نبذة عن المقالة:
فهرس المقالة
مقدمة: شبهة السرقة وإرث النبوة
كان الافتراء الأكبر الذي حاولنا تسويقه في نهاية الجزء السابق من هذه المقالة هو وقوع يوسف نفسه فيما يشبه فعل السرقة كما صوّر ذلك القرآن الكريم على لسان إخوته، وجاء ذلك بعد أن استقر في وجدان الإخوة بأن أخاهم الآخر الذي أحضروه معهم إلى أرض مصر قد وقع أيضا في فعل السرقة، فربطوا سرقة أخيهم هذا "بسرقة" أخ له من قبل:
قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ...
وقد كانت ردة فعل يوسف على هذا الاتهام الصريح له بالسرقة لا تُخفي في ثناياها تحمّل يوسف قسطا من المسؤولية، فنسب بعض الشر إلى نفسه وإن كان شر إخوته أكبر من شره بكثير، وانظر – إن شئت – في تتمة الآية السابقة نفسها:
(سورة يوسف)
وحصل كل هذا بسبب نزغ الشيطان بين يوسف من جهة وإخوته من جهة أخرى، وانظر – إن شئت- في كلمات يوسف نفسه:
(سورة يوسف)
وقد حاولنا افتراء القول بأن كل هذا قد جاء بسبب حيازة يوسف على شيء من ميراث النبوة كان الإخوة جميعا يتنافسون على حيازته، فظن الإخوة أن يوسف قد تحصل عليه عن طريق السرقة. لكن يوسف رد عن نفسه التهمة بالعبارة التالية (وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ) التي تكمل الآية الكريمة التي جاء فيها الاتهام صريحا ليوسف بالسرقة:
(سورة يوسف)
ويكأن يوسف يقول لهم – نحن لازلنا نتخيل- بأنكم لستم دقيقين في وصف ما حدث، وأن الله هو أعلم بوصف ذلك منكم (وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ)، فما حزت عليه أنا من مقتنيات إرث النبوة حينئذ لم يتحصل لي بطريقة غير شرعية (كالسرقة كما ظننتم)، ولكنه كان حقا مكتسبا لي من دونكم جميعا، وستثبت لكم الأيام ما أقول، لكن الوقت لم يحن بعد لرد التهمة عن نفسي علانية. فسكت يوسف عن البوح بذلك أمام إخوته جميعا في تلك اللحظة، منتظرا الفرصة المناسبة ليعترفوا هم بذلك بالضبط كما حصل في نهاية القصة:
(سورة يوسف)
وقد خلصنا في نهاية ذلك الجزء من المقالة إلى افتراء الظن من عند أنفسنا بأن الذي حاز عليه يوسف من مقتنيات إرث النبوة (والذي ظن إخوته بأن يوسف قد حصل عليه عن طريق فعل السرقة) هو القميص الذي سيلقى في نهاية القصة على وجه الوالد الكظيم ليرتد بصيرا:
(سورة يوسف)
وعندها طرحنا التساؤلات التالية التي وعدنا القارئ الكريم بمتابعة النبش فيها، ألا وهي:
- * كيف وصل هذا القميص إلى يوسف؟
- * من أين جاءه هذا القميص؟
- * كيف استطاع يوسف الاحتفاظ به كل هذه السنوات؟
- * وأين ذهب هذا القميص بعد أن أُلقي على وجه الوالد الكظيم؟
- * وما سر ذلك القميص الذي نظن أن أحداث قصة يوسف قد دارت جميعها حوله؟
- * الخ.
باب القميص: محور أحداث القصة
لعلي أجزم الظن بأن المفتاح الحقيقي لكل أحداث قصة يوسف العظيمة التي كانت أحسن القصص في كتاب الله (انظر الجزء الأول من هذه المقالة) هو ذلك القميص، الذي جاء ذكره في القصة في ثلاثة مواطن وهي:
- 1. بداية القصة (انطلاق الأحداث): حيث ورد ذكر القميص الذي جاء به الإخوة وعليه دم كذب ليقدموا البرهان لأبيهم يعقوب بأن نهاية يوسف قد كانت بين أنياب الذئب:
وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴿١٨﴾
(سورة يوسف) - 2. في وسط القصة (ذروة الأحداث): حيث ورد ذكر القميص الذي قدَّته امرأة العزيز عندما كانت تحاول أن تراود يوسف عن نفسه:
وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٢٥﴾
(سورة يوسف) - 3. في نهاية القصة (نهاية الأحداث): حيث جاء ذكر القميص الذي بعث به يوسف لوالده يعقوب الكظيم ليرتد بصيرا:
اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩٣﴾
(سورة يوسف)
وبالمفردات الأدبية الدارجة، يمكننا القول بأن القصة قد بدأت خيوطها الأولى تُحاك مع ذاك القميص الأول الذي جاء به إخوته ملطخا بدم كذب، وقد وصلت القصة إلى حبكتها (ذروتها) مع القميص الثاني الذي قدّته امرأة العزيز، وتحلحلت خيوطها في النهاية مع القميص الثالث الذي أرسل به يوسف إلى أبيه يعقوب ليرتد بصيرا.
