تحلل هذه المقالة بعمق قصة النبي يونس (ذي النون) من منظور قرآني مقارن، حيث تستعرض التقاطعات بين قصته وسيرة النبي محمد، بالإضافة إلى شخصيتي موسى وفرعون. يطرح الكاتب فرضية مركزية تميّز بين مرحلتين في حياة الأنبياء: مرحلة "الحكم والعلم" التي تسبق مرحلة "الرسالة" الرسمية. ويرى أن يونس، في مرحلة الحكم، لم يصبر لحكم ربه وركن إلى المنافقين، مما أدى إلى ابتلائه بالحوت، بينما كاد محمد أن يقع في نفس الموقف لولا تثبيت الله له. تستكشف المقالة مفهوم "الحكم" الإلهي كأداة للمعرفة، وتميزه عن "الملك" (السلطة)، وتناقش أنواع العلماء بين "الراسخين في العلم" وأهل الزيغ الذين يبتغون الفتنة.
انهينا الجزء السابق من هذه المقالة بزعمنا المفترى من عند أنفسنا بوجود تقاطعات ذات دلالة بين قصة ذي النون في بعض جوانبها مع بعض تفاصيل سيرة محمد، وشخصية فرعون وقصة موسى. ووعدنا القارئ الكريم أن نحاول النبش في هذه التقاطعات علّنا نستطيع بحول الله وتوفيق منه أن نحيك في نهاية المطاف بيتا كبيت العنكبوت عن رؤيتنا لهذه القصة الخالدة في كتاب الله، ربما تكون منافسة في بعض تفاصيلها للفكر السائد الذي نظن أنه أخطأ الهدف عندما لم يبنى نفسه على المنهجية السليمة ذات الأدوات الفعالة في حياكة القصة كما تصورها آيات الكتاب الحكيم.
لذا سنحاول أن تجزئة النقاش في هذا الموضوع تحت ثلاثة عناوين فرعية وهي:
تقاطعات بين يونس ومحمد بما وجدناه (نحن) من الآية الكريمة التالية:
وفي الوقت ذاته نجد أن الآية الكريمة نفسها توجّه محمدا (من أُنزِل القرآن على قلبه) أن يصبر لحكم ربه (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ)، وتنهاه بأن يكون كصاحب الحوت في ذلك (وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ). فالمقارنة (نحن نكاد نجزم الظن) واضحة بين ذي النون وهو الذي لم يصبر لحكم ربه من جهة ومحمد (الذي كاد أن يكون كذي النون في ذلك) من جهة أخرى، والتوجيه الإلهي واضح وهو أن لا يكون محمد في هذا الشأن كصاحب الحوت، وذلك لأن ذا النون – لا شك- لم يصبر لحكم ربه، أليس كذلك؟
السؤال:
التساؤلات:
* ما معنى أن ذا النون لم يصبر لحكم ربه؟ أو بكلمات أخرى، ما معنى (نحن نسأل) أن يصبر شخص (كالنبي مثلا) لحكم ربه؟
* كيف لم يصبر ذو النون لحكم ربه؟ فما الذي فعله الرجل حتى أصبح غير صابر لحكم ربه؟
* وما هو أصلا حكم ربه الذي لم يثبر له صاحب الحوت؟
* متى حصل ذلك منه؟
* كيف حصل ذلك؟
* ومتى حصل أن محمدا نفسه كاد أن يكون كصاحب الحوت في ذلك؟
* فما الذي بدر من محمد حتى ينزل قرآنا يتلى يوجهه بأن لا يكون كصاحب الحوت؟
* الخ.
السؤال القوي: كيف كاد محمد أن لا يصبر لحكم ربه؟
رأينا المفترى: لو تدبرنا السياق القرآني التالي لوجدنا أن الصبر لحكم الرب يعني عدم إطاعة من كان آثما أو كفورا:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا ﴿٢٤﴾
سورة الإنسان
ولو حاولنا أن نشد خيطا من خيوط بيت العنكبوت بين هذه الآية الكريمة وتلك الآية الكريمة الأخرى التي جاء الربط فيها واضحا بين محمد من جهة وصاحب الحوت (يونس) من جهة أخرى:
لربما استطعنا استنباط النتيجة المفتراة من عند أنفسنا التالية: حتى يصبر محمد (أو أي شخص) لحكم ربه فعليه أن لا يطع من كان حوله آثما أو كفورا. لذا، فالذي لم يصبر لحكم ربه - بالمقابل- هو (نحن نفتري القول) من أطاع من حوله ممن كان منهم آثما أو كفورا. وبناء على هذا، فإننا نظن بصحة الافتراءات المستنبطة التالية:
افتراء رقم 1: لم يصبر ذو النون لحكم ربه لأنه أطاع من حوله ممن كان منهم آثما أو كفورا
افتراء رقم 2: كاد محمد أن يقع في المطب نفسه
منطقنا المفترى: مادام أن ذا النون لم يصبر لحكم ربه، فلابد إذن (نحن نستنبط القول – ربما مخطئين) بأنه قد أطاع بعض من حوله ممن كان آثما أو كفورا.
السؤال: من هم هؤلاء الذين ربما يطيعهم شخص كالنبي فيكون بذلك غير صابر لحكم ربه؟
رأينا المفترى: إنهم مجموعة الكافرين والمنافقين. وانظر – إن شئت- في قوله تعالى:
نتيجة مفتراة: عندما يكون حول الرسول بعض الكافرين والمنافقين فإنهم لن يألوا جهدا في محاولتهم التأثير على الرسول، والهدف هو أن يركن إليهم الرسول ولو شيئا قليلا:
نتيجة مفتراة: كادت جهود المنافقين والكافرين في محاولتهم التأثير على الرسول بأن يركن إليهم شيئا قليلا أن تنجح، والذي حال دون ذلك هو التدخل الإلهي بالتثبيت لرسوله.
نتيجة مفتراة مهمة جدا: لو أن محمدا أركن إلى المنافقين والكافرين شيئا قليلا، فلن يكون إذا قد صبر لحكم ربه.
السؤال: ما الشيء الذي كاد محمد أن يركن فيه إلى من حوله من الكافرين والمنافقين؟ ومتى حصل ذلك؟
جواب مفترى: نحن نظن أن الإجابة على هذه التساؤلات موجودة في السياق القرآني نفسه، فدعنا نتدبر الآي الكريمة السابقة في سياقها الكلي:
السؤال: ما الذي يمكن أن نستنبطه من هذا السياق القرآني الأوسع؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: حاول بعض الكافرين وبعض المنافقين ممن هم حول محمد أن يفتنوه عن بعض ما أوحي إليه (وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)، والغاية عندهم هي أن يفتري محمد على الله غير ما أُوحي أليه من ربه (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ). ولما كان بعض هؤلاء من المنافقين الذين يبطنون ما لا يظهرون، فإني أكاد أجزم القول بأنهم كانوا يحاولون أن يصوروا ذلك للنبي في باب المصلحة العامة مادام أنها ستجعله خليلا لهم (وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا). فهم يحاولون أن يقنعوا محمدا بأنه لو افترى شيئا غير الذي أُوحي إليه من ربه لأصبح ذلك في صالح دعوته لأنه سيكون مقبولا عندهم، لا بل سيتخذونه خليلا (وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا).
