تعدد الزوجات 2


تعدد الزوجات 2
هذا هو الجزء الثاني من مقالتنا تحت عنوان تعدد الزوجات التي نتعرض فيها لما جاء في كتاب الله في الآية الكريمة التالية:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ                                                 النساء (3)
ونحن نستميح القارئ الكريم العذر أن ينزل عند رغبتنا هنا بأن لا يتقبل ما جاء في مقالتنا هذه من أفكار، وذلك لأنها افتراءات خطيرة جداً ربما قد تؤدي (إن صحت) إلى نتائج كارثية ليس فقط على الأفراد وإنما على المجتمعات. فنحن نظن أن افتراءاتنا في هذه المقالة ربما تكون قد تجاوزت كل الحدود وتخطت جميع الخطوط الحمراء. لذا فإننا نرى أن المكان الوحيد لتداول الأفكار المطروحة في هذه المقالة هو قاعة الدرس بين طلبة العلم فقط (إن هم أرادوا ذلك). فالمقالة متاحة لطلاب العلم فقط لنقاش الأمر من كل زواياه بغرض إثبات أو تكذيب كل افتراء نقدمه. ونحن ممتنون (بكل ما في الكلمة من معنى) لكل من يستطيع أن يقدم الدليل (سواء كان مؤكدا أو ناقضا) لكل جزئية أثرناها في هذه المقالة. فالمقالة متاحة فقط لمن أراد أن يناقش وليست موجهة لمن يأخذ الأمور على أنها مسلمات، أو لمن اعتاد أن يرفض الأفكار لمجرد أنها تثير الشكوك  حول موروثاته العقائدية التي ألف عليها آباءه من قبله. فنحن نرى أن من أراد أن يبقي على موروثاته العقائدية كما هي فهو في غنى أن يكلّف نفسه عناء طلب المقالة أو قراءتها. أما من كان هدفه تمحيص الأمر من كل زواياه لغرض الوصول إلى الحقيقة بإتباع الدليل، فإننا نظن أن ما جاء في هذه المقالة ربما يثير شيئا مما يمكن أن يرضي شغف الباحث عن الحقيقة.


وباختصار نقول أن المقالة متاحة لكل طالب علم يجد عنده فسحة من الوقت ليكلف فيها نفسه عناء القراءة، وضمن شروط الباحث نفسه.
شروط الباحث: على من أراد أن يقرأ المقالة أن يتعهد بأن يلتزم بشروط الباحث التالية:
1.      المقالة – كما يعتقد الباحث- ليست فتوى ليتم نشرها بين الناس
2.      المقالة ليست أكثر من رأي فكر قابل للصواب والخطأ
3.      المقالة متاحة لشخص واحد فقط، فمن أرادها فعليه أن يقرأها بنفسه من المصدر
4.      لا يحق لمن يقرأ المقالة أن يرسلها لأي شخص آخر بأي طريقة كانت
5.      لا يحق لمن يقرأ المقالة أن يلخص أفكارها بلغته الخاصة
6.      يلتزم القارئ بالأمانة العلمية بأن ينسب الأفكار كما هي بلا تعديل من تلقاء نفسه إلى أصحابها
7.      يرجى من القارئ للمقالة أن يملأ الاستبانة المرفقة مباشرة بعد الانتهاء من القراءة وإعادتها إلى الكاتب على العنوان الإلكتروني
rsaljarrah@yahoo.com







تعدد الزوجات:: الجزء الثاني
كان محور البحث في الجزء السابق من هذه المقالة يدور حول فقه تعدد الزوجات السائد بين عامة المسلمين، وافترينا القول من عند أنفسنا بأن الفكر  السائد عند جميع المدارس الفكرية الإسلامية هو فكر – في ظننا- خاطئ لم يستطع أن يستنبط التشريع الرباني الصحيح في هذا الجانب، فحاولنا الترويج لافترائنا هذا بإعادة قراءة الدليل من مصادر التشريع الإسلامي الحقيقية للوصول إلى الفكر الذي نظن أنه سليما، وكان ذلك يتمثل بجلب الأدلة من كتاب الله وسنة نبيه على كل سؤال يطرح وجواب يقدّم، فكانت الأسئلة التي أثرناها هناك هي:
1.     هل يحق للرجل أن يعدد الأزواج؟
2.     هل يجوز للمرأة أن تعدد الأزواج؟
3.     لم يتزوج المسلم أربع نساء فقط في الوقت الواحد؟
4.     لم تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع نساء؟
5.     لم لم يعقد النبي على بعض نساءه كمارية القبطية مثلاً؟
6.     الخ.
وبعد قراءتنا الخاصة (ربما المغلوطة) للآيات الكريمة التالية:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ             آل عمران (14) 
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ۚ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)                         النساء 1-6
خرجنا بالاستنباط المفترى من عند أنفسنا بأن الحكمة من تعدد الزوجات تكمن في الافتراض بأن النساء لسن من الناس، وهنّ جزءا من متاع الحياة الدنيا كـ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (انظر الآية نفسها).
وبعد قراءتنا (ربما المغلوطة) للآية الكريمة التي تتحدث عن عدد الزوجات ومقارنتها بالآية الكريمة التي تتحدث عن أجنحة الملائكة:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا                             النساء (3)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ                                     فاطر (1)
خرجنا بالاستنباط المفترى من عند أنفسنا بأن الرجل يستطيع الزواج بما طاب له من النساء، فالتعدد لا يقتصر على أربعة نساء فقط كما هو معروف عند تقريباً جميع الفرق الإسلامية، وإنما يستطيع الرجل – في ظننا- أن يتزوج من النساء بعدد أجنحة الملائكة إن طاب له ذلك.
وبعد قرأتنا (ربما المغلوطة) للآية الكريمة التالية:
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا                                                 الأحزاب (52)
خرجنا بالاستنباط المفترى من عند أنفسنا بأن النبي محمد هو وحده من جاء في حقه نص صريح يمنعه من الاستزادة من النساء، وكان ذلك – برأينا- "عقابا" له على ما بدر منه في حادثة زواج زينب بزيد. (للتفصيل انظر مقالاتنا تحت عنوان: ثلاثية المرأة)
وسنتابع في هذا الجزء من المقالة الحديث في فقه تعدد الزوجات (المفترى من عند أنفسنا) طارحين تساؤلين اثنين وهما:
1.     ما الذي بدر من النبي محمد حتى جاء المنع الرباني له من الاستزادة من النساء؟
2.     كيف يجب أن يتم تعدد الزوجات لمن طاب له ذلك؟
ولكن قبل الخوض في هذين المبحثين نجد أن الضرورة القصوى تستدعي التأكيد على أن كل الأفكار التي سترد بعد قليل ليست أكثر من فلتات ذهنية للكاتب، وهي بلا شك ليست فتاوى للناس[1]، فالكاتب يبرأ إلى الله من كل من يتخذ من كلامه هذا دليلاً (إذا لم تثبت صحته)، فالباحث على يقين أن ما سيطرح بعد قليل هو كلام غاية في الخطورة، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية، ليس على الأفراد فقط بل وعلى المجتمعات أيضاً، لذا على الجميع أن يتحمل مسؤوليته إن هو أراد أن يأخذ بمثل هذا الهراء الذي نقول، ولا يقبل الباحث بأي حال من الأحوال أن يكون كلامه حجة على كلام غيره، وإنما الحجة الوحيدة هي ما جاء في كتاب الله، وليس فهمنا (لما في كتاب الله) الذي لا نستبعد أن يكون مغلوطا، فهذه دعوة إلى نزهة فكرية مع الكاتب لا تتعدى حدودها أكثر من قاعة الدرس، فالموضوع مطروح للنقاش ضمن حدود الغرفة الصفية، وليست كلام للتسلية في أوقات الفراغ. اللهم فاشهد.
أما بعد
المبحث الأول: لماذا مُنِع النبي محمد من الاستزادة من النساء؟
السؤال: لماذا جاء نص صريح بحق محمد يمنعه من الاستزادة من النساء؟
لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا                                                الأحزاب 52
ألا ترى – عزيزي القارئ- أن هذه الآية الكريمة الموجّهة للنبي محمد على وجه الخصوص تشير– بما لا يدع مجالاً للشك- أن الأمر الإلهي قد صدر بحق النبي بأن لا يتزوج النساء ولا أن يتبدل بهن ولو أعجبه حسنهن بعد هذا الوقت؟
السؤال: لِم صدر مثل هذا الأمر الرباني بحق محمد على وجه الخصوص؟
رأينا: أنا أعلم بأن للحديث عن النبي محمد (عليه أفضل وأتم الصلاة والسلام) طابعاً خاصاً، وقد لا يحتمل الكثيرون الكلام متى وصل إلى شخص النبي الكريم، وربما ستكون ردة فعلهم كبيرة، لذا سأحاول قدر المستطاع انتقاء الكلمات حتى لا نصيب أحدا بسبب كلامنا هذا بشيء من الحرج، والغاية المرجوة لا تعدو أكثر من مناقشة لغوية لمفردات الآية الكريمة السابقة، ربما نصيب في رأينا وربما نخطئ، والقارئ الكريم مدعو أولاً وقبل كل شيء أن يراجع ما قاله الأقدمون بخصوص هذه الآية الكريمة قبل أن يذهب بآرائنا بعيداً عن ما نحاول نحن أن نزعمه. والهدف الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا هو أن فهم النص القرآني جيداً ضرورة ملحة لكي نستطيع أن ندافع عن النبي محمداً بالحجة والبرهان، وليس بالعاطفة التي تضر أحياناً أكثر مما تنفع، فلقد خَبِرنا في بلاد الغرب أن أكبر هجوم على شخص النبي محمد يأتي على ألسنة الكارهين من هذا الجانب، والمطلع على ما كتبه أولئك عن النبي يجد أنهم قد نعتوه بألفاظ لا يمكن أن ينعت به شخص عادي ناهيك أن يكون رسول أمة يتعدى قوامها ربع سكان المعمورة، وما الأفلام المسيئة ولا الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لشخص النبي إلا صورة مرئية تعكس أفكارهم الدفينة عن حياة النبي الخاصة مع أزواجه. لذا فإننا نسأل الله وحده أن يهدينا إلى الحق الذي نقول فلا نفتري عليه الكذب إنه هو السميع المجيب.
أما بعد،
بعد قراءة الآية الكريمة السابقة خرجنا بالاستنباطات المفتراة التالية التي هي من عند أنفسنا:
1.     جاء النهي للنبي عن النساء (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ)
2.     جاء النهي للنبي عن النساء في وقت محدد من دعوته وحياته (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ)
3.     جاء النهي للنبي عن تبديل الزوجات بعد الآن، فلا يحق للنبي أن يبدل أزواجه بأخريات بعد الآن (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ)
4.     جاء النهي للنبي عن النساء في وقت محدد بغض النظر عن رغبة النبي في النساء وإعجابه بـ بعضهن (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)
5.     جاء الاستثناء من ذلك خاصاً بما ملكت يمين النبي (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ)
6.     انتهت الآية الكريمة بتأكيد رقابة الله على كل شيء (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا)
السؤال: لم صدر هذا الحكم الإلهي على نبيه في ذلك الوقت بالذات؟ لِمَ لَم يصدر بحقه من ذي قبل؟ ولم جاء القرار الإلهي على هذه الشاكلة؟
افتراء خطير جداً من عند أنفسنا: نحن نزعم الظن أن الإجابة على مثل هذا التساؤل يمكن استنباطها من الآية الكريمة التالية:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا        الأحزاب 37
رأينا: نحن نزعم الظن أن هذه الآية الكريمة تشير إلى عدة قضايا، نذكر منها:
1.     أن النبي قال للذي أنعم الله عليه وأنعم النبي نفسه عليه (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)
2.     أن النبي في فترة زمنية معينة قد أخفى شيئاً في نفسه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ)
3.     ما كان للنبي أن يخفي ذلك في نفسه لأن الله لا محالة مبديه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ)
4.     كان سبب إخفاء النبي لذاك الشيء في نفسه هو خشيته للناس (وَتَخْشَى النَّاسَ)
5.     كان على النبي أن لا يخشى الناس في ذلك الأمر وأن يقدم خشية الله على خشية الناس لأن الله أحق بالخشية من الناس (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)
تسوقنا هذه القضايا مجتمعة إلى طرح السؤال الأول التالي: ما الذي أخفاه النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في نفسه حتى تدخّل الله بنفسه ليبديه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ
افتراء خطير جداً من عند أنفسنا: نحن نزعم الظن أن النبي محمد قد أخفى في نفسه كلمة واحدة ما كان يجب عليه أن يخفيها، فأنزل الله قرآناً يتلى ليبدي تلك الكلمة التي أخفاها النبي في نفسه. فما هي تلك الكلمة؟
قبل أن نتابع الحديث حول هذا الموضوع، لابد من أن نبوح برأينا بأن هذه الآية الكريمة قد تكون من أعظم الأدلة على صدق رسالة محمد، لأنه لو كان محمد يأتي بالقرآن من تلقاء نفسه لما جاء بمثل هذه الآية الكريمة التي تنتقده أشد انتقاد، لا بل وتبدي ما كان يحاول أن يخفيه في نفسه، إن أبسط ما يمكن أن ترشدنا إليه هذه الآية الكريمة هو أن محمداً ما كان يستطيع أن يتقوّل على ربه بعض الأقاويل[2]، لأن الله لا محالة مبدياً ما يخفي محمد في صدره:
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ                                الأنعام (50)
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ                                                                     يونس (15)
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ                                                                       الأحقاف (9)
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)                                                          الحاقة 44-47
نتيجة: لا يستطيع محمد أن يأتي بقرآن من عند نفسه أو أن يبّدل ما ينزل عليه من ربه، ولكنه لا محالة متبع ما يوحى إليه من ربه.
السؤال: ما علاقة ذلك بقصة زيد مع زينب؟
جواب: نحن نظن (مفترين القول طبعاً) أن المتدبر للنص القرآني ربما يجد أن الحديث قد جرى بين محمد وزيد على انفراد، ولم يطّلع الناس عليه، وما كان محمد سيبوح به ليحدث الناس بما جرى بينه وبين زيد، وما كان زيد سيحدث الناس بما جرى بينه وبين محمد ليحدث الناس فيه، لذا كان من الممكن أن تبقى القصة برمتها طي الكتمان، ولكن لمّا كان الله هو الرقيب بنفسه على كل شيء (وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا)، ما كان سيسمح بأن لا ينكشف ما أخفى محمد في نفسه حتى لو لم يطلع الناس بأنفسهم عليه، لذا لابد من مراقبة الآية الكريمة نفسها ومحاولة تبيان كيف أنها تنهي الحديث بإثبات الرقابة لله على كل شيء:
لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا                                                الأحزاب 52
افتراء من عند أنفسنا: لقد أخفى محمد في نفسه كلمة واحدة لم يكن الناس ليطلعوا عليها لولا أن الله هو من أبداها لهم.
السؤال: كيف أخفى محمد كما تزعم- كلمة واحدة في نفسه؟ وما هي تلك الكلمة التي أخفاها محمد في نفسه؟ وهل يتطلب إخفاء كلمة واحدة مثل هذا الانتقاد الإلهي الشديد لنبيه الكريم؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن الكلمة التي أخفاها محمد في نفسه هي كلمة "بمعروف"
الدليل
رأينا: نحن نظن أن القاعدة الإلهية الخاصة بإمساك النساء هي على النحو التالي:
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ               البقرة 229
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ                                                                                             البقرة 231
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا                                                                                                   الطلاق 2
ولو حاولنا أن نقارن ما جاء في هذه الآيات الكريمة عن إمساك الأزواج بما صدر عن محمد عندما طلب من زيد أن يمسك عليه زينب، لوجدنا أن قول محمد قد جاء - كما يصوره القرآن الكريم - على النحو التالي الذي يخلو من كلمة "بِمَعْرُوفٍ"، انظر الآية الكريمة جيداً
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ...
لذا نحن نتجرأ على أن نفتري القول بأنه كان الأولى بمحمد الذي لا شك يعرف أن السنة الإلهية تتمثل بأن الإمساك يجب أن يكون بالمعروف، كان الأولى به – نحن نزعم الظن- أن يقول لزيد:
          أمسك عليك زوجك بالمعروف
أو – بالمقابل- كان الأولى بمحمد أن يقول لزيد (إن علم أن الحياة بين زيد وزينب قد أصبحت محالة بالمعروف) أن يفارقها بالمعروف:
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا                                                                                                   الطلاق 2
النتيجة المفتراة: نحن نفتري الظن أن محمد قد وجد نفسه في موقف كان يجب أن يتصرف بواحدة من طريقتين وهما:
1.     أن يقول لزيد أن يمسك عليه زوجه بالمعروف
2.     أو أن يقول لزيد أن يفارق زوجه بالمعروف
ولكن الذي فعله النبي محمد كان قوله لزيد أن يمسك عليه زوجه وكفى:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ
فكانت المشكلة تكمن – في رأينا- بأن محمد لم يبد كلمة "المعروف" عندما طلب من زيد أن يمسك عليه زوجه.
السؤال: لكن لماذا؟ وما الفرق بين الإمساك من جهة والإمساك بالمعروف من جهة أخرى؟ وماذا يضير أن يقول محمد لزيد أن يمسك عليه زوجه وكفى؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن الإمساك بالمعروف يتطلب حصول المعاشرة الزوجية بالجماع، أما الإمساك لوحده فلا يتطلب ذلك بالضرورة، ولننظر إلى الدقة المتناهية في النص القرآني في قوله تعالى:
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا                                              النساء 15
فعندما يتم إمساك المرأة التي تأتي بالفاحشة في البيت فإن ذلك يحدث – على ما أظن- دون حصول المعاشرة الزوجية بالجماع، فلا أخال أن رجلاً يمسك زوجته في بيته بسبب فاحشة أحدثتها يقوم بعد ذلك بعملية الجماع معها. لذا جاء قول الحق في الآية الكريمة بأن يمسكوهن في البيوت "فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ": ولم يأتي على نحو:
فأمسكوهن بالمعروف في البيوت، أو
فأمسكوهن في البيوت بالمعروف
فالمرأة التي تمسك في البيت بسبب الفاحشة يتم تقديم المأكل والمشرب والمبيت لها (مقومات الحياة الضرورية)، ولكن لا يتم معاشرتها بالجماع، وقد نهى الله الرجال جميعاً عن إمساك النساء ضرارا:
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ                                                                                             البقرة 231
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن من أمسك المرأة بغير معروف، فقد أمسكها إذاَ ضراراَ، وقد اعتدى على بعض حقوقها (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا)، وهو بذلك يظلم نفسه (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)
افتراء من عند أنفسنا: إنْ صحّ استنباطنا هذا، فإننا نتصور ما قام به محمد وأخفاه في نفسه على النحو التالي: تحدث مشكلة بين زيد وزينب بسبب عدم رغبة زينب بالزواج من زيد ورغبتها بالزواج بمحمد، يقع في نفس النبي النبأ اليقين أن زينب لا محالة ستصبح زوجة له (فالله هو من سيزوجها إياه)[3]، وفي الوقت ذاته تقع الخشية في نفس محمد من كلام الناس (بأن محمد يتزوج من زوجة أدعياءه). والحالة هذه، يحاول محمد أن يتجنب مثل هذا الموقف "المحرج" فيقوم بمحاولته الأخيرة في الإصلاح بين زيد وزينب، فيأتي حديثه موجها لزيد على النحو التالي:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ
وإذ لم ننسى بعد أن زيدا قد لجأ إلى النبي محمد ليحدثه بأمر علاقته بزينب، وأن الحديث بينهما قد وصل إلى أدق الخصوصيات مادام أن محمد هو بمنزلة الوالد لزيد، فلا أظن أن زيداً يمكن أن يخفي شيئاً عن محمد، وقد جاء رد محمد على كلام زيد ويكأنه يقول له – حسب ظننا طبعاً- بأن يدع زينب في عصمته كزوجه (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)، وليقدم لها أسباب الحياة بالمأكل والملبس والبيت ونحوها، ولكن باستثناء شيء واحد وهو أن لا يعاشرها معاشرة الزوج لزوجته بالفراش (أي بالمعروف). فنحن نفتري الظن بأن النبي محمد قد سكت عن تلك الكلمة التي يعرفها في نفسه، غير راغب في الوقت نفسه عن قبول زينب كزوجة له، فإرادة النبي بنكاح زينب لم ينفيها النص القرآني، ولو شئت فاقرأ قول الحق:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا           الأحزاب (50)
فالرجل لا يمكن أن ينكح المرأة إذا لم تتوافر عنده الإرادة بذلك. ولكن النبي – في ظننا- لم يكن ليحدّث بشيء من ذلك حتى يحصل الطلاق الفعلي بين زيد وزينب، وحتى يحدث التزويج الإلهي له بزينب. فالنبي يعلم أن التزويج – كما أسلفنا- هو فعل يحدثه الله، انظر تتمة الآية الكريمة قيد البحث نفسها:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا        الأحزاب 37
فخلال تلك الفترة الزمنية التي وقعت فيها المشكلة بين زيد وزينب، وحتى حصول التزويج الإلهي لمحمد بزينب، "لم ينيب" النبي محمد – نحن نزعم- مما قال لزيد وأخفاه في نفسه[4] بأن النساء تٌمْسَك بالمعروف أو تُسرَّح بالمعروف:
          فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ
عندها جاء رد من لا يستحي من الحق (وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) مانعاً النبي من الزواج بالنساء بعد ذلك أو تبديلهم حتى وإن أعجبه حسنهن:
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
الدروس المستفادة: نحن نستطيع أن نستقي من هذا الطرح بعض الدروس التي قد ترد الشبهة عن النبي محمد، نذكر منها:
1.     محمد لم يكن يقول قرآنا من عند نفسه، ولم يكن يستطيع أن يبدل ما يوحي إليه من ربه، وإلاّ لما اضطر أن ينتقد نفسه أشد انتقاد على سلوك لم يطّلع عليه إلا الله، فمن يستطيع أن يعلم ما كان يخفي محمد في نفسه لو لم يأتي ذلك قرآنا يتلى من رب محمد؟
2.     محمد ليس أكثر من رسول يتبع ما يوحى إليه من ربه، وليس شخص معصوم عن الوقوع في الخطأ، فقد وقع فيه كما وقع أخوه موسى من قبل، وكما وقع إبراهيم فيه، وهكذا.
3.     محمد ليس أبا أحد من رجالنا ولكنه رسول الله وخاتم النبيين:
قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9)
فكيف بعض المتطيرين من علماء هذه الأمة الذين يخطبون على رؤوس العباد بأن الكون كله قد خلق من أجل محمد، أو أن الله قد قرن اسم محمد باسمه يوم أن خلق السموات والأرض، أو أن محمدا أفضل خلق الله ولولاه لما خلق الكون بأكمله، أو أن محمدا سيشفع للناس ليخرجهم من النار وهو الذي صاح بابنته فاطمة وبعمه العباس – كما تقول رواياتهم- أنه لن يغني عنهم من الله شيئا. فأنا لا أفهم الفرق بين ما يحدّث به كثير من المسلمين أن محمداً سيخلصهم من العذاب وما يحدث به النصارى بأن عيسى سينقذ أتباعه من النار! ألم يقرأ هؤلاء في كتاب الله قوله تعالى؟
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144)
وألم يقارنوا ذلك بما جاء في حق المسيح عيسى بن مريم في كتاب الله نفسه؟
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)
وكيف بهم يحدثون عن شفاعة من جاء على لسانه في  كتاب الله:
قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (9)
فهل يمكن أن يحدث من لا يدري ما سيفعل به بمثل هذه الأحاديث؟ والأهم من هذا كله هو: أين ما أوحي إليه في هذا الموضوع؟ أليس هو متبع ما يوحى إليه من ربه (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ
من يدري!!!
4.     محمد يميل إلى حب النساء لحسنهن كما كل الرجال، لكن هذا لا يجب أن يدفعه أن يُحْدِث ما يمكن أن ينقص من حق المرأة شيئاً مهما صغر، فكونه رسول الله وخاتم النبيين لم يشفع له أن يخفي في نفسه شيئاً ربما كان سيلحق ضرراً بامرأة
5.     الدين ينطبق على محمد الرسول كما ينطبق على كل مسلم، فمحمد هو أول من يجب أن يطبق الشريعة التي جاء بها على نفسه قبل أن يطلب تطبيقها على غيره، فلا أظن أن محمدا سيمتع نفسه بعدد كبير من النساء ويحدد ذلك على غيره[5]. فمحمد كان نفسه قرآنا يمشي على الأرض، لذا يستحيل أن يكون محمد الرسول النبي يناقض في تصرفاته ما جاء في كتاب الله.

