قصة موسى 3: فرعون الرسالة


حاولنا في الجزء السابق من هذه المقالة تقديم جملة من الافتراءات لإثبات زعمنا في الحاجة للتمييز بين فرعون الرسالة (من التقط موسى من اليم وتربى عنده ولبث سنين من عمره وفي آله) وفرعون الرسالة (من عاد إليه موسى برسالة من ربه ليقول له وأخوه هارون قولاً لينا). وافترينا الظن بأن أبناء بني إسرائيل كانوا يقتّلون زمن ذاك الفرعون الأول (فرعون الطفولة) لأن العداء بين آل فرعون وبني إسرائيل آنذاك كان عداء على الحكم. فبعد أن استتب الحكم لبني إسرائيل فترة من الزمن في مصر بعد هلاك يوسف جاءت – في ظننا- ثورة المصريين (الفراعنة أهل البلد) لتطيح بحكم ملوك بني إسرائيل، وما أن وصل الفراعنة إلى الحكم حتى أخذوا يقتّلون أبناء بني إسرائيل في أرض مصر لأنهم-  ببساطة- كانوا أعداءهم السياسيين، فالمتتبع للنصوص القرآنية يجد أن تقتيل أبناء بني إسرائيل حينئذ لم يكن من قِبل فرعون فقط ولكن من قِبل آل فرعون:
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)
وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)
ولما كَبُر موسى ووجد أن آل فرعون لا يزالون يُعْمِلون التقتيل في أبناء بني إسرائيل نصّب من نفسه الشخص الذي يريد الإصلاح كما جاء على لسان من أراد موسى أن يبطش به:
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
 ولكن ذلك الفعل من موسى (أي الإصلاح) ما كان ليرضي فرعون وآل فرعون، فأصبح موسى عدوا لذاك الفرعون الذي كان أصلاً عدواً لله:
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي (39)
افتراء من عند أنفسنا: لذا نحن نظن أن الله ما كان ليرسل رسولين لهذا القاتل وهو أصلاً عدواً له. فموسى – في ظننا- لم يأتي رسولاً لهذا الفرعون الذي كان في الأصل عدواً لله (عَدُوٌّ لِي) وأصبح بعد ذلك عدواً لموسى (وَعَدُوٌّ لَهُ). ولكنه جاء لفرعون آخر سنتحدث عنه بعد قليل بحول الله وتوفيقه.