السؤال: كيف يكون ذلك؟
لا شك – عندنا- أن هؤلاء النفر من المنافقين والكافرين من أصحاب النفوذ في قومهم، اللذين لو صدّقوا رسالة محمد لسهل على النبي أمر الدعوة إلى الله، وذلك لأن الكثيرين من قومهم سيتبعونهم في ذلك. فإقناع سادة القوم وقبولهم بالدعوة تحمل في ثناياها قبول العامة لها من بعدهم (وهذا ما سنتحدث عنه بحول الله وتوفيقه عندما ننتقل للحديث عن مكانة فرعون في قومه وكيف أن رسالة موسى وأخيه هارون كانت موجهة فقط لفرعون وملئه).
وفي مثل هذا الموقف (نحن لازلنا نتخيل) يجد محمد أن الإغراء كبير، وربما ظن للحظة أن هذا قد يصب في مصلحة الدعوة (إذا ما ذهبنا في غيابة نفق مقاصد الشريعة كما يفعل سادتنا العلماء اللذين نتهمهم بتشويه العقائد كلها تحت هذا البند، فكل منهم يختار من الشريعة مقاصدها التي تسعفه لتبرير رأيه)[1]. وفي هذه الأثناء تميل نفس محمد (نحن لازلنا نتخيل) إلى الركون إليهم شيئا قليلا. فيأتي التدخل الإلهي المباشر بالتثبيت كما تصور ذلك الآية الكريمة نفسها أحسن تصوير:
ولا شك – عندنا- أن الهدف عندهم (أي من كان يحاول من المنافين والكافرين أن يقنع محمدا بأن يفتري على الله شيئا غير الذي أُوحي إليه ليتخذوه بعدئذ خليلا) هو هدف خبيث جدا، لا يقدر عليه إلا من كان الشيطان هو معلمه ومرشده.
التثبيت الإلهي لمحمد
السؤال: كيف حصل التثبيت لمحمد حتى لا يقع في مثل هذا المطب؟
رأينا: نحن نفتري القول بأن التثبيت لمحمد قد حصل بما ترشد إليه الآيات الكريمة التالية:
نتيجة: لقد نزل الله على قلب محمد القرآن جملة واحدة فكان فيه من أنباء الرسل السابقين (ومنهم قصة يونس نفسه)، فوجد محمد في قصصهم ما يواجهه بنفسه مع هؤلاء الذين حوله من المنافقين والكافرين. فعلم محمد أن هدفهم ليس أن يكون خليلا حقيقيا لهم، لأن الأخلاء بعضهم لبعض عدو إلا المتقين:
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴿٦٧﴾
سورة الزخرف
نتيجة مفتراة: لمّا كان هؤلاء الذين يريدون أن يتخذوا محمدا خليلا (وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا) بعد أن يكون قد نزل عند رغبتهم بالافتراء على الله شيئا غير الذي أوحي إليه (وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ) (وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) ليسوا من المتقين، علم محمد يقينا عداوتهم له، كما علم أهدافهم ونواياهم الحقيقية من وراء ذلك.
خطورة مخطط المنافقين والكافرين
السؤال: ما الذي كانوا يخططون له؟ أي لماذا حاول بعض المنافقين والكافرين إقناع محمد بأن يفتري على الله شيئا غير الذي أوحي إليه؟
جواب: نحن نتصور أن هدفهم الحقيقي كان على نحو إيقاع محمد في فعل الكذب، وذلك لأنه لو أفترى محمد شيئا غير الذي أنزل إليه لكان ذلك يقع في باب افتراء الكذب على الله، أليس كذلك؟
انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا ﴿٥٠﴾
سورة النساء
نتيجة مفتراة: تصور هذه الآية الكريمة أن الغضب الإلهي والذلة في الحياة الدنيا (سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) هي جزاء للمفترين (وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ)، أليس كذلك؟
ولا شك أن ذلك سيقع في باب الفعل الذي يقوم به المجرمون:
نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا: لو فعلا نزل محمد عند طلبهم وافترى على الله شيئا غير الذي أوحي إليه لختم الله على قلب محمد.
السؤال الثاني الأكثر خطورة: هل كان محمد يفترى؟
رأينا المفترى: نعم، كان محمد يفتري، لكن شتان بين أن يفتري محمد شيئا غير الذي أوحي إليه وأن يفتري محمد ما كان يوحى إليه من ربه. فنحن على العقيدة التي مفادها أن ما كان يفتريه محمد، كان يأتيه مباشرة من ربه. فما جاء به محمد من قرآن فهو مفترى من الله نفسه:
نتيجة مهمة جدا 1: من كان يفتري قولا من عند نفسه فهو يقع في قائمة المجرمين
نتيجة مهمة جدا 2: من كان يفتري قولا يوحى إليه من ربه فهو يقع في قائمة المرسلين
السؤال: أتدرك – عزيزي القارئ- الآن خطورة ما كان يخطط له هؤلاء المنافقون والكافرون عندما حاولوا أن يتخذوا محمدا خليلا إن هو افتري على الله شيئا غير الذي أوحي إليه؟
الجواب: نحن نفتري القول بأنهم كانوا يحاولون أن ينقلوا محمد من قائمة الرسل (المرسلين) إلى قائمة الكاذبين (المجرمين)
السؤال: ما هو الشيء الذي كان المنافقون والكافرون من حول محمد يحاولون جهدهم أن يقنعوا محمدا بأن يفتريه من عند نفسه؟ وبكلمات أخرى، ما الشيء الذي كان يطلب هؤلاء من محمد أن يفتريه (شَيْئًا) من عند نفسه غير الذي أوحي إليه؟
رأينا المفترى: لو دققنا في النص القرآني نفسه أكثر، لوجدنا أن الآية الكريمة لم تأت على النحو التالي (لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ ... قَلِيلًا) وإنما جاءت على نحو (لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)، الأمر الذي يدعونا إلى الاستنباط (ربما مخطئين) بأن هناك شيئا محددا بذاته هو الذي كاد محمد أن يركن إليهم فيه، وهو الذي ألح أولئك القوم في طلبه من محمد حتى يتخذوه خليلا:
نتيجة مفتراة: بناء على ما فهمناه من الآيات الكريمة السابقة، فإننا نستنبط القول (ربما مخطئين) بأن الافتراء غالبا ما يكون خاصا بالحلال والحرام من الرزق أو بعبادة أحد غير الله أو بتبديل الآيات أو بافتراء البهتان، الخ.
