبني له ذلك الصرح الذي يمكنه من بلوغ الأسباب حتى يطلع إلى إله موسى من هناك.
فالشياطين كانت قادرة على لمس السماء (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء)، فوجدوها قد ملئت حرسا شديدا وشهبا (فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا)، فكانوا لا يستطيعون أن يخترقوها بالبصر، وكان جلّ ما يستطيعوه هو أن يسترقوا السمع من هناك حيث المقاعد المتوافرة دونها (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ). ولكن بعد حادثة محددة (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ) أصبح استراق السمع أيضا غير ممكن (فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا).
السؤال: لماذا نحتاج أن ننفذ إلى هناك؟
رأينا: يجب أن نميز بين من أراد أن يصل إلى السماء فيأخذ منها، ومن أراد أن يخترقها لينفذ إلى ما بعدها.
افتراء (1): نحن نظن أن قارون كان يعمل على الوصول إلى السماء ليأخذ منها ما يشاء
افتراء (2): نحن نظن أن فرعون كان يريد الوصول إلى أسباب السموات والأرض لينفذ إلى ما بعدها (أي ليطلع إلى إله موسى).
باب فرعون يفوق قارون في العلم
الدليل
جواب مفترى: نحن نفتري الظن بأن علم قارون كان محصورا بالحصول على الكنوز، بينما كان علم فرعون متعدد الأوجه. لذا سنحاول الدفاع عن موقفنا الثابت بأن فرعون هو صاحب علم عظيم ربما يتفوق في ذلك على كل من كان حوله بمن فيهم موسى وهارون وقارون وهامان. ولا يكاد يجاريه في ذلك إلا صاحب موسى الذي جاءه موسى نفسه طالبا العلم منه.
الدليل
نحن نظن أن هذا الافتراء الخطير سينقلنا فورا للحديث عن الكنوز نفسها طارحين التساؤلات التالية:
ما هي الكنوز؟
أين يمكن أن تتواجد الكنوز؟
مَن استطاع الحصول عليها في السابق؟
كيف يمكن الحصول عليها؟
من يستطيع الحصول عليها الآن؟
الخ.
باب الكنوز
لعل من أبسط أبجديات الفهم أن يكون ما يتم كنزه هو شيء ثمين كالذهب والفضة:
لكن الذي قد لا يجلب الانتباه كثيرا هو مكان تواجد الكنوز. ففي حين أن الفكر الشعبي الدارج يربط بين الكنوز وباطن الأرض كما في حالة الكنز الذي كان موجودا تحت الجدار:
رأينا المفترى: نحن نكاد نجزم الظن بأن قارون كان يملك العلم اللازم الذي يجعله قادرا أن يحصل على الكنوز، وربما حصل على ذلك بطريقة الاستخراج (من باطن الأرض) أو الإنزال (من السماء) أو الإلقاء (من مكان آخر).
السؤال: كيف فعل قارون ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن عملية استخراج الكنوز من باطن الأرض تتطلب بصرا حديدا، وهذا ما كان (نحن نفتري الظن) يملكه قارون، وقد حاولنا تصوير ذلك بنفس الآلية التي كانت لدى صاحب موسى الذي رأى الكنز بأم عينه تحت الجدار الذي لم ينقض بعد:
افتراء مهم جدا: بناء على هذه السياقات القرآنية، نحن نفتري القول بأن الكتب أنزلت إنزالا.
السؤال: هل أنزلت من السماء؟
الجواب: كلا. لأنه لو نزلت تلك الكتب من السماء لجاء اللفظ على نحو أنها أنزلت من هناك (أي من السماء) كما في الآيات التي تتحدث عن الماء مثلا. فانظر عزيزي القارئ – إن شئت- كيف تصور الآيات نزول الماء من السماء:
افتراء مهم جدا: نحن نظن أنه يجب التفريق بين الإنزال بشكل عام والإنزال من السماء بشكل خاص. فالقرآن الكريم يصور حركة نزول الملك (كالروح الأمين) على أنها حركة نزول فقط:
وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا ﴿٢٥﴾ سورة الفرقان
الدليل
راقب – عزيزي القارئ- كيف تمت عملية إنزال المن والسلوى التي كانت من نصيب بني إسرائيل مع نبيهم موسى والمائدة التي ذكرت في قصة الحواريين مع نبيهم ابن مريم نزلت نزولاً:
فيكون بذلك في مكان قريب من السماء (كالماء الذي ينزل من السحب) وعندما يتجهوا نحو الأرض تكون الحركة على هيئة النزول، فلب القول إذاً أنّ الحركة بين السماء والأرض هي حركة نزول مصداقاً لقوله تعالى:
فهاتان الآيتان تحددان شكل الحركة من وإلى الأرض ومن وإلى السماء، فالحركة من السماء باتجاه الأرض هي حركة نزول.
