📢 تابعوا بثوث الدكتور على TikTok، أو اشتركوا في قنوات Telegram وWhatsApp لتصلكم إشعارات البث مباشرة.
Telegram WhatsApp YouTube TikTok

قصة موسى 10: باب العزير 07


تستكمل هذه المقالة البحث في هوية صاحب موسى، مفترضة أنه الرجل المذكور في سورة البقرة (الآية 259)، والذي يُعتقد أنه العزير. تنتقد المقالة بشدة المنهج التقليدي في التفسير الذي يصنف مثل هذه القصص كـ"معجزات" غامضة ويغلق باب التدبر العقلي. وتقترح قراءة جديدة تعتبر هذا الرجل (العزير) عالمًا من بني إسرائيل فرّ من استعباد آل فرعون في مصر، وانطلق في رحلة لتوثيق آيات الله، حتى أماته الله مئة عام ثم بعثه، بالتزامن مع فترة تحرير بني إسرائيل على يد موسى، ليجعله آية للناس. وتطرح المقالة فرضية جريئة بأن هذا الرجل هو نفسه شخصية "أوزوريس" في الحضارة المصرية القديمة.

رحلة صاحب موسى: إلى أين؟

وصلنا في الجزء السابق من هذه المقالة عند الظن بأن صاحب موسى كان متجهًا مع موسى إلى مكان محدد بعينه بعد أن نزلا من السفينة التي خرقها. فظننا أنهما قد نزلا على الجهة المقابلة للمكان الذي سترسو فيه سفينة المساكين الذين كانوا يعملون في البحر. ولم يكونا ذاهبين نحو الجهة التي سيأتي منها الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبًا، وإلا لما احتاج (نحن نظن) صاحب موسى أن يؤول ذلك لموسى لأن موسى ربما كان سيرى ذلك بأم عينه.

ولمّا كان موسى مرافقًا هذا العبد الصالح في رحلة تعليمية، كانا متجهين (نحن نظن) إلى المكان الذي سيتلقى فيه موسى تعليمًا من هذا العبد الذي آتاه الله رحمة من عنده وعلّمه من لدنّه علمًا. وقد طرحنا في نهاية ذاك الجزء من المقالة التساؤل التالي: أين كان صاحب موسى متجهًا بموسى في تلك الرحلة التعليمية؟

فظننا بداية أن صاحب موسى كان ينوي أن يطوف بموسى في أماكن يخبرها هذا الرجل جيدًا، ليعلِّم موسى مما علّمه الله من لدنّه. وقد دعانا هذا الظن إلى العودة لتدبر الآية الكريمة التي ظننا أنها تتحدث عن هذا الرجل، وهي قوله تعالى:

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ۖ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

(البقرة: ٢٥٩)

منطلقين هذه المرة من التساؤل الجديد التالي: هل كانت هذه هي التجربة الأولى لهذا الرجل مع ربه؟ أي هل كان طلب هذا الرجل من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى هو الطلب الأول والأخير؟ هل جاء طلبه هذا من باب المصادفة؟ من يدري!!!

منظور جديد لقصة الذي مرّ على قرية

نقد التفسير التقليدي القائم على "المصادفة"

رأينا: غالبًا ما ظن من يقرأ هذه الآية الكريمة بأن ما حصل مع هذا الرجل عندما طلب من ربه أن يريه كيف يحيي القرية بعد موتها كان من قبيل المصادفة، ويكأن القارئ للنص القرآني ربما يظن بأن هذا الرجل قد مرّ على قرية ما بطريق الصدفة، فوجدها خاوية على عروشها، فهاله هذا المنظر، وهناك وقف ليتفكر متسائلًا: ﴿... أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا...﴾

السؤال: إذا كان هذا ما حصل فعلًا، فلم حصل هذا الموقف مع هذا الرجل فقط؟ لِم لم يحصل بعد ذلك مع غيره؟ ولِم لم يكن قد حصل مع من جاء قبله؟ ما هي خصوصية هذا الرجل حتى يجعله الله آية للناس؟ ﴿... وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ...﴾