المبحث الثاني
سؤال: لماذا لم يعقد النبي عقد النكاح على مارية القبطية؟
جواب: لو راجعنا أمهات كتب الأحكام (والعقائد) في هذه الجزئية لما وجدنا أن مارية القبطية كانت واحدة من زوجات النبي أو واحدة من أمهات المؤمنين، ونحن نطلب من القارئ العادي – من هو من مثلي- أن ينظر إلى جدران أي مسجد يقيم فيه صلاته ليرى ما ألصق على جدرانه من اللافتات التي تبين بالعدد والاسم والكنية والقبيلة، الخ. زوجات النبي وأمهات المؤمنين، فهل سيجد مارية القبطية قد ورد أسمها بينهن؟ ألم تكن مارية أماً لبعض أبناء النبي من الذكور؟ كيف بها تكون أم إبراهيم (في أصح أقوال العلماء) ولا يعقد عليها النبي عقد النكاح؟ الخ.
أنا أعلم خطورة هذه التساؤلات، فمجرد طرحها على آذان الطلبة في قاعة الدرس في الجامعة العتيدة التي أدرس بها أدى بي أن أُجلب للتحقيق، وأن توجّه لي العقوبة المشددة بأن لا أعود إلى طرح مثل هذه الأفكار على مسامع الطلبة، لأني قد قلت – في ظنهم- ما لا يجب أن أقول، وأني قد طرحت على مسامع الناس ما لا يجب أن يطرح. لذا فإني أعيد التأكيد على أن طرح هذه الأمور يجب أن يكون للفهم وليس للمجادلة. فمن أراد أن يفهم – في عقيدتي- فعليه أن يثير التساؤل. ومن ظن أنه قد فهم فليضع رأسه في الرمال وليترك الآخرين يفعلون ما يشاءون في مؤخرته. فمادام أنه لا يسمع ولا يرى ما يفعلون بها، فهو – في عقيدتهم- إذن بخير.
وإلى من يظن أنه بحاجة أن يجد جواباً على هذه التساؤلات، فإننا سنضع بين يديه ما ظننا أنه الفعل الصحيح من منظور العقيدة التي حاولنا جاهدين فهمها (وإن كنا على يقين أن ذلك ليس أكثر من رأي بشري يمكن أن يدحضه الدليل بسهولة). ولكن حتى يأتي ذلك الدليل الذي ربما قد يدحض ما افترينا من قول، فإليك عزيزي القارئ رأينا الذي هو بلا شك يختلف عن رأي معظم من سبقنا من أهل الدراية كما تناقله عنهم أهل الرواية أربعة عشر قرناً من الزمان.

أما بعد،
السؤال: لماذا لم يعقد النبي عقد النكاح على مارية القبطية؟
جواب: لأنها كانت من أهل الكتاب ولم تؤمن مع محمد. كلام خطير خطير خطير، أليس كذلك؟
إذن لابد من الدليل الذي يسنده وإلا لأصبح كلام من يتبع هواه بلا هدى ولا كتاب منير.
الدليل
تعرضنا في أحد الأجزاء السابقة من مقالاتنا لمعنى مفردة النكاح كما فهمناها من النص القرآني، وافترينا الظن بأن النكاح ليس أكثر من إبرام عقد الزواج ولا يستوجب بالضرورة حدوث المباشرة الفعلية للنساء بالجماع، وقد حاولنا استنباط ذلك مما فهمناه من الآية الكريمة التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                                           الأحزاب (49)
وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ                                                                                              البقرة (237)
فهذه الآيات الكريمة تدلنا بأن النكاح قد يقع دون حصول الجماع والمعاشرة الفعلية للنساء (أي المس). وعندها قدمنا افتراءنا الخطير التالي: أن عقد النكاح لا يعني الدخول بالمرأة بالمعاشرة الجنسية، لأن ذاك يعني باللفظ القرآني مس المرأة.[6]
وعندما دققنا في مفردة النكاح في الآيات الكريمة الأخرى التي ترد في كتاب الله، ظننا  أن النكاح لا يقع إلا على مؤمنة:
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ           البقرة (221)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
فخرجنا بالاستنباط الخطير التالي: لا يجوز إبرام عقد النكاح إلا على مؤمنة، فيجب أن تمتحن المرأة في إيمانها، فإن تبين أنها مؤمنة تصبح مؤهلة لأن تنكح. وإن لم تكن مؤمنة فلا تنكح مصداقاً لقوله تعالى (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ). وهذا ينطبق على المحصنات المؤمنات وعلى ما ملكت اليمين من المؤمنات:
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن عقد النكاح لا يبرم إلا على مؤمنة، وهذا يشمل فئتين من النساء:
(1)   المحصنات المؤمنات أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ،
(2)   ما ملكت يمينك من المؤمنات مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [7]
إن مراد قولنا هو أنّ النهي الإلهي جاء عن "النكاح" وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ، فلا يحل للمسلم – برأينا- إيجاد الرابط القانوني في أن تكون المشركة زوجة للمؤمن بعقد يسمى النكاح، ولكن يحق للمسلم أن يستحل فروج غير المؤمنات برابط غير رابط النكاح. فما هو ذلك الرابط؟
السؤال: ماذا عن غير المؤمنة؟ وبكلمات أخرى طرحنا التساؤل التالي:
-        كيف ينهانا الله عن نكاح المشركات حتى يؤمن ونحن نعلم أن السبايا من المشركات في الحروب مثلاً هن من غنائم الحرب التي توزع على المحاربين؟
فكان علينا أن نخرج بفهم يوافق بين الأمرين: المسلمون يعاشرون ما غنموا من نساء الكفار وفي الوقت ذاته ينهاهم الله عن نكاح المشركات حتى يؤمن؟
رأينا المفترى: نحن نفتري القول بأن الله لم ينهانا عن معاشرة المشركات وإنما نهانا عن نكاح المشركات. ولكن كيف يكون ذلك؟
افتراء خطير جداً: لا يجوز إبرام عقد النكاح إلا على مؤمنة، فالمرأة تنكح فقط متى ثبت إيمانها، وبخلاف ذلك لا يجوز أن يبرم عليها عقد تحت مسمى عقد النكاح. فعلاقة الزواج بين المسلم والمرأة المؤمنة مبني على النكاح، ولكن الأمر يختلف بعض الشيء في حالة أن تكون المرأة غير مؤمنة مصداقاً لقوله تعالى:
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
الزواج ممن هي من أهل الكتاب
السؤال: كيف يتم إبرام عقد الزواج على من كانت من أهل الكتاب؟
جواب: نحن نظن أن الإجابة ربما تكون متوافرة  في الآية الكريمة التالية:
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن عقد الزواج يبرم على من كانت من أهل الكتاب بالمكاتبة فَكَاتِبُوهُمْ (وليس بالنكاح) شريطة أن يعلم أن فيهم خيرا (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا). فمن ظننت أن فيهم خيرا من أهل الكتاب، فلا ريب في أن تتزوجها، وتستحل فرجها، ولكن ذلك يكون ضمن عقد يسمى عقد المكاتبة وليس عقد النكاح.
إن هذا الطرح يعيدنا على الفور إلى السؤال الذي أثرناه عن مارية القبطية، لنطرحه مرة أخرى هنا وهو: لماذا لم يعقد النبي على مارية عقد النكاح؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا الذي نرجو أن لا يتقبله أي قارئ لأنه ليس أكثر من ظن من عند أنفسنا وهو: لأن ماريا القبطية (بقيت قبطية بالرغم من زواج النبي بها)[8] ولم تكن من المؤمنات، وبقيت على ديانتها من أهل الكتاب. فما عقد النبي عليها عقد النكاح وإنما كاتبها.
الدروس المستفادة
1.     إن أعظم درس يمكن – برأينا- أن نتعلمه من هذا الطرح (إن صح طبعاً) هو الشرعة التي يثبتها القرآن الكريم والتي مفادها الآية الكريمة التالية:
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
فأي شيء – يا سادة- أعظم من هذه السنة الإلهية وهذا التطبيق النبوي الفعلي لمنطوق هذه الآية الكريمة، فمحمد – نحن نظن- لم يجبر حتى المرأة التي مسّها أن تتخلى عن دينها وتعتنق دينه مادام أنها لا ترغب في ذلك. فنحن نعلم أن النبي محمد قد دخل بـ صفية بنت حيي بن أخطب (بعد خيبر) التي كان أبوها من أعظم أحبار اليهود، ولكن النبي عقد عليها عقد النكاح لأنها – بظننا- قد تخلت عن يهوديتها وقبلت أن تكون مؤمنة مع زوجها.