السؤال المطروح إذن: ما الشيء الذي ألح المنافقون والكافرون على محمد أن يفتريه من عند نفسه؟
نتيجة مفتراة 1: كاد محمد أن يركن إليهم في شيء واحد (شَيْئًا)
نتيجة مفتراة: 2: كان ذلك الشيء شيئا قليلا (شَيْئًا قَلِيلًا)
لذا، نحن نتجرأ على الاستنباط بأن ذلك الشيء الذي كاد محمد أن يركن إليهم فيه لم يكن من الأمور التي قد تبدو جوهرية في العقيدة كالكفر أو الشرك ونحوهما. فالقلة هي الاستثناء الذي قد لا يكون ظاهر التأثير، وانظر – إن شئت- في الآيات الكريمة التالية:
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴿٤٧﴾
سورة يوسف
ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴿٤٨﴾
سورة يوسف
النتيجة: في لحظة ما من الدعوة، كاد محمد أن يركن إلى من حوله من الكافرين والمنافقين شَيْئًا قَلِيلًا، فجاءه التوجيه الإلهي بأن لا يفعل، لأن النتيجة ستكون في هذه الحالة وخيمة:
نتيجة مفتراة 1: مادام أن الشيء الذي كان يحاول القوم أن يقنعوا محمد بافتراءه من عند نفسه قد كان شيئا قليلا، لذا نحن نستبعد أن يكون متعلقا بعبادة غير الله أو بتبديل الآيات.
نتيجة مفتراة 2: نحن نعتقد أن الأمر متعلق بواحدة من احتمالين: الرزق (الحلال والحرام) أو النساء، لذا تصبح السياقات القرآنية التالية (في رأينا) هي ذات العلاقة بالموضوع:
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأن الشيء القليل الذي كاد الكافرون والمنافقون أن ينجحوا في جعل النبي يركن إليهم فيه شيء قليل له علاقة بالرزق (الحلال والحرام) أو بالنساء.
السؤال: ما هو ذلك الشيء إذن؟
جواب: هذا ما سنتعرض له لاحقا بحول الله وتوفيقه، فالله أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا وأن يزدني علما، إنه هو الواسع العليم – آمين.
لكن الذي يهمنا الآن هو علاقة هذا الأمر (بغض النظر عن طبيعته) بقصة يونس نفسها، القصة التي هي موضوع النقاش هنا.
السؤال: كيف يمكن فهم ذلك كله في سياق الحديث عن قصة يونس؟ أي كيف يمكن أن نربط هذا الحديث المفترى من عند أنفسنا من سيرة محمد مع قصة يونس؟ فما أوجه التشابه والاختلاف بين الحالتين؟
المقارنة بين حالة يونس ومحمد
رأينا المفترى: نحن نظن أن الجدول التالي يبرز أهم أوجه التشابه والاختلاف بين الحالتين:
يونس
محمد
حاول بعض المنافقين والكافرين أن يفتنوه
كان طلبهم أن يفتري على الله شيئا قليلا
وقع يونس فعلا في شركهم
لم يأت توجيه إلهي لذي النون بأن يصبر لحكم ربه
الخ
حاول بعض المنافقين والكافرين أن يفتنوه
كان طلبهم أن يفتري على الله شيئا قليلا
كاد محمد أن يقع في المطب نفسه
جاء التوجيه الإلهي أن يصبر محمد لحكم ربه فلا يكن كصاحب الحوت
الخ
رأينا: نحن نفتري الظن بأن الذي حصل مع يونس (في هذه الجزئية: الصبر لحكم ربه) يشبه تماما ما حصل مع محمد وإن كانت النتائج مختلفة، وذلك لأن يونس (على عكس محمد) لم يصبر لحكم ربه، فركن إلى من حوله شيئا قليلا، لنطرح من خلال ذلك بعض التساؤلات المثيرة:
لماذا لم يصبر يونس لحكم ربه؟
وما معنى أن يكون ذو النون قد صبر أو لم يصبر لحكم ربه؟ أي ما معنى الصبر لحكم ربه؟
لماذا لم يأت توجيه إلهي لذي النون بأن يصبر لحكم ربه كما جاء في حالة محمد؟
لماذا لم يأت التثبيت الإلهي لـ ذي النون كما جاء التثبيت لـ محمد في ذلك؟
أما بعد،
لنبدأ النقاش هنا طارحين التساؤلين الأخيرين أولا: لماذا لم يُوحى إلى ذي النون بأن لا يركن إلى من حوله كما حصل الوحي في حالة محمد؟ ولماذا لم يأت التثبيت الإلهي لـ ذي النون كما حصل في حالة محمد؟
وبكلمات أكثر دقة نقول: إذا كان ما تقوله صحيحا (يسأل صاحبنا)، لِم لم ينزل الوحي على ذي النون بأن يصبر لحكم ربه ولا يطع الكافرين والمنافقين اللذين من حوله كما حصل مع محمد؟
رأينا المفترى والخطير جدا: لأن ذا النون لم يكن قد أصبح رسولا بعد. فعدم صبر ذي النون لحكم ربه كان قبل حادثة دخوله في بطن الحوت. ولكن الرسالة جاءته بعد أن نبذ بالعراء من بطن الحوت.
السؤال: وما الفرق؟ ما الفرق أن يكون ذو النون قد صبر (أو لم يصبر) قبل البعث بالرسالة أو بعد أن بُعِث رسولا في قومه؟
مرحلة الحكم ومرحلة الرسالة: تمييز ضروري
رأينا: لابد لنا أن نميّز بين مرحلتين في حياة كل رسول من رسل الله، والمرحلتان هما:
مرحلة الحكم
مرحلة الرسالة
الدليل
قضية موسى عليه السلام
ها هو موسى يحصل على الحكم والعلم عندما بلغ أشده واستوى، أليس كذلك؟
نتيجة مهمة جدا جدا: وقع موسى في فعل ظلم نفسه بعد أن كان الله قد آتاه حكما وعلما وكان ذلك بعد أن بلغ أشده واستوى.
ثم، ألم يهرب بعد ذلك إلى مدين ليقضي فيها سنين من عمرة؟
السؤال: هل كان موسى حينها رسولا من الله إلى القوم؟
جواب مفترى: كلا وألف كلا.