هل كل من ركب حمارًا ومر على قرية خاوية على عروشها وتفكر فيها، حصل معه ما حصل مع هذا الرجل؟ وما دخل حماره إذًا بالأمر؟ وماذا كان يفعل بطعامه وشرابه حتى جاء ذكرهم جميعًا (الرجل، حماره، طعامه، وشرابه) في كتاب يتلى إلى يوم الدين؟

افتراء من عند أنفسنا: لفهم مثل هذه الجزئيات المهمة في القصة، أظن أن علينا بداية أن نتوقف عن الحديث عن هذه المواقف ويكأنها حصلت من قبيل المصادفة. فنحن نؤمن يقينًا بأن تلك أحداث عظيمة حدثت بطريقة ما جعلتها مؤهلة أن تكون جزءًا من قرآن يتلى إلى يوم الدين، لا بل جزءًا من العقيدة التي نؤمن بها، لذا فإن إنكارها (أو ربما التقليل من أهميتها أو تشويهها) ربما يجعل عقيدتنا كلها عرضة للانتقاد الذي ربما لا نقوى على رده، فتكون العقيدة برمتها في مهب الريح.

خطورة إغلاق باب التدبر العقلي

فلو أنت حدّثت بمثل هذه القصص من لا يتخذ من دينك عقيدة لما وجدته سيظن بأنها أكثر من تخاريف الأمم السابقة التي أكل عليها الدهر وشرب، وما عادت تصلح أن تكون مثار نقاش للباحثين عن المعرفة العلمية بأدوات التجريب والقياس، والأخطر من هذا أن البعض (بمن فيهم جزء من أهل العقيدة نفسها) قد ينسبها إلى قصص التسلية والترويح[1] عن النفس في ساعات الفراغ التي تنفق على التندر والضحك وربما التهكم بمعتقدات الآخرين إذا لم يكن هو من المؤمنين بها.

السؤال: ما المخرج من مثل هذه "المطبات" التي أظن أنها كانت صنيعة سادتنا العلماء أهل الدراية والرواية؟

جواب مفترى: لابد من التفكر بمثل هذه المواقف وربطها بالسبب الذي من أجله وردت كآيات تتلى على مسامع الناس وتكون عليهم حجة، فتلاوة هذه الآيات بحد ذاتها هي حجة على الناس حتى لا يكفروا بالله كما جاء بصريح اللفظ القرآني:

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾

(آل عمران: ١٠١)

رأينا: ...ولعلي أتجرأ على اتهامك يا شيخنا الجليل (واتهام كل من سلك طريقك في الفكر) أن هذه ليست أكثر من وسيلة دفاع لديكم عن عقولكم التي (أظن جازمًا) أنها قد عجزت عن فهم تلك الآيات العظيمة... فأنتم من وضعتم آيات الله البينات في قائمة أحدثتموها بأنفسكم (ما أنزل الله بها من سلطان في زعمنا) تسمى "المعجزات". فأصبح عقل العامة يرتعد خوفًا عندما يمر بهذه "المعجزات" المزعومة في كتاب الله، فيرضى أن يبقى مغلقًا عقله لا يتدبرها، لتكونوا أنتم على الدوام مرجعيتهم في ذلك...

عقيدتنا: آيات الله حجة للفهم لا للإيمان الأعمى

السؤال: هل فعلاً وصلنا إلى مرحلة أن يؤمن على الفور من سمع آيات الله تتلى عليه، فلا يكفر كما تصور ذلك الآية الكريمة التالية أحسن تصوير؟ ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ...﴾

عقيدتنا: نحن نؤمن إيمانًا يقينيًا بأنه لو استطعنا أن نفهم قصة هذا الرجل الذي جعله الله آية للناس (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ) كما بيّنها الله في كتابه الكريم... لأصبحت سببًا كافيًا في أن لا يكفر الناس.

