مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ (5): باب الإنابة


تحدّثنا في الجزء السابق من هذه المقالة عن الفتنة التي حصلت لسليمان وهو لا زال موجوداً في واد النمل،  وكان جل افتراءنا يدور حول تقديم سليمان لحب الخير "مداعبة النساء" – كما زعمنا- على ذكر ربه، فلقد اشتغل سليمان بحب الخير في وقت كان مخصصاً أصلاً للتسبيح كما ورثه عن والده داوود، وهو وقت العشي:
اصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)                                                          ص
افتراء من عند أنفسنا: لمّا كان وقت العشي هو وقت تسبيح في شريعة الوالد داوود، كان الأولى بسليمان إذاً أن يحافظ على تلك الشريعة، فيخصص ذلك الوقت للتسبيح (الذكر) كما كان يفعل والده داوود، ولكنه في ليلة محددة بذاتها آثر "حب الخير" (عرض الصافنات الجياد) عن ذكر ربه (التسبيح):
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)                                                           ص
وزعمنا أن ذلك حصل يوم أن أراح سليمان جنده في واد النمل ليتم للنمل دخول مساكنهم بعد أن سمع شكوى واحدة من النمل:
حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)          النمل
كما زعمنا أيضاً أن حب مداعبة النساء "الصافنات الجياد" عن ذكر ربه "التسبيح" في وقت العشي كانت هي فتنة سليمان التي وقع فيها، وكان عاقبة تلك الفتنة أن ألقى على كرسيه جسداً:
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)                            ص
وكان جل النقاش في الجزء السابق منصباً على قصة ذلك الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان وطبيعة ردة فعل سليمان على تلك الحادثة يوم أن وجد الكرسي ملقى على كرسيه، وحاولنا ربط فتنة سليمان بفتنة والده داوود علنا نفهم سبب تأخر سليمان في الإنابة إلى ربه "ثُمَّ أَنَابَ"، وزعمنا أن هناك فروقات واضحة بين ردة فعل كل منهما على فتنته، فبالرغم أن الفتنة حصلت للوالد داوود وللولد سليمان، لكنّ المتدبر للنص في السياقين القرآنيين - لا شك- سيخرج باستنباطات ذات دلالة، أهمها في نظرنا حتى الساعة هي: في حين أن داوود "فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ"، كانت ردة فعل سليمان على النحو التالي "ثُمَّ أَنَابَ" فقط:
... وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ                                        ص 34
وحاولنا في مقالتنا السابقة التركيز على الاستنباطات التالية:
-        كلاهما أناب
-        داوود فقط هو من استغفر ربه في الحال (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)
-        داوود فقط هو من خر راكعاً على الفور (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)
-        داوود هو من أناب على الفور بدليل حرف العطف "فـ" وحرف العطف "و" (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)
-        تأخرت إنابة سليمان بدليل حرف العطف "ثم" (ثُمَّ أَنَابَ)
السؤال: لماذا تأخر سليمان في الإنابة إلى ربه بالرغم من حصول الفتنة له؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن تأخر إنابة سليمان ربما يرد إلى زهو سليمان (الملك الجديد) بنفسه، ونحن نفتري القول هنا أن هذا الزهو بالنفس عائد إلى طبيعة الفرق بين داوود من جهة وولده سليمان من جهة أخرى، ونظن أن الفرق ربما تعود جذوره إلى تلك الحادثة التي حصلت مع سليمان عندما كان والده داوود لازال على قيد الحياة: إنها حادثة الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم:
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)
فعندما حصلت تلك الحادثة كان سليمان لازال شاباً صغيراً، وكان الله قد آتى سليمان كما والده داوود علماً وحكما " وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا"، ولكن بالرغم من صغر سنّه إلا أن هذا الشاب هو فقط من فهمه الله الحادثة (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)، ولكن كيف؟
جواب: على الرغم أن كلاهما (داوود وسليمان) قد أوتيا علماً وحكماً (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)، إلا أن فهم الحادثة لم يتأتى إلا لسليمان (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)، لذا أخذ سليمان منذ تلك الحادثة – نحن نفتري القول- يعتمد بشكل كبير على الفهم، فما أن حصلت الفتنة له عندما عرضت عليه الصافنات الجياد، ووجد الجسد ملقى على كرسيه، حتى أخذ الملك الشاب يحاول فهم المشكلة لوحده، تاركاً بعض الشيء جانب العلم والحكمة، وكان هذا في ظننا سبب تأخر سليمان في الإنابة، وربما هو السبب الذي لم يدفع بسليمان أن يستغفر ربه على الفور أو أن يخر راكعاً كما فعل والده داوود الذي ما كان ليتأخر لحظة واحدة في الاستغفار والركوع والإنابة عندما ظن أنه قد فتن:
... ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (24)
ونحن نظن أن السبب في ذلك ربما يعود إلى اعتماد داوود في الدرجة الأولى على العلم والحكم، ولكن لمّا كان سليمان يعتمد على الفهم (بالإضافة إلى العلم والحكم)، أخذ قسطاً من الزمن يقلّب الأمور في ذهنه ظاناً أنه سيخرج باستنباطات صحيحة حول تلك الحادثة من تلقاء نفسه، وما هي إلا لحظات قليلة حتى يتعلم سليمان درساً (من الهدهد) الذي أفهمه أن فهمه قد لا يسعفه على الدوام، لذا لمّا اكتشف سليمان خطأه (بعد فترة من الزمن) عاد على الفور لينيب إلى ربه، ولكن ذلك أخذ منه قسطاً من الزمن بدليل وجود حرف الجر "ثم" في النص القرآني:
     وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ                                   ص 34
الإنابة
السؤال: ما معنى الإنابة؟ وكيف أناب سليمان ووالده داوود من قبله؟ وما الفرق بين الإنابة والاستغفار؟
جواب: لابد من وجود فرق بين الاستغفار من جهة والإنابة من جهة أخرى بدليل أن داوود قام بالفعلين معاً:
     ... وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ
فلو كان الاستغفار يشمل الإنابة، ولو كانت الإنابة تشمل الاستغفار، لما- نحن نزعم القول- ورد اللفظان معاً في حادثة داوود، ولكن لما قام داوود بفعل الاستغفار، وقام بفعل الإنابة بعد ذلك، وجاء الخرور راكعاً ليفصل بينهما (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)، ربما حقّ لنا أن نتساءل عن الفرق بين هذه الأفعال، فما الذي فعله داوود عندما قام بكل واحدة منها:
1.     الاستغفار (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ)
2.     الخرور راكعاً (وَخَرَّ رَاكِعًا)
3.     الإنابة (وَأَنَابَ)

الاستغفار
لنبدأ النقاش بالاستغفار محاولين تقديم الاستنباطات التالية
1.     الاستغفار هو قول:
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)
2.     الاستغفار يمكن أن يكون من شخص آخر:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ۚ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
3.     الاستغفار يجوز لشخص مؤمن ولكن لا يجوز لشخص كفر بالله:
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)
وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)
4.     الاستغفار يتطلب أيضاً التوبة  التي قد تسبقه وقد تلحق به:
أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)
5.     ارتبط الاستغفار بزمن محدد وهو وقت الأسحار:
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
6.     الاستغفار سبب في تجنب العقوبة:
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)
7.     الاستغفار سبب في جلب الخير:
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)

الخرور راكعاً:
فبالإضافة إلى الاستغفار، فقد خر داوود راكعاً، فهو لم يكتفي – نحن نزعم القول- بفعل كلامي (الاستغفار)، ولكنّه أقدم على القيام بفعل عملي وهو الخرور راكعاً، فلماذا خر داوود راكعاً؟ وما معنى أن يخر راكعاً؟ ولِم لَم يأت النص القرآني على نحو أنه خر ساجداً كما فعل إخوة يوسف مثلاً؟
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
فمن عادة الناس أن يخروا لربهم سجداً، أليس كذلك؟
          إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ (15)
السؤال: لم إذن خر داوود راكعاً؟ ولم لم يخر ساجداً؟
رأينا: نحن نقدم الافتراءات التالية:
1.     ربما يتحصل الخرور ساجداً (أو السجود) لغير الله كما فعل الملائكة مع آدم:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)
وكما فعل إخوة يوسف:
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
2.     الخرور ساجداً ربما يحصل في أي مكان، فإخوة يوسف خروا له سجداً في بلاطه
3.     الخرور ساجداً لا يشترط فيه الطهارة ، فلا أظن أن إخوة يوسف كانوا جميعا على طهارة لحظة أن خروا ليوسف سجدا، من يدري!!!
4.     الخرور ساجداً لا يتحدد بوقت محدد، فلا أظن أن إخوة يوسف انتظروا حصول وقت محدد لكي يخروا لأخيهم فيه سجدا، من يدري!!!
5.     السجود يمكن أن يتحصل لغير البشر كما في حالة النجم والشجر:
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
6.     السجود لا يتطلب بالضرورة تولية الوجه شطر جهة محددة، فعادة ما يخر الساجد جهة المسجود له حيثما كان.
لكن بالمقابل
7.     الخرور راكعاً لا يتم إلا لله الواحد الأحد، فلم نجد مثالاً واحد يدل على أن الخرور راكعاً يتم لغير الله
8.     الخرور راكعاً فعل محصور على البشر، فلم نجد مثالاً واحداً يدل على أن الكائنات الأخرى تخر راكعة
9.     الخرور راكعاً مرتبط بالطهارة، فلقد كان داوود متواجداً في المحراب عندما حصلت له الفتنة، لذا لا بد أنه كان على طهارة وهو في ذلك المكان
10. الخرور راكعا ربما يتحدد بمكان معين، فلو كان داوود خارج المحراب لربما – نحن نزعم القول- "خر ساجداً" كما فعل إخوة يوسف، ولكن وجود داوود في المحراب يتطلب الركوع، وذلك لأن السجود في رأينا يمكن أن يتم في أي مكان ولكن الركوع –نحن نفتري الظن- لا يحدث إلا في المسجد وذلك لوجود شرط الطهارة فيه، فها هي مريم تؤمر أن تقوم بالأفعال التالية:
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
فمريم تستطيع أن تسجد لوحدها متى شاءت، ولكنها أمرت أن تركع مع الراكعين، فركوع الإنسان مع الراكعين وهو في حالة طهارة يشير إلى أنه قد سجد(ركع) لله وحده. وهكذا فعل داوود وهو متواجد في المحراب:
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
11. الخ

الإنابة
عندما دخل القوم على داوود وهو متواجد في المحراب، وظن داوود أن الفتنة قد وقعت له، ما تردد لحظة واحدة بفعل الاستغفار والخرور راكعاً لربه وهو في المحراب، ليعبر عن توبته إلى ربه، ولكنه لم يتوقف عند ذلك، بل زاد على ذلك بفعل الإنابة:
... وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ
ولكن سليمان – بالمقابل- لم يقم بفعل الاستغفار ولم يخر راكعاً، ولكنه قام بفعل الإنابة فقط، أليس كذلك؟
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ                                   ص 34
فما معنى أن ينيب الإنسان إلى ربه؟
رأينا: نحن نقدم الاستنباطات المفتراة من عند أنفسنا التالية فيما يخص فعل الإنابة:
-        سيجد من ينيب إلى الله الهداية حاصلة له من الله:
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ                                                                                                 الرعد (27)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
-     نحن مأمورون أن نتبع من ينيب إلى الله حتى وإن كان ذلك على حساب عدم طاعة الوالدين:
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ                        لقمان (15)
-        اقترنت الإنابة باجتناب الطاغوت وإتباع أحسن القول:
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)                     الزمر
-        عدم الإنابة ربما تكون سبباً في وقوع العقاب:
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)
-        الإنابة عادة ما تحصل من المجادل:
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)                                                                                                                 هود
-        اقترنت الإنابة بالتقوى وبإقامة الصلاة:
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)                                                                                                              الروم
-        الإنابة تحصل عند وقوع الضر، وتكون متبوعة بالإخلاص حتى وإن كان لفترة محددة:
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
