تقدم هذه المقالة تحليلاً وتدبراً عميقاً وغير تقليدي لقصة النبي يونس (صاحب الحوت)، حيث تربطها بقصة النبي موسى ولقائه بالعبد الصالح عند "الصخرة". يفترض الكاتب أن "صاحب الحوت" هو نفسه العبد الصالح الذي تعلم الصبر من تجربته القاسية. كما يطرح فهماً جديداً لمفهوم "العراء" الذي نُبذ فيه يونس، ويربطه بـ "الصخرة" المذكورة في قصة موسى، ويجادل بأن هذه الصخرة كيان مستقل ليس من السماوات ولا من الأرض، مستشهداً بآيات قرآنية محددة لتأسيس رؤيته.
تعرضنا في الجزء السابق من هذه المقالة لتساؤل يدور حول أن يكون يونس هو صاحب الحوت، وافترينا الظن بأن يونس لم يكن مالكا للحوت، وذلك لأن مكوث يونس في بطن الحوت كان على المشيئة، فـ كأصحاب السفينة أو كأصحاب الكهف أو كأصحاب القرية، فإن صاحب المكان هو من يستطيع أن يدخل فيه ويخرج منه متى شاء، مادام أنه ليس خالدا فيه كأصحاب الجنة اللذين هم خالدون فيها أو كأصحاب النار اللذين هم خالدون فيها. فأصحاب الجنة هم خالدون فيها لأنهم – برأينا- لا يبرحونها إلى مكان آخر غيرها، وأصحاب النار خالدون فيها لأنها (نحن نظن) لا يستطيعون الخروج منها حتى لو أرادوا ذلك. فالذي يخلد في المكان هو (نحن نفتري الظن) الذي لا يخرج منه لينتقل إلى غيره.
نتيجة مفتراة 1: أصحاب السفينة أو أصحاب الكهف أو أصحاب القرية ليسوا خالدين في هذه الأماكن مادام أنهم يستطيعون أن يخرجوا منها متى شاءوا
نتيجة مفتراة 2: أصحاب الجنة وأصحاب النار خالدون فيهما لأنهم لا يخرجون منهما إلى مكان آخر. فأصحاب الجنة لا يخرجون من الجنة متى دخلوا فيها وكذلك هم أصحاب النار، وذلك لأنه هي أرض الخلود لهم.
ولو حاولنا أن نتدبر ما جاء في الآيات الكريمة التالية عن أصحاب الجنة حيث لا تصاحبها عبارة الخلود، لربما وجدنا أنها تتحدث عنهم قبل دخولهم فيها. فالآيات التالية من سورة الأعراف تصور لنا الحوار الذي يجري بين أصحاب الجنة من جهة وأصحاب النار من جهة أخرى:
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن الخلود في المكان يعني أن الشخص الذي يخلد فيه لا يبرح ذلك المكان إلى غيره، فيبقى ذلك المكان هو المكان نفسه الذي يسكنه ما شاء الله له ذلك.
أما من كان صاحب المكان وكفى (كأصحاب السفينة أو كأصحاب الكهف أو كأصحاب القرية)، فلديه – نحن نظن- فسحة من المكان أن يتنقل من ذلك المكان إلى غيره حسب مشيئته، فأصحاب السفينة أو أصحاب الكهف أو أصحاب القرية لم يكونوا خالدين فيها لأنهم – برأينا- كانوا يستطيعون الدخول فيها والخروج منها إن هم شاءوا ذلك. وليس أدل على ذلك من أن أصحاب الكهف قد بعثوا أحدهم من كهفهم إلى المدينة ليأتيهم بأزكى طعام. فذهب إلى هناك، واد إليهم من هناك. وكذلك كان (نحن نفتري القول) صاحب الحوت، فقد كان يستطيع أن يخرج من الحوت وأن يعود فيه مرة أخرى متى شاء. لذا، أصبح (نحن نفتري الظن) بطن ذلك الحوت هو مكان سكن هذا الرجل.
كما افترينا الظن بأن ذاك الرجل (صاحب الحوت) هو نفسه من ذهب موسى مع فتاه باحثين عنه في البحر:
نتيجة مفتراة 1: كان ذلك الرجل يعلم أن موسى لن يستطيع معه صبرا
نتيجة مفتراة 2: كان ذلك الرجل يستطيع أن يصبر
نتيجة مفتراة 3: كان ذلك الرجل قد أحاط بما لم يحط به موسى خبرا
السؤال الآن هو: ما الذي يمكن أن نستنبطه من ذلك كله؟
جواب مفترى: نحن نظن أن ذلك الرجل كان شخصا قادرا على أن يصبر بنفسه، فلو لم يكن كذلك لما طلب من موسى (نحن نفتري القول) أن يصبر معه، فلقد صبر ذلك الرجل على موسى نفسه، فسكت عن عجلة موسى في ثلاث مرات، ففي المرة الأولى لم يصبر موسى على خرق السفينة:
نتيجة مفتراة: إنه صاحب الحوت الذي لقّنه الله درسا عظيما في الصبر بعد أن ذهب مغاضبا وما صبر لحكم ربه في بداية قصته
لفتة مهمة: قبل أن ينعتني القارئ الكريم بالجنون على هذا الخيال الجامح، فإنني أدعوه أن يمعن النظر جيدا في السياق القرآني الذي جاء مكملا لهذه الآية الكريمة التي تتحدث عن صبر صاحب الحوت:
نتيجة مفتراة 1: صاحب الحوت لم يصبر لحكم ربه في بداية الأمر
نتيجة مفتراة 2: التقم الحوت ذلك الرجل
نتيجة مفتراة 3: تراجع الرجل عن موقفه فنادى في الظلمات
نتيجة مفتراة 4: تدارك الله ذلك الرجل بنعمة منه
نتيجة مفتراة 5: اجتبى الله ذلك الرجل وجعله من الصالحين
نتيجة مفتراة 6: أرسله الله رسولا إلى مئة ألف أو يزيدون
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن من مرّ بهذه التجربة القاسية قد تعلم (لا شك) الدرس منها جيدا، لذا فقد تعلم صاحب الحوت أن يصبر، فأصبحت – برأينا- تلك واحدة من أهم مميزات شخصيته بعد تلك التجربة التي مرّ بها.
