قصة يونس - الجزء السابع والعشرون


قصة يونس – الجزء  السابع والعشرون

توقفنا في النقاش في نهاية الجزء السابق من هذه المقالة عند أجزاء من قصة أيوب، وقدّمنا افتراءات من عند أنفسنا (نظن أنها غير مسبوقة) عن شخصية هذا النبي الكريم، فزعما الظن أن أيوب هو ولد نبي الله إسماعيل، ليصبح خط الذرية في بيت إبراهيم (بفرعيه) على النحو التالي:

                        إبراهيم
إسماعيل إسحق
أيوب   يعقوب

وطار بنا الخيال إلى افتراء الظن من عند أنفسنا بأن أيوب هو ذلك الرجل الذي اشترى يوسف من مصر، وطلب من امرأته أن تكرم مثواه:

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)

وهناك في بيت أيوب حصل التمكين الأول ليوسف في الأرض (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ)، وبدأ يوسف يتعلم من تأويل الأحاديث (وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ)، وكان ذلك بتدبير مباشر من الله (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) وإن لم يكن الغلام ربما يدرك بعدُ سبب ما حلّ به. وكان هذا – برأينا- ربما المحرك الرئيسي الذي دفع بيعقوب أن يرسل يوسف مع إخوته بالرغم من يقينه بأنهم سيكيدون له، وهم لا محالة طارحوه أرضا:

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)

فقد وافق يعقوب على طرح يوسف أرضا (دون دراية من أبنائه)، لأنه كان يظن (نحن نفتري القول) أنّ على يوسف الذهاب إلى من عنده العلم بتأويل الأحاديث، وهو العلم الذي لم يكن متوافرا عند يعقوب نفسه:

وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)

وظننا أن السبب في ذلك هو عدم وجود الكتاب في يد يعقوب، وذلك لأنّ الكتاب (نحن لازلنا نتخيل) قد تم إيداعه في الفرع الثاني من بيت إبراهيم (أي عند إسماعيل). فافترينا الظن من عند أنفسنا بأنه قد توافر لآل إبراهيم (وهما فرع إسماعيل وفرع إسحاق) الكتاب والحكمة والملك العظيم:

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)

فبالرغم أن النبوة كانت من نصيب الاثنين: إسماعيل وإسحاق (انظر الجزء السابق لترى كيف كانت حكمة إبراهيم هي السبب في ذلك)، إلا أن الكتاب كان من نصيب إسماعيل وكان الملك من نصيب إسحاق كما في الشكل التالي:
           آل إبراهيم
إسماعيل
الكتاب
إسحاق

الملك

لذا، كان الكتاب والنبوة في بيت إسماعيل وكان الملك والنبوة في بيت إسحاق، وزعمنا الظن من عند أنفسنا أن من كان عنده الكتاب هو من كان قادرا على تأويل الأحاديث، وهو ما كان ينقص يعقوب (ولد إسحاق). وظننا أيضا أن هذا الإرث العظيم عاد ليجتمع كله (الكتاب والملك) مرة أخرى بيد رسول بني إسرائيل جميعا (ذرية إسماعيل وذرية إسحاق معا) عند يوسف في أرض مصر:

وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34)

فأصبحت الصورة كما تخيلناها في الجزء السابق على النحو التالي:
                            إبراهيم

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)
        إسما(عيل)
إسحا(ق)
أيوب   يعقوب
الكتاب والحكمة الملك (العصا والقميص)
                            يوسف

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ


وبذلك يكون خط سير رحلة بني إسرائيل إلى أرض مصر على النحو التالي:

1. سار يعقوب (الشمس) وأهله أجمعين من الأرض التي باركنا فيها للعالمين جنوبا باتجاه الغرب نحو يوسف في أرض مصر

2. سار أيوب (القمر) وأهله معه من الأرض التي وضع فيها أول بيت للناس (من الواد غير ذي الزرع) شمالا باتجاه الغرب نحو يوسف في أرض مصر:




فتجمع كل بنو إسرائيل (نحن لازلنا نفتري القول من عند أنفسنا) مرة أخرى تحت راية يوسف في أرض مصر، وهناك رفع يوسف أبويه الشمس والقمر (يعقوب وأيوب) على العرش، وخروا له سجدا:

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)

كما توضح ذلك هذه الجدارية التي وصلتنا من عند صاحبنا عصام درويش من أرض ملك يوسف الصديق في مصر:


فأصبح كل بنو إسرائيل ملوكا في أرض مصر، فكانوا هم قوم موسى من بني إسرائيل:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ (20)

وكان يوسف (نحن نفتري القول) هو آخر أنبياء بني إسرائيل في أرض مصر:

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)
حتى مجيء موسى:

وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34)

الذي كانت جلّ مهمته هو أن يخرج بني إسرائيل من أرض مصر، ليعود بهم جميعا إلى الأرض التي كتب الله لهم:

حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)

فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)


ولمّا كان تركيزنا على سيرة نبي الله أيوب، حاولنا البحث عنها كما يصورها النص القرآني، فوجدنا أن النقاش يجب أن ينطلق من السياقات القرآنية التي جاء ذكر الرجل فيها بصريح اللفظ:

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)

فطار الخيال بنا إلى أن نتصور (ربما مخطئين) أن أيوب كان يعاني من مشكلتين اثنتين في بيته، وهما (1) سوء العلاقة مع امرأته و (2) عدم القدرة على الإنجاب، وكان ذلك كله بسبب مس الشيطان. وفي محاولته الخروج من هذا الوضع الراهن، انطلق الرجل باحثا عن ما يسكِّن العلاقة بينه وبين امرأته، فوجد في يوسف (الغلام الذي اشتراه من مصر) منفعة لهما. فعاد به إلى البيت، وطلب من امرأته أن تكرم مثواه:

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)

وما أن نشأ يوسف في بيت ذلك الرجل حتى حصل له التمكين في الأرض (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ)، وبدأ هناك يتعلم من تأويل الأحاديث (وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) على يد عمّه أيوب، وهو من عنده علم من الكتاب. وبالمقابل بدأت مشاكل هذا الرجل (أيوب) تنحلّ، فكُشِف عنه ضره، وبدأ منذ تلك اللحظة بالحصول على الذرية.

(وسنتعرض لتفاصيل حياة أيوب لاحقا عندما يأذن الله لنا الإحاطة بشيء من علمه فيها، فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو السميع المجيب – آمين).