جواب مفترى: إنه القميص الثالث، الذي حدده يوسف باسم الإشارة (هَذَا)
(سورة يوسف)
فلو تفقدنا النص القرآني جيدا لوجدنا أن كل الذين حاولوا الكيد بيوسف (إخوته وامرأة العزيز ونسوة المدينة) كان هدفهم – نحن نظن- هو الوصول إلى هذا القميص. ليكون السؤال الذي نطرحه هو: لماذا؟
منطقنا مفترى: ما دام أن إلقاء هذا القميص على وجه يعقوب كان سببا كافيا في أن يرد له بصره الذي فقده حزنا على يوسف، فإن لهذا القميص خصوصية يصعب المجادلة فيها، فما هي خصوصية هذا القميص؟ ومن أين جاء هذا القميص؟ وإلى أين انتهى الأمر به؟ وكيف ارتد يعقوب بصيرا بمجرد أن ألقي هذا القميص على وجه التحديد على وجهه؟
(دعاء: اللهم أسألك وحدك أن تأذن لي الإحاطة بشيء من علمك لا ينبغي لغيري إنك أنت الواسع العليم – أمين)
عودة على بدء: قصة الإرث النبوي
عندما كان يعقوب حائرا في أمر هذا الإرث النبوي العظيم، لم يستطع أن يتخذ قرار حاسما لأن حيرته في البداية كانت تتراوح بين اثنين من أبناءه وهما يوسف وأخوه، ليكون أحدهما هو صاحب الحق في حيازة هذا الأثر النبوي العظيم، لذا ظهر حب يعقوب لهما الاثنين على العلن في بادئ الأمر، فظن الأبناء جميعا بأن أباهم في ظلال مبين، ما دام أن حبه كان منحصرا في هذين الأخوين:
(سورة يوسف)
وما استطاع يعقوب – نحن نفتري القول- أن يحسم أمره في أي منهما ستكون تمام النعمة الإلهية على آل يعقوب حتى تبين له ذلك برؤيا يوسف الأولى:
(سورة يوسف)
عندها فقط أصبح واضحا للأب يعقوب (نحن نظن) أن هذا "الحب الخاص" يجب أن يتوجه نحو يوسف فقط ما دام أنه هو صاحب الاجتباء الإلهي في تمام تلك النعمة، فانحصر "حب" يعقوب (كما كان باديا للإخوة جميعا) في يوسف فقط، وغاب الأخ الآخر عن الساحة تماما، فأصبح جليا لبقية الإخوة أن التخلص من يوسف (فقط) هو ما سيمكّنهم من وجه أبيهم، فخططوا للإطاحة بيوسف دون أخيه الآخر:
(سورة يوسف)
وعندها علم يعقوب بأن يوسف لا محالة سيطرح أرضا (أي سيعمد إخوته إلى إخراجه من هذه الديار = البدو):
(سورة يوسف)
لذا، عمد يعقوب (نحن نفتري الظن من عند أنفسنا) إلى رسم خطة التخلص من يوسف لأبنائه بنفسه، فكانت على النحو التالي:
(سورة يوسف)
وبالفعل نفّذ الأبناء الخطة كما رسمها والدهم لهم، فرجعوا إليه عشاء يبكون، واصفين نهاية يوسف على النحو الذي رسمه والده نفسه:
(سورة يوسف)
(للتفصيل انظر الأجزاء الأولى السابقة من هذه المقالة)
تجهيز يوسف بالقميص قبل إلقائه في الجب
رأينا: نحن نتخيل يعقوب يقوم بتجهيز يوسف تجهيزا كاملا، كالأب الذي يجهّز ولده للسفر الطويل، فعمد (نحن نتخيل) إلى أن يُلبس يوسف هذا القميص الذي أصبح من حقه فقط من دون إخوته جميعا، فألبسه إياه (نحن لازلنا نتخيل) كأول قطعة لباس يضعها على يوسف ليستر بها عورته، ربما لعلم يعقوب (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ) بأن هذا القميص سيكون هو الحاجز الحقيقي بين يوسف وبين الوقوع في الفاحشة لاحقا، ويكأن يعقوب يرى ما سيحل بيوسف في قادم الأيام في بلاد الاغتراب، ليكون هذا القميص (كما زعمنا سابقا) هو برهان ربه الذي رآه عندما همّ بامرأة العزيز كما همت هي به:
(سورة يوسف)
(انظر الأجزاء السابقة من هذه المقالة)
لكن يعقوب (نحن نظن) لم يكتفِ بإلباس يوسف هذا القميص فقط، وإنما قام (كأب ربما كان يحاول حماية ولده أيضا من تقلبات الطقس والمناخ) بإلباسه "قمصان" (إنْ صحّ الجمع على هذا النحو) أخرى فوق هذا القميص، فخرج يوسف من عند والده يعقوب لابسا هذا القميص ومن فوقه "قمصان" أخرى.
وما أن وصل إخوة يوسف عند غيابة الجب ليجعلوه فيه حتى خلعوا عن يوسف قميصه الخارجي الذي سيلطخونه بالدم الكذب، كدليل يعودوا به إلى أبيهم على نهاية يوسف بين أنياب الذئب. ولكنهم لم يصلوا إلى "هذا القميص" الخاص الذي كان يستر يوسف به عورته. فجُعِل يوسف في غيابة الجب لابساً هذا القميص وبعض قمصانه الأخرى، وهناك بالضبط جاءه الوحي أول مرة:
(سورة يوسف)
ووصل يوسف إلى أرض مصر، وتم شراءه بضاعة، وكان لازال (نحن نتخيل) يلبس هذا القميص، فحصل له التمكين الأول في بيت الذي اشتراه من مصر، وهناك بدأ تعليم يوسف تأويل الأحاديث:
(سورة يوسف)
وكان ذلك بالضبط هو العلم الذي لم يكن يوسف ليجده عند والده يعقوب، وخرج يوسف (كما زعمنا في الأجزاء الأولى من هذه المقالة) للبحث عنه لاكتسابه، إنه علم تأويل الأحاديث:
(سورة يوسف)
فخرج يوسف من البدو ليتلقى علما ما كان ليجده عند أبيه يعقوب، ولكنه وجده عند أبيه الثاني الذي اشتراه من مصر، وهو الأب الثاني (القمر) الذي رفعه يوسف على العرش مع أبيه الأول يعقوب (الشمس):
(سورة يوسف)
وفي تلك الأثناء، كان يوسف محتفظا بهذا القميص، لا يظهر عليه أحد حتى كان يوم عمله في بيت امرأة العزيز التي أخذت تراوده عن نفسه.
القميص وسر فتنة امرأة العزيز والنسوة
وقد زعمنا الظن في أحد الأجزاء السابقة أن الذي جلب انتباه امرأة العزيز ليوسف لم يكن (كما ظنّ من سبقنا من سادتنا العلماء أهل الدراية) جمال يوسف الشكلي، وإلاّ لكانت كل نساء المدينة ضحايا يوسف ما دام أنه كان يعمل في القصر ويتنقل في الطرقات، ويعيش حياة طبيعية تتطلب اختلاطه بمن حوله. ولكن الذي جلب انتباه امرأة العزيز التي كان يعمل يوسف في بيتها (نحن نفتري القول) هو هذا القميص، فنحن نتخيل أن الفرصة قد سنحت لامرأة العزيز أن ترى (ولو بالصدفة) يوسف الذي كان يعمل في بيتها مرتديا هذا القميص، عندها لم تستطع إلا أن تنظر إليه، فما وجدته في ذلك القميص إلا ملكا كريما، وهذا بالضبط (نحن نتخيل) ما حصل مع كل النسوة اللاتي حاولن مراودة يوسف عن نفسه، عندما أخرجته امرأة العزيز عليهن، فما أن رأينه حتى انطلقت ألسنتهن جميعا بتنزيهه عن مرتبة البشرية بوصفه على أنه ملك كريم:
(سورة يوسف)
ونحن نفتري الظن بأن كل هذا كان بسبب هذا القميص الذي كان يوسف يرتديه في تلك اللحظة، وهو ما جلب انتباه النسوة ليوسف، وأصررن على فتنته عندما أكبرنه:
(سورة البقرة)
فبذلن ما بوسعهن من جهد لإيقاع يوسف في الفتنة، فراودنه جميعا عن نفسه:
(سورة يوسف)
وحصل كل ذلك في المتكأ الذي أعتدته لهن امرأة العزيز بنفسها:
(سورة يوسف)
القميص وشكل الملَك الكريم
جواب مفترى: نحن نجد الدليل على ذلك في ما قالته النسوة بملء الفيه وهو أن يوسف ليس بشرا ولكنه ملكا كريما:
(سورة يوسف)
رأينا: دعنا نعود إلى قصة الخلق الأولى عندما كان إبليس يحاول الإيقاع بآدم وزوجه في الفخ، فكانت الحجة التي ساقها حينها هي ما تنص عليه الآية الكريمة التالية:
(سورة الأعراف)
فلو دققنا في هذه الآية الكريمة لوجدنا أن فكرة الإيقاع بآدم وزوجه (أي غوايتهما) قد بدأت بتصويرهما على نحو أن يكونا ملكين (إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ) بعد الأكل من الشجرة، وهذا يدعونا على الفور إلى طرح التصور التالي: هناك فرق جوهري بين الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم:
(سورة البقرة)
والملَك الذين لم يؤمروا بالسجود لآدم، لأن الشيطان حاول الإيقاع بآدم وزوجه من هذا الباب، فمن غير المنطقي أن يكون الملك (جمع) قد أمر بالسجود لآدم ومن ثم يرضى آدم (المسجود له) بأن يكون مثلهم (الساجدين له)، ولكن لما كان الملك (جمع) يختلف عن الملائكة استطاع الشيطان أن يتلاعب برغبة آدم وزوجه.