رأينا المفترى: نحن نظن أن هذا هو ذكر ذلك الرجل حتى وإن ظن الكثيرون بأن ما نقوله يقع في باب الجنون:
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴿٥٢﴾
سورة القلم
(دعاء: أعوذ بك ربي أن يزلقونني بأبصارهم إن هم سمعوا هذا الذكر، وأسألك وحدك أن أكون أول من يسّرت له هذا القرآن للذكر ليكون من المدّكرين - آمين)
أما بعد،
نحن نظن أننا مدينون لمن يسمع هذا الذكر أن نفصله له، ليرى بأم عينه كيف سيكون في هذا ذكر ليس له فقط وإنما للعالمين. وإن صح منطقنا المفترى هذا، فإن كلامنا بعد الآن سيصل إلى أقصى درجات الخيال التي قد لا تخطر على بال أحد من العالمين ما لم يكن الله وحده هو من يسر له هذا القرآن للذكر. (فالله وحده أدعو أن أكون أول المدّكرين اللذين يسّر لهم القرآن للذكر، وأعوذ به أن أقول عليه ما ليس لي بحق أو أن أفتري عليه الكذب، إنه هو العليم الحكيم – آمين).
كما أطلب في الوقت ذاته من كل من لا يريد العبث بـ "موروثاته المقدسة" أن يتوقف عند هذه اللحظة لأن النقاش سيذهب – لا محالة- بعيدا جدا، تارك وراءه كل ما وصلنا من عند سادتنا العلماء أهل الدراية كما نقله لنا أهل الرواية، وذلك لأننا نطيق أن نحمل من أوزارهم شيئا مادام أن الأفكار تخصنا فقط، وهي – بلا شك- غير ملزمة لمن لا يجد أن الدليل من كتاب الله يثبتها، فمن تقبل هذه الأفكار فليتقبلها بقناعته الشخصية وليتحمل مسؤولية قناعاته بنفسه، أما من رفض هذه الأفكار فهو بلا شك قد سلك الطريق الأقصر وربما الأسلم له ولمن حوله، قال تعالى:
(دعاء: أعوذ بك ربي أن أكون ممن يضلون الناس بغير علم، وأعوذ بك ربي أن أكون ممن يظلون الناس عن علم، وأعوذ بك ربي أن أكون ممن يلوون ألسنتهم بالكتاب ليحسبه الناس من الكتاب، وأعوذ بك أن أكون ممن يقولون عليك الكذب وهم يعلم، إنك أنت الواسع العليم – آمين)
أما بعد،
باب الصخرة
لو حاولنا تدبر قصة موسى مع ذلك الرجل، لوجدنا أن الصخرة حاضرة في المشهد بكل قوة. فموسى قد عاهد فتاه أن لا يبرح حتى يفعل شيئين اثنين، ألا وهما (1) أن يبلغ مجمع البحرين أو (2) أن يمضي حقبا:
وهناك يطلب موسى من فتاه أن يأتيهما غداءهما بعد أن لحق بهما النصب من أعباء تلك الرحلة الشاقة، وما أن يتناولا غداءهما حتى يتذكر الغلام – على وجه التحديد- ما حصل عند الصخرة:
جواب مفترى: مادام أنهما قد أويا إلى الصخرة، فإننا نفتري الظن أولا بأن مكوثهما هناك كان قصيرا، غير مقصود بذاته، فالذي يأوي إلى مكان ما لا يكون هدفه المكوث فيه إلى الأبد، فالفتية أووا إلى الكهف، لينشر لهم ربهم من رحمته هناك، ولم يكن ذلك بهدف المكوث فيه على الدوام:
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن فعل الإيواء يتطلب وجود مكان خاص، ويتطلب أن لا يتوافر أحد من البشر فيه غير من حصل له فعل الإيواء، ويتطلب أن يستفيد الشخص من ذلك الإيواء، ويتطلب أن يكون من وراء ذلك هدف حقيقي، كما يتطلب الارتفاع قليلا عن مستوى المكان الذي كان يتواجد فيه الشخص قبل أن يقوم بفعل الإيواء.