السؤال: لكن السؤال الذي نحاول جاهدين طرحه والإجابة عليه هنا هو: أين هو مصدر تلك الأشياء التي لا يذكر القرآن الكريم بصريح اللفظ أنها نزلت من السماء؟ فمن أين أنزلت الكتب والأنعام والحديد وغيرها؟
رأينا: نحن نظن أن الكتب قد أنزلت من مكان غير السماء، وذلك لأنها ببساطة من لدن حكيم عليم:
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴿٦﴾ سورة النمل
ولا شك أن ما أنزل من تلك الكتب كالقرآن مثلا موجود فعليا في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون:
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴿٧٧﴾ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ﴿٧٨﴾ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴿٧٩﴾ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٨٠﴾ سورة الواقعة
لذا، نحن نتجرأ على القول بأن الكتب قد أنزلت من مكان خارج السموات، وذلك لأن مصدرها هو الله نفسه.
السؤال: أين الله؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأنه لا يمكن أن يكون الله موجود في السموات وذلك لأن الله لا يمكن أن يحيط به شيء مادام أنه هو من يحيط بكل شيء:
وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا ﴿١٢٦﴾ سورة النساء
السؤال: ما الذي تقوله؟ لا أفهم ما تقصد يقول صاحبنا؟
رأينا: لا شك أن هذه قضية كبيرة جدا جدا سيكون لها تبعات جمّة على الفكر الذي نحاول تسويقه بافتراءات هي – لا شك- من عند أنفسنا. لذا لابد من طرحها بكل دقة ممكنة، سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا فلا نفتري عليه الكذب ولا نقول عليه غير الحق، ونطلب من القارئ الكريم أن لا يتعجل النتائج لأن الطرح ربما يتصف في مواطن كثيرة بعد الوضوح في الرؤية، لذا لابد من متابعة النقاش حتى النهاية وعدم اجتزاء النصوص من سياقاتها قبل أن تتكوّن صورة واضحة لما نحاول الوصول إليه في نهاية المطاف. فإن نحن سلكنا الطريق الصواب وأصبنا الهدف المنشود فذاك توفيق من الله وحده، فهو وحده القادر أن يجعلنا نمشي سوّيا على صراط مستقيم، وإن نحن أخطأنا الوسيلة والغاية فذاك مما كسبت أيدينا لأننا نكون بذلك قد اخترنا أن نمشي مكبين على وجوهنا:
أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٢٢﴾ سورة الملك
لذا نسأل الله أن لا نكون ممن أضلهم على علم، وأعوذ به أن نكون ممن يظلون الناس عن علم أو عن غير علم منا، إنه هو السميع المجيب – آمين.