2.     نحن نظن أن النبي سكت عن ذلك، ولم يخرج للناس ليحدثهم بعدم تخلي مارية عن ديانتها، لأن في هذا حفظ لكرامة تلك المرأة، ولكننا نظن أن من كان حوله حينئذ قد فهم الرسالة دون الحاجة إلى التصريح بها، فمادام أن النبي لم يعقد عليها عقد النكاح، فلم تكن إذن من المؤمنات (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ)
3.     الخ.
افتراءات من عند أنفسنا: نحن نظن أن طرحنا السابق يوصلنا إلى تقديم الافتراءين الكبيرين والخطيرين التاليين:
1.     يدخل الرجل المسلم بالمرأة المؤمنة بعقد يسمى عقد نكاح
2.     يدخل الرجل المسلم بالمرأة من أهل الكتاب بعقد يسمى عقد مكاتبة
ولكن هذا يثير على الفور التساؤل التالي: وماذا عن المرأة غير المؤمنة والتي ليست أيضاً من أهل الكتاب؟ كيف يحق للمسلم أن يستحل فرجها؟
رأينا: لا يكون ذلك بعقد نكاح، ولا يكون ذلك بعقد مكاتبة.
السؤال: فماذا يكون إذاً؟
رأينا: نحن نظن أن الإجابة على ذلك يمكن أن تتوافر في الآية الكريمة التالي:
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
نحن نفهم من هذه الآية الكريمة أن النساء من غير المؤمنات وأن النساء من غير من كانت من أهل الكتاب يستحل فرجها (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ) ولكن يكون ذلك فقط بطريقة الاستمتاع، أي بعقد زواج يسمى عقد استمتاع (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ). لنصل بذلك إلى أن نقدّم الآن افتراءات ثلاثة:
1.     يدخل الرجل المسلم بالمرأة المؤمنة بعقد زواج يسمى عقد نكاح
2.     يدخل الرجل المسلم بالمرأة من أهل الكتاب بعقد زواج يسمى عقد مكاتبة
3.     يدخل الرجل بالمرأة التي ما وراء ذلك (أي التي ليست بالمؤمنة وليست من أهل الكتاب) بعقد زواج يسمى عقد استمتاع
نتائج خطيرة جداً: نحن نظن أن العقد هو في نهاية الأمر عقد زواج ولكن تحت مسميات مختلفة، وهي:
1.     عقد نكاح (ويتم ذلك على من ثبت أنها مؤمنة)
2.     وعقد مكاتبة (على من كانت من أهل الكتاب)
3.     وعقد استمتاع (على من كانت ممن وراء ذلكم)
افتراء خطير جداً من عند أنفسنا: نحن نرى أنه لابد من توافر ثلاث نسخ مختلفة لعقد الزواج في محاكمنا الشرعية تحت هذه المسميات الثلاث: عقد نكاح، وعقد مكاتبة وعقد استمتاع.
الحكمة من اختلاف التسمية
نحن نظن أن تلك التسميات هي ليست أكثر من درجات مرتبة تنازلياً في الزواج، وليس فقط مجرد اختلاف ألفاظ، وهذا مستنبط - في ظننا- من قول الحق:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
فالله يرفع الذين أمنوا (كما يرفع الذين أوتوا العلم) درجات، لذا لا نشك أن للمرة المؤمنة درجة على من كانت من أهل الكتاب، ولها درجتان على من كانت من غير أهل الكتاب.
كما نظن أن الدليل القرآني التالي ربما يدعم ظننا هذا:
          وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ                             آل عمران (139)
فالآية تؤكد وجود العلو (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ) بشرط تحقق الإيمان (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، لذا لا نتردد في القول بأن من تحقق عندها شرط الأيمان هي الأعلى من بين النساء جميعا، وفي هذا – في ظننا- عزة وشعور بالهيبة للمرأة المسلمة على غيرها، فالله قد أحل للمسلم تعداد الأزواج، وأحل له فرج المؤمنة  كما أحل له فرج المشركة (من أهل الكتاب ومن غير أهل الكتاب)، ولكن حتى تبقى المرأة المؤمنة تشعر بالعزة بإيمانها على منافستها غير المؤمنة، كان لزاماً أن تتمتع بالخصوصية التي لا يمكن أن تكون لغير المؤمنة، إنها عزة الإيمان الذي خص الله به المؤمنين على غير المؤمنين، فعندما تشعر المرأة المؤمنة أن الله قد ميّزها حتى في رابط الزواج تستطيع أن تستشعر عظمة هذا الدين، وتبقى المرأة غير المؤمنة تستشعر أنها أقل درجة من جنسها من النساء المؤمنات.
كما أن هذا التصور يعطي الصورة الحقيقية للآخرين عن هذا الدين، فالرجل المسلم الذي يريد أن يتزوج بغير المؤمنة عليه أن يبين لها أن ديننا الحنيف ينظر إليها على أساس أنها أقل درجة من النساء المؤمنات، وعندها تكون هي من تتحمل تبعات هذا الأمر إن هي قبلت أصلاً بالزواج من المسلم.
ولو نظرنا إلى حال الأمة في عصرنا هذا لوجدنا الصورة قد انقلبت رأساً على عقب، لقد أصبح من قبيل التفاخر والتباهي الزواج بالشقراوات من بني الأصفر (كما أصبح جواز السفر الأمريكي أو الأوروبي مفخرة على كل بلاد الإسلام)، حتى استعلت المرأة المشركة في ذلك على المرأة المؤمنة (كما استعلى من يحمل الجواز الغربي على من يحمل جواز بلاد الإسلام في كل شي كالراتب والمكانة وحتى في النظرة الاجتماعية)[9]، ففي بلاد الإسلام – بلاد الثراء والقصور والسيارات الجميلة ونهب الثروات وتكدسها في أيدي حفنة من اللصوص الذين لم يرعوا في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة- أصبحت المرأة الشقراء ضرورة مكملة لهذا الرفاه، فابتعد الرجال عن الزواج بالنساء المؤمنات من بنات جلدتهم، وانطلقوا في هجرتهم إلى الشمال ليعودوا بالجميلات الحسناوات، إننا نقول لهؤلاء وأمثالهم إننا لا نحرّم عليكم زواج الشقراوات ولا نمنعكم من ذلك، ولكن لتعلموا أن ذلك لا يجوز إلاّ من باب المكاتبة (إن كانت من أهل الكتاب) أو التمتع (إن كانت من غير أهل الكتاب)، ولا بد أن تعلم المرأة المشركة أن ارتباطك بها- حسب تعاليم دينك- هو من باب زواج خاص يسمى بالإسلام زواج المكاتبة أو زواج المتعة، فإن هي قبلت بذلك فعليها أن تتحمل تبعات الالتزام، وأهمها أن تفهم أنها بذلك ترضى أن تكون أقل درجة في زواجها من المرأة المؤمنة، فمهما رفع زوجها والمجتمع من مكانتها تبقى في تعاليم دين الله أقل درجة من أدنى النساء المؤمنات.

آلية تعداد الأزواج
لكن هذا الطرح يعيدنا على الفور إلى الجزء الأكثر خطورة في هذا الطرح كله لنثير التساؤل الأكبر التالي: وكيف تتم عملية إبرام العقد في تعداد الأزواج؟ هل هي عملية غير مضبوطة بقواعد وشروط كما هو حاصل في محاكمنا الشرعية؟ أم هل هناك آلية محددة يجب مراعاتها في تعداد الأزواج؟
افتراء خطير خطير خطير: نحن نفتري الظن بأن هناك ضوابط (وآلية محددة) لابد من مراعاتها في تعدد الأزواج، وأن تلك الآلية مضبوطة – برأينا- بالحالة العذرية للمرأة (إن كانت بكراً أم ثيبا) فقط، لذا نحن نتجرأ على تقديم افترائنا المكذوب والذي نظن أنه غير مسبوق والذي فحواه:
1.     في حالة النكاح لا يحق للرجل أن يبرم عقد النكاح إلا على امرأة بكر واحدة فقط،
2.     وإذا أراد الرجل أن يعدد الأزواج فلا يحق له ذلك إلا من نساء ثيبات.
وبكلمات بسيطة نقول أن الرجل لا يحق له أن يدخل بأكثر من امرأة بكر واحدة فقط في الوقت الواحد، لكن له الحق – في ظننا- أن يدخل بما طاب له من النساء الثيبات بغض النظر عن العدد.

الدليل
نحن نظن أن باستطاعتنا أن نبرهن افترائنا هذا بدليلين، أحدهما مستنبط من فهمنا لبعض آيات القرآن الكريم والآخر مستوحى من التطبيق النبوي (أي السنة) الفعلي لشرعة النكاح، ولنبدأ بدليل السنة أولاً حتى ننتهي بعد ذلك بدليل الكتاب الذي نظن أنه حاسم في هذا الجانب.
الدليل من السنة
بادئ ذي بدء، نحن نؤمن بالعقيدة التي مفادها أن محمدا لم يكن ينطق عن الهوى، وقد كان يتبع ما يوحى إليه من ربه، كما نؤمن بأن محمدا هو الأقدر على فهم الرسالة الإلهية وتطبيقها على أرض الواقع، وهو القدوة التي لا يجب الطعن بها. والحالة هذه، فإن منهجيتنا تتلخص بأن كل ما قام به محمد من أفعال لا يمكن أن تقع في باب المصادفة، وإنما هي أفعال مقصودة لذاتها، لأن فيها تشريعاً للأمة يجب أن تتخذه منهجا.
ولمن آمن بمثل هذه العقيدة نطرح عليه التساؤل التالي: كم امرأة تزوج النبي؟
جواب: نحن نلتزم بالمنهج الأكثر إجماعاً بين الفرق الإسلامية والتي ربما تتفق جميعها أن زوجات النبي (أمهات المسلمين) هن (في أغلب أقوال أهل العلم) أحد عشر زوجة[10]. وإليك عزيزي القارئ بعض الاقتباسات من عند الآخرين عن هذا الموضوع:
- انظر مثلاً ما جاء في مركز الفتوى على موقعهم الالكتروني التالي:
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=24581
فأسماء زوجات النبي صلى الله عليه وسلم هي كالتالي:
1-
خديجة بن خويلد رضي الله عنها.
2-
سودة بنت زمعه رضي الله عنها.
3-
عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها.
4-
حفصة بنت عمر رضي الله عنها.
5-
زينب بنت خزيمة رضي الله عنها.
6-
أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله عنها.
7-
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها.
8-
جويرية بنت الحارث وكان اسمها برة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية.
9-
ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها.
10-
صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها.
11-
زينب بنت جحش رضي الله عنها.
واختلف في ريحانة بنت زيد النضرية هل كانت من زوجاته أم من إمائه؟
فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتي دخل بهن، أما من خطبها ولم يتزوجها، ومن وهبت نفسها له، ولم يتزوجها، فنحو أربع أو خمس، وقال بعضهم هن ثلاثون امرأة.
وأهل العلم بسيرته وأحواله لا يعرفون هذا، بل ينكرونه، والمعروف عندهم أنه بعث إلى الجونية ليتزوجها، فدخل عليها ليخطبها فاستعاذت منه فأعاذها ولم يتزوجها، وكذلك الكلبية، وكذلك التي رأى بكشحها بياضاً فلم يدخل بها، والتي وهبت نفسها له فزوجها غيره على سور القرآن، وهذا هو المحفوظ[11]،

وانظر – عزيزي القارئ- ما يظهر على صفحة الويكيبيديا بهذا الخصوص، الصفحة التي يمكن أن يطّلع عليها المسلم وغير المسلم في بحثه عن المعلومة، حيث تفصل الصفحة بين من عقد عليها النبي ودخل بها كما في المجموعة الأولى ومن عقد عليها ولم يدخل بها كما في المجموعة الثانية:
  • 1 من عقد عليهن ودخل بهن
    • 1.1 خديجة بنت خويلد
    • 1.2 سودة بنت زمعة
    • 1.3 عائشة بنت أبي بكر
    • 1.4 حفصة بنت عمر بن الخطاب
    • 1.5 زينب بنت خزيمة
    • 1.6 أم سلمة
    • 1.7 زينب بنت جحش
    • 1.8 جويرية بنت الحارث
    • 1.9 مارية القبطية
    • 1.10 أم حبيبة
    • 1.11 صفية بنت حيي
    • 1.12 ميمونة بنت الحارث
  • 2 من عقد عليهن ولم يدخل بهن
    • 2.1 عمرة الكلابية
    • 2.2 قُتيلة الكندية
    • 2.3 سَنَا السُلمية
    • 2.4 شَرَاف الكلبية
    • 2.5 العالية الكلابية
    • 2.6 ليلى الأوسية
    • 2.7 أسماء بنت النُّعمان
ولشمولية النظرة، ندعوك - أخي القارئ- أن تنظر أيضاً في ما جاء عند من يسمون أنفسهم بعلماء أهل البيت منقولا من الموقع التالي:
http://www.islam4u.com/ar/almojib/%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%B2%D9%88%D8%AC%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B5%D9%84%D9%91%D9%8E%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D9%88-%D8%A2%D9%84%D9%87-%D9%88-%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%8F%D9%86%D9%91%D9%8E-%D8%9F

"رُوِيَ عن أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) أنَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلَّى الله عليه و آله ) تَزَوَّجَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَة 1 ، منها ما دَخَلَ ( صلَّى الله عليه و آله ) بهنَّ من نسائه و هُنَّ :
1. خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ .
2. سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ الأسديَّة .
3. أُمُّ سَلَمَةَ و اسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ المخزومية .
4. أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ التميميَّة .
5. حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بن الخطَّاب .
6. زَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ أُمُّ الْمَسَاكِينِ .
7. زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الأسديَّة .
8. أُمُّ حَبِيبَةَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ .
9. مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الهِلاليَّة .
10. زَيْنَبُ بِنْتُ عُمَيْسٍ .
11. جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بن ضرار المصطلقية .
12. صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ الإسرائيليَّة النضري .
13. خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ السُّلَمِيِّ و هِيَ الَّتِي و هَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ( صلَّى الله عليه و آله ) .
و من نسائه ما لَمْ يَدْخُلْ ( صلَّى الله عليه و آله ) بها منهُنَّ و هما :
1. عَمْرَة .
2. الشَّنْبَاءُ .
وَ كَانَ لَهُ ( صلَّى الله عليه و آله ) سُرِّيَّتَانِ 2 يَقْسِمُ لَهُمَا مَعَ أَزْوَاجِهِ هما :
1. مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ .
2. رَيْحَانَةُ الْخِنْدِفِيَّةُ .
و قُبِضَ رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عَنْ تِسْعٍ نساءٍ هُنَّ :
1. سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ الأسديَّة .
2. أُمُّ سَلَمَةَ و اسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ المخزومية .
3. أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ التميميَّة .
4. حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بن الخطَّاب .
5. زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الأسديَّة .
6. أُمُّ حَبِيبَةَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ .
7. مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الهِلاليَّة .
8. جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بن ضرار المصطلقية .
9. صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ النضري الإسرائيليَّة .

انتهى الاقتباس
رأينا: بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف بين أهل العلم ومدارسهم الفكرية الدينية حول الموضوع خاصة عدد أزواج النبي، ومن دخل بها ومن لم يدخل بها، فإن أكثر ما يهمنا طرحه هنا هو التساؤلات التالية:
-        كم من هؤلاء النساء كانت بكرا عندما دخل بها النبي؟
-        وبالمقابل، كم من هذه النساء – نحن نسأل- قد دخل بها النبي وقد كانت ثيبا؟
رأينا: لم يدخل النبي بامرأة بكر إلا عائشة، وكل من تزوجها النبي من أزواج (سواء دخل بها أم لم يدخل) قبل عائشة أو بعدها كانت ثيبا.
إن هذا الظن يدع من آمن بأن فعل النبي يستحيل أن يأتي من باب المصادفة إلى طرح التساؤل المثير التالي: لماذا؟ لماذا لم يدخل النبي إلا بعائشة وهي لا زالت بكرا؟ ولماذا اختار النبي باقي نساءه (بغض النظر عن العدد) من الثيبات؟
جواب: نحن نظن أن هذا لم يكن محض صدفة، فالنبي يستطيع أن يتزوج بمن يريد، والرجال من المسلمين يتسابقون لنيل شرف النسب برسول الله، والنساء على استعداد أن يهبن أنفسهن للنبي. فلم – يا ترى- يرضى النبي بأن لا يكون في عصمته إلا امرأة واحدة بكرا؟ ولماذا يختار أن تكون كل امرأة يتزوجها (غير عائشة) ثيبا؟
افتراء خطير جداً من عند أنفسنا: نحن نظن أن هذا النهج النبوي قد جاء تطبيقاً فعلياً للآية الكريمة التالية التي ربما تقدم الدليل القرآني على ظننا المفترى بأن الرجل لا يحق له أن يعدد الزوجات إلا من الثيبات من النساء:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)


الدليل من القرآن
نحن نظن أن هذه الآية الكريمة هي دليلنا الذي نسوقه لإثبات زعمنا المفترى بأن التعدد في الأزواج لا يكون إلا من الثيبات من النساء، لذا لابد من النبش في مفردات هذه الآية الكريمة جيداً للخروج باستنباطات نظن أنها قد توضح قصة زواج النبي، وربما تدفع عنه الشبهات التي أثارها المتشككون حوله، فنحن نظن أن أحد الأسباب التي أدت إلى إثارة الشبهات حول نوايا النبي من زواجه بهذا العدد الكبير من النساء هو الفهم المغلوط الذي قدّمه أهل الدراية للناس على مر الزمان، لذا نحن نرى وجاهة أن نعيد طرح الملف بأكمله وإعادة فتحه من صفحته الأولى، وهذا يتطلب أن يمنحنا القارئ الكريم فسحة من الوقت لمناقشة الأفكار التي تدور في خلدنا، سائلين الله وحده أن يهدينا إلى الحق الذي نقوله فلا نفتري عليه الكذب، كما نرجو من القارئ الكريم أن لا يتردد بأن يسعفنا برأيه متى ما وجد الهفوات (وهي لا شك  كثيرة) في هذا الطرح. فمن استطاع أن يثبت لنا خطأنا في الاستنباط والتدليل فقد ساعدنا على النظر من زاوية لم نكن مدركين لها (ونحن مدينون له بالشكر على ذلك)، ومن ساعدنا في إثبات وجهة نظرنا فقد ساعدنا على المضي قدماً فيها (وهو بلا شك مشكور على ذلك). أما ما يجب التأكيد عليه هو أن هذه الأفكار لا يجب أن يتم تدولها إلاّ في قاعة الدرس وبين طلبة العلم، حتى يصير إلى إثبات خطئها أو صحتها قبل نقلها لتصبح عقيدة يمكن أن يطلب من الناس الأخذ بها. فأنا أبرأ إلى الله من كل من يتخذ من كلامي حجة على كلام الله، فكلام الله وحده هو الحجة على كل ما سواه، وليس لكلام بشر مهما بلغ من العلم حجة على كلام الله، لأن الله نفسه هو من أثبت أن علمنا مهما بلغ يبقى قليلا مقارنة بعلم الله العظيم:
          وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً           الإسراء (85)
فالله أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم فلا أفتري عليه الكذب. وأسأله وحده أن يكون فضله عليّ عظيما.

أما بعد
نحن نفهم أن هناك أسئلة عديدة أثارها العامة وأهل العلم على حد سواء حول هذه الآية الكريمة محور النقاش هنا:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
وعلى الرغم من كثرة الخطاب حولها، إلا أننا لا زلنا نرى أن ما توافر من إجابات حتى الساعة حول الأسئلة التي أثيرت حولها لم ترق إلى درجة الإقناع بعد، وليس أدل على ذلك من تكرار السؤال نفسه مرات ومرات على لسان العامة (ناهيك عن أهل العلم) كلما سنحت الفرصة لذلك، وسنقدم بعض تلك التساؤلات أولاً، ثم نحاول بعد ذلك التعرض لها تباعاً، عسى الله أن يهدينا إلى علم لم يكن لأحد من قبلنا، إنه هو السميع المجيب.
التساؤلات:
1.     لم بدأ التعداد في الآية الكريمة بالتثنية (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
2.     لم جاء لفظ الواحدة في نهاية الآية وليس في بدايتها (فَوَاحِدَةً
3.     لم جاءت هذه الآية لتجمع بين اليتامى وتعداد الأزواج من النساء (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء)؟ فما العلاقة بين القسط في اليتامى ونكاح النساء (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
4.     لم جاء اللفظ عند الحديث عن اليتامى بالقسط (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ) وتغير بعد ذلك إلى العدل (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ
5.     لم جاءت الآية الكريمة بالصيغة الشرطية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً)
6.     لم قسمت الآية الكريمة إلى شرطين (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) و (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً)
7.     وما هو فعل الشرط وجواب الشرط (كما يحب أهل اللغة أن يسمونه) في كل قسم منها؟
8.     الخ.