السؤال: كيف يمكن تطبيق ذلك في حالة موسى وفتاه اللذين أويا إلى الصخرة؟
تخيلات مفتراة: مادام أن موسى قد أوى مع فتاه إلى الصخرة، فالصخرة إذن تقع في طريق الرحلة، ولا شك أن موسى وفتاه كانا مستفيدين من ذلك الإيواء، كما تواجدا عند الصخرة فما شاركهم فيها أحد من العالمين في تلك اللحظة التي كانا يأويان إليها، ولا شك أنهما قد ارتفعا قليلا عن السطح الذي كانا عليه قبل أن يأويان إلى الصخرة سواء كان ذلك السطح يابسة أو ماء.
وهنا تبرز تساؤلات أخرى ذات صلة بالموضوع نفسه، نذكر منها:
لماذا جاء ذكر الصخرة هنا؟
ولماذا جاء ذكرها على لسان فتى موسى؟
ولماذا جاء ذكرها بصيغة التعريف؟
الخ
رأينا المفترى: نحن نظن أنه مادام أن ذكر الصخرة قد جاء بصيغة التعريف، فهي إذا مألوفة لهم. فالصخرة بالنسبة لموسى وفتاة شيء معلوم من ذي قبل.
السؤال: ما هي تلك الصخرة التي كان موسى وفتاه يعرفانها؟ وهل هناك في طريق الرحلة كلها صخرة واحدة؟ أليس من المتوقع أن تكون هناك أكثر من صخرة؟ الخ.
جواب مفترى: نحن نظن أن طريق الرحلة ربما كانت مليئة بالصخر، ولكننا نؤمن يقينا بأن من بينها جميعا كان هناك صخرة واحدة مميزة عن بقية الصخور الأخرى (إن وجدت)، وهي تلك الصخرة التي أوى إليها موسى مع فتاه في طريق رحلتهما بحثا عن الحوت (وعن صاحبه).
السؤال: ما هي تلك الصخرة؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن تلك الصخرة تقع بين مجمع البحرين مباشرة.
الدليل
لو تدبرنا النص القرآني جيدا لربما وصلنا إلى الفهم بأنه ما أن بلغ موسى وفتاه مجمع البحرين حتى توجها مباشرة إلى تلك الصخرة ليأويا معا إليها فترة قصيرة من الزمن لهدف محدد ولغاية مقصودة، وهي التي (في ظننا) قد جاءا من أجلها: إنها مكان اللقاء مع ذلك العبد الصالح. فتوجها مباشرة إلى مجمع بين البحرين حيت تبرز تلك الصخرة (نحن نتخيل) فوق الماء قليلا.
تخيلات مفتراة: إذا كانت علامة لقاء موسى مع ذلك الرجل (كما افترينا سابقا) هو الحوت، فإن الصخرة هي – برأينا- المكان الذي كان من المفترض أن يأتي إليه الحوت مع صاحبه، ليحصل اللقاء بين موسى وذلك العبد الصالح.
السؤال: فما الذي حصل فعلا؟
رأينا: لما كان موسى شخصا يتعجل الأمور كما حصل مثلا في لقاءه مع ربه:
لم ينتظر موسى طويلا في المكان الذي أوى إليه مع فتاه، أي إلى الصخرة. فمكث موسى عند الصخرة فترة أقل مما يجب، ولما ظن (نحن لازلنا نتخيل) أنه لن يجد الرجل هناك، ترك موسى وفتاه تلك الصخرة (فما عادا يأويان إليها)، ثم تابعا ذهابهما في البحر (حقبا) حتى جاوزا مجمع البحرين حيث تقع تلك الصخرة.
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: في خلال تلك الفترة التي ترك فيها موسى وفتاه تلك الصخرة التي أويا إليها قسطا من الزمن، جاء صاحب الحوت إلى هناك، فاتخذ الحوت سبيله في البحر عجبا، فما لمح ذلك إلا فتى موسى، ولكنه في البداية لم يكن ليعتقد بأن الحوت المقصود هو ذلك الحوت الذي اتخذ سبيله في البحر عجبا هناك، فابتعدا عن الصخرة في عرض البحر، ويكون موسى وفتاه قد ابتعدا عن المكان الذي كان من المفترض أن يجد فيه ذلك العبد الصالح، وبعد ذهاب في البحر لقسط من الزمن، ربما فقدا الأمل في العثور على ذلك الرجل، وهناك توقف موسى عن البحث طالبا من فتاه أن يأتيهما بغدائهما من نصب تلك الرحلة. وما أن تناولا غداءهما حتى بدأ الفتى مراجعة شريط الأحداث وهناك بالضبط تذكر أنه رأى الحوت عند الصخرة التي أويا إليها:
السؤال: لماذا كان فتى موسى هو من رأى ذلك الحوت وقد اتخذ سبيله في البحر سربا؟ لِم لم يلحظ موسى ذلك؟
جواب مفترى من عند صاحبنا محمد السيسي: لما كان موسى وفتاه واقفين عند مجمع البحرين، كان كل واحد منهما قد تكفل بمراقبة واحدا من البحرين، ففي حين أن موسى قد راقب البحر الأول مثلا كان فتاه مكلف في تلك الأثناء بمراقبة البحر الثاني، لذا جاء كلام الفتى لاحقا واضحا في تحميل مسؤولية النسيان على نفسه:
كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴿٤﴾
سورة الهمزة
ثالثا، نحن نظن أيضا أن النبذ يكون بالابتعاد عن الشيء الأساسي (أي عن الآخرين) وذلك لأنه غير مرغوب فيه، فالذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم هم لا شك غير راغبين فيه:
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿٤٠﴾
سورة الذاريات
السؤال: كيف يمكن فهم ذلك في حالة يونس عندما نُبذ؟
رأينا المفترى: عندما نُبذ يونس، كان (نحن نتخيل) وحيدا، بعيدا عن الآخرين، وكان موجودا في مكان ما، يمكن أن يكون يابسة ويمكن أن يكون ماء لكن لا يراه أحد من البشر ليستطيع مساعدته.