ونحن ندعو الله أن يهدي أخانا العزيز عصام درويش صراطه المستقيم، فيتكشف له من كنوز العلم المتوافرة في أرض مصر، فلعل يده قد وقعت بعد هذه المقالات على الخيوط التي سترشده (بحول الله وتوفيق منه) إلى قصة هذا الحكيم الذي ما انفك يصاحب يوسف في أرض مصر، فهو من يعمل على إعادة نسج خيوط القصة من جداريات وأحافير في أرض مصر الخالدة. وهو من جاء رده على مقالاتنا السابقة في رسالة الكترونية على النحو التالي:
لا أخفيكم سرا أنني في الفترة التي كتب فيها الجراح درته المكنونة في الجزء 24..25..26 ... كان خيالي مسلوب تماما و قابع في ترقب وفزع تحت هرم زوسر المدرج الذي أكاد ابكي متوسلا الي صخره وحجره أن ينطق لي ولو بحرف واحد يؤكد لي أو ينفي أن يكون زوسر هو جوسر هو جوزيف هو يوسف الصديق. إن احساسي القوي هنا يؤكد لي أن هذا الهرم المدرج فوق رأسي هو غطاء مهيب يخفي من تحت منه أسرار رهيبة وكبيرة.
أكاد اتحسس باناملي واصابعي أزرق الفسيفساء المبطن لجدار بئر الدفن اسفل قدماي. . كما لو كنت اعبث بازرار حاسوبي العتيق لعله ينطق بأي شيء. .. لم أري هذا الأزرق وهذا الفسيفساء إلا هنا.
 واطللت بصري علي عمق سحيق الي الجنوب اسفل قدماي وأسفل غرفة الدفن الهرمية لاتامل هذه الآبار الاحدي عشر..واطلعت اليها وهي ميتة من السكون..مقابر احدي عشر... قد غطتها وحجبتها عن العيون توسعات تمت لقاعدة الهرم المدرج فصارت طي النسيان.
لماذا 11 وليست 9 أو 10 أو أقل من ذلك أو أكثر. 
هل هنا يوسف العزيز الذي قرأ المترجمون اسمه أسيس؟  وضاع اسمه في قوائم الملوك وقد عبثت بها الفوضي. 
وجاءني الجزء 26 من درر الجراح وانا أكاد ابكي متوسلا لتراب وحصي واحجار مقابر أخوة يوسف... ارجوكم تكلموا وافصحوا عن أي شيء ... كفاكم خلاصا نجيا. .. لقد خلصتم نجيا زمن يوسف... ألم يكفيكم هذا الصمت الطويل.
واصابني شاكوش الجراح الرشيد في جنب رأسي. .فذهبت من السكاري ... ولم أقرب الصلاة... ولكني قربت من أيوب. ... وقلت له...أيوب أيها النبي العظيم...أين موقعك هنا من هذه الجنان الأبدية الصامتة... أين أنت من يوسف وزمانه. 
لقد كانت ظلمة قبر زوسر الحالكة معينا بقوة للذهاب بعيدا وعميقا الي حيث أحداث وأشخاص وأيام حول زمن يوسف وحوله.
ومررت سريعا علي كل ذلك أو معظمه... والتفت يميناً قليلاً متأملاً رجلاً عجوزا لحيته بيضاء غطاها تراب زمن طويل قابعا في أحد أركان زمن قديم.
أجدني أجمع بين اصابعي حروف وكلمات اجتهد البعض في فك طلاسيمها. . أجدني اقلب كفييا علي ما أنفقوا فيها من عمر وسنين.
حروف حين اجمعها سويا اسمع كما يقول اللسان المصري تاءتاءا. ... هذا العجوز هو أبو الحكماء في مصر القديمة.
كيف غاب عني هذا الحكيم وسط عماليق في أسمائهم واحجامهم واثارهم. .. ولم افطن ولم أتوقف عنده ولو قليلا.
أنين الأصوات وتاءتاءته يفصح عن  حكيم تعلم منه الشرق كله وممالك جنوب أوربا. .. أتاه الله لسان حكمة نادر وحيد وعجيب... أكاد أراها كما لو كانت كبسولات من حكمة عميقة وفريدة... أبطالها  بين بشر وكائنات أخري. .. أكاد أجزم الآن أن كليلة ودمنة وكثير من تراث القوم قد كان هذا العجوز مصدره.
هل الرمزية الرفيعة الراقية في كبسولات الرجل هي ما يطلق عليها تأويل الأحاديث. ؟!.
دعوني اتلصص أو اتحسس عن قرب أكثر من هذا الرجل الساكن في صمت رهيب أحد أركان كهف الزمان.
الحروف غير واضحة... الأصوات مدغدغة. ..اسمع منها بعض  كلمات مفهومة...أفهم منها أنه في صغره قد بيع في سوق الرقيق و قد اشتراه رجلان!... يبدو لي أنهما كانا يعايرانه بعلة في جسده .... وقد تركت قبحا ونفورا ممن يراه أو يخالطه. 
ولكن حكمته وقدرته الفذة علي صياغة الحكم والمواعظ في كبسولات قصيرة رمزية قد اعلت من شأنه وسط كل الأقوام وفي كل زمان.
لا أملك إلا أن انحني خجلا واحتراما لهذا العجوز الحكيم الذي تم رفعه علي عرش الحكمة.... وقد أعجبتني كثيراً كبسولته ( الفتي الذي لم ياكله الذئب).!!!!
لقد اعياني السفر الي حيث يقبع هذا العجوز... ولكنني لا استطيع ان اقفل عائدا إلا إذا تحسست لقبا أو اسما له.
يا لها من صدفة رائعة... هاهي حروف اسمه جلية ومشرقة. 
  ءا...ي...س...و..ب.

السؤال: هل نحن إذن على الطريق المستقيم باتجاه الهدف المنشود أيها الدرويش؟

)دعاء: أسأل الله وحده أن يهدينا إلى نوره، وأن ينظرنا نقتبس منه، فنكن في أنصاره، ليجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمته هي العليا – آمين)

أما بعد،

إن ما يهمنا طرحه الآن هو الافتراء بأن يعقوب وأيوب هما من رفعهما يوسف على العرش على أساس أنهما أبويه:

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)

ولو تدبرنا رؤيا يوسف الأولى التي قصها على والده يعقوب لوجدنا أن الشمس والقمر فيها حاضرين:

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)

والجزء السابق من الجدارية يوضح سجود الإخوة (الأفاعي الأحد عشر) وسجود والدية (الأفاعي الدائرية) له:






لنخلص إلى الافتراءات التي ستعيدنا مرة أخرى إلى قصة إبراهيم، والافتراءات هي:

1. كان يعقوب هو الشمس

2. كان أيوب هو القمر

3. كان الأبناء هم الكواكب

وهو ما يرتبط – برأينا- مع رؤيا إبراهيم نفسه:

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)

السؤال: كيف ذلك؟

رأينا: زعمنا الظن سابقا أن إبراهيم كان ثائرا على عقيدة الشرك التي كانت سائدة في قومه:

وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
فتبرأ إبراهيم من عبادة قومه:

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26)

وتوجه بقلب سليم إلى ربه الذي فطره ليهديه:

وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)

إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)


وكان شرك قومه مبنيّ على مبدأ أن الإله ثلاثة (شمس وقمر وكوكب). فكان الكوكب هو الإله الابن، وكانت الشمس هي الإله الأكبر، وكان القمر هو الإله الذي يتنزل بينهما. ولو تدبرنا السياق التالي لوجدنا أن عقيدة القوم كانت مبنية على الإفك:

وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)

ولو حاولنا ربط هذه الآية الكريمة بآية أخرى في كتاب الله، لوجدنا أن الإفك يتمثل بقولهم المفترى على الله كذبا أن له الولد:

أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)

وكان جلّ الدليل الذي قدمناه هو ما تحصل لنا من فهم مفترى من عند أنفسنا عن رؤيا يوسف التي قصها على والده يعقوب:

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)

وسنحاول الآن الخوض في هذه الافتراءات تباعا، علّنا نصل بحول الله وتوفيق منه إلى مبتغانا، عن كيفية رؤيا إبراهيم ويوسف لهذه الكينونات الثلاثة.