غواية الشيطان لآدم وزوجه
الدليل:
نحن نجد أن الملَك الذي كان الشيطان يحاول أن يغوي آدم وزوجه ليكونا مثلهما هم من جاء ذكرهم في الآيات الكريمة التالية:
(سورة الفجر)
(سورة الحاقة)
إن ما يهمنا من هذا الطرح هو التساؤل التالي: ما الذي أغرى آدم وزوجه بأن يكونا ملكين؟ لماذا رغب آدم وزوجه في أن يكونا ملكين؟ ما دافع آدم وزوجه في أن يكونا ملكين؟
رأينا المفترى: لقد تعرضنا في مقالة سابقة لنا لهذه الجزئية وزعمنا الظن مفترينه من عند أنفسنا أن الملكين اللذين كانا محط نظر آدم وزوجه في غواية الشيطان لهما كانا – نحن نظن- جبريل وميكال، فقد افترينا القول بأن جبريل وميكال هما زوجين، لأن الله قد خلق من كل شيء زوجين اثنين:
(سورة الذاريات)
فكان الزوجان هما الذكر والأنثى:
(سورة النجم)
فكان جبريل هو زوج (الذكر) وكانت ميكال هي زوج (الأنثى).
وبهذا المنطق المفترى من عند أنفسنا (نحن نظن) استطاع الشيطان الدخول إلى آدم وزوجه لغوايتهما، فلقد كان "يطمع" آدم وزوجه في أن يكونا ملكين كجبريل وميكال. ليكون السؤال التالي هو: لماذا؟
لا شك أن واحدة من أسباب القبول بغواية الشيطان هو الشكل، فلا شك أن شكل الملَك يختلف عن شكل غيره، وهذا بالضبط ما قالته النسوة عندما رأين يوسف بعد أن أخرجته امرأة العزيز عليهن:
(سورة يوسف)
ليكون السؤال هو: ماذا كان شكل يوسف عندما رأته النسوة على تلك الهيئة في تلك المرة بالذات؟
جواب: لقد كان على شكل ملك كريم
رأينا: لا شك أن البياض هو الصفة الأولى التي تتبادر للذهن عندما نتحدث عن الملَك، فنحن نظن أن الصفة الغالبة على شكل يوسف حينها كان البياض. ولكن هل هذا كل شيء؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: كلا، فنحن نظن أيضا بأن لشكل الملَك خاصية أخرى مهمة جدا، وهي عدم ظهور السوءة (أي الجسد). وهذا بالضبط ما كان يحاول الشيطان أن يفعله للإيقاع بآدم وزوجه:
(سورة الأعراف)
فالملَك – لا شك عندنا- عليه من اللباس ما يخفي كل سوءة له. والسوءة هي (كما تحدثنا في مقالة لماذا يدفن الناس موتاهم؟) تعني الجسد بأكمله بدليل ما قاله ولد آدم الذي عجز أن يواري سوءة أخيه بعد أن قتله:
(سورة المائدة)
فلقد بعث الله غرابا ليري القاتل من أبناء آدم كيف يواري (أي يخفي في التراب) سوءة (أي كامل جسد) أخيه.
نزع اللباس وبدو السوءة
رأينا: لما كان آدم وزوجه في الجنة كانا مأمورين بأن يأكلا منها حيث شاءا باستثناء الأكل من شجرة واحدة:
(سورة البقرة)
(سورة الأعراف)
وعندما ألح عليهم، مقسما لهما بأنه لهما من الناصحين:
(سورة الأعراف)
استطاع التغرير بهما، فأوقعهما في الفخ عندما نزلا عند نصيحته فاقتربا من الشجرة، فذاقا الشجرة:
(سورة الأعراف)
وما أن ذاقا الشجرة حتى بدت لهما سوءاتهما على الفور، وانظر - إن شئت- في تتمة الآية السابقة:
(سورة الأعراف)
وقد رُسِمت الصورة نفسها في موطن آخر من كتاب الله:
(سورة طه)
تخيلات: نحن نؤمن أن الجنة هي المكان الذي لا جوع فيه ولا عري، أليس كذلك؟
(سورة طه)
وما دام أن الجنة هي مكان لا عري فيه، فهي المكان الذي لا يحتاج صاحبها أن يقضي حاجته فيها (كالدخول في الخلاء، أي الحمام)، فهي مكان لا وجود لشبكات الصرف الصحي فيها. فحتى يستطيع الإنسان منا قضاء حاجته (أي الدخول في الحمام) فلا بد أن تبدو له سوءته. وهذا نحن نظن ما حصل مع آدم وزوجه عندما ذاقا (وأكلا) من تلك الشجرة التي نهاهم ربهما عن الاقتراب منها:
(سورة الأعراف)
فلقد أوقع الشيطان آدم وزوجه في المعصية عندما استطاع أن يقنعهما بالأكل من الشجرة لأن النتيجة الحتمية التي لم يكن آدم وزوجه ربما يدركانها هي أن الأكل من تلك الشجرة ستكون عاقبته أن تبدو لهما سوءاتهما، ولكن لماذا؟
جواب مفترى: لأن آدم وزوجه أصبحا منذ تلك اللحظة بحاجة أن يقضيا حاجتهما، (أي استخدام الحمام أو Toilet بالمفردات الأعجمية).
وبهذا المنطق المفترى من عند أنفسنا ربما نستطيع إعادة تسليط الضوء على الآيات الكريمة التالية:
(سورة طه)
التي جاءت في سياق الحديث عن التحذير الإلهي المسبق لآدم وزوجه من غواية الشيطان لهما، وانظر – إن شئت- في السياق الأوسع:
(سورة طه)
أثر المعصية على البشرية
رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن هناك تقابل في الحديث على النحو التالي:
جوع يقابله عري
ظمأ يقابله ضحى
جواب: نحن نفتري القول من عند أنفسنا أن الإنسان إذا ما جاع فهو بحاجة إلى الطعام، وما دام أنه يأكل الطعام ليسد جوعه، فإنه سيتكون هناك في جسمه فضلات زائدة عن الحاجة يجب التخلص منها بالتغوط، لذا سيكون بحاجة أن يعرى ليتخلص منها.
وبالمنطق المفترى نفسه نقول أنه إذا ما ظمأ الإنسان فإنه بحاجة أن يسد ظمأه هذا بالشرب (الماء)، ولكن سيبقى هناك ما يزيد عن حاجته لابد من أن يتخلص منه بالتبول، لذا سيكون بحاجة أن يضحى.