ثانيا، باب العراء
السؤال: كيف نبذ يونس في العراء؟
رأينا المفترى: لو تفقدنا النص القرآني على مساحته لما وجدنا أن مفردة العراء على وجه التحديد قد وردت في سياق الحديث عن شخص آخر غير يونس (صاحب الحوت)، فقد جاءت في موضعين اثنين فقط وهما:
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ ﴿١٤٥﴾
سورة الصافات
عدم وجود تربة في ذلك المكان، فالمكان لا تربة فيه يمكن أن تنبت فيه النباتات (وهذا ما نتخيله نحن وربما لم يسبقنا إليه أحد من العالمين)
السؤال: أين هو ذلك المكان؟
خيال مفترى خطير جدا جدا (3): نحن نظن أن ذلك المكان الذي هو عراء (حيث نبذ صاحب الحوت) ليس موجود في الأرض ولا في السماء. انتهى.
ما الذي تقوله يا رجل؟ هل جننت؟ هل ذلك العراء الذي نبذ فيه يونس هو مكان لا نبات فيه ولا تربة فيه وليس موجود في الأرض ولا في السماء؟ هل تريدنا أن نصدق مثل هذا الخيال "المجنون"؟
رأينا: بداية نحن لا نلزم أحدا أن يصدق ما نقول ما لم يجد أن الدليل من كتاب الله يثبته، لكن دعنا نذكركم هنا مرة أخرى بسياق الآية التي تتحدث عن صاحب الحوت قبل المضي قدما في هذا النقاش:
نعم، نحن نظن أنه عندما يسمع الكثيرون منكم هذا الذكر، ربما ستكون ردة الفعل الأولى عنده هي أن يصنف قولنا هذا في باب الجنون (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)، ولكن ذلك – لا محالة- ذكر للعالمين شاء من شاء وغضب من غضب (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ). وربما يبين للكثيرين ذلك بعد قليل، ولكننا نطلب منهم أن لا يزلقوننا بأبصارهم إن هم فعلا سمعوا الذكر في ذلك (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)
السؤال: وأين الذكر الذي تتحدث عنه؟ وكيف سنزلقك بأبصارنا ربما يزيد البعض قائلا؟ لم نفهم شيئا.
رأينا المفترى: نحن نظن أن الذكر الذي نقصده هو ربط الآيات مع بعضها البعض ليبين للقارئ صحة افتراءنا بأن "الْعَرَاء" الذي نبذ به يونس هو مكان غير موجود في الأرض ولا في السماء. فهل تصدقون ذلك (يا سادة)؟
جواب مفترى: إذا كان يصعب عليكم – يا سادة – تصديق ذلك، فدعنا نتحاكم وإياكم إلى كتاب الله، لتروا بأم أعينكم أن الْعَرَاء الذي نُبذ به يونس غير موجود في السموات ولا في الأرض، ويكفينا هنا أن نذكركم بالآية الكريمة التي وضعناها في بداية هذه المقالة مباشرة تحت عنوانها الرئيس، لنتدبرها معا من هذا الباب، والآية هي قوله تعالى:
والآن دقق – عزيزي القارئ- مليّا بهذه الآية الكريمة ولا تتعجل، فنحن نظن أن فيها ما تحير له الألباب، وتنقل المتدبر إلى مرحلة هي أقرب للجنون منها للركون إلى مسلمات الفكر الكسول، الذي يعول على نفسه أكثر من تدبره للنص نفسه، ففي هذه الآية الكريمة ما يجعلنا نضع العقل في الكف (كما يقول المثل الشعبي)، ولننظر كيف دأب الكثيرون على التفكر طوال هذه القرون من الزمن بعيدا عن القول الفصل الذي تسطره مفردات الآية نفسها.
السؤال: كيف ذلك؟ لم أفهم شيئا؟ ربما يريد صاحبنا أن يسأل.
