زواج المتعة




زواج المتعة


تنبيه                              تنبيه                       تنبيه

هذه ليست فتوى                    هذه ليست فتوى             هذه ليست فتوى



المقالة التالية ليست أكثر من رأي قابل للقبول والطعن وقابل للتغير والتبديل، فإن صح هذا الكلام فهو موقفنا، وإن لم يصح فإننا نبرأ إلى الله مما نزعم وندعي، ونسأله تعالى أن يهدينا سبيله، إنه نعم المولى ونعم المجيب







لقد شغلت قضية زواج المتعة فكر العامة وأهل العلم على حد سواء وكانت من أكثر الأمور الخلافية تعقيداً في تاريخ هذه الأمة، لا بل لقد كانت سبباً للفرقة والنزعة المذهبية والطائفية، فكان تقبل العامة للأمر أو رفضه مبنياً على الالتزام بالفرقة التي ينتمي لها، فالمنتمون لأهل السنة والجماعة يرفضون فكرة زواج المتعة لان فرقتهم ممثلة بعلمائها ترفض فكرة زواج المتعة جملة وتفصيلاً، وبالمقابل فإن المنتسبين إلى المذاهب الشيعية –مثلاً- يتقبلون الفكرة لأن علمائهم لا يجدون ضيراً في التمتع، وخلاصة القول فإن العامة لا تقبل أو ترفض الفكرة بناءً على قناعة عقائدية ودليل واضح بصحة الأمر أو عدمه، ولربما ينطبق هذا التشخيص على كثير من قضايا العقيدة الشائكة، ولكن لزواج المتعة خصوصية تجعله الأكثر تميزاً للانتماء للفرق والجماعات الإسلامية.

والملفت للانتباه أن الدليل على تحريم أو إباحة زواج المتعة جاء في مجمله نقليّا، فأهل السنة والجماعة ينقلوا الأدلة التي تحرّم زواج المتعة، والفرق الشيعية –مثلاً- تنقل الأدلة التي تبيح زواج المتعة، وكل طرف يحاول التقليل من شأن الدليل الذي يقدمه الطرف الآخر، ونتيجة لذلك وقع العوام من الأمة في حيرة لربما أصبح من قبيل المستحيل التيقن من صحة دليل الطرفين، الرافض للفكرة والمؤيد لها.

ونحن هنا إذ لا نقدم الفتاوى على التحريم أو الإباحة، نود التأكيد على موضوع واحد وهو أن الطرفين قد غفلوا عن قراءة الأمر من منظور قرآني، أي لقد خاض الطرفان في آراء نقلية عن بشر وغفلوا عن ما ورد في كتاب الله حول الموضوع نفسه، ونحن نزعم أن فضّ الخلاف أمر وارد إن نحن احتكمنا جميعاً لما جاء في كتاب الله عن زواج المتعة، ونحن ننوي أن نقحم أنفسنا في آيات الله في كتابه العزيز التي تتحدث عن موضوع الزواج بشكل عام وزواج المتعة بشكل خاص.

وقد يرد البعض على الفور بالقول: وهل هناك دليل في كتاب الله على تحريم أو تحليل زواج المتعة؟ فنرد بالقول اليقيني: وهل تعتقد أن هناك مشكلة لا يوجد لها أصل في (وحلّ من) كتاب الله الذي جاء فيه قول رب السموات والأرض:

          ... مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ...                                               الأنعام (38)

وجل ما نحن بحاجة له هو وضع الأمر في مكانه الصحيح، والبحث عنه هناك، فلا يجب أن نبحث عن ضالتنا في غير المكان الذي أضعناها فيه، ولعل من أبسط مجالات التفكير أن نحيل الأمر إلى مجاله الذي ينتمي إليه، فزواج المتعة لا شك فرع من أفرع الزواج، وبالتالي فالبحث عنه ينطوي تحت أحكام الزواج والنكاح، وهنا لابد من استجلاء الصورة الكلية إن نحن أردنا فهم الأفرع الجزئية، فيستحيل فهم موضوع كهذا بمعزل عن الموضوع الأم، وهنا لا بد من العودة إلى قراءة آيات الزواج والنكاح كاملة كما جاءت في كتاب الله العزيز، ولعلي أجزم أن الخلاف وقع في موضوع زواج المتعة لقصر الفهم في موضوع الزواج والنكاح بشكل عام، ولو فهم علماء الأمة آيات الزواج والنكاح- كما يجب أن تفهم ـ لما وقعوا وأوقعوا الأمة بأكملها في هذه الحيرة، التي شقت الأمة وأضعفت شوكتها بدل أن توحدها وتزيد من قوتها ومنعتها.