السؤال: وكيف السبيل إلى ذلك؟ هل هذا ممكنًا؟

جواب مفترى: دعنا نحاول أن نتدبر (بحول من الله وتوفيق منه) قصة هذا الرجل الذي جعله الله آية للناس إلى نهايتها، ثم انظر عزيزي القارئ أنت بنفسك ما ستنتهي إليه الأحداث، لتكون أنت بنفسك حكمًا على هذه الآية التي ليست أكثر من آية واحدة من آيات الكتاب الحكيم الكثيرة.

(دعاء: فالله وحده أسأل أن يهديني رشدي وأن يعلمني الحق الذي أقوله فلا أفتري عليه الكذب، إنه هو العزيز الحكيم)

أما بعد.

تحليل السياق القرآني (البقرة: 258-260)

إن نقطة البداية في هذا البحث هي الآية الكريمة نفسها التي تتحدث عن هذا الرجل الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه:

﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ۖ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

(البقرة: ٢٥٩)

فلو قرأنا هذه الآية الكريمة في سياقها الأوسع لوجدنا أن الآية التي تسبقها تتحدث عن إحياء الموتى (الخاصة بقصة إبراهيم مع ذاك الذي آتاه الله الملك)، وأن الآية التي تليها تتحدث عن إحياء الموتى كذلك (الخاصة بطلب إبراهيم نفسه من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى):

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ...﴾ ﴿٢٥٨﴾ ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ...﴾ ﴿٢٥٩﴾ ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ...﴾ ﴿٢٦٠﴾

ولو دققنا في السياق الأوسع أكثر لوجدنا الآية التي سبقت هذه الآيات الثلاث هي الآية رقم 257 التالية:

﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

(البقرة: ٢٥٧)

رجل من أولياء الله المتقين

لنخلص من ذلك إلى النتيجة التي مفادها أن هناك من الذين آمنوا من كان الله هو وليهم، وهو الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور. فنحن لا نشك قيد أنملة أن الله هو من أخرج إبراهيم من الظلمات إلى النور، وكذلك هي عقيدتنا بالنسبة لهذا الرجل: فالله هو من أخرج هذا الرجل من الظلمات إلى النور.

نتيجة مفتراة: ما دام أن الله قد أخرجه من الظلمات إلى النور، فلا بد أن هذا الرجل قد كان من أولياء الله... وما دام أنه كذلك فهو إذن من المتقين.

باحث عن آيات الله وليس عابر سبيل

إن هذا المنطق يقودنا إلى التفكر من جديد في قصة هذا الرجل منطلقين من المبدأ العقائدي التالي: إن هذه القصة لم تحدث صدفة، وأن طلب هذا الرجل لم يكن من باب اللهو واللعب، وأن هذا الرجل لم يكن من الذين غرتهم الحياة الدنيا. لنصل إلى النتيجة المفتراة الكبيرة التالية: إن هذا الرجل كان طوّافًا (على حماره الذي كان يحمله ويحمل طعامه وشرابه وأسفاره) في الأرض، باحثًا عن آيات الله فيها، ليتفكرها ويتدبرها، وكانت آية إحياء الموتى هي آخر الآيات التي أشغلت تفكيره، وأعيته في الوصول إليها.

نتيجة مهمة جدًا جدًا سنحتاج إليها لاحقًا: ارتبطت قصة هذا الرجل بآية إحياء الموتى.

أدلة من النص: المرور، الحمار، والعلم اليقيني

نحن نجد الدليل على افترائنا هذا من ملاحظات ثلاثة هي أنه:

  • مر على قرية مرورًا
  • كان يركب حمارًا
  • قال في نهاية المطاف بعدما تبين له "أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"

السؤال الأول: كيف مر على تلك القرية؟

رأينا: نحن نظن أنه ما دام أن الرجل قد مرّ على تلك القرية مرورًا، فهو إذًا لم يكن من أهلها... ثانيًا، إن هذا الرجل كان طوافًا في الأرض باحثًا عن آيات الله... ثالثًا، كان هذا الرجل من المؤمنين، لأن الإنسان المؤمن –بالمقابل- إذا ما مرّ على آيات الله وقف ليتدبرها ويتفكر فيها.

