ثلاثية المرأة


جدلية الذكر والأنثى

تعدد الزوجات
زواج المتعة

نحاول في هذا الكتاب طرح قضية المرأة لنتعرض لها في ثلاثة محاور أساسية شكلت في مجملها جوهر الجدل الدائر حول الموضوع لقرون طويلة، وقد كان الجدل المدفوع بالوازع الديني هو أخطرها –في رأينا – لسببين اثنين وهما:
1.     انتشار هذا الفكر في جميع الأوساط، حيث لم يعد هذا الجدل حكراً على الخاصة من أهل العلم، بل أصبحت قضية تهم الناس جميعاً
2.     العواقب الوخيمة المترتبة على هذه الاعتقادات إن ثبت بطلانها فعلاً، وهذا ما سنحاول إثباته في طرحنا هذا
أما القضايا الأساسية الثلاثة التي سنحاول التعرض لها في هذا الكتاب هي:
1.     جدلية الذكر والأنثى
2.     تعدد الزوجات
3.     زواج المتعة

وستكون الغاية المرجوة من هذا الطرح هو إثبات شيء واحد وهو: كيف أخفق الفكر الديني (الإسلامي على وجه التحديد) في التصدي لهذه القضايا، ظانين بأن الغلط الذي حصل في فهم النص القرآني الذي تعرض لمثل هذه القضايا نجمت عنه أثار سلبية عديدة، نذكر منها على سبيل المثال:
·        ركود الفكر الإسلامي وجموده لقرون طويلة
·        تفتت الأمة إلى فرق وجماعات متصارعة ومتناحرة فيما بينها
·        زج الناس في إشكاليات أصبح من المتعذر مع مرور الزمن التغلب عليها، وهذا ما سنحاول تبيانه في بحثنا هذا
ونود في البداية أن نشير إلى أننا لن نشغل القارئ الكريم كثيراً في الآراء التي طرحت سابقاً حول هذه القضايا لسببين اثنين وهما:
1.     إننا نظن أننا غير مسبوقين فيما نقدم من رؤية جديدة في هذا الطرح، فبعد تفقد الكثير من الكتابات حول هذه القضايا، لم نجد في الأدب السابق ما يدعم أو ينقض طرحنا هذا
2.     أننا نتبع منهجية بحثية تكاد تكون فريدة (وربما وغير مسبوقة) تتلخص باستنباط الدليل من النص القرآني فقط، فلا ندعم رأينا بغير ما ورد في كتاب الله، ليس لأننا ننتقص من تلك المصادر والآراء التي نبعت منها، ولكن ليقيننا أن حل مثل هذه الإشكالات الكبيرة موجود في المصدر الأول للتشريع الإسلامي وهو كتاب الله (للتفصيل حول هذه الجدلية ندعو القارئ الكريم إلى قراءة مقالتنا تحت عنوان مصادر التشريع في الإسلام)، ولمّا كان هذا الموضوع غاية في الأهمية لما سيترتب عليه من أفهام ستكون (بكل تأكيد) مغايرة للفكر السائد حول هذه القضايا المطروحة للنقاش في هذا الكتاب، كان لزاماً أن نبدأ بحثنا هذا بسرد المنهجية المتبعة في الاستنباط. 

منهجية البحث
تحاول الدراسة الحالية تحليل مفردات الآيات القرآنية المرتبطة بموضوع النقاش (كآيات تعدد الزوجات والمتعة والمقارنة بين الذكر والأنثى) بالاستفادة من نوعين من المعرفة، أولهما مخاطبة المعرفة البشرية World Knowledge لهذه الفروقات، وثانيهما المعرفة المتحصّلة من النص نفسه Text-specific knowledge، ونحن نعتقد جازمين أن المعرفة المتحصّلة عن مخاطبة المعرفة البشرية مهما على شأنها ومصدرها هي معرفة قابلة للصحة والخطأ، ولكن المعرفة المتحصّلة من النص نفسه (ونقصد بالنص هنا "القرآن الكريم) هي معرفة مطلقة الحقيقة والثبات، لا يمكن أن تحتمل الخطأ، والحالة هذه كان لزاماً التمسك بهذا النوع من المعرفة عند إطلاق الأحكام والتشريعات. ونحن نرى – من الناحية العملية- أنّ هذا النوع الأخير من المعرفة لا يتجلى في النص القرآني على الوجه الذي نريد إلاّ من خلال الولوج في مستويين اثنين من البحث، أولهما مستوى النص المحلي المصغّر local microlevel، وثانيهما مستوى النص الكلي الكبير .global macrolevel
أما المستوى الأول فيتمثل بإثارة العلاقات بين مفردات الآية نفسها، والخروج باستنتاجات بناءً على الروابط التي يتم التدليل عليها، ولكن حتى تكتمل الصورة لابد من ربط تلك الاستنتاجات التي أفضى إليها التحليل في المستوى الأول مع استنتاجات مماثلة أفضى لها نفس التحليل في موقع آخر في القرآن الكريم وهو ما نسميه المستوى الثاني من التحليل.

مثال
ولتبسيط الأمر نقدم المثال التالي في طريقة تحليل النص القرآني الذي نستخدمه هنا بالتمثيل من كتاب الله، قال –تعالى-:
          وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ                                                   المدثر (6)
ففي مجال تحليل الخطاب (Discourse Analysis) أو تحليل النص (Text Analysis) لابد من أن نسأل عن معنى مفردة " تَمْنُنْ" في هذه الآية الكريمة، فلقد جاء في تفسير ابن كثير معظم أقوال المفسرين لهذه الآية الكريمة على النحو التالي:
قال ابن عباس لا تعط العطية تلتمس أكثر منها وكذا قال عكرمة ومجاهد وعطاء وطاوس وأبو الأحوص وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم وروي عن ابن مسعود أنه قرأ " ولا تمنن أن تستكثر " وقال الحسن البصري لا تمنن بعملك على ربك تستكثره وكذا قال الربيع بن أنس واختاره ابن جرير وقال خصيف عن مجاهد في قوله تعالى " ولا تمنن تستكثر " قال لا تضعف أن تستكثر من الخير قال تمنن في كلام العرب تضعف وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس تستكثرهم بها تأخذ عليه عوضا من الدنيا فهذه أربعة أقوال والأظهر القول الأول والله أعلم.
وجل ما نود أن نشير إليه هو أن طريقة تحليل الخطاب الذي نستخدمه ستبين لنا أنّ كلام المفسرين هذا هو أبعد ما يكون عن الحقيقة، فتحليل مفردة "تمنن" على المستويين المحلى micro والكلي macro لا يدعم بأي شكل من الأشكال مثل هذا الفهم السابق، وسنحاول أن نبين حالاً أن السادة العلماء قد أخطأوا المعنى المراد في الآية الكريمة لسبب بسيط وهو أنهم استخدموا بشكل مفرط نوعاً واحداً من المعرفة في استنتاجهم ذاك وهو معرفتهم البشرية الخاصة World Knowledge بمعنى المفردة، أي لقد استخدم العلماء ما يعرفوا هم عن معنى تلك المفردة، وأسقطوا فهمهم ذاك على النص القرآني، فظنوا أن به ما ذهبوا إليه، ولكن كيف؟
لمّا كان السادة العلماء يعلموا أن مفردة "تمنن" مشتقة من المنّة، تحصّل لهم الفهم أن النهي هنا جاء للنبي صلى الله عليه وسلم عن المنّة أياّ كان نوعها كما ظهرت في شروحاتهم، ولكنّنا نستميح السادة العلماء العذر القول "أنكم أخطأتم الفهم حين ظننتم ذلك"، ولو استخدمتم طريقتنا هذه في البحث عن المعاني لتحصل لكم فهماً (لربما كان) أفضل مما ذهبتم إليه، وحتى لا نطيل على القارئ الكريم سنبين له الخطأ في فهم السادة العلماء، وسنقدم له في الوقت ذاته فهمنا الذي نظن أنه أكثر دقة وتميزا.

فعند استخدام معرفتنا البشرية الخارجيةWorld Knowledge  مرتبطة بالمعرفة المتحصلة من الكتاب Text-specific Knowledge، يتبن لنا أن مفردة "تمنن" مرتبطة بمجالين من المعاني two semantic fields of meanings، وهما المنّة والمنيّ، أما المنّة فهي التفضل بإعطاء الآخرين ثم التشهير بالأعطية، ولكن المنيّ هو إنزال ماء الشهوة عند الرجل أو صبه في رحم المرأة، ويظهر هذا جلي عند استعراض السياقات القرآنية في هذا الصدد، قال تعالى:
(1)      يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ                                              الحجرات (17)
          (2)      أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)      الواقعة 58-59
ونحن نظن أن المقصود بالآية الكريمة في قوله تعالى " وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ" هو النهي ليس عن الإكثار في التفضل بالأعطية على الآخرين (المنّة) وهو ما ذهب إليه معظم (إن لم يكن جميع) المفسرين للنص القرآني، ولكنه النهي عن الإكثار من صب المني في أرحام النساء (إي إنزال المنيّ بالشهوة)، فالله –حسب فهمنا- يطلب من النبي عدم الإكثار من الجماع الذي من خلاله يتم صب المني في رحم المرأة، ولكن كيف ذلك؟ وهنا يأتي دور تحليل الخطاب على المستويين المحلي والكلي، الذي نظن أنه الضابط الأوحد للخروج باستنباطات صحيحة من كتاب الله.

أولاً، التحليل على المستوى المحلي (micro-analysis)
يتطلب تحليل المفردة على المستوى المحلي إثارة العلاقات بين مفردات الآية الكريمة بعضها مع بعض وكذلك مع السياقات المحيطة بها في السورة التي وردت فيها تلك الآية الكريمة، فنحن نظن أن معنى المفردة الواحدة لا يتأتى من معناها المتعارف عليه بين الناس (World Knowledge) فقط، وإنما من السياق الذي وردت فيه (context-specific knowledge)، فالمفردة (أي مفردة) تكسب معناها من علاقاتها مع المفردات الأخرى في جميع السياقات التي وردت فيها (للتفصيل في هذا الموضوع انظر مقالتنا تحت عنوان والله من ورائهم محيط)، فعند البحث عن معنى مفردة مثل "تمنن" لا بد من ربطها أولاً مع مفردات الآية نفسها، ونعيدها هنا لامعان النظر في الآية الكريمة من هذا الجانب:
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ                                                   المدثر (6)
وهنا نثير التساؤل البسيط التالي: ما علاقة "تمنن " بــ "تستكثر"؟ إنّ أبسط ما يمكن أن نستنتجه هو النهي عن الإكثار من "تمنن" بغض النظر عن معناها، أليس كذلك؟ فالله ينهى النبي عن الإكثار من ذلك الشيء (تَمْنُنْ)، فهل يعقل إذاً أن ينهى الله النبي عن الإكثار من المنّة؟ فإن كان كذلك، فلا بأس إذاً بالقليل منها، فهل كان النبي يَمُن على أحد بشيء ولو كان بأقل القليل؟ أو هل كان يمنن بعمله على ربه فيستكثره (كما ظن بعض المفسرين)؟ إن مراد قولنا هنا هو أن النهي عن المنّة لا يمكن أن يكون بعدم الإكثار منها، بل بالنهي عنها كلياً، فلا قليلها جائز ولا كثيرها ممكن، ولنتخيل ذلك بحق النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يفهم قوله تعالى:
          قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ                  البقرة (263)
إنّ نهي النبي عن الإكثار من المنة فيه اتهام مبطن للنبي بمثل هذا السلوك الذي لا يصح أن يكون من أخلاق المؤمنين ناهيك عن أخلاق النبوة.
ولا يجب أن نغفل كذلك أن المنّة (حسب سياقات القرآن نفسه) ليست من حق البشر على الإطلاق، بل هي من حق رب البشر فقط، مصداقاً لقوله تعالى:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ                                                                    الحجرات (17)
إن مثل هذا الفهم يدعونا إلى النظر في احتمالية أن يكون المعنى الآخر "إنزال ماء الرجل بالشهوة في رحم النساء" هو المقصود في الآية الكريمة التي نحن بصدد تبيان بعض معانيها، فالله سبحانه ينهى النبي عن الإكثار من المعاشرة التي من خلالها يخرج ماء الشهوة.
ولكن حتى يتأكد هذا المعنى لا بد من وجود الروابط التي تدعمه في السياق القرآني نفسه، وهنا ندعو القارئ إلى ربط هذا الاستنتاج (أي المعنى الجديد الذي تحصّل لنا عند ربط مفردات الآية نفسها بعضها مع بعض) مع ما سيتحصل لنا من معاني أخرى عند ربط مفردات الآية قيد الدراسة مع مفردات الآيات المجاورة لها في السياق نفسه، وهنا نورد الآية الكريمة في سياقها الأوسع لنتدبرها من هذا المنظور:
            يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
 قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
 وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
          وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
وهنا نبادر القارئ الكريم بالتساؤل التالي: إن صح ما قاله السادة العلماء في معنى تمنن (أي المنّة)، فما  علاقة ذلك بالآيات السابقة واللاحقة للآية التي وردت فيها تلك المفردة؟
فلعل القارئ العادي (لربما حتى غير المتدبر) يدرك المعنى الكلي لتلك الآيات التي تتحدث في مجملها عن دعوة الله لنبيه بتبليغ الرسالة، فالخطاب موجها أولاً وقبل كل شيء للمدثر، أليس كذلك؟ والسادة العلماء أنفسهم لا يشكون قيد أنملة أنّ هذه الآيات كانت من أوائل ما نزل على النبي بعد العلق في مجمل أقوال العلماء، وهي –لا شك-  دعوة للنبي للنهوض من فراشه للقيام بواجبات الدعوة، أليس كذلك؟
فالدعوة جاءت للنبي على النحو التالي: النهوض من الفراش لتبليغ الرسالة:
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وتكبير ربه:
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
وتطهير ثيابه:
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
وهجر الرجز:
          وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
ومن ثم عدم الإكثار من "تمنن":
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وأخيراً الصبر على ذلك كله:
          وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
وهنا نسأل عن علاقة "المنّة على الناس" (كما ظن علماؤنا الأجلاء) بمجمل هذه المعاني، أي هل يستقيم معنى "المنّه على الناس" مع النهوض من الفراش وتكبير الرب وتطهير الثياب، الخ؟ وما دخل طهارة الثياب بـ "المنّه على الناس"؟ كلا وألف كلا، إن ذلك يجعل النص القرآني ليس أكثر من مفردات متناثرة لا علاقة لها بـبعضها البعض.
 والآن لنتصور المعنى الآخر في هذا السياق  وهو النهي عن الإكثار من "إنزال ما الشهوة في رحم النساء" (كما نظن نحن)، فنحن نعلم أن الرجل النائم (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) يقوم من فراشة، فيذكر - أولاً وقبل كل شيء- الله بالتكبير والحمد (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)، ثم تطهير ثيابه والاغتسال من الجنابة (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)[1]، وقد جاء النهي للنبي عن الإكثار من الجماع – في رأينا- للسببين رئيسيين على الأقل:
1.     نحن نعلم القوة الجنسية التي كان يتمتع بها النبي، ولا أخال أنني بحاجة أن أورد الأحاديث بهذا الصدد، فالسادة العلماء على دراية كافية بهذا الأمر
2.     أن من أعباء القيام بالدعوة هو التضحية ببعض نِعَم الحياة، فالله لم ينهي النبي عن الجماع ولكنّه طلب من نبيّه التقليل منه، لهذا جاءت الدعوة من الله لنبيه في السياق القرآني نفسه مباشرة بعد الآية التي ورد فيها ذكر مفردة "ولا تمنن" على النحو التالي:
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
إن مراد القول أن علاقة المفردة نفسها مع مفردات السياق نفسه (في الآية نفسها والآيات السابقة واللاحقة لها) تؤكد معنى مغاير لما فهمة العلماء من الكلمة عندما أسقطوا المعنى المألوف لديهم لمفردة "تمنن" على السياق القرآني دون الآخذ بالحسبان الموضع الذي وردت به الآية الكريمة.

ولكن تبقى الصورة غير قطعية لتأكيد المعنى الذي ذهبنا إليه، وهنا تبرز أهمية استدعاء السياقات القرآنية الأخرى التي لها ارتباط بمفردة تمنن حتى وإن كانت في غير السياق نفسه، وهو ما نسميه بتحليل السياق الكلي macrolevel، وهذا السلوك نابع من العقيدة الجماعية التي مرادها أنّ القرآن الكريم كتلة واحدة يستحيل أن ينقض بعضه بعضا.

ثانياً، التحليل على المستوى الكلي (macro-analysis)
إن استدعاء السياقات الأخرى يتطلب وجود رابط بين تلك السياقات، ولعل من أقوى الروابط هو ورود المفردة نفسها في سياقات مختلفة، وهو ما يسمى بـ الترابط الإحالي (أو الإحالة النصية) (coreferential coherence)، أي إحالة النص قيد الدراسة إلى نص آخر، وهكذا، فعندما نجد مفردة يصعب استنباط معناها من السياق الواحد نفسه، يصبح لزاماً إحالتها إلى سياقات أخرى، ومن ثم ربط ما يتحصل من استنتاجات من السياقات المختلفة مع بعضها البعض (للتدليل على قوة هذا الرابط في التحليل ندعو القارئ الكريم إلى مراجعة مقالاتنا تحت عنوان كم لبث نوح في قومه وجدلية عذاب القبر).

