قصة يونس - الجزء الخامس



 قصة يونس – الجزء الخامس

 حاولنا في الجزء السابق من هذه المقالة نسج خيوط عنكبوتية بين شخصية فرعون التي نعرفها من خلال وفرة السياقات القرآنية التي تتحدث عنها مع شخصية ذي النون التي جاء ذكرها في سياقات قرآنية قليلة جدا. وزعمنا الظن بأنه على الرغم من عدم التوازن في كمية السياقات القرآنية التي تبرز الرجلين إلا أن التشابكات بين الشخصيتين (في ظننا) هو ما يجعل الحديث عن ذي النون لا يقل تفصيلا عن الحديث عن فرعون نفسه. فإذا ما وجدنا أن هناك مفردة واحدة تصف الطرفين بشكل مقصود (أي تقتصر عليهما فقط على مساحة النص القرآني)، فإن تلك المفردة تجلب معها قصة كاملة تحتاج أن تُطارد حتى النهاية، فافترينا الظن مثلا بأن عبارة "وَهُوَ مُلِيمٌ" قد جاءت في النص القرآني كعبارة مقصودة بحق الرجلين وذلك لأنها جاءت خاصة عند الحديث عن هذين الرجلين فقط على مساحة النص القرآني كله، فلا نجد أنها قد وردت بحق شخص آخر غير ذي النون من جهة وفرعون من جهة أخرى، الأمر الذي يجبرنا (نحن نظن) على وجوب التأمل في التشابك بينهما من هذا الجانب، فعند الحديث عن فرعون نجد الآية الكريمة التالية التي تصوره في حالة غرقه في البحر (وَهُوَ مُلِيمٌ):
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)
وهذا ما حصل بالضبط مع يونس، فقد استقر في بطن الحوت على تلك الشاكلة (وَهُوَ مُلِيمٌ):
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
فكانت نتيجة هذا التشابك المقصود بين الشخصيتين وجوب (نحن نظن) طرح التساؤلات التالية:
- لماذا كادت أن تكون نهاية ذي النون كنهاية فرعون؟
- ما معنى أن كلاهما كان مليما؟
- ولماذا غرق فرعون وانتهى أمره في الحال؟
- لماذا نجا ذو النون وعاد رسولا إلى قومه؟
- لِم لم تتطابق نهايتهما بالرغم أن قصتهما (كما نزعم) كانت متطابقة؟
- لماذا آمن قوم يونس فكشف عنهم العذاب؟
- لِم لم يحصل لآل فرعون ما حصل لقوم ذي النون؟
- وأخيرا: ما الذي كان يمكن أن يحصل لو أن فرعون فعلا تذكر أو خشي؟
اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)
- فهل كانت خاتمته ستتطابق مع ما حصل مع ذي النون مثلا؟
- الخ