باب الإله الابن (الكوكب)

ربما لا نحتاج إلى بذل مزيد من الجهد لتسويق الظن بأن الكواكب في رؤيا يوسف هم الأبناء في الحقيقة، فيوسف قد رأى أحد عشر كوكبا، وهم في ظننا أبناء يعقوب، أليس كذلك؟

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)

وهم الذين خروا له سجدا، فكان في ذلك تأويل لرؤيا يوسف الأولى :

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)

لتصبح الصورة الآن في ذهننا على النحو التالي:

- كان يعقوب هو الأب، لأنه هو الأكبر، وهذا ما نظن أنه الرابط بين رؤيا يوسف ورؤيا أبيه (جده) إبراهيم من قبل، فلو دققنا فيما قاله إبراهيم عن الشمس لوجدنا السياق القرآني يبين أن الشمس هي الإله الأكبر:

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)

ولو تفقدنا الحديث عن القمر في رؤيا إبراهيم لوجدنا أنه يتوسط الحديث عن الكوكب (الإله الابن) والشمس (الإله الأكبر):

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)

ليكون الافتراء الذي نحاول تسويقه هو أن عقيدة القوم كانت مبنية على الإيمان بأن هناك إله في السماء هو الإله الأكبر (الشمس)، وهناك إله في الأرض هو الإله الابن (كوكب) وهناك من يتنزل بينهما (القمر)، وهو الروح. وهذه هي عقيدة الذين جاءوا من بعهدهم من أهل الكتاب اللذين جعلوا لله الولد، فبعضهم قال أن الإله اثنين:

وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)

وهم اليهود الذين قالوا أن العزير هو ابن الله:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)

وقال بعضهم الآخر أن الإله ثلاثة، وهم النصارى اللذين افتروا أكثر من ذلك عندما ظنوا أن هناك إله يتنزل بين الأب (إله السماء) والابن (إله الأرض):

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً (171)

فجاء الرد الإلهي الحاسم الذي يكذّب دعوى الطرفين في قوله تعالى:

قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)

نتائج مفتراة

- الإله الذي في السماء هو نفسه إله الأرض (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)

- هذا الإله هو نفسه رب (مالك) السموات والأرض وما بينهما (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا)

- الخطاب بين السماء والأرض يتنزل به الأمر (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)

وهذه هي – برأينا- الحقيقة التي توصل لها إبراهيم عندما ترك شرك قومه ووجه وجهه للذي فطره ليهديه. فإبراهيم يتوصل إلى الحقيقة التي مفادها أن الإله في السماء والإله في الأرض هو واحد، وأن الذي يتنزل بين السماء والأرض هو الأمر.

السؤال: ما هو الأمر الذي يتنزل بين السماء والأرض؟

جواب مفترى: نحن نظن أنه الروح:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)

فلقد كانت عقيدة قوم إبراهيم (نحن نتخيل) على النحو التالي:

السماء (إله): الشمس
بينهما (إله): القمر
الأرض (إله): الابن

فكان القوم على عقيدة السجود لهذه الكينونات:

وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)

ولكن إبراهيم استطاع أن يرى بأن هذه كينونات (بحد ذاتها) ساجدة لمن هو قاهرها جميعا:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18)

فقد كان علم قوم إبراهيم قد وصل إلى حده الأقصى عند هذه الكينونات (شمس وقمر وكوكب – آلهة ثلاثة)، فظنوا أنها منتهى العلم، لكنهم لم يفطنوا إلى أن هناك ما يتجاوز حدود هذه الكينونات، فكان إبراهيم هو أول من توصل من بينهم إلى ذلك العلم، وهو العلم لم يأتي أباه من قبل:

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)

فلقد آثر الأب البقاء على حده ذاك من العلم:

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)

فأصبح بذلك وليّا للشيطان:

يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)

السؤال: لماذا توقف الأب عند ذلك الحد من العلم؟ لِم لم يتبع إبراهيم بما جاءه من العلم؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: لأن ذلك الرجل قد نزغه نزغ من الشيطان فلم يستعذ بالله منه:

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201)

فلقد كان أب إبراهيم هذا (نحن نظن) قد نزغه من الشيطان نزغ، فلم يستعذ بالله منه، فدلّه الشيطان إلى أن الشمس والقمر وهذا الكوكب هي آلهة تستحق أن يسجد لها:

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)
لكن لمّا كان إبراهيم من المتقين، استعاذ بالله من الشيطان، فاستطاع أن يتجاوز هذا الحد من العلم (وهو ما كان عليه قومه عامة وأبوه خاصة). فلقد أدرك إبراهيم أن ما حلّ بقومه كان سببه الشيطان، فطلب من أبيه أن لا يعبد الشيطان:

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)

فلقد أدرك إبراهيم أن ما فيه أبوه وقومه من الضلال البعيد هو بسبب نزغ الشيطان، وأدرك أن الخلاص منه سهل ميسر، يتمثل فقط بالاستعاذة بالله من نزغ الشيطان، فاستعاذ إبراهيم بالله منه، وهنا تذكر إبراهيم، فإذا هو من المبصرين:

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ (202)

فجاءه علم من الإله الذي خلق هذه الكينونات، وهو العلم الذي لم يأتي أباه من قبل:

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)

فوجه إبراهيم وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفا، تاركا عقيدة الشرك التي يعتقد بها قومه:

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)

الدليل

السؤال: كيف استطاع إبراهيم تجاوز حاجز العلم الذي كان متاحا لأبيه من قبله؟

يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)

جواب مفترى: لو دققنا في السياق القرآني من سورة مريم الذي وردت فيه هذه الآية الكريمة، لوجدنا فيه من الغرابة ما يستدعي جلب الانتباه والتركيز:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)

فإبراهيم يثبت بملء فيه أن أباه هذا يعبد ما لا يسمع ولا يبصر:

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42)

وفي الوقت ذاته يثبت لنا كذلك أن أباه يعبد الشيطان:

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)

السؤال المربك: كيف يمكن أن يكون أب إبراهيم هذا يعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئا، وهي الأصنام، وفي الوقت ذاته يعبد الشيطان؟

جواب: لأن هذا الرجل يتخذ آلهة من دون الله، فأصبح له آلهة:

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)

السؤال: ما علاقة الشيطان بعبادة القوم لهذه التماثيل (الأصنام)؟

جواب مفترى: نحن نظن أن علاقة الشيطان بهذه العبادة مرتبطة بشكل مباشر بالشمس.

السؤال: ما معنى ذلك؟ وما علاقة الشيطان بعبادة الشمس؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن العلاقة يمكن أن تستبين بعد جلب السياق القرآني التالي بحول الله وتوفيق منه:

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)

لو دققنا النظر في هذا السياق القرآني لوجدنا أنه خاص بعبادة قوم المرأة التي تملك قومها في سبأ، في زمن سليمان، أليس كذلك؟ ولو تدبرنا السياق نفسه لوجدنا أن نبأهم قد جاء به الهدهد، وكان ذلك على نحو وجود امرأة تملك قومها، وهي صاحبة عرش عظيم، وكانت هي وقومها على عادة السجود للشمس من دون الله، أليس كذلك؟

ولو تفقدنا السياق أكثر لوجدنا الهدهد يثبت لنا بأن سجود المرأة وقومها للشمس من دون الله كان مدفوعا بما كان يقوم به الشيطان، فهو الذي زين للقوم أعمالهم وهو الذي صدهم عن السبيل فلم يهتدوا، أليس كذلك؟

وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)

السؤال: ما علاقة السجود للشمس هنا بوجود الشيطان؟

جواب مفترى: الشيطان هو من زين لهم أعمالهم (عبادة الشمس)، فكان بذلك هو من صدهم عن السبيل.