الدليل الأول: المنة لله فقط، وهنا ندعو القارئ إلى تفقد جميع سياقات القرآن الكريم التي يرد فيها لفظ المنة ومشتقاته، قال – تعالى-:
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ                     آل عمران (164)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا                                                           النساء (94)
          وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ                                                                                               الأنعام (53)
قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ                                                           يوسف (90)
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ                      إبراهيم (11)
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37)                طه 36-37
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ                        القصص (82)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ                                                   الصافات (114)
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)                                                                              الطور 26-27
إن هذه السياقات جميعاً تشير إلى حقيقة صارخة يصعب المجادلة فيها وهي أنّ المنّة من حق الله وحده، ولا يجوز لبشر (حتى وإن كان نبياً مرسل) أن يحيز ولو القليل منها، لهذا جاء الردع من الله للناس كافة بعدم المنة إطلاقاً، قال تعالى:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
والمدقق في السياقات القرآنية هذه يجد السبب في ذلك واضح، وهو أن المنّه فيها استعلاء على الآخرين، لذا جاءت جميع تلك السياقات متبوعة بحرف الجر "على"، ونحن نعلم أنّ العلو هو صفة خاصة بالله وحدة، فلا يحق للناس أن يعلو بعضهم على بعض[2].

الدليل الثاني: إنزال المني هي واحدة من صفات الناس:
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ (47)                                                                          النجم 45-47
نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ               (59)                                                                        الانسان 57-59
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (39) أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ (40)                                                                            القيامة 36-40

الدليل الثالث، ما هو المصدر الذي اشتق منه كل واحد من هذه المعاني؟ إنني لا أرغب الدخول في جدلية اللغة، والتدليل على كلام الله بما قاله الآخرون، ولكني أجلب انتباه القاري إلى صيغة الفعل المضارع الذي نحن بصدد تبيانه والخوض فيه كما ورد في كتاب الله نفسه (لا كما يظنه أهل اللغة)، فلقد جاء فعل المنة على النحو التالي:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
وجاءت كذلك على نحو:
          مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (46)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ
إنّ المدقق في صيغة الفعل المضارع يجد حقيقة صارخة وهي على النحو التالي:
جاءت "الميم"  في الفعل المضارع لفعل المنّة الذي هو من حق الله وحده مضمومة في جميع السياقات القرآنية على نحو يَمُنُّونَ و تَمُنُّوا و يَمُنُّ  ، وجاءت "الميم" في الفعل المضارع لفعل "إنزال المني" الذي هو من صفات الناس ساكنة على نحو " تُمْنَىٰ" و يُمْنَىٰ. 
وعند تدبر صيغ الفعل الأخرى كالفعل الماضي مثلاً نجد أنّ الميم في جميع صيغ الفعل الماضي لفعل المنّه جاءت متحركة على نحو مَنَّ ، لنخلص (حسب النص القرآني نفسه) إلى أن الفرق بين الفعلين هي حركة الميم، فإن كانت متحركة فهي مشتقة من المنّة التي هي من حق الله وحده، وإن كانت ساكنة فهي مشتقة من فعل المني الذي هو من فعل الناس، وبهذا الفهم نعود إلى الآية القرآنية التي بدأنا منها:
          وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
فعند مراقبة حركة الميم (لفعل " تَمْنُنْ" في هذه الآية الكريمة التي حاولنا دراستها هنا) نجد أنها ساكنة، الأمر الذي يدعم ما زعمنا في البداية أنه المعنى المقصود في هذا السياق القرآني، وهو عدم الإكثار من "صب المني في رحم المرأة".

لقد قدمنا هذا المثال في الاستنباط ليكون هو المنهجية المتبعة في بحثنا هذا عند التصدي لأي مفردة في كتاب الله، والتي نظن أنها ستمكننا من الخروج باستنباطات تختلف بشكل جذري عن جل ما هو سائد في الفكر الإسلامي فيما يخص ثلاثية المرأة التي ننوي التعرض له حالاً، الواحدة تلو الأخرى. وسنبدأ بأولها وهي جدلية الذكر والأنثى.




جدلية الذكر والأنثى
لقد شغل موضوع الفرق بين الرجل والمرأة فكر العلماء في شتى مجالات المعرفة، فكرّسوا لها فصولا في مؤلفاتهم، وتطرق الجميع لنفس الموضوع من زاويته، فنجد الامر قد شغل فكر أهل اللغة والادب وعلم الانسان والتربية والاعلام وحتى الطب والهندسة، وقد نبع هذا الاهتمام من انشغال العامة في هذا الموضوع، فلربما لا يخلو حديث المجالس العامة عن التطرق لموضوع الفرق بين الرجال والنساء (حتى وإن كان على سبيل الدعابة)، وقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين ثورة تأليف في موضوع الفرق بين الرجل والمرأة، فظهرت مؤلفات عديدة يستحيل حصرها في أي بحث في هذا المجال، وقد شهد علم اللغة -على وجه الخصوص- دراسات مستفيضة تحت عنوان الجندريات (Gender Studies)، وقد كان أبرزها ما صاحب ولحق بحركة تحرر المرأة في الغرب في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وقد أشتهر من مثل:
1.                                                                                                                              Language and Women's place 1975
2.                                                                                                                              Language and Sex: Difference and Dominance
3.                                                                                                                              Male/Female Language (1975)
4.                                                                                                                              You Just don't understand (1990)
وتتابعت الابحاث التي عنيت بالفروق بين المرأة والرجل من الناحية اللغوية، وعزت معظم الدراسات الاختلافات بين الجنسين إلى عوامل اجتماعية، تتعلق بالادوار (Gender) التي يتمثلها كل طرف ضمن النسيج الاجتماعي للبيئة المحيطة، ونأت تلك الدراسات بالعامل البيولوجي (sex) أن يكون هو مصدر الاختلاف بين الطرفين، ولكن ما يهمنا هنا هو أن تلك الدراسات قد خلصت إلى نتائج متضاربة كان لها تأثير في التعليل الذي نظن أنه أخطأ طريقة في الوصول إلى الحقيقة، فعلى سبيل المثال، دللت دراسة O'Barr and Atkins (1980) التي أخذت عينتها من قاعات المحاكم أن الفروقات اللغوية المييزة للغة النساء تعزى إلى عوامل اجتماعية تتعلق بالمستوى الاجتماعي الأقل درجة (كالوظيفة والدخل والخبرة) الذي تتحتله المرأة في المجتمع، الأمر الذي انعكس على لغتها لتكون أكثر ميولاً إلى عدم التيقن أو التأكيد في القول (tentativeness)، ولكن تضاربت نتائج دراسة أخرى مع هذا التحليل حين وجد Preisler (1986) أن النساء أكثر ميولا إلى هذا النهج اللغوي(tentativeness)  حتى وإن كن في موقع الإدارة، وأكدت دراسة Tannen (1994a) ما خلصت إليه الدراسة السابقة، ولكنها حاولت ليّ عنق النص عندما خرجت بتحليل اجتماعي لهذا الفرق الواضح بين لغة الرجال والنساء بالقول أن ذلك بدوافع الأدب والكياسة وهو ما اسموه بـ (save face)، أو حفظ ماء الوجة بالكلمات العربية. ومراد القول أن النساء يتمتعن بتلك الصبغة اللغوية حتى لا يقعن في خطر إهدار ماء وجه المخاطب، ولكن تبقى الحقيقة صارخة أنّ النساء مهما بلغن من المكانة  أو السلطة الاجتماعية فإنّ الصبغة الطبيعية غالبة على كل التأثيرات الاجتماعية.
وفي بحثنا اللغوي هذا نود تسليط الضوء على جدلية الفرق بين الرجل والمرأة من زاوية أخرى، وهي باستخدام طريقة تحليل الخطاب (Discourse Analysis) لمفردات الآيات القرآنية التي تتعرض للفروق بين الذكر والأنثى.

فمحرك البحث هنا سؤال واحد هو: هل يدعوا القرآن الكريم إلى المساواة بين الذكر والانثى؟

القرآن الكريم لا يساو الذكر بالانثى
يجد القارىء البسيط أن القرآن الكريم يفرق بين الذكر والأنثى، فعندما وضعت امرأة عمران ما نذرت في بطنها، جاء قول الحق مصدّقاً لما قالت:
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ          آل عمران (36)
وقد كان هذا التفريق لصالح الذكر، فامرأة عمران تعي ما تقول، والناس بطبيعتهم جبلوا على تفضيل الذكر على الانثى:
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)                                                                                              النحل 58-59
والله نفسه فضل الذكر على الانثى:
          وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ                            النحل (57)
فالله يستنكر عليهم أن ينسبوا له البنات ولهم البنون، وقد جاء التأكيد في تفضيل الله للذكر دعوة جلية لا لبس فيها في قوله تعالى:
          أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَىٰ (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ (22)                   النجم 21-22
وأنكر عليهم تسمية الملائكة بالاناث:
          وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ                                                                               الزخرف (19)
وقد كانت مظاهر التفضيل الرباني للذكر على الانثى متعددة، سنتعرّض لبعضها:
أولاً، كانت خلافة الله على الأرض خاصة بالذكر، قال تعالى:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ             البقرة (30)
فالمدقق في السياق القرآني يجد أن الله جعل على الأرض خليفة واحد وليس خليفتين، لذا جاءت الآية التالية لهذه الآية الكريمة على النحو التالي:
          وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ                                                                                               البقرة (31)
فخص الله الذكر بذلك العلم الذي تفضل به على آدم في بداية الخلق. وطلب من الملائكة السجود لآدم فقط وذلك بصريح اللفظ القرآني:
          وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ   البقرة (34)
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
الأعراف (11)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا        الإسراء (61)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا                              الكهف (50)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ                                طه (116)
فعلى الرغم من تكرار المشهد في أكثر من موضع في كتاب الله لا نجد (ولو مرة واحدة) أن طلب الله من الملائكة السجود لزوج آدم (حواء كما يرغبوا بتسميتها)

ثانياً، بدأ خلق البشر بالذكر:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا         النساء (1)
فلقد سبق خلقُ آدم خلقَ حواء، أليس في ذلك مفارقة عجيبة؟ ففي حين أننا نعلم أن التكاثر البشري يأتي من الأنثى، فالأنثى هي التي تنجب، بدأ الخلق بالذكر:
          وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ                 الحجر (28)
          إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ
سَاجِدِينَ (72)                                                                        ص 71-72
وسؤالنا هو: لِمَ لم يبدأ الخلق بحواء ومن ثم تقوم هي بإنجاب آدم، كما نعلم جميعاً مما يحدث في واقع حال الانسان من بعد خلق آدم وحواء. ونحن نتساءل: لِمَ لَمْ يغمس الله يديه في خلق زوج آدم "حواء" كما فعل في حالة آدم؟
          قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ                                                                                                   ص (75)
ثالثاً، جاء التفضيل الرباني للذكر بزيادة حصته، فالذكر له مثل حظ الانثيين، في الميراث:
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)
و كـ ذلك في الشهادة:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

رابعاً، جاء التفضيل للرجال بزيادة حصته في الزواج، فيستطيع الرجل الزواج بأكثر من امرأة ولكن لا تستطيع المرأة الزواج بأكثر من رجل واحد في الوقت ذاته:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (3)
خامساً، جاءت القوامة للرجل على المرأة:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ...
سادساً، جاء التفضيل للرجل صريحاً في قوله تعالى
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ ...
سابعاً، جاءت الطاعة للرجل لزاماً على المرأة حتى وإن أضطر للجوء إلى الضرب:
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا                                                                             النساء (34)

ثامناً، جاء الخطاب الرباني في كتابه العزيز موجهاً دائماً للرجل، فصيغة " يا ايها ..." هي موجه للذكر فقط، وقد وردت في كتاب الله على صيغتين اثنتين، وهما: "يا ايها الذين امنوا..." و "يا أيها الناس..."، ونحن نظن أن المقصود بذلك الذكر فقط.
وهنا ربما تقوم الدنيا ولا تقعد إن نحن زعمنا أن ذلك الخطاب موجهاً فقط للذكر ولا يخص الانثى، فقد يرد البعض – وهم يستشيطون غضباً- أليست الأنثى من الذين أمنوا؟ أليست الأنثى من الناس؟ فنقول لا، ليست مشمولة بالخطاب "يا أيها الذين أمنوا..."، وهي بالتأكيد ليست من الناس، وسنحاول إثبات ما نزعم على الفور.

يا أيها الذين أمنوا...
أما ما يخص صيغة "يا أيها الذين أمنوا..." فهي صيغة المذكر، وجميع السياقات القرانية التي وردت فيها هذه الصيغة تبين أن ضمير المذكر هو المقصود، ولنتدبر -عزيزي القارىء- كيف تفصل الآية الكريمة التالية بشكل لا لبس فيه أنّ الذين آمنوا هم الذكور فقط:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
ثم لنتدبر بقية النص القرآني وخصوصاً " وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ"، فمن الذي سينكح المؤمنات، اليس الخطاب موجهاً للذين أمنوا؟ فهل يعقل أن تكون النساء مشمولات بذلك الخطاب "لتنكح النساءُ النساءَ؟!

وعند متابعة السياقات القرآنية المتنوعة نجد أنه عندما يكون المقصود الذكر والانثى في خطاب المؤمنين والمؤمنات يأتي التفصيل واضح لا لبس فيه:
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ                                                                                      التوبة (71)
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ                                                                                                                           التوبة (72)
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُبِينٌ                                                                                                        النور (12)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا                                                                                     الأحزاب (35)
          وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا                                                                                                           الأحزاب (58)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا                                                          الأحزاب (73)
          فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ                                                                                                    محمد (19)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا                                                           الفتح (5)
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ                               الحديد (12)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا                                                                              نوح (28)
          إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ                                                                                                         البروج (10)

ويأتي سؤالنا على النحو التالي: إذا كانت عبارة "يا ايها الذين امنوا..." تشمل المؤمنات على سبيل التغليب كما ظنّ البعض، فلم يأتي التفصيل في مواطن أخرى؟ فهل يمكن أن يرضى الجميع أن نختصر شيئاً من الآيات السابقة ليبقى الحديث موجهاً للمؤمنين لتشمل المؤمنات كذلك؟ وبكلمات أخرى هل يمكن أن نقرأ آخر آية ذكرناها آنفاً على النحو التالي؟
          إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ ... ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ
لا شك أن الجميع لا يرضى، فلا يمكن الاستغناء عن لفظة المؤمنات هنا، فما دام الأمر كذلك، فلم ندخل في كلام الله ما ليس فيه؟ ولم نحذف منه ما هو موجود فيه؟ إننا نقصد القول أنّ المؤمنون هم المؤمنون والمؤمنات هن المؤمنات، ولا يجب الخلط كيف ما نشاء ومتى نحب، حتى لا يصبح كلام الله خاضعاً لآراء الناس وتفسيراتهم غير المستندة على المرجعية الثابته، فكلام الله يجب أن يؤخذ على محمل الجد، والوقوف عند كل مفردة وتجليتها كما هي في كتاب الله، وليس كما نحبها أن تكون في كتاب الله.