للإجابة على مثل هذه التساؤلات باستنباطات مفتراة من عند أنفسنا، وجدنا أنفسنا نتخيل ما حصل في قصة يونس على النحو التالي:
- كان ذو النون شخصا ذا مكانة مرموقة في قومه تواز (نحن نظن) ما كان فرعون عليه في قومه، فكان صاحب ملك يأتمر الناس بأمره وينتهون بنهيه.
- بالإضافة إلى هذا، كان ذو النون رجلا على علم، فكان صاحب حكم:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
- كانت النتيجة (نحن نفتري القول) أن ذا النون قد جمع بين الحكم والملك معا.
- ولمّا كان ذلك الرجل (على عكس فرعون) من المسبحين، كان قومه جميعا من المؤمنين. لذا، افترينا الظن من عند أنفسنا بأن الاختلاف الأول بين ذي النون من جهة وفرعون من جهة أخرى كان في المقدمة (أي ما حصل منهما قبل بعث الرسول). فكان ذو النون من المسبحين:
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
بينما كان فرعون من المفسدين:
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
- كما تخيلنا بأن ذا النون بقي على تسبيحه حتى حصل أمر ما أدى إلى أن انقلبت الأمور رأسا على عقب. فكان نتيجة ذلك أن ذهب ذو النون مغاضبا، فترك قومه وخرج باتجاه البحر كما فعل فرعون، وهناك كادت أن تكون نهايته وإلى الأبد.
- ما أن غاب ذو النون عن قومه حتى تراجعوا عن إيمانهم، فوقع عليهم عذاب الخزي، وما كُشِف عنهم ذلك العذاب حتى عاد إليهم يونس نفسه كرسول من رب العالمين:
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
- ما أن عاد يونس رسولا إلى قومه حتى آمنوا جميعا، فكشف عنهم عذاب الخزي، ومُتِّعوا إلى حين:
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ (98)
- لما كان ذو النون من المسبحين، حصلت النجاة له بالكلية. على عكس فرعون الذي كان من المفسدين فما حصلت له نجاة إلا بشكل جزئي:
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس
لذا، كان الاختلاف الثاني بين يونس وفرعون يتمثل في نهاية كل منهما. فنحن نفتري القول بأنه كما اختلفت المقدمة اختلفت النهاية.
(للتفصيل أنظر الجزء السابق من هذه المقالة)
عند هذا الحد من الافتراءات (ربما غير المسبوقة)، توقفنا في الجزء السابق، فطرحنا في نهايته تساؤلات أخرى من أجل متابعة النقاش فيها في هذا الجزء الجديد من المقالة نفسها، نذكر منها:
- ما الشيء الذي أغضب ذا النون حتى ذهب مغاضبا؟
- لماذا توجّه صوب البحر؟
- لماذا ساهم؟
- كيف ساهم؟
- لماذا كان من المدحضين؟
- كيف حصل ذلك؟
- ما وجه الشبه في ذلك بينه وبين فرعون؟
- لماذا نجّاه الله من الغم؟
- لماذا عاد رسولا إلى قومه؟
- ما وجه الاختلاف في ذلك مع فرعون؟
- من أين كان مصدر علم الرجل؟
- لماذا لم يصبر لحكم ربه؟
- هل كان من أولي العزم من الرسل مادام أنه لم يصبر؟
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
- الخ.

التساؤل الأول: لماذا ذهب ذو النون مغاضبا؟
رأينا المفترى والخطير جدا: نحن نظن أن السبب الذي دفع بذي النون للذهاب مغاضبا هو السبب نفسه الذي دفع بفرعون للخروج باتجاه البحر؟
السؤال: لماذا خرج فرعون باتجاه البحر؟
جواب: لأنه كان يطارد موسى للقضاء عليه وعلى من اتبعه من المؤمنين.
السؤال: من هم الذين خرجوا مع فرعون في مطاردته لموسى ومن معه؟
جواب: جنوده
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) يونس

فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)

السؤال: أين تمت المواجهة بين الطرفين؟
 جواب: عند البحر:
فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
السؤال: كيف حصلت النجاة لموسى؟
جواب: بالخوض في البحر:
وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)
السؤال: وكيف حصلت الهزيمة لفرعون وجنوده؟
جواب: بالغرق في البحر:
وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66)
نتيجة 1: نجا المُطَارَد (موسى ومن معه) من قبضة المطارِد (فرعون وجنوده)
نتيجة 2: حصل الغرق للمطارِد (فرعون ومن معه)
نتيجة 3: انتهت المواجهة بهزيمة المطارِد (فرعون وجنوده) ونجاة المطارَد (موسى ومن معه)
السؤال: ما معنى ذلك؟
جواب مفترى: كان فرعون وجنوده من المدحضين.
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا: نحن نظن أن المواجهة بين الحق والباطل لا بد أن تنتهي بدحض الباطل مهما حاول ذلك الباطل أن يدحض الحق:
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا (56)

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ ۖ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)