ونحن هنا لا نود الخوض في آراء العلماء في هذا الموضوع ويكفي أن نشير أن علماء الإسلام قد اختلفوا في ذلك، ولعل موقف ابن عباس- على سبيل المثال- من زواج المتعة لا يخفى على الكثيرين، ومن أراد النظر في أقوال السادة العلماء فكتب الأحكام هي الملاذ الصحيح، أما ما نقدمه هنا فهو قراءة –نظنها- جديدة لبعض آيات كتاب الله التي تتحدث عن الزواج لنخلص إلى فهم مغاير لموضوع زواج المتعة، ولابد من التأكيد على أننا لا نقصد أن يكون كلامنا هذا فتوى في أي الاتجاهين، فنحن لا نحل ولا نحرم، وذلك لسبب بسيط وهو: إننا نؤمن أن ما سنقدمه هو ليس ما هو موجود حقاً في كتاب الله، بل هو ليس أكثر مما نظنه نحن أنه موجود في كتاب الله، سواء أصبنا أم أخطئنا، فنحن لا نزعم أن كلامنا هذا صحيح وأنه موجود حقاً في كتاب الله، ولككنا نعتقد أن كلامنا هذا صحيح لأننا نظن أن له أصل في كتاب الله، لذا فإننا لا نقدم أكثر من اجتهادنا كما نظنه صحيحاً، ونسأل الله أجر الاجتهاد سواءً أخطأنا أم أصبنا، ولككنا –لا شك- نتمنى أن يكون اجتهادنا صحيح لنظفر بالأجرين –بإذن الله ـ بدل الأجر الواحد، ولكننا نرتعد خوفاً ونبرأ إلى الله من أن نكون ممن قال الله في حقهم:

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ                               البقرة (79)



دليل متضارب

إن محرك البحث لدينا هو تضارب ظاهري بين آيتين كريمتين لربما لم يعرج عليهما علماء الأمة بالتفصيل المطلوب كما يجب، ونحن نظن أن فضّ هذا التضارب الشكلي سيفتح آفاقاً جديدة في الفهم لربما تسعف في تسليط الضوء على الموضوع الذي نحن بصدد تبيانه والخوض فيه بشكل أكثر تعمقاً وتفصيلا، وهذا التضارب الشكلي يتمثل في الآيتين التاليتين:

(1)   وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ         البقرة (221)

(2)   الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)

إن المتدبر للآية الكريمة الأولى يجد أن النهي من الله تعالى لعباده المؤمنين جاء عن نكاح المشركين والمشركات، بينما جاء الخطاب الرباني جلي في الآية الثانية بتحليل المحصنات من الذين أوتوا الكتاب. وسؤالنا يتمثل بالتالي: كيف نفهم أن الله ينهانا عن نكاح المشركين والمشركات في موطن ما من كتابه الكريم ثم يحل لنا المحصنات من الذين أوتوا الكتاب في موطن آخر؟



الحقيقة الأولى: إن المتدبر لكتاب الله يجد أن الله قد أثبت حقيقة في كتابه الكريم وهي أن التفصيل جاء لما حرم علينا ولم يأت التفصيل بما أحل لنا، وذلك لمبدأ بسيط يعلمه جميع علماء المسلمين وهو أنّ الأصل في الأشياء هو الإباحة ولا يحرم شيءٌ إلا بنص صريح، وعند تطبيق هذا المبدأ في موضوع النكاح نجد التفصيل جلي في كتاب الله، ونحن نبدأ بما حرم الله علينا في أمر النكاح كما جاء مفصلا في كتابه الكريم حتى لا نخوض فيه ونجعله أمراً جدلياً تابعاً لاجتهاداتنا، فالله سبحانه فصّل علينا ما حرم علينا في النكاح كما جاء في الآيات الكريمات التالية:

(1) لا يجوز نكاح المشركين والمشركات

وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ                                                     البقرة (221)

(2) لا يجوز أن ننكح ما نكح آباؤنا:

وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا     النساء (22)

(3) لا يجوز أن ننكح من أقارب الدم والرضاعة ما جاء في قوله تعالى:

 حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)

(4) لا يجوز نكاح المحصنات من النساء

 وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)



ما هو النكاح؟

نظن أن الفكر السائد قد أخفق في فهم معنى النكاح، فخلط مفردات مثل وَلَا تَنْكِحُوا و حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ، وَأُحِلَّ لَكُمْ،  و َمَا اسْتَمْتَعْتُمْ، الخ. ولم يبينوا للناس الهدف من هذا التنوع اللفظي في موضوع الزواج، فعلى سبيل المثال عندما ترد مفردة النكاح في الآيات القرآنية يظن البعض أن ذلك يعني المعاشرة الجنسية، وهذا خطأ جسيم أوقع الكثيرين في إشكالية فهم النصوص القرآنية وما يترتب عليها من أحكام، ونحن نظن أن الفهم الصحيح لمفردة النكاح مثلاً (كما ترد في كتاب الله) لا شك سيسهم في تصحيح بعض تلك الأحكام الخاطئة.

وجل ما نود قوله في هذا المجال هو أن مفردة النكاح لا تعني المباشرة والمعاشرة الفعلية بين الرجل والمرأة، ولا تتعدى المفردة أن تعني الرباط الشرعي للزواج فقط دون التنفيذ العملي لهذا العقد، وبهذا الفهم فقط يمكن أن ستجلي معنى الآية السابقة التي تتحدث عن النهي الإلهي للمؤمنين بنكاح المشركات والمشركين مثلاً، قال تعالى:

          وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ    البقرة (221)

فكيف بالله إذا ينهانا عن نكاح المشركات ونحن نعلم أن السبايا من المشركات في الحروب مثلاً هن من غنائم الحرب التي توزع على المحاربين؟ فكيف إذا يمكن أن نوفق بين الأمرين: المسلمون يعاشرون ما غنموا من نساء الكفار وفي الوقت ذاته ينهاهم الله عن نكاح المشركات؟

إننا نفهم أن الأمر بسيط للغاية وهو على النحو التالي: إن الله لم ينهانا عن معاشرة المشركات (مصداقاً لقوله وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ) وإنما نهانا عن نكاح المشركات؟ وفي هذا فرق كبير. فلب القول أن الفكر الإسلامي السائد أخفق في التميز بين ما أمرنا الله بنكاحه وما أحل الله لنا؟ فالله نهانا عن نكاح المشركات ولكنه في الوقت ذاته أحل لنا المشركات، هذه أحجية ربما يرد البعض بالقول، هذا كلام متناقض، كيف ينهانا الله عن نكاح المشركات ويحل لنا فروجهن في الوقت ذاته؟ نعم هو كذلك، وتلك ليست لعبة كلمات متقاطعة وإنما هي دقت في تميز الألفاظ التي يجب أن نقف عندها ونتأملها كما يجب، وأن لا نمر عليها مرور الكرام.

إن مراد قولنا هو أنّ النهي الإلهي جاء عن "النكاح" وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ، أي لا يحل للمسلم إيجاد الرابط القانوني في أن تكون المشركة زوجة للمؤمن برباط الزواج (أو النكاح)، ولكن يحق للمسلم أن يتمتع بالمشركة دونما ذلك العقد الشرعي، وخلاصة القول فإن المسلم لا ينكح إلا مسلمة ولكن له الحق أن يتمتع بغير المسلمة دون أن ينكحها.