يا أيها الناس...
ولكن قد يرد البعض بالقول: ما قصة "يا ايها الناس ..."؟ أليست النساء من الناس؟ فالله سبحانه قد وجه الخطاب إلى الناس كافة، ألا يكفي ذلك ليشمل المذكر والمؤنث؟ نقول كلا، إننا نملك الدليل (كما نظن) من كتاب الله نفسه أنّ مفردة الناس لا تشمل الإناث، بل هي خاصة بالذكور (لا بل بـفئة خاصة من الذكور).
ولنبدأ بقوله تعالى:
          اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ                  الحج (75)
تشير الآية الكريمة أن رسل الله تعالى هم من فئتين من خلقه: من الملائكة ومن الناس، وقد سبق وأشرنا أن الله لا يقبل أن يسمي الملائكة تسمية الانثى، وبالتالي فرسل الله من الملائكة لا يمكن أن يكونوا اناثاً:
          وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ                                                                                     الزخرف (19)
ونحن نعلم كذلك أن رسل الله من الناس لم يكونوا إناثاً، فالله قد خص شرف وتكليف الرسالة بالذكور[3]، لذا فعندما يقول الله سبحانة " اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ" فإننا نستشعر أنّ مفردة الناس لا تشمل في ثناياها الإشارة إلى الإناث، ولكن يبقى هذا دليل مرجح وغير يقيني، لذا فإننا بحاجة إلى أدلة أخرى تدعم ما نذهب إليه من زعم أن الإناث ليسوا من الناس، وهنا نورد الآية الكريمة التالية التي تشير إلى هذا الفهم، قال تعالى:
وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ         القصص (23)
فموسى إذاً قد وجد أمة من الناس، ولكنه وجد أيضاً من دونهم (من بينهم جميعاً) امرأتين، فلو كان بين الناس نساء غير الامرأتين المشار إليهما لكان حالهم كحال تلك "المرأتين"، ولربما رد البعض بالقول أنه من الممكن وجود نساء أخريات، ولكن لربما كنّ بصحبة أزواجهم أو اباءهن أو إخوانهن، فنقول نعم، لربما كان الأمر كذلك، ولكن الخطاب في الآية الكريمة يشير إلى الذين كانوا يسقون أُمَّةً مِنَ النَّاسِ، ولا شك أن الذين كانوا يسقون أغنامهم أو مواشيهم هم من الذكور، فالذين كانوا يقومون بعمل سقي الدواب والانعام هم من الناس، وبالتالي فهم من جنس الذكور، فحتى لو كان هناك إناث في ذلك الموقف إلاّ أن الخطاب غير موجه لهن.
ولكن تبقى الصورة غير قطعيه، لننتقل إلى دليل آخر، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33)
فالخطاب هنا موجه للناس، ولكن المدقق في النص القرآني يجد أن المقصود هم الذكور على وجه التحديد، فتتمة الآية الكريمة تشير أن الوالد لا يجزي عن ولده وكذلك الولد لا يجزي عن والده، فأين الوالدة وأين ابنتها؟
وحتى لا يسبقنا القارىء بالافتراض أن ذلك يعني الذكر والانثى ولكن جاءت صيغة المذكر للتغليب، نورد الآية الكريمة التالية وندعوه لتدبرها:
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ                                         غافر (40)
فلو كان الامر يؤخذ على التغليب لكانت عبارة "مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ" في هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات الكريمات غير ضرورية ولصحّ المعنى بدونها على نحو:
" مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا ........... وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ"
ونحن نؤكد انه إذا وردت عبارة " مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ" فإن الخطاب لا يوجه باستخدام مفردة "الناس"، وكلما وردت مفردة الناس كان الخطاب خاصاً بالذكور فقط.
ولكن يبقى الدليل غير قطعي، فننتقل إلى الآية الكريمة التي تشكل الدليل الدامغ أن النساء ليسوا من جنس الناس (والتي تليت على مسامعنا ليل نهار، ولكننا غفلنا عن الوقوف عند أبسط استنتاج يمكن أن نخرج فيه لو ربطنا مفردات الاية نفسها بعضها مع بعض)، قال تعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ                                                                                          آل عمران (14) 
تدبر – عزيزي القارئ – مفردات الله الكريمة جيداً، فالله سبحانه يقول "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ"، اليس كذلك؟ فمن هم الناس الذين زين لهم حب الشهوات؟ هل هم الذكور والاناث معاً؟ أم هل هم الذكور فقط؟
إن تتمة الآية الكريمة تبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل أن المقصود هم الذكور فقط؟ فالله سبحانه يقول:
          زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ...
فكيف إذا يستقيم المعنى أن تكون المرأة شهوة للمرأة (إلاّ أن يكون الفكر الاسلامي قد قبل فكرة السحاقيات)؟ فإذا كانت المرأة من الناس، فهناك مجال من التأويل أن تكون المرأة شهوة للمرأة، (كأن يصبح معنى الآية الكريمة "زين للنساء حب الشهوات من النساء") وهو ما لا يمكن أن يتقبله الفكر الاسلامي، وللخروج من هذا المأزق، نقول أن مفردة الناس لا تشمل الإناث، وعندها لا تكون النساء شهوة للنساء، وإنما النساء شهوة للناس (إي الذكور)، ولكن ذلك لا يشمل-بلا شك- الذكور جميعاً، وإنما الذكور الذين أصبحت النساء شهوة لهم، وهم بالتأكيد من بلغ الحلم، لذا نجد الدقة المتناهية في الآية الكريمة لتبين أن الشهوات للناس تشمل النساء وكذلك البنين، فالأطفال ليسوا كذلك من الناس، فالذكر يصبح من الناس متى بلغ الحلم، لذا نفهم أنّ خطاب التكليف من الله جاء موجهاً دائماً للناس، ونحن نعلم أن الاطفال الذين لم يبلغوا الحلم غير مكلفين وغير معنيين بالخطاب الرباني عندما ياتي موجهاً على صيغة "يا أيها الناس":
          يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ                 البقرة (21)
إننا نستنتج أن تصنيف الخلق إلى من هم من فئة الناس (الذكور) ومن هم ليسوا من فئة الناس (الإناث والصغار الذين لم يبلغوا الحلم) هو تصنيف وظيفي وليس خلقي (أي على أساس الجنس). ولهذا الإدعاء تبعاته الجمة التي يمكن أن تحل كثيراً من إشكالات الفكر الاسلامي التي أوقعنا بها القدامى والمحدثين نتيجة فهمه الخاطىء لمثل هذه المفردات التي ظنوا أنها بسيطه لدرجة أنها لم تشغل تفكيرهم كما يجب، ربما لظنهم أنهم قد أحاطوا بها علماً، ولكننا نؤكد أن هناك الكثير الذي يجب عمله لفهم مثل هذه المفردات "البسيطة" قبل القفز إلى إصدار الاحكام الشرعية العقائدية منها والفقهية.
ونحن نظن أننا نستطيع تسليط الضوء على مجمل تلك القضايا بطريقة قد تيسر فهماً جديداً، منها ما يتعلق بقضايا حقوق المرأة وتعدد الزوجات، وحق الانتخاب، والميراث، والشهادة، والحج[4]، والحكم، والقضاء، الخ. وهذه أمور سنتعرض لها لاحقاً لانّ كل منها يحتاج إلى بحث منفصل.
                                                        بقلم: رشيد الجراح
                                                        مركز اللغات – جامعة اليرموك
                                                        4/5/2010


تعدد الزوجات
لقد شغل هذا الأمر تفكير العامة، فتسألوا عن السبب في أن الرجل يستطيع الزواج بأكثر من امرأة في الوقت نفسه، بينما لا تستطيع المرأة الزواج بأكثر من رجل في الوقت الواحد، وظهرت الدعوات التي تكيل للإسلام والمسلمين التهم، وتدعوهم إلى احترام حقوق المرأة والتمثل بالغرب وثقافته، ولم تعد تلك الدعوات حكراً على غير المسلمين, وإنما تعالت الأصوات حتى من أبناء وبنات الإسلام والمسلمين. لذا وجد المدافعون عن الإسلام أنفسهم في هذه القضية على وجه التحديد في موقف الذي يحاول دفع التهم عن نفسه، فخرج علماء المسلمين بتبريرات لمثل هذا الواقع، ولكن ما يؤسف له أن جميع هذه التبريرات التي طرحت لا تقنع حتى أبناء الإسلام وبنات المسلمين أنفسهم، فكيف بها ستكون مقنعة لغيرهم؟ ولعلي أكاد أجزم أن هذا الموقف الضعيف للفكر الإسلامي نبع من الحقيقة الصارخة وهي أن جميع تبريراتهم التي قدّموها لم تستند إلى المرجعية الصحيحة في استنباط الدليل المقنع، فكانت جميع الأسباب التي قدموها نابعة من بنات أفكارهم وتصوراتهم، وخلت بشكل فاضح من الدليل العقائدي المستمد من الكتاب أو السنة، وكان لهذه الحال تبعاتها التي تمثلت في عدم قدرة علماء الإسلام على فهم فقه الزواج بشكل كلي وفقه تعدد الزوجات على وجه التحديد، لذا جاءت جميع أطروحاتهم تخلو من المبرر الحقيقي لمثل هذا التشريع الرباني.
والذي دفعني مؤخراً إلى الدخول في هذا الموضوع هو ما وجدت من ردود بعض أهل الإسلام الذين يفترضون أنهم قد أحاطوا بالأمر علما فأخذوا يردون على من يطرح مثل هذه التساؤلات بطريقة تخلو من المنهجية في الطرح أو الحجة في الإقناع، واتسمت ردود بعضهم بالاستهزاء والتندر، وحتى أكون أكثر وضوحاً، جاءت مقالتي هذه مدفوعة بسجال بين صحفيين وإعلاميين حول هذا الموضوع، فقد كتبت الإعلامية نادين البدير مقالة تتساءل فيها عن سبب زواج الرجل بأكثر من امرأة في الوقت الواحد وتعذر ذلك بالنسبة للنساء، وقد حاولت تفنيد بعض الحجج التي يتسلح بها رجال الدين والمروجون للفكر الإسلامي السائد حول هذه القضية، والذي أغضبني أشد الغضب ليس ما كتبت تلك المرأة فهي بلا شك تدافع عن نفسها وعن بنات جلدتها، فزواج الرجل بأكثر من امرأة ربما يمس – في رأيها- كرامة المرأة و يغيضها، ولكن الذي أغاضني حقاً هو رد شرذمة من أبناء المسلمين الذين يعتبرون أنفسهم المدافعين عن حمى الإسلام، الغيورين عليه ضد كل من يحاول النيل منه، وللأسف فقد جاء ردهم ويكأنهم قد أحاطوا بكل شيء علماً، وأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة فيما توافر لهم من معرفة خصوصاً بقضايا الدين، فقام أحدهم بكتابة مقالة في صحيفته يرد فيها على تلك المرأة بطريقة هزليّة وساخرة، ولعلني أجزم أن الغباء لم سيتحكم من ذاك الصحفي فقط، بل طال رأس مدير التحرير الذي سمح لهذه الشرذمة أن تسخر بمشاعر الآخرين، كنت أتمنى أن تكون تلك الصحيفة (وكل صحيفة) منبراً للرد بطريقة علمية بالحجة والدليل ليكون الهدف ليس الاستهزاء بمشاعر الناس وإنما للوصول إلى الحقيقة.
الغريب في الأمر أن الأسباب التي قدّمها الرجل ليثبت أن المرأة مخطئة في تصوراتها هي الأسباب نفسها التي ساقها علماؤه الأجلاء لتبرير فكر تعدد الزوجات قروناً من الزمن، وبكلمات أخرى ففي حين أنه تقبل من علمائه أن المرأة مثلاً "تستهلك" (على حد تعبيره) إذا تزوجت بأكثر من رجل لا يتقبل فكرة أن الرجل يستهلك إذا تزوج بأكثر من امرأة. وفي حين أنه مقتنع أن الرجل يستطيع القيام بواجباته الزوجية إذا تزوج بأكثر من امرأة لا يرى أن المرأة تستطيع ذلك إن هي تزوجت بأكثر من رجل، وهكذا. ولكني سأطرح سؤالاً واحداً هو: هل فعلاً لمثل هذه التبريرات (بأي اتجاه كان) أصل في شريعتنا؟ هل تحدث الله في كتابه الكريم عن مثل هذه الحكمة (كما يرغبوا أن يسموها هم) لتبرير تعدد زوجات الرجل؟ كنت أتمنى على من يطرح أي حجة لتبرير ادعاءه أن يسندها بآية من كتاب الله أو بقول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وإن لم يستطيعوا ذلك، فالأولى أن لا يدسوا ذلك في الدين ويجعلوا الإيمان به جزءاً من العقيدة، فكل تلك التبريرات إن لم تستند إلى الدليل العقائدي تبقى اجتهادات فردية غير ملزمة للناس، ولعلي بحاجة أن أذكر نفسي وكل من يخوض بمثل هذه المواضيع بقول الحق سبحانه:
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ                                                 النحل (116)
فمن ظن أن الحكمة في تعدد الزوجات عند الرجل وتعذرها عند المرأة مرتبط بالقدرة على تلبية الحاجات الزوجية فعليه أن يحضر الدليل على مثل هذا الزعم من كتاب الله، وإلاّ فلا يحق له أن يلزمنا بذلك ويكأنّه من عند الله. ونحن نظن أن الاختلاف وعدم الرضا نبع عند كثير من الناس بسبب خلو التبرير الذي يطرحونه من الدليل العقائدي المقنع، فالنساء بحاجة لتبرير مقنع لتعدد الزوجات وليس لآراء الرجال في الأمر، فلو استطاع علماؤنا الأجلاء تقديم الدليل العقائدي على صحة ما يقولون لما وجدنا النساء يجادلن في الأمر، لأن من يجادل في رأي مدعوم بآية من كتاب الله فهو لا ينكر ذلك الأمر بحد ذاته وإنما ينكر مصدر التشريع الذي اشتق منه.
 ولكي ندخل في صلب الموضوع فإني أدعو القارئ الكريم أولاً إلى قراءة رد ذاك الصحفي على مقالة تلك الصحفيّة والذي وصلني من خلال البريد الالكتروني، وجل ما اطلب هو تمحيص تلك الحجج بعين الناقد وليس بعين المستهزئ كما فعل صاحبنا.