رأينا المفترى: في تلك اللحظة التي دخل موسى المدينة بعد أن آتاه الله حكما وعلما لم يكن موسى يحاول أن يكون أكثر من واحد من المصلحين، وقد جاء ذلك على لسان من أراد موسى أن يبطش به في اليوم التالي:
السؤال: إذا كان موسى قد أصبح حينها رسولا، فلم إذن يهرب من المدينة كلها؟
تلخيص: آتى الله موسى حكما وعلما، فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها، فوكز موسى الرجل الذي كان من عدوه نصرة لمن استغاثه من شيعته، فقضى عليه، أقر موسى بظلمه لنفسه، خرج من المدينة خائفا، فتوجه تلقاء مدين ومكث فيها يرعى الغنم عند شعيب لقاء أن أنكحه ابنته. وحصل هذا كله قبل أن يُكلّف موسى بالرسالة.
السؤال: متى إذن جاء التكليف الإلهي لموسى بالرسالة؟
جواب: بعد أن سار بأهله قافلا العودة من مدين متجها إلى الأرض المقدسة من جديد:
وهناك جاءه التكليف المباشر من الله بأن يكون رسولا:
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ ﴿١٣﴾
سورة طه
نتيجة مهمة: عاد موسى من أرض مدين، وكان ذلك على قدر (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ)، وما أن وصل إلى الواد المقدس حتى جاءه التكليف بالرسالة (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ).
السؤال: كم استغرقت تلك الفترة من عمر موسى؟ ألم تفصل عشرة حجج بين فترة الحكم والعلم الذي حصل عليه قبل هروبه إلى مدين من جهة وتكليفه بالرسالة في الواد المقدس بعد أن عاد سائرا بأهله من جهة أخرى؟
نتيجة مفتراة جدا جدا: إن أبسط ما يمكن أن نخرج به من هذا النقاش هو أن الله قد يؤتي بعض عباده حكما وعلما (حُكْمًا وَعِلْمًا) ولكن ذلك لا يعني أنه قد كُلّف رسميا بالرسالة، فالحكم والعلم شيء والرسالة شيء آخر.
قضية يوسف عليه السلام
وهذا الفصل بين الحالتين لم يكن فقط خاصا بموسى، فالقصة تتكرر في حالة يوسف. فما أن بلغ أشده حتى كان الحكم والعلم من نصيبه:
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٢٢﴾
سورة يوسف
ولكن ما الذي بدر منه بعد ذلك؟ ألم تراوده المرأة التي هو في بيتها عن نفسه؟ وأنظر- إن شئت- في سياق هذه الآية الأوسع:
السؤال الأهم: هل كان يوسف رسولا مكلفا بالرسالة حينها؟ وهل بدر منه إشارة واحدة للدعوة إلى الله قبل هذه الحادثة؟ ألم يمكث في السجن بضعة سنين؟ ألم تأتي رؤية صاحبيه السجن بعد فترة من الزمن في السجن؟ فمتى بدأ يوسف يدعو إلى الله؟
رأينا: لم نجد في سياق الحديث عن قصة يوسف أن يوسف قد بدأ يدعو إلى الله إلا في السجن، وبالتحديد في حادثة تأويل رؤيا صاحبيه:
نتيجة مفتراة: عندما حاولت المرأة إيقاع يوسف في الشَرَك، كان يوسف ممن يملك حكما وعلما لكنه لم يكن قد كُلّف بالرسالة بعد. لذا، نحن نتجرأ على تقديم الافتراء التالي: تأتي مرحلة الحكم (والعلم) سابقة لمرحلة الرسالة
الحكمة من سبق مرحلة الحكم للرسالة
السؤال: لماذا؟ أي لماذا تسبق مرحلة الحصول على الحكم (والعلم) مرحلة التكليف بالرسالة؟
جواب مفترى خطير جدا: لإحداث الفتنة.
تخيلات مفتراة: حتى يكون شخص ما مؤهلا للرسالة فعليه أن يكون قد آتاه الله حكما وعلما من ذي قبل، ويستمر هذا الشخص على هذه الحالة فترة من الزمن، وفي غضون ذلك قد يتعرض لبعض مواطن الفتنة، فقد ينجو منها (كما حصل مع يوسف) وقد يقع فيها (كما حصل مع موسى). فإن هو وقع فيها، فإنه سيتحمل تبعاتها، فتحجز عنه الرسالة فترة من الزمن حتى يستطيع تطهير نفسه من الظلم الذي وقع فيه. فما أن قتل موسى ذلك الرجل حتى اعترف على الفور بخطأ ما اقترف من الإثم بحق نفسه، فطلب المغفرة من الله:
ودخل موسى المدينة بعد ذلك على أثر موت الفرعون الأول (فرعون الطفولة) عندما كانت المدينة كلُّها على حين غفلة (أي فترة الفراغ السياسي) لأن ذلك الفرعون الأول لم يكن له ولد يرث الحكم من بعده مباشرة. فبقيت المدينة كلّها فترة من الزمن بلا فرعون (في غفلة)، وكان الملأ هم من يحكم المدينة، وليس أدل على ذلك من أن الرجل الذي جاءه ناصحا قد حذره من تآمر الملأ به:
فالرجل لم يحذره من فرعون نفسه ولكنه حذره من الملأ (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) وذلك لأن المدينة – في رأينا- لم يكن فيها فرعون يحكم، وكانت تحت حكم الملأ من آل فرعون. فكانت المدينة كلها في غفلة حتى يتولى فرعون جديد مقاليد السلطة في البلاد (للتفصيل انظر مقالة قصة موسى: فرعون الطفولة وفرعون الرسالة). في تلك الأثناء حاول نفر من بني إسرائيل إحداث ثورة ضد حكم الفراعنة اللذين استعبدوهم فترة من الزمن، وفي تلك اللحظة التاريخية التي كادت أن تكون حاسمة من حياة بني إسرائيل بشكل خاص وحياة المدينة كلها بشكل عام، عاد موسى ليناصر شيعته (بني إسرائيل) على عدوه (الفراعنة)، وما أن دخل المدينة حتى وجد فيها رجلين يقتتلان، فانتصر موسى لمن هو من شيعته على الذي هو من عدوه، فوكزه فقضى عليه، عندها علم موسى على الفور خطأ ما فعل، فنسب ذلك إلى عمل الشيطان:
السؤال: كيف سيتمكن موسى من التخلص من هذا الذنب الذي وقع فيه؟
رأينا: نحن نظن أن ذلك تم من خلال:
هروب موسى من المدينة
بقاءه فترة طويلة من الزمن يحاول النجاة من هذا الغم الذي أوقع نفسه فيه
نتيجة مفتراة خطيرة جدا (1): حتى تمكن موسى من التخلص من خطيئته تلك (والنجاة من الغم)، كلّفه الأمر (نحن نفتري القول) تأخر الرسالة سنين من عمره، فما حصل على الرسالة إلا بعد أن مكث في مدين عشرة حجج، يرعى فيها الغنم لمن أنكحه إحدى ابنتيه:
افتراء خطير جدا |(2): نحن نتخيل أن موسى قد لبت تلك الفترة الزمنية غير القليلة (عشر حجج) يحاول أن يكفر عن ذنبه جزاء بما قدمت يداه من السيئة (أي قتل الرجل الذي من عدوه نصرة لمن هو من شيعته)
إن هذا الطرح يدعونا على الفور إلى أن تتشابك خيوط العنكبوت في هذا البيت قيد الإنشاء هنا مع الخيوط في بيت آخر من خلال طرح التساؤلات المثيرة التالية عن قصة موسى:
لماذا هرب موسى إلى مدين؟
لِم لم يسلم موسى نفسه للسلطة ليتم القصاص منه؟
أليس من المفترض بمن قتل نفسا أن يقدّم نفسه للعدالة على الفور؟
وإذا كان موسى قد استطاع أن يفلت من العقاب الدنيوي، فهل سَلِم من العقاب الأخروي؟
ألا يرفع تطبيق العقوبة في الدنيا القصاص عن مرتكبها في الآخرة؟
لم إذن لم يعمد موسى إلى تسليم نفسه لتطبّق عليه عقوبة القصاص في الحياة الدنيا بدل أن يُسأل عنها في يوم الحساب؟
الخ
رأينا المفترى: نحن نظن أن نسيج خيوط بيت عنكبوت جديد من خلال طرح هذه التساؤلات حول قصة موسى ستتشابك مع خيوط هذا البيت الذي نحاول أن ننسجه الآن، كما أنها ستتشابك - لا شك- مع غيره من البيوت التي يمكن أن تنسجها الآيات الكريمة عندما تتقاطع مع بعضها البعض. ولعلي أجزم الظن بأن العواقب (إن صحّ منطقنا المفترى فيها) ستكون كارثية على الفكر الإسلامي السائد، خاصة ما يتعلق بقضايا الحدود وتطبيقاتها. ولمّا كان هذا أحد بيوت العنكبوت الكبيرة جدا التي تحتاج إلى نسج دقيق جدا، فإننا نؤثر تأجيلها بعض الوقت، سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا وأن يعلمنا الحق الذي نقوله فلا نفتري عليه الكذب، إنه هو السميع المجيب، مركزين في الوقت الحالي على البيت الذي نحاول أن ننسجه الآن عن قصة يونس نفسها، خاصة ما يتعلق منها بقضية التفريق بين فترتين منفصلتين في حياة الرسول وهما: (1) فترة الحكم و(2) التكليف بالرسالة.
السؤال: لماذا غفر الله لموسى ذلك الذنب؟
جواب: لأن موسى لم يكن قد أصبح رسولا بعد، فهو لازال في مرحلة الحكم والعلم وهي الفترة السابقة لمرحلة التكليف بالرسالة.
السؤال: وما الفرق بين ارتكاب الذنب في هذه الفترة وارتكاب الذنب في مرحلة المعصية؟
جواب: إذا ارتكب الذنب في هذه المرحلة فإن غفران الذنب وارد كما حصل مع موسى:
السؤال: لماذا لم يذق الله موسى أو ذي النون مثلا ضعف الحياة وضعف الممات؟ ولماذا غفر لهما ونجاهما من الغم؟
رأينا المفترى: لأن الذنب الذي وقعا فيه كان سابقا لمرحلة الرسالة، وقد حصل عندما كانا لا زالا يملكان حكما وعلما فقط، ولم يتم تكليفهما بالرسالة بعد.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن فترة الحكم والعلم هي فترة سابقة للتكليف بالرسالة، وفيها يمكن أن تحدث الفتنة (أو حتى إمكانية الوقوع فيها) من قبل هؤلاء البشر المؤهلين للرسالة. واحتمالية غفران الذنب والنجاة من الغم واردة جدا.
السؤال: أين الدليل على الفصل بين المرحلتين؟
جواب مفترى: نحن نجد الدليل على ذلك في طلب إبراهيم هذا:
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴿٨٣﴾
سورة الشعراء
دقق – عزيزي القارئ الكريم- فيما طلبه إبراهيم هنا. ألا تجد بأن الآية الكريمة تبيّن – بما لا يدع مجالا للشك- أن إبراهيم قد طلب شيئين اثنين؟
أن يهب له ربه حكما (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا)
أن يلحقه بالصالحين (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
السؤال: ما الفرق بين الطلبين؟
رأينا: تحدثنا في بداية هذه المقالة عن من كان من الصالحين من عباد الله، وافترينا الظن بأن اللحاق بالصالحين تعني الحصول على الرسالة، وزعمنا القول (ربما مخطئين) أن ليس هناك من كان من الصالحين إلا وكان رسولا من رب العالمين. (للتفصيل ارجع إلى الجزء السابق من هذه المقالة)
السؤال: إذا كان اللحاق بالصالحين تعني الرسالة، فما الحكم إذن؟
جواب مفترى: إن هذا السؤال ينقلنا على الفور إلى ذروة هذا الجزء من المقالة، ليكون السؤال الذي سننتقل إليه الآن هو: ما معنى "الحكم" في السياق القرآني؟ وكيف يمكن أن يحصل شخص على الحكم من الله مباشرة؟ ولا ننسى في الوقت ذاته أن المقارنة هنا هي بين ذي النون ومحمد في هذه الجزئية على وجه التحديد:
السؤال: إذا كان الظن (كما قد يتبادر للذهن للوهلة الأولى) هو أن الحكم له علاقة بالسلطة، فكيف إذن كان موسى قد أوتي "حُكْمًا وَعِلْمًا" وها هو الآن خائف مطارد من قبل من كان يملك السلطة حينئذ؟
نتيجة مفتراة: نحن نفتري القول بأنه لا علاقة لمن كان الله قد آتاه حُكْمًا بالسلطة، بل هو على الطرف المقابل لمن كان بيده السلطة. فموسى هو من آتاه الله الحكم ولكن السلطة كانت بيد الملأ من آل فرعون.