-        تتم الإنابة بعد أن يرجع الإنسان ليتأمل نعم الله عليه، فتكون الإنابة مقترنة بالتذكر:
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)                                                                           غافر
أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ ۗ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9) وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)                                                                                              سبأ     
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ الْخُرُوجُ (11)
-        لمّا كانت الإنابة محلها القلب، فإن الله يعطي من ينيب أكثر مما هو متوقع، فالمنيب يكافأ بالمزيد
هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
نتيجة مفتراة: ربما يحصل للإنسان ضر (قد يكون) بسبب النسيان، فيتذكر ربه، ويأخذ بتدبر آياته، فلا يصر المؤمن على ذنبه، وما يكون منه إلا أن يتبع أحسن القول، ويترك الجدل، فيجتنب الطاغوت، ويرضى صادقاً بالحق، ويترك ما كان عليه من الخطأ، لظنه أنه هو سبب الضر الذي وقع فيه، عندها تحصل الإنابة، وهذا يدعونا إلى تقديم الافتراء التالي:
عندما يترك الإنسان ما كان سبباً في وقوعه في الضلالة، فإن الله متى ما تقبل من العبد إنابته فإنه سيكافئه بالمزيد
فما الذي حصل مع داوود؟
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
وما الذي حصل مع سليمان؟
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
ففي كلا الحالتين كان هناك زلفى وحسن مآب (وهو ما سنتعرض له بحول الله وتوفيقه في الجزء القادم من هذه المقالة)، لكننا سنركز هنا على جزئية واحدة وهي:
لقد حصلت فتنة داوود في قضية الحكم في الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم، فكان الكرم الإلهي يتمثل في أنه لم يحرم داوود من ذلك بعد أن أناب، فتابع داوود مهمته الموكلة إليه في الحكم بين الناس بالحق:
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ ۖ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
منطقنا المفترى: ولما كانت فتنة سليمان قد جاءت بسبب النساء "حب الخير" من الصافنات الجياد، جاء الكرم الإلهي على سليمان أنه لم يحرمه من ذلك، بل زاد عطاءه له على النحو التالي:
هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
السؤال: لماذا تفضل الله على سليمان (على وجه الخصوص) بأن يمْنن أو أن يمسك بغير حساب؟
افتراء من عند أنفسنا: لقد أنعم الله على سليمان أن يمْنن أو أن يمسك بغير حساب وذلك بسبب إنابته بعد الفتنة التي وقع فيها بسبب "حبه للخير من الصافنات الجياد عن ذكر ربه"، ولا يذكر القرآن الكريم أن مثل هذا العطاء قد تحصّل لشخص آخر غير سليمان، فما معنى أن يمْنن سليمان أو أن يمسك؟
رأينا: نحن نفتري الظن أن الرخصة جاءت لسليمان بعد إنابته على نحو أن يعاشر النساء (فَامْنُنْ) أو أن يترك ذلك (أَمْسِكْ) بناء على رغبة سليمان نفسه وذلك بغير حساب (بِغَيْرِ حِسَابٍ).

استراحة قصيرة
أمْنن أم أمسك بغير حساب: مقابلة بين محمد وسليمان
جاء الأمر الرباني لمحمد بأن لا يكثر من أن يمْنن بينما كان العطاء الرباني على سليمان متمثلاً بأن يمْنن بغير حساب كما يظهر في التقابل من السياقين القرآنيين التاليين كما نفهمه نحن:
محمد:            وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ(6)
سليمان:           هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
السؤال: لماذا؟
تعرضنا في أكثر من مقالة سابقة لنا عن تحليل مفردة "تَمْنُنْ" في السياق القرآني الذي جاء موجهاً إلى النبي محمد:
          وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ                                                   المدثر (6)
فحاولنا أن نسأل عن معنى مفردة " تَمْنُنْ" في هذه الآية الكريمة، حيث تجرأنا (ربما بقليل من الوقاحة) أن نضرب بأقوال من سبقونا عرض الحائط، فرفضنا جملة وتفصيلاً ما جاء في تفسير ابن كثير من أقوال المفسرين لهذه الآية الكريمة التي كانت على النحو التالي:
قال ابن عباس لا تعط العطية تلتمس أكثر منها وكذا قال عكرمة ومجاهد وعطاء وطاوس وأبو الأحوص وإبراهيم النخعي والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم وروي عن ابن مسعود أنه قرأ " ولا تمنن أن تستكثر " وقال الحسن البصري لا تمنن بعملك على ربك تستكثره وكذا قال الربيع بن أنس واختاره ابن جرير وقال خصيف عن مجاهد في قوله تعالى " ولا تمنن تستكثر " قال لا تضعف أن تستكثر من الخير قال تمنن في كلام العرب تضعف وقال ابن زيد : لا تمنن بالنبوة على الناس تستكثرهم بها تأخذ عليه عوضا من الدنيا فهذه أربعة أقوال والأظهر القول الأول والله أعلم.
وظننا أن الغلط الذي وقع فيه من سبقونا إلى العلم من أهل الدراية والحجة قد نجم عن إسقاطهم لمعرفتهم السابقة عن المفردة نفسها على ما في كتاب الله، فلمّا كان السادة العلماء يعلموا أن مفردة "تَمْنُنْ" مشتقة من المنّة، تحصّل لهم الفهم أن النهي هنا جاء للنبي صلى الله عليه وسلم عن المنّة أياّ كان نوعها كما ظهرت في شروحاتهم.
وبعد زعمنا أننا تدبرنا آيات الكتاب الكريم خرجنا بالاستنباط المفترى التالي: إن مفردة "تَمْنُنْ" مرتبطة بمجالين من المعاني، وهما:
1.     المنّة: وهي التفضل بإعطاء الآخرين ثم التشهير بالأعطية (وهو ما ذهب إليه معظم المفسرون للنص القرآني)، وربما تصدق الآية الكريمة التالية ظننا هذا:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ                                                الحجرات (17)
2.     المنيّ، وهو إنزال ماء الشهوة عند الرجل أو صبه في رحم المرأة، كما في السياق القرآني التالي:
          أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)      الواقعة 58-59
وقدمنا الافتراء التالي: إن المقصود بالآية الكريمة في قوله تعالى "وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ" هو النهي ليس عن الإكثار في التفضل بالأعطية على الآخرين (المنّة) وهو ما ذهب إليه معظم (إن لم يكن جميع) المفسرين للنص القرآني، ولكنّه النهي للنبي محمد عن الإكثار من صب المني في أرحام النساء (إي إنزال المنيّ بالشهوة)، فالله –حسب فهمنا- يطلب من النبي عدم الإكثار من الجماع الذي من خلاله يتم صب المني في رحم المرأة.