أما بعد،
نحن نفتري القول بأن أن الله هو رب السموات والأرض وما بينهما بدليل ما جاء في الآية الكريمة التالية:
لكن حتى تلك اللحظة لم يكن الله (نحن نفتري القول) قد أصبح إلها بالرغم أنه أصبح رب كل شيء خلقه، وذلك لأن الرب هو – برأينا- المالك المدبر (الوكيل) الذي لا يطلب العبادة ممن هو رب له. فليس بالضرورة أن يكون الرب معبودا. فهذا يوسف – مثلا- يطلب من صاحبه السجن أن يذكره عند ربه، وذلك لأن رب الرجل هو وكيله:
نتيجة مفتراة 1: الله هو فاطر السموات: فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
نتيجة مفتراة 2: الله هو فاطر الأرض جميعا: فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
نتيجة مفتراة 3: الله لم يفطر شيئا بين السموات والأرض
السؤال: ما الذي حدث عندما فطر الله السموات والأرض؟
رأينا المفترى: نحن نظن أنه عندما خلق الله السموات والأرض، فقد أصبح هو رب السموات والأرض جميعا، ولم يكن ليكلف السموات والأرض بالعبادة عندما خلقهن، ولكن ما أن فطر الله السموات والأرض (من دون خلقه الآخر) حتى أصبح هذا الخالق إلها يطلب العبادة ممن فطرهن، فأصبح إلها في السماء وإلها في الأرض:
جواب مفترى: عندما أصبح الله إلها طلب العبادة ممن فطر من خلقه فقط. ولو راقبنا الآيات التي تتحدث عن فطر السموات والأرض لوجدنا موضوع العبادة واضح لا لبس فيه، وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في الآيات مرة أخرى
السؤال: لماذا الله هو الإله المتكبر؟ وبكلمات أخرى نحن نسأل: لم يطلب الله من كل خلقه أن لا يتكبروا بينما يكون هو وحده من له الحق أن يتكبر؟
رأينا: نحن نظن أن الله هو المتكبر لأنه هو الوحيد الذي له الحق أن يعبد. ولو تفقدنا السياق القرآني التالي لوجدنا أن "كبرياء الله" موجود فقط في السموات والأرض فقط:
(دعاء: اللهم أنت رب الذي فطرتني، أسألك وحدك أن تهديني إلى الدين القيم وأن تجعلني من القليل الذين يعلمون – آمين)
نتيجة مفتراة مهمة جدا: الله هو من فطر الناس كما فطر السموات والأرض من قبل
السؤال: ما تبعات هذه الفطرة الإلهية للناس؟
رأينا: عندما فطر الله الناس، أصبح هذا الخلق (أي الناس) مكلف بعبادة الله.
السؤال: لماذا؟
رأينا المفترى: لأن من فطرهم الله هم فقط الذين يعبدون الإله بمحض إرادة منهم؟ فالناس مكلفون بعبادة الله لأنهم يملكون الفطرة، فهم مخلوقات مخيرة تملك الإرادة لعبادة الله أو عبادة غيره أو حتى عدم عبادة أحد.
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴿٢٧﴾ سورة الزخرف
نتيجة مفتراة مهمة جدا: من لم يتم فطره من الخلق فهو غير مكلف بعبادة الله وذلك لأنه لا يملك الإرادة لعبادة الله. لذا فهو مخلوق مسير لا حول له ولا دخل فيما يفعل.
السؤال: وما هي الفطرة؟
جواب مفترى خطير جدا من عند أنفسنا: نحن نظن أن الفطرة هي الاستقلالية التامة عن الخالق. فالسموات والأرض والناس يملكون المقومات اللازمة للاستقلال التام عن ربهم الذي خلقهم جميعا، فيكونون بذلك مخيّرين في كل أفعالهم وتصرفاتهم. انتهى.
الدليل
لو تفقدنا الآيات الكريمة الخاصة بمن فطرهم الله على مساحة النص القرآني لوجدنا أن ذلك خاص باثنتين فقط من خلقه:
لتكون الصورة في ذهننا الآن على النحو التالي: لمّا فطر الله السموات والأرض، أصبح عندهن الإرادة المستقلة عن إرادة خالقهن لاتخاذ القرار، لذا جاء الطلب الإلهي منهن بحمل الأمانة، فرفضن ذلك طواعية بمحض قرار منهن:
ولو دققنا في هذه الآية الكريمة لوجدنا هذا الربط العجيب بين السموات والأرض (وهن من رفضن حمل الأمانة بقرار من أنفسهن) من جهة والإنسان (الذي تقبل حمل الأمانة بقرار من نفسه) من جهة أخرى.