السؤال: كيف يكون ذلك؟

جواب مفترى: لو تفقدنا القرآن أكثر لوجدنا أن هذا ما فعله الشيطان مع عاد وثمود أيضا:

وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)

ولو جلبنا السياق القرآني التالي، لوجدنا أن هذا بالضبط ما كان من أمر فرعون عندما بلغ الأسباب:

أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)

ليكون ما يشغل تفكيرنا الآن هو إيجاد الرابط العجيب بين عبادة قوم إبراهيم وعبادة عاد وثمود وعبادة قوم المرأة في سبأ وما كان من أمر فرعون يوم أن بلغ الأسباب ليطلع إلى إله موسى.

فبالرغم أن فرعون ادعى لنفسه الإلوهية المطلقة على ملئه:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)

وبالرغم أنه أثبت لنفسه بأنه هو الرب الأعلى لقومه جميعا:

فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)

ألا أن القوم توجهوا بالخطاب لفرعون على النحو التالي:

وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)

السؤال: ما هي إذن آلهة فرعون (وهو نفسه إله ورب أعلى كما زعم)؟

جواب مفترى: نحن نظن أن آلهة فرعون هي هذه الكينونات (الشمس والقمر والكوكب).

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نكاد نجزم الظن بأن الشيطان كان هو المحرك الرئيسي لهؤلاء الأقوام. فهو الذي كان يزين لهم عبادة من هم من دون الله، وخاصة السجود للشمس على وجه التحديد، واعتبارها الإله الأكبر، وهو الذي كان يصدّهم عن السبيل بالرغم أنهم كانوا قوما مستبصرين.

السؤال: كيف فعل الشيطان ذلك؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الشيطان يفعل ذلك بطريقة الصد عن السبيل:

وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)

وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)

أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)


السؤال: ما هو السبيل الذي يصدّ الشيطانُ الناسَ عنه؟ وكيف يصدّ الشيطانُ الناسَ عن ذاك السبيل؟

جواب مفترى: نحن نظن أن السبيل إلى الله هو سبيل واحد:

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

ونحن مأمورون بأن لا نتّبع السبل لأنها ستتفرق بنا:

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)

السؤال: من الذي يفرق بنا السبل؟

جواب مفترى: الشيطان:

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)

السؤال: كيف يفعل الشيطان ذلك؟

جواب مفترى: غالبا ما يظن الإنسان (ربما كل إنسان) أنه متّبع صراط الله المستقيم، فمن وُلِد في بلاد المسلمين يظن أنه على صراط مستقيم، ومن وُلد في بلاد النصارى يظن أنه على صراط مستقيم، ومن وُلد في بلاد اليهود يظن أنه على صراط مستقيم، وهكذا. ليكون السؤال الذي يجب أن يطرحه – برأينا- المنطق السليم هو: هل فعلا كل هؤلاء على صراط مستقيم؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فمن - يا ترى- منهم على صراط مستقيم؟ ومن منهم قد زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل؟

جواب مفترى: نحن نظن أن من زيّن له الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل هم من ينطبق عليهم قول الحق في الآية الكريمة التالية:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)

فالذي يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير هو من كان ثاني عطفه (أي ربما تدفعه عاطفته فقط) ليضل عن سبيل الله. وهو بالتالي يفعل ما يفعل الشيطان الذي يزين للناس أعمالهم ليصدوهم عن السبيل (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) فمن كان من أبناء المسلمين (بغض النظر عن طول شعر لحيته وقصر ثوبه) يجادل ليثبت فقط أن ما يفعله المسلم منهم هو الحق بعينه وأن ما يفعله غيرهم من أهل الأرض هو الباطل لا محالة، فهو - لا شك عندنا- من كان ثاني عطفه (أي مدفوعا بعاطفته تجاه المسلمين)، وهو المدفوع بغرض صدّ الناس عن سبيل الله. وكذلك هو النصراني الذي يدافع عن نصرانيته بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فدفاعه عن نصرانيته مدفوع بعاطفته فقط، فهو إذن يصد الناس عن سبيل الله، وكذلك هو اليهودي الذي يدافع عن يهوديته بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. فهو يصد الناس عن سبيل الله، فهؤلاء هم – برأينا- شياطين الإنس (بلباسهم الديني) الذين يزينون للناس أعمالهم ليصدوهم عن السبيل، فلا يهتدون.

(دعاء: أعوذ بك ربي أن أكون ممن يزين للناس أعمالهم ليصدهم عن سبيلك، إنك أنت العليم الخبير – آمين)

السؤال: ما هي ماهية عقائد هؤلاء الذين يدافعون بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؟

جواب مفترى: إنهم المتّبعون لما وجدوا عليه آباءهم. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في السياق القرآني التالي:

أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)

ولو دققنا النظر جيدا في السياق نفسه، لو جدنا أن هذا الاعتقاد (الإيمان فقط بما وجدنا عليه آباؤنا) هو ما دعاهم له الشيطان:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)

السؤال: كيف الخلاص من الموقف؟ وكيف هي سبيل النجاة من ذلك؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الخروج من المأزق موجود في السياق القرآني نفسه، ويكون ذلك بأن يسلم الإنسان وجهه إلى الله وحده:

وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)

وهذا بالضبط ما فعله إبراهيم:

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)

فالمطلوب من الإنسان (كل إنسان) مهما كان المعتقد الذي وجد عليه آباءه هو أن يسلم لرب العالمين.

(دعاء: اللهم اشهد أني قد أسلمت لك، وما أنا من المشركين – آمين)

السؤال: كيف هي آلية تحقيق ذلك؟

رأينا المفترى: على كل من أراد أن يسلم لرب العالمين أن يبدأ بسلامة القلب كما كان إبراهيم:

إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)

(دعاء: اللهم أسألك أن أكون ممن جاءوك بقلب سليم – آمين)

فيتدبر ما عليه آباؤه، فإن كان ما عليه آباؤه مبني على علم أو هدى أو كتاب منير، لزمته الحجة. وإن وجد غير ذلك، فعليه أن يدع ما ألفى القوم عليه كما فعل إبراهيم:

إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)

السؤال: كيف يستطيع الإنسان أن يجزم أن قومه غير متبعي صراط الله المستقيم؟

جواب مفترى: إذا وجد أنهم متبعون لما تأمرهم به الشياطين.

السؤال: وكيف يستطيع معرفة أن هذا ما تأمره به الشياطين؟

جواب مفترى وخطير جدا جدا: نحن نظن أن من السهولة بمكان معرفة أن القوم متبعون عقيدة الشياطين (أو أنهم فعلا يعبدون الشياطين)، وهذا ما نجده في قوله تعالى:

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)

السؤال: وكيف يصدونهم (أي الشياطين) عن السبيل؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: بإتباع السبل:

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)

نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: انظر -عزيزي القارئ- إلى عقيدة من هم حولك، فإن أنت وجدت أن هناك سبلا كثيرة، فأعلم أنك أبعد ما تكون عن سبيل الله، فكل شيطان (من شياطين الجن والإنس) يحاول الترويج لبضاعته، لتحسبوه من عند الله وما هو من عند الله، وهنا يقع الناس في الاختلاف من بعد ما جاءهم العلم، ويكون ذلك مدفوعا بالبغي بينهم:

وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)

فلو أنت قلّبت محطّات التلفزة، لوجدت أن كل شيطان (بغض النظر عن طول لحيته أو قصر ثوبه) يدعو إلى سبيل خاصة به وبمن اتبعه، فيزين لأتباعه أعمالهم ويبخس كل ما عند الآخرين، فهو بذلك – نحن نفتري القول- يصد الناس عن سبيل الله، وما هي إلا لحظات (إن أنت تابعت تقليب المحطات الدينية) حتى تدرك أن السبل قد تفرقت بالقوم، فهناك العشرات بل المئات منهم اللذين لا ينفكون عن الترويج لعقائد آبائهم وإن كانوا لا يعقلون منها شيئا، فكل يدّعي أنه هو على صراط مستقيم وأن غيره على الضلال المبين، فيقع من كان قلبه سليما في حيرة إلى أي السبل يجب أن ينحاز.

