يتناول هذا الجزء من "قصة يونس" فرضية جريئة مفادها أن أيام الأسبوع كانت في الأصل ستة أيام فقط، وأن يوم السبت "جُعِل" نتيجة اختلاف أهل الكتاب. يستعرض الكاتب كيف أن قرية حاضرة البحر ابتليت بظهور الحيتان يوم سبتهم (الجمعة)، مما أدى إلى فتنة وخلاف فقهي. ويجادل بأن بعض علمائهم حرفوا مفهوم السبت، وحولوه من يوم للذكر إلى يوم راحة إلهية مزعوم، مُختلقين بذلك اليوم السابع للأسبوع للتحايل على الأمر الإلهي واصطياد الحيتان، مما أدى إلى نقضهم "ميثاقًا غليظًا" وعقوبتهم بالمسخ.
وذلك لأنه (نحن نظن) حوتا مميزا تعرفه حيتان البحر كلُّها، فكانت تحتفل بقدومه إلى مجمع البحرين كلما غدا وراح، لذا كانت ترافقه في رحلته تلك.
كما افترينا الظن بأن ذلك كان يحصل في يوم سبتهم، أي سبت تلك القرية التي كانت حاضرة البحر حينئذ. وأن ذلك اليوم هو يوم الجمعة التي من المفترض على كل من يسمع النداء للصلاة من ذلك اليوم من المؤمنين أن يلبيه كما في قوله تعالى:
فالمؤمنون مطالبون بتلبية النداء للصلاة من ذلك اليوم، فيتركون أعمالهم المعتادة، ويسعون لسماع الذكر. وهذا ما كان (نحن نفتري الظن) يفعله صاحب الحوت.
لذا كان الافتراء الأخطر الذي حاولنا تسويقه هو عدم وجود يوم يسمى بيوم السبت كأحد أيام الأسبوع، وأن أيام الأسبوع هي ستة فقط، وأن السبت هو اليوم الذي من المفترض أن يكرس للسعي للصلاة من أجل سماع الذكر من قبل كل اللذين آمنوا:
ولمّا كان صاحب الحوت هو – لا شكّ عندنا- واحدا من اللذين آمنوا وجب عليه تلبية الدعوة لـ "ذكر الله" عند سماعه النداء من يوم الجمعة. فذهب خيالنا إلى تصور أن الحوت قد جاء يحمله في ذلك اليوم ليضعه هناك عند مجمع البحرين من أجل تلبية النداء، وكانت أسراب الحيتان (نحن لازلنا نتخيل) تتبعه في رحلته تلك في غدوّه ورواحه، وما أن ينزل الرجل من حوته حتى يعود الحوت نفسه إلى البحر في سربه بعد أن يكون قد اتخذ سبيله في البحر عجبا.
أما أصحاب تلك القرية التي كانت حاضرة البحر فقد كانوا مطالبين بأن لا يعدو في يوم سبتهم. ولمّا كانوا من اللذين فسقوا، جاءهم الابتلاء الرباني ليميز اللهُ الخبيثَ من الطيب منهم. فكانت حيتانهم تأتيهم شُرَّعاً في ذلك اليوم، ولا تأتيهم في غير يوم سبتهم:
وهنا (نحن نظن) حصلت الفتنة الكبرى لأهل القرية التي كانت حاضرة البحر حينئذ. فقد وقع القوم – كما زعمنا في الجزء السابق- تحت تأثير الإغراء المادي الكبير، ألا وهو اصطياد تلك الحيتان الآتية إليهم شُرَّعاً. لكن كان هناك مانع حقيقي أمامهم يتمثل بأنهم مأمورون بأن يسبتوا فلا يعدوا في ذلك اليوم (أي في يوم سبتهم). فما الذي حصل على أرض الواقع؟
رأينا المفترى: لم يكن المشرّعون منهم (وكلاء الرب على الأرض - كما يحبون أن يعرفهم الآخرون) ليذروا هذه الفرصة تفوتهم، فلا يدلوا بدلوهم فيها، وهنا دبّ الخلاف بين أهل العلم منهم – نحن نظن- حول ما يسمى بالمفردات الدارجة بين أهل العلم بـ "فقه المصالح"، فظهر من بين هؤلاء من كانت إرادته إطفاء نور الله، فأصدر "فتواه" (أي صك الغفران) بتقديم المصلحة الدنيوية على الأمر الإلهي بداعي الحاجة. فدب الخلاف بين اللذين آمنوا كلهم، فاختلفوا في السبت.