تخيلات: لقد كانت من نعم الله على آدم وزوجه في تلك الجنة أن الأكل منها حيثما شاءا لم يكن يسبب لهما حاجة في استخدام الحمام، فثمر الجنة تلك لم يكن ينتج عن أكله وجود مخلفات لابد من التخلص منها باستخدام الحمام.
الدليل
نحن نجد الدليل على هذا الافتراء في قصة مريم، فلربما يعلم الجميع أن الله هو الذي طهّر مريم، فكان جزء من طهارتها (نحن نظن) نابعا من الطعام (الرزق) الذي كان يأتيها مباشرة من عند الله:
(سورة آل عمران)
ونتيجة لذلك أصبحت مريم (نحن نظن) مؤهلة أن تتواجد على الدوام في المحراب، لتقنت لربها ولتسجد ولتركع مع الراكعين:
(سورة آل عمران)
وكهذا (نحن نفتري القول) هو الرزق الذي كان معدّا لآدم وزوجه في الجنة قبل الوقوع في المعصية، ولكن ما أن أكلا من تلك الشجرة حتى أصبح استخدام الحمام (نحن نفتري القول من عند أنفسنا) أمرا لا مفر منه، ومن هناك بدأت المعاناة الإنسانية الأولى: ألا وهي الحمام (أو شبكة المجاري الصحية كتلك التي وعدت بتنفيذه بلديتنا العتيدة منذ عقود من الزمن عندما أخذت تجني منا الرسوم لإنشاء شبكة المجاري التي بتنا نحلم بها ما دام أنها لن تتحقق أبدا، فقد أصبحت الأموال في جيب الشباب – وهم لا شك يحتاجون إلى مصاريف كثيرة) وأنا مالي؟!!!
تخيلات: ما أن أصبح آدم وزوجه بحاجة إلى تصريف الزائد من الأكل (أي الفضلات) من جسميهما بسبب الأكل من تلك الشجرة التي نهاهما ربهما عن الاقتراب منها حتى اضطرا إلى نزع لباسهما، فبدت لهما سوءاتهما:
(سورة الأعراف)
وهناك بالضبط أُمرا بالهبوط من الجنة، ما دام أن تلك الجنة لم تكن المكان المناسب لتصريف تلك الفضلات:
(سورة الأعراف)
(سورة طه)
(للتفصيل انظر مقالة: هل كذب الشيطان على آدم؟)
وهنا ربما يثار التساؤل التالي: لماذا فعل الشيطان ذلك؟ لماذا كان الشيطان يجهد نفسه لينزع عن آدم وزوجه لباسهما؟
جواب مفترى: نحن نظن أن السبب في ذلك ربما يكون في عدم استطاعة الشيطان أن ينفذ مراده بآدم وزوجه إلا بعد أن ينزع عنهما لباسهما.
جواب: نحن نظن أن مراد الشيطان هو ما تصوره الآية الكريمة التالية:
(سورة الإسراء)
جواب: لكي يستطيع إبليس أن يفعل ذلك، فلا بد من أن ينزع عنهما لباسهما.
جواب مفترى: لتبدو لهما سوءاتهما ومن ثم يكون آدم وزوجه فريسة سهلة له ما دام أنه سيستطيع أن يرانا من حيث لا نراه نحن. وانظر – إن شئت- في السياق القرآني الذي يربط ذلك باستطاعة الشيطان أن ينزع عن آدم وزوجه لباسهما:
(سورة الأعراف)
جواب: لأنه ببساطة يستطيع أن يرانا (نحن بني آدم) من حيث لا نراه.
جواب: لو تدبرنا السياقات القرآنية الخاصة بحياة آدم في الجنة قبل الوقوع في المعصية لوجدنا أن الخطاب كان مباشرا بين آدم وزوجه (من جهة) والشيطان من جهة أخرى، لذا نحن نفتري القول بأن آدم وزوجه كانا قبل المعصية قادرين على رؤية الشيطان، ولكن ما أن استطاع الشيطان أن ينزع عنهما لباسهما حتى فقد آدم وزوجه تلك القدرة، فأصبحت الرؤيا ممكنة من طرف واحد، وهو طرف الشيطان وقبيله:
(سورة الأعراف)
ومن هنا أصبح بإمكان الشيطان أن يلحق الأذى بآدم وذريته من حيث لا يستطيع آدم وزوجه ملاحظة ذلك.
المنطق المفترى: إذا كان شخص ما يستطيع أن يراك بينما لا تستطيع أنت أن تراه فإن إمكانية إلحاقه الأذى بك تكون ممكنة ما دام أنه يستطيع أن يراك، بينما ربما تنعدم إمكانية أن تلحق أنت الأذى به ما دام أنك أصلا لا تراه.
رأينا: يمكن أن نتصور ذلك لو حاولنا أن نربط مفردة الشياطين مثلا بالمفردة التي تسبب الأذى الأكبر لنا نحن بني آدم، أليست هي الجراثيم؟
رأينا المفترى: نحن نعتقد (ربما مخطئين) أن تلك الجراثيم (التي تجمع على الطريقة العبرية باستخدام ضمير الجمع يم في تلك اللغة هي الكينونة نفسها التي تجمع حسب الطريقة العربية باستخدام ضمير الجمع ين في مفردة شياطين العربية) هي نفسها التي تنخر في أجسامنا ونحن لا نستطيع رؤيتها، لذا هي ليست أكثر من رجل الشيطان (وَرَجِلِكَ) التي استفزها علينا إبليس، فشاركنا فيها. ولو أن آدم وزوجه لم يقعا في مكيدة الشيطان (نحن نظن) لبقيت أجسامهم نورانية خالصة، غير بادية السوءة، ولما استطاعت تلك الشياطين (الجراثيم) النفاذ إلى أجسامنا وذلك لسببين اثنين على الأقل:
- 1. أن أجسامنا النورانية الأصلية لن تكون مرتعا خصبا لجنود إبليس (الشياطين = الجراثيم)
- 2. لأننا لن نكون قد فقدنا القدرة على مشاهدتها وبالتالي نستطيع تجنبها.
وربما يتوجب على الجميع منا التفكر بالتساؤلين التاليين:
- * لماذا نجوع؟ ألا تكفي كمية الطعام التي يتناولها الإنسان في وجبة واحدة أن تمده بالطاقة أياما وربما أسابيع كاملة لو تم استهلاكها كلها؟ فلم يتبقى منها فضلات يتم التخلص منها بالتغوط؟ وكم هي أصلا حاجة الجسم الفعلية من كل ذلك الطعام الذي نأكله؟ أليست قليلة بالمقارنة بما نتناوله؟ من يدري؟!!!
- * لماذا نظمأ؟؟ ألا تكفي كمية الشراب التي يتناولها الإنسان في مرة واحدة أن تمده بما يحتاج أياما وربما أسابيع كاملة لو تم استهلاكها كلها؟ فلم يتبقى منها فضلات يتم التخلص منها بالتبول؟ من يدري؟!!!
جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أننا نفعل ذلك بسبب تلك الشياطين التي تنمو وتتكاثر على سوءاتنا التي أصبحت مرتعا خصبا لهم. ولو أن سوءاتنا لم تبد، ولو أن الشيطان لم يستطع أن ينزع عنا لباسنا، لما أصبحت تلك السوءة مرتعا خصبا لرجل إبليس (الشياطين = الجراثيم).