المبحث الأول: لم بدأ التعداد بالتثنية؟
للإجابة على هذا التساؤل وجدنا الضرورة تستدعي طرح السؤال الغريب التالي: أيهما الذي يجب أن يأخذ صفة التميّز من يأتي أولاً في العد أم من يأتي ثانياً؟ وأيهما يجب أن يأخذ صفة التميز من يأتي ثانياً في العدد أم من يأتي ثالثاً؟ وهكذا.
جواب: نحن نظن أن من يأتي آخرا هو الذي يكتسب صفة التميّز عن من سبقه. فالثاني يجب أن يميز على الأول، والثالث يميز على الثاني، والرابع يميز على كل من سبقه، وهكذا. انظر الآية الكريمة التالية جيدا:
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
فالمتدبر للنص القرآني قد لا يجد صعوبة في الفهم أن النبي (الموجه له الخطاب) هو الثاني بينما كان صاحبه هو الأول. فالقارئ للآية الكريمة يجد أنها تتحدث عن شخصين في الغار (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ) وهما النبي وصاحبه، أليس كذلك؟ ولكن الآية نفسها تبيّن – ربما بما لا يدع مجالاً للشك- أن النبي هو الثاني (ثَانِيَ اثْنَيْنِ) بينما صاحبه هو الأول. فمن الأجدر بأن يميّز النبي وهو الذي كان ثانياً، أم صاحبه وهو من كان أولاً؟
وهذا المنطق لا ينطبق على صحبة البشر مع بعضهم البعض فقط، فقد أثبت الله لنفسه الصحبة مع غيره، لكن الذي يجلب الانتباه (وربما تحير به الألباب) هو أن الله كان على الدوام يضع نفسه الرقم الأخير:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)
فالله – بنص الآية الكريمة- هو رابع الثلاثة (ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ)، وهو سادس الخمسة (خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ).
وعندما أشرك الناس بربهم من خلقه جعلوا الإله نفسه ثالثاً:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)
فالآية الكريمة تبيّن بصريح اللفظ أنه في حين أن الله نفسه هو الثالث جاء من أشركه الناس معه في المرتبة الأولى والثانية، فبالمنطق المسيحي مثلاً هناك الروح وهناك الابن وهناك الأب (قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ)، وباللفظ القرآني يكون الأب (الله نفسه) بمنطقهم المفترى هو الثالث بينما يكون الروح والابن هما الأول والثاني في الترتيب.
إن هذا الطرح يدعونا إلى الخروج باستنباط واحد مفترى من عند أنفسنا وهو متى ما جاء ذكر للعد، فإن من ذكر آخرا يكون مميزا على كل من سبقه، وليس أدل على ذلك مما جاء في آية الكهف عن الفتية الذين آمنوا بربهم:
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا (22)
ولكن يجب أن نلفت النظر إلى أننا نقصد بالتميز هنا "الاختلاف" وليس بالضرورة الأفضلية على الدوام. فكلب القوم يتميز عنهم لأنه يختلف عنهم وقد لا يكون أفضلهم.
السؤال: ما علاقة هذا بتعدد الأزواج؟
جواب: انظر الآية الكريمة التي تتعلق بتعدد الأزواج من هذا الجانب:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
لنطرح عليك عزيزي القارئ التساؤل الغريب التالي: مَن مِن النساء التي يتزوجها الرجل يجب أن تتميز عن غيرها؟ أو مَنْ مِن نساء الرجل يجب أن تختلف عن غيرها من ضرائرها (كما نقول في عاميتنا)؟ فهل جميع نساء الرجل يأخذن نفس الصفة في الأهمية والتميز؟
رأينا: كلا وألف كلا، فنحن نظن – مفترين القول- أن امرأة واحدة من بين أزوج الرجل جميعاً تأخذ صفة التميز (أي الاختلاف) على جميع نساءه الأخريات، فمن هي التي يجب أن تميّز عن غيرها من نساء الرجل الواحد؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن أنها الواحدة التي جاء ذكرها في نهاية العد، فمن نكحت على أنها (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) لا تكون مميزة عن غيرها من النساء، ولكن من نكحت على أنها واحدة (فَوَاحِدَةً)، فيجب أن تكون مميزة عن كل من سبقها.
السؤال: لكن لماذا تأخذ تلك المرأة صفة التميز عن غيرها من نساء الرجل الواحد؟ وكيف يكون تميزها؟
رأينا: للإجابة على هذا التساؤل لابد من التعرض لتساؤل آخر وهو: لم جاء لفظ الواحدة في نهاية الآية وليس في بدايتها (فَوَاحِدَةً)؟ وبكلمات أخرى لِم لَم تأتي الآية على ذكر التعداد على النحو التالي:
 فواحدة ومثنى وثلاث ورباع؟
جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن السبب في ذلك يمكن أن يكون لإثبات الاحتمالات الثلاثة التالية:
1.     يجوز للرجل أن يتزوج (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) فقط دون أن يتزوج الـ (فَوَاحِدَةً).
2.     يجوز للرجل أن يتزوج ب الـ (فَوَاحِدَةً) فقط دون أن يجمع معها (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)
3.     يجوز للرجل أن يجمع بـ (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) مع الـ (فَوَاحِدَةً)
فنحن نفتري الظن أنه لو جاءت الآية الكريمة مقدّمة الواحدة (فَوَاحِدَةً) على (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) لأصبح لزاماً – برأينا- أن يتزوج الرجل بالـ (فَوَاحِدَةً) قبل أن يجمع معها (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، ولكن كيف ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نتجرأ على تقديم الافتراء الخطير المتهور التالي: يستطيع الرجل أن يتزوج بالزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، الخ. قبل أن يتزوج زوجته الأولى، فالترتيب بالزواج – في ظننا – لا يستند إلى الأقدمية في الزمن، ولتوضيح الفكرة فإننا نتجرأ على القول (ربما زورا) بأن الرسول كان قد تزوج خديجة (التي لا يختلف الناس على أنها هي الأولى في الترتيب الزمني بين زوجاته)، ولكن خديجة بمفهومنا المفترى الحالي كانت زوجته الثانية ولم تكن زوجته الأولى، فلو طرح عليّ السؤال التالي: من كانت زوجة الرسول الثانية، لأجبت على الفور بأنها خديجة. ما الذي تقول يا رجل؟ ألا ترى أنك قد وصلت إلى درجة الكذب المفضوح؟
جواب: ربما هو كذلك، ولكن الفكرة التي أجهد نفسي في تقديمها هنا تتمثل في أن ترتيب الأزواج – في ظننا- لا يجب أن يستند على التقادم الزمني، فالرسول محمد – بمفهومنا المكذوب هذا- بدأ التعداد بالـ (مَثْنَى) ثم تزوج (وَثُلاَثَ) و (وَرُبَاعَ)، وهكذا. وما تزوج بالأولى (فَوَاحِدَةً) إلا عندما عقد على عائشة. فعند إنزال مفردات آية التعدد على نساء النبي، وجدنا أنفسنا نفتري القول بأن خديجة هي الـ (مَثْنَى) بينما عائشة هي الـ (فَوَاحِدَةً):
 وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
ولكن لماذا؟ ما السبب الذي يدعوك إلى أن تصل إلى هذه درجة من الهذيان؟ ربما يقول الكثيرون وهم لا شك محقون.
رأينا: نحن نظن أن ترتيب أزواج الرجل (كما نفهمه من الآية الكريمة) لا يستند إلى التقادم الزمني وإنما يستند – برأينا- على طبيعة المرأة التي يعقد عليها عقد النكاح، فالثيّب من النساء – في ظننا- قد تكون (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) لكنها لا يمكن أن تكون هي الأولى (فَوَاحِدَةً)، بينما البكر هي فقط من تأخذ تلك الصفة (فَوَاحِدَةً). وهذا هو التميز (أي الاختلاف) الذي نقصده هنا ليكون من نصيب الواحدة، ولا يكون بأي حال من الأحوال من نصيب من كانت المثنى أو الثلاث أو الرباع، وهكذا. فمن نكحت من الأزواج من ذي قبل، فإنها كانت الأولى (الواحدة) لمن نكحها أولاً، وأصبحت مثنى وثلاث ورباع لمن نكحها بعد ذلك.
افتراء خطير جداً مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن الواحدة (فَوَاحِدَةً) التي جاء ذكرها في نص الآية الكريمة هي البكر من النساء (أي من لم تكن قد نكحت من قبل)، وهي التي يكون ترتيبها الأولى بين نساء الرجل جميعا بغض النظر عن الفترة الزمنية التي عقد عليها الرجل فيها، بينما المثنى والثلاث والرباع (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) فذلكن الزوجات الثيّبات (أي من نكحت من ذي قبل). فإن نكح الرجل زوجة ثيبا فهي تكون في الترتيب القرآني (مَثْنَى) وإن كانت هي الأولى في الترتيب الزمني (كخديجة مثلاً)، وإذا نكح بعدها زوجة أخرى ثيباً تكون في الترتيب (وَثُلاَثَ)، وإن نكح بعدها زوجة أخرى ثيباً يكون ترتيبها (وَرُبَاعَ)، وهكذا. ويبقى المركز رقم واحد محجوزا وشاغرا حتى تأتي الزوجة البكر لتكون هي الأولى (فَوَاحِدَةً) إن رغب الرجل أن ينكحها. وإن لم يرغب الرجل في ذلك يبقى ذلك المقعد شاغراً حتى حدوث التزويج في يوم البعث:
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)
(للتفصيل انظر مقالتنا: ماذا ستفعل النساء في الجنة)
 افتراء خطير من عند أنفسنا: نحن نظن أن خديجة هي المثنى (مَثْنَى) من بين نساء النبي بينما كانت عائشة هي الأولى (فَوَاحِدَةً)، لأن النبي عندما نكح خديجة كانت ثيبا (وكانت أماً لأيتام أربعة في أصح أقوال أهل الرواية)[12]، ولكن عائشة فقط كانت بكراً (ولم يكن نكاحها مدفوعاً بالقسط في الأيتام).

السؤال: لماذا؟
جواب: لو قرأنا الآية الكريمة نفسها جيداً لوجدنا بكل يسر وسهولة أن شرط نكاح المثنى والثلاث والرباع معقود على القسط في اليتامى، بينما شرط نكاح الأولى (فَوَاحِدَةً) معقود على العدل، انظر جيداً الفصل الواضح في الآية الكريمة بين نكاح المثنى والثلاث والرباع من جهة ونكاح الواحدة من جهة أخرى:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ                                النساء (3)
فالآية تتحدث عن شرطين وعن جوابين، وهما على النحو التالي:
  1. وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى ____________ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
  2. فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ____________________ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ
تبعات هذا الظن
نحن نعتقد أن طرحنا المفترى هذا ربما يحل جزءا من الإشكالية في فهمنا للحكمة التي من أجلها ربما جاء الجمع في هذه الآية الكريمة نفسها بين اليتامى من جهة (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى) وتعداد الأزواج من النساء من جهة أخرى (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء). فالسؤال الذي غالباً ما تم طرحه هو: ما العلاقة بين القسط في اليتامى (فعل الشرط) ونكاح النساء على التعداد مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ (جواب الشرط)؟ أو بكلمات أخرى سأل الكثيرون: ما علاقة القسط في اليتامى بنكاح النساء كما تصوره الآية الكريمة نفسها؟
رأينا: لو تدبرنا الآية الكريمة من منظور لغوي بحت، لوجدنا أن العلاقة بين الطرفين (القسط في اليتامى ونكاح النساء) هي علاقة شرطية، ففعل الشرط (كما يحب أهل اللغة أن يسمونه) هو وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى، وجواب الشرط هو (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء)، وبكلمات أخرى نقول بأن نكاح النساء مثنى وثلاث ورباع هي النتيجة الحتمية للخوف من عدم القسط في اليتامى، انظر التركيب (إِنْ خِفْتُمْ) في السياقات القرآنية الأخرى:
الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ                              البقرة (229)
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا                                                           النساء (35)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ                     التوبة (28)
لتجد التلازم حاصلا بين فعل الشرط (إِنْ خِفْتُمْ) وجوابه المقترن بـ الفاء:
          فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء
نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا (نرجو من القارئ الكريم أن لا يصدقها ما لم يجد فيها ما يدعو إلى تصديقها): لا يجوز نكاح المثنى والثلاث والرباع من النساء (أي التعداد) إلا عند الخوف من أن لا نقسط في اليتامى، فمتى خاف الرجل أن لا يقسط في اليتامى، جاز له عندها أن يعدد الزوجات من النساء الثيبات تطبقاً للشرط الذي نفهم أن الآية الكريمة تفرضه (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) وبخلاف ذلك يصبح الرجل مرخصاً له نكاح الواحدة فقط لانتفاء قدرته على العدل (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ).
الدليل
نحن نظن أن بإمكاننا إيجاد الدليل على افترائنا هذا عندما نحاول التفكر في التضارب الظاهري بين الآية الكريمة التي يؤمن البعض أنها ترخص التعدد في الأزواج والآية الكريمة التي تؤكد عدم استطاعة الرجال على العدل بين النساء مهما حرصوا على ذلك، فتأمل – عزيزي القارئ- الآيتين الكريمتين معاً:
  1. وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ                                  النساء (3)
  2. وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)
السؤال المربك: كيف نفهم أن انتفاء العدل يعني الاقتصار على الواحدة (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ) والله هو نفسه من بيّن في كتابه الكريم أننا لن نستطيع أن نعدل بين النساء ولو حرصنا على ذلك (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ
إن هذا التضارب الظاهري هو برأينا الذي خلق التضارب بين رأي النساء من تعداد الأزواج من جهة ورأي الرجال من تعداد الأزواج من الجهة الأخرى.
موقف النساء من التعدد: أليست الآية الكريمة التالية هي ما تتسلح به كثير من النساء (وقليل من الرجال) للدفاع عن حقهن في عدم تعداد الرجل للزوجات؟
وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)
موقف الرجال من التعدد: وبالمقابل، أليس الجزء التالي من الآية الكريمة التالية هو ما يتسلح به الرجال (وقليل جداً من النساء) لإثبات حقهم في التعدد؟
          وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ...
السؤال: كيف يمكن ردم الهوة بين الأفهام؟ والأهم من هذا كله هو: كيف يضع الله شرط العدل للتعداد وهو الذي بيّن في كتابه الكريم السنة الكونية بانتفاء استطاعة الرجال على العدل بين النساء مهما بلغ بهم الحرص على ذلك؟
رأينا: نحن نظن أنه يجب الفصل بين الزواج المدفوع بالخوف من عدم القسط بين الأيتام كما جاء في القسم الأول من الآية الكريمة
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
والزواج الذي لا يكون مدفوعاً بذلك والذي شرطه توافر العدل كما جاء تتمة الآية الكريمة نفسها
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ
 ولكن كيف يكون ذلك؟
رأينا المفترى والمكذوب من عند أنفسنا: نحن نظن أن التعداد بالنساء الثيبات (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) لا يشترط فيه العدل ولكنه مدفوعا ومشروطا فقط بالخوف من عدم القسط بين الأيتام:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
أما الزواج بالواحدة – أي البكر- فذاك زواج مشروط بالعدل بينهن وهو ما لا يستطيع الرجال القيام به مهما حرصوا على ذلك مصداقاً لقوله تعالى (وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ). لذا نحن نتجرأ على تقديم الافتراء الخطير التالي:
لا يجوز الجمع بين نساء بكر لأن من شروط ذلك القدرة على العدل بينهن وهو ما لا يستطيع الرجل القيام به مهما حرص على ذلك، لذا لا يجوز للرجل أن يكون في عصمته في الوقت الواحد أكثر من امرأة واحدة بكرا، انظر تتمة الآية الكريمة التي تتحدث عن انتفاء استطاعة الرجل على العدل بين النساء:
 وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)
فالمتدبر للآية الكريمة يجد أنها قد أُكمِلت بالحديث عن امرأة واحدة فقط بدليل الإفراد في اللفظ (فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ).
أما بالنسبة للنساء الثيبات فإن شرط العدل غير ضروري الوقوع، لأن التعداد فيهن مبني على (أو مشروط بـ) الخوف من عدم القسط في اليتامى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، ولكن هذا الطرح ينقلنا على الفور للحديث عن القسط في اليتامى، لنطرح التساؤلات التالية:
-        كيف يكون القسط في اليتامى؟
-        ولم نحتاج أن نقسط في اليتامى؟
-        ثم لم يكون القسط في اليتامى هو شرط تعداد في حالة (مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)، وعند غياب العدل يصبح الزواج على نحو (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ
-        الخ.