منطقنا المفترى: ألا ترى - عزيزي القارئ- أن الآية الكريمة تتحدث عن ثلاثة أماكن يمكن أن تتواجد بها مثقال الحبة من خردل؟
الأرض (فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ)
السؤال: هل تلك الصخرة جزء من الأرض؟ أم هل هي جزء من السماوات؟ أم هل هي منفصلة تماما عن السموات والأرض؟
جواب مفترى 1: نحن نظن أن تلك الصخرة ليست جزء من السموات لأنها لو كانت جزء من السماوات لما كان هناك داع لذكرها لأن ذلك يصبح من باب الإطناب والحشو في الكلام الذي لا فائدة منه، وهو ما ننفيه جملة وتفصيلا عن النص القرآني لأنه كلام الله المقصود بلفظه، فلا زيادة تشوبه ولا نقص يعيبه، انتهى.
جواب مفترى 2: نحن نظن أن تلك الصخرة ليست جزء من الأرض لأنها لو كانت جزء من الأرض لما كان هناك داع لذكرها لأن ذلك يصبح من باب الإطناب والحشو في الكلام الذي لا فائدة منه، وهو ما ننفيه جملة وتفصيلا عن النص القرآني لأنه كلام الله المقصود بلفظه، فلا زيادة تشوبه ولا نقص يعيبه، انتهى.
جواب مفترى 3: نحن نظن أن تلك الصخرة هي كينونة مستقلة بذاتها، منفصلة عن السماوات ومنفصلة أيضا عن الأرض.
نتيجة خطيرة جدا جدا: نحن نفتري القول بأن تلك الصخرة التي جاء الحديث عنها في سياق الآية الكريمة (فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ) هي صخرة مميزة جدا مادام أنها ليست جزءا من السموات ومادام أنها ليست جزءا من الأرض.
السؤال الكبير جدا جدا: ما هي تلك الصخرة التي ليست جزء من السموات أو الأرض؟ وأين تقع تلك الصخرة إذن؟
رأينا المفترى: قبل محاولتنا تقديم إجابتنا المفتراة من عند أنفسنا على هذا التساؤل، ربما نجد من الضروري إعادة ربط القصة بالتراث الديني المتوافر بين أيدينا والذي نظن أنه قد أصابه التشويه (من اللذين كانوا يحرفون الكلم من بعد مواضعه)، فبالرغم أن للقصة – لا شك عندنا- أصول دينية حقيقية إلا أن تفاصيلها المتوافرة بين أيدي الناس قد شوهت كثيرا بما خطته أقلام أهل العلم. ونحن نقصد هنا قصة ما يسمى بـ "قبة الصخرة" في القدس الشريف على وجه التحديد. فالموروثات الشعبية قد سطرت حولها ما يشبه الأساطير، كارتفاع تلك الصخرة عن الأرض في رحلة المعراج المزعومة مثلا.
رأينا المفترى: إذا كنا ننفي تفصيل تلك الحكاية الشعبية عن الصخرة، فإن جملتها لدينا موثوقة في شيء واحد وهو الإرث الديني الحقيقي الذي مفاده بأن هناك صخرة (بغض النظر عن مكانها) هي ليست من الأرض مادامت أنها قد ارتفعت عن الأرض وهي ليست من السماء مادام أنها لم تعرج فيها. لذا بقيت معلقة (في مخيالهم بين السماء والأرض). أما نحن فإننا نكذب رواياتهم في النقاط التالية:
أن هناك معراج إلى السماء قد حصل
أن الصخرة قد ارتفعت عن الأرض
أن تلك الصخرة الموجودة في القدس هي الصخرة التي لها أصول دينية حقيقية
الخ.
لنفتري من عند أنفسنا البديل بما يلي:
أن هناك صخرة لها ميزة خاصة وقصة دينية عظيمة الأثر والتأثير في التراث الديني
أن تلك الصخرة قد ارتبطت بإرث موسى الديني
أن تلك الصخرة ليست في السماء ولا في الأرض
أن تلك الصخرة هي التي أوى إليها موسى وفتاه، وهي الموجودة بين مجمع البحرين
الخ.
السؤال: ما الذي حصل فعلا؟
رأينا المفترى: لمّا كانت الصخرة واحدة من الأحداث المميزة في سيرة نبي الله موسى، لم تسلم من التحريف والتبديل على أيدي اللذين كانت مهمتهم على الدوام تحريف الكلم عن مواضعه. وبدل أن يبحثوا عن تفاصيل القصة الحقيقية في النصوص الدينية الموثوق بها، طارت خيالاتهم شرقا وغربا لرسم الأساطير ونسج الحكايات حولها عن علم تارة ومن دون علم تارة أخرى، فاختلطت الأمور على الناس بعد أن حرّف أهل العلم قصتها الحقيقية، فأخفقوا في تحديد مكانها الحقيقي، وشطوا في تفسير أهميتها، حتى استقر بهم الحال في نهاية المطاف إلى تقديس مكان معين في القدس أسموه الصخرة. ثم ما لبث أن انتقلت تلك "الخزعبلات" المكذوبة بتفاصيلها بحلوها ومرها من شروحات التوراة في التلمود وأقول علماء صهيون لتستقر (ربما دون تمحيص ولا تدليل) في بعض بطون كتب المسلمين، فعلت حناجر الكثيرين من أهل الرواية بمثل تلك القصص التي صعب على أهل الدراية منهم جلب الدليل على إثباتها أو نفيها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد حتى طارت خيالات الآخرين حول فكرة وجود الصخرة في قصصهم الأخرى من مثل قصة الناقة التي أخرجها البعض منهم من صخرة. بالرغم أن أحدا منهم لم يسأل ولم يثبت كيف أو متى خرجت تلك الناقة (إن صحت أقوالهم) من صخرة على وجه التحديد.