نص الرد كما وصلني بالبريد الإلكتروني:
الزميلة السعودية «نادين البدير» - وتعمل ايضا في قناة «الحرة» الامريكية - كتبت مقالا في جريدة «المصري اليوم» في عددها الصادر يوم 2009/12/11 تتساءل فيه عن.. «حرمانها من حقها كامرأة في الزواج من اربعة رجال - في وقت واحد - يمكن ان يزدادوا الى سبعة أو ثمانية»!! وتقول - ايضا - ان من يعترض على هذا الامر بحجة ان المرأة تتعب من تلبية احتياجات اربعة - أو خمسة رجال - في وقت واحد، عليه ان يغير فكره هذا لأن البغايا ونساء الليل يفعلن ذلك منذ الازل و.. لا يتعبن»!! المقال طويل وسوف انشره كاملا في وقت لاحق. وقد تسبب في دعاوى قضائية رفعها عليها - وعلى الجريدة ا لناشرة - محامون في مصر، واود هنا ان اسأل الزميلة العزيزة - وهي بالمناسبة صغيرة وجميلة وذات وزن مثالي - «ماذا لو تزوجتها انا مع الزميل ولي الجاسم والزميل احمد الفهد والشيخ صالح النهام.. مثلا»؟! سوف نجلس - نحن الخمسة - على كوشة واحدة في صالة افراح «المعجل ف الفيحاء لنتلقى التهاني، لكن المشكلة ستبدأ بعد مغادرة المدعوين و«ذهابنا» جميعا الى منزل الزوجية حيث ستنشب معركة بيننا حول من.. يدخل على العروس.. اولا؟! الزميل «أحمد الفهد» هو «سلفي - عفريت» سيقترح العمل بنظام الحروف الأبجدية ولأن اسمه يبدأ بحرف «الألف» فسوف يدخل على «زوجتنا - نادين» اولا، ثم الشيخ صالح بعده، وانا الثالث ليصبح «وليد» هو الاخير! انتهينا من المشكلة الاولى، وستظهر الثانية بعد تسعة اشهر حين تنجب «حرمتنا» مولودا ذكراً، لكن بوجود الفحص الجيني لن يكون صعبا معرفة الوالد الحقيقي ، وان كنا لن نحتاج اليه على الاطلاق ، بل يكفي التمرس في ملامح الطفل لنعرف والده، فإن جاء «اسمر ويكركر وايد» فهو ابن «أحمد»، وان جاء «ابيض ومتبتب» فهو اما ابني أو ابن وليد، وان كان «ادعم ومدلقم» فهو ابن الشيخ «صالح النهام»!! ثم.. ماذا ستفعل «مرتنا - نادين» ف وجبات غدائنا المختلفة؟ فالزميل «أحمد الفهد» يحب الدجاج الإسلامي «أبو تسعمائة غرام»، وأنا أحب المأكولا البحرية، وولي الجاسم يعشق «ضلع الخروف المشوي مع الروب»، والشيخ صالح يحب «المطازيز» فكيف ستتفرغ لاطعام اربعة رجال اوزانهم - مجتمعين - اكثر من نصف.. طن؟! وماذا لو حصلت على بعثة دراسية للخارج، فهل سأصطحب «زوجتي - نادين» مع ازواجها الثلاثة.. الآخرين؟! على أي حال، فأنا احذر الزميلة «نادين» من ان فكرتها هذه - لو تحققت - وتزوجت من مجموعة رجال - دفعة واحدة - فسوف ينتهي تاريخ صلاحيتها خلال ستة اشهر فقط ولا تعود «صالحة للاستهلاك الآدمي»، وقد تأتيها جرافات فريق الإزالة وتأخذها إلى مكان.. بعيد!!
نقد المقال:
أولاً، يزعم الكاتب أن مقالة تلك المرأة دفعت بعدد من المحامين أن يرفعوا دعاوى قضائية ضد الكاتبة والصحيفة التي نشرت لها ذلك المقال، فقد قال:
المقال طويل وسوف انشره كاملا في وقت لاحق. وقد تسبب في دعاوى قضائية رفعها عليها - وعلى الجريدة ا لناشرة - محامون في مصر،
فنرد عليه بالقول إذا كان كذلك، فأنا أتمنى أن ترفع تلك الدعوى القضائية ضدي أيضاً، لأنني لا أفترض أن الغباء قد استحكم بذلك الصحفي ورئيس تحريره وصحيفته هو (كما ذكرت سابقاً) فقط،  وإنما بالمحامين الذين تكفلوا برفع الدعوى ضد تلك المرأة ، وبنقابتهم التي سجلت أسماءهم في سجلاتها كمحامين مرخصين للدفاع عن حقوق الناس، وبالمحكمة التي قبلت دعواهم وهي المتكفلة بإنصاف البشر بغض النظر عن جنسهم. فنحن نظن أن الدعوى لا ترفع ضد من يتساءل ويحاول أن يفهم، وإنما يجب أن ترفع ضد من يهزأ ويسخر. فالأولى بالقانون أن لا يعاقب من يحاول أن يفهم ما يدور حوله، ولكن القانون يجب أن يجرّم من يحاول أن يستهزئ ويسخر بمن حوله. فلقد نشرت تلك الصحفيّة مقالها في تلك الجريدة وكان قصدها (على ما أظن) أن تثير قضية جدلية لتفهم ما يدور حولها، أما أنت – يا سيدي –  فقد كتبت مقالتك لتسخر بما قالت تلك المرأة، ولا أظن أن عاقلاً لا يستطيع أن يميّز بين من يحاول أن يفهم ومن يحاول أن يسخر.
ثانياً، يسخر الكاتب من المرأة التي تساءلت عن سبب إمكانية أن يتزوج الرجل ليس فقط بأربعة نساء وإنما بأكثر من ذلك مقتبساً قولهاً:
"تتساءل فيه عن.. «حرمانها من حقها كامرأة في الزواج من اربعة رجال - في وقت واحد - يمكن ان يزدادوا الى سبعة أو ثمانية"
فهو يعتبره من باب الفكاهة (لا بل والسخرية) أن تطلب المرأة توضيحاً عن ذلك الأمر، وعن سبب عدم زواجها هي كذلك بهذا العدد من الرجال، وبكلمات أدق لقد جعل من الزواج بأكثر من أربعة محل سخرية واستهزاء يظن أنه يثير الضحك والتندر، فأرد عليه بالقول كان الأولى بك - يا سيدي- أن تسخر (إن كان هذا الأمر يدعوا للسخرية أصلاً)  من نبيك (محمد بن عبدالله) الذي تزوّج بأكثر من ذلك العدد، أما إذا كنت لا تظن أن زواج نبيك يدعو للسخرية (وهو الحقيقة بعينها) فعليك أن تبين لتلك المرأة ولكل نساء العالم لم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدد الكبير من النساء في حين أن التشريع الذي جاء به (وفهمته أنت وأمثالك) يتطلب أن يقف الرجل عند أربع نساء فقط – وهذا مبحث رئيسي سنتوقف عنده بعد قليل.
ثالثاً، يقول ذلك الرجل ساخراً:
"ماذا لو تزوجتها انا مع الزميل ولي الجاسم والزميل احمد الفهد والشيخ صالح النهام.. مثلا»؟! سوف نجلس - نحن الخمسة - على كوشة واحدة في صالة افراح «المعجل ف الفيحاء لنتلقى التهاني"
فنرد عليه بالقول: وهل -يا سيدي-  يجلس الرجل مع نساءه الأربعة في كوشة واحدة عندما يتزوج بهن؟ هل هذا رد على من يبحث عن الحقيقة؟ هل تقبل أن يزف الرجل على أربع نساء في كوشة واحدة؟ هل هذا فعلاً ما يحدث في حالة زواج الرجل بأكثر من امرأة، لتجعلها قضية كبيرة تستخف بها عقول الناس فترد به على من يتساءل عن السر في منع المرأة أن تتزوج بأكثر من رجل؟! فكما يزف الرجل إلى امرأة  واحدة في كل زيجة ولا يجلس معهن جميعاً في كوشة واحدة، فنحن نتساءل (كما تساءلت تلك المرأة) عن المشكلة في أن تزف المرأة إلى رجل واحد في كل زيجة. لذا فإننا نعتقد أنك لن تحتاج أن تجلس أنت ورفقاءك في نفس الكوشة لتتشاركوا في امرأة واحدة كما يفعل من أدمن على مشاهدة الأفلام الإباحية مع أصحابه.
رابعاً، يضيف صاحبنا قائلاً:
"لكن المشكلة ستبدأ بعد مغادرة المدعوين و«ذهابنا» جميعا الى منزل الزوجية حيث ستنشب معركة بيننا حول من.. يدخل على العروس.. اولا؟! الزميل «أحمد الفهد» هو «سلفي - عفريت» سيقترح العمل بنظام الحروف الأبجدية ولأن اسمه يبدأ بحرف «الألف» فسوف يدخل على «زوجتنا - نادين» اولاً، ثم الشيخ صالح بعده، وانا الثالث ليصبح «وليد» هو الاخير! انتهينا من المشكلة الاولى"
فنرد على ذلك بالقول: ألا تنشب مثل هذه المشكلة في زواج الرجل بأكثر من امرأة؟ ألا يعمل بمبدأ الدور في زواج الرجل بأكثر من امرأة؟ ألا يتم ترتيب الدور بين النساء ليتشاركن جميعاً في رجل واحد يوزع بينهنّ بالتساوي؟ ألم ينقل مشايخك الأحاديث التي تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستأذن نساءه إذا أراد أن يسكن إلى أحد زوجاته ولم يكن ذاك دورها؟ لم إذا جعلت مسألة الدور في زواج المرأة بأكثر من رجل أمراً يدعو للسخرية والتعجب ولا تلتفت إلى ذلك في الحالة المعاكسة؟
خامساً، يزيد صاحبنا سخريته قائلاً
وستظهر الثانية بعد تسعة اشهر حين تنجب «حرمتنا» مولودا ذكراً، لكن بوجود الفحص الجيني لن يكون صعبا معرفة الوالد الحقيقي ، وان كنا لن نحتاج اليه على الاطلاق ، بل يكفي التمرس في ملامح الطفل لنعرف والده، فإن جاء «اسمر ويكركر وايد» فهو ابن «أحمد»، وان جاء «ابيض ومتبتب» فهو اما ابني أو ابن وليد، وان كان «ادعم ومدلقم» فهو ابن الشيخ «صالح النهام»!!
فنرد بالقول، ما دام أنك تعترف بملء فيك أن التعرف على الأب الحقيقي للولد لم يعد مشكلة مع وجود الفحص الجيني، فلم إذا كانت تلك حجة على مر الزمن يروجها أمثالك من أشباه العلماء كحكمة في عدم قدرة المرأة على الزواج بأكثر من رجل؟ ثم الأهم من ذلك، هل فعلاً استطيع أن أجزم أنا أو أنت أو أي شخص على وجه الأرض أنه ابن أبيه الحقيقي؟ كيف لنا أن نعرف ما فعلت أمهاتنا؟ ألا يوجد بين أبناء المسلمين من لا يرتبط بأبيه بأكثر من الاسم الذي حمله زوراً وبهتاناً؟ فكم من الأبناء مسجل في القيود الرسمية باسم ذلك الرجل الذي لا يمت له بصلة سوى مشاركته المأكل والمسكن؟ وهل هناك دليل أكبر على ذلك من ظن نوح أن ابنه من أهله؟ ألم يرد الله عليه بالقول:
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ                                                                                هود (46)
 ثم، ألا تعلم - يا سيدي- أنّ حلّ المشكلة أبسط مما تعتقد؟ لنسجل المولود باسم والدته؟ ألا تعلم أن اليهود لا يعتبرون الشخص يهودياً إلا عن طريق الأم؟ هل تعلم لم يفعلون ذلك؟ الجواب بسيط، لأن الإنسان يمكن أن يخدع بمن هو أبوه لكنّه لن يخدع بمن هي أمه. لذا لا تجعل قضية نسبة الولد سبباً في سخريتك مما قالت تلك المرأة، ولا تجعلها حجة لعدم قدرة المرأة على تعداد الأزواج كما فعلتم على مر العصور.
سادساً، قال صاحبنا
ثم.. ماذا ستفعل «مرتنا - نادين» ف وجبات غدائنا المختلفة؟ فالزميل «أحمد الفهد» يحب الدجاج الإسلامي «أبو تسعمائة غرام»، وأنا أحب المأكولا البحرية، وولي الجاسم يعشق «ضلع الخروف المشوي مع الروب»، والشيخ صالح يحب «المطازيز» فكيف ستتفرغ لاطعام أربعة رجال اوزانهم - مجتمعين - اكثر من نصف.. طن؟!
فنرد بالقول: وماذا فعل كل مسلم متزوج بأكثر من امرأة في وجبات زوجاته؟ هل شكّل هذا الأمر قضية في تعدد زوجات الرجل؟ لم تجعلها قضية مثيرة للسخرية في طلب المرأة الزواج بأكثر من رجل؟ ألا يجد الرجل مشكلة في تلبية طلبات بيوت أربعة؟ لم لم يكن ذلك سبباً ليثنيه عن تعدد الزوجات؟ لا أظن أن هذه مشكلة إلا في ذهن من ظن أن المرأة ليست أكثر من خادمة تلبي طلبات زوجها وأولادها في النهار وطلبات زوجها في الليل. 
سابعاً، يضيف صاحباً قائلاً:
"وماذا لو حصلت على بعثة دراسية للخارج، فهل سأصطحب «زوجتي - نادين» مع ازواجها الثلاثة.. الآخرين؟!"
فنرد بالقول: هل استطعت أنت وكل من حصل على بعثة من أهل الخليج وهو متزوج بأكثر من امرأة أن يصطحب زوجاته جميعاً إلى بريطانيا أو فرنسا أو أمريكيا أو كندا ؟ كم مرة كذبتم أنكم غير متزوجين بأكثر من امرأة لتلك السلطات لتغطوا على فعلتكم تلك؟ كم مرة اصطحبتم زوجتكم الثانية بحجة أنها أختكم أو أنها الشغالة في البيت؟ لم تظن أن هذه مشكلة عندما تتزوج المرأة بأكثر من رجل ولا تفطن أنها كانت مشكلة كبرى عندما يتزوج الرجل بأكثر من امرأة؟
ثامناً، ويصل كلام صاحبنا إلى ذروته في الاستهزاء بمشاعر الآخرين عندما يقول:
على أي حال، فأنا احذر الزميلة «نادين» من ان فكرتها هذه - لو تحققت - وتزوجت من مجموعة رجال - دفعة واحدة - فسوف ينتهي تاريخ صلاحيتها خلال ستة اشهر فقط ولا تعود «صالحة للاستهلاك الآدمي»، وقد تأتيها جرافات فريق الإزالة وتأخذها إلى مكان.. بعيد.
لكن يا سيدي هل انتهت صلاحيتك (وأقرانك من الرجال) عندما تزوجت بأكثر من امرأة؟ وهل انتهت صلاحية المسلم الذي يتزوج بأربع نساء طوال حياته؟ والأهم من ذلك كله "هل انتهت صلاحية محمد بن عبد الله عندما تزوج بأحد عشر امرأة؟ إنني أظن أنك نشأت في بيئة تعتقد أن للمرأة صلاحية تنتهي بعد ليلتها الأولى في العرس، ولكن يصعب عليك أن تفهم أن صلاحيتك وأمثالك من أصحاب اللحى الذين لا تتجاوز عقولهم رغبات فروجهم قد انتهت قبل الآلاف السنين. لذا، فإنني أجزم القول أنك لا تحتاج إلى جرافات لإزالة بقاياك وأمثالك الذين لا يلقون لمشاعر الآخرين بالاً لأنّ الديدان وقوارض الأرض تتكفل بتسويتها بالتراب.
انتهى التعليق على المقالة
أما بعد،
وبعد هذا التعليق على المقالة سأحاول الخوض في موضوع فقه تعدد الزوجات، وسأحاول تقديم ذلك بطريقة مختلفة تتكفل الرد بالحجة والبرهان على كل ما يمكن أن يثار حول الموضوع من كل الأطراف المؤيد لتعدد الزوجات والمعارض لها.
بادئ ذي بدء، أود أن أنبه أن لا يفهم كلامي هذا على أنني أؤيد زواج المرأة بأكثر من رجل أو أنني أعارض زواج الرجل بأكثر من امرأة، بل فإن موقفي هو العكس تماماً.  ولكن جل غايتي هو أن أبين أن فقه تعدد الزوجات السائد قد استند إلى مثل تصورات زميلنا السابق، فهو بالطبع لم يبتكر تلك الحجج من بنات أفكاره، وإنما سوّق فكراً متجذّراً في الثقافة الإسلامية منذ قرون.
وسأحاول فيما تبقى من مقالتي هذه أن أعيد طرح فقه تعدد الزوجات بتصور (قد يكون) جديداً بعض الشيء وذلك بدراسة الأمر من المنظور القرآني فقط، وسأحاول أن أقدم  ما يبرر هذا السلوك (تعدد الزوجات للرجل وتعذر ذلك بالنسبة للمرأة) كما شرعه الله، وليس كما علق في أفكار من نخرت عقولهم الجاهلية الأولى، التي وإن كفت عن وأد الفتيات في التراب إلا أنها ما انفكت تأدهم في العقول والبيوت والمدارس والجامعات وحتى في قاعات المحاكم[5].
أما بعد،
محور البحث: فقه تعدد الزوجات السائد بين عامة المسلمين هو فكر خاطئ لا يعتمد على التشريع الرباني الصحيح
المطلوب: إعادة قراءة مصادر التشريع الإسلامي الحقيقية للوصول إلى الفكر السليم
الطريقة والمنهجية: جلب الأدلة من كتاب الله وسنة نبيه على كل سؤال يطرح وجواب يقدّم
الأسئلة:
1.      هل يحق للرجل أن يعدد الزوجات؟
2.      هل يجوز للمرأة أن تعدد الزوجات؟
3.      لم يتزوج المسلم أربع نساء فقط في الوقت الواحد؟
4.      لم تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع نساء؟
5.      لم لم يعقد النبي على بعض نساءه مثل ماريا القبطية؟
6.      الخ.
الرجل يعدد الزوجات والمرأة لا تعدد الأزواج
للجواب على السؤال الأول والثاني فإننا نؤمن إيماناً مطلقاً أن الرجل يحق له أن يعدد زوجاته بينما لا يحق للمرأة أن تعدد الأزواج في الوقت الواحد، ودليلنا على ذلك ما ورد صراحة في كتاب الله حول هذا الموضوع، قال تعالى:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا                                    النساء (3)
فهذا نص واضح صريح موجه للرجال ليقدّم لهم الرخصة الشرعية أن يعددوا زوجاتهم، ومن لا يقبل بهذا النص فهو يرد شيئاً من كتاب الله، ونحن كمسلمين مطالبين أن لا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، لأن العاقبة وخيمة لمن يفعل ذلك، قال تعالى:
"...أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"                    البقرة (85)
ففي حين أن التشريع الإلهي يبيح للرجل أن يعدد زوجاته، لا نجد مثل هذه الرخصة للمرأة إطلاقاً في كتاب الله. ومن يزعم خلاف ذلك فليقدم لنا الدليل من كتاب الله، ونحن على استعداد للتخلي عن موقفنا هذا فوراً، وأما من جلب دليلاً من بنات أفكاره فذاك ما يظن هو، فلا يكون بأي حال من الأحوال ملزماً لعامة المسلمين.
ولا أظن أن أحداً يمكن أن يجادل في الحقيقة الصارخة أن النبي نفسه قد عدد الزوجات، فكان هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل الصحابة ذلك إتباعا لسنته، وكانت تلك سنة المسلمين على مر التاريخ، ولا نجد في ذلك التاريخ كله قيام النساء بتعداد الأزواج (إلا بالزنا – وهو ما يمكن أن يفعله كثير من الرجال المعدد للزوجات وغير المعدد للزوجات)، لكن عندما نتحدث عن الزواج المعلن والمبرم بعقد النكاح نجد ذلك من سلوك الرجال ولا نجد ذلك السلوك عند النساء.
وهنا سيرد الكثيرون بالقول أننا نعلم ذلك ونؤمن به، فنحن لا ننكر الحقائق، ولكننا في الوقت ذاته نساءل فقط عن السبب في هذا الواقع، فلسان حالهم يقول: هل هناك من يستطيع أن يقنعننا بهذا الوضع القائم وبهذا التشريع الرباني؟ فنحن نتساءل عن الحكمة في ذلك لأننا ببساطة لا نجد الأسباب التي يسوقونها للأمر مقنعة مرضية لكل طامح لبلوغ الحكمة في ذلك.
نقول أننا –بإذن الله- نملك الدليل الدامغ والمقنع، ولكن لكي أقدم ذاك فأنني أطلب شيئاً واحداً وهو القبول بالحقائق كما يقرها الله في كتابه وعدم المجادلة والمماطلة، فالحق هو ما في كتاب الله وما عدا ذلك فهو باطل باطل. وعلى الجميع أن يقبل بالحقائق سواءً كانت لصالح الرجل أو لصالح المرأة كما قد تبدو للوهلة الأولى، لأنه في النهاية سيبين لنا أن الخير هو فيما شرعه الله.
السؤال: ما الحكمة من تعدد الزوجات؟
الجواب : إننا نزعم أن الحكمة من تعدد الزوجات هي لأن النساء لسن من الناس. انتهى
ما الذي تقول يا رجل؟ النساء لسن من الناس، ما هذا الكلام؟ اتق الله، لقد كنت للحظة تهاجم ذلك الرجل الذي استهزأ بمشاعر النساء وغدوت كأنك المدافع عن حق المرأة، وها أنت تنكص على عقبيك لتقول كلاماً أشد خطورة وأكثر ازدراء للنساء مما قال صاحبك.
كلا، إن هذا الظن ليس من عندي بل هو ما فهمته من ما هو موجود في كتاب الله، وقبل أن نتجادل لا بد من قبول الحقائق إن تبيّن لنا أنها مستقاة من كتاب الله، أليس كذلك؟ فامنحني إذاً الفرصة لتقديم الدليل أولاً، وإن وجدت بعدها أن هذا الزعم من عندي فلا تتردد في رفضه، ولكن إن وجدت أن هذا هو الحق كما يرد في قول الله، فلا أظن أن مسلماً يستطيع رده،  (وإن هو أراد أن يحتج فعليه أن يقرع على الباب الصحيح)، وإليك الدليل من كتاب الله على أن النساء لسن من الناس، وبعدها سيبين لنا جميعاً الحكمة من تعدد الزوجات كما شرعها الله في كتابه الكريم (حسب فهمنا بكل تأكيد)، ولنبدأ بقوله تعالى:
          اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ                  الحج (75)

تشير الآية الكريمة أن رسل الله تعالى هم من فئتين من خلقه: من الملائكة ومن الناس، ونحن نعلم كذلك أن الله لم يتقبل في كثير من مواطن الكتاب العزيز أن يسمي الملائكة تسمية الأنثى، وبالتالي فرسل الله من الملائكة لا يمكن أن يكونوا إناثا:
          وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا ۚ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ۚ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ                                                                               الزخرف (19)
فرسل الله من الملائكة ورسل الله من الناس لم يكونوا إناثاً، فالله قد خص شرف وتكليف الرسالة بالذكور، لذا فعندما يقول الله سبحانه "اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ" فإننا نستشعر أنّ مفردة الناس لا تشمل في ثناياها الإشارة إلى الإناث، ولا أعلم إن كان هناك من رسل الله من هم من جنس الإناث؟ ففي حين أنّ البشرية تنقسم إلى قسمين اثنين متساويين إلى حد كبير في العدد (حوالي 50% لكل قسم) جاء جميع رسل الله إلى الناس من قسم واحد وهم الذكور؟ وسيكون الرد السريع لدى علمائنا الأجلاء هو أن الرسالة تتطلب المشقة التي ربما لا تستطيع أن تتحملها المرأة، فنرد عليهم بنفس المنطق: إن كان كذلك، فلم تقبلوا فكرة أن تقوم النساء بمشاطرة الرجال في الوظائف؟ ألم تشتغل النساء في الهندسة والطب والتعليم وجميع مجالات العمل؟ ولا ننسى أن هناك من النساء من تولت مناصب تصل إلى رئاسة الوزارة أو حتى رئاسة الدولة؟ وقد قادت نساء كثر أحزاب وجمعيات ونوادي، وقدمنّ الدليل العملي على نجاحهن في تلك المجالات، أليس هذا هو المنفذ أو سلاح من تنصب نفسها مدافعة عن حق المرأة؟
اما ما يهمنا نحن فهو سؤال واحد: هل فعلاً ورد في كتاب الله أن سبب بعث الرسل من فئة الذكور هو لداعي تحمل المشقة؟ أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟ من أين أحضرتم دليلكم هذا، من كتاب الله أم من عند أنفسكم؟ بل نزيد لنتساءل عن سبب عدم وجود امرأة واحدة فقط بين عشرات (بل مئات وألوف) الرسل لتحظى بذلك الشرف؟ ألم تنقلوا لنا أن واحدة من أهم أسباب زواج النبي بهذا العدد الهائل من النساء هو لنقل الأحكام الخاصة بالنساء؟ إن كان ما زعمتم صحيحاً، لم لا يكون هناك عبر تاريخ البشرية جميعاً امرأة واحدة رسولة أو نبيّة لتشرع تلك الأحكام؟ ثم ماذا عن من اتبع عيسى بن مريم من النساء قبل مجيء الإسلام؟ من أين كانت تلك النساء تتحصل على تلك التشريعات؟ ربما من زوجات عيسى بن مريم؟ أليس كذلك؟ ما الذي تقول يا رجل، لم يكن عيسى متزوجاً إطلاقا؟ آه لقد غفلت، أعتذر عن ذلك ولكني أصرّ إذاً على سؤالي: كيف حصلت النساء في شريعة عيسى على تعاليم دينهم الخاصة بهن؟ إنني لا أقبل مثل هذا التبرير إطلاقا لأن ذلك ليس موجوداً ولا أصل له في كتاب الله، وإنما هو من عند بعض الناس الذين ظنوا أن هذا جزء من حكمة تعدد الزوجات. نقول لهؤلاء جميعاً لنترك مثل هذه التفاهات ولنبحث عن الحكمة الحقيقية.