القسط في اليتامى
التساؤلات:
1.     ما معنى القسط؟
2.     من هم اليتامى؟
3.     كيف يكون القسط في اليتامى؟
4.     الخ
القسط
لابد أولا من التفريق بين مفردتين قرآنيتين نظن أنهما مترادفتين ولكنهما بالتأكيد غير متطابقتين، فالتطابق بالألفاظ أمر لا تسمح به أي لغة على وجه الأرض ناهيك عن أن تكون مفردات القرآني الكريم التي لا يمكن أن تسد مفردة مكان أخرى مهما بلغ وجه التشابه بينهما. والمفردتان هما القسط والعدل، فالمتدبر للنص القرآني يجد أننا مأمورون بنص الآيات الكريمة أن نحكم بين الناس بالعدل كما أننا مأمورون في الوقت ذاته أن نحكم بينهم بالقسط كذلك، قال تعالى:
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا                                          النساء (58)
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ          المائدة (42)
فالعدل والقسط هما – برأينا- مفردتان مترادفتان نظن أن الخلط بينها قد سبب ضبابية في الفهم، فصمت الآذان عن سماع الحقيقة، وأغشت الأعين عن إبصارها، وطبعت على القلوب فما عقلتها، فالقرآن الكريم يبيّن - بما لا يدع مجالاً للشك- بأن العدل شيء وأن القسط شيء آخر (وإن تشاركا في المفهوم العام)، بدليل الجمع بينهما في الآية الكريمة التالية:
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ                                                                               الحجرات (9)
فالقارئ (ربما غير المتدبر للقرآن) قد يتساءل عن الفرق بين أن نقوم بفعل الإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين بالعدل (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ) وأن نقسط بينهما (وَأَقْسِطُوا). لنطرح عندها التساؤل المشروع – في ظننا- وهو: ما الفرق بين العدل والقسط؟ أو بكلمات أخرى نسأل: كيف يمكن أن نعدل بين الناس؟ وكيف يمكن أن نقسط بين الناس؟
رأينا: نحن نفتري الظن بأن العدل يتحقق بالقول فقط:
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ                                                                                       الأنعام (152)
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن إيقاع العدل فيما اُختِلف فيه يكون بالقول (أي كلاماً)، وهو – برأينا- ما تفعله المحكمة عندما تنطق بالحكم (أو ما يقوم به القاضي):
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)
يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)
وهنا يثار التساؤل التالي على الفور: وماذا بعد الحكم بالعدل قولاً؟ هل نتوقف عند ذلك؟
رأينا: كلا، فبعد قول العدل (من قبل القاضي) لابد أن يأتي الحكم بالقسط، وذلك ليتم توزيع الحقوق إلى أصحابها. وبكلمات أخرى نقول لابد من تنفيذ حكم المحكمة (أو حكم القاضي) المنطوق قولاً. فدائرة التنفيذ المرتبطة بالمحكمة هي المسئولة عن تنفيذ حكم القاضي (الذي صدر قولا) على أرض الواقع (فعلاً)، وهذا –بظننا- ما يكون حكماً بالقسط، فلو تدبّرنا آيات الكتاب الحكيم لوجدنا الترابط الذي لا تنفك عراة بين القسط من جهة والمكيال والميزان من جهة أخرى:
وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ                                                                                                         هود (85)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً             الإسراء (35)
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ                                                                            الأنبياء (47)
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)                                الشعراء
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)            الرحمن
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ    الحديد (25)
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ                                                                                                الأنعام (152)
والقسط – برأينا- يتطلب توزيع الممتلكات بأقصى درجات الدقة وذلك بإتباع العقد (الرباني) كما هو منصوص عليه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ                             البقرة (282)
فكتابة شروط العقد (بغض النظر عن قيمته) بالتفصيل الدقيق هو ما يمكن أن ينتج عنه القسط الذي يريده الله.
ولا شك أن الله هو أول من قام بالقسط:
شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ                                                                                                             آل عمران (18)
ولا شك أن الله يحب من يقوم بالقسط من الناس:
وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ                                                                                         الحجرات (9)
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[13]                                                                    الممتحنة (8)
لأن الله هو نفسه من أمر بالقسط:
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ                                                                                                     الأعراف (29)
نتيجة مفتراة سيكون لها تبعات جمة على موضوع تعدد الأزواج: لكي تحكم بالعدل فأنت تفعل ذلك قولاً، ولكن لكي تحكم بالقسط فأنت بحاجة أن تنفذ ذلك فعلاً.

اليتامى
التساؤلات:
-        من هم اليتامى؟
-        كيف يكون القسط في اليتامى؟
-        ما علاقة الرجال باليتامى؟
-        ما علاقة اليتامى بنكاح الرجال للنساء؟
-        ما علاقة كل ذلك بتعدد الأزواج؟
-        الخ.
سؤال: من هو اليتيم؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن اليتيم هو من فقد والده:
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا                                                                                   الكهف (82)
فنحن نظن أن الغلامين كانا يتيمين لأن أبوهما لم يكن موجودا بدليل أنه (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)، فلو كان أبوهما موجوداً لما كانا بحاجة إلى من يقوم لهما بالعمل نيابة عنه حتى يبلغا أشدهما (للتفصيل أنظر سلسة مقالاتنا تحت عنوان قصة موسى).
فحتى لو بقي الولد أو البنت في رعاية والدتهم (أمهم) إلا أنهم يعتبرون من فئة اليتامى مادام أن والدهما غير موجود:
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا                                          النساء (127)
فالمتدبر للآية الكريمة يجد أن من كان لها يتامى من النساء يمكن أن تنكح (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ) من جديد، وهذا بظننا لا يمكن أن يتم إلا أن يكون والد اليتامى متوفى بالموت.

سؤال: ما علاقة الرجال باليتامى؟
جواب: الرجال هم فقط مأمورون بتكليف إلهي برعاية أموال اليتامى:
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا                                                                                                      النساء (2)
وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا                                                     النساء (6)
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا                                                                                                           النساء (10)
افتراءات خطيرة جداً جداً من عند أنفسنا: بناء على فهمنا للتكليف الموجود في الآيات السابقة الخاصة بالمحافظة على أموال الأيتام فإننا نتجرأ على تقديم الافتراءين الخطير التاليين:
1.     تقع مسؤولية المحافظة على أموال اليتامى على عاتق المكلفين من الرجال، فنحن نفهم أن الخطاب موجه في الآيات التي تتحدث عن أموال اليتامى جميعها إلى الرجال (انظر الآيات جيدا)
2.     ليس للنساء حق في رعاية أموال اليتامى حتى لو كانت هي والدتهم.
وهذه المسؤولية يجب أن يكون الطابع المميز لها هو الإدارة الحكيمة التي تصورها الآيات الكريمة التالية:
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ                                                                                        الأنعام (152)
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً                                                                                                 الإسراء (34)
فأموال الأيتام يجب أن تدار بالتي هي أحسن، ونحن نظن أن "التي هي أحسن" (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هي الطريقة التي لا يمكن أن توّلد البغضاء بين الناس، بل على العكس تماماً فإن الدفع بالتي هي أحسن سينتج عنها تولد "الحميمية" حتى بين الأعداء:
          وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ                                                                                                        فصلت (34)
سؤال: ما علاقة اليتامى بنكاح الرجال للنساء كما تصوره الآية الكريمة نفسها (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
للإجابة على هذا التساؤل نرى أن الحاجة تستدعي طرح التساؤل الذي يمكن أن يفضي إليه طرحنا السابق هو: كيف سيستطيع الرجال القيام بالمحافظة على أموال اليتامى بالإدارة الحكيمة (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
افتراء خطير جداً جداً من عند أنفسنا: لكي يتمكن الرجل (أي رجل) أن يتولى مسؤولية المحافظة على أموال اليتامى بالإدارة الحكيمة (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فلابد أن ينكح والدة اليتامى، ونحن نظن أن هذا هو معنى مخالطة اليتامى الواردة في الآية الكريمة التالية:
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ                          البقرة (220)
فالمتدبر للآية الكريمة يجد أن مخالطة اليتامى لا تعني بأي حال من الأحوال أن ينسب الولد لغير أبيه الحقيقي، فالولد يجب أن يدعى لأبيه بنص الآية الكريمة:
مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (5) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)                                          الأحزاب
فأدعياء الرجل ليسوا بأبنائه، ولكنهم إخوانه إن علم آباؤهم، وإن لم يعلم آباؤهم فهم إخوانه في الدين ومواليه. ولكن الرجل يستطيع أن يخالط اليتامى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ)، ولكن هذه المخالطة تبقي كل طرف مفصولاً عن الآخر:
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102)
فالعمل الصالح والعمل السيئ يمكن أن يختلطا ولكن هذا لا يعني أنهما لا يفصلان عن بعضهما البعض، فعملية الخلط تؤدي إلى التداخل، ولكنه التداخل الذي لا يقضي على شخصية وهوية أي طرف لحساب الطرف الآخر.
ولو تدبرنا الآية الكريمة جيداً لوجدنا أن مخالطة اليتامى ودعوتهم لآبائهم هي التي سيتولد عنها القسط:
          ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ
ولو حاولنا أن نربط ذلك بآية النكاح نفسها لوجدنا أن الخوف من عدم القسط في اليتامى هو الدافع الحقيقي لتعدد الأزواج على نحو مثنى وثلاث ورباع:
          وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
السؤال: كيف يمكن أن يخالط الرجل اليتامى؟
جواب مفترى: نحن نظن أن مخالطة الرجل لليتامى لا تكون إلا عندما يستطيع الرجل أن يقوم لليتامى بالقسط، ويحدث ذلك – في ظننا- عندما ينكح الرجل من النساء من عندها اليتامى، انظر الربط بين الرغبة في نكاح والدة اليتامى والقيام لليتامى بالقسط في الآية الكريمة التالية:
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا                                          النساء (127)
السؤال: ما الحكمة في مخالطة الرجال لليتامى؟
رأينا: نحن نظن أن من يخالط يتامى النساء هو من تقع على عاتقه مسؤولية القيام لليتامى بالقسط (وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ)، وهو السبب الذي من أجله برزت – برأينا- الحاجة إلى تعدد الأزواج على نحو مثنى وثلاث ورباع:
                    وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
ونحن نظن أن هناك حكمة في أن يكون الرجل هو من تقع على عاتقه مهمة المحافظة على أموال اليتامى بالإدارة الحكيمة وذلك بنكاح يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ، نذكر منها:
أولاً، نحن نظن أن وجود اليتامى في المجتمع أمر لا مفر منه، فهناك الكثير من الناس من يموتون ويذرون وراءهم ذرية ضعاف:
          وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا                                                                                                               النساء (9)
لذا، فإن كل رجل مهدد بأن يفارق هذه الدنيا تاركاً خلفه الذرية التي قد تكون ضعيفة وهي التي لم تبلغ الحلم بعد (ذُرِّيَّةً ضِعَافًا). والحالة هذه، فإن الخشية يجب أن تقع في قلب كل رجل أن يكون هو نفسه من يترك من خلفه تلك الذرية الضعاف التي يخاف عليهم، ولو حصل أن فهم كل رجل هذا الموقف الافتراضي (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ) وطبّق المنطق على نفسه، لوجد لزاماً عليه أن يقوم بأمرين اثنين وهما:
(1) أن يتقي الله (فَلْيَتَّقُوا اللّهَ) و
(2) أن يقول قولاً سديدا (وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا).
وهذا بظننا كفيل بحد ذاته أن يقوم لليتامى بالقسط، فلا يجرؤ عندها من وقع على كاهله مهمة القسط في اليتامى أن يقرب مال اليتم إلا بالتي هي أحسن، وسيقوم بتقسيم التركة بين الأيتام بالقسط بغض النظر عن حجمها:
لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا (8)
لأنه يفهم عندها أن أكل مال اليتامى ظلماً هو واحد من الذنوب التي سيقع على الرجل بسببها أشد العقوبات:
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)
إن هذا الطرح يقودنا على الفور إلى طرح التساؤل التالي: مَن - يا ترى- مِن الرجال يستطيع أن يتحمل تبعات هذا الأمر؟ وبكلمات أكثر دقة نقول، مَن مِن الرجال مستعد أن يضع نفسه في هذا المقام الذي عاقبته – لا شك- كارثية ما لم يقم بها على أحسن وجه (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
رأينا: لو عقل الرجال خطورة التعامل مع مال اليتيم (لما سيترتب عليه من عقوبة) لما أقدم – في ظننا- أحد ذو لب على الاقتراب من مال اليتيم، ولأصبح كل رجل يبذل قصارى جهده أن يجنِّب نفسَه خطورة هذا الأمر. السؤال: وماذا لو حصل أن رفض كل رجل القيام لليتامى بالقسط؟ ما الذي سيحدث عندئذ؟
جواب: نحن نظن أنه لو حصل ذلك، لأصبحت أموال اليتامى في مهب الريح، فكيف يمكن أن يتقبل الرجال تحمل مسؤولية الأيتام مادام أن العقوبة شديدة؟ وماذا لو وقعت أموال اليتامى في أيدي ضعاف النفوس؟ ثم يأتي السؤال الأكبر: مَن مِن الرجال له حق القيام لليتامى بالقسط والمحافظة على أموال الأيتام كما نصت على ذلك آيات عديدة في كتاب الله؟
وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا                                                                                                      النساء (2)
وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا                                                     النساء (6)
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا                                                                                                  النساء (10
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ                                                                                                  الأنعام (152)
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً                                                                                                           الإسراء (34)
السؤال: من المخاطَب في هذه الآيات الكريمة؟ من هو المسئول عن إيتاء اليتامى أموالهم؟
رأينا: نحن نظن من له الحق أن يقوم بإيتاء اليتامى أموالهم (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) والمسئول عن ابتلاء اليتامى متى ما بلغوا النكاح (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ) والمطلوب منه أن لا يقرب مال اليتامى إلا بالتي هي أحسن (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هو من أوكلت له مهمة المحافظة على ذلك المال في الأصل.
السؤال: إلى من يجب أن توكل مهمة المحافظة على أموال اليتامى؟
رأينا: نحن نظن أن مسؤولية مال الأيتام لم تسند إلى الأقارب بالدم، فنحن لم نجد في كتاب الله كله آية كريمة واحدة تربط مهمة الحفاظ على أموال اليتامى لأقرباء الدم (ومن يستطع أن يدلنا على دليل عكس ما نظن فله من الله الأجر ومنا الثناء والشكر).
الدليل
أولاً، نحن نعلم أن موت الرجل يؤدي على الفور إلى قسمة ما ترك وراءه. فإن كان له ذرية من الذكور، فهم من يرثون كامل ما ترك والدهم باستثناء جزء بسيط يذهب لأبويه، والحالة هذه لم نجد في كتاب الله آية واحدة تدلنا على أن أقرباء المتوفى بالدم هم من يقومون على رعاية أموال اليتامى إن لم يبلغوا الحلم بعد. فنحن نظن أن القرآن الكريم لم ينصص على أن رعاية أموال اليتامى تنتقل إلى عمهم (أخ المتوفى) مثلاً.
ثانياً، نحن نعلم أن الأقارب بالدم لهم حق في أموال اليتامى يكتسبونه من طبيعة صلة قرابتهم، فإذا لم يكن للمتوفى مثلاً ذرية من الذكور، فإن تركته تقسم بين أقرباءه بما فيهم الذرية من البنات والأبوين والأخوة:
يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11)
ثالثاً، نحن نعلم أن الرجل الذي يموت ويورث كلالة يكون تقسيم تركته على النحو الذي تنص عليه الآية الكريمة التالية:
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)
إن السؤال الذي نجهد للوصول إليه هو: من الذي يكون له الحق في الإشراف على أموال الأيتام بعد تقسيم الميراث؟ فهل يكون ذلك من مسؤولية أحد أقرباء الدم كالعم والخال ونحوهما؟
رأينا: نحن لم نجد في كتاب الله دليلاً على ذلك.
نتيجة مفتراة: نحن نفتري الظن بأن من كان له نصيب في التركة بحكم صلة قرابته بالرجل لا يحق له القيام على أموال اليتامى، لأن ذلك سيشكل – برأينا- فوضى في التقسيم خصوصاً إذا ما كان من بينهم أكثر من شخص واحد يحمل نفس صلة القرابة، كأن يكون للمتوفى أكثر من أخ مثلاً. فمن منهم سيكون له حينئذ الحق في القيام على أموال اليتامى؟ ألن يودي ذلك إلى خلاف بين الأهل بسبب ذلك؟
كما أننا نظن أن الخلافات ستنشب بين أفراد العائلة مهما حاول من آلت إليه الرعاية أن يحافظ عليها. فقد يطلب الكثير منهم مثلاً اللجوء إلى مبدأ المحاصصة أو الدور في القيام على أموال اليتامى، وماذا لو أصاب بعضهم وأخطأ بعضهم؟ ألن تضيع أموال اليتامى حينئذ بسبب صراعات يكيل فيها كل شخص التهم (ربما جزافاً) لغيره؟ من يدري!!!
السؤال: وماذا عن الجد؟ لم لا تؤول كفالة اليتيم إلى جدهم (والد المتوفى) مثلاً؟
رأينا: نحن نظن أن من كان له (ما نسميه بمفرداتنا الدارجة) جد (أي والد المتوفى) فهو ليس يتيما، ولكن لماذا؟
رأينا: لو دققنا في مفردات القرآن الكريم لوجدنا أن مفردة الأب تطلق على الوالد (ووالد الوالد) ووالد والد الوالد، فانظر عزيزي القارئ إلى ما قاله يعقوب النبي لولده يوسف:
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
فنحن نعلم من مجمل السياقات القرآنية حول قصة يوسف بأن يعقوب هو "والد يوسف" المباشر، ولكن يعقوب نفسه يخاطب يوسف قائلاً بأن إبراهيم وإسحق هم أيضاً أبوي يوسف بالإضافة إلى يعقوب نفسه، فتصبح السلالة على النحو التالي:
الولد              الأب                        الأب                        الأب
                   يوسف             يعقوب                      إسحق                      إبراهيم
فلو افترضنا (أقول افترضنا) بأن يعقوب (والد يوسف) قد توفى قبل أبيه إسحق لما عدم يوسف الأب لأن إسحق (الجد) سيقوم بتلك المهمة، ولو توفي إسحق قبل إبراهيم لما عدم يعقوب الأب لأن إبراهيم (الجد) سيتوكل بتلك المهمة مادام أنه أب بمفردات القرآن الكريم.
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن الذي نطلق عليه لفظ الجد (والد الأب) هو – بمفردات القرآن- أب، لذا لا يتطلب وجود الكفيل على أموال اليتيم مادام أحد الآباء (الأب أو الجد أو حتى جد الجد) موجودا، لأن أموال اليتامى تنتقل مباشرة إليه. أما اليتيم الذي ليس له أب مباشر (أو أب غير مباشر كالجد) فهو من بحاجة إلى من يقوم له على أمواله بالقسط.

