📢 تابعوا بثوث الدكتور على TikTok، أو اشتركوا في قنوات Telegram وWhatsApp لتصلكم إشعارات البث مباشرة.
Telegram WhatsApp YouTube TikTok

# قصة موسى 1: دافع فرعون في تقتيل أبناء بني إسرائيل


نبذة عن المقالة:

تحلل هذه المقالة دافع فرعون لقتل أبناء بني إسرائيل، رافضةً التفسيرات التقليدية. وتطرح افتراضًا بأن "النكران" هو نقيض "المعرفة"، وتستخدم هذا المفهوم لتفسير حوار موسى مع العبد الصالح، حيث اتهمه موسى بفعل "نُكر" (فعلٌ يفتقر للمعرفة). ثم تنتقل المقالة إلى دافع فرعون، مفترضةً أن القتل كان نتيجة صراع سياسي بعد انقلاب الفراعنة على حكم بني إسرائيل الذي بدأ مع يوسف. وتزعم أن دافع موسى لقتل المصري كان شبيهاً بدافع فرعون، لكن موسى أصلح خطأه بينما استمر فرعون في إفساده.

مقدمة: بين المعرفة والعلم والنكران

حاولنا في مقالة سابقة التمييز بين المعرفة من جهة ونكران الشيء من جهة أخرى كما يظهر التقابل بينهما في الآية الكريمة التالية:

وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٥٨﴾
(سورة يوسف)

وكان الغرض حينئذ التفريق بين العلم من جهة والمعرفة من جهة أخرى، فظننا أن الله الذي يعلم لا يحتاج أن يعرف، لأن علم الله لا يحتاج إلى دليل، ولا يحتاج إلى جهد يبذل، وهو دون أدنى شك الأحسن الذي لا يمكن أن يُجرَى عليه التعديل أو الإضافة.

افتراء قديم من عند أنفسنا: لذا نحن نحمل في قلوبنا العقيدة التي مفادها أن ربنا لا يبذل جهداً ولا يحتاج إلى توافر الدليل لكي تتحصل له المعلومة، والمعلومة المتوافرة بين يديه هي الأحسن، ولهذا – نحن نؤمن- أن ربنا لا يعرف ولكنه يعلم، ومن أراد أن يتحدى عقيدتنا هذه فعليه أن يأتي بأحسن منها، هذا والله أعلم
(للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان: هل لعلم الله حدود؟ و قصة يوسف (1): أحسن القصص)

وسنحاول في هذا الجزء الحديث عن نقيض المعرفة وهو النكران، لندخل من خلال ذلك إلى قصة موسى بتفاصيلها كما نفهمها نحن من السياقات القرآنية الكثيرة التي ترد فيها، والتي لا نظن أنها كانت أحسن القصص لأن تفصيل القصة لم يأتي جملة واحدة في مكان واحد من كتاب الله كما هو الحال بالنسبة لقصة يوسف التي بلا شك – عندنا- كانت القصة الأحسن في كتاب الله كله.

أما بعد

النكران أو التنكير

سؤال: ما نقيض من يعلم

جواب: من لا يعلم

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٩﴾
(سورة الزمر)

سؤال: وما نقيض من يعرف؟

جواب: من ينكر

وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٥٨﴾
(سورة يوسف)

نتيجة مفتراة: من لا يعرف شيئاً فهو له منكرٌ، لأن النكران – في ظننا- هو نقيض المعرفة، كما يمكن أن نفهمه من الآيات الكريمة التالية:

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٦٩﴾
(سورة المؤمنون)
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٥٨﴾
(سورة يوسف)

فها هو إبراهيم ينكر القوم الذين جاءوه بالبشرى وبخبر هلاك قوم لوط:

فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٠﴾
(سورة هود)

وها هو لوط ينكرهم أيضاً:

فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ ﴿٦١﴾ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ ﴿٦٢﴾ قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴿٦٣﴾ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴿٦٤﴾
(سورة الحجر)

ولا شك أن نكران القوم كان سببه عدم معرفتهم، فإبراهيم لم ينكر القوم إلا بعد أن رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام الذي قدّمه لهم. فلربما أن إبراهيم كان يظنهم في بداية الزيارة ضيوفاً عاديين، ولكن ما هي إلا سويعات (بعد أن ذبح لهم العجل وقدّمه لهم) حتى تحصل لإبراهيم الدليل (فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ) بأنهم ليسوا كذلك، أي لم يكونوا ضيوفاً عاديين. فما يكون منه حينئذ إلا أن ينكرهم ويوجس منهم خيفة (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً)، ولكن حتى يزول نكران إبراهيم لهم (أي عدم معرفته بهم) جاءه الخبر منهم مباشرة (قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ)، وهذا بالفعل ما حصل للوط، فلقد جاءه الخبر اليقين منهم بعد أن كان قد نكرهم:

قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ

تبعات هذا الافتراء

أولاً، وربما يفسر مثل هذا الافتراء بعض ما جاء في الآية الكريمة التالية التي نظن أن سادتنا العلماء قد أخفقوا في إيصال المراد منها للناس:

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿١٩﴾

فانظر عزيزي القارئ أولا ما جاء في أمهات كتب التفاسير إن أردت أن ترى الاختلاف بين ما قالوا هم من علم وما سنقدم نحن من ظنون وافتراءات.

السؤال: لماذا صوت الحمير على وجه التحديد هي أنكر الأصوات؟

رأينا: لما كان الإنكار هو عكس المعرفة نحن نظن أن صوت الحمير هو الأنكر لأنه الأصعب في تمييز ما فيه، ولكن كيف؟

افتراء من عند أنفسنا: لو أنت سمعت صوت دابة أخرى (كالقط أو الكلب مثلاً) لربما استطعت أن تميز (أي أن تفهم) شيئاً ما في نبرة صوته كأن يكون جائعاً مثلاً أو خائفاً أو أنه يعاني من المرض أو البرد أو أن عنده رغبة جنسية، وهكذا، فأصوات الدواب الأخرى تتفاوت في الحاجة التي تنتظرها الدابة والتي من أجلها انفجر صوتها، ولكن الأمر بالنسبة للحمار فهو – برأينا- مختلف، فنبرة صوت الحمار هي واحدة لا تتغير بغض النظر عن حاجته، فسواء كان الحمار جائعاً أو راغباً في تحقيق شهوته الجنسية انطلق صوته بصوت يكاد يكون هو نفسه لا تفاوت فيه في جميع حالاته.