نتيجة مفتراة: لمّا كان الله قد فطر الإنسان، أصبح هذا المخلوق (نحن نفتري القول) مستقل بإرادته وبقراره عن خالقه، يستطيع أن يعبد من خلقه كما يستطيع أن لا يعبده بقرار من الإنسان نفسه. وذلك لأن الإنسان أصبح يستطيع أن يدبّر أمره من تلقاء نفسه، ولا يحتاج أن يرجع إلى خالقه إن هو أراد ذلك. لذا أصبح هذا المخلوق المفطور من قبل خالقه يستطيع الذهاب باتجاهين متعاكسين:
هداية نفسه دون الرجوع إلى ربه كما فعل فرعون مثلا
طلب الهداية من الذي فطره كما فعل إبراهيم:
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴿٢٧﴾ سورة الزخرف
ولو حاولنا تبسيط الفكرة بالكلمات الدارجة على لسان العامة لربما أمكننا القول بأن الفطر هو ما يشبه "الفطام"، فالطفل يبقى معلقا بأمه، وقد لا يستطيع العيش دون الاعتماد عليها حتى مرحلة الفطام، وما أن يتم فطام الطفل عن ثدي أمه حتى يصبح هذا الكائن قادرا على البحث عن رزقه بعيدا عن أمه، فيسلك طريقا خاصا به قد لا تكون هي الطريق التي كانت ستختارها له أمه لو أنه لم يفطم بعد. ولو حاولنا تفقد الأمر أكثر لوجدنا أن الطفل يقترب من مرحلة الفطام كلما أصبح أكثر قدرة على الاستقلالية. فلا شك أن الطفل في أيامه الأولى في المهد يعتمد على مصدر واحد ليكفل له البقاء، ألا وهو ثدي أمه، وما أن يبدأ الطفل بالنمو شيئا فشيئا حتى يبدأ يأخذ طعامه وحاجاته من مصادر أخرى جديدة حتى يصل إلى المرحلة التي تمكنه من الاستقلال التام عن والدته. فيبدأ في مرحلة الذاتية (أي الاعتماد على الذات). وتبدأ القصة مع العائلة، فيكون الغلام معتمدا على عائلته في كثير من احتياجاته حتى يصل إلى المرحلة التي تؤهله من الاستقلال التام عن العائلة، ليبدأ في مرحلة ذاتية أخرى أوسع من سابقتها، وهكذا.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن "الفطر" يتعلق بالمصادر الضرورية للبقاء. فإذا كان الشخص معتمدا على مصدر واحد خارجي، فهو لا شك غير مفطور، ولا يصبح مفطورا حتى يكون قابلا للاستقلال عن هذا المصدر، قادرا على تزويد نفسه بمصادر أخرى من أجل البقاء، وما أن يجد بنفسه مصادر أخرى حتى يصبح قادرا أن يتطفّل عليها من أجل كسب ما يحتاجه منها للبقاء، فيكون بذلك قد أصبح مرحلة "الفطر".
خروج عن النص في استراحة لغوية قصيرة
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن في سياق الحديث عن مفردة "فطر" ومشتقاتها, أن "الفطريات" (ككائنات حية) لها علاقة مباشرة بهذا الجذر الثلاثي الذي اشتقت منه, أي "فطر". فالفطريات هي – في ظننا- تلك الكائنات ذاتية التغذية، القادرة أن تستفيد بنفسها من مصادر خارجية من أجل البقاء، أي أنها تتطفل على غيرها من أجل سد حاجاتها الذاتية. وربما لمثل هذا السبب، أطلقت مفردة "الفطر" على ذلك النبات الذي يعيش تقريبا في كافة المناخات البرية، والذي يعرف باللغة الإنجليزية بـ (mashroom) ذات الأنواع والأصناف المختلفة التي ربما يجمعها كلها صفة التطفل بالاستفادة من مصادر متنوعة من التغذية. فلربما (نحن نتخيل) أن الفطر هو الكائن النباتي الوحيد ذاتي التغذية الذي يأخذ التغذية من أكثر من مصدر، فلا يعتمد بشكل رئيسي على عملية التمثيل الضوئي كما هي الحال بالنسبة لكل النباتات الأخرى. وانظر – عزيزي القارئ – إن شئت- إلى هذا الاقتباس من موسوعة الويكيبيدا عن هذا النبات:
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
A highly detailed, vibrant photograph of a classic Amanita muscaria (fly agaric) mushroom with a red cap and white spots, growing on a mossy forest floor. The image should be sharp and capture the texture of the mushroom and its surroundings.
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
A small cluster of fresh, white button mushrooms rests on a warm wooden surface. Three are presented whole, their caps smooth and perfectly rounded with an earthy texture. A fourth has been sliced neatly in half, revealing the delicate, pale gills and the solid structure within. It's a clean and simple composition that celebrates the humble beauty of a kitchen staple.