الدليل
أولاً، جاء دليلنا الأول من ربط المفردة نفسها بمفردات الآية التي وردت فيها، ولكن كيف؟
يتطلب تحليل المفردة على المستوى المحلي إثارة العلاقات بين مفردات الآية الكريمة بعضها مع بعض، فنحن نظن أن معنى المفردة الواحدة لا يتأتى من معناها المتعارف عليه بين الناس فقط، وإنما لابد من ربطها بالسياق الذي وردت فيه، فالمفردة (أي مفردة) تكسب معناها من علاقاتها مع المفردات الأخرى في جميع السياقات التي وردت فيها (للتفصيل في هذا الموضوع انظر مقالتنا تحت عنوان والله من ورائهم محيط)، فعند البحث عن معنى مفردة مثل "تمنن" لا بد من ربطها أولاً مع مفردات الآية نفسها، ونعيدها هنا لإمعان النظر في الآية الكريمة من هذا الجانب:
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ                                                   المدثر (6)
وهنا نثير التساؤل البسيط التالي: ما علاقة "تمنن " بــ "تستكثر"؟
جواب: إنّ أبسط ما يمكن أن نستنتجه هو النهي عن الإكثار من "تمنن" بغض النظر عن معناها، أليس كذلك؟ فالله ينهى النبي عن الإكثار من ذلك الشيء (تَمْنُنْ)، فهل يعقل إذاً أن ينهى الله النبي عن الإكثار من المنّة؟ فإن كان كذلك، فلا بأس إذاً بالقليل منها، فهل كان النبي يَمُن على أحد بشيء ولو كان بأقل القليل؟ أو هل كان يمنن بعمله على ربه فيستكثره (كما ظن بعض المفسرين)؟ إن مراد قولنا هنا هو أن النهي عن المنّة لا يمكن أن يكون بعدم الإكثار منها، بل بالنهي عنها كلياً، فلا قليلها جائز ولا كثيرها ممكن، ولنتخيل ذلك بحق النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي يفهم قوله تعالى:
          قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ                  البقرة (263)
إنّ نهي النبي عن الإكثار من المنة فيه اتهام مبطن للنبي بمثل هذا السلوك الذي لا يصح أن يكون من أخلاق المؤمنين ناهيك عن أخلاق النبوة.
ولا يجب أن نغفل كذلك أن المنّة (حسب سياقات القرآن نفسه) ليست من حق البشر على الإطلاق، بل هي من حق رب البشر فقط، مصداقاً لقوله تعالى:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ                                                                    الحجرات (17)
إن مثل هذا الفهم يدعونا إلى النظر في احتمالية أن يكون المعنى الآخر "إنزال ماء الرجل بالشهوة في رحم النساء" هو المقصود في الآية الكريمة التي نحن بصدد تبيان بعض معانيها، فالله سبحانه ينهى النبي عن الإكثار من المعاشرة التي من خلالها يخرج ماء الشهوة.
ثانياً، جاء دليلنا الثاني من ربط الآية التي وردت فيها تلك المفردة مع الآيات السابقة واللاحقة لها، ولكن كيف؟
فحتى يتأكد المعنى الذي ذهبنا إليه لا بد من وجود الروابط التي تدعمه في السياق القرآني نفسه، وهنا ندعو القارئ إلى ربط هذا الاستنتاج (أي المعنى الجديد الذي تحصّل لنا عند ربط مفردات الآية نفسها بعضها مع بعض) مع ما سيتحصل لنا من معاني أخرى عند ربط مفردات الآية قيد الدراسة مع مفردات الآيات المجاورة لها في السياق نفسه، وهنا نورد الآية الكريمة في سياقها الأوسع لنتدبرها من هذا المنظور:
          يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
          وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
وهنا نبادر القارئ الكريم بالتساؤل التالي: إن صح ما قاله السادة العلماء في معنى تمنن (أي المنّة)، فما  علاقة ذلك بالآيات السابقة واللاحقة للآية التي وردت فيها تلك المفردة؟
فلعل القارئ العادي (لربما حتى غير المتدبر) يدرك المعنى الكلي لتلك الآيات التي تتحدث في مجملها عن دعوة الله لنبيه بتبليغ الرسالة، فالخطاب موجها أولاً وقبل كل شيء للمدثر، أليس كذلك؟ والسادة العلماء أنفسهم لا يشكون قيد أنملة أنّ هذه الآيات كانت من أوائل ما نزل على النبي بعد العلق في مجمل أقوال العلماء، وهي –لا شك-  دعوة للنبي للنهوض من فراشه للقيام بواجبات الدعوة، أليس كذلك؟
فالدعوة جاءت للنبي على النحو التالي: النهوض من الفراش لتبليغ الرسالة:
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وتكبير ربه:
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
وتطهير ثيابه:
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
وهجر الرجز:
          وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
ومن ثم عدم الإكثار من "تمنن":
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
وأخيراً الصبر على ذلك كله:
          وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
وهنا نسأل عن علاقة "المنّة على الناس" (كما ظن علماؤنا الأجلاء) بمجمل هذه المعاني، أي هل يستقيم معنى "المنّة على الناس" مع النهوض من الفراش وتكبير الرب وتطهير الثياب، الخ؟ وما دخل طهارة الثياب بـ "المنّة على الناس"؟ كلا وألف كلا، إن ذلك يجعل النص القرآني ليس أكثر من مفردات متناثرة لا علاقة لها بـبعضها البعض.
 والآن لنتصور المعنى الآخر في هذا السياق  وهو النهي عن الإكثار من "إنزال ما الشهوة في رحم النساء" (كما نظن نحن)، فنحن نعلم أن الرجل النائم (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) يقوم من فراشة، فيذكر - أولاً وقبل كل شيء- الله بالتكبير والحمد (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)، ثم تطهير ثيابه والاغتسال من الجنابة (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)[1]، وقد جاء النهي للنبي عن الإكثار من الجماع – في رأينا- للسببين رئيسيين على الأقل:
1.     نحن نعلم القوة الجنسية التي كان يتمتع بها النبي، ولا أخال أنني بحاجة أن أورد الأحاديث بهذا الصدد، فالسادة العلماء على دراية كافية بهذا الأمر
2.     أن من أعباء القيام بالدعوة هو التضحية ببعض نِعَم الحياة، فالله لم ينه النبي عن الجماع، ولكنّه طلب من نبيّه التقليل منه، لهذا جاءت الدعوة من الله لنبيه في السياق القرآني نفسه مباشرة بعد الآية التي ورد فيها ذكر مفردة "ولا تمنن" على النحو التالي:
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
إن مراد القول أن علاقة المفردة نفسها مع مفردات السياق نفسه (في الآية نفسها والآيات السابقة واللاحقة لها) تؤكد معنى مغاير لما فهمه العلماء من الكلمة عندما أسقطوا المعنى المألوف لديهم لمفردة "تمنن" على السياق القرآني دون الآخذ بالحسبان الموضع الذي وردت به الآية الكريمة.