جواب مفترى: نحن نفتري الظن بأنه لو لم يستطع الشيطان أن ينزع عن آدم وزوجه لباسهما، لظلّ تكاثر البشر بنفس الآلية التي حصلت لمريم ابنت عمران، فما كان الجنين سيمكث في بطن أمه فترة الشهور التسعة. ولتكوّن وخرج من بطن أمه في ليلة واحدة كما حصل في حالة المسيح ابن مريم. ولما استطاعت الشياطين الوصول إلينا.
(دعاء: اللهم رب ما دمت أني أعرى وأضحى، فإني أعوذ بك وحدك من كل نصب مسني من الشيطان بسبب جوعي وظمأي– آمين)
جواب: لأن الشيطان استطاع أن ينزع عنّا لباسنا، فأرانا سوءاتنا، وعندها استطاع أن يرانا هو وقبيله من حيث لا نستطيع نحن أن نراه.
جواب: لأن تلك الشجرة التي أكل منها آدم وزوجه كانت شجرة تنبت بالدهن وصبغ للآكلين:
(سورة المؤمنون)
تخيلات: نحن نتخيل بأنه ما أن أكل آدم وزوجه من تلك الشجرة حتى حصل لهما تغيران، أحدهما داخلي بسبب الدُّهْنِ وثانيهما خارجي بسبب الَصِبْغٍ. فأدى التغير الداخلي (الدُّهْنِ) إلى تكوين الفضلات في داخل جسم آدم وزوجه، الأمر الذي اضطرهما إلى نزع لباسهما للتخلص منه بقضاء الحاجة في الخلاء (أي استخدام الحمام)، وأما التغير الخارجي فكان بسبب الصبغ الذي نتج عن الأكل من الشجرة، فأدى إلى تلوين أجسامهم، فبدت نتيجة لذلك تلك السوءة التي مكّنت الشيطان من أن يرانا هو وقبيله ومنعتنا نحن من رؤيته:
(سورة الأعراف)
وهي السوءة نفسها التي طفق آدم وزوجه يخصفان عليهما من ورق الجنة:
(سورة الأعراف)
وأصبح ذلك سلوك بشري لا ينقطع منذ تلك اللحظة، وهو تغطية السوءة (الجسم) باللباس الذي اضطر آدم وزوجه إلى نزعه عنهما. فأصبح الجوع والظمأ ملازما لنا لا نستطيع أن نتخلص منهما.
جواب مفترى خطير جدا: نحن نظن أن الأب الثاني للبشرية (بعد آدم) هو إبراهيم الذي كان أمة:
(سورة النحل)
لذا، نحن نفتري القول بأن واحدة من أسباب تجدد قصة البشرية عن إبراهيم على وجه التحديد هو ذلك اللباس، ولكن كيف يكون ذلك؟
خروج عن النص: من هو المسلم؟
بداية، نحن نعلم من صريح اللفظ القرآني بأن الدين عند الله هو الإسلام؟
(سورة آل عمران)
فكان نوح (الذي جاء قبل إبراهيم) مسلما، أليس كذلك؟
(سورة يونس)
ولكن المفارقة تكمن في أننا نعلم أيضا من صريح اللفظ القرآني أن إبراهيم هو من سمّانا مسلمين:
(سورة الحج)
جواب مفترى: لا شك أن هذه هي لحظة تجدد رحلة البشرية على الأرض.
جواب: نحن نظن أن هذا قد حصل في تلك اللحظة التي أسلم فيها إبراهيم لرب العالمين:
(سورة البقرة)
لكن هذه الآية الكريمة تثير على الفور التساؤل التالي: من هو رب إبراهيم الذي دعاه أن يسلم كما في الجزء التالي من الآية الكريمة؟
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ...
كما تثير التساؤل الآخر وهو: لماذا جاء رد إبراهيم على النحو التالي كما تشير تتمة الآية نفسها؟
... قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)
ليكون السؤال الآن: كيف برب إبراهيم يدعوه أن يسلم فيرد عليه بالقول بأنه قد أسلم لرب العالمين؟ أليس رب إبراهيم الذي دعاه أن يسلم (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) هو رب العالمين الذي أسلم له (قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)؟
رأينا: نحن نظن أن رب إبراهيم الذي دعاه أن يسلم لم يكن رب العالمين وإنما كان أبوه آزر الذي كان يعبد الشيطان:
(سورة مريم)
فمفردة الرب لا تطلق فقط على رب العالمين، فهذا يوسف نفسه يطلب من صاحبه السجن الذي ظن أنه ناج أن يذكره عند ربه:
(سورة يوسف)
لذا كان آزر (نحن نظن) هو رب إبراهيم الذي دعاه أن يسلم، فحاول إبراهيم أن يثني أباه آزر (الذي هو ربه) عن أن يتخذ أصناما آلهة، فما نجح في تلك المهمة:
(سورة الأنعام)
وما أن دعاه ربه هذا (آزر) أن يسلم حتى جاء قرار إبراهيم بالإسلام ليس لربه هذا (آزر) وإنما بالإسلام لرب العالمين:
(سورة البقرة)
(سورة آل عمران)
وهناك جاءت المنّة الإلهية على إبراهيم بأن أراه الله ملكوت السموات والأرض:
(سورة الأنعام)
ولما كان ملكوت كل شيء بيد الله:
(سورة المؤمنون)
(سورة يس)
رأى إبراهيم ما في يد ربه. ومنذ تلك اللحظة تجدد الإسلام الذي وصى به إبراهيم ويعقوب بنيه جميعا:
(سورة البقرة)
فكان يوسف مسلما:
(سورة يوسف)
وكذلك كان موسى وكل من آمن معه بمن فيهم السحرة الذين حشرهم فرعون ضد موسى ليوم الزينة:
(سورة الأعراف)
(سورة يونس)
وانتهى الأمر بفرعون نفسه أن يكون مسلما:
(سورة يونس)
وكذلك كان داوود وولده سليمان وكل من آمن معهم:
(سورة النمل)
(سورة النمل)
(سورة النمل)
وكذلك كان عيسى ومن آمن معه من الحواريين:
(سورة المائدة)
خروج عن النص
تدعونا هذه الجزئية على وجه التحديد أن نخرج لبعض الوقت عن موضوع حديثنا هنا وذلك لأهمية الطرح، والموضوع الذي سنعرج عليه في هذا الخروج هو التساؤل الكبير التالي: من هو المسلم؟
عندما كنت أسأل بعض المحاورين عن تعريفهم للمسلم، كان السواد الأعظم منهم يردون بالقول بأن المسلم هو الذي ينطق بالشهادة على النحو التالي:
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
وعندما كنت أفاجئهم بالسؤال عن هؤلاء الأمم السابقة، طالبا التوضيح من المحاورين الأكارم كيف جاء وصف من سبقوا محمدا في كتاب الله على أنهم مسلمون وهم الذين لم يشهدوا له بالرسالة، كانت علامات الارتباك تظهر في وجوههم على الفور، ولكن ربما هي العزة بالإثم التي كانت تأخذ الكثير منهم لينقلوا المسألة من المحاورة إلى المجادلة، فلا ينفكوا عن اتهامنا بتخريب العقيدة، ويكأن لسان حالهم يقول: إذا أنت لا تؤمن بديننا أو بعقيدتنا.