أما السبب الآخر الذي نظن أنه قد يكون أكثر أهمية من هذا كله في نكاح التعدد (المثنى وثلاث ورباع) هو نشوء علاقة جديدة في التحريم بين الرجال والنساء من ذوي المتوفى، ولكن كيف يكون ذلك؟
جواب: لا يجب أن ننسى أن أقارب الزوج من الرجال (باستثناء والد المتوفى) لم يعودوا من المحارم على زوجة المتوفى بعد موت زوجها عنها. أليس كذلك؟ فامرأة الأخ تصبح من غير المحرمات متى مات عنها زوجها. وهنا لابد من الإجابة على التساؤل التالي: كيف سيستطيع من تؤكل إليه مهمة رعاية أموال اليتامى التعامل مع زوجة المتوفى مثلاً؟ وكيف سيستطيع من توكل إليه مهمة رعاية أموال اليتامى التعامل من ذرية المتوفى من النساء مثلاً إن لم يكن من محارمهم؟
السؤال: لمن إذن يجب أن تؤكل مهمة الحفاظ على أموال الأيتام خصوصاً إذا كان هناك أكثر من شخص راغباً فيها؟
رأينا الخطير المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن مهمة المحافظة على أموال اليتامى تصبح من مسؤولية من يبدي استعداده أن ينكح امرأة المتوفى، ولكن لماذا؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أنه حتى يستطيع من لم يعد من المحارم (قريباً كان للزوج أو بعيداً عنه في النسب) أن يقوم على رعاية أموال الأيتام فلابد أن يكتسب شرعية بالنسبة للمرأة (زوجة المتوفى) أولاً. ونحن نظن أن هذا العلاقة يجب أن تشرع برابط النكاح:
          وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
ثانياً، نحن نظن أن من يقوم على رعاية أموال اليتامى عليه أن يتعامل ليس فقط مع زوجة المتوفى، بل عليه أن يتعامل أيضاً مع ذرية المتوفى من النساء، كأن يكون للمتوفى ذرية من البنات. صحيح أن التعامل معهن يكون سهلاً في صغرهن، ولكن الخطورة تكمن يوم أن يبلغن الحلم ليدفع إليهن أموالهن، وهنا يثار التساؤل التالي: كيف سيستطيع من يقوم على أموال اليتامى أن يتعامل مع ذرية المتوفى من الإناث؟
رأينا: لكي يستطيع من يقوم على رعاية أموال اليتامى أن يتعامل مع ذرية المتوفى من الإناث فعليه أن يكتسب شرعية، فكيف سيتحصّل عليها؟
رأينا: عندما يقوم من يرغب أن يتولى رعاية أموال اليتامى بنكاح زوجة المتوفى تنشأ عندها علاقة تحريم بينه وبين بنات المتوفى، وهنا يستطيع أن يخالطهم بدون حرج:
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
افتراء خطير جداً جداً من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن مخالطة الرجل لأبناء المتوفى بنكاح زوجة المتوفى ينتج عنها – في ظننا المفترى – ما يسمى بالكفالة (كفالة الأيتام).
السؤال: ما هي الكفالة؟
جواب مفترى: الكفالة في ظننا هي قيام رجل مكلّف بنكاح زوجة المتوفى ليخالط أبناء المتوفى ولتنشأ عن ذلك علاقة تحريم يصبح من الممكن بعد ذلك أن يتعامل معهم بلا حرج.

الدليل
بادئ ذي بدء، نحن نظن أن الكفالة لم يرد ذكرها في كتاب الله إلا في حالتين وهما:
1.     كفالة موسى
2.     كفالة مريم

كفالة موسى
لقد تحدثنا في إحدى مقالاتنا السابقة عن كفالة موسى التي ترد في الآيات الكريمة التالية:
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
وافترينا الظن بأن الكفالة وجبت بحق موسى لأن موسى كان يتيماً، ولو كان والد موسى الحقيقي حيّاً لما وجبت عليه كفالة، لذا عندما لم يكن لموسى إلا والدته وأخته أخذ نبي الله ذو الكفل - كما افترينا في مقالاتنا السابقة-  على عاتقه كفالة موسى:
          وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85)
وأن نبي الله ذو الكفل هو من عزز الله به موسى وهارون إلى فرعون وقومه:
          إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14)
وافترينا القول بأن كفالة ذي الكفل لموسى حصلت عندما نكح ذو الكفل أم موسى، فأصبح موسى في رعاية البيت الذي يكفلونه:
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
وحاولنا التفريق بين الوليّ والكفيل، فظننا أن الوليّ هو من له الحق أن يأخذ بدم "المقتول":
وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
وهو من له الحق أن يتولى من كان سفيها:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
فظننا أن الولاية تتحقق برابط الدم، فلا شك عندنا أن من تقع على عاتقه مسؤولية الولاية على السفيه هو أكثر أهله قرابة له بالدم، وكذلك من يأخذ حق المقتول بالدم هو الأقرب إليه صلة. فالولاية – في ظننا- هي عبارة عن رباط يتحقق بالدم.
أما الكفالة – بالمقابل- فإنها برأينا علاقة تتحقق بالنكاح. فمن له الحق في القيام على الأيتام بالقسط هو من يبدي استعداداً لنكاح أم الأيتام. وهو من يكون له الحق بالأكل من مال اليتيم:
وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا                                            النساء (6)
وهنا سنطرح التساؤلات التالية:
1.     لماذا يصبح لمن يقوم على أموال الأيتام حق في الأكل منها؟
2.     لماذا لم يأتي التشريع على نحو أن الأغنياء فقط هم من لهم حق بالقيام على أموال الأيتام فلا يأكلون عندها منها شيئا؟
3.     لم يحق للفقير أن يقوم على رعاية أموال الأيتام فيأكل منها؟
4.     كيف سيتم توزيع ذلك بين الناس؟
5.     ألا تظن أن الأيتام سيحتجون يوم يبلغون الحلم على من أوكل أموالهم إلى فقير فأكل منها؟
6.     ألا ترى أن اليتامى سيرغبون أن توكل أموالهم إلى الأغنياء فلا يأكلون منها؟
7.     فمن يرضى أن توكل مهمة الحفاظ على ماله إلى فقير ليأكل منه؟
8.     ومن لا يتمنى أن توكل المهمة إلى غني يستعفف فلا يأكل منه شيئا؟
9.     كيف سنضمن عدم نشوب مشكلة بين الأغنياء والفقراء في رعاية أموال الأيتام؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن الأمر محسوم، وهو على النحو التالي: مادام أن الكافل قد أبدى استعداده لنكاح والدة الأيتام فقد أصبح جزءا من العائلة، وأصبح له حق ولو بجزء من مال اليتيم عن طريق حقه في ميراثه من زوجته الجديدة (والدة الأيتام). فالرغبة في نكاح زوجة المتوفى (والدة الأيتام) هي ما سيحدد هوية الكفيل. فالغني والفقير يملكون فرصاً متساوية في التقدم لخطبة ونكاح والدة الأيتام (وهي من ستتحمل تبعات قرارها في أن يكون ناكحها غنيا أم فقيرا)، لذا فإن الأيتام إن أرادوا توجيه اللوم في ذلك متى بلغوا الحلم، فوالدتهم فقط هي المسئولة ولا أحد غيرها.
ونحن نظن أن هذا الطرح سيحل إشكالية أن يحتج الأيتام على من كفلهم يوم يبلغون الحلم، فمن رضي أن ينكح والدتهم (سواء كان غنيا أو فقيرا) فهو الذي أصبح له الحق في مخالطتهم والأكل من أموالهم بالمعروف.
وهذا الطرح (على ركاكته) ربما يسلط الضوء على إشكالية كبيرة جداً في الفكر الديني تثيرها الآية الكريمة التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
السؤال: لماذا جاء نهي رباني عن نكاح أزواج النبي من بعده؟
افتراء من عند أنفسنا: لأن الناكح لأزواج النبي (إن وجد) سيكون عندها كفيلاً لذرية النبي، وسيترتب له شيء من ميراث النبوة من خلال أزواج النبي، لذا نحن نفتري الظن بأن الله قد نهى المؤمنين عن نكاح نساء النبي حتى لا يتولى أحد منهم ذرية النبي، وحتى لا يصبح لأحد من المؤمنين حق مكتسب في ميراث النبوة.