فالنكاح كما أسلفنا يعني العقد الشرعي بالزواج، فلا يحق للمسلم أن يعقد على (أي أن ينكح) إلا مسلمة، وسيرد البعض على الفور بالقول: وأين الدليل على ذلك؟

فنقول، لنقرا الآية الكريمة التالية:

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)

ألا تعني هذه الآية الكريمة أن النكاح يتم على فئتين من النساء؟ (1) المحصنات المؤمنات أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، و (2) ما ملكت يمينك من المؤمنات مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ



أما الدليل الآخر أن النكاح لا يعني مباشرة المرأة بالجماع فجاء في الآية السابقة نفسها في قوله تعالى:

فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ



فما معنى أن تنكح المرأة بأذن أهلها؟ فهل يتطلب جماع المرأة طلب الإذن من أهلها؟ كلا، فالأهل يستأذنوا فقط في عقدة النكاح وليس في المعاشرة والجماع للمرأة، فلا يعقل أنه في كل مرة يقوم الرجل بجماع المرأة أن يذهب لطلب الأذن بذلك من أهلها! وأخال أن الأمر فيه نوع من الحرج إن كان يتم بتلك الصورة،

ولهذا جاء في كتاب الله أن هناك من بيده عقدة النكاح للمرأة من أهلها:

وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ                                                                                   البقرة (237)

أما الدليل الثابت على أنّ النكاح لا يعني ولا يتطلب وقوع الجماع فجاء في قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                                           الأحزاب (49)

فإن نحن أمعنا النظر في هذه الآية الكريمة نجد المعنى واضحاً لا لبس فيه: حصول ووقوع النكاح دون حصول الجماع والمعاشرة الفعلية: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ، نعم لا شك تنكح المرأة دون أن تمس، أليس كذلك؟

وقد تأكد هذا المعنى في مواطن أخرى في كتاب الله:

لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ              البقرة (236)



وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ                                                                                   البقرة (237)

فالآيات الكريمات تشير إلى احتمالية وقوع الطلاق، ومما لا شك فيه أن الطلاق لا يتم إلا بعد حصول النكاح، ولكن الملفت للانتباه هنا هو حصول الطلاق قبل أن تمس المرأة، ولعل علماء الأمة على دراية أن ما يحرم بعقد النكاح يحرم بالمباشرة والمس، فوالدة المنكوحة مثلاً تحرم بمجرد حصول عقد النكاح.

ولننظر إلى الفرق بين النكاح والمباشرة بالجماع (أي ملامسة النساء) كما ترد في الآية الكريمة التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                                           الأحزاب (49)

فهناك فرق جوهري بين أن تنكح المرأة وأن تمس المرأة: إنها العدة، فالمرأة التي نكحت دون أن تمس فليس لناكحها عدة عليها، ولكن المرأة التي نكحت ومست فلا شك أن عليها عدة تعتدها لزوجها الذي طلقها.

وهناك فرق آخر وهو حصتها مما فُرِض لها في عقد النكاح، قال تعالى:

وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ                                                                                   البقرة (237)

فالمرأة المنكوحة إن طلقت دون أن تمس فلها نصف ما فرض لها في عقد الزواج، أما المرأة المنكوحة التي مست فلا شك أن حقها كامل في ما فرض لها في عقد النكاح.

أذن، نستنتج أن الله عندما يأمرنا بالنكاح أو ينهانا عنه فلا يتعدى ذلك حصول عقد الزواج الشرعي وليس بالضرورة أن تحدث المباشرة الفعلية بالجماع والمعاشرة. وبهذا الفهم نعود مرة أخرى إلى آية تحريم نكاح المشركات، قال تعالى:

          وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ    البقرة (221)

فعقد النكاح بين المسلم والمشركة باطل باطل باطل. فلا يجوز للمسلم المؤمن أن يبرم عقد نكاح على مشركة، ولكننا سنرى لاحقاً أنّ الله قد أحل للمسلمين المؤمنين فروج المشركات دون الحاجة إلى إبرام عقد النكاح.