رأينا: صحيح أني لا أؤمن بعقيدتكم، ولكني لا شك أؤمن بدينكم، فنحن قد نختلف في العقيدة ولكننا نتفق في الدين وذلك لأن الدين عند الله الإسلام، وأظن نفسي مسلما. فاللهم اشهد بأني أسلمت لك وحدك.
لكن – يا سادة- بغض النظر عن الهدف المعلن أو المخفي عندنا أو عندكم: يبقى السؤال الذي لا مفر منه هو: كيف يمكن أن نفهم أن نوحا وإبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى وكل من تبعهم كانوا مسلمين وهم الذين لم يشهدوا لمحمد بالرسالة؟ فهل شهد إبراهيم لمحمد بالرسالة حتى أصبح مسلما؟ وهل شهد موسى بذلك؟ وهل شهد لوط ونوح (وهما اللذان خانتاهما امرأتهما) لمحمد بالرسالة؟ من يدري؟!!!
جواب مفترى: كلا وألف كلا. نحن نظن أن هؤلاء جميعا مسلمون بصريح اللفظ القرآني وإن لم يشهدوا لمحمد بالرسالة، وذلك لأن المسلم (نحن نؤمن يقينا) هو من شهد لله فقط بالوحدانية، أي من كانت عقيدته مفادها:
أشهد أن لا إله إلا الله
وإن لم يكن قد شهد لمحمد بالرسالة. فالشهادة لمحمد بالرسالة لا تدخل ولا تخرج الإنسان من دائرة الإسلام. رضي من رضي وغضب من غضب.
وهذا في ظننا ما يمكن أن ينقل الإسلام من دائرة الشعوبية (البداوة) إلى العالمية. فنحن نظن أنه لو أفلح سادتنا العلماء في توصيل هذه الرسالة للعالم أجمع، الرسالة التي مفادها أنك تصبح مسلما متى ما شهدت لله الخالق بالوحدانية، لما تردد العالم بأكمله (نحن نظن) أن يكون مسلما. ولكن لما رُبط الإسلام ربطا لا انفكاك فيه مع شخصية النبي محمد فقط، أخذ هذا الدين بالاندحار شيئا فشيئا. فالغالبية الساحقة من البشرية ترضى بأن تشهد لله بالوحدانية وإن ترددت في الشهادة لمحمد بالرسالة. ولكل المنافحين والمدافعين عن النبي محمد بعاطفتهم الجياشة (وإن كنا قد نشك بقدراتهم العقلية) نذكرهم بقوله تعالى:
(سورة آل عمران)
بالضبط كما كان المسيح مثلا:
(سورة المائدة)
فمحمد لم يكن بدعا من الرسل:
(سورة الأحقاف)
إلا (نحن نظن) في عقيدة من تطيروا به لدرجة أنهم قد ظنوا بأن الكون كله قد خلق من أجله. ولو أمعنوا التفكر في الآية الكريمة التالية لما وجدوا محمدا أكثر من متّبع لملّة إبراهيم:
(سورة الأنعام)
(سورة النحل)
فكيف سنتلاقى مع من كانت عقيدتهم أن محمد سيشفع لهم ليخرجهم من النار، وهذا محمد نفسه يخاطب في القرآن بالآية الكريمة التالية:
(سورة الأحقاف)
فلا شك أن سادتنا العلماء مدينون لنا بالتوضيح كيف سيخرجنا محمد من النار وهو الذي لا يدري ما سيفعل به؟!
ولا شك أنهم مدينون لنا بالتوضيح كيف سيخرجنا محمد من النار وهو الذي خرج (كما تقول بعض أحاديثهم المروية عنه) يصيح بفاطمة والعباس أنه لن يغني عنهم من الله شيئا؟ من يدري؟!!!
لندع هذا الحديث جانبا، لنقول أن أحسن الدين (لا شك عندنا) هو اتباع ملة أبينا إبراهيم كما جاء بصريح اللفظ القرآني:
(سورة النساء)
(دعاء: اللهم اشهد بأني قد أسلمت وجهي لك وحدك واتبعت ملة إبراهيم حنيفا – آمين)
وهو الذي كان أمة:
(سورة النحل)
ولو دققنا في سلوك أتباع جميع الديانات السماوية (اليهود والنصارى والمسلمين) لوجدنا أنهم يرضون جميعا بإبراهيم، فاليهود يرضون بإبراهيم، وكذلك يرضى به النصارى كما نرضى به نحن المسلمون. فلو انطلق لسان حال سادتنا العلماء بالدعوة إلى ملة إبراهيم لما وجدنا أحدا ينكر عليهم ذلك:
(سورة النساء)
فإبراهيم هو أمة لأنه (نحن نظن) هو من يرضى به الجميع فيجتمعون عنده (كما هيئة الأمم المتحدة التي تجتمع تحت مظلتها كل أمم الأرض مثلا). وربما لهذا كان إبراهيم (نحن نظن) أمة من دون رسل الله أجمعين. فمحمد ليس أمة لأنه ليس محط إجماع من كل أتباع الديات السماوية، وكذلك عيسى وموسى ونوح. وانفرد إبراهيم من بينهم جميعا ليكون هو أمة.
إن هذا المنطق البسيط يقتضي عدم المغالاة، لأن في المغالاة انحراف للعقائد، كما حصل مع كل الأمم التي سبقتنا. ومن هنا ربما يأتي فهمنا للآية الكريمة التالية:
(سورة البقرة)
فلا أظن أن لك الفضل – عزيزي القارئ المسلم- إن كنت قد ولدت في عائلة مسلمة على شخص آخر وُلِد في عائلة مسيحية أو يهودية ونشأ على ذلك. لأن الفضل هو فيما تختاره أنت بنفسك لا فيما تجد فيه نفسك دون اختيار منك.
عودة للموضوع: تجدد الإسلام عند إبراهيم
نحن نعود إلى صلب الموضوع بعد هذا الانعطاف بالافتراء التالي: تجدد الإسلام (فتجددت رحلة البشرية) عند إبراهيم (فكان هو الأب الثاني للبشرية).
رأينا المفترى والخطير جدا: لقد كان إبراهيم هو من أُلبس ذلك اللباس الذي نزع عن آدم من ذي قبل، ليعيدنا إلى تلك الملة:
(سورة الحج)
وإلى المكان نفسه عاد إبراهيم لابسا ذلك اللباس ليرفع القواعد من البيت الذي كان أول بيت قد وضع للناس:
(سورة آل عمران)
إلباس إبراهيم لباس آدم بعد نجاته من النار
رأينا: نحن نظن أن ذلك حصل عندما ألقي بإبراهيم في النار، فأخرجه الله سالما من النار، لابسا ذلك اللباس الذي نزع عن آدم من ذي قبل:
(سورة الأنبياء)
الدليل
نحن نظن أن النار كانت (بأمر من ربها) بردا وسلاما على إبراهيم نفسه، لكنها (نحن نفتري القول) لم تكن كذلك على ما كان يغطي إبراهيم سوءته به عندما ألقوه في النار:
(سورة الصافات)
فالنار (نحن نظن) قد التهمت ما كان يلبس إبراهيم قبل أن يلقى فيها، فما خرج إبراهيم لابسا ما كان يغطي سوءته قبل أن يلقى في النار لأن النار لم تكن بردا وسلاما إلا على إبراهيم نفسه. كما نعتقد بأن النار قد التهمت شعر إبراهيم وبعض أطراف بدنه (كأظفاره) التي هي ليست جزءا من إبراهيم نفسه. فأنت الشخص نفسه بغض النظر عن تسريحة الشعر التي تظهر بها أو الملابس التي تخرج بها علينا.