فلو تدبرنا هذه الآية الكريمة لربما صح لنا أن نستنبط أن الخليفة لم يكن موجودا حينئذ، وما تواجد على أرض الواقع إلا بعد أن جعله الله.
ولو تدبرنا الآية الكريمة التالية من هذا المنظور، لوجدنا أن البلد بحد ذاته كان موجودا، لذا فهو لم يجعل، ولكنه الأمن (المجعول) لم يكن موجودا من ذي قبل. فالله قد جعل البلد آمنا، ولكنه لم يجعل البلد نفسه:
نتيجة مفتراة 1: إذا جعل الله الشيء، فإن ذلك الشيء لم يكن موجودا، فخلق من العدم مثل (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)
نتيجة مفتراة 2: إذا جعل الله الشيء شيئا آخر، فإن ذلك يعني أن الشيء قد أصابه التغير مثل (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: مادام أن السبت قد جُعل جعلا، فهو إذن لم يكن موجود من ذي قبل (إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ). لذا نحن نتجرأ على الظن بأن أيام الأسبوع قبل هذه الحادثة كانت ستة أيام فقط، وما حصل زيادة إلا بسبب اختلاف أهل العلم في السبت بعد تلك الحادثة التي سببت لهم الاختلاف في السبت.
الدليل
بداية لو راقبنا الآية نفسها لوجدنا أنها تدلنا على حصول الاختلاف في السبت، أليس كذلك؟
(نتيجة مهمة جدا: نحن على العقيدة التي مفادها أن في الاختلاف هلاك للأمة وليس فيه رحمة للأمة كما يحاول أهل الدين تسويق فكرهم للعامة، وهم يستندون على ما يزعم بعضهم أنه حديث (اختلاف الأئمة رحمة بالأمة)، ولو راجعت كتب الأحاديث لما وجدته موجود فيها أصلا)
سادسا، الاختلاف يولد الشك لأن المختلفون يتبعون الظن:
لذا، نحن نؤمن يقينا أنه بالقراءة الصحيحة لكتاب الله سيبين لنا "الذي اختلف فيه أهل الكتاب"، ولا يستثنى من ذلك قصة اختلافهم في السبت. لأنّ الحكم في الاختلاف لله وحده، فلا يحق لأي شخص أن يتدخل برأيه فيه، مادام أن الله قد بيّن لنا أن كل اختلاف يرجع الحكم فيه إلى الله وحده:
(دعاء: اللهم فأعلم أني أدعوك أن تنفذ قولك بمشيئتك لي الإحاطة علما بالذي أختلف فيه أهل الكتاب من قبلنا بكلماتك التي تحق بها الحق وتبطل بها الباطل ولو كره المجرمون، لتجعل كلمةَ اللذين كفروا السفلى وكلمتُك هي العليا، لتتم بها نورك الذي أبيت إلا أن تتمه ولو كره الكافرون – آمين)
رأينا المفترى: لما كنا نظن يقينا أن اللذين اختلفوا في السبت هم أهل العلم من اللذين أتوا الكتاب، وأن اختلافهم فيما بينهم كان مدفوعا بالبغي، وجب علينا الآن أن نطرح السؤال التالي: كيف اختلفوا فيه؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: لما وجد أهل القرية حاضرة البحر أن الإغراء كبير، فهذه حيتانهم تأتيهم شرعا في يوم سبتهم ولا تأتيهم في يوم لا يسبتون، كان لابد (نحن نتخيل) من استشارة أهل العلم، وأخذ رأيهم بما يجري من حولهم، ولما كان أهل العلم على الدوام فريقين: منهم الربانيون ومنهم من أضله الله لأنه لا شك اتخذ إلهه هواه:
لتكون الصورة (كما نفهمها) على النحو التالي: يأخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب، ويكون ذلك الميثاق مشروط بالتالي:
أن يبينوه للناس (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ)
أن لا يكتمونه (وَلاَ تَكْتُمُونَهُ)
السؤال: ما الذي حصل على أرض الواقع؟