نتيجة مفتراة: نحن نظن أنه لمّا كان هذا الرجل مارًا بالقرية فهو إذن من المسافرين.

قصة الحمار ودلالته

السؤال: ما قصة حماره الذي كان يركبه؟ ولماذا جاء ذكر حماره في هذا السياق؟

نحن نظن أن الرجل كان معه حماره من أجل أن يركبه ما دام أنه كان مسافرًا. ولو تدبرنا قصة الحمير أكثر في كتاب الله لوجدنا أن مثل الحمير قد ضرب في موطنين من كتاب الله الكريم وهما:

  1. الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها، فكان مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل أسفارًا.
  2. أن أنكر الأصوات هو صوت الحمير.

لذا فإن صوت هذا الرجل يقع على النقيض تمامًا من صوت الحمار، لأن درجة التمييز فيه عالية جدًا تجعله يقع على الطرف المقابل من صوت الحمار الذي هو إنكارها، ولما كانت المعرفة هي نقيض الإنكار، فإن الذي لا يعرف الشيء يكون له منكرًا، ولو تدبرنا قصة هذا الرجل من بدايتها، لما وجدناه منكرًا لشيء، فهو قد أحاط خبرًا بالسفينة والمساكين والملك، وأحاط خبرًا بالغلام الذي قتله وبأبويه المؤمنين، وأحاط خبرًا بالجدار وأهل القرية واليتيمين أهل الجدار، الخ.

تخيلات من عند أنفسنا: نحن نتخيل أن هذا الرجل كان يمشي في الأرض باحثًا عن آيات الله فوجد منها الكثير، وكان يركب حماره الذي يحمل أسفاره وطعامه وشرابه، وما أن وصل إلى تلك القرية الخاوية على عروشها حتى كانت آية إحياء الموتى حينئذ هي الآية الأخيرة التي يبحث عنها ربما ليسجلها في تلك الأسفار التي كانت معه على ظهر حماره.

صيغة السؤال "أَنَّىٰ" ودلالتها على طلب الفهم

السؤال: من أين كان يعلم أن الله على كل شيء قدير؟ وما دام أنه يعلم ذلك، فلم يطلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتى؟

رأينا المفترى: لم يكن طلب الرجل ذاك من أجل التصديق أو الإنكار، وإنما كانت غايته من ذلك الطلب حتى يتبين... فنحن نفتري الظن بأن هذا الرجل كان مؤمنًا بالله، باحثًا عن آياته... لذا جاء طلبه (نحن نتخيل) من أجل العلم بالكيفية، أي بكيفية إحياء الله الموتى.

الدليل: نحن نجد الدليل على ذلك في صيغة طلب الرجل. فقد ابتدأ طلبه بمفردة "أَنَّىٰ". ولو تتبعنا هذه الصيغة على وجه التحديد في كتاب الله كله لما وجدنا أن عبدًا من عباد الله قد استخدمها إلا وجاءه الرد مباشرة ممن وجه خطابه إليه.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن صيغة "أَنَّىٰ ..." هي صيغة سؤال من أجل تلقي رد وليست صيغة إنكار.

كشف الهوية: العزير هو أوزوريس

لماذا مئة عام؟ ربط القصة باستعباد بني إسرائيل

السؤال: إذا كان ما يريده الرجل هو أن يريه الله كيف يحيي الموتى فما الداعي أن يميته الله مئة عام ليبعثه بعد كل تلك الأعوام فيريه كيفية إحياء الموتى؟

جواب مفترى: نحن نظن أن السبب الذي من أجله أماته الله مئة عام هي حتى يجعله الله آية للناس: ﴿... وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ...﴾

السؤال: لماذا كان هذا الرجل وعيسى بن مريم هما فقط آية للناس من دون البشر جميعًا؟

هذا ما تعرضنا لجزئية منه عند حديثنا عن كيفية خلق المسيح عيسى بن مريم... أما ما يهمنا الحديث عنه هنا فهو الفرق بين إبراهيم وهذا الرجل الذي أماته الله مئة عام ثم أراه كيفية إحياء الموتى.