لذا لنعد إلى صلب الموضوع لنثبت أن النساء لسن من الناس، وهو ما نظن أنه سيبين لنا الحكمة من تعدد الزوجات، أما الدليل القطعي الذي يثبت ما نذهب إليه من زعم أن الإناث لسن من الناس فيأتي من الآية الكريمة التالية، الآية التي تشكل الدليل الدامغ أن النساء ليسوا من جنس الناس والتي تليت على مسامعنا ليل نهار، ولكننا غفلنا عن الوقوف عند أبسط استنتاج يمكن أن نخرج فيه لو أمعنا التفكير في ربط مفردات الآية بعضها مع بعض، قال تعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ                                                                                         آل عمران (14) 
تدبر – عزيزي القارئ – مفردات الله الكريمة جيداً، فالله سبحانه يقول "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ"، أليس كذلك؟ فمن هم الناس الذين زين لهم حب الشهوات؟ هل هم الذكور والإناث معاً؟ أم هل هم الذكور فقط؟
إن تتمة الآية الكريمة تبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل أن المقصود هم الذكور فقط؟ فالله سبحانه يقول:
          زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ...
فكيف إذن يستقيم المعنى أن تكون المرأة شهوة للمرأة (إلاّ أن يكون الفكر الإسلامي قد قبل فكرة السحاقيات)؟ فإذا كانت المرأة من الناس، فهناك مجال من التأويل أن تكون المرأة شهوة للمرأة، (كأن يصبح معنى الآية الكريمة "زين للنساء حب الشهوات من النساء") وهو ما لا يمكن أن يتقبله الفكر الإسلامي، وللخروج من هذا المأزق، نقول أن مفردة الناس لا تشمل الإناث، وعندها لا تكون النساء شهوة للنساء، وإنما النساء شهوة للناس (أي الذكور)، ولكن ذلك لا يشمل-بكل تأكيد- الذكور جميعاً، وإنما الذكور الذين أصبحت النساء شهوة لهم، وهم بالتأكيد من بلغ الحلم، لذا نجد الدقة المتناهية في الآية الكريمة لتبين أن الشهوات للناس تشمل النساء وكذلك البنين، فالأطفال ليسوا كذلك من الناس، فالذكر يصبح من الناس متى بلغ الحلم.

ما هي تبعات هذا الزعم؟
أولاً، إننا نفهم أنّ خطاب التكليف من الله جاء موجهاً دائماً للناس، ونحن نعلم أن الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم غير مكلفين وغير معنيين بالخطاب الرباني عندما ياتي موجهاً على صيغة "يا أيها الناس":
          يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ                 البقرة (21)
فهل يجادل أحد أن الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء غير مكلفين بدعوة "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ "؟ وهنا سينبري الكثيرون للرد بالقول: إذاً النساء غير مكلفين بالعبادة، فالله يطلب من الناس (أي الذكور) أن يعبدوا ربهم، أليس هذا ما يمكن أن نستنتجه من كلامك؟ نعم هو كذلك، النساء غير مكلفات مثل الرجال بمعنى التكليف الذي تنصّ عليه الآية الكريمة. إننا نفهم أن خطاب التكليف الذي نصه " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ" موجه بالتحديد للناس (أي من بلغ الحلم من الرجال)، وما دام أن ذلك لا يشمل الأطفال والنساء، فليس عليهن ما على الرجال من مهمة تكليف العبادة.
ولكن لا تفرح كثيراً أيها الرجل، لأنك كما فهمت أن التكليف (كما تنصّ عليه الآية الكريمة) جاء خاصاً بالرجل، فإن العاقبة جاءت كذلك، قال تعالى:
            اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ                                      الأنبياء (1)
وعندها سيقع ما لا يمكن أن تتمناه:
          فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ                                                                                                          البقرة (24)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ                                        التحريم (6)
فكما يتحمل الرجل التكليف بشرف العبادة، فهو من سيقع عليه الحساب الفعلي وهو من سيكون وقود النار، لذا فإن النساء في مأمن من هذه العاقبة، وليس كما روج بعض المظللين بأن النساء هن أكثر أهل النار، فهم قد نقلوا مثل هذا الاعتقاد عن ما نقلوه (زوراً وبهتاناً) عن حادثة الإسراء (ولا أرغب الدخول في هذه الجدلية هنا ولكن من أحب التطرق إلى هذا الجانب فيستطيع الرجوع إلى مقالتنا تحت عنوان "أين تمت مخاطبة الله نبيه موسى")

وهناك دليل آخر في كتاب الله يدعم زعمنا أن النساء لسن من فئة الناس، وهذا الدليل هو مطلع سورة النساء نفسها التي وردت فيها رخصة تعدد الزوجات للرجل، فنحن نظن أن القراءة الدقيقة المتأنية لتلك السورة الكريمة تبن لنا أن النساء لسن من تلك الفئة، وسنستعرض تلك الآيات الكريمات ثم ننطلق إلى التعليق عليها من هذا المنظور، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ۚ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۖ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)
تبدأ السورة الكريمة بمناداة فئة معينة وهم الناس في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ"، أليس كذلك؟ إن جل ما نطلبه من القارئ الكريم هو متابعة الضمير المستتر والمتصل في الآية الأولى والآيات التي تبعتها، ففي الآية الأولى يبين الله لنا أن الناس قد جاء خلقهم من نفس واحدة ومن ثم بث منهما رجالاً كثيراً ونساء:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)
وفي الآية الثانية يطلب الله من تلك الفئة أن يؤتوا اليتامى أموالهم، فمن هي تلك الفئة المطلوب منها أن تؤتي اليتامى أموالهم؟ أليست هي فئة الناس؟
وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)
ويأتي القول الفصل في الآية الثالثة عندما يوجه الله الخطاب إلى الفئة نفسها أن تنكح النساء:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا (3)
وتتعزز الفكرة في الآية الرابعة:
وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (4)
إن مراد القول هو أن الخطاب في تلك السورة بدأ موجهاً إلى فئة الناس في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ"، ثم يطلب الله من تلك الفئة أن تنكح ما طاب لهم من النساء " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ"، فنحن نتساءل: كيف ستقوم تلك الفئة (أي الناس) بأن تنكح ما طاب لها من النساء إذا كانت النساء هم من فئة الناس؟ من يدري!!!
إننا نستنتج أن تصنيف الخلق إلى من هم من فئة الناس (الذكور) ومن هم ليسوا من فئة الناس (الإناث والأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء) هو تصنيف ربما يحل كثيراً من إشكالات الفكر الإسلامي التي أوقعنا بها القدامى والمحدثين نتيجة فهمه الخاطئ لمثل هذه المفردات التي ظنوا أنها بسيطه لدرجة أنها لم تشغل تفكيرهم كما يجب، ربما لظنهم أنهم قد أحاطوا بها علماً، ولكننا نؤكد أن هناك الكثير الذي يجب عمله لفهم مثل هذه المفردات "البسيطة" قبل القفز إلى إصدار الأحكام الشرعية العقائدية منها والفقهية.
فنحن نظن أننا نستطيع بما تحصل لنا من فهم لتلك الفكرة (تصنيف الخلق إلى من هم من فئة الناس ومن هم من غير تلك الفئة) تسليط الضوء على مجمل تلك القضايا بطريقة قد تيسّر فهماً جديداً، منها ما يتعلق بقضايا حقوق المرأة وتعدد الزوجات، وحق الانتخاب، والميراث، والشهادة، والحج، والحكم، والقضاء، الخ. وقد تعرضنا في مقالة سابقة لنا كيف يمكن أن يحل مثل هذا الفهم إشكالية المساواة بين الرجل والمرأة (لذا نطلب من القارئ الرجوع إلى مقالتنا تحت عنوان جدلية الذكر والأنثى سابقاً) وإشكالية زواج المتعة (ونطلب من القارئ الرجوع إلى مقالتنا تحت عنوان زواج المتعة لاحقاً)، أما في مقالتنا هذه فإننا ننوي الخوض في قضية أخرى وهي تعدد الزوجات.

أما بعد،
لنعود إلى الآية التي انطلقنا منها لنثبت أن النساء لسن من الناس لنرى كيف يمكن أن ننفذ من خلالها إلى إمكانية فض الخلاف في قضية تعدد الزوجات بطريقة مختلفة تماماً عما فهمه أسيادنا العلماء السابقون منهم والمعاصرون، لهذا سنعيد الآية نفسها ونتفحّصها من هذا المنظور، قال تعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
لقد تحصل لنا الفهم أن مفردة الناس الموجّه لهم الخطاب في الآية الكريمة هي خاصة بالرجال (أو بكلمات أكثر دقة بمن بلغ الحلم من الرجال)، والحالة هذه، لنسلط الضوء على قضية تعدد الزوجات بطريقة أخرى لمن يؤمن أن كلام الله صحيح على إطلاقه، ولكن من أراد أن يجادل في كلام الله فهذا شأنه، فنحن لم نتكفل إقناع من يكذّب كلام الله، ولكننا نتكفل إقناع من آمن أن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نقول لهؤلاء أمعنوا التفكير في مفردات هذه الآية الكريمة جيداً، ألا ترى أن الآية الكريمة تتحدث عن شهوات الرجال؟ أليس هذا ما نفهم من قوله تعالى "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ"؟ فما هي تلك الشهوات؟ إنها على الترتيب التالي كما تقدمها الآية نفسها:
- النساء
- البنين
- القناطير المقنطرة من الذهب والفضة
- الخيل المسومة
- الأنعام
- الحرث
أليس كذلك؟ بلى، سيرد صاحبنا بالقول، ولكن ما علاقة ذلك بتعدد النساء؟ نقول دعنا نسأل سؤالاً آخر قبل أن نجيب على تساؤلك هذا: كيف تنهي الآية الكريمة الحديث عن هذه الأشياء مجتمعة؟ الجواب: ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
إن أبسط ما يمكن أن نخلص إليه بعد هذه القراءة للآية الكريمة هو: أن جميع ما ذكرته الآية من الشهوات (النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ) هي في مجملها متاع الحياة الدنيا، أليس كذلك؟ بلى، ولكن ما علاقة ذلك بتعدد الزوجات؟
نقول للنساء (قبل الرجال) إذا كنتم تؤمنون بهذه الآية الكريمة: هل تجدون ضيراً في أن يكون لك أكثر من ولد؟ هل تجد ضيراً في أن يكون لك ملء الأرض ذهباً وفضة؟ هل تمانع أن تكون لك عشرات بل مئات الخيل المسومة؟ هل تجد مشكلة في أن يكون لك قطعاناً تملأ الوديان من الأنعام؟ وألا ترغب أن تملك عشرات (بل مئات) المزارع؟ الجواب: بلى، فذاك من نعم الحياة؟
النتيجة: لم تمانع إذاً أن يكون للرجل أكثر من امرأة؟ أليست هي أيضاً بنص الآية الكريمة نفسها جزءاً من متاع الحياة الدنيا؟ فما دامت النساء في كتاب الله (كما َالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ) جزءا من متاع الحياة الدنيا، فلا ضير في أن يكون للرجل الكثير منها.
ماذا تقول يا رجل: المرأة كالخيل والأنعام والحرث؟ أتق الله! لقد تبين لنا قبل قليل أن النساء لسن من الناس، وها أنت تزعم أنها متاع الحياة الدنيا كالخيل والأنعام والحرث. وأي مهانة أكثر من ذلك؟ نعم هي كذلك كما ترد في كتاب الله، فلست أنا من وضع النساء في تلك الصحبة، بل هذا من عند الله، ومن أراد أن يحتج (رجلاً كان أو امرأة) فليس له حجة عليّ بل (ليكن لديه الجرأة الكافية) ليحاج ربه في ذلك، ليسأل ربه لم قدم النساء لنفس الغرض الذي قدم َالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ كشهوة للناس (أي الرجال) ليكونوا في مجملهم متاع الحياة الدنيا بنص الآية الكريمة "ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا"، فلا أظن أن مفردة "ذلك" تعود على صنف واحد دون الأصناف الأخرى بل هي الأصناف كلها مجتمعة.   

كم زوجة يستطيع الرجل التمتع بهن في الوقت ذاته؟
تمهل قليلاً، هناك سؤال كبير سأطرحه الآن وهو: يمكن أن يكون كلامك هذا صحيحا (يقول صاحبنا)، ولكن هناك شيء لابد من الوقوف عليه أولاً: ألا يستطيع الإنسان أن يملك عدداً كبيراً من البنين، وعدداً غير محدود من الخيل والأنعام، وما شاء من الحرث، إذاً لم لا يستطيع أن يحصل الرجل إلا على أربع نساء فقط؟ ولو حصل على الخامسة فعليه أن يتخلص من واحدة منهن؟ ألا ترى أن هذه الحقيقة تنفي إمكانية المساواة بين النساء من جهة وبقية الفصائل التي تذكرها الآية الكريمة كالبنين والخيل والحرث، الخ، من جهة أخرى؟
فنرد على هذا السؤال المشروع بالقول: هذه هي الأكذوبة الأكبر التي سوّقها أهل الفكر الإسلامي لقرون من الزمن، فوقعوا وأوقعوا الدين بأكمله في إشكالية أصبح من المتعذر (بل من المستحيل) الخروج منها، ولكن كيف؟
إننا نملك الدليل من كتاب الله ومن سنة نبيه أن النساء كبقية الفصائل الأخرى تقع في نطاق متاع الحياة الدنيا، لذا ليس هناك حد لعدد الزوجات التي يستطيع الرجل الزواج بهن في الوقت الواحد. وما كانت فكرة تحديد العدد بأربع زيجات بأكثر من أكذوبة لا أساس لها في كتاب الله ولا في سنة نبيه. كلام جد خطير، أليس كذلك؟