والسيناريو يتكرر في حالة يوسف، فالله كان قد آتاه حُكْمًا وَعِلْمًا عندما بلغ أشده، وهناك راودته التي هو في بيتها عن نفسه:
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ ﴿٣٥﴾
سورة يوسف
السؤال: ما معنى الحكم إذن؟
جواب: دعنا نعود لنتدبر طلب إبراهيم السابق كما ورد في الآية الكريمة:
رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴿٨٣﴾
سورة الشعراء
السؤال: هل كان إبراهيم طالبا السلطة عندما سأل ربه أن يهب له حكما (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا)؟ وما الذي حصل عندما تقابل مع من كان يملكها كما تصور ذلك الآية الكريمة التالية؟
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن الحاجة ملحة للتفريق بين من آتاه الله حُكْمًا كإبراهيم وموسى ويوسف وجميع رسل الله كما جاء في مثل الآيات الكريمة التالية من جهة:
(دعاء: رب هب لي حكما، وعلمني من لدنك علما، وآتني حكما وعلما، إنك أنت الواسع العليم – آمين)
لتصبح النتائج المفتراة من عند أنفسنا عن هذه الجزئية على النحو التالي:
نتيجة مفتراة 1: الحكم يختلف عن الحكم
نتيجة مفتراة 2: الحكم يقترن بالعلم بشكل كبير جدا
نتيجة مفتراة 3: الحكم قد ينفك عن العلم
نتيجة مفتراة 4: الحكم يسبق العلم
نتيجة مفتراة 5: يتم الحصول على الحكم هبة
نتيجة مفتراة 6: يتم الحصول على العلم تعليما
نتيجة مفتراة 7: يتم الحصول على الحكم والعلم معا إتيانا
السؤال: ما هو الحكم إذن؟ وكيف يختلف عن العلم؟
الحكم كوسيلة للحصول على العلم
رأينا المفترى من عند أنفسنا: تحدثنا في عدة مقالات سابقة لنا عن العلم، وحاولنا التمييز بين العلم من جهة والمعرفة من جهة أخرى، وافترينا الظن من عند أنفسنا أن المعرفة هي ما يتحصل للإنسان من معلومة نتيجة جهد يبذله فيها، وقد يصيب وقد يخطئ فيها. فالمعرفة قابلة للصواب وللخطأ لأنها جهد بشري. أما العلم فهو المعلومة التي لا تحتمل الصواب والخطأ لأنها معلومة صحيحة مادام أنها صادرة من مصدر العلم الحقيقي.
وقد قدمنا حينئذ الافتراءات التالية:
المعرفة صناعة بشرية بينما العلم صناعة إلهية
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴿٣٠﴾
سورة محمد
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿٢٦﴾
سورة الملك
المعرفة تحتاج إلى بذل للجهد للحصول عليها:
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٥٨﴾
سورة يوسف
المعرفة تحتاج إلى دليل:
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴿٣٠﴾
سورة محمد
المعرفة تراكمية تزيد وتنقص
الخ
لتكون النتيجة التي نحاول أن نبرزها هنا هي أن كل ما تحصل عند الناس من خبرات بشرية هي محصلة تراكمية تقع في باب المعرفة ولا تقع في باب العلم، وذلك لأننا نفتري الظن أن العلم – على عكس المعرفة- لا يتطلب الحصول عليه إلى جهد ولا إلى دليل وهو- في رأينا- ليس تراكمي، فهو يأتي دفعة واحدة في صورته النهائية، يستحيل بعدها أن يضاف إليه شيء ليحسّنه. فمتى كان الخبر ناتجاً عن علم فهو إذاً نهائي، ولكن إن كان الخبر ناتجاً عن معرفة فيمكن حينئذ أن يحدث عليه تحسين (وربما تغيير). لذا، فإننا نفتري الظن من عند أنفسنا بأن كل ما تحصل للبشر (غير اللذين منّ الله عليهم بالعلم) بطريقة البحث والتجربة والدليل يقع في باب المعرفة وليس في باب العلم، فالجامعات والمعاهد كلّها مبنيّة على مبدأ المعرفة، ولا يوجد حتى الساعة مؤسسات علمية مبنية على أساس العلم، فما تحصل للغرب حتى الساعة من خبرات لا تتعدى أن تكون معرفة، ولكن ما نحاول البحث عنه في هذا الكتاب العظيم فهو العلم، لذا فالله أسأل أن يأذن لي الإحاطة بشيء من علمه كما كان لصاحب موسى مثلاً:
نتيجة مهمة جدا جدا: هناك طريقتان للحصول على المعلومة وهما:
الحصول على المعلومة كمعرفة
الحصول على المعلومة كعلم
السؤال: كيف حصل مجموع البشر حتى الساعة على المعلومة؟
جواب مفترى: تم الحصول على المعلومة بطريقتين
هناك من حصل على المعلومة كمعرفة مثل انشتاين ونيوتن واديسون وابن الهيثم وغيرهم ممن اشتغلوا بهذه الصنعة على مر التاريخ
لكن هناك – بالمقابل- من حصل على المعلومة كعلم كأنبياء الله الذين جاءهم العلم من الله، وكبعض أولياء الله الصالحين (كالذي ذهب موسى ليتعلم عنده)، أو حتى كبعض الكافرين الذين جاءهم العلم فاستخدموه في غير محله كالذي آتيناه آياتنا وانسلخ منها، وكالسامري وكفرعون وقارون مثلا:
السؤال: عندما حاول نيوتن وانشتاين وأمثالهم الحصول على المعلومة كمعرفة، فقد سلكوا منهجا محددا للوصول إلى غايتهم المنشودة (أو بعض منها)، وتمثل منهجهم باستخدام ما يسمونه بأدوات البحث العلمي في المشاهدة والتجريب والتطبيق، أليس كذلك؟
السؤال: كيف توصل بعض عباد الله (كالرسل مثلا) إلى المعلومة "كعلم"؟ فهل لجأوا إلى استخدام أساليب البحث العلمي في الملاحظة والتجربة والبرهان والتطبيق؟ فهل كان عيسى ابن مريم مثلا يستخدم أدوات الطبيب (كما نعرفها) ليشفي الأبرص والأكمه وليحيي الموتى بإذن الله؟ وهل استخدم سليمان ذلك في تسخير الجن والشياطين له؟ وهل فعل داوود ذلك مع الجبال والطير؟ وهل استخدم موسى ذلك للوصول إلى العلم (العصا) الذي شق البحر والحجر؟
رأينا المفترى: كلا وألف كلا.
السؤال: ماذا كانت الطريقة التي استخدمها هؤلاء للحصول على المعلومة "كعلم"؟ وكيف تحصلت لهم تلك المعلومة؟
رأينا المفترى والخطير جدا جدا: استطاعوا الحصول على ذلك العلم بسبب امتلاكهم الحكم. انتهى.
نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا: الحكم هو وسيلة الحصول على العلم
الدليل
بداية، نحن نؤمن أن العلم الحقيقي كله محصور عند الله:
(دعاء: اللهم أسألك أن أكون من عبادك العلماء الذين تخشى منهم – آمين)
السؤال: هل كل من جاءه شيء من العلم أصبح من عباد الله العلماء؟
جواب مفترى: كلا وألف كلا، لأن هناك من هو من عباد الله العلماء الذين يخشى الله منهم، وهناك من العلماء الذين لا يخشى الله منهم بالرغم من حصولهم على العلم.