تخيلات مفتراة: ما أن ألقى القوم بإبراهيم في النار التي أعدوها له حتى التهمت تلك النار ما كان يلبس إبراهيم من الملابس التي كانت تغطي سوءته، وشعره، وشيئا من أظفاره، ولكن نعمة الله على إبراهيم لم تكن لتتوقف عند نجاته من النار فقط، وإنما ألبسه الله (نحن نتخيل) لباسا ليواري به سوءته بعد أن أنقذه من النار. فخرج إبراهيم مستورا السوءة ولكن بلباس جديد، فتجددت رحلة البشرية في تلك اللحظة مرة أخرى.
رأينا: إنه اللباس نفسه الذي استطاع الشيطان أن ينزعه عن آدم عندما دلاه وزوجه بغرور.
(سورة الأعراف)
رأينا المفترى: نحن نظن أنه يشبه في شكله ما يلبسه المُحرِم عند أداء فريضة الحج.
رأينا: كان أول من حج البيت هو إبراهيم؟
رأينا: مباشرة بعد أن أخرجه الله من النار:
(سورة الصافات)
(سورة العنكبوت)
الفرق بين الذهاب والهجرة
الدليل
لو حاولنا أن نتدبر السياقين القرآنيين السابقين اللذين يصوران خروج إبراهيم من النار، لوجدنا أنهما قد وردا بلفظين مختلفين ففي حين أن أحدهما جاء بلفظ "ذاهب":
(سورة الصافات)
جاء الآخر بلفظ مهاجر:
(سورة العنكبوت)
رأينا المفترى: نحن نظن أن المهاجر هو الذي يترك بلاده الأصلية إلى بلاد غيرها بهدف المكوث في تلك البلاد الجديدة، لذا فقد هاجر إبراهيم تاركا موطنه الأصلي، قاصدا بلادا جديدة ليقيم فيها، فكانت هجرته في ظننا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين وإلى هناك هاجر معه لوط، وهناك رزق الرجل بإسحق كهبة ربانية:
(سورة العنكبوت)
ولكن الذاهب – في المقابل- هو الذي يترك بلاده الأصلية، ويقصد بلادا أخرى لفترة محدودة من الزمن ربما لغرض الزيارة فقط، فلا يمكث فيها طويلا، لذا كان ذهاب إبراهيم إلى مكان البيت العتيق، وإلى هناك ذهب وحده فلم يصحبه لوط في رحلته تلك، وهناك جاءته البشرى بإسماعيل. وإن شئت- انظر الآية في سياقها الأوسع:
(سورة الصافات)
وربما يفسر منطقنا المفترى هذا سبب أن يكون إبراهيم قد اختار لإسماعيل وأمه مكان البيت العتيق:
(سورة الحج)
وسبب أن يختار لإسحق وأمه الأرض التي باركنا فيها للعالمين:
(سورة العنكبوت)
(سورة الأنبياء)
(للتفصيل انظر سلسلة مقلاتنا تحت عنوان: لماذا قدم لوط بناته بدلا من ضيوفه؟)
رأينا: ما أن خرج إبراهيم من النار لابسا ذلك اللباس الذي ألبسه إياه ربه ليستر به سوءته حتى ذهب إلى ربه طالبا الهداية:
(سورة الصافات)
فكانت مناسك الحج الأولى، فقام إبراهيم بأداء شعائر الحج كلها، لابسا ذاك الذي أصبحنا نعرفه (وربما لا نعلم سببه) بلباس الإحرام، متجردا من كل ما هو مخيط، لا يلبس إلا قطعة واحدة من اللباس ليستر به سوءته، محلقًا شعره (ربما بسبب تلك النار التي التهمته)، ومقصرا أظفاره (ربما بسبب تلك النار أيضا)، فأصبحت تلك من شعائر الحج على مر الزمان – إنها تطبيق ملّة أبينا إبراهيم.
انتقال الإرث النبوي (القميص) عبر الأجيال
تخيلات: كان أول ما فعله إبراهيم بعد خروجه من النار هو أن يذهب (في رحلة قصيرة زمنيا) إلى مكان البيت العتيق، طالبا الهداية من ربه. فأدى مناسك الحج هناك. وما أن فرغ من ذلك حتى توجه من هناك (من تلك الزيارة القصيرة التي راح إليها ذاهبا) إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين مهاجرا، قاصدا المكوث فيها إلى الأبد. وهناك أصبح فيهم علم الكتاب والنبوة:
(سورة العنكبوت)
ولكن إبراهيم (نحن لازلنا نتخيل) لم يصل إلى تلك الأرض لابسا ذلك الإحرام الذي تطوّف به عند البيت العتيق، ولكنه عاد لابسا ملابس أخرى غير ذلك اللباس. فتحلل من إحرامه، وعاد ليمارس حياته الطبيعية المعتادة.
تخيلات مفتراة: نحن نظن أن إبراهيم لم يكن ليفرط في ذلك اللباس الذي ألبسه الله إياه يوم أن أخرجه سالما من النار ليواري به سوءته. فحافظ إبراهيم على ذلك الإرث النبوي، وما أن مات إبراهيم حتى انتقل ذلك الإرث النبوي إلى واحد من أولاده وهو إسحق.
رأينا: نحن نظن (ربما مخطئين) أن هذا كان أحد الأسباب التي دعت إبراهيم أن يفصل بين ولديه إسماعيل وإسحق. فلو بقي إسماعيل في المكان نفسه مجاورا أخاه إسحق لربما (نحن نتخيل) نشب خلاف بينهما حول ذلك الإرث النبوي كما حصل مع يوسف وإخوته، ولربما استطاع الشيطان أن ينزغ بين إسحق وإسماعيل كما نجح في تلك المهمة مع يوسف وإخوته:
(سورة يوسف)
لقد كانت من حكمة إبراهيم أن يفصل بين الإخوة قبل أن يدخل الشيطان بينهما (للتفصيل انظر سلسة مقالتنا تحت عنوان: لماذا قدم لوط بناته بدلا من ضيوفه؟
لكن يبقى التساؤل نفسه قائما: لماذا لم ينتقل ذلك اللباس (الإرث النبوي) إلى إسماعيل؟ ولماذا انتهي بين يدي إسحق (كما تزعم مفتريا القول من عند نفسك)؟ يسأل صاحبنا.