أما بعد،
السؤال: كم امرأة يستطيع الرجل أن يتزوج في الوقت الواحد؟
الجواب: ما شاء من النساء (لا حد لذلك)
لقد أصبح من المستقر في العقيدة الإسلامية فكراً وتطبيقاً أن الرجل لا يستطيع أن يتزوج بأكثر من أربعة نساء في الوقت الواحد، وقلّ من يجادل في هذه القضية، فقد أصبحت جزءاً من المسلمات، وأصبح الخوض فيها نوعاً من المجازفة التي ربما ينعت من يطرحها (من مثلي) بالجنون. ولكن مثل هذه الحال لن تحبطنا ولن تمنعنا من طرح الإشكالات التي ربما تلقي بظلال الشك على الأمر برمته، لنخلص إلى أن مسألة تحديد عدد الزوجات بسقف أعلى وهو أربع نساء لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة نبيه، وما كان ذلك أكثر من فهم مغلوط لما ورد في الكتاب ومخالفة فاضحة لتطبيق السنة النبوية.
الأسئلة:
1.     لم العدد أربعة على وجه التحديد؟ ما السر في العدد أربعة؟ لم لا يكون ذلك ثلاثة أو خمسة مثلاً؟
2.     لم تزوج النبي بأكثر من ذلك؟
3.     لِمَ لَمْ يعقد النبي على بعض زوجاته عقد النكاح؟
4.     الخ.
لم أربع زوجات فقط؟
لم أجد في الفكر الإسلامي جواباً (ولا حتى طرحاً) لهذا السؤال، فقليل من المسلمين من يلتفت إلى هذه الجزئية، ربما لظنهم أنها غير ضرورية، ولكننا عندما نؤمن أن هذا الكلام قد جاء من عند الله فيجب أن نتيقن أن كل شيء يأتي من عند الله هو بقدر ويخلو من العبثية، والحالة كذلك، فإننا نسأل عن السر (أو الحكمة) في أن يقف الرجل عند زيجات أربعة.
تناقضات:
عندما يطرح موضوع تعدد الزوجات يروج البعض لفكرة أن في تعدد الزوجات خير للنساء بشكل خاص وللمجتمع  بشكل عام، فغالباً ما روج أهل الدين على وجه الخصوص لفكرة أن بقاء المرأة في عصمة زوجها خير من طلاقها عند الزواج بأخرى، فهم يظنون أن طلاق المرأة ربما يضر بها شخصياً ويضر بالمجتمع ككل، لذا فمن الأفضل أن يبقى الرجل الذي يريد الزواج بأخرى على المرأة الأولى ولا يطلقها، أليس هذا ما يروجه بعض أصحاب العمائم البيضاء منها والسوداء المدافعين عن التعددية؟
نقول دعنا نوافقكم الرأي للحظة أن في بقاء المرأة في عصمة زوجها خير لها وللمجتمع، ولكن هناك سؤال لا بد أن يطرق وهو: ما الذي يحصل في حالة مشايخ وأمراء النفط مثلاً الذين أحبوا أن يتزوجوا بأكثر من أربع نساء؟ لم يقوم بتطليق واحدة ليتزوج بالخامسة، والثانية ليتزوج بالسادسة، وهكذا؟ لم لا يبقيهن في عصمته جميعاً؟ ألا يملك المال الكافي لينفق على مئات بل الآلاف النساء؟ أليس هذا هو منطقكم؟
كلا، إن ما زعمتم من مثل هذه الحكمة ليست أكثر من محض افتراء على الله لأنها ببساطة ليست من عند الله بل من عند أنفسكم! ولو تطرقنا لكل الحكم التي سقتموها في فقه تعدد الزوجات لوجدنا أنها جميعاً من نسج خيالكم، ونتحدى أن يقدم أي منكم آية واحدة من كتاب الله تدعم ما ظننتم وزعمتم. ونحن غير ملزمين بأرائكم وظنونكم ولكنّا بكل تأكيد سنؤمن إيماناً مطلقاً بما جاء من عند الله. قال تعالى:
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۖ هَٰذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُمْ مُعْرِضُونَ                                                 الأنبياء (24)
            ... قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ                                                                                                                                                                                                                                                  الأنعام (148)
إذاً، ما الحكمة في الوقوف عند أربعة؟ ما سر الرقم أربعة في قضية تعدد الزوجات؟
سيرد الكثيرون بثقة منقطعة النظير بالقول أنّ هذا مثبت في كتاب الله. وربما يذهبوا إلى الاعتقاد بأن المجادلة في هذا هو تحد صارح لمنطوق النص القرآني وصريح لفظه، فلسان حالهم يقول: ألم يثبت الله في كتابه الكريم أن الرجل يستطيع الزواج بأربعة نساء فقط؟
فنرد بالقول، كلا وألف كلا، الله لم يقل الله ذلك، وما ذلك إلا من قبيل افتراء الكذب على الله. ونحن نتحدى أن يثبتوا لنا ذلك، وهنا سيرد الملايين علينا متسلحين بالآية الكريمة التالية:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا                                    النساء (3)
سيصرخ الملايين قائلين بنبرة المنتصر: ألا ترى؟ أليس هذا ما شرعه الله؟ أليس هذا نص صريح بأن النكاح لا يجوز أن يقع على أكثر من أربع نساء؟ ماذا تريد أكثر من ذلك؟
فنرد بالقول: هل فعلاً تثبت هذه الآية الكريمة أن الرجل لا يستطيع الزواج بأكثر من أربع نساء؟ كلا وألف كلا، فذاك ما أخطأتم في فهمه وليس ما تنص عليه الآية الكريمة، ولكن كيف؟
نقول إننا نملك الدليل من كتاب الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الآية لا تعني بأي حال من الأحوال ما فهمتم وطبقتم في موضوع تعدد الزوجات، وقبل أن تهاجمني وتنعتني بالتهريج والتخريف فانتظر -يرحمك الله- لتسمع الدليل من الكتاب ومن السنة
الدليل من الكتاب
إننا نفهم أن كلام الله دقيق مقصود بلفظه لا يمكن أن نزيد عليه ولا أن ننقص منه، أليس كذلك؟
إذاً لنفهم قول الله كما يريده الله، وليس كما أريده أنا، أو ترغبه أنت، لذا أصبح من الواجب أن نفسّر كلام الله كما يريدنا الله أن نفسره وأن لا نخضعه لأهوائنا وآراءنا التي ما انفكت تتغير بين ليلة وضحاها، وهنا ندعو الجميع إلى التأمل ملياًّ في اللفظ كما جاء في كتاب الله بلا زيادة ولا نقصان، قال تعالى:
            فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
أليس هذا هو اللفظ القرآني دون زيادة ولا نقصان؟ بلى، ولكن ما الذي تستطيع أن تظيفه على ما فهمناه وطبقناه على مدى قرون من هذا النص؟
إنني أود التأكيد على أن هذا النص لا يعني بأي حال من الأحوال أن عدد الزوجات مقتصر على أربعة، ولكن أين الدليل؟
الدليل من القرآن
لعل الجميع قد سمع بخبر مخلوقات تسمى الملائكة؟ ولكن، هل شاهد أحد منّا الملائكة بأم عينه؟ هل يستطيع أحد أن يصف لنا شكلهم وهيئتهم؟ مما لا شك فيه أننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بغير ما ورد في كتاب الله في وصفهم، أليس كذلك؟ ولكن ما علاقة الملائكة بقضية تعدد الزوجات؟ ربما يتساءل البعض مستغرباً!
فنقول أن العلاقة مباشرة خصوصاً إذا ما طرحنا السؤال التالي: كم عدد أجنحة الملائكة؟ هل للملائكة جناحين اثنين أم ثلاثة أم أربعة؟ سيرد الجميع متسلحين بالأحاديث الكثيرة أن للملائكة أجنحة كثيرة وليس فقط أثنين أو ثلاثة أو أربعة، ولكن ألم يرد وصف أجنحة الملائكة في كتاب الله في الآية الكريمة التالية؟
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ                                          فاطر (1)
لقد ورد في كتاب الله وصف لأجنحة الملائكة على نحو مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، أليس كذلك؟ والآن أدعوك –عزيزي القارئ- أن تتفقد معي اللفظ القرآني في الحالتين: حالة تعدد الزوجات وحالة أجنحة الملائكة:
            فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ
أليس اللفظ متطابق في الحالتين؟ إذن لنطرح سؤالاً للتدبر على الجميع: لم ظن علماؤنا الأجلاء أنه يجب الوقوف عند أربع دون زيادة ولا نقصان في حالة الزواج ولم يقفوا عند أربعة فقط في حالة أجنحة الملائكة في حين أن اللفظ هو نفسه في الحالتين؟ وبكلمات أخرى، لم فسّر العلماء معنى مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ في حالة الزواج على نحو الوقوف عند اللفظ كما هو، بينما لم يفعلوا ذلك في حالة أجنحة الملائكة؟ هل هذا فعلاً ما هو يدل عليه صريح اللفظ في كتاب الله أم هو ما فهموه هم من كتاب الله؟ ما دام أن اللفظ واحد في الحالتين، لم جاءت التفسيرات متباينة؟ لذا لا نتردد أن نقول لهم ذاك ليس من عند الله بل هو من عند أنفسكم، ولا يحق لكم أن تلزمونا به، فلو فسّر علماؤنا الأجلاء اللفظ في حالة أجنحة الملائكة على نحو الوقوف عند أربعة فقط لكنت أصدق قصتهم عن تعدد الزوجات، ولكن لما جاءت تفسيراتهم متباينة لنفس اللفظ، فلا أشك قيد أنملة أن في تفسيراتهم تلك مشكلة يجب الوقوف عندها.
إننا نؤمن أن كلام الله مقصود بلفظة، ونؤمن كذلك أنّ هذه المطابقة في اللفظ بين تعدد الزوجات وأجنحة الملائكة ليست من باب العشوائية في القول، بل هو اللفظ المقصود لغايته، فما دام أن معنى مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يمكن أن تحمل على التعدد غير المحدد بعدد حتى لو وصل إلى سبعين أو أكثر كما هي الحال في حالة أجنحة الملائكة، فلا ضير في تفسير نفس اللفظ في حالة تعدد الزوجات بنفس الطريقة، لذا فنحن نؤمن أن عدد الزيجات المسموح بها للرجل هي بعدد أجنحة الملائكة، وليختار علماؤنا بعد ذلك الرقم الذي يحبون.
وهنا قد يرد البعض عليّ بالقول: لم تحمل اللفظ على المجاز في هذه الحالة؟ أقول كلا ,الف كلا، فذاك ليس من باب المجاز، ولكني دلوني على اللفظ في العربية الذي يدل على معنى (إلى آخره)؟ فهل تتوقع أن يأتي اللفظ القرآني على نحو:
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وخماس وسداس وسباع و.....؟
لا يمكن أن يكون كذلك، فاللغة العربية تعجز أن تقدم مفردة واحدة تدل على معنى "إلى أخره"، فلم يحصل ذلك في حالة الحديث عن أجنحة الملائكة، ولم يحصل ذلك في حالة الحديث عن تعدد الزوجات، وذلك بسبب عجز في اللغة العربية (ولا أرغب أن أدخل هنا في هذه الجدلية فمن أراد الاستزادة في هذا الموضوع نطلب منه أن يقرأ مقالتنا تحت عنوان جدلية الحقيقة والمجاز في القرآن)

الدليل من السنة المطهرة
لا أظن أننا سنجد كثير عناء في أن نجد من السنة المطهرة ما يدعم (لا بل ويثبت) النتيجة التي خلصنا إليها، ولا أجد أصدق على ذلك من فعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم نفسه. فنحن نؤمن أن ليس هناك مخلوق يمكن أن يفهم كلام الله على حقيقته كما فهمه المصطفى صلى الله عليه وسلم، فطبق ذلك عملياً عندما تزوج بأكثر من أربعة نساء في نفس الوقت.
لقد سبب فهم علمائنا الأجلاء الخاطئ للآية الكريمة السابقة إشكالية كبيرة في الفكر الديني الإسلامي، ففتح الباب (والنوافذ) للنقد اللاذع للجميع، وقد جاء نقد الحاقدين من زاويتين اثنتين وهما:
1.      أن محمداً قد خالف التشريع الذي جاء به عندما تزوج بأكثر من أربعة نساء
2.      أن محمداً مزواج محب للنساء
ولعلي أجزم أن هذا النقد المقصود به التشكيك وليس فهم الحقيقة كان سببه التفسيرات والتطبيقات الخاطئة للنصوص القرآنية التي قدمها علماؤنا الأجلاء لهؤلاء الناس على طبق من ذهب ليصبوا جام غضبهم على هذا الدين وعلى النبي الذي جاء بهذا الدين.
لماذا تزوج النبي بأكثر من أربع نساء ما دام أن التشريع بنص القرآن (كما فهمه أسيادنا)  لا يسمح للمسلم الزواج بأكثر من أربع نساء؟ وبكلمات أخرى، أليس الزواج محدد بأربع نساء كما تزعمون أن هذا هو ما جاء في قوله تعالى: مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ؟ فلم إذا يتزوج نبي الأمة والمشرع البشري الأوحد بأكثر من هذا العدد؟ ألا يجدر بالنبي أن يكون أكثر الناس التزاماً بتعاليم الشريعة التي جاء بها؟ كيف به يشرّع للناس ما لا يطبقه على نفسه؟ كيف به يخالف تعاليم الكتاب الذي جاء به؟ كيف بالنبي يقرأ كلام الله " مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ" ويقوم هو بالزواج بأكثر من ذلك في مخالفة واضحة لنص الآية الكريمة؟ ومن يظن أن ليس في زواج النبي مخالفة لنص الآية فهو كمن يضحك على نفسه، لأن الله (كما يزعمون) قد حدد الزواج بأربع والنبي على أرض الواقع يتزوج بأكثر من ذلك. لِمَ لَمْ يقم النبي بتسريح بعض أزواجه، ويقف عند حد الأربعة عندما نزلت هذه الآية الكريمة (إن كان ما زعموه صحيحاً)؟ لم افترض (حسب زعمكم) أن هذه الآية تخص غيره ولا تنطبق عليه؟ إن هذا الطرح يقدم لنا سيناريوهين اثنين لا ثالث لهما، وهما:
1. النبي يخالف النص القرآني
2. النبي يفهم النص القرآني على غير الشاكلة التي فهمها علماؤنا الأجلاء
ولأننا على يقين أن النبي لا يمكن أن يخالف تشريعاً ربانياً، وهو أولى الناس بتطبيق الشريعة التي جاء بها من عند ربه، فإننا نرجح السيناريو الثاني وهو أن النبي قد فهم النص القرآني على غير الشاكلة التي فهمها علماؤنا الأجلاء. وهذا الظن نابع من الإيمان اليقيني أن النبي هو أقدر الناس على فهم كتاب الله، فهو أكثر الناس التزاماً بالتطبيق الصحيح لذاك النص القرآني. فنحن نظن أن النبي قد فهم معنى مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ في موضوع عدد الزوجات كما فهم النص نفسه في موضوع أجنحة الملائكة، فهذه الصيغة في العربية تعني ما شئت من عدد (أي مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ... الخ). ولعل هذا النص هو ما يدعمه بداية الآية نفسها في قوله تعالى " فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ".
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا                                    النساء  (3)
لقد قدم علماؤنا الأجلاء جواباً لا يرضي الله ولا رسوله عندما ظنوا أن هذه الآية لا تنطبق في حالة النبي لأن هناك خصوصية للنبي لا تنطبق على الناس، فظنوا أن النبي يستطيع الزواج بأكثر من أربعة لأنه نبي، وقدموا تفسيرات هزيلة لمثل هذا التصرف، والمفارقة العجيبة في مثل هذا الزعم هي أنه في الوقت الذي يروجون فيه لخصوصية النبي في موضوع النكاح مثلاً ما انفكوا يطالبون الناس بتطبيق سنة محمد والالتزام بها (خصوصاً أهل السنة والجماعة)، ويعرفوا السنة على أنها كل ما ورد عن النبي من قول أو فعل أو تقرير، فنقول لهم: أليس الزواج فعل قام به النبي؟ لم تمنعونا إذاً أن نطبق فعل النبي لنقتدي به؟ أم أن هناك ما يجب أن نقتدي به وهناك ما لا يجب أن نأخذ به؟ ما هذه الانتقائية؟ ثم لنوافقكم الرأي للحظة، كيف لي أن أعرف ما الذي يجب أن آخذه من فعل النبي والذي لا يجب أن أعمل والتزم به؟ لم تعدد الزوجات على وجه الخصوص من الأفعال التي لا يحق للمسلم أن يطبق فيها سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام؟ هل هناك نص واضح في كتاب الله يحدد للنبي عدد الزوجات المسوح له بها؟ فإن كان عندكم من علم فأخرجوه لنا أو هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. ألا ترون أنكم تضعون الدين كله في مأزق؟ فإذا ما قلت لي استعمل السواك، سأرد عليك بالقول إن ذلك كان خاصية للنبي وأنا غير ملزم بذلك. وإذا ما طلبت مني لباساً إسلاميا بمواصفات معينة قلت لك أن ذاك خاصاً بنساء النبي، وهكذا. وعندها ستضيع السنة بأكملها لعدم قدرتنا على تمييز ما هو خاص بالنبي ولا يجب علينا إتباعه وما هو خاص بالنبي ويمكن لنا إتباعه.
لكننا نقول لطالب الحقيقة (وليس المجادل المتبع سنن آباءه وأجداده لا لشيء إلا لأنها كذلك) نقول لو دققنا النظر في آيات النكاح، لوجدنا مفارقة عجيبة جداً وهي أن النبي لم يقف عند ذاك الحد في الزواج، بل كان ينوي أن يتزوج أكثر من العدد الذي تزوجه، ولوجدنا أيضاً أن الله هو الذي منع النبي على وجه الخصوص أن يتزوج بأكثر من ذلك. وهنا سنطرح سؤالين أثنين وهما:
أين الدليل على ذلك؟
لم منع الله النبي من الاستزادة من النساء
أما بخصوص جواب السؤال الأول  الذي نزعم فيه أن النبي لم يكن ينوي التوقف عند ذلك الحد وكان يريد الاستزادة من النساء (ليثبت لنا –كما نظن نحن- أن عدد النساء غير محدد للرجل) فقد ورد في قوله تعالى:
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا                                                             الأحزاب (52)
إن أبسط ما يمكن أن نخلص إليه من هذا النهي الإلهي هو النية المبيتة عند النبي بالاستزادة من النساء، وليس الوقوف عند عدد محدد سواءً كان ذلك أربعة أو أحد عشر، ولو دققنا النظر في هذا النهي الرباني لوجدنا هنا أنه خاص بالنبي لورود نص صريح بالتخصيص وهو قوله تعالى " لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ"، فورود مفردة "لك" في هذه الآية تعني بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا النهي خاص بالنبي، ولكن هل هناك نهي مماثل خاص ببقية المسلمين؟ كلا وألف كلا. لذا نستطيع أن نستنتج أنه في حين أن النبي قد تزوج بهذا العدد من النساء وجاءه نهي خاص به يمنعه من الاستزادة ولم يرد مثل هذا النهي عاماً لكل المسلمين نستطيع أن نخلص إلى القول أننا نستطيع الزواج بأكثر من العدد الذي تزوج به النبي لأننا لم ننهى عن ذلك. كلام خطير جداً، أليس كذلك؟
فما السبب الذي من أجله منع الله النبي على وجه التحديد من الاستزادة من النساء في حين أنه كان يرغب في ذلك؟ إننا نظن أن ذلك كان بسبب ما جاء في الآيات الكريمة التالية:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37(  مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38(                                                                                                                 الأحزاب
لقد كان ذلك عقاباً للنبي على ما بدر منه في موضوع رغبته في الاستزادة من النساء، فلقد كان النبي كما تنص الآية الكريمة يخفي في نفسه ما لم يظهره على الملأ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، وما كان ذلك إلا خشية من الناس، فالنبي قدم خشية الناس في هذا الموضوع بالذات على خشية ربه وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، فجاء العقاب الرباني له على نحو المنع من الاستزادة من زواج النساء حتى ولو أعجبه حسنهن، وجاءه كذلك المنع من التبديل كما فعل ويفعل أمراء المسلمين الذين انشغلوا بفروجهم أكثر من انشغالهم بأمر رعيتهم.
وللحديث بقية
12 نيسان 2011