أنواع العلماء: الراسخون في العلم وأهل الزيغ
السؤال: كيف نفرق بينهم؟
رأينا: نحن نجد أن الآية الكريمة التالية تبرز الفرق بين نوعين من العلماء
رأينا: لو دققنا في هذه الآية الكريمة جيدا لوجدنا بداية أن هناك تناقض ظاهري بين مكوناتها، ليكون السؤال الذي تثيره مفردات هذه الآية الكريمة بصياغتها القرآنية هو: هل الراسخون في العلم ممن يعلم تأويل الكتاب (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)؟ هل يستطيع الراسخون في العلم أن يميزوا بين الآيات المحكمات المتشابهات؟ أم أن الله فقط هو من يعلم تأويله (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ) وأن الراسخون في العلم هم الذين يقولون (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) فقط؟
جواب مفترى: إذا كان الراسخون في العلم لا يعلمون تأويله وأن ذلك خاصا فقط بالإله نفسه (كما ظن كثير من أهل الدراية من قبلنا)، فلم إذن هم من الراسخين في العلم أصلا؟ وما فائدة رسوخهم في العلم إذن؟ هل مجرد أنهم يقولون " آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا" يجعلهم من الراسخين في العلم؟ ألا نقول نحن جميعا ذلك في كل لحظة؟ ألا نشهد بأننا (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا)؟ فكيف إذن سيختلف الراسخون في العلم عن غيرهم؟
وربما يكون صد البغي بوضع الحاجز بين الطرفين كحالة البرزخ بين البحرين حتى لا يبغي البحر الأكبر حجما على البحر الأصغر حجما:
بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ ﴿٢٠﴾
سورة الرحمن
وليس بالضرورة أن يكون الطرف الأكبر (الذي يبغي) على حق، بل على العكس فهو من يكون على الباطل، ولا يدعوه إلى البغي إلا سلطته وقدرته على ذلك كحالة قارون مثلا:
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن الذي جاء هؤلاء من عند ربهم كان علما، ولما كان كذلك فهو واضح لا جدال فيه، لكن لما كانت النفوس غير مؤمنة، أصبح العلم هو الوسيلة لإيجاد الاختلاف بين الناس، بهدف أن يبغي طرف منهم على الطرف الآخر. فأصبحت تلك هي (نحن نفتري القول) صنعة العلماء الذي يبتغون تأويله.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: هناك نوع من العلماء، مملوءة قلوبهم بالزيغ، وهؤلاء النفر من العلماء لهم هدف واحد وهو ليس البحث عن العلم المكنون في هذا الكتاب، ولكن الهدف عندهم هو (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ). ولا شك أن هؤلاء هم من أزاغ الله قلوبهم لأنهم قد زاغوا بأنفسهم، فكانوا من القوم الفاسقين:
نتيجة مفتراة: عندما يأتي العلم الحقيقي من مصدره الحقيقي (أي من عند الله) يظهر فئة من الناس يشتغلون بهذا العلم، فيصبحوا من العلماء فيه، ولكن لما كانت قلوبهم قد ملئت زيغا يصبح هدفهم ليس البحث عن الحقيقة التي جاءتهم من عند ربهم، وتصبح لهم أجندة خاصة وهي ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، والهدف عندهم (نحن نكاد نجزم الظن) هو إيجاد التفرقة بين الناس. وذلك لأن الحسد هو عادة ما يحرك هدفهم ذاك، فهم يظهرون المصلحة العامة للناس ويبطنون الكراهية والبغضاء لغيرهم، بالضبط كما حصل مع إبليس في عداوته لآدم. فالله هو من علم آدم علم الأسماء كلها:
لكن لو تدبرنا خطة إبليس، لوجدنا أنه يقاسم آدم وزوجه على أنه لهما لمن الناصحين:
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴿٢١﴾
سورة الأعراف
نتيجة مفتراة: هناك نفر من الناس ممن يشتغلون بصنعة العلم، فيطلق عليهم صفة العلماء، هم (في ظننا) أقرب إلى إبليس في المنهج والغاية. فهم لا ينفكون عن مقاسمة الناس أنهم لهم من الناصحين، ولكن لو تدبرت أقوالهم وأفعالهم جيدا، لوجدت أنهم من شياطين الإنس الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا:
فهم – نحن نظن- الذين يمتلكون القدرة على زخرف القول، فينبهر الناس من حولهم بما يقاسموهم من شدة اتقان الصنعة عندهم (وهي زخرفة القول غرور)، فيكون القول في ظاهره جميلا (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) ولكنه في جوهره لا يعدو أن يكون أكثر من غرورا (غُرُورًا)، أي التغرير بمن حولهم، لأن قولهم لا يعدو أن يكون أكثر من افتراء (فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)، والأخطر من هذا كله هو أنه مدفوع بأجندة مسبقة عندهم، وهي ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، فهم في حقيقة الأمر لا يبحثون عن الحقائق، أي العلم الحقيقي الذي يكنزه هذا الكتاب الكريم، ولكنهم يتصيدون الدليل الذي يستخدمونه لإثبات صحة آراءهم المسبقة التي تؤكد توجهاتهم ورغباتهم، الخ. لذا، تتقلّب فتاواهم بتغيّر الظروف والأحوال والأشخاص، ومن أراد المجادلة فلينظر في الفتاوى التي تخرج من عند ما يسمى بدوائر الإفتاء الرسمية في البلاد العربية والإسلامية، ليجد أنها تتغير بتغير المفتي وبتغير السياسة العامة للدولة، وتتقلب بتقلب مزاج وليّ النعمة، صاحب السلطان. فلا يكون المفتي أكثر من شخص "يستمزج" (أي يحاول أن يقرأ مسبقا ما يدور في خلد صاحب السلطان)، لتخرج الفتوى من بين يديه مفصّلة كما يبغيها سيده وولي نعمته. والأخطر من هذا أن جميع فتاواه عادة ما تكون مروّسة ببعض آيات الكتاب الحكيم، وفقراتها موسومة بجملة من الأحاديث المرفوعة إلى النبي الكريم.
السؤال: من هؤلاء العلماء؟ وكيف يمكن أن يصنفوا؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: إنهم جنود إبليس، إنهم اللذين يبتغون الفتنة ويبتغون تأويله
السؤال: هل جميع أهل العلم من هذا الصنف؟
رأينا: كلا وألف كلا.
رأينا المفترى: نحن نظن أن هناك مجموعة من العلماء (وهم لا شك قلة) هم الذين يخشى الله منهم، وهم الذين لا يبتغون الفتنة ولا يبتغون تأويله، ولكنهم العالمين بالتأويل.
السؤال: كيف هم؟
جواب: إنهم أولئك العلماء المتجردون عن الغايات والأهداف، لأن لديهم هدف واحد لا أكثر: الرسوخ في العلم.
