النظرية العالمية الإسلامية لكشف أسرار الكون (4) - أين حصلت مناداة الله نبيه موسى؟


الفصل الرابع :

أين حصلت مناداة الله نبيه موسى؟

نتعرض في هذه المقالة إلى سؤال واحد وهو: أين حصلت المناداة الربانية لموسى؟
 أي أين هو ذلك الواد المقدس الذي حصل به اللقاء الأول بين موسى وربه؟


جواب: نحن نزعم أن المتتبع للسياقات القرآنية التي تتحدث عن قصة اللقاء الشهير لموسى مع ربه ربما يستطيع أن يحدد بالدقة المنشودة المكان الذي تم فيه اللقاء، فهو بلا شك المكان الذي تتوافر به العناصر الجغرافية التالية:

أ. الواد
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (9) إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) طه 9-12

ب. الطور
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ القصص (29)

ج. شاطئ الواد الأيمن
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ القصص (30)

د. البقعة المباركة
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ القصص (30)

ز. الشجرة
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ القصص (30)

وتوافرت عوامل لحظية كالنار:
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل 7-9
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) القصص 29-30

نستنتج إذاً أن المناداة كانت: 
في الواد المقدس عند الشجرة في البقعة المباركة من الشجرة، أليس كذلك؟ 
فأين ذلك المكان جغرافياً على سطح الكرة الأرضية؟

لقد تحدثنا في مقالة أخرى عن موضوع الشجرة، وقد بيّنّا أن الحوار الإلهي مع البشر لم يحدث إلا مرتين، مرة مع آدم والأخرى مع موسى, وقد حصل ذلك عند الشجرة، وبينّا كذلك أن جنة آدم لم تكن في السماء وإنما على سطح الكرة الأرضية.

(للمزيد عن هذا الموضوع بإمكانك عزيزي القارئ الرجوع إلى مقالتنا تحت عنوان: أين كانت جنة آدم؟)

افتراء من عند أنفسنا: 
نحن هنا نفتري الظن أن المكان الذي حصل فيه اللقاء الرباني مع موسى هو نفسه المكان الذي حصلت فيه فتنة الشيطان لآدم وزوجه، وهو نفسه الذي تمت فيه المخاطبة الربانية مع آدم.
 وسنحاول هنا تحديد المكان الذي تم فيه اللقاء (لقاء موسى مع ربه) بشيء من الدقة، فهناك إشارات قرآنية ربما نستطيع (على ركاكة منطقنا) من خلالها تحديد المكان الذي تم فيه اللقاء.

ولكننا قبل الولوج في هذا المبحث نجد لزاماً إعادة التأكيد على عقيدتنا الخاصة بالتواجد الإلهي الفيزيائي، فهناك من يسوغ المنطق الذي مفاده أن الله موجود في كل مكان، ولا يحاولون إقحام أنفسهم في الكيفية، لأن ذلك من باب العلم الغيبي الذي لا يجوز الخوض فيه.

 أما نحن فإن عقيدتنا تقضي بضرورة التمييز (كما فعلنا في مقالة سابقة لنا) بين وجود الله في كل مكان بعلمه ووجود الله فيزيائياً في مكان معين، فللذين يظنون أن الله موجود فيزيائياً في كل مكان نسرد لهم المنطق التالي الذي نظن أنه ربما ينقض افتراضهم بالكلية، ألا وهو: لعلنا نعلم جميعاً أن الله قد واعد موسى أربعين ليلة، أليس كذلك؟
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ البقرة (51)

فتعجل موسى للقاء ربه، فذهب موسى إلى مكان معين للقاء ربه، بعد أن ترك قومه وراءه، بينما تعجل هو فوصل إلى ذلك المكان في الليلة الثلاثين، ولكن الله لم يلاقي موسى في تلك الليلة، فأتمها بعشر، فتم ميقات ربه أربعين ليلة؟
وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ الأعراف (142)