زواج المتعة
تنبيه                              تنبيه                       تنبيه
هذه ليست فتوى                    هذه ليست فتوى             هذه ليست فتوى

المقالة التالية ليست أكثر من رأي قابل للقبول والطعن وقابل للتغير والتبديل، فإن صح هذا الكلام فهو موقفنا، وإن لم يصح فإننا نبرأ إلى الله مما نزعم وندّعي، ونسأله تعالى أن يهدينا سبيله، إنه نعم المولى ونعم المجيب


لقد شغلت قضية زواج المتعة فكر العامة وأهل العلم على حد سواء وكانت من أكثر الأمور الخلافية تعقيداً في تاريخ هذه الأمة، لا بل لقد كانت سبباً للفرقة والنزعة المذهبية والطائفية، فكان تقبل العامة للأمر أو رفضه مبنياً على الالتزام بالفرقة التي ينتمي لها، فالمنتمون لأهل السنة والجماعة يرفضون فكرة زواج المتعة لان فرقتهم ممثلة بعلمائها ترفض فكرة زواج المتعة جملة وتفصيلاً، وبالمقابل فإن المنتسبين إلى المذاهب الشيعية –مثلاً- يتقبلون الفكرة لأن علمائهم لا يجدون ضيراً في التمتع، وخلاصة القول فإن العامة لا تقبل أو ترفض الفكرة بناءً على قناعة عقائدية ودليل واضح بصحة الأمر أو عدمه، ولربما ينطبق هذا التشخيص على كثير من قضايا العقيدة الشائكة، ولكن لزواج المتعة خصوصية تجعله الأكثر تميزاً للانتماء للفرق والجماعات الإسلامية.
والملفت للانتباه أن الدليل على تحريم أو إباحة زواج المتعة جاء في مجمله نقلياً، فأهل السنة والجماعة ينقلوا الأدلة التي تحرّم زواج المتعة، والفرق الشيعية –مثلاً- تنقل الأدلة التي تبيح زواج المتعة، وكل طرف يحاول التقليل من شأن الدليل الذي يقدّمه الطرف الآخر، ونتيجة لذلك وقع العوام من الأمة (من مثلي) في حيرة لربما أصبح من قبيل المستحيل التيقن من صحة دليل الطرفين، الرافض للفكرة والمؤيد لها.
ونحن هنا إذ لا نقدم الفتاوى على التحريم أو الإباحة، نود التأكيد على موضوع واحد وهو أن الطرفين قد غفلوا عن قراءة الأمر من منظور قرآني، أي لقد خاض الطرفان في آراء نقلية عن بشر وغفلوا عن ما ورد في كتاب الله حول الموضوع نفسه، ونحن نزعم أن فضّ الخلاف أمر وارد إن نحن احتكمنا جميعاً لما جاء في كتاب الله عن زواج المتعة، ونحن ننوي أن نقحم أنفسنا في آيات الله في كتابه العزيز التي تتحدث عن موضوع الزواج بشكل عام وزواج المتعة بشكل خاص.
وقد يرد البعض على الفور بالقول: وهل هناك دليل في كتاب الله على تحريم أو تحليل زواج المتعة؟ فنرد بالقول اليقيني: وهل تعتقد أن هناك مشكلة لا يوجد لها أصل في (وحلّ من) كتاب الله الذي جاء فيه قول رب السموات والأرض:
          ... مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ...                                               الأنعام (38)
وجل ما نحن بحاجة له هو وضع الأمر في مكانه الصحيح، والبحث عنه هناك، فلا يجب أن نبحث عن ضالتنا في غير المكان الذي أضعناها فيه، ولعل من أبسط مجالات التفكير أن نحيل الأمر إلى مجاله الذي ينتمي إليه، فزواج المتعة لا شك فرع من أفرع الزواج، وبالتالي فالبحث عنه ينطوي تحت أحكام الزواج والنكاح، وهنا لابد من استجلاء الصورة الكلية إن نحن أردنا فهم الأفرع الجزئية، فيستحيل فهم موضوع كهذا بمعزل عن الموضوع الأم، وهنا لا بد من العودة إلى قراءة آيات الزواج والنكاح كاملة كما جاءت في كتاب الله العزيز، ولعلي أجزم أن الخلاف وقع في موضوع زواج المتعة لقصر الفهم في موضوع الزواج والنكاح بشكل عام، ولو فهم علماء الأمة آيات الزواج والنكاح- كما يجب أن تفهم ـ لما وقعوا وأوقعوا الأمة بأكملها في هذه الحيرة، التي شقت الأمة وأضعفت شوكتها بدل أن توحدها وتزيد من قوتها ومنعتها.
ونحن هنا لا نودّ الخوض في آراء العلماء في هذا الموضوع ويكفي أن نشير أن علماء الإسلام قد اختلفوا في ذلك، ولعل موقف ابن عباس- على سبيل المثال- من زواج المتعة لا يخفى على الكثيرين، ومن أراد النظر في أقوال السادة العلماء فكتب الأحكام هي الملاذ الصحيح، أما ما نقدمه هنا فهو قراءة –نظنها- جديدة لبعض آيات كتاب الله التي تتحدث عن الزواج لنخلص إلى فهم مغاير لموضوع زواج المتعة، ولابد من التأكيد على أننا لا نقصد أن يكون كلامنا هذا فتوى في أي الاتجاهين، فنحن لا نحل ولا نحرم، وذلك لسبب بسيط وهو: إننا نؤمن أن ما سنقدمه هو ليس ما هو موجود حقاً في كتاب الله، بل هو ليس أكثر مما نظنه نحن أنه موجود في كتاب الله، سواء أصبنا أم أخطئنا، فنحن لا نزعم أن كلامنا هذا صحيح وأنه موجود حقاً في كتاب الله، ولكننا نعتقد أن كلامنا هذا صحيح لأننا نظن أن له أصل في كتاب الله، لذا فإننا لا نقدم أكثر من اجتهادنا كما نظنه صحيحاً، ونسأل الله أجر الاجتهاد سواءً أخطأنا أم أصبنا، ولكنّا –لا شك- نتمنى أن يكون اجتهادنا صحيح لنظفر بالأجرين –بإذن الله ـ بدل الأجر الواحد، ولكننا نرتعد خوفاً ونبرأ إلى الله من أن نكون ممن قال الله في حقهم:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ                               البقرة (79)

دليل متضارب
إن محرك البحث لدينا هو تضارب ظاهري بين آيتين كريمتين لربما لم يعرّج عليهما علماء الأمة بالتفصيل المطلوب كما يجب، ونحن نظن أن فضّ هذا التضارب الشكلي سيفتح آفاقاً جديدة في الفهم لربما تسعف في تسليط الضوء على الموضوع الذي نحن بصدد تبيانه والخوض فيه بشكل أكثر تعمقاً وتفصيلا، وهذا التضارب الشكلي يتمثل في الآيتين التاليتين:
(1)   وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ         البقرة (221)
(2)   الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
إن المتدبر للآية الكريمة الأولى يجد أن النهي من الله تعالى لعباده المؤمنين جاء عن نكاح المشركين والمشركات، بينما جاء الخطاب الرباني جلي في الآية الثانية بتحليل المحصنات من الذين أوتوا الكتاب. وسؤالنا يتمثل بالتالي: كيف نفهم أن الله ينهانا عن نكاح المشركين والمشركات في موطن ما من كتابه الكريم ثم يحل لنا المحصنات من الذين أوتوا الكتاب في موطن آخر؟

الحقيقة الأولى: إن المتدبر لكتاب الله يجد أن الله قد أثبت حقيقة في كتابه الكريم وهي أن التفصيل جاء لما حرم علينا ولم يأت التفصيل بما أحل لنا، وذلك لمبدأ بسيط يعلمه جميع علماء المسلمين وهو أنّ الأصل في الأشياء هو الإباحة ولا يحرم شيءٌ إلا بنص صريح، وعند تطبيق هذا المبدأ في موضوع النكاح نجد التفصيل جلي في كتاب الله، ونحن نبدأ بما حرم الله علينا في أمر النكاح كما جاء مفصلا في كتابه الكريم حتى لا نخوض فيه ونجعله أمراً جدلياً تابعاً لاجتهاداتنا، فالله سبحانه فصّل علينا ما حرم علينا في النكاح كما جاء في الآيات الكريمات التالية:
(1) لا يجوز نكاح المشركين والمشركات
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ                                  البقرة (221)
(2) لا يجوز أن ننكح ما نكح آباؤنا:
وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا     النساء (22)
(3) لا يجوز أن ننكح من أقارب الدم والرضاعة ما جاء في قوله تعالى:
 حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)
(4) لا يجوز نكاح المحصنات من النساء
 وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)

ما هو النكاح؟
نظن أن الفكر السائد قد أخفق في فهم معنى النكاح، فخلط مفردات مثل وَلَا تَنْكِحُوا و حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ، وَأُحِلَّ لَكُمْ، وَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ، الخ. ولم يبينوا للناس الهدف من هذا التنوع اللفظي في موضوع الزواج، فعلى سبيل المثال عندما ترد مفردة النكاح في الآيات القرآنية يظن البعض أن ذلك يعني المعاشرة الجنسية، وهذا خطأ جسيم أوقع الكثيرين في إشكالية فهم النصوص القرآنية وما يترتب عليها من أحكام، ونحن نظن أن الفهم الصحيح لمفردة النكاح مثلاً (كما ترد في كتاب الله) لا شك سيسهم في تصحيح بعض تلك الأحكام الخاطئة.
وجل ما نود قوله في هذا المجال هو أن مفردة النكاح لا تعني المباشرة والمعاشرة الفعلية بين الرجل والمرأة، ولا تتعدى المفردة أن تعني الرباط الشرعي للزواج فقط دون التنفيذ العملي لهذا العقد، وبهذا الفهم فقط يمكن أن ستجلي معنى الآية السابقة التي تتحدث عن النهي الإلهي للمؤمنين بنكاح المشركات والمشركين مثلاً، قال تعالى:
          وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ    البقرة (221)
فكيف بالله إذا ينهانا عن نكاح المشركات ونحن نعلم أن السبايا من المشركات في الحروب مثلاً هن من غنائم الحرب التي توزع على المحاربين؟ فكيف إذا يمكن أن نوفق بين الأمرين: المسلمون يعاشرون ما غنموا من نساء الكفار وفي الوقت ذاته ينهاهم الله عن نكاح المشركات؟
إننا نفهم أن الأمر بسيط للغاية وهو على النحو التالي: إن الله لم ينهانا عن معاشرة المشركات (مصداقاً لقوله وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ) وإنما نهانا عن نكاح المشركات؟ وفي هذا فرق كبير. فلب القول أن الفكر الإسلامي السائد أخفق في التميز بين ما أمرنا الله بنكاحه وما أحل الله لنا؟ فالله نهانا عن نكاح المشركات ولكنه في الوقت ذاته أحل لنا المشركات، هذه أحجية ربما يرد البعض بالقول، هذا كلام متناقض، كيف ينهانا الله عن نكاح المشركات ويحل لنا فروجهن في الوقت ذاته؟ نعم هو كذلك، وتلك ليست لعبة كلمات متقاطعة وإنما هي دقت في تميز الألفاظ التي يجب أن نقف عندها ونتأملها كما يجب، وأن لا نمر عليها مرور الكرام.
إن مراد قولنا هو أنّ النهي الإلهي جاء عن "النكاح" وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ، أي لا يحل للمسلم إيجاد الرابط القانوني في أن تكون المشركة زوجة للمؤمن برباط الزواج (أو النكاح)، ولكن يحق للمسلم أن يتمتع بالمشركة دونما ذلك العقد الشرعي، وخلاصة القول فإن المسلم لا ينكح إلا مسلمة ولكن له الحق أن يتمتع بغير المسلمة دون أن ينكحها.
فالنكاح كما أسلفنا يعني العقد الشرعي بالزواج، فلا يحق للمسلم أن يعقد على (أي أن ينكح) إلا مسلمة، وسيرد البعض على الفور بالقول: وأين الدليل على ذلك؟
فنقول، لنقرا الآية الكريمة التالية:
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
ألا تعني هذه الآية الكريمة أن النكاح يتم على فئتين من النساء؟ (1) المحصنات المؤمنات أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، و (2) ما ملكت يمينك من المؤمنات مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ

أما الدليل الآخر أن النكاح لا يعني مباشرة المرأة بالجماع فجاء في الآية السابقة نفسها في قوله تعالى:
فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ

فما معنى أن تنكح المرأة بأذن أهلها؟ فهل يتطلب جماع المرأة طلب الإذن من أهلها؟ كلا، فالأهل يستأذنوا فقط في عقدة النكاح وليس في المعاشرة والجماع للمرأة، فلا يعقل أن يذهب الرجل في كل مرة يقوم بجماع المرأة ليطلب الأذن بذلك من أهلها! وأخال أن الأمر فيه نوع من الحرج إن كان يتم بتلك الصورة.
ولهذا جاء في كتاب الله أن هناك من بيده عقدة النكاح للمرأة من أهلها:
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ                                                                          البقرة (237)
أما الدليل الثابت على أنّ النكاح لا يعني ولا يتطلب وقوع الجماع فجاء في قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                        الأحزاب (49)
فإن نحن أمعنا النظر في هذه الآية الكريمة نجد المعنى واضحاً لا لبس فيه: حصول ووقوع النكاح دون حصول الجماع والمعاشرة الفعلية: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ، نعم لا شك تنكح المرأة دون أن تمس، أليس كذلك؟
وقد تأكد هذا المعنى في مواطن أخرى في كتاب الله:
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ              البقرة (236)

وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ                                                                                   البقرة (237)
فالآيات الكريمات تشير إلى احتمالية وقوع الطلاق، ومما لا شك فيه أن الطلاق لا يتم إلا بعد حصول النكاح، ولكن الملفت للانتباه هنا هو حصول الطلاق قبل أن تمس المرأة، ولعل علماء الأمة على دراية أن ما يحرم بعقد النكاح يحرم بالمباشرة والمس، فوالدة المنكوحة مثلاً تحرم بمجرد حصول عقد النكاح.
ولننظر إلى الفرق بين النكاح والمباشرة بالجماع (أي ملامسة النساء) كما ترد في الآية الكريمة التالية:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                        الأحزاب (49)
فهناك فرق جوهري بين أن تنكح المرأة وأن تمس المرأة: إنها العدة، فالمرأة التي نكحت دون أن تمس فليس لناكحها عدة عليها، ولكن المرأة التي نكحت ومست فلا شك أن عليها عدة تعتدها لزوجها الذي طلقها.
وهناك فرق آخر وهو حصتها مما فُرِض لها في عقد النكاح، قال تعالى:
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ                                                                البقرة (237)
فالمرأة المنكوحة إن طلقت دون أن تمس فلها نصف ما فرض لها في عقد الزواج، أما المرأة المنكوحة التي مست فلا شك أن حقها كامل في ما فرض لها في عقد النكاح.
أذن، نستنتج أن الله عندما يأمرنا بالنكاح أو ينهانا عنه فلا يتعدى ذلك حصول عقد الزواج الشرعي وليس بالضرورة أن تحدث المباشرة الفعلية بالجماع والمعاشرة. وبهذا الفهم نعود مرة أخرى إلى آية تحريم نكاح المشركات، قال تعالى:
          وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ    البقرة (221)
فعقد النكاح بين المسلم والمشركة باطل باطل باطل. فلا يجوز للمسلم المؤمن أن يبرم عقد نكاح على مشركة، ولكننا سنرى لاحقاً أنّ الله قد أحل للمسلمين المؤمنين فروج المشركات دون الحاجة إلى إبرام عقد النكاح.
وفي ضوء هذا الفهم فلنقرأ آيتين كريمتين تتحدثان عن النكاح فقط، أما الآية الأولى فهي:
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ                                النور (60)
فما معنى وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا؟ فهل يعني ذلك المرأة التي كبرت في السن التي لا ترجو أن تمس (أي معاشرة الرجل)؟ كلا، إننا نظن أن النص القرآني واضح، فذلك يعني المرأة التي كبرت بالعمر التي لا ترجو النكاح (أي حصول العقد الشرعي لها بالزواج)
أما الآية الثانية التي يترتب عليها حكم شرعي كبير أخطأ الكثيرون في فهمه فهي:
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ                       البقرة (230)
فبعد الطلاق البائن بينونة كبرى يصبح لزاماً أن تنكح المرأة رجلاً أخر حتى تعود لزوجها الأول الذي طلقها، وقد ظن الكثيرون أنّ ذلك يتطلب الدخول والمعاشرة الفعلية مع الزوج الجديد، ولا أرغب هنا الدخول في الجدل الذي دار حول المحلل والمحلل له، ولكني أقول: كلا وألف كلا، فالآية الكريمة واضحة في أن الشرط المترتب على ذلك الطلاق هو حصول النكاح وليس المعاشرة والمباشرة مصداقاً لقوله تعالى " فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ"، وإن نحنا فهمنا أن النكاح يعني فقط وقوع عقد الزواج فذلك لا يعني بالضرورة حصول الدخول مع الزوج الجديد.