خروج موسى من المدينة للمرة الأولى (إلى الأرض المباركة)
وفي خضم هذه الأحداث، تختار امرأة فرعون الموت على الحياة كي لا تبقى امرأة لهذا المتجبر عدو الله:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
وبموت هذه المرأة الطاهرة، لم يجد موسى من يكفّ عنه أذى آل فرعون (وليس أذى فرعون فقط)، فالمرأة أصلاً أنقذت موسى (بتدبير من الله) من آل فرعون الذين كانوا سيقتلونه وهو لازال طفلاً:
          وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ              القصص (9)
فالمدقق بالنص يجد أن الذي كاد أن يقتل موسى وهو لازال طفلاً هم آل فرعون (وليس فرعون نفسه)، لذا جاء الزجر للقوم من المرأة نفسها للقوم (لَا تَقْتُلُوهُ). لذا كانت هذه المرأة هي المدافعة عن موسى في وجه آل فرعون. فما كان آل فرعون يستطيعون إلحاق الأذى بموسى وهذه المرأة على قيد الحياة.
ولو تدبرنا النص جيداً لوجدنا أنها استخدمت حجة المنفعة الجماعية لتسكت غضب القوم (عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا). ولو حاولنا ربط ما جاء في هذه الآية الكريمة بالسياقات القرآنية الأخرى ذات الدلالة هنا لوجدنا أنها الحجة نفسها التي استخدمها من اشترى يوسف في أرض مصر:
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)
 فكان عندها التمكين ليوسف في أرض مصر:
وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ
والتعليم:
          وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
افتراء من عند أنفسنا: وبالمنطق نفسه نقول أن امرأة فرعون قد استخدمت الحجة نفسها للحفاظ على موسى (عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)، لذا لا نتردد أن نفتري الظن بأن التمكين لموسى حصل آنذاك، وكان تعليمه أيضاً هناك. ولكن هذا التمكين لم يكن يعني استتباب الأمر لموسى على الكليّة، فقد حصل التمكين ليوسف (من قبله) في الأرض نفسها، ولكن ذلك لم يمنع أن يسجن يوسف في أرض مصر:
          ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ                                                    يوسف (35)
لذا نحن نفتري الظن أنه بدل أن يسجن موسى في أرض مصر (كما كان نصيب يوسف) هرب من المدينة كلياً بعد وفاة تلك المرأة التي كانت تدافع عنه لتحميه من آل فرعون، فموسى لم يجد بداً من أن يخرج من المدينة مادام أن أقرب الناس إليه قد مات، ولم يعد موسى إلى المدينة –  في ظننا- إلا بعد أن سمع بموت هذا الطاغية (الفرعون الأول)، وكان ذلك على حين غفلة من أهل المدينة. (للتفصيل لنظر الجزء السابق من هذه المقالة)
افتراء من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن موسى عندما خرج من المدينة في المرة الأولى ذهب إلى الأرض المقدسة وهناك بلغ أشده وآتاه الله الحكم والعلم:
          وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ                          القصص (14)
وما أن يسمع موسى بخبر هلاك ذاك المتجبر حتى يعود إلى المدينة وهي لازالت في حالة فوضى سياسية لأن ذاك الفرعون لم يكن له ولد من صلبه، ليكون وريثاً شرعيا لينتقل العرش إليه بسهولة. فيبقى الناس في المدينة على حين غفلة حتى يصل فرعون جديد إلى الحكم، وفي هذه الأثناء يدخل موسى المدينة من جديد، ليجد أن بني إسرائيل قد حاولوا الوقوف في وجه الفراعنة من جديد، فكانت المدينة شيعاً:
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ                                                                                                                   القصص (4)
وما أن يدخل المدينة حتى يجد من يستنصره من شيعته (من بني إسرائيل) على من هو من عدوه (من آل فرعون المناصبين لهم العداء)، فما يتردد موسى عن نصرته، فيقوم بوكز الرجل الذي من عدوه فيقضي عليه:
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
ويأتيه الرجل الصالح (الذي سنرى لاحقاً قصته بحول الله وتوفيقه) ليحذره من الملأ الذين يأتمرون به ليقتلوه:
          وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
فيخرج موسى من المدينة خائفاً ليس لينجو من فرعون وإنما لينجو من القوم الظالمين:
          فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)
ولو حاولنا ربط ما جاء في هذه الآية الكريمة على لسان موسى الذي يطلب النجاة مع ما قالت امرأة فرعون عندما طلبت النجاة:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
لوجدنا أن حديث امرأة فرعون تطلب النجاة من (1) فرعون وعمله و (2) من القوم الظالمين. بينما جاء حديث موسى ليطلب النجاة من القوم الظالمين فقط ، ليكون السؤال على النحو التالي: أين إذن فرعون الآن؟ ولم لم يطلب موسى النجاة من فرعون؟ ولم طلب النجاة من القوم الظالمين فقط؟
رأينا: لقد كان فرعون الأول في عداد الأموات وكانت المدينة لازالت بدون حاكم، وكان الأمر برمته بيد القوم الظالمين (أي آل فرعون).
         
خروج موسى من المدينة للمرة الثانية (إلى مدين)
وما أن يقتل موسى الرجل ويأتيه الرجل الصالح ليحذره من الملأ (القوم الظالمين) حتى يخرج موسى من المدينة مرة أخرى، ونحن نفتري الظن بأن موسى لم يمكث في المدينة هذه المرة سوى ليلة واحدة، فموسى يدخل المدينة فيقتل رجلاً:
وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15)
فيقضي ليلته في المدينة، ولكن يحل عليه الصباح وهو خائف يترقب:
          فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18)
وفي اليوم التالي يستصرخه ذلك الرجل مرة أخرى (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) فيهمّ موسى بقتل رجلاً آخر من آل فرعون لولا أن ذلك الرجل هو من نبّه موسى إلى سوء فعلته كما فعلها بالأمس:
فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)
وهنا يعود موسى إلى رشده على الفور، فلا يقتل الرجل لأن موسى أراد أن يكون مصلحاً في الأرض ولم يرد أن يكون جباراً فيها. ويأتيه الرجل الصالح ليحذره من مؤامرة الملأ من آل فرعون:
          وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)
وهنا ينطلق موسى ليخرج من المدينة على الفور، ولكنه لا يتجه هذه المرة إلى الأرض المباركة من حيث أتى بالأمس، ويتخذ طريقاً جديدة، ويدعو ربه أن يهديه سواء السبيل، فتحط به الرحلة الجديدة في أرض مدين هذه المرة:
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)
وهناك يتزوج موسى ويمكث سنين من عمره في مدين:
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
وما أن ينهي الأجل حتى يسير بأهله قاصداً الأرض المباركة باحثاً عن الهدى[1]، فيجد ذلك عند النار في الواد المقدس.
إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى طه (10)
فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ                                                                          القصص (29)
وهناك يجد موسى ربه منادياً له:
          فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)
ليكلّفه بمهمة الذهاب إلى فرعون بعد أن يجري له الآيات:
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)
فيطلب العون من الله بأن يرسل إلى هارون خوفاً من الذنب الذي لآل فرعون عليه:
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)