وفي ضوء هذا الفهم فلنقرأ آيتين كريمتين تتحدثان عن النكاح فقط، أما الآية الأولى فهي:

وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ                                النور (60)

فما معنى وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا؟ فهل يعني ذلك المرأة التي كبرت في السن التي لا ترجو أن تمس (أي معاشرة الرجل)؟ كلا، إننا نظن أن النص القرآني واضح، فذلك يعني المرأة التي كبرت بالعمر التي لا ترجو النكاح (أي حصول العقد الشرعي لها بالزواج)

أم الآية الثانية التي يترتب عليها حكم شرعي كبير أخطأ الكثيرون في فهمه فهي:

فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ                       البقرة (230)

فبعد الطلاق البائن بينونة كبرى يصبح لزاماً أن تنكح المرأة رجلاً أخر حتى تعود لزوجها الأول الذي طلقها، وقد ظن الكثيرون أنّ ذلك يتطلب الدخول والمعاشرة الفعلية مع الزوج الجديد، ولا أرغب هنا الدخول في الجدل الذي دار حول المحلل والمحلل له، ولكني أقول: كلا وألف كلا، فالآية الكريمة واضحة في أن الشرط المترتب على ذلك الطلاق هو حصول النكاح وليس المعاشرة والمباشرة مصداقاً لقوله تعالى " فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ"، وإن نحنا فهمنا أن النكاح يعني فقط وقوع عقد الزواج فذلك لا يعني بالضرورة حصول الدخول مع الزوج الجديد.



والمتدبر للسياقات القرآنية يرى بما لا يدع مجالاً للشك أن العلاقة الجنسية بين المؤمن والمؤمنة قائمة على أساس النكاح، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                                                    الأحزاب (49)

وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ                                                                            النور (32)

فلا يحل فرج المؤمنة للمؤمن حتى وإن كانت أمة إلا بعقد النكاح، وهذا جلي في الآية الكريمة التالية:     

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)[1]

فالعلاقة بين المؤمن والمؤمنة يجب أن تكون على النحو التالي: نكاح المحصنات المؤمنات، فإن تعذر ذلك، فنكاح فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، ويجب أخذ إذن أهلهن وأن تعطى أجرها بالمعروف، وأن يكون كل ذلك من باب مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، لا بل ويشدد النص القرآني على وجوب أن تمتحن المرأة ليستبين إيمانها حتى يحصل عقد النكاح:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)

فمتى عُلِمَ أن المرأة مؤمنة لا يحل فرجها للمؤمن إلا بالنكاح، فهي لا تحل للكافر، ولكن تحل للمؤمن بالنكاح مصداقاً لقوله تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، وبهذا نصل إلى أول استنتاج خطير جداً يتعلق بزواج المتعة:

                   لا يحق للمؤمن التمتع بالمؤمنة

 فزواج المتعة لا يجب أن يكون مع مؤمنة لأن الرابط بين المؤمن والمؤمنة مبني على أساس النكاح وليس التمتع.

وفي الوقت ذاته لا يجوز نكاح المشركات لانّ النكاح لا يقع إلا على مؤمنة.

أما العلاقة مع نساء أهل الكتاب فهي مبنية على المكاتبة وليس النكاح، قال تعالى:

وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)

وهنا نثير سؤال غريب يتحرج البعض عن إثارته وهو: لماذا لم يعقد النبي على مارية القبطية عقد النكاح؟



أما عندما يصل الأمر إلى علاقة المرأة المؤمنة بالرجل الكافر، فيصبح الأمر على النحو التالي:

          فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ

فالمرأة المؤمنة لا تحل للكافر لا بعقد النكاح ولا بدون عقد نكاح ولا بمكاتبة، والدليل أن الله سبحانه أورد اللفظ على نحو لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، ونحن نظن أن لفظة "حل ويحلون ونحوهم تعني المباشرة الجنسية بأي شكل كان.

