يثير النص نقاشًا حول منهجية فهم العقيدة الإسلامية، حيث يوضح المؤلف أنه لا يلتزم بأي مذهب أو طائفة محددة، بل يعتمد بشكل أساسي على فهم النص القرآني باستخدام المنهجية الأكاديمية للغة. يؤكد الكاتب على إيمانه المطلق بما صدر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه يميز بين ذلك وبين ما نُقل عنه، مشيرًا إلى ضرورة التمييز بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة أو الموضوعة. يستشهد المؤلف بآيات من القرآن الكريم لتوضيح موقفه، ويرى أن التسميات الأخرى غير "مسلم" لا تستند إلى أساس في الدين الأصلي، وأن الدفاع يجب أن يكون عن الإسلام نفسه وليس عن ما ورثه الأفراد من آبائهم.
فهرس المقالة
عقيدتنا التي نؤمن بها: المنهج والمبدأ
لقد أثار كلامنا حفيظة عدد من القراء، فظنوا أننا بهذا الطرح الذي نقدمه لا نؤمن بالأحاديث الشريفة التي تتحدث عن المواضيع التي كنا قد تطرقنا لها، وهم ينعتونا – حسب استنتاجاتهم هم من كلامنا نحن- أننا لا نؤمن إلا بما جاء في القرآن الكريم، وهم يعتقدون أن هذا عيب واضح في طرحنا، وكأن لسان حالهم يقول أن مثل هذه الأمور لا يمكن فهمها بمعزل عن السنة (أي ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول).
ونحن في هذا المقام نود أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى أمور أساسية تشكل القاعدة الصلبة في عقيدتنا التي نؤمن بها، وبالتالي فهي القاعدة التي نبني عليها الاستنباطات التي نخرج بها والتي تخالف – في معظم الأحوال- ما ذهب إليه جمهور العلماء، وما هو متداول في الفكر السائد عند أتباع معظم الفرق الإسلامية.
- نحن لا نلتزم بأي مذهب أو طائفة في ما نذهب فيه وفيما نخلص إليه من استنباطات من كتاب الله، فنحن طلاب علم منهجنا أكاديمي بحت، نبحث عن الحقيقة أينما وجدت وحيثما حلت، فلا نتخذ موقفًا عقائديًا معينًا مسبقًا لنبحث عن أدلة على صدق موقفنا كما تفعل غالبية (وربما كل) الفرق الإسلامية، فعقيدتنا تتمثل بما يلي: ما جاء في كتاب الله هو ديننا وهو عقيدتنا مهما بلغ من الغرابة (كما قد يظن البعض) حتى لو خالفنا في ذلك كل أهل الأرض، فأنا أؤمن أني ذاهب إلى ربي لأقف بين يديه وحجتي هي: لقد جئتك ربي مؤمنًا بكل ما قلت أنت، ولم آتيك متسلحًا بآراء مذهب أو طائفة، فإن أنت قبلتني فهي رحمتك وإن أنت طردتني فمن عدلك.
- كما نود أن نجلب انتباه القارئ إلى حقيقة مفادها أننا لسنا علماء شريعة لنعرض عليكم الآراء العقائدية السائدة حول الموضوع الذي يتم طرحه، فتلك محلها كتب الأحكام، ونحن لسنا أكثر من طلاب "علم اللغة"، نحاول فهم النص اللغوي كما يرد في كتاب الله بالمنهجية التي نظن أنها صحيحة، وهو – على ما نظن- اللبنة الأولى لاتخاذ المواقف العقائدية.
- ولما كان الهدف الجوهري هو فهم النص القرآني لم يكن هناك داعي في هذا المقام أن نستجلب الأحاديث الشريفة للتأييد أو الرفض... فلقد ظن البعض أن خلو كلامنا من الأحاديث الشريفة ربما يفهم منه أننا لا نؤمن بالأحاديث النبوية، لذا نجد لزامًا التأكيد على أن خلو كلامنا من الأحاديث الشريفة لا يجب أن يفهم منه أننا لا نؤمن بها.
الموقف من الحديث الشريف
الفرق بين ما "قال" وما "نُقل"
ولكن يجب التنبيه إلى أمر غاية في الأهمية ربما يلخّص موقفنا فيما يخص موضوع الأحاديث الشريفة، فموقفنا يتلخص بالعبارة التالية: أقسم بالله العظيم أنني أؤمن إيمانًا مطلقًا بكل ما صدر عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قول، كيف لا وهو الذي قال الله في حقه:
﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿٤﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ﴿٥﴾﴾
(سورة النجم: ٣-٥)
﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾
(سورة النساء: ٨٠)
فبعد هذا الكلام الفصل، كيف لأحد (كائن من كان) أن يخرج ليقول أنني لا أؤمن بما قال صلى الله عليه وسلم؟ إن إيماني مطلق بكل ما قال صلى الله عليه وسلم... ولكن في المقام ذاته يجب التنبيه إلى ما يلي: ففي حين أن إيماني مطلق بكل كلمة (لا بل وبكل حرف) قالها صلى الله عليه وسلم، إلا إنني لا أؤمن إيمانًا مطلقًا بكل ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن ندعو إلى التفريق بين الإيمان بما قال صلى الله عليه وسلم والإيمان بما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فرق كبير.