فلو تفقدنا هذه الآيات الكريمة، لوجدنا على الفور أن هناك مواجهة بين الحق والباطل، أليس كذلك؟
السؤال: كيف تنتهي هذه المواجهة بين الطرفين؟
جواب: لابد من دحض أحدهما؟
السؤال: من الذي دُحِض في حالة يونس؟
جواب: يونس نفسه هو من كان من المدحضين:
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
السؤال: كيف حصل ذلك؟
رأينا: نحن نظن أن ذلك قد تم بالمواجهة بين طرفين، يحاول كل طرف أن يدحض حجة الطرف الآخر:
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
لو تفقدنا هذه الآية الكريمة لوجدنا أننا يمكن أن نخرج بالاستنباطات المفتراة من عند أنفسنا التالية:
- هناك من يحاجّ في الله (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ)
- تتم هذه المحاجّة في الله بعد أن تمت الاستجابة لله (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ)
- تصبح حجة هؤلاء في مثل هذه الظروف داحضة (حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ)
- لو استمر أمر هؤلاء في الدنيا على هذه الشاكلة، فإن غضب الله عليهم لا محالة نازل (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ)
- لو انتهى أمر هؤلاء في الدنيا على هذه الشاكلة فإن عذاب الله الشديد سيكون مصيرهم (وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)
- الخ
السؤال: كيف يمكن ربط هذا بقصة يونس؟
رأينا: كان يونس في قومه من المسبحين، وكان يظن أنه ربما يجتبيه ربه بالرسالة لما كان عنده من الحكم، ولكن كانت المفاجأة له أن ظهر في قومه من يدّعي أنه رسول من الله إليهم، وهنا برز للعيان طرفان يتحاجان، وحصل ذلك بعد أن تمت الاستجابة لدعوة ذلك الرسول من بين بعض قوم يونس، وفي هذه الحالة وجد يونس نفسه على المحك الحقيقي: إما أن يتبع دعوة الرسول ويقر له بشرعية رسالته أو أن يتصدى له ويحاول أن يثنيه عن ما هو مكلف به. وهنا برز دور الكافرين والمنافقين من الملأ الذين يبطنون ما لا يظهرون، فأوغروا صدر يونس بالعداوة على ذلك الشخص الذي يدعي الرسالة، ويمكن تشبيه ذلك بما فعل الملأ من قوم فرعون، عندما كانوا دائمي التذكير لفرعون بالعداوة لموسى ومن معه:
وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)
نتيجة: استطاع الملأ من قوم فرعون التأثير على فرعون لإذكاء العداوة بينه وبين خصمه موسى (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ). فانجحوا في ذلك (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ).
ولو أمعنا التفكر أكثر في قصة فرعون مع رسولا ربه لوجدنا أن فرعون حاول أن يدحض حجة موسى بالبينة، فعمد إلى اتهام موسى وأخيه هارون بالسحر:
فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَىٰ ۚ أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ۖ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)
وما كان منه إلا أن جاء بكل ساحر عليم بعد أن أرسل في المدائن حاشرين:
قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)

قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)

 فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53)

ووعد السحرة بالأجر وبأن يكونوا من المقربين إن هم استطاعوا أن يدحضوا حجة موسى وأخيه هارون:
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)

فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)

وطلب من موسى بأن يجعل بينهما لقاء في مكان سوى:
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58)
وتمت المواجهة الفعلية بين الطرفين:
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (58)
وانتهت بدحض حجة فرعون والسحرة أجمعين:
فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)
ولكن ذلك لم يكن ليوقف فرعون عند حده، فما كان منه (ومن الملأ من حوله) إلا التمادي في العداوة لموسى ومن معه. فأخذ جنوده ولحق بموسى ومن معه اللذين هربوا شرقا، وترآى الجمعان عند البحر:
فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)
وبمثل هذا السيناريو يمكن أن نتخيل ما بدر من ذي النون ومن الملأ من حوله، فلقد حاولوا (نحن لازلنا نتخيل) إيغار صدره ضد من برز أنه خصما له. فكانت النتائج على النحو التالي:
1. ذهاب ذي النون مغاضبا
2. توجهه إلى البحر للمساهمة
التساؤلات
1. لماذا ذهب مغاضبا؟ وما الذي أغضبه؟
2. لماذا توجه صوب البحر على وجه الخصوص؟
رأينا المفترى 1: تحدثنا في الأجزاء السابقة عن مفردة مغاضبا في هذا السياق القرآني، فافترينا القول أن يونس ذهب مغاضبا لأنه اعتقد أن الله لم يجتبيه بالرسالة بالرغم أنه كان مؤهلا (ومتوقعا) للحصول عليها. فكان غضبه (نحن نتجرأ على افتراء الظن) من ربه.
رأينا المفترى 2: أما عن سبب ذهابه باتجاه البحر على وجه الخصوص، فنحن نتخيل أنه قد خرج مطاردا ذلك الرسول الذي بعث فيهم مع جنوده
الدليل
من أجل جلب الدليل على هذا الظن المفترى من عند أنفسنا، فإننا ندعو القارئ الكريم إلى العودة مباشرة إلى الآية القرآنية نفسها التي تتحدث عن ذهاب ذي نون مغاضبا لنجد أن فيها من الدلائل والإشارات ما يستحق الوقوف عنده طويلا، فدعنا – عزيزي القارئ- نضع الآية الكريمة أمامنا مرة أخرى لنتأمل ما جاء فيها بشي من التدقيق والتمحيص، سائلين الله وحده أن يعلمنا ما لم نكن نعلم وأن يزيدنا علما وأن يهدينا لأقرب من هذا رشدا – آمين.
أما بعد،
قال تعالى:
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
لو تفقدنا هذه الآية الكريمة جيدا لوجدنا أنها تقرر لنا ثلاث حقائق لا مجال للمجادلة فيها بحق يونس، وهي على الترتيب:
1. ظن الرجل أن الله لن يقدر عليه (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ)
2. إقرار الرجل بنفسه وهو في الظلمات (أي داخل بطن الحوت) بوحدانية الله، فسبحه (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ)
3. إقرار الرجل بنفسه أنه كان من الظالمين (إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
الأمر الذي يدعونا إلى طرح التساؤلات الثلاث التالية على الفور:
- ما معنى أن يكون ذو النون قد ظن بأنه لن يُقدر عليه (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ
- ما معنى أنه قد نادى هناك في الظلمات أنه لا إله إلا الله، فسبّحه (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ
- ما معنى أنه كان من الظالمين (إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
رأينا المفترى: نحن نعتقد جازمين بأن كل واحدة من هذه الحقائق القرآنية التي يثبتها صريح اللفظ في الآية الكريمة تحتاج إلى مناقشة دقيقة وربما مطولة، علّنا نخرج بعد ذلك باستنباطات ترشدنا إلى ما نصبو إليه، وهو تجلية حقيقة ما حصل على أرض الواقع كما تصوره آيات الكتاب الحكيم لا كما يتصورها الناس (عالمهم ومتعلمهم) بناء على موروثات ومعتقدات وتحريفات من سبقنا من الأمم. لذا سنفرد لكل جزئية بابا منفصلا، سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا وأن يعلمنا الحق الذي نقوله فلا نفتري عليه الكذب، وأن يهدينا لأقرب من هذا رشدا، إنه هو الواسع العليم – آمين.