رأينا: أما نحن، فإننا نحاول أن نعيد قراءة قصة تلك الصخرة من المصادر الموثوق بها، وهو كتاب الله وحده، وذلك لقناعتنا الراسخة بما جاء فيه، فهو الكتاب الوحيد الذي يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه مختلفون، ولا يستثنى من ذلك – برأينا- موضوع الصخرة:
رأينا: نحن نظن أن العلاقة مباشرة شريطة أن نفهم ما هو العراء أصلا. فلقد افترينا الظن سابقا أن المكان (أي مكان) يصبح عراء إذا توافر فيه شرطان اثنان، وهما:
عدم وجود النبات
عدم وجود التراب
الدليل
ربما لا يحتاج القارئ الكريم إلى إثبات أن العراء يخلو من النبات، فهذا مسطّر في كتب أهل الدراية، وهو مطبوع في أذهان الناس جميعا، العالِم منهم والمتعلم. كما يمكن الإشارة إليه بجلب السياق القرآني نفسه الذي يبيّن بأن الله قد أنبت على يونس شجرة من يقطين بعد أن نُبذ بالعراء، ولو كان المكان متوافرا فيه الشجر ربما (نحن نظن) ما دعت الحاجة إلى ذلك:
لكننا نبقى – لا شك- مدينين للقارئ الكريم بجلب الدليل الذي يثبت أن العراء هو مكان لا تربة فيه، فأين يمكن جلب الدليل على ذلك؟
رأينا المفترى: دعنا نتدبر قول الله تعالى في الآية الكريمة التالية:
إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ﴿١١٨﴾
سورة طه
السؤال: ما معنى أن تعرى في هذه الآية الكريمة؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن مهمة الشيطان للإطاحة بآدم وزوجه كانت تتمثل بأن ينزع عنهما لباسهما النوراني الذي ألبسهما الله إياه في الجنة فلا تكشف سوءاتهما:
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن العري هو نزع اللباس عن الشيء لتبان سوءته
خيال مفترى خطير جدا جدا (5): المكان الذي أصابه التعري (أو عوامل التعرية كما تعلمنا في دروس الجغرافيا المدرسية) هو المكان الذي لا تراب فيه، فبان الصخر من تحته. انتهى.
السؤال: ما علاقة ذلك بقصة يونس ؟
جواب مفترى: عندما التقم يونس الحوت، كان الحوت في داخل الماء، ولكن الحوت التقم يونس من الماء، ليخلصه من الغرق، فحمله من عرض البحر وتوجه به نحو مجمع البحرين، وهناك كانت الصخرة التي هي عراء، فنبذ يونس بها وهو سقيم.
نتيجة مفتراة: تلك الصخرة هي العراء الذي نبذ فيه يونس وهو سقيم، وهي الصخرة التي سطِّرت حولها الأساطير الشعبية التي حرفت الكلم عن مواضعه، وهي الصخرة التي ليست جزءا من السموات ولا جزءا من الأرض، وهي نفسها التي جاء ذكرها في الآية الكريمة التالية التي تبين أنها ليست من هذه ولا من تلك:
افتراء 1: نحن بداية نفتري الظن من عند أنفسنا أن مفردة الأرض التي ترد في النص القرآني لا تشير في كل سياقاتها القرآنية إلى ما نسميه في أيامنا بـ "الكرة الأرضية"، وإنما تدل على اليابسة فقط، ومصداق ذلك قوله تعالى:
السؤال: هل يمكن للبحار والمحيطات أن تحيا بعد نزول الماء عليها من السماء؟ وهل يمكن لها أن تموت إذا ما توقف نزول الماء عليها من السماء؟
نتيجة مفتراة مهمة جدا: نحن نعتقد جازمين أن الأرض هي التي تنبت. والأرض هي التي يمكن للبقر أن يثيرها، والأرض هي التي تحيا وتموت بنزول المطر عليها أو توقف نزول المطر عنها. انتهى.
نتيجة مفتراة مهمة جدا جدا: بناء على ما سبق، فإننا نتجرأ على افتراء الظن بأن الكتلة المائية الموجودة على سطح الأرض (كالأنهار والبحيرات والبحار والمحيطات) ليست من الأرض.
افتراء 2: لمّا كانت الأرض – في ظننا- لا تعني الكرة الأرضية وإنما اليابسة منها، بحثنا أكثر في السياقات القرآنية، فوجدنا أن هناك سياقات أخرى عديدة تشير بشكل لا لبس فيه أن مفردة الأرض لا تعني كل اليابسة، فعندما يشير القرآن إلى اليابسة كلها فإنه يستخدم عبارة "الأرض جميعا" كما في السياقات القرآنية التالية:
ربما يدرك المتدبر للسياقات القرآنية أنّ الحديث هنا عن قصة بني إسرائيل، وأن الخطاب الرباني جاء ليبين أن بني إسرائيل قد ورثوا الأرض التي خسرها فرعون (كَذَٰلِكَ ۖ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ)، وأن تلك الأرض لم تبكي على بني إسرائيل عندما خسروها، ولا أخال أنّ المقصود هنا غير الأرض التي خسروها.