نتيجة مفتراة: نحن نتجرأ على هذا الافتراء بأن النكران (أو الإنكار) هو عكس المعرفة التي ربما يمكن من خلالها الوصول الغاية المنشودة وحتى بعض التفاصيل، فإبراهيم ينكر ضيوفه لأنه لا يعرف من هم ولا يعرف الغاية من قدومهم إليه وليس عنده تفاصيل عن أسباب زيارتهم المفاجئة لهم، وكذلك الحال بالنسبة للوط، وإخوة يوسف ينكرونه لأنهم لا يستطيعون أن يعرفوا أخوهم الذي عرفهم (فلم ينكرهم)، فلربما ضاعت (مع تقدم العمر بيوسف) جميع التفاصيل التي كانت من الممكن أن تدلّهم عليه، فهو كان لا يزال غلاماً صغيراً عندما ألقوه في غيابت الجب، وعندما يكبر الطفل لا شك تتغير جميع تفاصيل شكله التي كان عليها، ولكن الأمر بالنسبة للكبار يختلف بعض الشيء، فلابد أن بعض إخوة يوسف كانوا قد وصلوا إلى سن يصبح التغيير في البنية الخارجية أقل شدة من حالة الغلام الصغير، لذا نحن نظن أن هناك فيما تبقى من تفاصيل هيئتهم وشكلهم وربما عددهم ما يمكن أن يدلّ يوسف عليهم، ولا شك أن يوسف لم تكن تنقصه الفراسة والذكاء ليستطلع خبرهم بما تبقى في ذهنه من تلك الصورة القديمة المطبوعة عنده عن إخوته.

ثانياً، لابد من التأكيد من خلال هذا الافتراء الذي نقدمه هنا على فكرة طرحناها سابقاً تتمثل في زعمنا أن المعرفة ربما لا تؤدي بالناس إلى الهداية، ولكن كيف؟

جواب: من المفترض أنه ما أن يتحصل للإنسان المعرفة بشيء (كان قد نكره من ذي قبل) حتى يكون قد وصل إلى الهداية، ولكن هل هذا فعلاً ما يحصل؟ هل فعلاً عندما يتحصل للإنسان المعرفة بشيء قد نكره من ذي قبل يسلك طريق الهداية؟

الجواب: كلا، وألف كلا. فها هم أهل الكتاب- كما جاء في كتاب الله- يعرفونه كما يعرفون أبناءهم:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿١٤٦﴾
(سورة البقرة)

وهم قد ينكرون بعضه:

وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴿٣٦﴾
(سورة الرعد)

وها هم الكثيرون منهم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها:

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴿٨١﴾ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٨٢﴾ يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٣﴾
(سورة النحل)

وتكون أشد درجات الاستهجان بمن ينكر ما أنزل الله:

وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ۚ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٥٠﴾
(سورة الأنبياء)

ثالثاً، نحن نفهم من السياقات القرآنية أن الإنكار وظيفة يقوم بها القلب:

إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ﴿٢٢﴾
(سورة النحل)

قصة موسى مع صاحبه

إنْ صحّت افتراءاتنا هذه، فإنها تقودنا إلى إشكالية كبيرة تثيرها الآية الكريمة التالية التي تبيّن لنا ما قاله موسى لذاك الرجل الذي ذهب هو بنفسه طالباً صحبته:

فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴿٧٤﴾
(سورة الكهف)

السؤال: كيف يتهم موسى الرجلَ الذي صاحبه بأن قتله للغلام كان شيئاً نكرا؟

رأينا: نحن نظن أن هذا هو بالضبط ما كان يقصد موسى أن يقوله للرجل الذي قتل العلام، فنحن نقرأ في كتاب الله أن موسى يرى في قتل الرجل للغلام شيئاً نكرا:

فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴿٧٤﴾
(سورة الكهف)

فيسبب هذا الذي قاله موسى غضباً – في ظننا- شديداً للرجل، ويرد على موسى بلهجة أكثر حدة من رده السابق عندما سأله موسى عن السبب الذي دفعه لخرق السفينة. فعندما سأله عن خرق السفينة جاء رد الرجل على سؤال موسى على النحو التالي:

فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ﴿٧١﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٢﴾
(سورة الكهف)

ولكن عندما سأله عن سبب قتله للغلام، جاء رده أكثر شدة وزجراً لموسى وكان على النحو التالي:

فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ﴿٧٤﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٥﴾

ولو دققنا في اللفظ في رده الأول ورده الثاني لوجدنا أنه يستخدم لهجة التخصيص الموجّهة لموسى شخصياً مدلّلاً على ذلك بمفردة "لَكَ". انظر الفرق بين الردين:

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٢﴾
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٥﴾

لاحظ الفرق في اللفظ، فماذا كانت غاية الرجل عندما استخدم مفردة "لَكَ" في رده الثاني؟

رأينا: نحن نتخيل الموقف على النحو التالي: أولاً، موسى يظن أن الرجل قد قتل الغلام وهو يعرف أن قتل نفس بغير نفس أمر لا يجوز:

قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا

وكأن موسى يتهم الرجل أنه قد فعل شيئاً خاطئاً مع معرفته المسبقة بأن هذا الفعل خاطئ، أي وكأن موسى يتهم الرجل بتقصد الإساءة، وبالتالي بأنه قد قتل الغلام على غير هدى. فالذي يعرف أن شيئاً ما هو عمل خاطئ ومع ذلك يقدم على فعله (أي ينكره) فهو بلا شك شخص على غير هدى، مصداقاً لقوله تعالى:

يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٣﴾
(سورة النحل)
أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴿٦٩﴾
(سورة المؤمنون)