باب: فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ
 السؤال المربك: ما معنى هذه الحقيقة القرآنية؟
 - فمن الذي ظن أن لن يقدر عليه؟
رأينا المفترى: نحن نظن جازمين أن يونس هو من ظن أن لن يقدر عليه.
- ومن الذي لن يقدر على يونس؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن يونس ظن أن الله (ومن معه) لن يقدروا على يونس.
السؤال: لماذا ظن يونس أن الله (ومن معه) لن يقدروا عليه؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الإجابة على هذا السيناريو تكمن في واحدة من احتمالين هما:
1. ضعف ثقة يونس بقدرات ربه
2. اغترار يونس بقدراته الذاتية
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: عندما كان يونس صاحب حكم، وعندما وجد أن الله لم يجتبيه بالرسالة، وأن الرسالة قد أصبحت من نصيب غيره، ثارت ثائرته، فظهر حنقه وغضبه على الجميع، فكان غاضبا على الرسول الذي بعث فيهم، كما كان غاضبا على الذي أرسله وهو رب العالمين، فكانت النتيجة أن أظهر الغضب، فذهب مغاضبا:
ولم يتوقف عند هذا الحد، بل ظن أن الله لن يقدر عليه لأنه ببساطة ناصب رسوله العداء الواضح، ونحن نتخيل الموقف مشابها لما بدر من فرعون عندما ناصب موسى العداء:
إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)
السؤال: وأين الدليل على أن رسولا قد بعث في قوم يونس غير يونس نفسه؟
رأينا المفترى: نحن نجد الدليل على ذلك جليا شريطة ربط الآيتين التاليتين معا:
الآية الأولى: فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ (98)
الآية الثانية: مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15)
لو دققنا في الآية الكريمة الأولى لوجدنا على الفور أن العذاب (عذاب الخزي) قد نزل بقوم يونس، أليس كذلك؟
ولو دققنا في الآية الكريمة الثانية لوجدنا على الفور أن العذاب لا يقع على قوم إلا بعد أن يبعث الله فيهم رسولا، أليس كذلك؟
لتكون النتيجة المفتراة على النحو التالي: مادام أن قوم يونس قد وقع عليهم عذاب الخزي فلابد أن ذلك قد حصل بعد أن بعث الله فيهم رسولا.
السؤال: لم لا يكون الرسول هو يونس نفسه؟
جواب مفترى: لأن الرسالة لم تأتي ليونس (نحن نفتري القول) إلا بعد أن نُبذ في العراء سقيما من بطن الحوت، وبعد أن شفاه الله من سقمه، وهناك أُرسل إلى قومه رسولا:
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
نتيجة مفتراة وخطيرة جدا جدا: عندما بعث رسولا إلى قوم يونس غير يونس نفسه، وجد يونس نفسه في موضع حرج جدا، يتطلب اتخاذ موقف من واحدة من المواقف التالية:
- أن يتقبل يونس رسالة ذلك الرسول ويصبر لحكم ربه
- أن يرفض يونس رسالة ذلك الرسول وأن لا يصبر لحكم ربه
- الخ.
السؤال: ما الذي بدر من يونس حينها؟
رأينا: لم يتقبل يونس رسالة ذلك الرسول، وما صبر لحكم ربه:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تصرف بطريقة تشبه تماما ما فعل فرعون مع موسى وأخيه هارون، فبدر منه ما يلي:
- كان مغاضبا
- ظن أن لن يقدر عليه
- توجه إلى البحر
- ساهم
فكانت النتيجة أنه:
- كان من المدحضين
- التقمه الحوت وهو مليم
- الخ
السؤال: كيف بذي النون (وهو الذي كان من المسبحين) يظن أن لن يُقدر عليه؟
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ... (87)
من أجل محاولة الإجابة على هذا التساؤل فإنه يلزمنا طرح التساؤل التالي فورا: ما معنى القدرة هنا؟ وما هي القدرة التي ظن ذو النون أن ربه لا يملكها؟
جواب مفترى: دعنا ندقق في السياقات القرآنية التالية التي تتحدث عن القدرة الإلهية، لنجد أنها تتحدث عن تنزيل الآيات
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)
كما نجد أنها تتحدث عن إيقاع العذاب:
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)
كما تتحدث عن البعث من الموت:
إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)
ونجد أخيرا أنها تتحدث عن تحقيق الوعد الإلهي:
قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95)
السؤال: ما الذي كان يدور في ذهن ذي النون عندما ظن أن لن يقدر عليه؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن ذا النون قد ظن أن الله لن يقدر عليه عندما وجد أن آيات الله لم تتنزل عليه، وأن العذاب الإلهي لم ينزل، وأنه لم يرى الوعد الإلهي بأم عينه. عندها ظن الرجل أن الله (ومن معه من الرسل والملائكة) لن يقدروا عليه.
السؤال: لماذا امتلك مثل هذا الظن يونس (وهو الذي كان من المسبحين)؟
رأينا: لما كان يملك الرجل من الحكم:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
تخيلات مفتراة: كان ذو النون يملك من حكم ربه ما يملك، ولكن لمّا لم يرى بأم عينه ما كان يجب أن يراه من تنزل الآيات ومن تحقيق الوعد الإلهي دخل الشك بربه في نفسه، فتضاءلت ثقته بربه، وفي الوقت ذاته تعاظمت ثقته بقدراته الذاتية.
السؤال: لماذا لم يحصل أن رأى ذو النون كل ذلك بأم عينه؟ هل فعلا تخلى الله عن وعده؟
جواب مفترى: كلا، ولكننا نظن أن الذي حصل هو أن ذا النون قد تعجل الأمر فقط، فما صبر لحكم ربه:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
سؤال: وماذا كان يمكن أن يحصل لو أن ذا النون قد صبر لحكم ربه؟
رأينا: نحن نظن أنه لو صبر ذو النون لحكم ربه، لتحصل له كل ما أراد ولزاد على ذلك بأن أصبح من أولي العزم من الرسل:
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
نتيجة مفتراة: لما لم يكن ذو النون من الصابرين لم يصبح من أولي العزم من الرسل.
السؤال: أين الدليل على أن الشك (برب العالمين) قد دخل في نفس ذي النون؟
رأينا: نحن نظن أن الدليل على أن الشك قد دخل في نفس ذي النون موجود في الآية الكريمة نفسها التي تتحدث عن ظنه أن لن يقدر عليه:
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
السؤال: وأين ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن ذلك موجود في قوله (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ).
منطقنا المفترى: إن هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا يدعونا إلى طرح تساؤلين اثنين وهما:
- لماذا نادى ذو النون في ذلك المكان بعبارته المشهورة (أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ
- ولماذا أتبعها بقوله (سُبْحَانَكَ)
لو حاولنا أن نربط ما قاله ذو النون عند غرقه بأن شهد لله بالوحدانية المطلقة (أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ) من جهة مع ما قاله فرعون عند غرقه في المقام نفسه لوجدنا أن هناك ترابطا عجيبا بينهما، فدعنا نتدبر السياقات القرآنية معا ثم نحاول أن نخرج من ذلك باستنباطات مفتراة من عند أنفسنا حول عقيدة الرجلين:
ذو النون: فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
فرعون: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) يونس