مثال تطبيقي: إشكالية حديث "سب الدهر"
للأسف فإن العامة (وبعض أهل الاختصاص) يستشهدون بكل ما نقل عن النبي ويكأنه صحيح لا شائبة فيه... أما المثال الذي أقدمه هنا فيتلخص بفحوى ما نقل عن النبي عن مسألة سب الدهر، فلقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن سب الدهر في حديث قدسي، حيث نقل عنه أنه قال:
جاء الحديث بألفاظ مختلفة منها:
- رواية مسلم: قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما.
- رواية مسلم أخرى: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر.
- رواية البخاري: يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار.
- رواية للإمام أحمد: لا تسبوا الدهر فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك.
وسؤالنا هنا يتمركز حول الاستفسار التالي: هل من الممكن أن يكون النبي قد قال مثل هذا الكلام؟ هل فعلًا نهى النبي عن سب الدهر؟
إننا نفهم أنه من الاستحالة بمكان أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال مثل هذا الكلام... لأن مثل هذا القول يتناقض بشكل صارخ مع ما ورد في كتاب الله... إن كان هذا الكلام صحيحًا، ما الذي سنفعله إذًا بما ورد في كتاب الله في الآيات الكريمة التالية:
﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴿٢٣﴾ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۖ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴿٢٤﴾ ... قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾﴾
(سورة الجاثية: ٢٣-٢٦)
فسؤالنا هو: إذا كان الدهر هو الله كما جاء في الحديث المنقول، فما هي مشكلة الكافرين الذين ظنوا أن الذي يهلكهم هو الدهر كما جاء في الآية الكريمة (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)؟ ولم يحتاج الله أن يذكّر في الموقف نفسه بقوله "قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ"؟!!
هويتنا: مسلمون كما سمانا إبراهيم
السؤال: من نحن؟ وإلى أي فرقة أو حزب ننتمي؟ ربما يود البعض أن يسأل.
الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله
أما بعد،
أولًا، إن الدين عند الله الإسلام، أليس كذلك؟
﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ...﴾
(سورة آل عمران: ١٩)
ثانيًا: إبراهيم هو الذي سمّانا المسلمين:
﴿...مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا...﴾
(سورة الحج: ٧٨)
ثالثًا: الله هو من أتم علينا نعمته ورضي لنا الإسلام دينًا، أليس كذلك؟
﴿...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...﴾
(سورة المائدة: ٣)
رابعًا: الله هو من بيّن لنا أنه لن يقبل ممن يبتغي غير الإسلام دينًا:
﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
(سورة آل عمران: ٨٥)
فلقد كان إبراهيم وذريته من بعده مسلمين، وعلى ذلك الدين اختار يوسف أن يموت، وكذلك كان موسى وهارون ومن آمن معهم، وكذلك كان داوود وولده سليمان، وكذلك كان الحواريون، وكذلك كان محمد وصحبه الصادقين، وكذلك كان جميع رسل الله.
السؤال: ماذا كان محمد وأهل بيته وصحبه إذًا؟
رأينا المفترى: مسلمين:
﴿...قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٦٣﴾﴾
(سورة الأنعام: ١٦٢-١٦٣)
رفض المسميات الطائفية
السؤال الذي أوجهه لنفسي بعد هذا الاستطراد هو: إذا كان الدين عند الله هو الإسلام، وإذا كان إبراهيم هو من سمّانا كذلك، وإذا كان رسل الله جميعًا مسلمين، وإذا كان الله هو من رضي لي الإسلام دينًا، وإذا كان الله لن يقبل مني إن لم أكن مسلمًا، وإذا كان محمد قد أُمر أن يكون أول المسلمين، فلم إذًا (أنا أتساءل) أختار لنفسي أن لا أكون مسلمًا؟ ولِم أختار أن ألحق نفسي بمجموعة لا أعرف من أين جاءت تسميتهم؟
رأينا: أنا أفتري الظن بأن أي تسمية غير الإسلام هي من الأدنى الذي لا أرضى به، لأنني أعتقد جازمًا أنها جميعًا مسميات لا تعدو أكثر مما وجدنا آباءنا عليها.
خاتمة: دفاع عن الإسلام لا عن الموروث
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن هناك فرقًا كبيرًا بين من يدافع عن الإسلام ومن يدافع عن ما وجدوا آباءهم عليه. فغالبًا ما تجد كل حزب (وكل طائفة وكل فرقة) يدافعون عن الموروث ليس لأي سبب إلا لأن هذا ما ألفوا عليه آباءهم.
أما أنا فإني لا أدافع عن ما وجدت عليه آبائي ولكنني أدافع عن عقيدتي التي ألخصها بما يلي: اللهم أشهدك أني قد وجهت وجهي إليك مسلمًا حنيفًا، وأعوذ بك أن أكون ممن رضي بغير الإسلام دينًا، وأبرئ إليك من كل من ينسبني لأي طائفة أو أي فرقة كانت. وأسألك وحدك أن أكون من حزبك الحق، وليس ممن يتستر تحت مسميات لتمرير عقائد ألفوها من آبائهم، وهم لا يفقهون عواقب ما يفعلون:
﴿...أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
(سورة المجادلة: ٢٢)
آمين، آمين، آمين.