فها هو سليمان يطلب من الملأ أن ينكروا لها عرشها لينظر أتهتدي أم من تكون من الذين لا يهتدون:

قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٤١﴾
(سورة النمل)

نتيجة: الذي ينكر الشيء بعد معرفة فإنه بلا شك يكون من الذين لا يهتدون

أما الذي يعلم الشيء ويفعل غيره فإنه من الظالمين:

وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿١٤٥﴾
(سورة البقرة)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن موسى ربما لم يتهم الرجل بالظلم (عكس ما يعلم) لأن موسى يعلم أن الرجل على علم، ولكنّه اتهم الرجل بأنه قد فعل شيئاً نكراً (أي عكس ما يعرف)، وهو بالتالي يفعل شيئاً نكرا. وهذا – في ظننا- ما أغضب الرجل غضباً شديداً، فالرجل أصلاً يقوم بذلك الفعل (الذي هو في ظاهره فعل خاطئ) ولكنه يقوم بذلك عن علم:

وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾

ثانياً، نحن نزعم الظن أن الرجل يوجّه الخطاب بالتخصيص لموسى باستخدام ضمير المخاطب "لَكَ" هنا في حادثة قتل الغلام على وجه التحديد (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ) ربما ليذكّره بأنك أنت يا موسى آخر من يحق له أن يقدّم نصيحة كهذه. وكأن الرجل – نحن نتخيل فقط- يقول لموسى: الآن تنصحني أنت يا موسى بأن قتل النفس بغير نفس هو شيء نكرا؟ ألا تذكر (يا موسى) يوم أن وكزت الرجل فقضيت عليه لا لشيء وإنما لأن واحداً من شيعتك استغاثك عليه؟

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴿١٥﴾
(سورة القصص)

ثم، ألا تذكر يا موسى أنك أردت أن تبطش بنفس أخرى في اليوم التالي لولا أن ذلك الرجل نبّهك إلى سوء تلك الفعلة؟

فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ﴿١٨﴾ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴿١٩﴾
(سورة القصص)

ونحن نظن كذلك أن خطاب الرجل مع موسى جاء هذه المرة ليدل على أن موسى ربما تجاوز كل الخطوط الحمراء المسموح بها، لأنه ما كان لمثل موسى – برأينا- أن يقع بمثل هذا المحظور، لأن في ذلك اتهام مباشر للرجل في عقيدته، ولكن كيف؟

نحن لا نظن أن رجل آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علماً قد يغفل ولو للحظة واحدة عن السنة الإلهية التي كتبها الله منذ اللحظة الأولى التي حصلت فيها جريمة قتل على الأرض، فبعد أن طوعت نفس ولد آدم قتل أخيه فقتله:

فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٣٠﴾ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴿٣١﴾

جاءت السنة الإلهية على هذا النحو:

مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴿٣٢﴾ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٣٣﴾

والمدقق في السياق القرآني نفسه يجد أن الله يتحدث عن من يقتل نفساً بغير نفس من باب محاربة الله والفساد في الأرض.

افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن صاحب موسى قد بلغ به الغضب من موسى مبلغاً دفع بموسى أن يشترط هو على نفسه مفارقة الرجل إن وقع بعد ذلك في محظور آخر:

قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ﴿٧٦﴾
(سورة الكهف)

النتيجة: نحن نفتري القول أن الرجل أراد هذه المرّة أن يوجّه رسالة قوية إلى موسى بأن قصة القتل على وجه التحديد هي آخر مجال يمكن أن يقدم فيه موسى النصيحة لأحد. لقد كان الأجدر بك يا موسى – نحن نتخيل الرجل يقول- أن تذكّر نفسك بأن قتل النفس بغير نفس هو شيء نكرا قبل أن تذكّر به غيرك. كما يجب عليك يا موسى أن لا تتهمني بأني أقتل من باب قتل نفس بغير نفس لأن من يفعل ذلك فكأنما قتل الناس جميعاً. والله أعلم.

السؤال: لماذا قتل الرجل الغلام إذن؟ ولماذا ظن موسى أن هذا شيء نكرا؟ وكيف نفهم تأويل الرجل لقتل الغلام كما ورد في الآية الكريمة التالية:

وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾

سؤال: هل هذا سبب كاف أن يدفع بالرجل لأن يقتل الغلام؟ ولماذا رضي موسى بهذا التأويل؟ وكيف فهم موسى أصلاً تأويل الرجل لهذه الحادثة؟

هذا ما سنحاول النبش فيه في هذه المقالة عن قصة موسى ولكن هناك حلقات ذهنية أخرى لابد من تفقدها أولاً ليتم ربطها مع السؤال قيد البحث. ولنبدأ بإثارة هذه الحلقات الذهنية طارحين أسئلة ربما تبادرت إلى ذهن العامة، ونظن أنهم لم يجدوا عند أهل العلم إجابات شافية تلبي رغبة الباحث منهم عن الحقيقة.

قصة موسى: باب الطفولة وتساؤلات حوله

أما بعد،

عند قراءة قصة موسى مع ذلك الرجل الذي ذهب موسى بنفسه ليطلب صحبته ليتلقى على يديه العلم:

قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾
(سورة الكهف)

تطير إلى ذهن القارئ للنص القرآني (بغض النظر عن عقيدته) تساؤلات كبيرة جداً تتعلق بشخصية ذلك الرجل نذكر منها:

  • من هو ذلك الرجل الذي ذهب موسى ليطلب صحبته والتعلم على يديه؟
  • وكيف برجل لا نعلم من أين جاء يلقّن نبي الله وكليمه دروساً في العلم؟
  • والأهم من ذلك: كيف نستطيع أن نفهم أن ما قام به الرجل من خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار يقع في باب العلم؟
  • فلماذا خرق السفينة ومن أين جاءه العلم بذلك؟
  • ولماذا قتل الرجل الغلام؟ وأين يكمن العلم في قتل غلام ربما لم يبلغ بعد سن التكليف؟ وهل ما قاله الرجل لموسى فيما يخص تلك الحادثة في نهاية الرحلة يبرر فعلاً قتل نفس بغير نفس كما ظن موسى؟
  • ولماذا بنى الجدار؟
  • ولماذا طلب موسى منه أن يأخذ الأجر على بناءه للجدار مادام أن الجدار يعود ليتيمين في المدينة؟ فهل وصل الأمر بموسى أن يطلب أجراً من أيتام يقوم بعمل شيء لهم؟
  • وماذا سنستفيد نحن من قراءة هذه الحوادث والعلم عنها؟ هل فيها ما ينفعنا في حياتنا المعاصرة بعد قرون طويلة من حصولها؟
  • الخ.