Source: http://en.wikipedia.org/wiki/Mushroom
Many species of mushrooms seemingly appear overnight, growing or expanding rapidly. This phenomenon is the source of several common expressions in the English language including "to mushroom" or "mushrooming" (expanding rapidly in size or scope) and "to pop up like a mushroom" (to appear unexpectedly and quickly). In reality all species of mushrooms take several days to form primordial mushroom fruit bodies, though they do expand rapidly by the absorption of fluids.
The cultivated mushroom as well as the common field mushroom initially form a minute fruiting body, referred to as the pin stage because of their small size. Slightly expanded they are called buttons, once again because of the relative size and shape. Once such stages are formed, the mushroom can rapidly pull in water from its mycelium and expand, mainly by inflating preformed cells that took several days to form in the primordia.
Similarly, there are even more ephemeral mushrooms, like Parasola plicatilis (formerly Coprinus plicatlis), that literally appear overnight and may disappear by late afternoon on a hot day after rainfall.[16] The primordia form at ground level in lawns in humid spaces under the thatch and after heavy rainfall or in dewy conditions balloon to full size in a few hours, release spores, and then collapse. They "mushroom" to full size.
Not all mushrooms expand overnight; some grow very slowly and add tissue to their fruitbodies by growing from the edges of the colony or by inserting hyphae. For example Pleurotus nebrodensis grows slowly, and because of this combined with human collection, it is now critically endangered.[17]
وصف الصورة (برومبت لتوليد الصورة)
A bright, eye-catching photo of a cluster of Yellow flower pot mushrooms (Leucocoprinus birnbaumii) growing in a potted plant. The image should show various stages of their development, from small pins to fully opened caps, highlighting their vivid yellow color.
Though mushroom fruiting bodies are short-lived, the underlying mycelium can itself be long-lived and massive. A colony of Armillaria solidipes (formerly known as Armillaria ostoyae) in Malheur National Forest in the United States is estimated to be 2,400 years old, possibly older, and spans an estimated 2,200 acres (8.9 km2). Most of the fungus is underground and in decaying wood or dying tree roots in the form of white mycelia combined with black shoelace-like rhizomorphs that bridge colonized separated woody substrates.[18]
It has been suggested the electrical stimulus of a lightning bolt striking mycelia in logs accelerates the production of mushrooms
mushrooms were also sometimes regarded as magic or satanic, their fruiting bodies appearing quickly overnight from underground. Some believed they were the Devil's fruit, and others that mushroom rings were magical portals
عودة على بدء
منطقنا المفترى: أصبحنا نحن الناس مفطورين عندما زودنا بالإرادة المستقلة التي تمكننا من الاختيار من تلقاء أنفسنا، لكن بالرغم من قدرتنا على الاستقلالية عن خالقنا عندما فطرنا، فإننا مطالبون بالاستعانة به من أجل النجاة وذلك لأننا لا محالة إليه راجعون:
فتصبح السيناريوهات المتاحة أمام الناس المفطورين عن خالقهم على النحو التالي:
الاعتماد على الذات والبحث عن الطريقة والغاية بالجهد الشخصي بعيدا عن الإله، وهذه الطريقة غير مضمونة النتائج، لأنك قد تصيب الهدف مرة ولكنك ستخطئ الطريق والغاية مرات ومرات كما فعل فرعون مثلا
الرجوع إلى الذي فطرك ليهديك السبيل كما فعل إبراهيم، وهذه الطريقة - لا شك- مضمونة الغاية والوسيلة.