ثالثاً، جاء دليلنا الثالث من ربط ما تحصل لنا من استنباطات حول هذه الآيات الكريمة التي جاءت في سورة المدثر مع كل السياقات القرآنية التي تتحدث عن المنة ومشتقاتها والمني ومشتقاته في القرآن كله، ولكن كيف؟
وهنا تبرز أهمية استدعاء السياقات القرآنية الأخرى التي لها ارتباط بمفردة تمنن حتى وإن كانت في غير السياق نفسه، وهذا السلوك نابع من العقيدة الجماعية التي مرادها أنّ القرآن الكريم كتلة واحدة يستحيل أن ينقض بعضه بعضا.
إن استدعاء السياقات الأخرى يتطلب وجود رابط بين تلك السياقات، أي إحالة النص قيد الدراسة إلى نص آخر، وهكذا، فعندما نجد مفردة يصعب استنباط معناها من السياق الواحد نفسه، يصبح لزاماً إحالتها إلى سياقات أخرى، ومن ثم ربط ما يتحصل من استنتاجات من السياقات المختلفة مع بعضها البعض (للتدليل على قوة هذا الرابط في التحليل ندعو القارئ الكريم إلى مراجعة مقالاتنا تحت عنوان كم لبث نوح في قومه؟ وجدلية عذاب القبر).
وعند استدعاء السياقات القرآنية حول المنة والمني من القرآن كله، خرجنا بالاستنباطات المفتراة من عند أنفسنا:
أولاً، نحن نظن أن المنة لا تكون إلا لله فقط، وهنا ندعو القارئ إلى تفقد جميع سياقات القرآن الكريم التي يرد فيها لفظ المنة ومشتقاته، قال – تعالى-:
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ                               آل عمران (164)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا                                                                    النساء (94)
          وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ                                                                                               الأنعام (53)
قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ                                                           يوسف (90)
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ                      إبراهيم (11)
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ (37)                طه 36-37
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ                           القصص (82)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ                                                        الصافات (114)
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)                                                                                                 الطور 26-27
تشير هذه السياقات جميعاً إلى حقيقة صارخة يصعب المجادلة فيها وهي أنّ المنّة من حق الله وحده، ولا يجوز لبشر (حتى وإن كان نبياً مرسلا) أن يحوز ولو على القليل منها، لهذا جاء الردع من الله للناس كافة بعدم المنة إطلاقاً، قال تعالى:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
والمدقق في السياقات القرآنية هذه يجد السبب في ذلك واضح، وهو أن المنة فيها استعلاء على الآخرين، لذا جاءت جميع تلك السياقات متبوعة بحرف الجر "على"، ونحن نعلم أنّ العلو هو صفة خاصة بالله وحدة، فلا يحق للناس أن يعلو بعضهم على بعض[2].

ثانياً، نحن نفتري القول أن إنزال المني هي واحدة من صفات الناس:
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ (47)                                                                                    النجم 45-47
نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ               (59)                                                                        الإنسان 57-59
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (39) أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ (40)                                                                                      القيامة 36-40
ثالثاً، نحن نظن أن المنة والمني مشتقتان من جذرين مختلفين وإن كان متشابهين، فما هو المصدر الذي اشتق منه كل واحد من هذه المعاني؟
رأينا: حيث إنني لا أرغب الدخول في جدلية اللغة، والتدليل على كلام الله بما قاله الآخرون، لكني أجلب انتباه القاري إلى صيغة الفعل المضارع الذي نحن بصدد تبيانه والخوض فيه كما ورد في كتاب الله نفسه (لا كما يظنه أهل اللغة)، فلقد جاء فعل المنة على النحو التالي:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
وجاءت كذلك على نحو:
          مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (46)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ
إنّ المدقق في صيغة الفعل المضارع يجد حقيقة صارخة وهي على النحو التالي:
جاءت "الميم"  في الفعل المضارع لفعل المنّة الذي هو من حق الله وحده مضمومة في جميع السياقات القرآنية على نحو يَمُنُّونَ و تَمُنُّوا و يَمُنُّ  ، وجاءت "الميم" في الفعل المضارع لفعل "إنزال المني" الذي هو من صفات الناس ساكنة على نحو " تُمْنَىٰ" و يُمْنَىٰ.
وعند تدبر صيغ الفعل الأخرى كالفعل الماضي مثلاً نجد أنّ الميم في جميع صيغ الفعل الماضي لفعل المنة جاءت متحركة على نحو مَنَّ ، لنخلص (حسب النص القرآني نفسه) إلى أن الفرق بين الفعلين هي حركة الميم، فإن كانت متحركة فهي مشتقة من المنّة التي هي من حق الله وحده، وإن كانت ساكنة فهي مشتقة من فعل المني الذي هو من فعل الناس، وبهذا الفهم نعود إلى الآية القرآنية التي بدأنا منها:
          وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
فعند مراقبة حركة الميم (لفعل " تَمْنُنْ" في هذه الآية الكريمة التي حاولنا دراستها هنا) نجد أنها ساكنة، الأمر الذي يدعم ما زعمنا في البداية أنه المعنى المقصود في هذا السياق القرآني، وهو عدم الإكثار من "صب المني في رحم المرأة".