رأينا المفترى: نحن نظن أن الطريق الأسلم هي تركها جميعا والذهاب (لا بل والهجرة) إلى رب العالمين كما فعل إبراهيم:

وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)

السؤال: كيف هي آلية الوصول إلى الهداية كما حصل مع إبراهيم؟

أولا، نحن نظن أن الشرط الأول هو سلامة القلب:

إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)

ثانيا، لابد للباحث عن الحقيقة أن يكون على استعداد لتقبل الأمر مهما كانت النتائج والعواقب، فهذا إبراهيم مستعد أن يلقى به في النار، فيثبت على مبدأه:

قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)

ثالثا، لابد من منطلقات تفكير صحيحة، وأول هذه المنطلقات هو استحالة تعدد الآلهة:

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)

ومن منطلقات التفكير السليم هو أن المقدمات تحكم النتائج، فمادام أن الآلهة لا تعدد، لأن ذلك سيؤدي إلى فساد السموات والأرض:

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)

فإن السبل لا تعدد أيضا، فهناك إذن سبيل واحده تؤدي إلى الله:

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

أما المتبعون للشياطين فإنهم لا محالة سيصدونهم عن سبيل الله هذه:

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)

وعندها ستتفرق بهم السبل:

وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)

نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: لمّا كان قلب إبراهيم سليما، استقر فيه أن هناك سبيل واحد صحيحة، وهي سبيل الله الواحد الأحد، وأن لما يعبدون من دون الله سبل كثيرة جميعها (لا شك عندنا) مدفوعة بالصد عن سبيل الله، وأن المحرك لها جميعا هي الشياطين.

رابعا، لا شك أن من أراد سبيل الله فهو من كان محبا لله:

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)

السؤال: كيف يمكن أن يحب الإنسان ربه؟

جواب: دعنا نعود إلى قصة هداية إبراهيم لنتفقدها من هذا الجانب:

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)
فهذا إبراهيم يبدأ (كما افترينا سابقا) يتفقد آلهة القوم الواحد تلو الآخر، ويبدأ بالكوكب، وما أن يجده آفلا حتى تكون ردة فعله على النحو أنه لا يحب الآفلين:

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76)

لنخرج من هذا بالافتراء التالي الذي هو من عند أنفسنا: كان إبراهيم يبحث إذا عن الإله الذي يحبه، فإبراهيم يحب الإله الذي لا يأفل.

السؤال: كيف علم إبراهيم أن هذا الإله (الكوكب) قد أفل؟

جواب مفترى: لو تفقدنا بقية السياق القرآني لوجدنا أن القمر قد أفل:

فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)

ولوجدنا أن الشمس قد أفلت أيضا:

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)

لنخلص إلى النتيجة التي مفادها أن إبراهيم لا يحب الكوكب لأنه أفل، ولا يحب القمر لأنه أفل، ولا يحب الشمس لأنها أفلت، أليس كذلك؟

السؤال الكبير : كيف علم إبراهيم أن الكوكب قد أفل؟ وكيف علم أن القمر قد أفل؟ وكيف علم أن الشمس قد أفلت؟

جواب مفترى: بالرؤية. فصريح اللفظ القرآني يدل على أن إبراهيم قد رأى هذه الكينونات وقد أفلت (فَلَمَّا رَأَى)، أليس كذلك؟

السؤال: كيف يمكن لإبراهيم أن يرى هذه الكينونات وقد أفلت؟

جواب مفترى: بداية، يجب أن نسطّر الافتراء الخطير التالي الذي هو من عند أنفسنا: لم تكن رؤية إبراهيم لهذه الكينونات (الكوكب والقمر والشمس) رؤيا منام، ولكنها رؤية حقيقة. فلقد رأى إبراهيم فعلا (نحن نفتري القول) أنّ هذه الكينونات قد أفلت، ولو كانت تلك رؤيا منام لجاء ذلك بصريح اللفظ كما حصل مع رؤياه الخاصة بذبح ابنه:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)

ليكون منطقنا المفترى الخاص برؤية إبراهيم هذه الكينونات (الكوكب والقمر والشمس) على النحو التالي: إن ما بدر من إبراهيم هي رؤية حقيقية وليست رؤيا منام.

السؤال: كيف رأى إبراهيم هذه الكينونات على الحقيقة؟

جواب مفترى: لما علم إبراهيم أن هناك سبيلا واحدة لله:

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)

كان يؤمن أنه لابد من الوصول إلى هذه السبيل.

السؤال: وهل وصل إبراهيم إلى هذه السبيل؟

رأينا المفترى، نعم، لقد وصل إبراهيم إلى بداية هذه السبيل.

السؤال: ما الذي حصل عندما وصل إبراهيم إلى بداية هذه السبيل التي ستدله على الإله الذي لا يأفل؟

جواب مفترى خطير جدا: هناك بالضبط (نحن نفتري القول) وجد إبراهيم مَنْ يصد عن هذه السبيل حاضرا، ألا وهو الشيطان:

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37)

وهناك وجد إبراهيم الشيطان قاعدا للجميع على صراط الله المستقيم:

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)

وأن جلّ مهمته تكمن في أن يزين لهم أعمالهم، فيصدهم عن السبيل، كما نجح مع قوم إبراهيم، وكما نجح مع عاد وثمود:

وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)

وكما نجح مع المرأة وقومها في سبأ:

وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)

وكما نجح مع فرعون:

أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)

السؤال: كيف استطاع إبراهيم أن يرى تلك الكينونات على حقيقتها؟ أو كيف أدرك أنها قد أفلت فعلا؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: كان على إبراهيم أن يتجاوز هذا الحد، أي الحد الذي يتربع عنده الشيطان (الصراط المستقيم).

السؤال: كيف كانت آلية حصول ذلك كما فعلها إبراهيم؟

رأينا المفترى: استطاع إبراهيم بما آتاه الله من علم أن يبلغ أسباب السموات والأرض بما يشبه ما فعله فرعون:

أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)

السؤال: وكيف فعل إبراهيم ذلك؟

جواب مفترى خطير جدا جدا لا تصدقوه: بالمصباح الذي يشبه الزجاجة:

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

السؤال: وكيف استطاع إبراهيم الوصول إلى ذلك المصباح؟

نتيجة مفتراة: لمّا كان إبراهيم ممن يشاءون الهداية لنور الله:(يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء)، يسر الله له ذلك بالطريقة التالية:

وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)

ولا شك عندنا أن ذلك الملكوت موجود بيد الله نفسه:

قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88)

فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)


ولو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن هذا لم يكن خاصا بإبراهيم وإنما هو متاح لكل من أراد النظر:

أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)

(دعاء: اللهم أسألك أن تهديني إلى نورك، فأكن ممن ينظرون في ملكوت السموات والأرض وليكونوا من الموقنين – آمين)

السؤال: كيف أستطاع إبراهيم الوصول إلى ملكوت السموات والأرض الموجودة بيد الله نفسه؟ وكيف يستطيع كل من أراد أن ينظر في ملكوت السموات والأرض أن يفعل ذلك؟

جواب مفترى: نحن نظن أن هناك خطوات عملية لابد من القيام بها تدريجيا، وهي برأينا على النحو التالي:

أولا، وجب على كل من أراد النظر في ملكوت السموات والأرض أن يتفلّت من شياطين الإنس (بغض النظر عن طول لحيته وقصر ثوبه)، وهم – برأينا- الداعون إلى عقائد آبائهم ولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)

ثانيا، بعد أن تنفلت من شياطين الإنس المروجون لعقائد الآباء بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، عليك أن توجه وجهك للإله الذي تحب. فتكون بذلك قد وصلت إلى بداية السبيل المؤدي بك إلى الله.