الفكر السائد

غالباً ما غلّف أهل الدراية تفسيراتهم لهذه الأحداث التي يرد ذكرها في كتاب الله بالعقائد المسبّقة التي تفسر كل ما لا يمكن تفسيره عندهم. فهم – كما زعمنا على الدوام- يفسرون الغيبيات بالغيبيات، فالقصة نفسها في كتاب الله قد أشكلت على العامة من مثلي، ولكني في الوقت ذاته لا أجد في تفسيرات أهل الدراية (سادتنا العلماء) لهذه القصص ما يجعل الصورة أكثر وضوحاً، أو ما يمكن أن يزيل الإرباك الذي يقع في نفسي عندما أقرأها من كتاب الله لوحدي. إن أكثر ما فعله sادتنا العلماء على مر القرون أنهم عندما يتحدثون عن قتل ذلك الرجل للغلام مثلاً يأخذون ذلك من باب الوازع الإيماني العقائدي، فيجوزوا للرجل ما لا يجوّزون لغيره بالرغم من عدم معرفتهم بالسبب الحقيقي من وراء عمله ذاك، فيصبّوا على الرجل كل عبارات المديح والثناء والتعجب الحميد من فعلته تلك، أليس كذلك؟

ولكنهم – بالمقابل- عندما يتحدثون عن قتل فرعون مثلاً لأبناء بني إسرائيل يأخذون ذلك من باب وازع الكفر والإلحاد، فلا يجوزوا لفرعون فعلته تلك بالرغم من عدم معرفتهم أيضاً بالسبب من وراء قيام فرعون بذلك. فينصبّوا على الرجل بكل عبارات الذم والقدح والتعجب المستهجن من فعلته تلك، أليس كذلك؟

رأينا

ألا يحق لنا نحن العامة أن نتساءل فقط: هل فهم علماؤنا الأجلاء فعلاً لم قتل صاحب موسى الغلام؟ وهل أسعفونا بما أذن الله لهم به من علم لنفهم نحن العامة ما حصل فعلاً؟ وهل فهم علماؤنا الأجلاء لم كان فرعون يقتّل أبناء بني إسرائيل؟ وهل أسعفونا بعلم أذن الله لهم به لنفهم نحن الفرق بين الحالتين؟

موقفنا

أولاً، نحن نظن (بافتراء من عند أنفسنا) أن علماءنا الأجلاء لم يسعفونا بشيء سوى أنهم زادوا الطين بلّة فوق رؤوسنا عندما أضافوا لنا جهلاً على جهلنا لمّا لم يفسروا لنا القصة القرآنية على حقيقتها ولم يفسحوا لنا المجال أن نتفكر بها بأنفسنا. فمن يستطيع بعد قرون من الزمن أن يقدّم قوله على قول فلان وقول ابن فلان أو ابن علاّن...؟ ألم توكل هذه الأمة موروثها العقائدي إلى طائفة من الناس ظنوا أنهم مؤتمنين عليه؟ فماذا كانت النتيجة بعد قرون طويلة من الزمن؟ هل نستطيع أن نفهم آية واحدة في كتاب الله على حقيقتها كما أرادها الله إلا بعد المرور طوعاً أو كرهاً بما جادت به عقول أهل الدراية ونقله عنهم أهل الرواية؟ ولكن السؤال الأكبر يبقى على النحو التالي: وهل فعلا جادت عقولهم بشيء أصلاً يستحق المرور عليه؟ من يدري؟!!!

رأينا: نحن نظن أن الحاجة ماسّة لدحض الموروث العقائدي الذي وصلنا من عند أهل الدراية من خلال أهل الرواية جملة وتفصيلاً، وإعادة النبش عن تفاصيل القصة نفسها في مفردات الآيات القرآنية الكريمة دون الالتفات إلى آراء البشر السابقة باهتمام أكثر مما يجب، لأننا نظن (كاذبين بالطبع) أنه لا يوجد في كلامهم ما يمكن أن يسمن أو أن يغني من جوع.

ثانياً، نحن نظن أن من أراد أن يدخل على النص القرآني ليفهمه، فلا يجب أن يدخل عليه وفي رأسه عقائد مسبّقة تفسر ما لا يمكن تفسيره من خلالها. فمثلاً نحن لا نتزحزح عن موقفنا المبدئي الذي مفاده بأن القتل هو قتل بغض النظر عمن قام به، ولابد من إيجاد التبرير المرضي سواء كان من قام به مؤمنا كموسى أو صاحبه أو كافرا كفرعون وغيره، فمن أراد أن يتصدى لتفسير هذه القصص فعليه أن يبيّنها للناس بالدليل الذي لا يمكن رده، وهو الدليل المستنبط من كتاب الله نفسه. فأنا لا أقبل أن تفسر لي قتل صاحب موسى للغلام فقط من باب الوازع الإيماني لأنك تعرف أن الرجل كان مؤمنا، وفي الوقت ذاته لا أقبل أن تفسر لي سبب قتل فرعون لأبناء بني إسرائيل من باب العقيدة التي مفادها أن فرعون كان كافراً وكفى.