أما علاقة الرجل المؤمن بغير المؤمنة فقد جاءت على النحو التالي:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)

وهنا يستوقفنا قوله تعالى    وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ، وهذا لفظ على إطلاقه، فيحل للمؤمن كل ما لم تنص عليه الآية السابقة من المحرمات، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الافتراض السابق بأن المرأة المؤمنة لا تحل للمؤمن إلا بعقد النكاح، فكيف تصبح علاقة الرجل المؤمن بغير المؤمنة والله سبحانه قد أحلها لنا، ويأتي الجواب بنفس الآية الكريمة في قوله تعالى " فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ، فنحن هنا نسأل سؤالاً بسيطاً وهو: "على ماذا يعود الضمير "هن" في قوله تعالى فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ؟ لا شك أن ذلك لا يعود على ما ذكر الله من المحرمات كالأم والأخت ونحوهم، ولكنه يعود على النساء المقصودات في قوله تعالى " وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ"، فيجوز للمسلم المؤمن الاستمتاع بـ النساء اللواتي ليسوا من المحرمات، وإذا أخذنا الافتراض أن المرأة المؤمنة لا تباشر إلا بالنكاح وبالتالي لا يجوز الاستمتاع بها، يكون المتعة (المباشرة الجنسية) دون عقد النكاح ولكن بالأجر مع غير المؤمنة.

ولو رجعنا إلى تاريخ زواج المتعة في الحقبة الإسلامية الأولى لوجدنا حقيقة صارخة وهي أن الزواج كان يحل تارة ويحرّم تارة أخرى، وقد حدث ذلك مرات، واختلف العلماء في ذلك، وأنا على يقين أن التحليل والتحريم كان يحصل أو يحدث للسبب الذي أوردناه، فقد كان يحل زواج المتعة عندما لا يكون المسلمون في أرض الإسلام (أي خارج المدينة)، وقد كان يحرم عندما يعود المسلمون إلى أرض الإسلام، وذلك لأنه لا متعة مع المؤمنات وإنما المتعة مع غير المؤمنات الذين نهانا الله عن نكاحهن ولكنه في الوقت ذاته أحل لنا فروجهن.

وقد يظن البعض أننا بهذا الكلام نحل زواج المتعة، فتثور الدنيا وربما لا تقعد فوق رؤوسنا، وينطلق ليحدث الناس بما أحدث رشيد الجراح من قول لم يسبق إليه الأولون و الآخرون؟ ولا تكون حجته على مثل هذا الكلام إلا قوله الذي لم يجانب كبد الحقيقة وهو: من هو رشيد الجراح هذا حتى يخرف ويهذي بمثل هذا الكلام؟ فنقول له إن رشيد الجراح ليس أكثر من عبد من عباد الله.

ولكن تمهل قليلاً وافهم –أسألك الله - ما أقصد، نعم إنني أحل زواج المتعة كما فهمته من تأويل الآيات السابقة وليس كما تمارسه بعض فرق الإسلام أو كما تحرمه الأخرى، وفهمي له على النحو التالي:

إن زواج المتعة هو- أولا وقبل كل شي – زواج يتطلب الرضا والقبول بين الطرفين ودفع الأجر للمرأة، كما يحدث في الزواج التقليدي العادي، قال تعالى:

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا

ومن كان يظن أن زواج المتعة يعني المتعة فقط دون الزواج فهو لم يفهم المفردة نفسها، إنها زواج أولاً ومتعة ثانياً، وليست كما يرغب هو أن تكون متعة دون زواج. فلقد درج الفهم العام أن زواج المتعة هو ممارسة الجنس ووطء المرأة دون زواجها، فنقول لمثل هؤلاء: لم تسمونه إذاً زواج متعة؟ لم لم تسمونه التمتع فقط؟ فإذا كان المفهوم هو التمتع فقط فذاك ليس أكثر من زنى، وهو من باب السفاح واتخاذ الأخدان، ولكن إن فهمتم أنه زواج والتزام وليس تنقلاً بين فرش النساء فهو لا شك زواج.

و نحن نظن أنه اسمه يصبح زواج متعة عندما تكون المستمتع بها مشركة، فمن يستطيع تحريم الزواج بالمشركة؟ ألا يجوز أن تكون المشركة امرأة للرجل المسلم؟ وكم من المشركات هن نساء وحلائل المسلمين؟ أليس ذلك زواج؟ نعم إنه زواج، ولكنّ الفرق الوحيد هو اختلاف التسمية، فالزواج من المؤمنة هو زواج نكاح أما الزواج بالمشركة فهو زواج متعة.