فسؤالنا الذي نطرحه على كل من ظن أن الله موجود في كل مكان بالمعنى الفيزيائي لكلمة الوجود هو: 
أليس الله موجود في كل مكان؟
 فلم إذاً يضطر موسى للذهاب إلى مكان ما للقاء الله؟
 ألا يمكن أن تتم الملاقاة في أي مكان؟
رأينا: كلا وألف كلا، إنّنا نظن أن في مجيء موسى إلى ربه (وليس العكس) ما يثبت صحة ما نقول ونزعم هنا، لقد تمت الملاقاة في مكان معين، فأين هو ذلك المكان؟
لاحظ - عزيزي القارئ- أن اللقاء الثاني لموسى مع ربه قد تم بعد خروج موسى مع قومه من أرض مصر، أليس كذلك؟ 
بينما تم اللقاء الأول عندما كان موسى عائداً إلى أرض مصر مع أهله من أرض مدين؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نعتقد أن لقاء موسى الأول مع ربه ولقاءه الثاني مع ربه حصلا في المكان نفسه.
الدليل
لو تأملنا النص القرآني الذي يتحدث عن لقاء موسى الثاني مع ربه لوجدنا أن موسى قد ذهب مسرعاً إلى ذلك المكان، في الوقت الذي لا نجد أن موسى قد أعطي معلومات حول المكان الذي سيجد عنده ربه، لنستنتج القول بأن موسى إذاً يعلم المكان الذي سيجد به ربه فذهب مسرعاً إلى ذلك المكان، وذلك لأنه المكان الذي وجد عنده ربه في لقاءه الأول وهو قافل العودة من مدين إلى أرض مصر بصحبة أهله: فالمكان إذاً يقع على الطريق بين مدين ومصر، 
ولكن أين هو ذلك المكان؟


خروج عن النص:

 قصة الإسراء وما يسمى بـ "المعراج"

سيبادرنا صديقنا المعهود بالسؤال عن هذا الانتقال العجيب قائلاً: 
وما دخل قصة الإسراء بهذا الموضوع؟
 فنرد بالقول أننا أمام لفتة غريبة في قصة الإسراء نظن أن الفكر الإسلامي قد مر عليها مرور الكرام، ولم يعطيها حقها من البحث، ونحن نعتقد جازمين أن ربط تلك الحادثة مع قصة لقاء موسى مع ربه ربما يفتح آفاقاً جديدة في الفهم، ولكن كيف؟

ففي تلك القصة (وغيرها بالطبع) يسهب الفكر الإسلامي في الحديث عن موضوع معين ويتجاوز مسرعاً عن مواضيع عديدة، وخصوصاً تلك التي تحتاج إلى التفكير العميق، فلقد أسهب الفكر الإسلامي في الحديث عن مرحلة معينة في قصة الإسراء و"المعراج"، وقفز عن مرحلة معينة، وعاود الحديث عن مرحلة ثالثة بشيء من التفصيل، وأخشى ما أخشاه أن الفكر الإسلامي – في مثل هذه التصرفات- ربما يقع كما وقع الفكر اليهودي والمسيحي من قبل في محظور كبير حذّرنا الله منه في كتابه العزيز ألا وهو ما تتحدث عنه الآية الكريمة التالية، وهو أن نبدي ما نريد وأن نخفي ما نريد:

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ الأنعام (91)

موقفنا:
 إننا لا نضع أنفسنا في موقع الحامي لهذا الدين خوفاً من إثارة الشبهات حوله، فنطرح ما نريد ونتجاهل ما نظن أنه من الغيبيات التي لا يمكن للعامة الإطلاع عليه أو حتى إثارة النقاش حوله، بل على العكس تماما، إننا نؤمن أنّ هذا الدين (بكلياته وجزئياته) هو حق وملك للجميع، لذا فإننا نطرح على أنفسنا الأسئلة التي يمكن أن يطرحها أكثر الناس عداءً لهذا الدين، لأنّنا نومن إيماناً راسخاً بأنه ليس هناك في ديننا ما لا يجب أن يفتح ملفه، فجميع الملفات في ديننا مفتوحة للنقاش، لأننا نؤمن أنّ ما يصدر عن عزيز حكيم هو الحق بعينه، لذا يسهل تفسيره وإيصاله للناس شريطة أن يكون النقاش كله مبنيا على أساسيات العقيدة نفسها.