لنبدأ النقاش من عند فرعون الذي قال عندما أدركه الغرق (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، لتثار التساؤلات تباعا على النحو التالي:
- لماذا قال فرعون (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ
- لماذا أردف ذلك بالقول (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
- لماذا لم يقل فرعون قولا مطابقا لما قاله ذو النون عندما التقمه الحوت؟
- لماذا قال فرعون ذلك عندما أدركه الغرق؟
- لماذا لم يقل ذو النون ذلك عندما أدركه الغرق؟ ولماذا انتظر حتى استقر في بطن الحوت عندما أصبح في الظلمات؟
لماذا جاء كلام فرعون في باب القول (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ
- لماذا جاء كلام ذي النون على صيغة نداء (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
- الخ.
لو تفقدنا قول فرعون الأول (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)، وحاولنا ربط ذلك بقصة فرعون الأولى لوجدنا أن فرعون قد كان في سابق عهده يدّعي الإلوهية لنفسه فقط:
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)
لذا كان لزاما على فرعون أن ينفي الإلوهية عن نفسه وعن غيره وأن يعترف بصريح اللفظ أن هناك إلها واحدا فقط هو ذاك الإله الذي آمنت به بنو إسرائيل (آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ)
ثانيا، لمّا لم يكن فرعون في سابق عهده من المسلمين، كان لزاما عليه أن يسلم وجهه لرب العالمين ليكون من المسلمين، فجاء إقراره بأنه من المسلمين (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
السؤال: لماذا لم يصدر من ذي النون قولا مثل الذي قاله فرعون مثلا؟
 رأينا المفترى: نحن نظن أن ذا النون لم يكن يظن بنفسه أنه إلها كما كان فرعون يظن بنفسه. ولكن كل الذي بدر من الرجل هو ظنه بقدرة هذا الإله قد تزعزعت عندما ظن أن لن يقدر عليه (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ). لذا لم يتوقف ذو النون عند المناداة (أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ) ولكنه أتبع نداءه هذا بالتسبيح (سُبْحَانَكَ). وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في قوله مرة أخرى:
فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
ليكون السؤال الآن ما فائدة عبارة "سُبْحَانَكَ" هنا؟
رأينا: نحن نظن أن الإجابة على هذا التساؤل تتطلب الغوص في آيات الكتاب الحكيم لمعرفة معنى هذه المفردة (سُبْحَانَكَ)، ليكون السؤال المطروح الآن هو: ما معنى قول ذي النون " سُبْحَانَكَ "؟ وما معنى التسبيح أصلا؟