رأينا: نحن نظن أن التعرف عليهم هو أمر غاية في السهولة، ولا يحتاج إلى كثير عناء. ويتمثل ذلك باختبار بسيط جدا يتمثل في وضع قضية بسيطة جدا للنقاش، فإذا ما تم جلب الدليل عليها من كتاب الله، ووجدت أن هذا الشخص على استعداد أن يتبع الدليل حتى لو كلفه ذلك تغيير معتقداته السابقة إذا اثبت الدليل بطلانها، فاعلم أن هذا الشخص هو من اللذين يبحثون عن الرسوخ في العلم. ولكن – بالمقابل- إن وجدت أن هذا الشخص على استعداد أن يلوي أعناق النصوص، خوفا من أن تنهار عقائده المسبقة إن أثبت الدليل بطلانها أو بطلان شيء منها، فاعلم أنه من المدفوعين بالأجندة المسبقة، وأنه من اللذين يبتغون الفتنة ويبتغون تأويله.
مثال
غالبا ما أبدأ بطرح السؤال الاستفزازي التالي على مسامع من يحاول محاورتي، والسؤال هو: هل تعتقد أنه يمكن لإنسان أن يعيش 950 سنة كما حصل مع نوح حسب معتقدات معظم أهل الفرق الإسلامية؟
وهنا تبدأ محاولة كثير من الأشخاص بالدفاع عن عقائدهم بالمنطق المفترى من عند أنفسهم بأن ذلك موجود في كتاب الله. عندها أحاول أن أفاجئ محاوري بالسؤال عن الدليل قائلا: أين ذلك في كتاب الله؟ اقرأ لي ذلك من كتاب الله؟
عندها لا يتردد الكثيرون في تلاوة الآية الوحيدة الخاصة بعمر نوح كما وردت في سورة العنكبوت:
وهنا لا أتردد عن طرح التساؤل التالي على محاوري على الفور: كيف توصلت إلى نتيجة الطرح في هذه الآية الكريمة؟ أليست هي على النحو التالي:
950 سنة – 50 عاما ؟
فكم تكون النتيجة؟ وهل يجوز طرح المعادلة على هذا النحو؟ أليس الطرف الأول هو (1000 سنة) بينما الطرف الثاني هو (50 عاما)؟ فكيف إذن تطرح متغير (سنة) من متغير آخر (عام) دون أن تجد قيمة كل متغير؟ فهل يجوز الطرح على النحو التالي:
1000 س – 50 ص = ؟
وهنا ينقسم المجادلون إلى فريقين. أما أحدهما (وهو الغالبية العظمى من الناس) فيحاول اللف والدوران، والهدف هو تبرير فكره الخاطئ حتى لو كلفه ذلك معاداتك واتهامك بكل عبارات الشتم والتوبيخ لأنك ببساطة قد سفهت – في ظنه- دين آباءه وأجداده، وأما الآخر (وهم قلة من الناس) فيقف مكتوفة الأيدي، شارد الذهن، لا تدري ما يقول وكيف يرد، وغالبا ما تكون ردة فعل هؤلاء على نحو طرح التساؤل التالي: كيف إذن يمكن أن نطرح طرفي المعادلة؟ وما الرفق بين السنة والعام (كميا)؟ وهل يمكن أن نصل إلى نتيجة شافية لهذه الحقيقة القرآنية المذهلة؟ وهل يمكن من خلال ذلك أن نصل إلى عمر نوح الحقيقي؟ الخ.
إن مراد القول هنا أن محاورة العلماء لا تتطلب أكثر من إثارة سؤال استفزازي كهذا، عندها تستطيع أن تكتشف على الفور أي نوع من العلماء أنت تحاور:
العلماء اللذين يبتغون الفتنة ويبتغون تأويله، وهم المدافعون عن دين آبائهم وأجدادهم سواء صحت عقائدهم أم لم تصح
العلماء الراسخون في العلم اللذين يبحثون عن الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، وهم الباحثون عن دين الله الحق.
السؤال: كيف يستطيع العلماء الراسخون في العلم الوصول إلى تأويل الكتاب
رأينا المفترى الخطير جدا: هؤلاء هم من وهبهم الله الحكم، وهي الحالة التي تقل درجة عن مرحلة الرسالة. فمن آتاه الله حكما وعلما هو من يقل درجة عن مرحلة من كان رسولا من الله إلى الناس.
السؤال: كيف كان يونس عندما خرج مغاصبا؟
خلاصات وتساؤلات حول قصة يونس
افتراءات من عند أنفسنا: بناء على منطقنا المفترى من عند أنفسنا السابق، فإننا نظن بصحة الافتراءات التالية:
لم يكن يونس قد أصبح رسولا عندما خرج مغاصبا
كان يونس في مرحلة الحكم عندما خرج مغاضبا
استعجل يونس الرسالة
تأخر تكليفه بالرسالة
ظن يونس أنه لن يكون رسولا
خرج يونس من قومه مغاضبا لهذا السبب
نزل يونس عند رغبة بعض من حوله من المنافقين والكافرين
لم يكن من اللذين صبروا لحكم ربه، أي لم يكن من اللذين يملكون الحكم، فيصبرون على تبعاته.
جواب مفترى: لعلي أظن أن الإجابة على هذه التساؤلات (كما نتخيلها) ربما تبين عندما تتشابك خيوط هذه القصة العظيمة مع أحداث قصة موسى وشخصية فرعون التاريخية التي صوّرها القرآن الكريم أحسن تصوير. لذا، سنحاول في الجزء القادم من هذه المقالة بحول الله وتوفيقه ربط خيوط هذه القصة مع قصة موسى، كما سنحاول في الجزء الذي يليه أن نربطها مع خيوط أخرى من شخصية فرعون. وسيكون الافتراء الأكبر الذي سنحاول تسويقه في الجزئين القادمين بإذن الله تعالى هو أن شخصية يونس تتطابق تماما مع شخصية فرعون (وإن تعاكست معها في المقدمة والخاتمة)، وأن أحداث القصة تتطابق مع قصة موسى مع فرعون. سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا فلا نفتري عليه الكذب ولا نقول عليه غير الحق، ونسأله تعالى أن ينفذ مشيئته بإرادته لي الإحاطة علما بما لم يحط به غيري، إنه هو السميع المجيب – آمين
المدّكرون رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان بقلم د. رشيد الجراح
16 كانون أول 2014
مركز اللغات – جامعة اليرموك د. رشيد الجراح
الهوامش
[1] للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان: والعلماء هم الظالمون
📖 شروط قراءة المقالات:
❌ المقالة ليست فتوى.
💭 هي رأي فكري شخصي قابل للخطأ والصواب.
📝 يُمنع تلخيصها أو إعادة صياغتها.
📚 يُسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر وعدم تحريف المعنى.
⚖️ لا يحق مقاضاة الكاتب بسبب اختلاف الآراء.