رأينا المفترى: للإجابة على هذا التساؤل، نجد في هذه اللحظة لزاما التعرض لمفردة الميثاق الذي أخذه الله من بني إسرائيل على وجه التحديد، لنجد في الآية الكريمة التالية أن ذلك الميثاق الخاص بالسبت (موضوع حديثا) كان على وجه التحديد ميثاقا غليظا:
افتراء خطير جدا جدا: هناك ارتباط مباشر – لا تفك عراه- بين الاعتداء في السبت من جهة (موضوع حديثنا) والميثاق الغليظ الذي أخذه الله من بني إسرائيل من جهة أخرى، أليس كذلك؟
الميثاق الغليظ وعلاقته بالاعتداء في السبت
لتكون التساؤلات الآن هي على النحو التالي:
ما هو الميثاق الغليظ؟
كيف يؤخذ الميثاق الغليظ؟
كيف يختلف الميثاق الغليظ عن الميثاق "غير الغليظ" (إن صح القول)؟
من الذي يمكن أن يأخذ الميثاق الغليظ؟
ومن الذي يمكن أن يؤخذ منه الميثاق الغليظ؟
كيف هي آلية أخذ الميثاق الغليظ على وجه التحديد؟
ما علاقة هذا بالاعتداء في السبت؟
الخ
مواضع الميثاق الغليظ في القرآن
أولا، عند البحث في كتاب الله عن الميثاق الغليظ، وجدناه قد حصل في ثلاثة مواضع فقط على مساحة النص القرآني بأكمله، والمواضع هي:
ألا تجد - عزيزي القارئ- ما يدعو إلى التدبر؟ ألا تجد أن الفصل هنا واضح بين جميع النبيين من جهة ومجموعة محددة منهم وهم (محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى) من جهة أخرى؟ ألا تجد أن الله قد أخذ من كل النبيين ميثاقهم وأنه أخذ من هؤلاء الخمسة وهم أولوا العزم من الرسل ميثاقا غليظا؟
السؤال: كيف يختلف الميثاق الذي أخذه الله من النبيين جميعا كيعقوب ويوسف وإسماعيل وأيوب، الخ مقابل الميثاق الذي أخذه الله من محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى على وجه التحديد؟
رأينا المفترى: في حين كان الميثاق الذي أخذه الله من النبيين جميعا ميثاقا عاديا (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) كان الميثاق الذي أخذه الله من محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ميثاقا غليظا (وَمِنكَ وَمِن نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).
السؤال: كيف تم ذلك؟ وما تبعات الأمر؟
رأينا المفترى: نحن نظن بداية أن الميثاق يؤخذ بين طرفين، وانظر - إن شئت- في السياقات القرآنية الخاصة بالميثاق كلها. فالآيات الكريمة التالية تبين لنا (كما نفهمها) أن الميثاق قد تم توثيقه (أي كتابته) بين قومين:
السؤال: إذا كان هذا هو الميثاق (كما فهمناه)، فكيف يكون غليظا؟ أي كيف يمكن أن يصبح الميثاق ميثاقا غليظا؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن الآية الكريمة التالية ستسعفنا في التفريق بين الميثاق من جهة والميثاق الغليظ من جهة أخرى، ألا وهي الآية التي تتحدث عن العلاقة بين الأزواج:
السؤال: لماذا يؤخذ الميثاق الغليظ بين الأزواج اللذين أفضى بعضهم إلى بعض؟
رأينا المفترى: تعرضنا في مقالاتنا الخاصة بالمرأة للعلاقة بين الأزواج، وزعمنا الظن أن هناك فرق بين نكاح النساء من جهة والدخول بهن من جهة أخرى. فنكاح المرأة لا يعني الدخول بها، فقد تنكح المرأة دون أن تمس:
رأينا المفترى: لأن الميثاق في هذه الحالة قد أصبح ميثاقا غليظا.
السؤال: لماذا أصبح الميثاق هنا ميثاقا غليظا؟
رأينا: لأن الزوجان قد أفضى بعضهم إلى بعض.