فبالرغم أن الله هو من آتى إبراهيم رشده، وبالرغم أن إبراهيم كان يتصف برجاحة العقل وقوة المنطق والتفكير، إلا أن هذا لم يمنعه أن يعتمد على ربه ليهديه:
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴿٢٧﴾ سورة الزخرف
ما أن بدأ الله يخلق الخلق، حتى أصبح ربا، فكان هو الرب (وكيل كل شيء مادام أنه هو خالق كل شي). فخلق السموات والأرض والضياء والنور، الخ. ونحن نفتري القول من عند أنفسنا أن السورة الكريمة التالية توصف الله الخالق الذي أصبح ربا في تلك المرحلة
بعد أن خلق الله الخلق وأصبح ربا، عمد إلى أن يفطر بعض خلقه، وهم الذين أصبحوا ممتلكين للإرادة المستقلة عند إرادة خالقهم، وهي التي تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم (الذاتية) وعدم الرجوع إلى خالقهم إن هم أرادوا ذلك. فأصبح هذا الذي هو رب كل شي إلها لبعض من خلق من خلقه، وهم الذين فطرهم من خلقه، ولما أصبح إلها، طلب من هؤلاء عبادته باختيار من أنفسهم مادام أنهم مخيرون ولم يعودوا مسيرين كباقي الخلق الذين كان الله هو ربهم ولم يصبح إلها لهم. ونحن نفتري القول من عند أنفسنا أن السورة الكريمة التالية توصف الله في تلك المرحلة
جواب مفترى من عند أنفسنا: بعيدا عن التحليق في عالم المجازات وسماء الاستعارات اللغوية التي صاغتها عقول الأجداد اللذين ملكوا نواصي العربية، فإننا نحن (الذين ربما لا نقوى أن نتمسك بأكثر من الذيل منها) نظن أن يدا الله وعينه لن تهلكا بالرغم أن كل شيء هالك إلا وجهه.
السؤال: لماذا؟ أي كيف يمكن الموائمة بين الكلام الإلهي بأن (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وافترائنا الذي مفاده أن يدا الله وعينه لن يهلكا؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن الموائمة بين الحالتين ربما تكون مفهومة إذا ما سلمنا بالافتراء الخطير التالي الذي هو لا شك من عند أنفسنا، والذي مفاده أن كل ما في الله هو وجه. فيداه وجه. وعينه وجه. وكله وجه:
بداية، نحن نظن أن الوجه هو تلك الكينونة التي تدل على صاحبها، فأنت لا تتعرف على أحد من خلال يده أو رجله أو أي عضو آخر في جسمه إلا إذا نظرت مباشرة إلى وجهه. فالوجه هو – في ظننا- تلك الكينونة التي تدل على صاحبها. لذا لو طرنا بخيالنا (المزيف بالطبع) إلى مرحلة ما قبل الخلق، أي قبل أن يصبح الله إلها، وقبل أن يصبح ربا، أي عندما كان الله هو أحد. فما الذي يمكن أن نتخيله؟
جواب مفترى: نحن نظن أنه في تلك المرحلة كان الله هو الموجود المطلق، لذا كان الله ولم يكن شيء غيره، وفي تلك المرحلة كان الله هو الصمد، فلو قدّر لنا أن ننظر إلى ذلك الأحد الصمد، لوجدناه في كل اتجاه ننظر إليه (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ)، فلو أنت نظرت فوقك لكان الله – لا شك- هو الأعلى، ولو أنت نظرت أسفل منك لوجدت الله هناك، ولو نظرت إلى الأمام لوجدت الله أمامك، ولو نظرت إلى الخلف لوجدت الله خلفك، ولو نظرت عن يمينك لوجدت الله ناظرا إليك من تلك الجهة، ولو نظرت عن شمالك لوجدته هناك، ولو نظرت وراءك لوجدت الله وراءك، وهكذا. ولكان الله موجود أينما وليت وجهك:
رأينا: نحن نعتقد جازمين أنه من الاستحالة بمكان التعرف على الآخرين دون وجود الوجه، فأنت تتعرف فقط على من يكون مقابلا لوجهك ومن خلال وجهه، وربما لا تستطيع أن تتعرف على من كان عن يمينك أو من كان عن شمالك إذا لم يكن يقع في مجال وجهك، وأنت لن تتعرف على من كان خلفك أو وراءك لأنك لا تراه مادام أنه لا يقع في الجهة المقابلة لوجهك، لهذا لا تستطيع أن تستكشف كل ما حولك، فيحضرك شيء (وهو ما يقع مقابلا لوجهك) وتغيب عنك أشياء وهي التي لا تقع في الجهة المقابلة لوجهك.