ثالثاً، لابد من رد كلام أهل الدراية (مهما كان مصدره) إن لم تكن تدعمه الحجة المستنبطة من كتاب الله، فقول البشر (مهما علا شأنهم) ليس حجة على كتاب الله، ولكن كتاب الله هو الحجة على قول كل البشر مهما بلغوا من العلم والمعرفة. فتفسير هذه القصص لا يكون بشيء مثل "قال فلان..." وروى فلان عن فلان...". فليقل من شاء أن يقول، وليروي من شاء أن يروي، فمن لا يملك الدليل والحجة فلا أظن أن كلامه يمكن أن يعتد به، وأظن أن recycle bin هي أفضل مكان يخزن به كلام لا تدعمه الحجة من كتاب الله. فنحن نطلب من القارئ الكريم أن لا يلق بالاً لأي افتراء نقدمه من عند أنفسنا ما لم يكن يدعمه الدليل المستنبط من كتاب الله.

هذه من أبجديات عقيدتنا، وهذا ما سنحاول أن نلتزم به عندما ندخل إلى قصة قتل الغلام على يد صاحب موسى. لذا فالله أسأل أن يؤتيني رحمة من عنده وأن يعلمني من لدنه علماً.

أما بعد،

السؤال قيد البحث: كيف نفهم حوادث القتل كما ترد في كتاب الله؟

جواب: لابد من ملاحظة السيناريوهات الثلاثة التالية التي ترد جميعها في كتاب الله:

  1. سيناريو موسى: موسى قتل نفساً فاستغفر ربه (وأراد أن يقتل الأخرى) فكان رسولا
  2. سيناريو صاحب موسى: صاحب موسى قتل نفساً (ولم يستغفر ربه) فكان صاحب علم يطلب موسى العلم عنده
  3. سيناريو فرعون: فرعون قتل أنفس (ولم يستغفر ربه) فكان من الضالين المضلين

السؤال: ما قصة القتل؟ وكيف يمكن تبريرها في كل حالة من هذه الحالات الثلاثة؟

(هذا ما سنتناوله في مقالاتنا هذه الخاصة بقصة نبي الله موسى بحول الله وتوفيقه، لذا فالله أسأل أن يقضي أمره فينفذ قوله بمشيئته وإرادته لي الإحاطة بعلم لا ينبغي لغيري إنه هو السميع المجيب).

أما بعد،

افتراء خطير جداً من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأنه إن استطعنا (بحول الله وتوفيقه) أن نفهم السبب الذي من أجله كان يقتّل فرعون أبناء بني إسرائيل لربما وصلنا إلى إجابة أكثر دقة للسؤال عن سبب قتل هذا الرجل لذاك الغلام، وإنّ أقل ما يمكن أن نبوح به حتى الساعة من عقيدة (وهي لا شك منحرفة عند أهل العلم) أنه لو كان قتل فرعون لأبناء بني إسرائيل هو من باب قتل نفس بغير نفس لما دعت الحاجة أن يرسل الله رسولين يدعوانه لأن يتذكر أو أن يخشى، أو أن يطلب الله منهما أن يقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو أن يخشى:

فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴿٤٤﴾

لأن السؤال الذي كان سيطرح حينئذ هو: وماذا لو فعلاً تذكّر فرعون أو خشي؟ أين ستذهب دماء أولئك الذين قتلهم فرعون من أبناء بني إسرائيل؟ ولا يجب أن ننسى أن موسى نفسه قد قتل نفساً (ربما بغير نفس)، فاستغفر ربه، فغفر الله له:

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴿١٥﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿١٦﴾

فهل – يا ترى- لو استغفر فرعون ربه (بعد كل هذا التقتيل لأبناء بني إسرائيل) هل كان الله سيغفر له؟

ولماذا أصلاً غفر الله لموسى؟ وماذا عن دم ذلك الرجل الذي وكزه موسى فقضى عليه؟ وماذا لو فعلت أنا مثل تلك الفعلة؟ هل يكفي أن استغفر ربي ويذهب دم من قتلت هباءً منثورا؟

رد أهل العلم: لعلي أخمن أن رد أهل الدراية سيكون على النحو التالي: لكن الله يعلم في علمه الأزلي أن فرعون لن يتذكر ولن يخشى، فبعث الله لفرعون رسولين ليقيم عليه الحجة.

رأينا: ما شاء الله!!! جواب مفحم، أليس كذلك؟

ولكن - يا سادة- هل يستطيع فرعون (أو أي شخص آخر) أن يجادل في علم الله الأزلي؟ ألم يقرأ هؤلاء العلماء ما جاء في الآيات الكريمة التالية؟

مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ۚ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴿٧٩﴾
(سورة النساء)
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿١٦٥﴾ لَٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴿١٦٦﴾
(سورة النساء)
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾ فَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿٢٩﴾
(سورة يونس)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴿٤٣﴾
(سورة الرعد)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا ﴿٩٤﴾ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا ﴿٩٥﴾ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿٩٦﴾
(سورة الإسراء)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴿٢٨﴾
(سورة الفتح)

ثم – يا سادة – ألم تكن سنة الله الكونية على نحو أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير:

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴿٢٤﴾

فما بال الله إذاً يرسل رسولين لفرعون على وجه الخصوص؟ هل لفرعون خصوصية تميزه عن كل أمم الأرض؟

ثم، ما بال الله – يا سادة- لا يرسل رسولاً أو اثنين لكل طاغية متكبر في الأرض؟ وهل تجبر فرعون مثلاً أكثر مما تجبر طواغيت العرب والمسلمين على مر الزمن؟ يكفي – بالنسبة لي- أن فرعون كان يستشير ملئه، لا بل ويأخذ الأذن منهم لتنفيذ مراده:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴿٢٦﴾
(سورة غافر)

صحيح أن فرعون قد استخف قومه فأطاعوه، ولكن هل فرعون هو وحده من استخف قومه من أهل الحكم والملك؟ فليلق من أراد أن يجادل نظرة واحدة على خارطة العالم السياسية ولينظر أين هم حكام الأرض الذين لا يزالون (بعد آلاف القرون) يستخفون بقومهم ربما أكثر من استخفاف فرعون بقومه!!!