عودة على بدء
لنحاول الآن ربط هذا الفهم بالمنة الإلهية على سليمان بعد أن أناب:
هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
نتيجة مفتراة: نحن لا نظن أن الله قد أعطى سليمان الرخصة بأن يمن على الآخرين بالأعطية، فهذه لا تكون إطلاقاً من أخلاق الأنبياء، ولكن الظن أميل إلى الاعتقاد عندنا أن الله قد أعطى الرخصة لسليمان بإنزال ماء الشهوة في رحم النساء بغير حساب. كما نظن أن التلازم بين مفردة "تمنن" من جهة ومفردة "أمسك" من جهة أخرى في الآية نفسها تدل على أن الحديث جاء خاصاً بالنساء:
          هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
فما معنى أمسك؟
جاء في كتاب الله الحديث عن الإمساك مصاحباً للنساء في مواقع كثيرة، قال تعالى:
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ                                                البقرة 229
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ                            البقرة 231
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا                                                         النساء 15
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا                            الأحزاب 37
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا               الطلاق 2
افتراءات خطيرة جداً جداً
نسأل القارئ الكريم الذي لا يريد أن تتزعزع عقيدته الصحيحة التي ورثها عن آباءه وأجداده أن لا يتابع القراءة بعد هذه السطور، فنحن غير مسئولين عن ما ستؤول إليه القناعات بعد هذه الفقرة من الكتابة، لأننا نؤكد (كما فعلنا على الدوام) أن ما نقوله لا يعدو أكثر من افتراءات من عند أنفسنا، نطرحها للنقاش العلمي فقط وليس لإصدار الأحكام التشريعية والمواقف العقائدية، لذا فالله أسأله جل وعلا أن يعلمنا قول الحق فلا نفتري عليه الكذب، وإن يغفر لنا ذنبنا إن نحن وقعنا فيه عن غير قصد، وأن لا يتوب علينا إن كان غرضنا الإساءة إلى عقائد الآخرين، وأسأله تعالى أن ينفذ قوله بمشيئته وإرادته لي على وجه الخصوص (دون قومي جميعاً) بالإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لأحد غيري إنه هو السميع العليم.
وهذه العقيدة نابعة من الاعتقاد اليقيني بأن العلم لا يتأتي بالأماني والظنون التي هي من عند أنفسنا، ولكن طريق العلم الوحيدة هي ما هو موجود في الكتاب الذي هو الحق من عند ربنا، لذا هناك - في رأينا- فرق كبير بين أن يتّبع الواحد منا أمانيه وظنونه، أو أن يبحث عن العلم في الكتاب بغض النظر عن ما ستؤول إليه الأمور في نهاية المطاف، فعقيدتنا لا ينبغي أن تكون على نحو ما قال نفر من الذين هادوا:
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ۚ ...
ولكن عقيدتنا هي بكل تأكيد ما كان يجب عليهم أن يقول بدلاً من ذلك، كما جاء في تكملة الآية الكريمة نفسها:
... وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَٰكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)
ونحن نفتري الظن على الدوام أن أمتنا الإسلامية هي أمة إتبعت الأماني أكثر من اتباعهم العلم الموجود في الكتاب، فلقد وصفنا الله بأننا أمة أميّة:
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
ولما كنّا أمة أمية، كان إتباع الظن والأماني من الصفات المميزة لنا، فما معنى أن نكون أمة أمية؟
رأينا: لقد جاء الخطاب الإلهي عن بني إسرائيل على النحو التالي:
وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
فصفات الأميين كما تصوّره الآية الكريمة أنهم:
1.     لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ
2.     وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ
لذا تكون عاقبة من يفعل ذلك، ويكتب الكتاب بيده ثم يصور أمانيّه وظنونه التي هي بلا شك من عند نفسه على أنها من عند الله، ستكون عاقبته على النحو التالي:
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
لذا لا بد لمن أراد أن يتبع الحق أن يبحث عنه في الكتاب نفسه، وأن لا يكون متبعاً لظنه راغباً بأماني نفسه، لأن دستوره الذي لا يجب أن يحيد عنه هو قول الحق:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)
وهذه العقيدة تدعونا إلى أن نتحدث عن ما حصل في قصة التزويج الإلهي للنبي محمد بزينب – موضوع حديثنا هنا- كما يصورها الكتاب نفسه، لا كما نظنها أو كما نتمناها؛ فالتمني والظن في طرف، بينما العلم والحق في الطرف الآخر، لذا نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى العلم وإلى الحق الموجود في كتابه بغض النظر عن ما نظن ونتمنى من عند أنفسنا، ونسأل الله تعالى أن لا يجعل في أنفسنا حرج من أن نتقبل الحق مهما كان.


أما بعد
السؤال: لمّا كان الله قد منّ على سليمان بعطائه العظيم بأن يمنن أو يمسك بغير حساب كما في الآية التي ناقشناها سابقاً:
هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
فلم – نحن نسأل- منع الله محمدا عن الاستزادة من النساء كما جاء في قوله تعالى؟
لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا                                                الأحزاب 52
فالآية الكريمة الموجهة للنبي محمد على وجه الخصوص تشير– بما لا يدع مجالاً للشك- أن الأمر الإلهي قد صدر بحق النبي محمد بأن لا يتزوج النساء ولا أن يتبدل بهن ولو أعجبه حسنهن، أليس كذلك؟
السؤال: لم صدر مثل هذا الأمر الرباني بحق محمد على وجه الخصوص؟
رأينا: أنا أعلم بأن للحديث عن النبي محمد (عليه أفضل وأتم الصلاة والسلام) طابعاً خاصاً، وقد لا يحتمل الكثيرون الكلام متى وصل إلى شخص النبي الكريم، وربما ستكون ردة فعلهم كبيرة، لذا سأحاول قدر المستطاع انتقاء الكلمات حتى لا نصيب أحدا بسبب كلامنا هذا بشيء من الحرج، والغاية المرجوة لا تعدو أكثر من مناقشة للآية الكريمة السابقة، ربما نصيب في رأينا وربما نخطئه، والقارئ الكريم مدعو أولاً وقبل كل شيء أن يراجع ما قاله الأقدمون بخصوص الآية الكريمة قبل أن يذهب بآرائنا بعيداً عن ما نحاول نحن أن نزعمه.