ثالثا: سيجد الواصل هناك أن الشيطان الأكبر قد قعد لنا جميعا صراط الله المستقيم:

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)

رابعا، لابد لمن أراد تجاوز هذا الحد، أن يتغلب على الشيطان، وسيكون ذلك ميسرا مادام أن كيد الشيطان كان ضعيفا:

الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)

ويكون ذلك بالاستعاذة من الشيطان، لكسر حاجز الصد الذي أقامه الشيطان هناك، لتنفذ إلى ما بعده:

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)

وذلك لأن الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون:

إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)

وإنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون:

إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)

وما أن يستعذ الذين آمنوا بالله من الشيطان الرجيم حتى تكون النتيجة أن يتذكروا فإذا هم مبصرون:

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201)
وهنا بالضبط نجد ردة فعل الواصل هناك تتعدد، فهناك من الناس من لا يستعيذ من الشيطان لظنه أن هذا هو منتهى العلم كما فعل أب إبراهيم، فكان هذا الرجل تابعا للشيطان:

يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)

وهناك أيضا من كان يعلم أنه يستطيع تجاوز حاجز الشيطان، ويعرف كيف يفعل ذلك، ولكنه كان غير راغب في الهداية، فهذا من كان الشيطان تابعا له بدل أن يكون هو تابعا للشيطان. ولا نجد أفضل على هذا النوع من الناس من مثال فرعون نفسه، فهو الذي تبين له الحق، ولكنه رجع مسرعا مكذبا لأنه لا يريد الهداية:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)

(وسنتعرض لهذه القضية بشيء من التفصيل إن شاء الله عند عودتنا للحديث عن فرعون لاحقا، فالله اسأل أن يأذن لنا الإحاطة بشيء من علمه فيها لا ينبغي لغيري إنه هو السميع العليم)

ونجد – بالمقابل- من كان مستعدا أن يتخلى عن الشيطان، فيسلم لرب العالمين كما فعلت المرأة التي تملك قومها في سبأ عندما أدركت أن سجودها وقومها للشمس من دون الله كان سببه الشيطان، فهذا حالها وقومها في البداية:

وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)

وهذا حالها وقومها في النهاية:

وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)

وهذا برأينا ما فعله إبراهيم من قبل، فكان على النحو التالي:

أولا، استطاع إبراهيم أن ينفلت من شياطين الإنس المروجون لعقائد الآباء:

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)

وعلى رأسهم أبوه آزر نفسه:

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)

ثانيا، وصل إبراهيم إذن إلى بداية السبيل المؤدية إلى الله، فوجد الشيطان الأكبر قاعدا له صراط الله المستقيم:

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)

حيث وجده هناك يصد عن السبيل، فاستعاذ إبراهيم بالله من الشيطان الرجيم، وتمثل ذلك بأن وجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفا:

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)

ولما لم يكن للشيطان على إبراهيم سلطانا مادام أنه لم يكن من الذين يتولونه والذين هم به مشركين:

إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)

تبرأ إبراهيم من عبادة الشرك:

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)

فاستطاع إبراهيم بذلك أن يتجاوز حاجز الشيطان الأكبر.

السؤال: كيف فعل إبراهيم ذلك؟ أو بكلمات أكثر دقة نحن نسأل: ما هي الخطوات العملية التي قام بها إبراهيم لتنفيذ مراده هذا؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن ذلك حصل بالاعتزال.

وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)

السؤال: أين اعتزل إبراهيم قومه جميعا؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الاعتزال يتم على نحو أن يتخذ من أراد اعتزال غيره مكانا خاصا يبتعد فيه عن القوم:

إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90)

وقد تعرضنا لهذه الجزئية في الأجزاء السابقة من المقالة نفسها، وافترينا الظن أن الاعتزال يكون من قبل الطرف الأضعف لتجنب الأذى الذي قد يلحق به من الطرف الأقوى إن هو لم يقم بفعل الاعتزال، كما في حالة اعتزال النساء في المحيض:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)

لذا يكون الاعتزال بدافع شرعي، وليس أهم من ذلك اعتزال القوم إن كانوا يعبدون من هم من دون الله، كما فعل الفتية أصحاب الكهف والرقيم:

وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)

السؤال: أين نفّذ إبراهيم فعل اعتزاله قومه بمن فيهم أبيه آزر؟

جواب مفترى: بعد أن تفقدنا السياقات القرآنية الخاصة بالاعتزال، وجدنا أن الرابط واضح بين إبراهيم الذي اعتزل قومه لأنهم يعبدون من دون الله:

وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)

والفتية أصحاب الكهف والرقيم الذين اعتزلوا قومهم لنفس الغاية:

هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16)

(لما كنا نجد لزاما أن ننسب العلم إلى أوليه، فإن من الواجب علي هنا أن أشكر ابن أخي المهندس يزن الذي جلب انتباهنا للربط بين اعتزال إبراهيم لقومه واعتزال الفتية أصحاب الكهف والرقيم قومهم)

ليكون السيناريو الذي نحاول أن نتخيله على النحو التالي:

يأتي إبراهيم من العلم ما لم يأت أباه آزر من قبل، فيحاول ثني أبيه هذا عن عبادة ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئا وعن عبادة الشيطان أيضا:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)

فلا ينجح إبراهيم في دعوة أبيه الذي كان موقفه على النحو التالي:

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)

وهنا يتخذ إبراهيم قراره بالاستغفار لأبيه على وجه التحديد واعتزال القوم أجمعين وما يدعون من دون الله:

قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)

فيتوجه إبراهيم إلى مكان يختلي فيه بنفسه، هاجرا أباه (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا)، معتزلا القوم أجمعين (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ)، طامعا أولا في دعاء ربه لئلا يكون شقيا (وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا)، ومتجنبا الأذى الذي كاد أن يلحق به منهم لو أنه لم يفعل ذلك (لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ). فتوجه إبراهيم إلى ما يشبه "كهف الفتية"، أصحاب الكهف والرقيم، وهناك صار إبراهيم وحيدا. فما الذي حصل معه هناك؟

تخيلات مفتراة خطيرة جدا: ما أن يجد إبراهيم نفسه فيما يشبه كهف (أو لنقل غار كالذي آوى إليه محمد وصحبه في هجرتهما إلى المدينة)، حتى يبدأ حياة مختلفة عن حياة الآخرين الذين هم من حوله.