رأينا: إن استخفاف فرعون بقومه لم يكن ليحصل لولا أن قومه كانوا – كما يبيّن صريح اللفظ القرآني- قوماً فاسقين:

فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴿٥٤﴾
(سورة الزخرف)

وليلق من أراد أن يجادل نظرة على خريطة العالم السكانية، ولينظر أين هي شعوب الأرض الأكثر فسقاً على وجه الأرض!!!

ثم - يا سادة- مادام الأمر كذلك، وأن الله (حسب ظنكم) قد بعث لفرعون رسولين ليقيم عليه الحجة، فما ذنب موسى أن يجهد نفسه ويعرّض حياته وحياة أخيه للخطر مادام أن النتيجة محسومة في علم الله الأزلي؟ ألم يدب الخوف في قلب موسى لحظة أن طلب الله منه أن يذهب وأخيه إلى فرعون ليقولا له قولاً لينا:

قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴿١٢﴾ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ﴿١٣﴾ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴿١٤﴾ قَالَ كَلَّا ۖ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا ۖ إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ﴿١٥﴾
(سورة الشعراء)

لِمَ إذن لَمْ يسأل موسى ربه – نحن نتساءل فقط- عن النتيجة؟ لمَ لمْ يسأل موسى ربه سؤالاً كهذا مثلاً: هل (يا رب) موجود في علمك الأزلي أن فرعون سيتذكر أو سيخشى؟ وهل يستحق فرعون فعلاً أن نبذل عليه جهداً ما دام أنه في علمك الأزلي لن يتذكر ولن يخشى؟

ثم – يا سادة- ما دام أن فرعون لن يتذكر ولن يخشى (كما يظن علماؤنا الأجلاء أنه موجود في علم الله الأزلي)، فلم نطق فرعون بكلمة الإيمان لحظة أن أدركه الغرق؟

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٩٠﴾
(سورة يونس)

ولم جاء الرد الإلهي على إيمانه بأنك تأخرت يا فرعون في ذلك:

آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿٩١﴾
(سورة يونس)

ولم أنجاه الله ببدنه نتيجة لذلك ليكون لمن خلفه آية؟

فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴿٩٢﴾
(سورة يونس)

رأينا المفترى: نحن لا نتخذ مثل هذه العقيدة السائدة الموروثة عن سادتنا العلماء، ونظن – بالمقابل- أن الله قد أرسل لفرعون رسولين لأن فرصة تذكر فرعون وخشيته كانت واردة جداً، وليس أدل على ذلك من كلمة الإيمان التي نطق بها فرعون في نهاية المطاف. ونحن نظن أن الله ما كان ليضع موسى وأخاه هارون في مسرحية معدّة فصولها مسبقاً. والأهم من ذلك بالنسبة لنا في هذا المقام هو أننا نعتقد جازمين أن قتل فرعون لأبناء بني إسرائيل لم يكن من باب قتل النفس بغير نفس، ولكنه كان قتلاً عن علم، لذا نحن نؤمن يقيناً أنه لو تذكر فرعون وخشي بعد أن بعث الله موسى وأخاه هارون رسولين إلى فرعون فاستغفر ربه على فعلته تلك لغفر الله له ذلك بالضبط كما حصل في حالة استغفار موسى ربه بعد أن قتل الرجل. (وهذا ما سنحاول تقديم الدليل عليه لاحقاً بحول الله وتوفيقه).

نتيجة مفتراة خطيرة جداً جداً: نحن نفتري الظن بأن فرعون كان عنده (1) دافعاً و(2) علماً هما اللذان جعلاه يقتّل أبناء بني إسرائيل، ونحن نفتري الظن أن دافع فرعون للقتل ربما كان يوازي الدافع الذي من أجله قتل موسى رجلاً من آل فرعون وإقدامه على قتل آخر في اليوم التالي (كلام خطير, أليس كذلك؟)
كما أننا نفتري الظن أيضاً بأن علم فرعون ربما كان يوازي علم صاحب موسى الذي قتل الغلام الذي لقياه في الطريق (كلام أخطر, أليس كذلك؟)

سؤال: ربما يرد البعض على افتراءاتنا هذه على الفور بالقول: إذا كان عند فرعون دافع لقتل أبناء بني إسرائيل, فماذا كان دافعه ذاك؟ وإذا كان فرعون على علم, فماذا كان علمه؟ وما هو مصدر علمه؟

دافع فرعون في قتل أبناء بني إسرائيل

لنبدأ أولاً بالسؤال الخاص بدافع فرعون أن يقتّل أبناء بني إسرائيل وذلك بطرح السؤال الذي غالباً ما أثار الناس التساؤل التالي حوله: لماذا كان يقدم فرعون على قتل أبناء بني إسرائيل؟ هل من المنطق أن يقدم "إنسان" ( بغض النظر عن عقيدته) على قتل الأطفال لمجرد حبه للقتل؟ يمكن أن أصدق أن يقدم الإنسان على قتل إنسان آخر إن كان قد بلغ من العمر مبلغ الرجال كما يحصل في العادة, ولكن هل قتل الأطفال بحد ذاته سلوك يمكن أن يتقبله الطبع البشري؟
الخ.

المشكلة الأولى: رؤيا أم نبوءة؟

غالباً ما سوّق أهل الدراية في الفكر الإسلامي سبب قتل فرعون لأبناء بني إسرائيل بشيء مما تناقله بعض اليهود في قصصهم, فهم يروجون للفكرة الشعبية التي مفادها أن "كهنة" (أو أهل علم ذلك الزمان) قد قدّموا لفرعون نبوءة مفادها أن طفلاً من بني إسرائيل سيولد وسيسلبه ملكه, لذا عمد فرعون حينئذ إلى قتل كل مواليد بني إسرائيل في ذلك الزمان, بينما ظنّ آخرون من أهل الدراية أن فرعون نفسه قد رأى في منامه ما سيحل ببلاده من الدمار بسبب مولود من بني إسرائيل, فعمد إلى قتلهم جميعاً. فانظر - عزيزي القارئ- ما جاء عند ابن كثير مثلاً في تفسير الآية الكريمة التالية:

وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿٤٩﴾
(سورة البقرة)
تفسير ابن كثير
يقول تعالى اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب أي خلصتكم منهم وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى عليه السلام وقد كانوا يسومونكم أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأى رؤيا هالته رأى نارا خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر إلا بيوت بني إسرائيل مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل ويقال بعد تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة وهكذا جاء حديث الفتون كما سيأتي في موضعه في سورة طه إن شاء الله تعالى فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل وأن تترك البنات وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها وهاهنا فسر العذاب بذبح الأبناء وفي سورة إبراهيم عطف عليه كما قال " يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم " وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص إن شاء الله تعالى وبه الثقة والمعونة والتأييد . ومعنى يسومونكم يولونكم قاله أبو عبيدة كما يقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها قال : عمرو بن كلثوم : إذا ما الملك سام الناس خسفا أبينا أن نقر الخسف فينا وقيل معناه يديمون عذابكم كما يقال سائمة الغنم من إدامتها الرعي. نقله القرطبي وإنما قال هاهنا " يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم " ليكون ذلك تفسيرا للنعمة عليهم في قوله " يسومونكم سوء العذاب" ثم فسره بهذا لقوله هاهنا " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " وأما في سورة إبراهيم فلما قال " وذكرهم بأيام الله " أي بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك " يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم " بعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي على بني إسرائيل . وفرعون علم كل من ملك مصر كافرا من العماليق وغيرهم كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافرا وكسرى لمن ملك الفرس وتبع لمن ملك اليمن كافرا والنجاشي لمن ملك الحبشة وبطليموس لمن ملك الهند ويقال : كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليه السلام الوليد بن مصعب بن الريان وقيل : مصعب بن الريان فكان من سلالة عمليق بن الأود بن إرم بن سام بن نوح وكنيته أبو مرة وأصله فارسي من اصطخر وأيا ما كان فعليه لعنة الله وقوله تعالى " وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم " قال ابن جرير وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا آباءكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى " بلاء من ربكم عظيم " قال نعمة وقال مجاهد " بلاء من ربكم عظيم " قال نعمة من ربكم عظيمة وكذا قال أبو العالية وأبو مالك والسدي وغيرهم وأصل البلاء الاختبار وقد يكون بالخير والشر كما قال تعالى " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " وقال " وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون " قال ابن جرير وأكثر ما يقال في الشر بلوته أبلوه بلاء وفي الخير أبليه إبلاء وبلاء قال زهير بن أبي سلمى : جزى الله بإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو قال فجمع بين اللغتين لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده وقيل المراد بقوله " وفي ذلكم بلاء " إشارة إلى ما كانوا فيه من عذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء قال : القرطبي وهذا قول الجمهور ولفظه بعد ما حكى القول الأول ثم قال : وقال الجمهور الإشارة إلى الذبح ونحوه والبلاء هاهنا في الشر والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان.

ثم قارن ذلك بما جاء عند ابن كثير نفسه في تفسير الآية الكريمة التالية التي تتحدث أيضاً عن تقتيل فرعون لأبناء بني إسرائيل:

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿٤﴾
(سورة القصص)
تفسير ابن كثير
قال تعالى : " إن فرعون علا في الأرض " أي تكبر وتجبر وطغى " وجعل أهلها شيعا " أي أصنافا قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته وقوله تعالى : " يستضعف طائفة منهم " يعني بني إسرائيل وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العنيد يستعملهم في أخس الأعمال ويكدهم ليلا ونهارا في أشغاله وأشغال رعيته ويقتل مع هذا أبناءهم ويستحيي نساءهم إهانة لهم واحتقارا وخوفا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه أن يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه . وكانت القبط قد تلقوا هذا من بني إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول إبراهيم الخليل عليه السلام حين ورد الديار المصرية وجرى له مع جبارها ما جرى حين أخذ سارة ليتخذها جارية فصانها الله منه ومنعه منها بقدرته وسلطانه فبشر إبراهيم عليه السلام ولده أنه سيولد من صلبه وذريته من يكون هلاك مصر على يديه فكانت القبط تحدث بهذا عند فرعون فاحترز فرعون من ذلك وأمر بقتل ذكور بني إسرائيل ولن ينفع حذر من قدر لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولكل أجل كتاب

موقفنا: نحن لا ندري ما كان سبب تقتيل فرعون لأبناء بني إسرائيل: أهي رؤية فرعون نفسه كما جاء في تفسير آية البقرة أم نبوءة من حوله عن ما كان يتدارسه بنو إسرائيل من قول إبراهيم الخليل؟ من يدري!!!

المشكلة الثانية: لماذا موسى وليس هارون؟

ولما فاجأ العامة أهل العلم بالسؤال عن هارون قائلين: لماذا إذن لم يقتل فرعونُ هارونَ (شقيق موسى) مادام أنه كان يقتّل أبناء بني إسرائيل؟ انبرى الأفذاذ من أهل الدراية بالجواب العظيم الذي يسلب عقل كل ذي لب فقالوا: أن فرعون كان يقتّل أبناء بني إسرائيل عاماً ويذرهم عاما، فجاء مولد موسى في العام الذي كان من المفترض أن يقتل فرعون المواليد فيه، بينما ولد هارون في العام الذي لم يكن يقتل أبناء بني إسرائيل فيه؟

- ما شاء الله!!! ألا ترى عزيزي القارئ هذه العبقرية الخالدة؟! من يدري!!!