السؤال: ولماذا أماته الله مئة عام على وجه التحديد؟

جواب مفترى: نحن نظن أن لهذا علاقة بسبب خروج هذا الرجل في رحلته على حماره ووقت مروره على تلك القرية... نحن نتخيل الذي حصل مع هذا الرجل على النحو التالي: ما أن يهلك يوسف ويدب الخلاف بين بني إسرائيل في أرض مصر، حتى تقوى شوكة المعادين لهم من أبناء مصر الأصليين وعلى رأسهم آل فرعون...

جواب مفترى من عند أنفسنا: كم استمرت فترة استعباد بني إسرائيل في أرض مصر؟ مئة عام.

نحن نتخيل الذي حصل على النحو التالي: ما أن تمت الإطاحة بعهد الملوك من بني إسرائيل في أرض مصر على يد آل فرعون، ووصول الفرعون الأول إلى سدة الحكم، حتى كان القرار الأول له هو استعباد بني إسرائيل في الأرض. وكان هذا الرجل الذي مر على تلك القرية الخاوية على عروشها أحد علماء بني إسرائيل حينئذ (من أحبارهم ورهبانهم). وكان هذا العالم من بني إسرائيل عالمًا بشريعة الله التي لا تبطل، والخاصة بمن وجد نفسه في هذا الوضع وهو الاستعباد في الأرض.

فرضية جريئة: العزير هو أوزوريس

السؤال الخطير جدًا جدًا: من هو العزير هذا؟ وأين يمكن أن نجده اليوم؟

جواب خطير جدًا جدًا نطلب من القارئ الكريم عدم الوثوق به ما لم يجد أن الدليل يدعمه من كتاب الله، والجواب هو: إنه ما يسميه الناس (خاصةً علماء الآثار) بـ أوزريس أو Osiris باللسان الأعجمي.

اعتراف: لابد من الاعتراف قبل كل شيء أن هذه النتيجة لا تخصني ولست أنا من توصّل إليها... صاحبنا الذي توصل إلى هذه النتيجة التي نظن أنها غير مسبوقة هو عالم الآثار المصري السيد عصام درويش.

وكانت النتيجة المذهلة التي بعث بها لي صاحبنا عصام درويش من أرض مصر هي أن هذا الرجل المسمى بالعزير هو ما خلدته آثار السابقين، ولكن الأمم المتعاقبة (خاصةً اليهود منهم) قد حرفته من بعدهم شيئًا فشيئًا كعادتهم.

حتى وصلنا اليوم تحت مسمى أوزريس (أي Osiris, Usiris, Asar, Asari, Aser, Ausar, Ausir, Wesir, Usir, Usire or Ausare)، وهو الوحيد من بين جميع الآلهة المصريين (كما يحب علماء الآثار أن يسمونهم) الذي يظهر بوجه آدمي وبشرة خضراء اللون في جميع أشكاله المرسومة (وربما يكون هذا هو - فيما أظن- السبب الذي دفع بكثير من أهل العلم ممن سبقنا بأن يسمونه بـ الخضر وإن كنا على يقين أنهم لا يعلمون السبب من وراء ذلك) كما يظهر في الشكل التالي:


تمثال يمثل أوزوريس بالوجه الأخضر

 ابحث عن احد هذه العبارات في اي محرك بحث

(Osiris Egyptian god green skin

Osiris atef crown crook and flail

Osiris mummy depiction illustration

Osiris vector art / clipart / svg

Osiris wall painting Egypt

Osiris Wsir Wesir (alternate spellings))


فهو صاحب اللحية واللباس الفرعوني (أو اليوسفي)[2] والوجه الأخضر، وهو إله الموت والبعث في كتاباتهم التي نظن أنهم أساءوا قراءتها، وها هو صاحبنا من مصر السيد عصام درويش يطلق الدعوة عالية لنعود فنقرأ تلك الكتابات على الجدران بعين جديدة، لننظر أيهما أكثر وجاهة: ما قاله من سبقنا من أهل تحريف الكلم عن مواضعه أم ما فهمه صاحبنا عصام درويش مما قاله ربنا في كتابه الكريم؟