إن الملفت للانتباه هنا هو – برأينا- التطابق القرآني في قصة بني إسرائيل عند الحديث عن الأرض وقصة آدم وزوجه على الأرض، ففي السياق السابق الموجه إلى بني إسرائيل جاء الخطاب على النحو التالي:
لنخلص إلى النتيجة التالية التي نظن أنها غاية في الأهمية ألا وهي: أن الماء يمكن أن يقسم الأرض، فما وقع شرق البحر (النهر) هو أرض وما كان واقعا غربه فهي أيضا أرض. وهنا يتحدث النص القرآني عن ميراث الأرض، وتتأكد فكرة ميراث الأرض في قوله تعالى:
تلك هي – في ظننا- الأرض التي يتحدث عنها النص القرآني إذا كان المقصود جزءا من الأرض وليس الأرض بأكملها، وسؤالنا هو: هل يرث الأرض (كل الأرض) عباد الله الصالحون؟ فلو كان الأمر على هذه الشاكلة، لما كان لغير عباد الله الصالحين موطئ قدم على الأرض، ولكن الأرض التي تتحدث عنها الآية الكريمة هي جزء من الأرض، ونحن نزعم الظن أنها هي تلك التي تحدث عنها النص القرآني في خطاب المستضعفين في الأرض من قوم موسى.
ولتأكيد فكرة أن مفردة الأرض قد تعني جزءاً من الأرض وليس الأرض كلها نورد الدليل الذي نظن أنه قد يكون حاسما من كتاب الله نفسه، قال تعالى:
ونحن نتساءل عن سبب ورود كلمة جميعاً في هذا السياق، أي لم قال الله تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ؟ أليست الأرض حينئذ بقبضة الله؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن ذلك يصبح من الإطناب غير الضروري إن كانت الأرض كتلة واحدة في قبضة الرحمن. لذا نحن نفتري الظن بأن ورود كلمة جميعاً في قوله تعالى (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ) ربما لتدل على أنّ الأرض هي مقسمة إلى أجزاء، حيث يشكّل كل جزء أرضا مستقلة تكون جميعا في يد الرحمن. إن مراد القول أن كل قطعة (كتلة) من الأرض هي أرض، فأرض مدين هي أرض، وأرض قوم صالح هي أرض، وأرض قوم نوح هي أرض، وقارة آسيا هي أرض وقارة أفريقيا هي أرض، وتكون يوم القيامة جميعاً قبضة الرحمن لا ينفلت منها شيء.
في ضوء الآية الكريمة نفسها (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ).
السؤال: ما معنى مفردة السموات؟
افتراء 1: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن السماء (كما نفهمها من النص القرآني) تعني كل ارتفاع عن سطح الأرض بغض النظر عن مقداره، فالله ينزل لنا الماء من السماء بالرغم أنها تأتي من الغيوم التي قد تلامس سطح الأرض:
(للتفصيل انظر سلسة مقالاتنا ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته- الجزء الرابع عشر، والهدف هو فهم الآية الكريمة التي تتحدث عن أقطار السموات والأرض: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ الرحمن ﴿٣٣﴾)
أجرينا هذا النقاش هنا لغاية محددة ألا وهي إثبات افتراءنا بأن الصخرة شيء والأرض شيء آخر وأن السماء شيء ثالث مستقل، وأن تلك الصخرة (موضوع نقاشنا) ليست جزءا من الأرض، ولو كان الأمر على نحو أن الصخرة جزء من الأرض (كما قد يظن القارئ فور قراءته للآية الكريمة، لربما جاء الترتيب في الآية الكريمة بشكل مغاير. فلو أمعنا النظر في الآية الكريمة نفسها التي تتحدث عن تلك الصخرة لوجدناها قد أفردت بعيدا عن الأرض لتفصل بينهما مفردة السموات. فجاء الترتيب على النحو التالي (فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ):
ولو كان ظن المخالف لرأينا صحيحا لربما جاءت مفردة الأرض سابقة أو لاحقة مباشرة لمفردة الصخرة على النحو التالي:
فتكن في صخرة أو في الأرض أو في السموات
أو على النحو التالي:
فتكن في الأرض أو في صخرة أو في السموات
أو على النحو التالي:
في السموات أو في صخرة أو في الأرض
أو على النحو التالي:
في السموات أو في الأرض أو في صخرة
السؤال: لماذا جاءت مفردة الصخرة منفصلة عن مفردة الأرض تماما؟ أو لماذا توسطت مفردة السموات بين الصخرة من جهة والأرض من جهة أخرى في الآية الكريمة (فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ)؟
رأينا المفترى: كما أنه يصعب علينا تخيل أن تكون الصخرة جزءا من السماء فلا يجب أن نتخيل بأنها جزء من الأرض، فهي مكان يقبع بين السماء والأرض، فلا هي جزء من هذه ولا جزء من تلك؟
السؤال: أين هي إذن؟
رأينا المفترى: إنها تقع بين السماء والأرض؟
السؤال المحيّر: إذا كنت قد زعمت بأن الأرض هي سطح اليابسة وأن كل ما علا ذلك هو جزء من السماء، فأين هي المنطقة التي تقع بين السماء والأرض كما تصور ذلك آيات الكتاب الكريم؟
نتيجة مفتراة 2: نحن نظن أن كل ما ارتفع عن سطح اليابسة هي سماء
نتيجة مفتراة: نحن نظن أن هناك ما يسمى ما بين السماء والأرض. فما هو؟
رأينا المفترى والخطير جدا: إنه الماء الذي على سطح الأرض، فالمسطحات المائية المتواجدة على سطح الأرض من المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار هي المنطقة التي تسمى في النص القرآني (حسب زعمنا) مَا بَيْنَهُمَا، أي ما بين السماء والأرض.