رأينا: نحن نظن أن السبب في ذلك كان حكمة الأم. فالأمر كان تدبيرا واضحا من تلك العجوز (أم إسحق) صاحبة الخبرة الطويلة في بعلها إبراهيم:
(سورة هود)
وهي التي كانت قائمة عندما جاءت رسل رب إبراهيم بالبشرى بإسحق:
(سورة هود)
فلقد كانت تلك المرأة صاحبة حنكة ودهاء بدليل استقبالها الجميل (فَضَحِكَتْ) لرسل رب إبراهيم في بيتها.
لكن مثل هذه الخبرة كانت تنقص والدة إسماعيل التي أقبلت في تلك اللحظة بصرة فصكت وجهها واعتدت بالكلام على ضرتها التي نعتتها بالعقم:
(سورة الذاريات)
(للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان: لماذا قدم لوط بناته بدلا من ضيوفه؟)
يعقوب: حلقة الوصل في سلالة النبوة
وما أن قضى الموت على إسحق حتى انتهى ذلك القميص بيد يعقوب، لكن جاءت هنا مفارقة عجيبة، ألا وهي أن يعقوب لم يلبس ذلك القميص وإن كان في حوزته. السؤال لماذا؟
جواب: لأن والده إسحق لم يلبسه إياه؟
جواب: لأن يعقوب (نحن نظن) كان قد ولد بعد وفاة والده إسحق
الدليل
(سورة هود)
الدليل
نحن نظن أنه عندما يموت الإنسان تاركا ذرية له أنجبها وعاش معها فترة من الزمن قبل موته، فإنه يتركهم خلفه وليس وراءه. وانظر – إن شئت في الآية الكريمة التالية:
(سورة النساء)
ولكن عندما يموت الإنسان ويترك ذرية هو لم يرها بأم عينه في حياته، كأن يموت الإنسان ولازال المولود في بطن أمه ليأتي في قادم الأيام بعد وفاته، فإن ذلك يكون من وراءه. لأن ما كان ورائك (نحن نظن) هو ما لا تراه أنت بأم عينك. فهؤلاء نفر هم وراء النبي ومن يصلون معه، لأن النبي ومن يصلون معه لا يرونهم:
(سورة النساء)
وهذه جهنم من وراء بعض الناس لأنهم لم يرونها بعد، حتى وإن كانت جهنم تراهم، فجهنم هي التي من ورائهم:
(سورة إبراهيم)
وقد أُمر المسلمون أن يسألوا نساء النبي من وراء حجاب فلا ينظروا إليهن:
(سورة الأحزاب)
وقد كان نفر من المسلمين ينادون النبي من وراء الحجرات:
(سورة الحجرات)
وكذا هي حالة الذين يقاتلون من وراء جدر حيث تنحجب الرؤيا المباشرة:
(سورة الحشر)
والله – لا شك- لا يكلم بشرا إلا من وراء حجاب، فلا يستطيع بشر أن يرى الله، وإن كان الله لا شك يستطيع أن يرانا جميعا:
(سورة الشورى)
وربما لهذا السبب خاف زكريا الموالي من وراءه، فهو لا يخافهم ما دام أنه على قيد الحياة، ولكن خوفه منهم مصدره ما سيحل في لاحق الأيام بعد أن يفارق زكريا الحياة:
(سورة مريم)
(للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان: والله من ورائهم محيط و كذلك سلسلة مقالات: كيف تم خلق عيسى بن مريم؟
رأينا: لما كان إسحق الوريث الشرعي لإبراهيم كان هو الذي ورث عنه هذا اللباس (القميص)، ولما كان إسحق قد عايش والده إبراهيم، كان إبراهيم هو من اتخذ القرار (ربما بوحي رباني) أن ينقل هذا الإرث إلى ولده من بعده. فكان إسحق نبيا من الصالحين:
(سورة الصافات)
ولما كان إسحق قد عاصر والده إبراهيم، فقد تلقى العلم على يديه، فلقد كان إسحق – بصريح اللفظ القرآني- غلاما عليما:
(سورة الحجر)
(سورة الذاريات)
ولكن المتدبر في بقية السياقات القرآنية يجد شيئا غاية في الغرابة بخصوص يعقوب وهو أن يعقوب كان نافلة:
(سورة الأنبياء)
جواب: لا شك عندنا أن النافلة هي زيادة تضاف إلى الأصل كتهجد الليل الذي هو نافلة لمن قامه:
(سورة الإسراء)
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، لنجد أن يعقوب لم يكن عليما (كوالده إسحق) ولكنه كان "ذو علم" فقط. وأنظر – إن شئت- في الآية الكريمة التالية:
(سورة يوسف)
ولكن يوسف (ولد يعقوب) كان عليما كجده إسحق:
(سورة يوسف)
لتصبح الصورة الآن في تلك السلالة الطاهرة على النحو التالي:
إبراهيم – إسحق – يعقوب – يوسف
عليم - ذو علم – عليم
جواب: كانت على إبراهيم (المصدر) وعلى إسحق (العليم) وعلى يوسف (العليم)، ولكنها لم تتم على يعقوب (ذو العلم)، وانظر - إن شئت- في قول يعقوب نفسه لولده يوسف:
(سورة يوسف)
تخيلات: ما أن ولد يعقوب حتى كان والده إسحق قد مات، فما تحصل ليعقوب العلم، وإن كان قد تحصل له شيئا من العلم (ذو علم). وهنا وجد يعقوب أنه وريث شرعي لمقتنيات بيت النبوة، ولكن لم يكن هناك من يعترف له بذلك ما دام أنه لم يتحصل على العلم الذي يؤهله لذلك. فوالده إسحق قد توفاه الله بالموت قبل مولده، فبقي نافلة. وهنا ظل يعقوب ينتظر تتمة النعمة الإلهية له بالعلم، فما تحصل عليها، فما استطاع أن يلبس ذلك القميص (الذي وصله من عند أبويه إبراهيم وإسحق). فقضت مشيئة الله بأن لا يتم نعمته على يعقوب نفسه، فما كان يعقوب أكثر من حلقة وصل (نافلة) بين من كان عليما (والده إسحق) ومن سيصبح عليما (ولده يوسف). فاحتفظ يعقوب بذلك الإرث النبوي حتى نقله إلى صاحب الحق فيه وهو ولده يوسف.
هذا والله أعلم
خاتمة وتساؤل
هذا ما سنحاول النبش فيه في الجزء القادم من هذه المقالة إن شاء الله. فالله وحده أسأل أن يأذن لنا بعلم لا ينبغي لغيرنا. وأسأله وحده أن يعلمني وصاحبي علياً ما لم نكن نعلم، وأن يجعل فضله علينا عظيما، وأن يهدينا إلى نوره الذي أبى إلاّ أن يتمّه ولو كره الكافرون، ونعوذ به أن نكون ممن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، ونعوذ به أن نكون ممن يصدون عن سبيله أو ممن يبغونها عوجا - إنه هو العليم الحكيم.
المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
وأسأله وحده أن ينفذ قوله بمشيئته وإرادته لي الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لأحد غيري، إنه هو الواسع العليم – آمين.
بقلم: د. رشيد الجراح
21 أيار 2014
د. رشيد الجراح مركز اللغات
جامعة اليرموك