خاتمة ودعاء

السؤال: إن صح ما ظنه صاحبنا عصام درويش، ألا تكون تلك آية من آيات الله التي تدعونا تلاوتها أن لا نكفر؟

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾

(آل عمران: ١٠١)

والآن لنقرأ هذه الآية الكريمة في سياقها الأوسع لنجد الدعوة واضحة إلى الكف عن الصد عن سبيل الله من قبل أهل الكتاب الذين يبغونها عوجًا:

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ ﴿٩٨﴾ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُdُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٩٩﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴿١٠٠﴾ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿١٠١﴾﴾

(آل عمران: ٩٨-١٠١)

وسيكون الحكم بيننا وبينكم ما يتلى علينا في هذا القرآن الذي جاءنا من عند ربنا:

﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿٩٢﴾ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٩٣﴾﴾

(النمل: ٩٢-٩٣)

دعاء: اللهم أسألك أن أكون ممن يرون آياتك فيعرفونها إنك أنت الواسع العليم.


دعاء: أسألك رب أن تنفذ أمرك بمشيئتك وإرادتك لي ولأخي علي محمود الشرمان وصاحبنا من مصر عصام درويش الإحاطة بشيء من علمك اللدنّي لا ينبغي لأحد من بعدنا إنك أنت العليم الحكيم. وأسألك وحدك أن تؤتينا رحمة من عندك وأن تعلِّمنا ما لم نكن نعلم وأن تجعل فضلك عليّنا عظيمًا، ونعوذ بك أن نفتري عليك الكذب أو أن نقول عليك ما ليس لنا بحق - آمين.

والله أعلم. وللحديث بقية.


المدّكرون: رشيد سليم الجراح & عصام درويش & علي محمود سالم الشرمان

بقلم: د. رشيد الجراح

26 شباط 2014

الهوامش

  1. وكم من أهل العلم من ظن بأن بعض قصص القرآن (كقصة يوسف مثلًا) جاءت لتسلية النبي والترويح على صحبه؟! من يدري!!!
  2. نحن نظن أن ذلك اللباس الذي يظهر في الآثار الفرعونية لم يكن صنيعة مصرية، وإنما هو لباس يوسف في أرض مصر؛ إنه قميص يوسف (انظر مقالاتنا تحت عنوان قصة يوسف). فما أن انتشر خبر قميص يوسف في أرض مصر حتى أصبح الجميع يقلده، وأصبح يظهر ويكأنه تراث فرعوني مصري الطابع.

ملحق: ما هو العقم؟

﴿لِّلَّهِ مُلْkُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿٤٩﴾ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴿٥٠﴾﴾

(الشورى: ٤٩-٥٠)

العقيم هي عبارة عن ما يشبه الشيء الذي يدفع (كالريح) أو كمني الرجل أتى على شيء جعله كالرميم.

﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ﴿٤١﴾ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴿٤٢﴾﴾

(الذاريات: ٤١-٤٢)

ما الذي يحصل في حالة الرجل العقيم؟ ينحدر ماء الرجل إلى رحم الأنثى بقوة دافعة (كحالة الريح) فإذا كان الرجل عقيمًا كانت عملية القذف تشبه حركة الريح العقيم، فتأتي على بويضات المرأة وبدل أن تلقحها تقوم بتفتيتها لتجعلها كالرميم، أي تحيل بويضات المرأة إلى ركام هامد، عندها يصحب من الاستحالة بمكان أن يحدث الحمل.

فمن يستطيع تصليح الأمر؟

﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿٧٨﴾ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴿٧٩﴾ ... فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٨٣﴾﴾

(يس: ٧٨-٨٣)


د. رشيد الجراح
مركز اللغات
جامعة اليرموك

أحدث أقدم