أما بعد،
بعد قراءة الآية الكريمة السابقة خرجنا بالاستنباطات المفتراة التالية التي هي من عند أنفسنا:
1.     جاء النهي للنبي عن النساء (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ)
2.     جاء النهي للنبي عن النساء في وقت محدد من دعوته وحياته (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ)
3.     جاء النهي للنبي عن تبديل الزوجات بعد الآن، فلا يحق للنبي أن يبدل زوجاته بزوجات جديدات بعد الآن (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ)
4.     جاء النهي للنبي عن النساء في وقت محدد بغض النظر عن رغبة النبي في النساء (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ)
5.     جاء الاستثناء من ذلك خاصاً بما ملكت يمين النبي (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ)
6.     انتهت الآية الكريمة بتأكيد رقابة الله على كل شيء (لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا)
السؤال: لم صدر هذا الحكم الإلهي على نبيه في ذلك الوقت بالذات؟ ولم جاء القرار الإلهي على هذه الشاكلة؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نزعم الظن أن الإجابة على مثل هذا التساؤل يمكن استنباطها من الآية الكريمة التالية:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا        الأحزاب 37
رأينا: نحن نزعم الظن أن هذه الآية الكريمة تشير إلى عدة قضايا، نذكر منها:
1.     أن النبي قال للذي أنعم الله عليه وأنعم النبي نفسه عليه (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)
2.     أن النبي في فترة زمنية معينة قد أخفى شيئاً في نفسه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ)
3.     ما كان للنبي أن يخفي ذلك في نفسه لأن الله لا محالة مبديه (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ)
4.     كان سبب إخفاء النبي لذاك الشيء في نفسه هو خشيته للناس (وَتَخْشَى النَّاسَ)
5.     كان على النبي أن لا يخشى الناس في ذلك الأمر وأن يقدم خشية الله على خشية الناس لأن الله أحق بالخشية من الناس (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)
فتسوقنا هذه القضايا مجتمعة إلى طرح السؤال التالي: ما الذي أخفاه النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في نفسه حتى تدخّل الله بنفسه ليبديه؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نزعم الظن أن النبي محمد قد أخفى في نفسه كلمة واحدة ما كان يجب عليه أن يخفيها، فأنزل الله قرآناً يتلى ليبدي ما أخفى نبيه في نفسه. وقبل أن نتابع الحديث حول هذا الموضوع، لابد من أن نبوح برأينا بأن هذه الآية الكريمة قد تكون من أعظم الأدلة على صدق رسالة محمد، لأنه لو كان محمد يأتي بالقرآن من تلقاء نفسه لما جاء بمثل هذه الآية الكريمة التي تنتقده أشد انتقاد، لا بل وتبدي ما كان يحاول أن يخفيه في نفسه، إن أبسط ما يمكن أن ترشدنا إليه هذه الآية الكريمة هو أن محمداً ما كان يستطيع أن يتقول على ربه بعض الأقاويل[3]، لأن الله لا محالة مبدياً ما يخفي محمد في صدره. فالمتدبر للنص القرآني يجد أن الحديث قد جرى بين محمد وزيد على انفراد، ولم يطّلع الناس عليه، وما كان محمد سيبوح به ليحدث الناس بما جرى بينه وبين زيد، وما كان زيد سيحدث الناس بما جرى بينه وبين محمد ليحدث الناس فيه، لذا كان من الممكن أن تبقى القصة برمتها طي الكتمان، ولكن لمّا كان الله هو الرقيب بنفسه على كل شيء، ما كان يسمح بأن لا ينكشف ما أخفى محمد في نفسه حتى لو لم يطلع الناس بأنفسهم عليه، لذا لابد من مراقبة الآية الكريمة نفسها وكيف أنها تنهي الحديث بإثبات الرقابة لله على كل شيء:
لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا                                                الأحزاب 52
افتراء من عند أنفسنا: لقد أخفى محمد في نفسه كلمة واحدة لم يكن الناس ليطلعوا عليها لولا أن الله هو من أبداها لهم.
السؤال: كيف أخفى محمد كما تزعم- كلمة واحدة في نفسه؟ وما هي تلك الكلمة التي أخفاها محمد في نفسه؟ وهل يتطلب إخفاء كلمة واحدة مثل هذا الانتقاد الإلهي الشديد لنبيه الكريم؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن الكلمة التي أخفاها محمد في نفسه هي كلمة "بمعروف"
الدليل
رأينا: نحن نظن أن القاعدة الإلهية الخاصة بإمساك النساء هي على النحو التالي:
 الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ                                                البقرة 229
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ                            البقرة 231
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا               الطلاق 2
لذا، نحن نفتري القول أنه عندما طلب محمد من زيد أن يمسك عليه زينب جاء كلامه كما يصوره القرآن الكريم على النحو التالي:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ...
وكان الأولى بمحمد الذي لا شك يعرف أن السنة الإلهية تتمثل بأن الإمساك يجب أن يكون بالمعروف، كان الأولى به – نحن نزعم الظن- أن يقول لزيد:
          أمسك عليك زوجك بالمعروف
أو – بالمقابل- كان الأولى بمحمد أن يقول لزيد (إن علم أن الحياة بين زيد وزينب قد أصبحت محالة بالمعروف) أن يفارقها بالمعروف:
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا                                                                                                   الطلاق 2
النتيجة المفتراة: نحن نفتري الظن أن محمد قد وجد نفسه في موقف كان يجب أن يتصرف بواحدة من طريقتين وهما:
1.     أن يقول لزيد أن يمسك عليه زوجه بالمعروف
2.     أو أن يقول لزيد أن يفارق زوجه بالمعروف
ولكن الذي فعله النبي محمد كان قوله لزيد أن يمسك عليه زوجه وكفى:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ
فكانت المشكلة تكمن – في رأينا- بأن محمد لم يبد كلمة المعروف عندما طلب من زيد أن يمسك عليه زوجه.