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 1: الميثاق الذي يبن الرجل والمرأة التي نكحها ولكنه لم يمسها هو ميثاق عادي (غير غليظ)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 2: الميثاق الذي يبن الرجل والمرأة التي نكحها ومسها هو ميثاق غليظ
السؤال: ما معنى ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نظن بأنه مادام أن الزوجان قد أفضى بعضهم إلى بعض، فإن الدخول قد تم إذن، ويستحيل أن يحدث هذا –برأينا- ما لم يحدث انكشاف تام لعورة كل منهما للآخر. فالزوج والزوجة اللذان أفضى بعضهما إلى بعض قد انكشفت عورة كل واحد منهما للآخر. لذا أصبح الزوج يعرف تفاصيل سوءة زوجته، وأصبحت الزوجة تعرف تفاصيل سوءة زوجها. فانكشف اللباس الذي كان يستر سوءة كل منهما أمام الآخر، وما عاد يطلع عليه إلا من كان طرفا في ذلك الميثاق، وهما الزوج والزوجة، أليس كذلك؟
السؤال: ما علاقة ذلك بالآية الكريمة التي تتحدث عن الميثاق الغليظ الذي أخذه الله من مجموعة من رسله وهم أولي العزم منهم: محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى؟
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن ما انكشف لهؤلاء الرسل على وجه التحديد من الغطاء عن السر الإلهي لا يمكن مقارنته بما كان لغيرهم من أنبياء الله الآخرين. لذا، نحن نفتري القول (من عند أنفسنا) أن هؤلاء الرسل على وجه التحديد قد انكشف لهم ما لم ينكشف لغيرهم من أنبياء الله ورسله الآخرين. لذا كان لابد من أخذ الميثاق الغليظ منهم. ليكون السؤال الآن هو: لماذا؟
جواب: لأن من انكشف له من السر الإلهي فلا بداية أن يصبر عليه، فذاك أكبر بكثير من قدرة الناس العاديين على تحمله، لذا جاءت الدعوة واضحة لمحمد بالصبر كما صبر أولي العزم من الرسل من قبله:
ثانيا، مادام أن الميثاق الذي أُخذ غليظا من هؤلاء الرسل، فلابد أنه كان مكتوبا (موثقا)، فيه شروط واضحة للطرفين. فهؤلاء الرسل هم أصحاب الرسالات المكتوبة في الكتاب الذي أنزله الله.
ثالثا، كان مهمة هؤلاء الرسل أن يبينوه للناس ولا يكتمونه:
ألا تجد – عزيزي القارئ- أن الآية تتحدث عن الأمر الإلهي لبني إسرائيل بأن لا يعدو في السبت؟ ثم ألا تجد أن الله قد أخذ من هؤلاء على وجه التحديد ميثاقا غليظا؟
السؤال: كيف يمكن أن نفهم أن ميثاق هؤلاء هو ميثاق غليظ كما في حالة الأزواج:
رأينا المفترى: نحن نظن أن الذي حصل كان على النحو التالي:
ينزل الله الكتاب
يفصل الله فيه كل شيء
يأخذ الله الميثاق مع هؤلاء القوم،
تصبح مهمة اللذين أتوا الكتاب بأن يبينوه للناس
وتصبح مهمتهم أيضا أن لا يكتمونه
كان عدم الاعتداء في السبت هو أحد شروط هذا الميثاق الذي كان الله طرف فيه وكان اللذين اعتدوا منهم في السبت جزء من الطرف الآخر.
لما كان هذا الميثاق ميثاقا غليظا تكشف فيه لهم كل شيء
السؤال: ما الذي حصل؟
رأينا: لما كانت حقيقة عدم الاعتداء في السبت قد انكشفت لهم تماما، تبين لهم ما كان خافيا عليهم. فقد أصبح واضحا (نحن نفتري القول) للطرف الآخر (وهم اللذين أوتوا الكتاب) تماما لم واثقهم الله بهذا الميثاق، أي لم طلب منهم أن لا يعدو في السبت. فما عاد الغرض خافيا عليهم.
الدليل
لو تدبرنا ما حصل للقوم عندما نقضوا ميثاقهم الذي واثقهم الله به في تلك الجزئية (وهي الاعتداء في السبت)، لوجدنا على الفور أن النتيجة كانت كارثية بكل ما في الكلمة من معنى، فلقد جعل الله الذين اعتدوا منهم في السبت قردة خاسئين، أليس كذلك؟
السؤال: لماذا كان العقاب بهذه الدرجة من الشدة والبطش الإلهي الشديد؟
رأينا: لأنهم نسوا ما ذكروا به
السؤال: وكيف ذلك؟
رأينا: لما كان الميثاق الذي واثقهم الله به هو ميثاقا غليظا جاءهم "الذكر"، أي كانوا قد ذكرّوا بالسبب الذي من أجله أمرهم الله بأن لا يعدوا في السبت، فكان الأمر واضحا أمامهم، لذا كان العقاب من الله أشد وأقسى، وذلك لأن عاقبة مخالفة "الميثاق الغليظ" لا شك وخيمة ولا يستثنى من ذلك الرسل أنفسهم:
فلو تمت فتنة الرسول محمد عن بعض ما أوحى الله إليه (حتى وإن كان شيئا قليلا)، لكانت النتيجة – لا محالة- أن يذيقه الله ضعف الحياة وضعف الممات ولا يجد له نصيرا (إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا).