السؤال: كيف أصبحت حياته مختلفة؟

جواب مفترى: هناك جَنَّ على إبراهيم الليل

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76)

السؤال: كيف جن الليل على إبراهيم على وجه التحديد؟ فهل الليل الذي جن على إبراهيم لم يجن على غيره؟ ولماذا لم يأت النص القرآني على نحو:

فلما جن الليل أو

فلما جن عليهم الليل.

السؤال مرة أخرى: كيف إذن جن الليل على إبراهيم لوحده (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)؟

تخيلات مفتراة: لما كان إبراهيم يعيش الآن فيما يشبه الكهف (أو الغار)، فإن ظلمة الليل عليه ستكون مختلفة عن كل من حوله، وربما تكون الظلمة عليه أشد وطأة، وهي لا شك سابقة عليه قبل من هم حوله، فالظلام يحلّ في الكهف أسرع من الظلام خارجه، وكذلك تكون درجة الظلام أشد وأقسى في داخل الكهف عن ما هي خارجه. في تلك الأثناء كان الليل (نحن نفتري القول) يجن على إبراهيم بطريقة مختلفة.

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76)

ولو تفقدنا مفردة "جَنَّ" في السياق القرآني، لوجدنا أن لها علاقة بالجَنة، والجِنة، والجن، والجنون، الخ. أليس كذلك؟

السؤال: ما معنى أن الليل قد جَنَّ ؟ ولماذا جَنَّ الليل؟

رأينا: لو تدبرنا حالات الليل المختلفة، لوجدناها في السياقات القرآنية التالية:

... وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ... (114)

وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)

وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)

وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)

وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1)

وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2)


السؤال: لماذا جنّ الليل في حالة إبراهيم؟ لم لم يعسعس مثلا؟ أو لم لم يغشى؟ أو لم لم يسق؟ الخ.

رأينا: نحن نظن إن لهذه المفردة جَنَّ علاقة بالجنون؟

السؤال: ما معنى أن يكون الشخص مجنونا؟ ومتى يُنعت الشخص بالجنون؟

رأينا المفترى: بعيدا عن الخوض في تفصيلات القضية وما قيل في الموضوع سابقا، فإننا نقدم الافتراء التالي الذي هو من عند أنفسنا: نحن نظن أن الشخص ينعت بالجنون لأنه في نظر الآخرين (أي العقلاء من حوله) يعيش في عالم يختلف عن عالمهم، فهو غير محكوم بالقوانين والأعراف السائدة من حوله، فالمجنون يضحك في وقت قد لا يضحك فيه الآخرون من حوله، وهو يبكي لسبب يختلف عن السبب الذي ربما يبكيهم، وهو يفكر بطريقة تختلف عن طريقة تفكير من هم حوله، وهكذا. لذا جاء قول الذين من حول الرسل أن رسولهم الذي أرسل إليهم لمجنون:

وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6)

قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)


السؤال: لماذا نعت القوم الرسول بالجنون؟

رأينا: لأن القوم لم يكونوا قد عهدوا ما جاء به الرسول من قبل:

مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)

فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)

وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)


فما كانت ردة فعلهم على ما جاءهم به الرسول من القول العجب (الذي لم يعهدوه من قبل) إلا أن يتولوا عنه، ويقولون في الوقت ذاته أنه معلم مجنون:

ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ (14)

السؤال: كيف يستقيم القول أن يكون الشخص (كالرسول مثلا) معلم ومجنون في آن واحد (مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ)؟

رأينا: نحن نظن أنه لما لم يعهد القوم مثل هذا القول من ذي قبل، فهو إذا قول شخص مجنون (أي قد جنّ)، ولكن في الوقت ذاته يبدو لهم أن قول هذا الشخص (أي الرسول) يختلف عن قول المجانين العاديين في أن ما يقوله هو قول منظم، فهو ليس ككلام المجانين العاديين، بل هو جنون منظم (أو جنون مرتب بلغتنا الأردنية الدارجة)، فهو يقول شيء فيه من الغرابة ما يستدعي أن يقال عنه مجنون، وفي الوقت ذاته فيه من النظام ما يستدعي أن ينعت بالعلم.

السؤال: كيف ذلك؟ وما علاقة هذا بالليل الذي جنّ على إبراهيم؟ وما علاقة هذا برؤية إبراهيم للكوكب وقد أفل وللقمر وقد أفل؟ الخ.

خروج عن النص في استراحة قصيرة: مثال كيف يكون الشخص "معلم مجنون"؟

سأحاول تقديم مثال أظن أنه يبين كيفية أن يتوافق الجنون مع العلم (مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ)، وأكاد أجزم الظن أن في هذا المثال من الخطورة ما يستدعي أن نطلب من الآخرين التوقف عن القراءة عند هذا الحد، لأن البعض قد لا يتحمل سماعه، وذلك للغرابة غير المعهودة فيه (أي الجنون)، وهو ما يجعله يبدو ويكأنه كلام لا يتجرأ عليه إلا المجانين (من مثلي)، ولكننا في الوقت ذاته نميل إلى الظن بأنه لو أعطى القارئ الكريم نفسه فرصة تدبره قليلا، لربما وجد أنه كلام فيه من التنظيم ما قد يجعله يرقى لدرجة أن يكون كلام شخص متمرس في فنون العلم (من مثلي طبعا).

المثال المجنون

السؤال: كيف نميز بين الذكر والأنثى منذ اللحظة الأولى لولادتهم وحتى وفاتهم بالموت بعد طول زمن؟ أو ما هو العامل البيولوجي (الجسمي) الذي يميز الذكر عن الأنثى؟

رأينا المجنون: نحن نكاد نجزم الظن بأنه ليس للأعضاء التناسلية دخل في تمييز الذكر عن الأنثى. فتحديد الذكر والأنثى لا يبنى على وجود أو عدم وجود الأعضاء التناسلية. فهل تصدق ذلك (عزيزي القارئ)؟ ألا تظن أن مثل هذا القول لا يصدر إلا عن المجانين (من مثلي)؟

السؤال المربك: كيف نحدد الذكر والأنثى إن لم يكن ذلك بالأعضاء التناسلية؟ ربما يريد أن يسأل بعض العقلاء.

رأينا المفترى: نحن لا نميز الذكر عن الأنثى بوجود الأعضاء التناسلية الخاصة بالذكر وتلك الخاصة بالأنثى.

السؤال: وكيف إذن نميزهم (أو لنقل نحدد جنس المولود)؟

منطقنا المفترى: دعنا نطرح التساؤل المثير التالي: هل كان عيسى بن مريم ذكرا أم أنثى؟

جواب مفترى: كان ذكرا بدليل صيغ التذكير التي تدل عليه. فجميع الآيات القرآنية الخاصة به تشير إلى أن عيسى بن مريم يخاطب بطريقة خطاب المذكر منذ لحظة خلقه:

قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)

وقد كان من السهل على قوم أمه مريم ابنت عمران أن يحددوا جنس من كان في المهد مباشرة:

فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)

السؤال: هل تطلب منهم الأمر الكشف عن "عورته" لمعرفة جنسه؟! من يدري؟!

السؤال الأقوى: إذا كان لعيسى بن مريم أعضاء ذكورة، فما فائدة ذلك؟ فهل كان عيسى يحتاج أن يستخدمها؟ فهل كان عيسى بن مريم كلمة الله وروح منه يستخدم الحمام مثلا؟ وهل كان عيسى بن مريم سيتزوج؟ من يدري؟!