كفالة مريم
أما الحالة الثانية في الكفالة التي ورد ذكرها في كتاب الله فهي كفالة زكريا لمريم بنت عمران كما تبين ذلك الآيات الكريمة التالية:
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)
وهنا نجد لزاماً طرح جملة من التساؤلات المثيرة حول كفالة زكريا لمريم نذكر منها:
1.     كيف حصلت كفالة زكريا لمريم؟
2.     لماذا كفل زكريا على وجه الخصوص مريم؟
3.     لماذا لم تقع كفالة مريم على شخص آخر غير زكريا؟
4.     ماذا كانت تبعات كفالة زكريا لمريم؟
5.     الخ
كيف حصلت كفالة زكريا لمريم؟
بادي ذي بدء لابد من الإشارة للقارئ الكريم أن الضرورة تستدعي قراءة هذا الجزء من المقالة في ضوء ما قدّمناه من افتراءات حول قصة مريم نفسها في سلسلة مقالاتنا السابقة تحت عنوان: كيف تم خلق عيسى بن مريم؟
وسنحاول أن نعيد باختصار بعض الافتراءات ذات العلاقة في شرحنا هذا، فالله أسأل أن يعلمنا الحق الذي نقوله فلا نفتري عليه الكذب إنه هو السميع المجيب.
أما بعد،
الافتراء: نحن نظن أولاً بأن كفالة زكريا لمريم لمن تكن برغبة من زكريا نفسه، فـ زكريا (كما الآخرين) كانوا غير راغبين في كفالة مريم إطلاقاً، والدليل الأول الذي نسوقه ليدعم افتراءنا هذا هو فهمنا لصيغة فعل الكفالة كما يرد في الآية الكريمة نفسها:
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)
فالمتدبر للنص القرآني يجد أن الفعل جاء على صيغة الإجبار وليس الاختيار (وَكَفَّلَهَا)، فلو كان زكريا راغباً في كفالة مريم لجاء النص القرآني في ظننا على نحو:
          وكَفلها زَكَرِيَّا
فالتشديد الواقع على حرف الفاء في قوله تعالى (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) ربما يدلنا على أن زكريا لم يتطوع من تلقاء نفسه لهذه المهمة الشاقة. وكيف برجل كبير في السن أن يعتني بطفلة؟ هل يستطيع أن يطعمها ويحافظ على نظافتها خاصة وأنها أنثى؟ من يدري!!!
أما الدليل الثاني الذي نود أن نلفت انتباه القارئ الكريم له فهو ما حصل بين القوم أنفسهم من الخصومة بسبب تلك الكفالة كما يرد في سياق قرآني آخر يتحدث عن كفالة مريم:
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)
فنحن نظن أن حصول الخصومة (على عكس ما قاله معظم من سبقنا من أهل الدراية) كان بدافع عدم الرغبة في الكفالة، فكل واحد منهم كان يحاول (في ظننا) أن يتنصل من تلك المسؤولية. فعندما تحدث الخصومة فإن ذلك يعني رفضاً أوليّاً لقبول الأمر، فها هم الملائكة أنفسهم يختصمون في الملأ الأعلى لرفضهم الأوّلي قبول خلافة آدم والسجود له:
مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (70) إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71)
ولكن عندما لم يجدوا بدا من ذلك، انصاعوا للأمر الإلهي. وبالمنطق نفسه ربما نستطيع أن نرى ما حصل بين القوم في كفالة مريم، فقد سببت تلك الكفالة في البداية خصومة بين القوم لأنهم كانوا بداية رافضين لها، ولكنهم لم يجدوا بداً من تسوية الأمر، وكان ذلك بإلقاء الأقلام:
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)
فنحن نفتري الظن أنهم لم يلجأوا إلى تلك الآلية إلا لفض الخصام بينهم وإلزام شخص محدد من بينهم بها (كما يحدث في حالة إجراء القرعة بين الشركاء مثلاً). وكانت النتيجة تتمثل بأن تؤول كفالة مريم إلى زكريا وإن كان غير راغب فيها (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا)، وسنتحدث لاحقاً بحول الله وتوفيقه عن آلية إلقاء الأقلام وكيف أفضت إلى أن يرسو الأمر على كاهل زكريا، فالله وحده أسأل أن يعلمني من لدنه علماً لا ينبغي لأحد غيري إنه هو السميع العليم.
لماذا لم تقع كفالة مريم على شخص آخر غير زكريا؟
افتراء من عند أنفسنا: للإجابة على هذا التساؤل لابد لنا من العودة إلى معنى الكفالة، فإن نحن ظننا بأن الكفالة (كما افترينا سابقاً) لا تتحقق إلا برابط النكاح، فإن الأمر يصبح على النحو المفترى الخطير التالي:
 لقد تحقق لـ زكريا كفالة مريم بعد أن أبدى زكريا استعداده بنكاح والدة مريم (امرأة عمران سابقا)، فكفالة مريم لم تكن لتتحقق لـ زكريا – بزعمنا- إلا بعد أن ينكح زكريا والدة مريم.
وهذا الطرح يفسر على الأقل افتراءين سابقين تعرضنا لهما في مقالاتنا السابقة وهما:
الافتراء الأول: سوء العلاقة بين زكريا وزوجته:
قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء                                                                                                               آل عمران (40)
وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا مريم (5)
قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا          مريم (8)
فقد افترينا الظن بأن امرأة زكريا قد عقرت زكريا، ولكننا نضيف هنا افتراءنا الآخر بأن السبب في ذلك كان قبول زكريا أن ينكح والدة مريم لكي يتكفل مريم. فعندما أقدم زكريا – في ظننا- على نكاح امرأة عمران (والدة مريم) بعد حادثة إلقاء الأقلام، كانت ردة فعل امرأته الأولى أن عقرت، أي تركت له البيت وخرجت منه (للتفصيل في معنى العاقر انظر سلسة مقالتنا السابقة تحت عنوان كيف تم خلق عيسى بن مريم، وكذلك ثلاثية المرأة ولماذا قدم نبي الله لوط بناته بدلاً من ضيوفه خاصة للتميز بين العاقر والعقيم).
الافتراء الثاني الأكثر أهمية: مشروعية دخول زكريا المحراب على مريم. فنحن نعلم أن زكريا كان يدخل على مريم المحراب في خلوة بينهما:
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)  
وهنا نثير التساؤل الخطير التالي الذي نظن أن علماءنا الأجلاء ربما لم يتجرءوا على طرحه، وغلّفه من تعرض له منهم طابعا إيمانيا (نظن أنه ربما لا يسمن ولا يغني من جوع لمن أراد البحث عن الحقيقة)، والسؤال هو: بأي حق كان يستطيع زكريا على وجه الخصوص أن يدخل على مريم في خلوتها؟ أليست مريم من النساء غير المحرمات على زكريا؟ فكيف به إذن أن يختلي بها في المحراب؟ فالنص القرآني يبين بما لا يدع مجالاً للشك أن ذلك لم يحصل مرة واحدة ولكنه كان يحصل على الدوام بدليل اللفظ كُلَّمَا:
كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ
رأينا: غالباً ما غلّف علماؤنا الأجلاء مثل هذا التساؤل بالجواب العقائدي المتمثل بالعودة إلى شخصية مريم وشخصية زكريا، فهم يسوّقون للعامة الرأي بأن مريم هي من طهّرها الله واصطفاها على نساء العالمين:
          وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ                                                                                                           آل عمران (42)
ويكأن لسان حالهم يقول: لا يجوز أن يرقى إلى ذهنك مثل هذه التساؤلات بخصوص من طهرها الله، فنرد عليهم بالقول: هذا يصح لمن آمن وصدق بكلمات الله، ولكن كيف يمكن أن ندفع الشبهة عن مريم لمن لا يؤمن ولا يصدق بآيات الله؟
ومنطقهم ذاك طبقوه أيضاً على زكريا، وأن زكريا هو نبي من أنبياء الله الصالحين:
          وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ                                    الأنعام (85)  
ويكأن منطقهم يسوق لنتيجة فحواها أنه من غير الضروري أن تطرح مثل هذه التساؤلات المشككة التي نثيرها هنا بحق أناس مثل مريم وزكريا. ولكن هذا لا يثنينا عن طرح التساؤل ليس لإثارة الشبهة حول زكريا ومريم ولكن لدفع الشبهة عنهم حتى في وجه من لا يؤمن ولا يصدق بكلمات الله، فالألسنة الكاذبة يجب أن تخرس بالمنطق والحجة. لذا فإننا نرى أنه لابد من إثارة التساؤل على النحو التالي: هل كون مريم بنت عمران قد طهرها الله، وهل كون زكريا نبي من أنبياء الله، يرخّص لهم الخلوة ببعضهم (كما كانوا يفعلون في المحراب)؟ أليست تلك حدود الله التي لا يجب على أحد (حتى لو كان نبياً مرسلاً أو صديقاً مطهرة) أن يخالفها؟
ثانيا، نحن نجد لزاماً أيضاً طرح الأمر من خلال سؤال آخر نظن أن له صلة وثيقة بموضوع النقاش هنا يتعلق بردة فعل من كان حاضرا حينئذ من بني إسرائيل على كفالة زكريا لمريم ودخوله المحراب عليها في خلوتها، والسؤال هو: لماذا لم يلصق ولو نفر قليل من بني إسرائيل التهمة لمريم بزكريا؟ لم لم يحصل الشك في قلب ولو فئة قليلة من ضعاف النفوس بأن عيسى هو ابن زكريا مادام أن زكريا هو فقط من كان يدخل على مريم المحراب في خلوتها؟
رأينا: نحن نظن بداية أن التراث اليهودي والمسيحي يشير إلى أنه قد تم الطعن (ولو من قبل نفر قليل من بني إسرائيل) بعذرية مريم حتى وصلت الجرأة ببعضهم أنهم قد اتهموها بيوسف النجار مثلاً (كما تقول بعض رواياتهم)، ولكن السؤال المطروح هنا هو: لماذا لم يرد في التراث اليهودي والمسيحي اتهام لمريم بـ زكريا وهو الذي كان يقطع عليها خلوتها في الحراب؟ ثم ألم يصل الأمر بـ زكريا أن ترك الصلاة مع قومه:
          فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
بعد أن أقامها في المحراب؟ انظر – عزيزي القارئ- السياق القرآني الذي يصور القصة كلها:
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38) قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (40) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41)
كيف بزكريا يخرج من المحراب، فلا يكلمهم ولا يقيم الصلاة معهم، ثم لا يقع في خاطر بعضهم أن أمراً مريباً ربما قد حصل لزكريا عندما دخل المحراب على مريم؟
إن مراد قولنا هو يتلخص بأنه لابد من التحقق من السبب الذي دفع ولو بنفر قليل من بني إسرائيل بأن لا يكيلوا لمريم و زكريا التهم جزافاً.
ثانيا، ربما يرد البعض بالقول: ولكن زكريا كان قد بلغ من الكبر عتيّا، ويكأن منطقهم يقول بما أن زكريا كان شيخاً كبيرا، فلربما لم يكن بالإمكان إلصاق التهمة به.
رأينا: نحن نظن أن هذا كلام ربما يكون له بعض الوجاهة لو لم تتحقق الذرية لزكريا في ذلك السن، فنحن نعلم أن زكريا قد رزق بيحيى بعد ما رأى العجب من أمر مريم:
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (38)
وهذا بحد ذاته كفيل – برأينا- أن يزيد الطين بله (كما نقول في عاميتنا)، بأن تلصق التهمة بزكريا بدل أن يبرأ منها، فنحن نتخيل أن منطق القوم حينئذ كان يمكن أن يكون على النحو التالي: ما الذي يمنع أن يكون مولود مريم ناتج عن خلوة زكريا بمريم في المحراب مادام أن الرجل قد أصبح قادراً على الإنجاب في هذا السن من العمر؟ أليس يحيى ولد زكريا بعد أن بلغ من الكبر عتيا؟
منطقنا البديل المفترى: نحن نظن أنه لابد من وجود سبب كاف عند القوم قد منعهم حتى عن التفكير بأن يلصقوا تهمة بمريم و زكريا بسبب الخلوة المتكررة بينهما (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ)، فنحن نتخيل أن هذا السبب كفيل بأن يثبت براءة زكريا ومريم حتى لو ألصقوا التهمة لمريم بأي شخص آخر على وجه الأرض حينئذ كما فعلوا يوم أن ألصقوها بيوسف النجار مثلاً، فنحن نتخيل أن ضعاف النفوس من القوم يمكن أن يتهموا مريم بأي شخص ولكن يستحيل أن يتهموها بزكريا؟ فما هو – يا ترى- السبب الذي منع القوم أن يتهموا زكريا ومريم وهم اللذان كان يتواجدان معاً في خلوة؟
رأينا: نحن نظن أنه السبب نفسه الذي يعطي الحق لزكريا بأن يدخل على مريم المحراب وهي أصلاً من النساء الغريبات التي لا يحق لزكريا (من حيث المبدأ) أن يختلي بهن؟ فما هو ذلك السبب؟
افتراء من عند أنفسنا: إنها الكفالة:
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)
فالمتدبر للنص القرآني يجد بما لا يدع مجالاً للشك بأن دخول زكريا على مريم المحراب جاء مباشرة بعد أن كفلها الله إيّاها. انظر التتابع في السياق القرآني:
          وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ
وهذا يعني بمنطقنا المفترى هذا أن زكريا لم يكن يدخل على مريم قبل الكفالة ولكنه بدأ يدخل عليها بعد الكفالة، فلو لم يكفّل الله مريم لـ زكريا، لما كان لـ زكريا – برأينا- حق أن يدخل عليها المحراب، ولكن حصول الكفالة قد أعطت الحق (كل الحق) للكفيل بأن يدخل على من كفل من النساء بلا حرج. ولكن كيف يحصل ذلك؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن حتى الساعة بأن هذا ما كان ليحصل إلا بعد أن تنشأ علاقة تحريم بين الكفيل (كـ زكريا) والمكفولة (كـ مريم)، فكيف يمكن أن تحصل تلك العلاقة؟
الافتراء الخطير الذي لا شك هو من عند أنفسنا: نحن نظن أن هذا لا يمكن أن يحصل إلا حين أن ينكح زكريا (الرجل) والدة مريم (الأنثى)، فتصبح العلاقة بين زكريا ومريم علاقة تحريم لا يمكن أن يقع بسببها في خاطر أحد (مؤمنا كان أم مشككا) الطعن فيها. لذا نحن نظن أن أحدا من بني إسرائيل لم يتجرأ على وضع علاقة زكريا بمريم في مجال الاتهام مادام أن العلاقة بينهما قد نشب عنها علاقة تحريم بنص العقيدة التي يؤمنون بها. فزوج الأم لا يحق له أن يتزوج ببنات زوجته لأنهن قد أصبحن من محارمه، وهذا في ظننا هو جزء من القسط في اليتامى الذي يدعو إلى نكاح المثنى والثلاث والرباع المنصوص عليه في آية تعدد الأزواج:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
فعندما خاف القوم من القسط في اليتامى (مريم) نشأت الحاجة إلى كفالتها، وهنا لم يكن أحد منهم راغباً في ذلك لأن الأمر يتطلب نكاح والدة اليتامى. ولا ننسى أن امرأة عمران كان عندها من الأيتام غير مريم بدليل أن مريم كانت أخت هارون:
          يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
فاضطر القوم إلى إلقاء أقلامهم، فكانت الكفالة من نصيب زكريا (رغماً عنه)، وهو ما سبب زيادة الخلاف بينه وبين امرأته الأولى التي عقرت بسبب ذلك، فأصبح زكريا له الحق كل الحق بأن يدخل على امرأة عمران (وهي الآن امرأته) وعلى ذريتها (مريم) دون حرج لأن مريم أصبحت بسبب هذا النكاح الجديد من المحرمات على زكريا.
وهذا هو جزء من القسط في اليتامى الذي يدعو إلى تعدد الأزواج على نحو المثنى والثلاث والرباع. وإذا ما انتفى وجود هذه الحالة (أي القسط في اليتامى وهو السبب) ينتفي معها الحاجة إلى تعدد الأزواج (وهي النتيجة):
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
وعندها ينتقل المسلم إلى تطبيق الجزء الثاني من الآية الكريمة وهو نكاح الواحدة (أي البكر) المشروط بالعدل:
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
العدل واجب في نكاح الواحدة
حاولنا سابقاً في هذا الجزء من المقالة التفريق بين مفردتي العدل والقسط في النص القرآني، فزعمنا الفهم بأن العدل يتحقق بالقول بينما يتحقق القسط بالفعل. وقد حاولنا أن نبرز العلاقة المباشرة بين القسط والكيل والميزان كما في الآيات الكريمة الكثيرة:
وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ                                                                                                         هود (85)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً             الإسراء (35)
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ                                                                            الأنبياء (47)
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)                                الشعراء
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)            الرحمن
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ    الحديد (25)
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ                                                                                                الأنعام (152)
بينما افترينا القول بأن العدل يتحقق بالقول فقط، كما فهمنا ذلك من الآيات الكريمة التالية:
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ                                                                                       الأنعام (152)
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)
ولما كان العدل مطلوباً حتى بالقول، لا نجد بدأ من طرح التساؤل التالي: كيف يستطيع من يتزوج بأكثر من واحدة (بكرا) أن يعدل بينهن؟
رأينا: ذلك أمر مستحيل الحدوث مصداقاً لقوله تعالى:
وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)
وعندها يكون التساؤل المشروع الذي يجب طرحه هو: كيف نفهم أننا نستطيع أن نعدد النساء ويطلب منا العدل بينهن والله هو نفسه من أقر بالحقيقة الثابتة بأننا لا نستطيع أن نعدل بين النساء ولو حرصنا على ذلك؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن استحالة حصول العدل بين النساء يرجع إلى أن ذلك يتم بالقول، فقل لي – بالله عليك- كيف تستطيع أن تعدل بالقول (أي بالكلام) بين النساء؟ هل تستطيع أن تردد القول نفسه لكل واحدة منهن؟ هل هذا ممكن؟
رأينا: كلا وألف كلا.
سؤال: وماذا عن القسط؟
رأينا: نحن نستطيع أن نقسط (وإن كنا لا نستطيع أن نعدل) لأن القسط يكون بالفعل، وهذا ممكن. فتخيل أن راتبي ألف دينار أردني وعندي من النساء أربعة مثلاً، فأنا أستطيع أن أعطي كل واحدة منهن ربع هذا المبلغ، ولتفعل هي به ما تشاء، أليس هذا قسطا بينهن؟
رأينا: نعم هذا قسط ولكنه ليس عدلاً لأن العدل يتطلب المساواة في القول.
النتيجة الأهم: نحن نفتري الظن بأن المدقق في الآيات الكريمة يجد بما لا يدع مجالاً للشك بأن العدل يكون في النساء بينما يكون القسط في الأيتام، انظر تلازم المفردتين في السياقات القرآنية:
وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (129)
          فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
نتائج كبيرة جدا مفتراة من عند أنفسنا
1.     من أراد أن يتزوج بأكثر من واحدة (أي من بكر) في آن واحد يصبح لزاماً عليه أن يعدل بينهن (حتى بالقول) وهذا ما لا يستطيع أي رجل أن يحققه، ومادام أنه لا يستطيع أن يعدل، فعليه أن يكتفي بواحدة فقط:
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ (3)
2.     من أراد أن ينكح أكثر من واحدة (أي من الثيبات) في آن واحد، فالعدل بينهن بالقول ليس واجباً ويكتفي فقط بالقسط باليتامى:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ
وربما يفسر مثل هذا الظن بعض سلوكيات النبي محمد مع أزواجه نذكر منها على سبيل المثال:
1.     نكاحه الثيبات من النساء
2.     زواجه من بكر واحدة وهي عائشة
3.     حبه لبعض نسائه أكثر من بعضهن الآخر
4.     نكاحه لبعض أزواجه وعدم دخوله بهن
5.     عدم انتظام الدور (الذي غالباً ما روج له بعض علماؤنا الأجلاء) لتنظيم تنقل الرجل بين نسائه.
6.     طلب النبي أن يمرض في بيت عائشة
7.     حث النبي لأصحابه على نكاح البكر
8.     منع النبي من الاستزادة من النساء ولو أعجبه حسنهن
9.     الخ.

عودة على بدء: لماذا مُنِع النبي عن الاستزادة من النساء؟ وما الذي أخفاه النبي في نفسه وأبداه الله؟
إن هذا الطرح يقودنا إلى الحالة التي توجب علينا فتح ملف زواج النبي بزينب من جديد لنطرحه من منظور جديد، ظانين أن في طرحنا هذا رد الشبهة عن النبي محمد وعلاقته بزينب و بزيد، ولكن كيف يكون ذلك؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا
1.     نحن نظن أن رغبة زينب بنكاح النبي كانت موجودة، فلا أظن أن أحداً من أهل العلم قد شكك في ذلك
2.     نحن نظن أن رغبة زينب في نكاح زيد لم تكن جارفة بدليل أن حياتهما معاً لم تستقم طويلاً
3.     اختلف أهل العلم في رغبة النبي في نكاح زينب، فغالبيتهم ظنوا أن النبي كان غير راغباً في ذلك، بينما القليل منهم من ظن أن العكس هو الصحيح
4.     نحن نظن أن لا شيء يمكن أن يجبر الرجل على نكاح امرأة ما لم يكن راغباً فيها، فالله هو نفسه من طلب من النبي أن ينكح المرأة التي وهبت نفسها للنبي ولكن ذلك مشروطاً بحصول الإرادة عند النبي في ذلك:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (50)
5.     نزل تشريع رباني يرخص للنبي نكاح زينب، فالله هو نفسه من زوج زينب للنبي بعد أن قضى منها زيد وطرا:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
6.     أخفى النبي شيئا في نفسه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ)
7.     أبدى الله ما أخفى النبي في نفسه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ)
8.     كان ذلك كله بسبب خشية محمد للناس (وَتَخْشَى النَّاسَ)
9.     لا شك أن خشية الله يجب أن تسبق خشية الناس (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)
السؤال: كيف يمكن تجميع هذه المتناقضات الظاهرية مع بعضها البعض؟
جواب مفترى: نحن نظن أن رغبة زينب في أن ينكحها النبي كانت جارفة[14]، كما نفتري الظن من عند أنفسنا أن النبي كان أيضاً راغباً في نكاحها ولكنه لم يبد ذلك، ونتجرأ على الافتراء بأن كل ذلك كان حاصلاً قبل زواج زينب بزيد، ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح الآن: هل كان يستطيع محمد الزواج بزينب قبل أن تنكح زوجاً غيره؟
رأينا المفترى: إن صح كلامنا السابق بأنه لا يجوز للرجل أن ينكح إلا امرأة واحدة بكرا في الوقت الواحد، ولا يجوز أن يجمع بين زوجتين كلاهما بكر، ولكنه يستطيع أن يجمع ما يشاء من النساء مثنى وثلاث ورباع مع الواحدة (أي البكر)، فإن رغبة النبي بنكاح زينب ورغبة زينب بنكاح النبي تصبح مستحيلة مادام أن النبي قد نكح عائشة (البكر). لذا سيثار السؤال على النحو التالي: كيف سيستطيع الرسول أن ينكح زينب إن كان راغباً فيها؟ أو بكلمات أكثر مرونة: كيف يمكن أن تتحقق رغبة زينب بنكاح النبي مادام أنها لازالت بكرا؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: كان لابد لزينب من أن تنكح زوجاً غير محمد لتصبح ثيبا وعندها يستطيع النبي أن ينكحها إذا ما طلقها زوجها، وهذا بالضبط ما نظن أنه قد حصل؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: كانت رغبة زينب في نكاح محمد متوافرة وبادية، ولكن رغبة محمد بزينب كانت متوافرة ولكنها غير بادية، وذلك لأن نكاح زينب محمد لم تكن لتتحقق مادامت أنها لازالت بكرا. فيخفي محمد رغبته تلك حتى حصل أن نكحت زينب من قبل زيد، ولكن الحياة بين زينب وزيد لم تستمر طويلاً، وهنا تقع الخشية الأكبر في قلب محمد وهو علمه بأنه إن طلق زيد زينب يصبح نكاح زينب من محمد ممكنا مادام أنها قد أصبحت ثيبا، فيطلب محمد من زيد أن يمسك عليه زينب ولكنه وجهه على النحو التالي:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا    الأحزاب (37)   
وهنا أخفى النبي في نفسه تلك الكلمة وهي بالمعروف لأن النساء كما سبق وذكرنا إما أن تمسك بالمعروف أو أن تسرح بالمعروف:
الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2)
ولكن لا يجب أن تمسك النساء ضرارا لأن في ذلك اعتداء:
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
لأن الإمساك وحده (بدون المعروف) لا يكون إلا في حالة أن تأتي المرأة بفاحشة مبينة:
وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)
وقد كانت خشية محمد بأن يعلم القوم بالأمر غالبة في تلك الحالة على خشية الله:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
وهذا الذي بظننا نزل العقاب لمحمد بسببه، وكان العقاب من جنس الفعل ويتمثل بأن يحرم الله عليه النساء من بعد ذلك:
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا (52)
لذا ما كان يجب على النبي أن يحاول أن يخفي ما دار في نفسه، فلو تابعنا قراءة السياق القرآني بعد الآية التي تتحدث عن تزويج النبي لزينب وزيد:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
نجد أن الأمر برمته لم يكن يستدعي توخي كل تلك الحيطة خشية من الناس، فانظر عزيزي القاريء إلى الآية التي تلتها مباشرة:
مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38)
فذلك ما كان يجب أن يسبب للنبي من حرج ما دام أنها سنة الله في اللذين خلوا من قبله.  