نتيجة مفتراة خطر جدا جدا: نحن نزعم القول بأن اللذين اعتدوا من بني إسرائيل في السبت كانوا على علم تام بالسبب الذي من أجله أمرهم الله بأن لا يعدو فيه.
السؤال القوي: إن صح ما تزعم (يسأل صاحبنا)، فماذا كان السبب الذي من أجله منعهم الله أن لا يعدو في السبت؟
رأينا المفترى: الحوت
السؤال: وكيف ذلك؟
تخيلات مفتراة: نحن نظن أنه كان معلوما لهؤلاء القوم في الكتاب (الذي كان من المفترض من اللذين أتوه أن يبينوه للناس ولا يكتموه) أن هذا الحوت يأتي في يوم سبتهم، أي في اليوم الذي كان من المفترض أن يسعوا فيه لذكر الله وإلى الصلاة (وهو يوم الجمعة المفروض على كل اللذين آمنوا)، لذا طُلب منهم أن لا يعدو فيه، لأن الاعتداء فيه يعني الاعتداء على واحدة من آيات الله. فأصبح الذين أوتوا الكتاب على علم بهذا "الذكر الإلهي". لكن عندما رأى القوم بأم أعينهم ما يحصل لهم من الفتنة، لجئوا (نحن لا زلنا نتخيل) إلى بعض أهل العلم ليجدوا لهم طريقة للخروج من هذا "المأزق". لذا كان هناك نوعان من الناس في هذه الأحوال المربكة
العامة اللذين هدفهم مصلحة دنيوية بحتة، ويبحثون عن صك غفران لتبرير فسقهم
أهل العلم اللذين أوتوا الكتاب ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وهم اللذين – من المفترض- يتحملون مسؤولية تبيانه للناس وعدم كتمانه
في ظل هذه الفتنة، أنقسم (نحن نفتري الظن) أهل العلم اللذين أوتوا الكتاب إلى فريقين: فريق مؤمن يرفض تماما أن يشتري بآيات الله وعهده وميثاقه ثمنا قليلا، وفريق آخر على استعداد أن يكتبوا الكتاب بأيديهم ويقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا. فكيف تصرف كل منهما؟
تخيلات مفتراة: نحن نظن أن ردة فعل كل فريق كانت على النحو التالي:
أصر الربانيون منهم أن لا يعدو في السبت وأن يلتزموا بالأمر الإلهي، منتظرين أن يقضي الله أمرا كان مفعولا
وبالمقابل وجد أهل العلم "غير الربانيين" المبرر والوسيلة للتحايل على الوضع والخروج منه، ظانين أنهم قد كسبوا الغنيمة
السؤال: كيف خرج هؤلاء من الوضع؟
جواب مفترى: بالاختلاف في السبت
السؤال: وكيف كان ذلك؟
رأينا: لمّا وجد هؤلاء أن النص صريح في الكتاب بأن لا يعدو في السبت كان عليهم إيجاد الحيلة، فبدلا من الالتزام المطلق بتعاليم الكتاب الواضحة، أخذ هؤلاء القوم يشككون الناس في السبت، فلجئوا إلى كتمان العلم ومن ثم تبيان الأمر للناس على نحو ما يرغبون. فبدؤوا بطرح تساؤلات كثيرة حول السبت منها:
ما هو السبت؟
لماذا السبت؟
متى السبت؟
الخ
وكان أول ما خرج به هؤلاء النفر من العلماء "غير الربانين" هو فلسفة "السبت" (كما نفعل نحن في كتاباتنا المفتراة من عند أنفسنا). ولم يستمر النقاش طويلا (نحن نتخيل) حتى طرحت واحدة من الأفكار التي كانت (نحن نظن) الأكثر دهاء ومكرا في تاريخ بني إسرائيل، ألا وهي أن السبت هو يوم الراحة الإلهية. فالله – حسب منطق هؤلاء- قد خلق السموات والأرض في ستة أيام، وما أن انتهى من مهمته هذه حتى كان أحوج إلى يوم راحة بعد تعب، فكان السبت، فكتموا الآية الكريمة الموجودة عندهم في التوراة التي بينها الله لنا في القرآن:
ولو رجعنا إلى النسخ المترجمة من التوراة التي أبدوها للناس لوجدنا أن هذا الجزء الأخير من الآية (وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ) غير موجود عندهم إطلاقا في حين أن جزءها الأول موجود بشكل واضح لا لبس فيه. وانظر – عزيزي القارئ- ما جاء في نهاية الإصحاح الأول من سفر التكوين وبداية ما جاء في الإصحاح الثاني من سفر التكوين:
نتيجة مفتراة: بدل أن يبين هؤلاء العلماء للناس بأن السبت هو اليوم الذي من المفترض أن يسعى الناس فيه لذكر الله (كيوم الجمعة)، فيأخذوا قسطا من الراحة لأنفسهم من جراء العمل اليومي الذي يقومون به، أصبح المنطق عندهم أن تلك الراحة هي ما كان يحتاجها الإله نفسه كما وصلنا في الإصحاح الثاني من النسخة غير الأصلية منه العهد القديم:
1فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. 2وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. 3وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا.