باب التسبيح: فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ

 أما بعد،
أولا، نحن نظن أن التسبيح تعني قبل كل شيء تنزيه الإله عن الشريك لأن الله هو إله واحد أحد، فنحن نسبح الله لأنه أحد، ولو كان هناك إله غير الله لما كان هناك تسبيح أصلا، فوجود إله آخر (أو الإقرار بوجود إله آخر)حتى وإن كان من دون الله) يعني – نحن نفتري الظن- انتفاء التسبيح للإله نفسه. فلو كان عيسى ابن مريم إلها من دون الله مثلا لانتفى أن يسبح لله، ولننظر مثلا إلى ردة عيسى بن مريم كيف ينزّه ربه (الله الواحد الأحد) عن الشريك من دونه بـ التسبيح (سُبْحَانَكَ):
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116)
فـ لكي ينفي عيسى ابن مريم الاتهام المنسوب له بأنه إله من دون الله وجب عليه تسبيح الله (قَالَ سُبْحَانَكَ)، وبذلك يكون عيسى بن مريم قد كذّب دعوى المشركين، اللذين اتخذوه إلها من دون الله. ولو تدبرنا السياق القرآني التالي لوجدنا أن الغلو في الدين بالقول على الله غير الحق بما في ذلك الظن بوجود إلهين اثنين أو آلهة ثلاثة يعني انتفاء التسبيح لله:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)
واتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله ينفي التسبيح عن الإله:
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
وهكذا هي ردة الفعل لكل من يريد تنزيه الإله عن الشريك:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (100)
وعبادة من هم من دون الله حتى وإن كان بقصد الشفاعة يعني أيضا انتفاء التسبيح لله الواحد الأحد. فمن يسبح الله يجب أن لا يعبد من دونه شيئا حتى وإن كان ذلك من باب القول بالشفاعة:
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18)
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم ۖ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ۖ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ (41)