الفرق بين الإخفاء في النفس والقول
لاحظ عزيزي القارئ أن ما فعله محمد كان عبارة عن إخفاءه شيئا في نفسه، فمحمد يحاول جهده أن لا يطلق يفارق زيدٌ زينب حتى ولو أمسكها إمساكا فقط (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)، لأن زواج النبي بزينب سيصبح حينئذ أمراً لا مفر منه (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا)، لأن في ذلك تحقيقاً لسنة الله في الذين خلوا من قبل (لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)، فتلك سنة من سنن الله في الذين خلوا من قبل (مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ)، وعندها سيبدأ الناس لا محالة بالحديث عن أن النبي ينكح أزواج أدعياءه، وهذا برأينا هو الواقع الذي كان محمد يحاول أن يتجنبه بكل الطرق خشية من الناس، فكانت حالة محمد تتراوح بين أمرين:
1.     أن يسكت على ذلك حتى ينفذ الله فيه أمره
2.     أن يتقول محمد بكلام ليسكت الناس، كأن يخرج محمد إلى الناس ويعلن أنه لن يتزوج بزينب لينفي حقه في أزواج أدعياءه
وكان الذي حصل على أرض الواقع أن محمدا سكت عن الأمر حتى ينفذ الله فيه أمره، ولم يخرج إلى الناس ليسكتهم بنفي حقه في نكاح أزواج أدعياءه، وينفي بذلك سنة من سنن الله في الذين خلوا إن هو فعل ذلك، ولكنه اختار السيناريو الأول وهو أن يسكت حتى ينفذ الله فيه أمره، فأنفذ الله أمره بتحقيق سنته في الذين خلوا من قبل وزوجه بزينب (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)
ولكن ما الذي كان يمكن أن يحصل لو أن النبي حاول أن يسكت الناس عن طريق أن ينفي حقه في أزواج أدعياءه وينفي بذلك سنة من سنن الله التي قد خلت من قبل؟
رأينا: لو فعلاً حصل ذلك لكانت النتيجة الحتمية في رأينا على النحو التالي:
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)
نعم، نحن نظن أن النتائج ستكون عندها كارثية، لأن النبي سيكون عندها يتقول على ربه من عنده، ولا يستن بسنن الله التي قد خلت من قبل، وعندها ما كان شيء على وجه الأرض سيمنع من وقوع العقاب الإلهي على محمد نفسه، لأنه ما كان لنبي مرسل إلاّ أن يستن بسنن الله حتى لو كلفه ذلك إغضاب أهل الأرض جميعاً.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: لذا نحن نظن أنه عندما أخفى النبي الأمر في نفسه (أي سكت عنه) جاء العقاب الإلهي له على نحو:
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا (52)
ولكن لو تقول محمد على الله ببعض الأقاويل لكانت النتيجة كارثية على نحو:
لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)

الدرس المستفاد
نحن نظن أن الدرس المستفاد من هذه الحادثة هو درس عظيم يتمثل في أن النبي بشر يحب النساء ويعجب بهن كما كل الرجال لأن النساء أصلاً جزء من متاع الحياة الدين:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
وأن النبي محمد بشر يحسب لكلام الناس حساب، ولكنه في الوقت ذاته لا يستطيع أن يتقول على الله بعض الأقاويل، فجل ما فعل محمد هو أن يسكت عن الأمر حتى يقضي الله فيه أمره.
ولما أحب النبي بعض النساء (زينب) لم يكن يستطيع أن ينكحها مادامت بكرا، كما أنها لا تستطيع أن تتزوجه وهي كذلك. ولما حصل أن نكح زيد زينب لم تغب تلك الرغبة من عند زينب فما قبلت بذلك، وآثرت الطلاق على البقاء مع زيد، ولكن محمد حاول أن يكبت رغبته تلك ويدعو زيد أن يمسك عليه زوجه خشية من كلام الناس، لأنه يعلم أن زواجه من زينب سيصبح أمرا لا مفر له لإثبات سنة الله في الذين خلوا من قبل، فتحامل على نفسه لكي لا يضع الأمر على لسان الناس.ولكن كل ذلك بقي طي الكتمان في نفس محمد ولم يبده للناس.
ولكن لمّا كان ذلك من سنن الله التي خلت في الذين خلوا من قبل، ما كان ذلك يجب أن يشكل للنبي من حرج، وكان على النبي أن يظهر رغبته ولا يكتم منها شيئا لأن الله لا محالة مبديه. ولما قام النبي بفعل الإخفاء في النفس حتى حصل التزويج الإلهي له بزينب جاءه العقاب الرباني على الفور على نحو الكف عن نكاح النساء من بعد هذه الحادثة. ولو نطق محمد بشيء من القول ليرفض الزواج بزينب لكي يسكت ألسنة الناس لجاء العقاب الإلهي كارثياً على محمد نفسه:
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)

والله أعلم

دعاء: أللهم هذا ما فهمته من آياتك، فأعوذ بك رب أن أكون قد افتريتُ عليك الكذب أو أني قد قلت عليك ما ليس لي بحق، وأسألك وحدك يا من أرسلت رسولك بالهدى ودين الحق لتظهره على الدين كله ولو كره المشركون أن تظهر الحق حيثما كان، فأنت من ألزمت نفسك بأن تتم نورك ولو كره الكافرون:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)                             الصف

المدّكرون:        رشيد سليم الجراح          &        علي محمود سالم الشرمان

بقلم:     د. رشيد الجراح
         
وللحديث بقية























الاستبانة
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزي القارئ،
أرجو تعبة الاستبانة التالية مباشرة بعد قراءة المقالة (تعدد الزوجات 2)، والباحث يتعهد بأن المعلومات الواردة في هذه الاستبانة لن تستخدم إلا لأغراض البحث العلمي فقط.
الجنس:        ذكر                    أنثى
الفئة العمرية:  أقل من 20     20-30                30-40                40-50                        أكثر 50
المؤهل الأكاديمي:      مدرسي     كلية مجتمع متوسط     بكالوريوس     ماجستير     دكتوراه
التخصص: ..............................................................................
البلد: .....................................................................................


أوافق بشدة
أوافق
لا أوافق
لا أوافق بشدة
لا أعرف
1
أعتقد أني استفدت من قراءة هذه المقالة





2
أعتقد أن الأفكار المطروحة في هذه المقالة قيّمة





3
أعتقد أن الأفكار المطروحة في هذه المقالة تقليدية ومسبوقة





4
أعتقد أن الأفكار المطروحة في هذه المقالة أصيلة وجديرة بالبحث





5
أعتقد أن الأفكار تضيف إلى المعرفة الدينية





6
أعتقد أن الأدلة المسوغة للأفكار مقنعة





7
أعتقد أن الأدلة المسوغة للأفكار قد استخدمت في غير محلها





8
أعتقد أن الأفكار المطروحة يمكن أن تشكل ثورة على الفكر القديم





9
أعتقد أن الأفكار المطروحة لا تستحق متابعة البحث فيها





10
أعتقد أن الأفكار معروضة بطريقة مترابطة





11
أعتقد أن الأفكار معروضة بطريقة مشوّقة





12
أعتقد أن الأفكار المطروحة ستسبب جدلاً فكريا إذا ما انتشرت





13
أعتقد أن الأفكار المطروحة يجب أن يقتصر تداولها على قاعة الدرس وبين طلاب العلم





14
أعتقد أن الأفكار المطروحة في هذه المقالة يجب أن تثار بين العامة





15
أعتقد بأن الناس العاديين يمكن أن يتقبلوا الأفكار المطروحة بسهولة





16
أعتقد أن المثقفين يمكن أن يتقبلوا الأفكار بسهولة





17
أعتقد أن رجال الدين يمكن أن يتقبلوا الأفكار بسهولة





18
أعتقد أن الأفكار المطروحة يمكن أن تلاقي مقاومة شديدة من قبل رجال الدين





19
أعتقد أني على استعداد لتقبل الأفكار المطروحة





20
أعتقد أني مهتم بمتابعة القراءة حول هذا الموضوع






آراء إضافية: إذا كان لديك – عزيزي القارئ- شيئا آخر تريد أن تقوله فأرجو أن تكتبه بكل صراحة وأمانة علمية:    ....................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................وشكراً لتعاونكم






[1] نحن من أشد المعارضين للفتاوى بمفهومها الدارج بين العلماء والعامة، فنحن نفتري الظن بأن ليس لأحد الحق في إصدار فتوى مثل هذه إلا الله وحده، فحتى محمد نفسه لم يقدّم فتاوى للناس، وليس أدل على ذلك من الآية الكريمة التي تصور مجيء بعض الناس للنبي ليستفتونه، فينزل قرآن يتلى يبين بأن الله هو من يفتي:
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا                                       النساء  (127)
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ               النساء (176)
ونحن نتجرأ على أن نفتري الظن بأن الفتاوى التي تصدر من أهل العلم في صورتها الحالية لا تختلف – برأينا- قيد أنملة عن صكوك الغفران التي انتشرت عند أهل الشرائع الأخرى. وسنحاول أن نتعرض بالتفصيل لهذه الجزئية في مقالة مستقلة بحول الله وتوفيقه، فالله وحده أسأل أن يهدينا سواء السبيل وأن يعلمنا الحق الذي نقوله فلا نفتري عليه الكذب إنه هو السميع المجيب.
[2] سنحاول في مقالة قادمة بحول الله وتوفيقه التفريق بين أن يقول الإنسان شيئاً وأن يخفي ذلك الشيء وتبعات كل من هذين الموقفين على العقيدة.
[3] وهنا لابد من التفريق بين النكاح من جهة والزواج من جهة أخرى، لأن النكاح – في ظننا- هو عمل ينفذه البشر، بينما الزواج فهو فعل يحدثه الله نفسه، فالرجال هم من يقومون بفعل نكاح النساء:
وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ  البقرة 221
فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ                                                                                                       البقرة 230
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ                                                           البقرة  232
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا                                                                                                       النساء 3
وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا                               النساء  22
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  النساء 25
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا                 النساء  127
الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ                            النور 3
وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ                  النور 32
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ                                                                                                القصص 27
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                                                                                                                       الأحزاب 49
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا                            الأحزاب 50
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا        الأحزاب 53
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ                                             الممتحنة 10
ولكن لو نظرنا في آيات الزواج لوجدنا أنها تشير في مجملها إلى أن ذلك ليس من صنيع البشر بل هو فعل رباني:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ                                                        الزمر 6
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ                                                    الشورى 50
كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ                                                                                            الدخان 54
وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ                                                                             الذاريات 49
مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ۖ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ                                                                   الطور 20
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ                                                                                      النجم 45
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ                                                                                      القيامة 39
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ                                                                                                    التكوير 7
للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان ثلاثية المرأة
[4] لمقارنة ذلك بما بدر من سليمان حيث جاء الرد الإلهي له على نحو:
            هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
نطلب من القارئ الكريم مراجعة ما جاء في مقالتنا تحت عنوان: ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته 5: باب الإنابة)
[5] وقد جاء عند بعض أهل الدراية كما نقله عنهم بعض أهل الرواية أن النبي قد خطب 15 امرأة، وعقد على 13، ودخل بـ 11 امرأة، ومات عن 9 نساء.
[6] وانظر عزيزي القارئ إلى الفروق المترتبة على المسلم بين من نكحها فقط ومن مسها فيما فُرِض لها (من المهر):
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ                                                           البقرة (237)
وكذلك في العدة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                                                                                                               الأحزاب (49)
[7] ومادام أن النكاح يعني إبرام العقد دون الدخول، فقد تجرأنا على تقديم الافتراء الأكثر خطورة التالي: المس (أي الدخول والمعاشرة الجنسية ) ليس شرطاً حتى تعود المرأة إلى زوجها الأول بعد أن تنكح زوجاً غيره:
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ                               البقرة (230)
فالمعروف بالضرورة لدينا هو أن المرأة لابد أن تنكح زوجاً غير زوجها حتى تستطيع أن تعود إلى زوجها الأول إن طلقها زوجها الثاني. فبعد الطلاق البائن بينونة كبرى يصبح لزاماً أن تنكح المرأة رجلاً أخر حتى تعود لزوجها الأول الذي طلقها، وقد ظن الكثيرون أنّ ذلك يتطلب الدخول والمعاشرة الفعلية مع الزوج الجديد، ولا أرغب هنا الدخول في الجدل الذي دار حول المحلل والمحلل له، ولكني أقول: كلا وألف كلا، فالآية الكريمة واضحة في أن الشرط المترتب على ذلك الطلاق هو حصول النكاح (اي إبرام عقد النكاح) وليس المعاشرة والمباشرة مصداقاً لقوله تعالى "فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ"، وهذا الظن مترتب على فهمنا المفترى بأن النكاح يعني فقط وقوع عقد الزواج ولا يتطلب وقوع المعاشرة الفعلية بالمس.
  1. ونحن نظن أن الحكمة من ذلك هي على النحو التالي: ما أن تنكح المرأة زوجاً غير زوجها، حتى يصبح قرار تطليقها بيد زوجها الجديد وليس زوجها الأول
  2. نحن نفهم أن عودة المرأة إلى عصمة زوجها الأول (إن طلقها زوجها الثاني) يتطلب إبرام عقد النكاح من جديد، لذا ستكون هناك شروط جديدة تكلف الرجل الذي قام بفعل الطلاق أن يلتزم بها من جديد (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وإذا ما حصل هذا مرة واحدة، فيمكن أن تعود المرأة إلى زوجها، وتتحامل على نفسها بشروط مخفضة، ولكن إن حصل بعد ذلك أكثر من مرة فلا شك ستكون الشروط أصعب وأصعب، عندها ستكون تلك الشروط الجديدة في العقد الجديد كفيلة بأن تردع كل من تسول له نفسه من الرجال أن يتلاعب بلفظة الطلاق، لأن العواقب (خاصة الاقتصادية منها) ستكون وخيمة عليه.
  3. نحن نفهم أن في هذا عزة للمرأة التي ترغب أن تعود إلى زوجها، فكما أخذ الرجل حقه في لفظة الطلاق، ستتمتع المرأة بحقها بالعودة (أو عدم العودة) إلى عصمته متى نكحت غيره، فكما كان الرجل صاحب القرار قبل الطلاق، تصبح المرأة هي صاحبة القرار بعد الطلاق، وبشروطها وليس بشروطه. خاصة إذا ما أصبح متاحاً لها أن تختار بين زوجها القديم وزوجها الجديد.
  4. وعلى عكس ما ظن علماؤنا الأجلاء، فنحن أيضاً نفهم أن في شرط النكاح فقط (وليس المس) حفظ لكرامة المرأة فلا تتنقل على فرش الرجال، كما في ذلك حفظ لكرامة الرجال، فمن من الرجال سيقبل أن يرد زوجته إلى عصمته إن هو علم أن ناكحها الجديد قد وطء فراشها ربما مرات ومرات؟ ثم هل يمكن أن تدلونا – يا  علماؤنا الأجلاء- كم مرة يجب أن يطأ الزوج الجديد فراش تلك المرأة حتى تصبح مؤهلة لتعود لزوجها الأول؟ (مرة، مرتان، ثلاثة، ...) من يدري!!!
  5. نحن نظن كذلك أن في هذا حفظ للمجتمع، فقد جرت العادة (في مخيلتنا فقط) أن من أراد أن يعيد زوجته التي طلقها إلى عصمته فعليه أن يختار (ربما بالتنسيق معها ومع أهلها) من يكون مستعداً أن يطلق تلك المرأة إن هو عقد عليها، ونحن نتخيل أن الاختيار سيقع في العادة على أصحاب ... الطويلة، ... القصيرة. من يدري!!!
  6. وحتى لو حصل ذلك بالترتيب المسبق، هل تظن يا سادة أن سيقبل أن ينكح امرأة ليطلقها في اليوم التالي سيكون من سوية الرجال "المحترمين"، كلا وألف كلا، فأنا أظن أن الرجل السوي العاقل لا يقبل أن يضع نفسه في مثل هذا الموقف، عندها سيجد الرجل نفسه يتعامل مع "" من الخلق، وسيضع نفسه عندها تحت رحمة هؤلاء الذي قد لا يكونون من أصحاب المروة، وعندها سيكون درساً قاسياً للرجل الذي تلفظ بالطلاق وسيكون رادعاً له أن يفعل ذلك مرة أخرى.
  7. الخ.
وهناك دليل آخر نظن أنه يثبت صحة زعمنا هذا وهو صيغة الفعل في الآية الكريمة التي تشير إلى إلزامية حصول نكاح زوج آخر حتى تعود المرأة إلى زوجها الأول، والدليل هو من يقوم بفعل النكاح في الآية الكريمة نفسها، فانظر عزيزي القارئ إلى الفعل في الآية:
فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
فالمتدبر للنص القرآني يجد (على غير العادة) أن المرأة هي من تقوم بفعل النكاح هنا وليس الرجل بدليل الفعل (تَنكِحَ) فالمرأة هي الفاعل (كما يقول أهل اللغة) لفعل النكاح، وبدليل أن الرجل الذي تنكحه المرأة جاء منصوباً (زَوْجًا)، أي مفعولاً به لفعل النكاح، وهذا يعني بمنظورنا أن من طلقها زوجها وتريد أن تعود إلى عصمته لا تنتظر حتى يتقدم رجل لنكاحها، بل هي من تبادر إلى نكاح رجل آخر تختاره بنفسها. فلو كانت المرأة هنا تنتظر حتى يتقدم رجل لينكحها، لجاء النص القرآني - في ظننا- على نحو:
            فإن طلقها فلا تحل له حتى ينكحها زوج غيره
وهذا يثبت بمنظورنا نظرية أن المرأة الثيّب يمكن أن تزوّج نفسها وقد لا تحتاج أن تستأذن أهلها، على غير حالة البكر التي لابد أن يحصل ذلك بإذن أهلها:
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)
[8] نقل لنا أهل الرواية أن النبي كان يغير أسماء بعض نساءه بعد الزواج، لذا نحن نتجرأ على طرح التساؤل التالي: لم لم يغير النبي اسم ماريا القبطية (الذي لا يخلو من الصبغة المسيحية) إلى اسم يحمل الهوية الإسلامية؟
[9] انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان "والعلماء هم الظالمون"
[10] وقد جاء عند بعض أهل الدراية كما نقله عنهم بعض أهل الرواية أن النبي قد خطب 15 امرأة، وعقد على 13، ودخل بـ 11 امرأة، ومات عن 9 نساء، وهذا أكثر أجماع علماء من يسمون أنفسهم بعلماء أهل البيت.
[11] بالإضافة إلي مارية القبطية التي أهداها له ملك مصر وهي أم ولده إبراهيم
[12] وهم هند وزينب وعبدالله وجارية
[13] ولكنه يكره القاسطون الذين هم بلا شك حطب جهنم:
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)
فنحن نظن أن القاسطون هم الذين لا يتّبعون الإسلام ولا يأتمرون بأمره ولا ينفذون تعاليمه بدليل التقابل الذي تفرضه الآية الكريمة بين المسلمين من جهة والقاسطون من الجهة المقابلة (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ)، لذا فإننا نفتري القول بأن الذين لا يحكمون بين الناس بالقسط هم قاسطون وليس مقسطون، وذلك لأن  فعلهم يكون بقصد مخالفة التعاليم الربانية (الْقَاسِطُونَ)، أما المقسط فهو المتبع للتعاليم الربانية (الْمُقْسِطِينَ).
[14] اختلف الناس في المرأة التي وهبت نفسها للنبي، فنحن نظن أنها هي زينب نفسها