السؤال: لكن يبقى السؤال: كيف سيخرجهم منطقهم المفترى على الله كذبا هذا من مأزق الحيتان؟
رأينا المفترى: ما أن تم تسويق منطقهم المكذوب بأن الله كان بحاجة إلى راحة بعد أن فرغ من خلق السموات والأرض حتى سهل عليهم إقناع العامة من الناس بأن السبت هو اليوم الذي يلحق أيام الخلق الستة. فالله قد خلق السموات والأرض في ستة أيام وكانت راحته – حسب زعمهم- في اليوم السابع. لذا أصبح منذ تلك اللحظة المنطق الكاذب على نحو أن أيام الأسبوع هي سبعة أيام بدلا من ستة فقط، كما جاء في الآيات الكريمة العديدة:
السؤال القوي: إذا كانت أيام الأسبوع هي ستة في الكتاب، فلم لم يعمد هؤلاء إلى نقل سبتهم (أي يوم الجمعة) إلى أي يوم آخر كالأحد أو الاثنين أو الثلاثاء أو الأربعاء أو الخميس، بدل من اختلاق يوم جديد لا أصل له؟
رأينا المفترى: إن المدقق فيما جاء في العهد القديم يجد التفصيل واضحا عن ما عمل الإله في اليوم الأول (الأحد) وما عمل في اليوم الثاني (الاثنين) وما عمل في اليوم الثالث (الثلاثاء) وما عمل في اليوم الرابع (الخامس) وما عمل في اليوم السادس (الجمعة). لذا لا يستطيع هؤلاء اللذين كانت مهمتهم تحريف الكلم عن مواضعه أن ينقلوا السبت إلى أي يوم من هذه الأيام، فخرج شياطينهم بالفكرة الأكثر كرا وخبثا وهي اختلاق يوم جديد لا علاقة له بأيام الخلق الستة، فكان السبت (يوم الراحة).
السؤال: ماذا كانت تبعات هذا الفعل؟
رأينا: بسبب هذا المنطق المفترى على الله كذبا، تم نقل سبتهم من الجمعة (وهو اليوم الذي من المفترض من جميع اللذين آمنوا أن يسعوا لذكر الله فيه) إلى يوم جديد. فأصبح السبت هو يوم الراحة التي يسبتون فيه، وما عادوا يسبتون في يوم الجمعة. فاستطاعوا بهذه الحيلة أن يصطادون الحيتان التي كانت تأتيهم شرعا في ذلك اليوم. وذلك لأنهم وإن كانوا هم قد حرفوا يوم سبتهم، إلا أن الحيتان لم تكن لتغير برنامجها الإلهي المعهود. فاستمرت الحيتان تأتي شرعا يوم الجمعة، وأصبح القوم قادرين على الاعتداء عليها في ذلك اليوم لأن يوم سبتهم هو اليوم التالي للجمعة وليس الجمعة نفسها.
السؤال: ماذا كانت العاقبة؟
رأينا: لما كان الاعتداء في السبت واضحا لا لبس فيه، وهو مخالف للميثاق الغليظ الذي واثقهم الله به:
فالله وحده أسأل أن يأذن لي بعلم لا ينبغي لغيري، وأن يعلمني الحق الذي أقوله فلا أفتري عليه الكذب، وأن يزدني علما، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو الواسع العليم – آمين.
المدّكرون رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
📖 شروط قراءة المقالات:
❌ المقالة ليست فتوى.
💭 هي رأي فكري شخصي قابل للخطأ والصواب.
📝 يُمنع تلخيصها أو إعادة صياغتها.
📚 يُسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر وعدم تحريف المعنى.
⚖️ لا يحق مقاضاة الكاتب بسبب اختلاف الآراء.
إرسال تعليق