رأينا: أظن أنه سينقسم المجادلون عند هذه النقطة إلى فئتين: فئة تظن أن لعيسى بن مريم أعضاء ذكورة كغيره (كغالبية أهل الفكر الإسلامي التقليدي)، وفئة أخرى تظن أن عيسى بن مريم مختلف تماما ولا يجوز لنا أن نتعامل معه كغيره من البشر (كغالبية أهل الفكر المسيحي التقليدي).

إذن، لندع حديثنا هذا عن عيسى جانبا، وننتقل إلى درجة أعلى من ذلك بكثير، فلنتحدث عن الإله نفسه؟ هل الإله مذكر أم مؤنث؟ وهل للإله نفسه أعضاء ذكورة؟ وهل يحتاج الإله أن يكون له أعضاء ذكورة؟ ولم يستخدم صيغة التذكير في الحديث عن نفسه إذا لم يكن له أعضاء ذكورة؟ ولم نستخدم صيغ المذكر في الحديث عن الإله؟ ولم يحتاج الإله أصلا أن يكون له أعضاء ذكورة مادام أنه لا يحتاج أن يستخدم الحمام وما دام أنه لا يحتاج أن يتزوج؟

السؤال: ما فائدة أن يكون للإله أعضاء ذكورة إن لم يكن يحتاج إليها؟

الإرباك الذي أوقعنا أنفسنا فيه: إذا قلت (عزيزي القارئ) أن للإله أعضاء ذكورة، فأنت ربما تقع في محظور استخدامها (كالحمام والتزاوج)، وهو الذي ليس كمثله شيء:

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)

وبالمقابل – إذا قلت أن ليس للإله أعضاء ذكورة، فأنت ستقع معنا في ورطة: كيف تقول أن ليس للإله أعضاء ذكورة وفي الوقت ذاته تستخدم صيغة المذكر (هُوَ) للحديث عنه؟

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)

السؤال المربك لنا جميعا: لِم لم يستخدم الإله صيغة محايدة للحديث عن نفسه، صيغة لا تدل على أنه ليس مذكر أو أنه ليس مؤنث؟

الاقتراح: لو كان الأمر بهذه البساطة لربما جاءت الصيغ على النحو التالي:

صيغة المذكر: هو

صيغة المؤنث : هي

صيغة محايدة: ها

السؤال الأكثر إرباكا: إذا كان الإله لا يحتاج أن يكون له أعضاء ذكورة، فما الذي يجعله مذكرا في الخطاب؟

جواب مفترى من عند أنفسنا خطير جدا جدا (كلام مجانين): نحن نظن أن الأعضاء التناسلية (أعضاء الذكورة أو الأنوثة على حد سواء) ليست هي الفيصل في التذكير أوالتأنيث.

السؤال: ما الذي يجعل الرجل مذكرا إذا لم تكن هي أعضاءه التناسلية؟

السؤال: ما الذي يجعل المرأة مؤنث إذا لم تكن هي أعضاءها التناسلية؟

جواب خطير جدا جدا لا تصدقوه (كلام العلماء): نحن نظن أن الذي يجعل الكائن (أي كائن) مذكر أو مؤنث هي النفس فقط، قال تعالى:

وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116)

السؤال: لماذا عيسى بن مريم مذكر؟

جواب مفترى: لأن له نفس: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي

السؤال: لماذا الله نفسه مذكرا؟

جواب مفترى: لأن له نفس: وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ

السؤال: من هو الذكر إذن؟

جواب خطير جدا جدا: من كان له نفس كاملة مستقلة

السؤال: ومن هي الأنثى: هي الكائن الذي ليس له نفس كاملة مستقلة، وذلك لأنها خلقت من نفس غيرها:

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)

وبكلمات أكثر دقة: من كان له نفس أساسية (PRIMARY) فهو مذكر. ومن كانت لها نفس ثانوية (SECONDARY) فهي مؤنث، وبهذا يمكن أن نفهم لِم جعل الله للرجال على النساء درجة:

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ (228)

لتكون الصورة في التفريق بين الذكر والأنثى على النحو التالي: نحن نتخيل أن نفس المرأة هي درجة واحدة. ولكن لما كان للرجل على المرأة درجة، أصبحت نفس الرجل تتكون من درجتين.

نتائج مفتراة من معلم مجنون:

1. نفس المرأة: درجة واحدة

2. نفس الرجل: درجتين

تبعات هذا الظن

ربما يفسر لنا مثل هذا الافتراء الذي هو من عند أنفسنا ماهية الشهادة: لِم تقابل شهادة الرجل بامرأتين؟

... وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ... (282)

وربما يفسر لنا مثل هذا الافتراء لم يأخذ الرجل نصيبين في الميراث مقابل نصيب واحد للأنثى:

يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11)

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)

جواب مفترى: لأن التقسيم (كما الشهادة) مبني على النفس. فالرجل (نحن نفتري القول) عبارة عن نفس واحدة كاملة (درجتين)، والأنثى عبارة عن نفس غير كاملة (درجة واحدة).

وربما يفسر لنا هذا ما هي الأنفس التي يتوفاها الله بنفسه عند موتها:

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)

وما هي الأنفس التي يتوفاها ملك الموت وترجع إلى ربها:

قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)

وما هي الأنفس التي يتوفاها الموت ولا ترجع إلى ربها:

وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15)

(وسنتحدث عن هذه الفروقات لاحقا بحول الله وتوفيق منه، فالله أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يزدني علما، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو الواسع العليم – آمين)

نتيجة مفتراة: لما كانت نفس الرجل تتكون من درجتين ونفس المرأة تتكون من درجة واحدة، أصبح لزاما استخدام صيغة التذكير لمن كان له نفس كاملة مستقلة (الذكر) وصيغة التأنيث لم كانت لها نفس غير كاملة (المؤنث).

أليس هذا قول معلم مجنون؟ من يدري؟!

عودة على قصة اعتزال إبراهيم

لو عدنا إلى كيفية "جنون" الليل على إبراهيم:

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76)

لوجدنا أن النتيجة التي نريد أن نخرج فيها هي على النحو التالي: أصبح عالم الليل عند إبراهيم يختلف عن غيره، فقد أصبح ليل إبراهيم خاصا به.

السؤال: أين كان ليل إبراهيم جَنَّ عَلَيْهِ عليه لوحده؟

رأينا المفترى: في ذلك المكان (ما يشبه الكهف أو الغار) الذي اعتزل فيه قومه، حيث الظلام شديدا، لا يكاد البصر يفيد فيه في شيء. فالناظر إلى شيء ببصره لا يستطيع أن يرى هناك شيئا رأي العين.

السؤال: ما الذي حلّ بإبراهيم هناك في تلك الظلمة الشديدة؟

جواب مفترى: نحن نفتري الظن أن الآية الكريمة التالية تفسر ما جرى مع إبراهيم في تلك الظلمة الشديدة التي لا يفيد فيها استخدام العيون:

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)

السؤال: وكيف ذلك؟

هذا ما سنخوض فيه في الجزء القادم من هذه المقالة بحول الله وتوفيق منه، سائلين الله وحده أن ينفذ مشيئته وإرادته لنا الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيرنا، إنه هو العليم الحكيم، وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا. وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، فالله وحده أدعو أن أكون ممن أتوه بقلب سليم، فهداهم الصراط المستقيم، إنه هو العليم الخبير – آمين.

المدّكرون: رشيد سليم الجراح  &  علي محمود سالم الشرمان  & عصام درويش

بقلم د. رشيد الجراح

23 أيلول 2015