وفي هذا عزة وشعور بالهيبة للمرأة المسلمة على غيرها، فالله قد أحل للمسلم تعداد الزوجات مثلاً، وأحل له فرج المؤمنة والمشركة، ولكن حتى تبقى المرأة المؤمنة تشعر بالعزة بإيمانها على منافستها غير المؤمنة، كان لزاماً أن تتمتع بالخصوصية التي لا يمكن أن تكون لغير المؤمنة، إنها عزة الإيمان الذي خص الله به المؤمنين على غير المؤمنين، فعندما تشعر المرأة المؤمنة أن الله قد ميزها حتى في رابط الزواج تستطيع أن تستشعر عظمة هذا الدين، وتبقى المرأة غير المؤمنة تستشعر أنها أقل درجة من جنسها من النساء المؤمنات.

ولو نظرنا إلى حال الأمة في عصرنا هذا لوجدنا الصورة قد انقلبت رأساً على عقب، لقد أصبح من قبيل التفاخر والتباهي الزواج بالشقروات من بني الأصفر (كما أصبح جواز السفر الأمريكي أو الأوروبي مفخرة على كل بلاد الإسلام)، حتى استعلت المرأة المشركة في ذلك على المرأة المؤمنة (كما استعلى من يحمل الجواز الغربي على من يحمل جواز بلاد الإسلام في كل شي في الراتب والمكانة وحتى في النظرة الاجتماعية)، ففي بلاد الإسلام – بلاد الثراء والقصور والسيارات الجميلة ونهب الثروات وتكدسها في أيدي حفنة من اللصوص الذين لم يرعوا في المؤمنين إلاًّ ولا ذمة- أصبحت المرأة الشقراء ضرورة مكملة لهذا الرفاه، فابتعد الرجال عن زواج النساء المؤمنات، وانطلقوا في هجرتهم إلى الشمال ليعودوا بالجميلات الحسناوات، إننا نقول لهؤلاء وأمثالهم إننا لا نحرّم عليكم زواج الشقراوات ولا نمنعكم من ذلك، ولكن لتعلموا أن ذلك لا يجوز إلا من باب التمتع، أي زواج المتعة، ولا بد أن تعلم المرأة المشركة أن ارتباطك بها-حسب تعاليم دينك- هو من باب زواج خاص يسمى بالإسلام زواج المتعة، فإن هي قبلت بذلك فعليها أن تتحمل تبعات الالتزام، وأهمها أن تفهم أنها بذلك ترضى أن تكون أقل درجة في زواجها من المرأة المؤمنة، فمهما رفع زوجها والمجتمع من مكانتها تبقى في تعاليم دين الله أقل درجة من أدنى النساء المؤمنات.

ولو فهمنا مقاصد الشريعة لوجدنا أنّ الحكمة من زواج المتعة هو إثبات استعلاء المؤمنة على غير المؤمنة، فمن الطبيعي أن لا يساوى ديننا بين المؤمن و غير المؤمن في شيء. فالله أحل لنا المؤمنة وغير المؤمنة ولكنه رفع المؤمنة على غير المؤمنات درجات.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ                                                                                                     المجادلة (11)



بقلم د. رشيد الجراح 2010

وللكلام بقية

___________________________________________________________________________________________________________________________________







[1] وهنا لا بد من الوقوف والتعريج على قضية أخرى شغلت تفكير الكثيرين، ولب الأمر سؤال بسيط يتعلق بقوله تعالى فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، وسؤالنا على النحو التالي موجهاً لمن آمن بحد الرجم على الزاني أو الزانية المحصنة: كيف سيعاقب مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ بنصف الحد الذي يقع على المحصنة المؤمنة؟ أي كيف يمكن أن نرجمها نصف رجمة؟ وسنكون شاكرين لهم إن هم دلونا كيف يمكن تطبيق نصف الحد في حالة الرجم؟!
زواج المتعة