وهنا يعود صاحبنا بالقول أنك تتحدث عن ألغاز، الكلام غير مفهوم على الإطلاق، هذا هراء، نقول نعم هو كذلك، ولكن ألم يستوقفك - عزيزي القارئ- السؤال التالي في قصة الإسراء و"المعراج": 
أين الحديث عن المعراج في تلك القصة؟
 فإذا ما قرأنا سورة الإسراء (لاحظ الاسم عزيزي القارئ) لا نجد على الإطلاق ذكر لقصة المعراج، فالسورة الكريمة تقص الحدث على النحو التالي:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء 1-3

وتستمر السورة في قص حكاية بني إسرائيل، ولكنها لا تذكر على الإطلاق شيئاً عن المعراج، فهل قدّم الفكر الإسلامي جواباً شافياً على هذا التساؤل؟
 لِمَ تتحدث السورة بصريح اللفظ عن الرحلة من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى بصريح اللفظ بينما لا تذكر شيئاً عن المرحلة الثانية في الرحلة وهي التي رغبوا بتسميتها بـ "المعراج" إلى السموات العلى؟

لقد تحدث الفكر الإسلامي بإسهاب عن مرحلة الإسراء (المرحلة الأولى)، وأسهب عن الحديث فيما رأى النبي محمد علية الصلاة والسلام في معراجه (المرحلة الثالثة) ولكنه غفل (أو لربما تجنب) الحديث عن المرحلة الوسطى (وهي المعراج نفسه)، لا بل والغريب في الأمر أنهم يتناقلوا خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بجمع الأنبياء في المسجد الأقصى قبل معراجه، وهم أنفسهم لا يختلفوا أن الصلاة قد فرضت أصلاً بعد حادثة المعراج، فما نوع الصلاة التي صلاها النبي قبل معراجه؟

لندع هذا الحديث جانباً لأننا سنتعرض له بالتفصيل لاحقاً بحول الله وتوفيقه، ونعود إلى السؤال الرئيس: 
لم لا يذكر القرآن الكريم صراحة حدوث المعراج إلى السماء كما ذكر الانتقال من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؟

ثم لنطرح السؤال الأكبر الذي أظن أن الفكر الإسلامي السائد فشل في طرحه، وقدّم أجوبة هزيلة له يوم أن طرحه العامة من مثلي، والسؤال هو: 
لم يضطر النبي صلى الله عليه وسلم للذهاب إلى بيت المقدس ليعرج إلى السماء أصلاً؟
 لم لا تتم الرحلة (express) إلى السموات العلى من هناك؟ 
إن أحسن الأجوبة الهزيلة التي طرحت حتى الساعة هي – برأينا- ظنهم ليتم الربط بين المكانين، فتتعزز مكانة المسجد الأقصى في الفكر الإسلامي.

السؤال: هل يا ترى يرضي مثل هذا الجواب حتى صاحبه؟
 فهو على الأقل لا يرضيني بالرغم من سطحية تفكيري، فكيف به أن يرضى أصحاب تلك العقول العظيمة التي أقنعت العامة بمثل هذا الجواب على مدى قرون من الزمن؟! ووو...