والمتدبر للسياقات القرآنية يرى بما لا يدع مجالاً للشك أن العلاقة الجنسية بين المؤمن والمؤمنة قائمة على أساس النكاح، قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                        الأحزاب (49)
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ                                                                            النور (32)
فلا يحل فرج المؤمنة للمؤمن حتى وإن كانت أمة إلا بعقد النكاح، وهذا جلي في الآية الكريمة التالية:        
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)[6]
فالعلاقة بين المؤمن والمؤمنة يجب أن تكون على النحو التالي: نكاح المحصنات المؤمنات، فإن تعذر ذلك، فنكاح فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، ويجب أخذ إذن أهلهن وأن تعطى أجرها بالمعروف، وأن يكون كل ذلك من باب مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، لا بل ويشدد النص القرآني على وجوب أن تمتحن المرأة ليستبين إيمانها حتى يحصل عقد النكاح:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
فمتى عُلِمَ أن المرأة مؤمنة لا يحل فرجها للمؤمن إلا بالنكاح، فهي لا تحل للكافر، ولكن تحل للمؤمن بالنكاح مصداقاً لقوله تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، وبهذا نصل إلى أول استنتاج خطير جداً يتعلق بزواج المتعة:
                   لا يحق للمؤمن التمتع بالمؤمنة
 فزواج المتعة لا يجب أن يكون مع مؤمنة لأن الرابط بين المؤمن والمؤمنة مبني على أساس النكاح وليس التمتع.
وفي الوقت ذاته لا يجوز نكاح المشركات لانّ النكاح لا يقع إلا على مؤمنة.
أما العلاقة مع نساء أهل الكتاب فهي مبنية على المكاتبة وليس النكاح، قال تعالى:
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
وهنا نثير سؤال غريب يتحرج البعض عن إثارته وهو: لماذا لم يعقد النبي على مارية القبطية عقد النكاح؟

أما عندما يصل الأمر إلى علاقة المرأة المؤمنة بالرجل الكافر، فيصبح الأمر على النحو التالي:
          فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ
فالمرأة المؤمنة لا تحل للكافر لا بعقد النكاح ولا بدون عقد نكاح ولا بمكاتبة، والدليل أن الله سبحانه أورد اللفظ على نحو لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، ونحن نظن أن لفظة "حل ويحلون ونحوهم تعني المباشرة الجنسية بأي شكل كان.
أما علاقة الرجل المؤمن بغير المؤمنة فقد جاءت على النحو التالي:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)
وهنا يستوقفنا قوله تعالى    وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ، وهذا لفظ على إطلاقه، فيحل للمؤمن كل ما لم تنص عليه الآية السابقة من المحرمات، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الافتراض السابق بأن المرأة المؤمنة لا تحل للمؤمن إلا بعقد النكاح، فكيف تصبح علاقة الرجل المؤمن بغير المؤمنة والله سبحانه قد أحلها لنا، ويأتي الجواب بنفس الآية الكريمة في قوله تعالى " فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ، فنحن هنا نسأل سؤالاً بسيطاً وهو: "على ماذا يعود الضمير "هن" في قوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ؟ لا شك أن ذلك لا يعود على ما ذكر الله من المحرمات كالأم والأخت ونحوهم، ولكنه يعود على النساء المقصودات في قوله تعالى "وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ"، فيجوز للمسلم المؤمن الاستمتاع بـ النساء اللواتي ليسوا من المحرمات، وإذا أخذنا الافتراض أن المرأة المؤمنة لا تباشر إلا بالنكاح وبالتالي لا يجوز الاستمتاع بها، يكون المتعة (المباشرة الجنسية) دون عقد النكاح ولكن بالأجر مع غير المؤمنة.
ولو رجعنا إلى تاريخ زواج المتعة في الحقبة الإسلامية الأولى لوجدنا حقيقة صارخة وهي أن الزواج كان يحل تارة ويحرّم تارة أخرى، وقد حدث ذلك مرات، واختلف العلماء في ذلك، وأنا على يقين أن التحليل والتحريم كان يحصل أو يحدث للسبب الذي أوردناه، فقد كان يحل زواج المتعة عندما لا يكون المسلمون في أرض الإسلام (أي خارج المدينة)، وقد كان يحرم عندما يعود المسلمون إلى أرض الإسلام، وذلك لأنه لا متعة مع المؤمنات وإنما المتعة مع غير المؤمنات الذين نهانا الله عن نكاحهن ولكنه في الوقت ذاته أحل لنا فروجهن.
وقد يظن البعض أننا بهذا الكلام نحل زواج المتعة، فتثور الدنيا وربما لا تقعد فوق رؤوسنا، وينطلق ليحدث الناس بما أحدث رشيد الجراح من قول لم يسبق إليه الأولون و الآخرون؟ ولا تكون حجته على مثل هذا الكلام إلا قوله الذي لم يجانب كبد الحقيقة وهو: من هو رشيد الجراح هذا حتى يخرف ويهذي بمثل هذا الكلام؟ فنقول له إن رشيد الجراح ليس أكثر من عبد من عباد الله.
ولكن تمهل قليلاً وافهم –أسألك الله - ما أقصد، نعم إنني أحل زواج المتعة كما فهمته من تأويل الآيات السابقة وليس كما تمارسه بعض فرق الإسلام أو كما تحرمه الأخرى، وفهمي له على النحو التالي:
إن زواج المتعة هو- أولا وقبل كل شي – زواج يتطلب الرضا والقبول بين الطرفين ودفع الأجر للمرأة، كما يحدث في الزواج التقليدي العادي، قال تعالى:
فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
ومن كان يظن أن زواج المتعة يعني المتعة فقط دون الزواج فهو لم يفهم المفردة نفسها، إنها زواج أولاً ومتعة ثانياً، وليست كما يرغب هو أن تكون متعة دون زواج. فلقد درج الفهم العام أن زواج المتعة هو ممارسة الجنس ووطء المرأة دون زواجها، فنقول لمثل هؤلاء: لم تسمونه إذاً زواج متعة؟ لم لم تسمونه التمتع فقط؟ فإذا كان المفهوم هو التمتع فقط فذاك ليس أكثر من زنى، وهو من باب السفاح واتخاذ الأخدان، ولكن إن فهمتم أنه زواج والتزام وليس تنقلاً بين فرش النساء فهو لا شك زواج.
و نحن نظن أن اسمه يصبح زواج متعة عندما تكون المستمتع بها مشركة، فمن يستطيع تحريم الزواج بالمشركة؟ ألا يجوز أن تكون المشركة امرأة (زوجة) للرجل المسلم؟ وكم من المشركات هن نساء وحلائل المسلمين؟ أليس ذلك زواج؟ نعم إنه زواج، ولكنّ الفرق الوحيد هو اختلاف التسمية، فالزواج من المؤمنة هو زواج نكاح أما الزواج بالمشركة فهو زواج متعة.

الحكمة من اختلاف التسمية
وفي هذا عزة وشعور بالهيبة للمرأة المسلمة على غيرها، فالله قد أحل للمسلم تعداد الزوجات، وأحل له فرج المؤمنة وفرج المشركة، ولكن حتى تبقى المرأة المؤمنة تشعر بالعزة بإيمانها على منافستها غير المؤمنة، كان لزاماً أن تتمتع بالخصوصية التي لا يمكن أن تكون لغير المؤمنة، إنها عزة الإيمان الذي خص الله به المؤمنين على غير المؤمنين، فعندما تشعر المرأة المؤمنة أن الله قد ميزها حتى في رابط الزواج تستطيع أن تستشعر عظمة هذا الدين، وتبقى المرأة غير المؤمنة تستشعر أنها أقل درجة من جنسها من النساء المؤمنات.
ولو نظرنا إلى حال الأمة في عصرنا هذا لوجدنا الصورة قد انقلبت رأساً على عقب، لقد أصبح من قبيل التفاخر والتباهي الزواج بالشقراوات من بني الأصفر (كما أصبح جواز السفر الأمريكي أو الأوروبي مفخرة على كل بلاد الإسلام)، حتى استعلت المرأة المشركة في ذلك على المرأة المؤمنة (كما استعلى من يحمل الجواز الغربي على من يحمل جواز بلاد الإسلام في كل شي في الراتب والمكانة وحتى في النظرة الاجتماعية)، ففي بلاد الإسلام – بلاد الثراء والقصور والسيارات الجميلة ونهب الثروات وتكدسها في أيدي حفنة من اللصوص الذين لم يرعوا في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة- أصبحت المرأة الشقراء ضرورة مكملة لهذا الرفاه، فابتعد الرجال عن زواج النساء المؤمنات، وانطلقوا في هجرتهم إلى الشمال ليعودوا بالجميلات الحسناوات، إننا نقول لهؤلاء وأمثالهم إننا لا نحرّم عليكم زواج الشقراوات ولا نمنعكم من ذلك، ولكن لتعلموا أن ذلك لا يجوز إلاّ من باب التمتع، أي زواج المتعة، ولا بد أن تعلم المرأة المشركة أن ارتباطك بها-حسب تعاليم دينك- هو من باب زواج خاص يسمى بالإسلام زواج المتعة، فإن هي قبلت بذلك فعليها أن تتحمل تبعات الالتزام، وأهمها أن تفهم أنها بذلك ترضى أن تكون أقل درجة في زواجها من المرأة المؤمنة، فمهما رفع زوجها والمجتمع من مكانتها تبقى في تعاليم دين الله أقل درجة من أدنى النساء المؤمنات.
ولو فهمنا مقاصد الشريعة لوجدنا أنّ الحكمة من زواج المتعة هو إثبات استعلاء المؤمنة على غير المؤمنة، فمن الطبيعي أن لا يساوي ديننا بين المؤمن و غير المؤمن في شيء. فالله أحل لنا المؤمنة وغير المؤمنة ولكنه رفع المؤمنة على غير المؤمنة درجات.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ                                                                                                     المجادلة (11)
انظر مقالتنا تحت عنوان كم لبث نوح في قومه
وللكلام بقية
___________________________________________________________________________________________________________________________________






[1] لاحظ عزيزي القارئ أن من أبجديات عقيدتنا هو الاغتسال لإسقاط الحدث الأكبر والأصغر عند الدخول في الإسلام
[2] في حين أنه لا يحق للبشر أن يعلو بعضهم على بعض يحق لهم أن يعلوا على ما دونهم من الخلائق، كالجن والدواب والأنعام وغيرها.
[3] وبهذا فقط يمكن أن فهم قوله تعالى:
            قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ    الأعراف (144)
فالله قد اصطفى موسى على الناس (ولا أخال أن يشمل الخطاب هنا النساء)، وهو ما يدعم الفهم في قوله تعالى:
            أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ
إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ                                                                            يونس (2)
[4] ربما نستطيع بمثل هذا الاستنباط أن نفهم الآيات الكريمة التالية التي تتحدث عن أداء فريضة الحج مثلاً:
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ                                                                                     آل عمران (97)
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ                    الحج (27)
ففريضة الحج واجبة حسب النص القرآني "على الناس"، أي من بلغ الحلم من الرجال، وبهذا فقط يمكن أن نفهم لم لا تكلف المرأة القيام بفريضة الحج لوحدها. ولو كانت مفردة الناس تشمل النساء لكان الحج لازماً على المرأة حتى دون الحاجة أن تستأذن زوجها، والقارئ الكريم مدعو لمقارنة آيات التكليف بالحج مع آيات التكليف بالصلاة أو بالزكاة مثلاً ليجد الفرق.

[5] إن هذا الموضوع يثير على الفور قضية لباس المرأة، وجدلية الخمار، فكثير من أهل العلم يرى أن لبس الخمار الذي يغطي الوجه بأكمله جزء من الدين، في حين يرى علماء آخرون أنّ لباس المرأة الشرعي لا يتطلب تغطية الوجه، واستند كل طرف على أحاديث منسوبة للنبي بهذا الخصوص ليدعم موقفه، وأغفل الطرفان أهمية قراءة النص القرآني قراءة صحيحة للخروج باستنباطات حول الموضوع، ونحن إذ نرى أن هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش مستفيض سنحاول التعرض له (بإذن الله ومشيئته) في مقالة مستقلة تناقش قضية لباس المرأة. إلاّ أننا نرى أن من المناسب هنا طرح بعض الإشارات التي لابد من التنويه لها لنبيّن موقنا العقائدي من هذا الأمر.
إن موقفنا يتلخص بأن تغطية الوجه عند المرأة ليست من ضرورات الدين، والدليل على هذا الموقف ينبع من الفهم التالي:
لقد وردت كلمة "الوجه" ككلمة مستقلة في أكثر من موضع من كتاب الله:
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ         يوسف (93)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ                            الذاريات (29)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ                                                              المائدة (6)
ودلت بشكل لا لبس فيه أنّ الوجه هو ذلك الجزء من الجسم الذي يمثّل مقدمة الرأس (أي ما يقابل خلفية الرأس)، فالآية التي تتحدث عن يعقوب تظهر أن بصره قد ارتد إليه عندما القوا بقميص يوسف على وجهه، فمن غير المنطقي أن يكونوا قد القوا بالقميص على أي جزء من جسمه غير ذلك الجزء الذي يوجد فيه العيون التي تبصر، لأن عيناه هي التي ابيضت من الحزن على فقدانه يوسف:
وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ         يوسف (84)
والآية التي تبين كيفية الوضوء تتحدث عن ذلك الجزء من الرأس على وجه التحديد (ولكننا نثير هنا سؤالاً يخص اختلاف طريقة الوضوء في حالة الوجه واليدين من جهة (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) وحالة الرأس والرجلين من جهة أخرى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ)، ففي حين أن الوجه واليدين تغسلان غسلاً فإن الرأس والقدمين تمسحان مسحاً).
وهنا نطرح التساؤل التالي: إذا كانت مفردة الوجه قد وردت في كتاب الله على هذه الشاكلة فلم لم يطلب الله من النساء تغطية الوجه بصريح اللفظ هذا، أي باستخدام مفردة الوجه نفسها؟ فلو أمعنا التفكير في آيات الحجاب، لوجدنا قول الحق على النحو التالي:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا                                                                                  الأحزاب (59)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
النور (31)
إن المدقق في هذه الآيات الكريمات يجد أنها تخلو تماماً من مفردة الوجه، فالمطلوب من النساء –حسب صريح اللفظ القرآني- هو أمران لا ثالث لهما:
1.       يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ
2.       وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ
إن ابسط ما يمنك أن نفهمه من هذه السياقات القرآنية هو أن المرأة مطلوب منها (بالخبر الرباني) أن تلبس قطعتان من اللباس وهما الجلباب (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) والخمار (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ)، أما الجلباب فهو القطعة الرئيسية التي تغطي الجسم من الرقبة حتى القدمين، وأما الخمار فهو القطعة العلوية التي تغطي الرأس والرقبة، وقد طلب الله من المؤمنات (عن طريق نبيه) أن يستخدمن قطعتين من اللباس وذلك لصعوبة استخدام قطعة واحدة في تغطية جسم المرأة، فاللباس الشرعي هو إذا قطعتين (فإن نقص عن ذلك فهو ليس من الشرع في شي).
ولو تمعنا النص أكثر فيما يخص الخمار لوجدنا أن الله يطلب من المؤمنات أن يضربن بذاك الخمار على الجيوب وليس على الوجه، فلو كانت تغطية الوجه من الشرع لجاء النص القرآني على نحو:
            وليضربن بخمورهن على وجوهن
ولكن لمّا كانت التغطية لا تشمل الوجه جاء الخطاب صريحاً بضرب الخمار على الجيوب، فالخمار هو قطعة من القماش تضرب (وسنتعرض لاحقاً لمعنى الضرب في النص القرآني) على الجيوب التي وردت في مثل قول الحق:
            وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ                                                                   القصص (32)
لذا يستحيل أن يكون الجيب هو الوجه.
اما الامر الىخر الذي يتتطلب ان نمعن التفكير فيه في آيات الحجاب نفسها هو الحكمة من ذلك كما جاءت في الآية نفسها، فالله يظهر الحكمة من ذلك على نحو:
                        ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ
فالمدقق في النص يجد أن الحكمة في ذلك هو حتى تقل احتمالية معرفة المرأة (ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)، وليس أن تنعدم احتمالية معرفتها، ولتبسيط الأمر فإننا نثير التساؤل التالي: ما الذي يحدث عندما تغطي المرأة كامل وجها؟
إن الجواب بسيط: لا يمكن أن تعرف، فأنت لا تستطيع أن تعرف المرأة التي تغطي كامل وجها حتى لو كانت أختك أو ابنتك أو حتى زوجتك)، فتغطية الوجه تسبب عدم معرفة الشخص إطلاقا، ولا تقلل من احتمالية معرفته، فلو كانت الحكمة من لباس المرأة هي عدم معرفتها لربما جاء النص القرآني على نحو:
            يدنين عليهن من جلابينهن لكي لا يعرفن فلا يؤذين        
إنّ فحوى الرسالة هو أن لباس المرأة لا يجب أن يحجب معرفتها تماماً، ولكن يكفي أن تقلل من احتمالية معرفتها (وسنتعرض في المقالة القادمة إلى معنى المعرفة المقصودة في النص الديني، كما سنتعرض للجوانب المختلفة التي تتعلق بلباس المرأة الشرعي). وأخيراً نجلب انتباه القارئ لسؤال واحد تثيره الآية التي تتحدث عن زوجة إبراهيم يوم جاءتها بشرى الملائكة:
            فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ                            الذاريات (29)
وسؤالنا هو: كيف سنعرف أنها قد صكت وجهها لو كانت مغطية كامل وجهها؟

[6] وهنا لا بد من الوقوف والتعريج على قضية أخرى شغلت تفكير الكثيرين، ولب الأمر سؤال بسيط يتعلق بقوله تعالى فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، وسؤالنا على النحو التالي موجهاً لمن آمن بحد الرجم على الزاني أو الزانية المحصنة: كيف سيعاقب مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ بنصف الحد الذي يقع على المحصنة المؤمنة؟ أي كيف يمكن أن نرجمها نصف رجمة؟ وسنكون شاكرين لهم إن هم دلونا كيف يمكن تطبيق نصف الحد في حالة الرجم؟!