السؤال: كيف ينطبق هذا التصور المفترى على الإله نفسه؟
جواب مفترى: لمّا كان الله كلّه وجه، فهو الوحيد الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء:
فكل شيء مكشوف بالنسبة للإله مادام أنه كله وجه، لذا يكون كل شيء (بغض النظر عن موقعه) مكشوف تحت بصره ما دام أنه هو البصير، فتعالى الله عما يشركون، وهو الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير:
السؤال: ما علاقة هذا الطرح بقضية التنزيل التي تناولناها في معرض الحديث عن تنزيل الكنوز؟
رأينا: كنا نتحدث عن المكان الذي كانت الكتب التي أنزلت تتواجد فيه قبل أن تنزل، والتي زعمنا أنها لم تكن موجودة في السماء أصلا، محاولين من خلال هذا الطرح (على ركاكته) الوصول إلى ذلك المكان الأول الذي تواجدت فيه تلك الكتب، والتي منها أنزل الله الكتب بالحق:
ليكون الافتراء الآن على النحو التالي: كان المكان الأول في الوجود هو لدُن الله، ففيه العلم ومن هناك نزل الكتاب، ومن هناك يأتي النور الأبدي الذي فيه هدى للناس.
(دعاء: اللهم فاطر السموات والأرض أنت من فطرتني وأنت من تهديني إلى نورك الذي أبيت إلا أن تتمه ولو كره الكافرون، فإني أدعوك أن تدلني على ذلك النور بكلماتك التي تحق بها الحق وتبطل بها الباطل ولو كره المجرمون – آمين)
إذا كان الكتاب – كما تزعم- لم ينزل من السماء لأن مكانه الأبدي هو من لدُن حكيم خبير، فمن أين أنزل الحديد؟ ربما يريد أن يسأل صاحبنا مستغربا.
رأينا المفترى: نحن نظن أن الحديد لم ينزل من السماء بدليل قوله تعالى:
أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴿١٧﴾ سورة الملك
السؤال مرة أخرى: لماذا لم يأتي النص القرآني على نحو أن الحديد قد أنزل من السماء؟
رأينا: لأن الحديد لم ينزل من السماء؟
السؤال: من أين إذن أنزل الحديد؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الحديد لم ينزل من السماء نفسها، ولكنه أنزل من كينونات أخرى موجودة في السماء. فالمدقق في السياقات القرآنية التالية يجد أن السماء يمكن أن تحوي على أجسام أخرى كالبروج مثلا:
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴿١٦﴾ سورة الحجر
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأن في السماء كينونات يمكن أن ينزل منها أشياء إلى الأرض، ونحن نفتري الظن أن من يملك العلم بها يستطيع أن ينفذ إليها، ليحوز منها على ما يشاء من كنوز تلك الكينونات البعيدة نسبيا عنا:
فإذا كان من الممكن أن يرسل النحاس من خارج الأرض كما يمكن أن يرسل علينا شواظ من نار من خارجها، فلا ضير أن يكون الحديد قد جاء من مكان ما في السماء وليس بالضرورة من السماء نفسها.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا أن قارون كان يملك العلم الذي يمكّنه من الوصول إلى تلك الأماكن البعيدة في السماء ليحصل منها على ما يريد من تلك المعادن الثمينة التي جعلته صاحب كنوز عظيمة، تنوء مفاتحها بالعصبة أولي القوة:
فإن مسألة الارتقاء في السماء لم تكن بعيدة المنال على هؤلاء الجبابرة في غابر الزمان؟
السؤال: وكيف فعل قارون ذلك؟
جواب: هذا ما سنتعرض له بحول الله وتوفيق منه في الجزء القادم من هذه المقالة عندما ننتقل للحديث عن علم فرعون الذي كان - في ظننا- أكثر خطورة وأعظم أثرا من علم قارون هذا.
والله أعلم
(دعاء: فالله وحده أسأل أن ينفذ قوله بمشيئته وإرادته لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لغيري إنه هو الواسع العليم، وأعوذ به وحده أن أفتري عليه الكذب أو أن أقول عليه ما ليس لي بحق، إنه هو العليم الحكيم – آمين)
المدّكرون رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
📖 شروط قراءة المقالات:
❌ المقالة ليست فتوى.
💭 هي رأي فكري شخصي قابل للخطأ والصواب.
📝 يُمنع تلخيصها أو إعادة صياغتها.
📚 يُسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر وعدم تحريف المعنى.
⚖️ لا يحق مقاضاة الكاتب بسبب اختلاف الآراء.
إرسال تعليق