موقفنا: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ

فهمنا المفترى للسبب الذي من أجله كان يقتل فرعون أبناء بني إسرائيل

موقفنا: نحن نظن أن كل ما جاء في كتب التفاسير حول هذه الجزئية لا يعدو أكثر من أساطير محرفة عن موروثات الأمم السابقة التي كانت أصلاً قد حرفت من ذي قبل، فلقد أضاف علماؤنا الأجلاء (مع خالص احترامنا وتقديرنا لشخصياتهم وليس لعلمهم) تخريفاً إلى تحريف سابق، لذا نحن نرى أن الحاجة ملحّة للعودة بهذه الأسئلة إلى نقطة البداية ليكون محور النقاش منصباً على ما يمكن أن يدعمه الدليل المستنبط من كتاب الله وحده. والله أسأل أن يأذن لنا بشيء من علمه لنقول عليه الحق فلا نفتري عليه الكذب، إنه هو السميع المجيب

أما بعد،

أولاً، نحن نعتقد أن فرعون لم يكن يقتل أبناء بني إسرائيل عاماً ويذرهم عاماً، وإنما كان يقتل أبناء بني إسرائيل على الدوام، ولو رجعنا إلى آيات الكتاب الكريم التي تتحدث عن تقتيل فرعون لأبناء بني إسرائيل لما وجدنا فيها إشارة إلى هذا التناوب المزعوم في أعوام القتل:

وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿٤٩﴾
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴿١٢٧﴾
وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿١٤١﴾
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿٦﴾
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿٤﴾
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿٦﴾

نتيجة: نحن نظن أن فرعون وقومه كانوا يذبحون أبناء بني إسرائيل على الدوام، وما كانوا يبقون منهم أحدا. فلِمَ إذن – يسأل صاحبنا- لَمْ يقتل فرعونُ هارونَ (شقيق موسى)؟

للإجابة على هذا السؤال نرى أن الافتراءات التالية التي هي من عند أنفسنا ربما تستحق من القارئ الكريم التأمل ولو قليلاً:

افتراء 1: نحن نفتري الظن بأن موسى هو الأخ الأكبر لهارون، فهارون أصغر من موسى بالسن، والدليل على ذلك يأتي من ظننا الافتراضي الذي مفاده بأنه لو كان هارون أكبر من موسى بالسن لما أقدم موسى على أن يجر أخاه الأكبر (هارون) برأسه أو أن يأخذ بلحيته وبرأسه معاً:

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿١٥٠﴾
(سورة الأعراف)
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴿٩٤﴾
(سورة طه)

فلا أخال أن الأخ الأصغر (مهما كانت الحجة أو المسوغ) يمكن أن يقدم على فعل كهذا بأخيه الأكبر، ولكن لمّا كان موسى - في ظننا- أكبر سناً من أخيه هارون ربما نجد للأمر تبريراً.

كما يمكن أن نستنبط من بعض السياقات القرآنية أن هارون لم يغادر أرض مصر عندما فعل موسى فعلته وقتل رجلا من آل فرعون:

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴿١٥﴾
(سورة القصص)

السؤال: ما دام أن موسى (أخ هارون) قد قتل رجلاً من آل فرعون، فلم إذاً لم يأخذ فرعون (أو قومه) هارونَ بفعلة أخيه؟ أليس الإخوة شركاء في الدم؟ وإذا كان هارون من شيعة موسى فلم لم يقم أهل المقتول بالثأر من موسى على الأقل بدم أخيه مادام أن موسى قد هرب من مصر؟ والأهم من هذا كله، كيف يجرؤ موسى على الهرب بعد فعلته هذه ويترك أخاه خلفه؟ ألم يكن يخشى أن يأخذ القوم أخاه هارون بسوء فعلته هو (موسى)؟

افتراء 2: نحن نفتري الظن أن فرعون لم يقدم على قتل هارون (بالرغم مما فعل أخوه موسى) لأن هارون لم يكن أصلاً من ذرية بني إسرائيل الذين كان فرعون يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم، وبكلمات أكثر دقة نقول لم يكن هارون من آل موسى.

- ما الذي تقوله يا رجل؟ هل أنت بكامل قواك العقلية؟ أليس موسى هو شقيق هارون؟ فكيف بك تقول أن هارون ليس من بني إسرائيل إذن؟

جواب: نعم، هارون هو أخ موسى ولكنه ليس من طائفة بني إسرائيل الذين كان فرعون يقتّل أبناءهم ويستحي نسائهم؟

- وكيف يمكن أن يستقيم ذلك؟ هل هذه أحجية؟

جواب: لا، هي ليست أحجية، ولكن هذا ما نظن أن القرآن يثبته، ولكن كيف ذلك؟

رأينا: نحن نفتري الظن بأن هارون هو أخ موسى من أمه ولكنه ليس أخوه من أبيه، فموسى وهارون هم أخوة في الأم ولكنهما ليسوا إخوة في الأب، لذا كان لكل واحد منهم أب يختلف عن أب الآخر وإن كان الاثنان يشتركان في الأم، لذا كان كل واحد منهم ينحدر من آل يختلف عن آل الآخر، فهناك آل موسى وهناك آل هارون كما نجد ذلك بصريح اللفظ القرآني:

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿٢٤٨﴾
(سورة البقرة)

دقق – عزيزي القارئ- جيداً بمفردات هذه الآية الكريمة لنطرح عليك بعدها التساؤل التالي: لماذا هناك آل لموسى وهناك آل لهارون مادام أن الاثنين هم إخوة؟1

أن افتراءنا هذا بأن موسى وهارون تجمعهما فقط أخوة الأم تدعمه آيات كريمة من كتاب الله:

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿١٥٠﴾
(سورة الأعراف)
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴿٩٤﴾
(سورة طه)

فبعيداً عن التحليق في عالم المجازات وسماء الاستعارات، نحن نقرأ بصريح اللفظ القرآني أن هارون نفسه يقول بملء فيه لموسى " يَا ابْنَ أُمَّ"، لذا نحن نفهم أن الرابط بين موسى وأخيه هارون هو رابط قادم من طرف الأم، وليس رابطاً قادم من طرف الأب.

الهوامش

  1. (للتفصيل حول من هم آل الرجل وأهل الرجل وقوم الرجل، الخ. انظر مقالتنا تحت عنوان من هي زوجة موسى ومقالتنا باب السامري)
  2. سنتعرض بحول الله وتوفيقه إلى شخصية هذا الرجل لاحقاً، فالله أسأل أن يأذن لي بعلم لا ينبغي لأحد غيري إنه هو السميع المجيب.
أحدث أقدم