السؤال: لكن لماذا؟ وما الفرق بين الإمساك من جهة والإمساك بالمعروف من جهة أخرى؟
رأينا: الإمساك بالمعروف يتطلب حصول المعاشرة الزوجية بالجماع، أما الإمساك لوحده فلا يتطلب ذلك، ولننظر إلى الدقة المتناهية في النص القرآني في قوله تعالى:
وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا                                                        النساء 15
فعندما يتم إمساك المرأة التي تأتي بالفاحشة في البيت فإن ذلك يحدث – على ما أظن- دون حصول المعاشرة الزوجية بالجماع، فلا أخال أن رجلاً يمسك زوجته في بيته بسبب فاحشة أحدثتها يقوم بعد ذلك بعملية الجماع معها. لذا جاء قول الحق في الآية الكريمة بأن يمسكوهن في البيوت " فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ": ولم يأتي على نحو:
فامسكوهن بالمعروف في البيوت
فالمرأة التي تمسك في البيت بسبب الفاحشة يتم تقديم المأكل والمشرب والمبيت لها (مقومات الحياة الضرورية)، ولكن لا يتم معاشرتها بالجماع، وقد نهى الله الرجال جميعاً عن إمساك النساء ضرارا:
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ                                                                                             البقرة 231
فمن أمسك بالمرأة بغير معروف، فقد أمسكها إذاَ ضراراَ وقد اعتدى على حقوقها (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا)، وهو بذلك يظلم نفسه (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)
افتراء من عند أنفسنا: إنْ صحّ استنباطنا هذا، فإننا نتصور ما قام به محمد وأخفاه في نفسه على النحو التالي: تحدث مشكلة بين زيد وزينب بسبب عدم رغبة زينب بالزواج من زيد ورغبتها بالزواج بمحمد، يقع في نفس النبي النبأ اليقين أن زينب لا محالة ستصبح زوجة له (فالله هو من سيزوجها إياه)[4]، وفي الوقت ذاته تقع الخشية في نفس محمد من كلام الناس (بأن محمد يتزوج من زوجة أدعياءه)، يحاول محمد أن يتجنب مثل هذا الموقف "المحرج" فيقوم بمحاولته الأخيرة في الإصلاح بين زيد وزينب، فيأتي حديثه موجها لزيد على النحو التالي:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ
ويكأن محمد إذاً يقول لزيد – حسب ظننا طبعاً- بأن يدع زينب في عصمته كزوجه (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)، ولكن لا تعاشرها معاشرة الزوج لزوجته بالفراش (أي بالمعروف). ولا ننسى أن زيد قد لجأ إلى النبي محمد ليحدثه بأمر علاقته بزينب، ولا شك لدينا أن الحديث بينهما (مادام أن محمد هو بمنزلة الوالد لزيد) قد وصل إلى أدق الخصوصيات، فلا أظن أن زيداً يمكن أن يخفي شيئاً عن محمد، وهنا – نحن نفتري الظن- يسكت النبي محمد على ما في نفسه، غير راغب في الوقت نفسه عن قبول زينب كزوجة له، فإرادة النبي بنكاح زينب لم ينفيها النص القرآني، ولو شئت فاقرأ قول الحق:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا           الأحزاب (50)
فالرجل لا يمكن أن ينكح المرأة إذا لم تتوافر عنده الإرادة بذلك. ولا يبوح بشيء من ذلك، حتى يحصل الطلاق بين زيد وزينب، وحتى يحدث التزويج الإلهي له بزينب. انظر تتمة الآية الكريمة قيد البحث نفسها:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا        الأحزاب 37
فخلال الفترة الزمنية التي وقعت فيها تلك المشكلة بين زيد وزينب، وحتى حصول التزويج الإلهي لمحمد بزينب، "لم ينيب" النبي محمد – نحن نزعم- مما قال لزيد وأخفاه في نفسه بأن النساء تٌمْسَك بالمعروف أو تُسرَّح بالمعروف:
          فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ
عودة على بدء
عند مقارنة ما بدر من نفس محمد في حادثة النساء هذه (قصة زينب) مع ما بدر من سليمان في حادثة النساء تلك (الصافنات الجياد)، نجد أن الرد الإلهي جاء متعاكساً تماماً، ففي حين أن الله قد منّ على سليمان بأن يمنن أو أن يمسك كما يشاء وبغير حساب:
هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
جاء العقاب الرباني لمحمد على نحو المنع عن التزوج بالنساء أو تبديلهن بعد هذه المرة (أي الزواج بزينب).
لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا                                                          الأحزاب 52
سؤال: لماذا استمرت مشكلة تطليق زيد لزينب فترة من الزمن؟ ولماذا تأخر التزويج الإلهي لمحمد بزينب بعض الشيء؟
رأينا: في ضوء تخريصاتنا السابقة، فإننا نزعم أن السبب كان انتظاراً إلهياً لمحمد بأن ينيب كما فعل سليمان، فلو قام محمد بالإنابة، أي ربما بالكف عن النساء تماماً، والعودة إلى السنة الإلهية بأن يتراجع عن كلامه ويعود ليقول لزيد بأن عليه أن يمسك عليه زوجه بالمعروف، فلو حصل كل ذلك، لربما – نحن نفتري القول- جاء الرد الإلهي لمحمد مطابقاً للرد الإلهي الذي جاء لسليمان بأن يمنن أو أن يمسك بغير حساب.

وللحديث بقية بحول الله وتوفيقه، فالله أسأل أن يأذن لي الإحاطة بشيء من علمه، إنه هو السميع المجيب.

المدّكرون:        رشيد سليم الجراح
                   علي محمود سالم الشرمان (مع الإشارة إلى تحفظه على بعض الأفكار الواردة في المقالة)
بقلم      د. رشيد الجراح
5 تشرين ثاني 2012




[1] لاحظ عزيزي القارئ أن من أبجديات عقيدتنا هو الاغتسال لإسقاط الحدث الأكبر والأصغر عند الدخول في الإسلام
[2] في حين أنه لا يحق للبشر أن يعلو بعضهم على بعض يحق لهم أن يعلوا على ما دونهم من الخلائق، كالجن والدواب والأنعام وغيرها.
[3] سنحاول في مقالة قادمة بحول الله وتوفيقه التفريق بين أن يقول الإنسان شيئاً وأن يخفي ذلك الشيء وتبعات كل من هذين الموقفين على العقيدة.
[4] وهنا لابد من التفريق بين النكاح من جهة والزواج من جهة أخرى، لأن النكاح – في ظننا- هو عمل ينفذه البشر، بينما الزواج فهو فعل يحدثه الله نفسه، فالرجال هم من يقومون بفعل نكاح النساء:
وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ البقرة - الآية 221
فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ                                                                                                          البقرة 230
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ                                                            البقرة  232
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا                                                                                                           النساء 3
وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا                                 النساء  22
وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ        النساء 25
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا                  النساء  127
الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ                      النور 3
وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ          النور 32
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ                                                                                                القصص 27
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا                                                                                                               الأحزاب 49
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا                           الأحزاب 50
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا        الأحزاب 53
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ                                           الممتحنة 10
ولكن لو نظرنا إلى آيات الزواج لوجدنا أنها تشير في مجملها إلى أن ذلك ليس من صنيع البشر بل هو فعل رباني:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا
خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ                                                            الزمر 6
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ                                                      الشورى 50
كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ                                                                                              الدخان 54
وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ                                                                              الذاريات 49
مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ۖ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ                                                                     الطور 20
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ                                                                                        النجم 45
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ                                                                           القيامة 39
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ                                                                                         التكوير 7
للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان ثلاثية المرأة