(دعاء: سبحانك اللهم ما ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء، سبحانك اللهم أنت ولينا من دونهم جميعا – آمين)
نتيجة مفتراة: من اتخذ إلها غير الله فهو من اللذين لا يسبحون الله، وهو لا شك إذن من المشركين:
أَمْ لَهُمْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)
قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

ثانيا، نحن نسبح الله لأنه صمد، أي لأنه (نحن نظن) دائم الوجود بقدرته على فعل ما لا يستطيع غيره فعله، وذلك لأنه يعلم ما لا يعلمه غيره. فالملائكة مثلا شهدت بالتسبيح لله لأنها لا تعلم ما لا يعلم:
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
فالذي يظن أن الله لا يعلم ما في السموات والأرض فهو ينفي التسبيح عن الإله:
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)
وتتمثل قدرة الله بالخلق الذي لا يقدر عليه الخالقون الآخرون اللذين من دونه:
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)
فهناك خالقون كثيرون غير الله ولكن الله هو أحسنهم:
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (125)

وذلك لأن خلق ما دون الله قابل للتحسين (أي التطوير) ولكن خلق الله هو الأحسن لأنه غير قابل للتحسين مادام أنه قد جاء من أحسن الخالقين
وأن هذا الخلق لا يقدر عليه إلا إله واحد، وأن وجود إله آخر معه يودي لا محالة إلى فساد السموات والأرض:
لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
وأن هذا الخالق يتميز عن غيره من الخالقين بعدم قدرة الأبصار عن إدراكه، فموسى هو من نزّه الإله عن قدرة الأبصار على إدراكه:
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)

دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)

وأن هذا الخالق قادر على فعل ما لا يقدر غيره على فعله، فهو وحده من أسرى بعبده مثلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا ليلا، فهل يقدر على ذلك غيره؟
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)ثالثا: نحن نسبح الله لأنه لم يلد ولم يولد، فالذي ينسب الولد لله هو ينفي بذلك التسبيح عن الإله:
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116)

قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ الْغَنِيُّ ۖ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ (57)

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (100)

مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35)

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)

 وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26)

 مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)

لَّوْ أَرَادَ اللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)

رابعا: نحن نسبح الله لأن ليس له كفوا أحد، فهل يستطيع محمد مثلا أن يفعل ما طلبه منه المشركون كما تصوره الآية الكريمة التالية مثلا؟
أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا (93)
ومن يستطيع أن ينفذ وعده كما يفعل الإله الواحد الأحد؟
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)
ومن غير الله يستطيع أن يبارك من في النار ومن حولها؟
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)
ومن غير الله يستطيع أن يخلق ما يشاء ويختار؟
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)
وهذا التحدي واضح تماما في عملية الخلق والرزق والموت والحياة بعد ذلك:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)
وهو واضح أيضا في خلق الأزواج كلها:
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)

لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)

وهو أيضا واضح في حيازة ملكوت كل شيء بيده:
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
فالذي لا يقدّر الله حق قدره فهو ينفي بذلك التسبيح عن الإله:
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)

قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)

سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)

سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17)
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن كل من لا يقدر الله حق قدره ينتفي أن يكون من المسبحين، وذلك لأن الله هو الوحيد الذي له جميع الأسماء الحسنى، لذا نحن نسبحه لأن كل ما دونه لا يتصف بهذه الصفات مجتمعة:
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
عودة على بدء
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: عندما ظن ذو النون أن الله (ومن معه من رسوله وملائكته) لن يقدروا عليه (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ)، فهو بذلك قد تنازل عن تسبيح الإله في فترة ما من حياته، فكان لابد له من أن يعيد الثقة بربه من جديد فيسبحه (سُبْحَانَكَ)، لذا جاء في نداءه في الظلمات إقرار بالتسبيح للإله:
 وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
الدليل
لو تفقدنا السياق القرآني التالي الخاص بذي النون لربما وجدنا الدليل الذي يثبت زعمنا هذا، قال تعالى:
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
دقق – عزيزي القارئ - في الآية (143) من هذا السياق القرآني على وجه التحديد، لنطرح بعد ذلك التساؤل المثير على النحو التالي: لماذا جاءت مفردة كَانَ هنا؟ لِم لم يأتي السياق القرآني بدونها على نحو فَلَوْلَا أَنَّهُ ... مِنَ الْمُسَبِّحِينَ؟
 ما الفرق بين أن يكون ذي النون مِنَ الْمُسَبِّحِينَ أو أنه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن تسبيح ذي النون كان في فترة معينة من حياته، وأن تسبيحه هذا قد تلاشى في فترة من الزمن من حياته، وما عاد ليكون من المسبحين من جديد إلا في بطن الحوت لتكون الصورة على النحو التالي:
في الزمن الماضي البعيد                  كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ                  
في الزمن الماضي القريب               لم يعد من المسبحين (عندما ظن أن لن نقدر عليه) 
في الوقت الحالي في بطن الحوت      فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ


سؤال مثير جدا: إذا كان ذو النون قد ترك التسبيح فترة من الزمن بدليل أنه (كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)، فكيف يمكن أن نربط ذلك بمنطوق الآية الكريمة التالية؟
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)
السؤال: مادام أن كل شيء يسبح بحمد الله (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)، فكيف يستطيع ذو النون أن يتوقف عن تسبيح ربه؟ وكيف يمكن لنا أن نتوقف (نحن) عن تسبيح ربنا؟ والأهم من هذا كله هو: لم يطلب الله منا أن نسبحه مادام أن السموات والأرض وما فيهن يسبح له (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ) ومادام أن كل شيء أصلا يسبح بحمده (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ



 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)

قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)

إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩ (206)

قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (98)

تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)

فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)

كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33)

فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ (130)

يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)

فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ (15)

وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)

فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)

وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)


إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)

وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)

فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ ۩ (38)

تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)

لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)

لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)

فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)


وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)


سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)

هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)


يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)

قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)

قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)

إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)

وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)


فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)

السؤال الخطير جدا هو: لماذا احتمالية التسبيح (أو عدمها) عند الناس ممكنة؟

قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)
بينما هي أصيلة في السموات والأرض ومن فيهن وكل شيء، أليس كذلك؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن هذا سؤال كبير جدا جدا سنحاول التعرض به بحول الله وتوفيق منه في مقالات منفصلة لخطورته واتساع إطاره النظري، لذا نسأل الله أن يأذن لنا الإحاطة بشيء من علمه فيه – آمين)
إن ما يهمنا قوله هنا هو أن الإنسان (كذي النون مثلا) يمكن أن يكون من المسبحين في وقت ما ويمكن أن لا يكون من المسبحين في وقت آخر، بدليل أن ذا النون نفسه (كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ):
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
ثم عاد ليكون من المسبحين مرة أخرى بعد أن التقمه الحوت:
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
السؤال: ما الذي دفع ذا النون على ترك التسبيح فترة من الزمن؟
رأينا المفترى: لأنه كان من الظالمين:
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
تساؤلات
- كيف كان ذو النون من الظالمين؟
- ما الذي فعله حتى كان في فترة من حياته من الظالمين؟
- وكيف يمكن أن نربط أنه كان من المسبحين كما جاء في قوله تعالى (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) مع أنه كان من الظالمين في قوله تعالى (إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
- فهل يمكن أن يجتمع التسبيح مع الظلم؟
- وأيهما حصل في البداية التسبيح أم الظلم؟
- وما هي طبيعة الظلم الذي ارتكبه ذو النون؟
- وكيف استطاع أن يتخلص من ذاك الظلم؟
- الخ
هذا ما سنتناوله في الجزء القادم من هذه المقالة تحت الباب الثالث وهو باب: إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يزدني علما وأن يهدينا لأقرب من هذا رشدا، إنه هو العليم الحكيم - آمين


المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان

 بقلم د. رشيد الجراح

23 كانون أول 2014



الجزء الرابع                       الجزء السادس