كفاك فلسفة-  يرد صاحبنا- ما الذي تنوي أن تقدّمه؟
 ما علاقة هذا الأمر بموضوع المكان الذي حدث فيه اللقاء بين الإله وموسى؟

جواب: نحن نظن أننا نتحدث عن موضوع الانتقال في الحالتين:
 الانتقال من مكان إلى مكان لملاقاة رب السموات والأرض، فموسى يقفل عائداً إلى مصر من أرض مدين وفي الطريق يذهب إلى مكان جغرافي محدد فيجد الله عنده منادياً إياه في ذلك المكان:
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ القصص (30)

وتتكرر الحادثة فيتم الوعد الإلهي لموسى باللقاء بعد أربعين ليلة، فينتقل موسى من المكان الذي كان فيه مع بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر ليذهب إلى مكان ليلاقي ربه:

وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) الأعراف

هذا بالنسبة لانتقال موسى لملاقاة ربه، أما بالنسبة للرسالة الخاتمة تحدث القصة المشهورة وهي ما تسمى بحادثة الإسراء و"المعراج" (وأرغب أنا بتسميتها بحادثة الإسراء فقط لأسباب سنبينها تالياً) فينتقل محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من أرض البيت الحرام إلى بيت القدس (كما أظن) قبل عروجه إلى السماء (كما ظن كثير من أهل الدراية والرواية)، وهنا نعود لنطرح السؤال السابق نفسه: 
لم هذا الانتقال؟
 فإذا كان الله موجوداً في كل مكان - كما يظن الكثيرون - (بمعنى الوجود الفيزيائي) فما هي مسوغات هذا الانتقال؟
إن الجواب الذي نقدمه لهذا التساؤل يتمثل بالفهم البسيط التالي:
قال تعالى عند الحديث عن حادثة المعراج:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 
الإسراء (1)
وقال تعالى عند الحديث عن اللقاء الإلهي لموسى:

وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (9) إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) طه 9-12

إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل 7-9

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) القصص 29-30

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16) النازعات 15-16

دقق النظر -عزيزي القارئ- بمفردات هذه الآيات متسلحاً بالإيمان والاعتقاد الجازم أن كلام الله يجب أن يؤخذ على محمل الجد، فهو دقيق مقصود بلفظه، فالإله يعي ما يقول، فلقد انتقل محمد في حادثة الإسراء إلى المسجد الأقصى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ، ونادى الله موسى قائلاً أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا،  وتأكدت المباركة حين قال له إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وتحدد المكان في قوله نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ، وتحدثنا (في سياق الحديث عن جنة آدم) عن الشجرة، فظننا أن التواصل الإلهي المباشر مع البشر حدث في المكان الذي توافرت فيه عناصر الجغرافيا نفسها.

الدليل
لو حاولنا البحث عن المكان الذي بارك الله حوله لوجدناه في موقعين اثنين، أولهما المكان الذي انتقل إليه نبينا محمد في حادثة الإسراء:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الإسراء (1)
وثانيهما، المكان الذي تم فيه لقاء موسى ربه:

فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) النمل 7-9

فالله سبحانه قد بارك المكان الذي حول المسجد الأقصى وبارك كذلك المكان الذي حول النار، وهو كذلك قد بارك المكان الأوسع:

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)

وكانت هي الأرض التي ورثها القوم الذين استضعفوا:

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ الأعراف (137)

وهي نفسها التي توجه إليها إبراهيم ولوط بعد ما لقوا من قومهم أصناف العذاب:

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ الأنبياء (71)

وهي نفسها التي كانت تجري فيها الرياح مسخرة لسليمان:

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ الأنبياء (81)

ولو دققنا عزيزي القارئ في مفردات هذه الآيات لوجدنا التحديد الجغرافي للمكان، فعندما يذكر الله سبحانه لفظة تلك الأرض تكون المباركة فيها:

مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا
إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا

ولعلنا نعلم جميعاً أن واحدة من معاني حرف الجر "في" هو داخل الشيء، فليست البركة للأرض كلها وإنما لجزء منها داخل تلك الأرض، ولا أظن أن الناس يختلفون في تحديد تلك الأرض التي يتحدث عنها النص القرآني، فهي الأرض التي تواجد فيها إبراهيم ولوط وسليمان وموسى، أليست هي إذاً أرض فلسطين؟ 
وإذا كنا قد علمنا تلك الأرض بشكل عام، فكيف نحدد المكان المبارك بشكل خاص؟
إننا نعتقد أن المكان الذي تمت المباركة حوله هو بالضبط ما ورد في معرض الحديث عن اللقاءات الشهيرة التي حصلت لموسى مع ربه، وهي مكان النار:

فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

وهو المكان نفسه الذي بارك الله حوله في سياق الحديث عن حادثة الإسراء:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الإسراء (1)

نعم إنه مكان المسجد الأقصى الموجود حالياً في أرض القدس، فنحن نفتري الظن أنه هناك حدث لقاء موسى الأول بربه، وإلى هناك أسرع موسى وترك قومه خلفه ليلاقي ربه مرة أخرى، وإلى هناك أنتقل محمد في حادثة الإسراء ليعرج منها إلى السماء لملاقاة ربه، وهناك كان أصلاً وجود آدم الأول في الجنة، فتلك هي جنة آدم الأولى، ومن هناك هبط آدم وزوجه بعد المعصية، وهناك أنزل الله المن والسلوى على بني إسرائيل، ومن هناك طلب الله منهم الهبوط إلى أرض مصر يوم أن طلبوا الثوم والبصل والعدس وغيرها، وتلك هي القرية نفسها التي طلب الله من بني إسرائيل أن يدخلوها ويقولوا حطة فتغفر لهم خطاياهم، وهناك حدث ميقات موسى مع سبعين من قومه لربه:

وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ۖ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ ۖ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ الأعراف (155)

فأصبحت تلك هي الأرض المقدسة، ومن هنا أشتق أسمها "القدس". وسنرى لاحقاً أنه هناك حصلت ولادة المسيح عيسى بن مريم يوم أن انتبذت به (من دون قومهم) مكاناً قصيا:

فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) مريم

إننا نود القول أن خط الاتصال المباشر من الأرض إلى السماء يجب أن يمر في تلك المحطة، فهي بلا شك محطة العبور الأرضية إلى السماء، لذا جاء في الفكر الإسلامي (وغيره) أنها أرض المحشر يوم القيامة، وطرحنا هذا ربما يفسر سبب أن تكون هذه الأرض هي أرض المحشر، فهي بوابة العبور إلى السماء.

ولا شك أن جميع شرائع الأرض تقدس تلك البقعة الجغرافية من الأرض في حين أن تلك الشرائع لم تتولد فيها، فهي ليست أرض مولد وشريعة موسى، وهي ليست أرض رسالة ابن مريم وهي ليست موطن رسالة محمد، ولكن جميع تلك الشرائع تقر بقدسية تلك البقعة من الأرض وتعتبرها أرضاً مباركة، ويأتي سؤالنا عن سر هذا التقديس وهذه العلاقة مع تلك البقعة من الأرض على وجه التحديد، فلِمَ يتقاتل عليها أتباع هذه الشرائع وهي ليست الموطن الأصلي لرسل تلك الشرائع؟

افتراء من عند أنفسنا: 
إننا نعتقد أن السبب هو ما قدمناه سابقاً في أن موضع المسجد الأقصى الحالي هو نقطة الانطلاق إلى السماء، فهي محطة الحوار مع السماء، وهي محطة العبور إلى السماء، فهي المحطة الأولى التي انتقل إليها آدم وزوجه للعيش في الجنة (فكانت هي جنة آدم)، وهي المحطة التي تحدث فيها موسى مباشرة مع ربه (فكانت هي ميعاد موسى مع ربه)، وهي المحطة التي انتقل إليها محمد في حادثة الإسراء للعبور إلى السماء (فكانت هي مكان ميعاده مع ربه في تلك الرحلة).