عودة على بدء: إن هذا الافتراء الخطير يقودنا إلى الظن بأن تلك الصخرة التي تحدث عنها النص القرآني في الآية الكريمة التالية:
هي موجودة في مسطح ماء، ترتفع عنه قليلا، يمكن أن تشكل مكانا يؤوي إليه من كان في البحر. وهي نفسها التي أوى إليها موسى مع فتاه عندما كانا ذاهبين في رحلتهما البحرية بحثا عن صاحب الحوت:
رأينا المفترى: كلا وألف كلا. الله ليس إله ما بين السماء والأرض ولكنه رب ما بينهما فقط. انتهى.
نتائج مفتراة:
أولا، الله رب السموات وهو إله في السماء
ثانيا، الله هو رب الأرض وهو إله في الأرض
ثالثا: الله هو رب ما بين السماء والأرض ولكنه ليس إله ما بين السماء والأرض، ويمكن توضيح ذلك بالشكل التالي:
رب
إله
السماوات
رب
إله
الأرض
رب
إله
ما بينهما
رب
x
تبعات هذا الظن
السؤال: ما معنى أن يكون الله هو رب السموات والأرض وما بينهما؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن ذلك يعني أن الله هو المتحكم بذلك كله
السؤال: ما معنى أن يكون الله هو إله السموات والأرض فقط؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن المكلف بعبادة الله موجود فقط في السموات والأرض.
السؤال المفترى: ما معنى أن يكون الله ليس بإله ما بين السموات والأرض؟
رأينا المفترى: نحن نعتقد أن المخلوقات المتواجدة بين السموات والأرض (أي الكائنات البحرية بكل أشكالها وأنواعها) ليست مكلفة بعبادة الله، وهي مسخرة لمن في الأرض فقط
السؤال: لماذا نأكل صيد البحر وطعامه؟ أي لماذا نأكل كل الكائنات البحرية حتى وإن كانت مفترسة؟
رأينا المفترى: لأن تلك الكائنات غير مكلّفة بالعبادة، فالله هو ربها ولكنه ليس إله لها. انتهى.
(للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان ما يؤكل وما لا يؤكل)
عودة على بدء
عندما نبذ يونس من بطن الحوت، كان المكان الذي أووي إليه هو العراء:
وهناك أنبتت عليه شجرة من يقطين، لتكون له شفاء (نحن نظن) من السقم الذي أصابه. فكيف حصل ذلك؟ وأين حصل ذلك؟ وما علاقة ذلك كله بالصخرة التي أوى إليها موسى مع صاحبه؟ وأين هي تلك الصخرة التي حصل اللقاء عندها؟
تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن الحوت قد حمل يونس من داخل البحر في بطنه، وانطلق به إلى تلك الصخرة التي هي عند مجمع البحرين، وهناك أفرع ذلك الحوت حمولته، فأصبح يونس منبوذا في العراء سقيما من جراء ما لحق به من الأذى في بطن الحوت. وهناك أنبت الله على يونس شجرة من فصيلة اليقطين (شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ)، فكانت في تلك الصخرة (التي ليست جزءا من السموات ولا من الأرض) حبة من خردل، فنبتت تلك الحبة حتى أصبحت شجرة من يقطين، فكان في تلك الشجرة الشفاء التام ليونس من سقمه.
السؤال: ما هي تلك الشجرة وأين توجد؟
خيال مفترى خطير جدا جدا (8): إنها نوع من أنواع الأشجار المرجانية التي تنبت في صخور البحر، وخاصة تلك التي تتميز بها شطئان (coral reefs) البحر الأحمر المرجانية (أو coral reefs باللسان الأعجمي).
خيال مفترى خطير جدا جدا: نحن ندعوكم – يا سادة- للذهاب في رحلة بحرية إلى تلك الشعب المرجانية والبحث هناك فيها عن شجرة من يقطين فيها شفاء من السقم، ليكون هذا الذكر (إن صح منطقنا المفترى هذا) ذكر للعالمين.
📖 شروط قراءة المقالات:
❌ المقالة ليست فتوى.
💭 هي رأي فكري شخصي قابل للخطأ والصواب.
📝 يُمنع تلخيصها أو إعادة صياغتها.
📚 يُسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر وعدم تحريف المعنى.
⚖️ لا يحق مقاضاة الكاتب بسبب اختلاف الآراء.