ولقد درج الفكر الإسلامي إلى القول أن تلك الرحلة من البيت الحرام (مكة) إلى المسجد الأقصى (القدس) حدثت على ظهر وسيلة التنقل وهي البراق (وهي وسيلة تنقل فائقة السرعة)، فإن صح ما يقولون، فما الداعي أن تتجه أولاً إلى بيت المقدس لتنتقل بعدها إلى السماء إذا كانت بتلك السرعة الهائلة؟
 إن جوابنا هو أن وسيلة التنقل تلك (وغيرها) لا بد أن تمر في طريق مرسوم محدد تكون محطته الأرضية الأولى بيت المقدس، ولا ننسى كذلك أنّ جبريل كان مصاحباً للنبي محمد في تلك الرحلة، أليس كذلك؟ 
فما الداعي أن ينتقل جبريل هو أيضاً إلى تلك المحطة الأرضية؟
 إننا نزعم أن جميع رحلات جبريل إلى الأرض تمت بتلك الطريقة: 
النزول إلى المحطة الأرضية الأولى (بيت المقدس) ثم الانتقال بعدها إلى أي مكان على سطح الأرض.
 إن بيت المقدس هو محطة السيطرة الأولى على هذه الأرض، فما ينزل من السماء وما يعرج فيها لا بد له من المرور بتلك المحطة، فهي محطة السيطرة الأولى على الأرض (وسنتعرض لهه الجزئية بالتفصيل لاحقاً بحول الله وتوفيقه).
ونعود لقصة موسى لنطرح سؤالاً آخر غريباً لكنه يلفت الانتباه، ألا وهو: 
عندما ذهب موسى ليستطلع خبر النار، ناداه ربه على النحو التالي:
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى

ويأتي سؤالنا على الفور على النحو التالي:
 لماذا طلب الله من موسى أن يخلع نعليه؟ 
ويأتي الجواب معللاً في الآية نفسها على نحو " إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى" ، فهل يا ترى من كان في ذلك الواد عليه خلع نعليه؟ 
ولماذا؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد من الاستدراك التالي: 
لقد حدث هذا في اللقاء الأول في طريق عودة موسى إلى أرض مصر، أليس كذلك؟ 
ونحن نريد أن نجلب انتباه القارئ إلى جزئية في هذا اللقاء وهو أن موسى كان حينئذ في "واد"، وعندما عاد موسى للقاء ربه في المرة الثانية كان موسى أيضاً في نفس الواد، والدليل على ذلك هو أنه عندما طلب موسى رؤية الذات الإلهية مباشرة، كان رد ربه أن ينظر إلى الجبل، فالمنطقة بجغرافيتها تتضح في اللقاءين، وعندما منّ الله على بعض بني إسرائيل نتق فوقهم الجبل:

وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأعراف (171)

ورفع فوقهم الطور، والمتتبع لقصة الطور يستطيع أن يلمح على الفور توافر عناصر الجغرافيا في المكان الذي نتحدث عنه:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة (63)
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ       البقرة (93)
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا النساء (154)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ ۚ إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) مريم
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ
طه (80)
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) القصص
وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَٰكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ القصص (46)
وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
الطور 1-5

(وسنتطرق لهذا الموضوع لاحقاً بحول الله وتوفيقه)
ونعود لقصة النعلين طارحين السؤال السابق نفسه: 
لماذا طلب الله من موسى أن يخلع نعليه في اللقاء الأول؟ 
افتراء من عند أنفسنا: إنها – برأينا- قدسية المكان، فلقد كان موسى في مكان لا يدخله الناس بنعالهم، فهو المكان الذي منه تبدأ الرحلة إلى السماء، وهو المكان الذي يشكل المحطة الأرضية الأولى لمن ينزل من السماء إلى الأرض، ولا ننسى أن محمداً عليه أفضل الصلاة وأتم السلام قد قام من فراشه ليركب البراق في رحلته إلى المسجد الأقصى، فلا أظن أنه قد كان لابساً نعليه في تلك الرحلة.


تموز 2007
وللكلام بقية.............................................................................................


بقلم: د. رشيد الجراح
مركز اللغات

جامعة اليرموك