فرعون الرسالة
نحن نظن أن الله قد أرسل لهذا الفرعون الثاني رسولين لأنه قد طغى:
          اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ                                                                    طه (24)
          اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ                                                           طه (43)
          اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَىٰ أَنْ تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ (20)
فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ (22) فَحَشَرَ فَنَادَىٰ (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ (25)                                                                                                النازعات
افتراء من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن الله أرسل رسولين لهذا الفرعون الذي طغى، وهنا تبدأ قصة موسى مع هذا الفرعون الجديد، الذي نزعم أنه لم يقتّل أبناء بني إسرائيل ولكنه عبّدهم:
          وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)
تساؤلات
-        فمن هو هذا الفرعون الجديد الذي عبّد بني إسرائيل؟
-        ولماذا طغى؟
-        ولماذا أرسل الله إليه رسولين بدلاً من رسول واحد؟
-        ولماذا أمر الله موسى وأخاه هارون أن يقولا له قولاً لينا؟
-        وهل كان من الممكن أن يتذكر أو أن يخشى؟
-        ولماذا أسلم هذا الفرعون عندما أدركه الغرق؟
-        ولماذا نجّاه الله ببدنه؟
-        ولماذا جعله الله آية للناس؟
-        الخ.
هذه هي الأسئلة التي سنحاول النبش فيها في هذا الجزء من المقالة، سائلين الله وحده أن يعلمنا من لدنه علماً لا ينبغي لغيرنا، وأن يعلمنا قول الحق الذي نقوله فلا نفتري عليه الكذب إنه هو السميع المجيب)
أما بعد


فرعون الرسالة: من هو هذا الرجل؟
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن هذا الفرعون كان رجلاً صاحب علم، ولكنه استخدم علمه بالدعوة لنفسه، فكان هو من أضل قومه وما هدى:
          وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ                                                                  طه (79)
لذا نحن نظن أن السبب الذي من أجله بعث الله لهذا الفرعون رسولين هو أنه ببساطة كان قد طغى:
          اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ                                                                    طه (24)
          اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ                                                           طه (43)
          اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ                                                                    النازعات (17)
ونحن نظن أن الطغيان يكون بإخفاء الحقيقة ولا يتم ذلك إلا عن علم:
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ (7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (8)
ولو راجعنا هذه السورة الكريمة لوجدنا أن الخيار أمام من علّمه الله يكون بواحدة من اثنتين:
1.      أن يكون على الهدى ويأمر بالتقوى:
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ (12)
2.     أو أن يكذب ويتولى:
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ۩ (19)
السؤال: إلى أي الفريقين اختار فرعون أن ينتمي: إلى من يأمر بالتقوى أم إلى من كذب وتولى؟
جواب: لنقرأ الآيات الكريمة التالية الخاصة بفرعون:
فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ (47)  إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (48)                                     طه
فكانت النتيجة على النحو التالي:
اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَىٰ أَنْ تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ (20) فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ (21)                                                                           النازعات
نتيجة مفتراة: لو تابعنا السياقات الخاصة بفرعون لوجدنا أنها تبين لنا أن العلم كان حاضراً عنده على الدوام، فقبل مجيء موسى بالآيات كان فرعون كان قد طغى فأضلّ قومه وما هدى، ومن بعد مجيء موسى بالبينات اختار فرعون أن يكذبها عن علم.
الدليل
أولاً، ها هو فرعون يسأل موسى مباشرة عن القرون الأولى:
          قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)
افتراء من عند أنفسنا: لو لم يكن عند ذلك الرجل علماً، لما جادل موسى في ذلك.
ثانياً، ها هو موسى يرد عليه بمنتهى العقلانية والعلم:
قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّىٰ (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَىٰ (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ (55)
ثالثاً، لا يتردد موسى أن يقدم له الآيات كلها التي جاءه بها من عند ربه:
          وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ (56)
رابعاً، ها هو موسى يريه الآية الكبرى:
          فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ (20)
ولكنّه يكذّبها ويأبى إلا أن يكون ممن تولى وكفر، وينسب ذلك كله إلى السحر:
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)
نتيجة خطيرة جداً: إذن، نحن نظن أن فرعون هذا كان رجلاً صاحب علم، ولكن بدل أن يستخدم هذا العلم في هداية قومه كان هو سبب ضلالهم وعدم هدايتهم.
فما هو مصدر علم هذا الرجل؟ وكيف اكتسب هذا الرجل العلم؟
تصورات من خيالنا: نحن نظن أن الفرعون الأول الذي أطاح بحكم ملوك بني إسرائيل في أرض مصر كان رجلاً عسكرياً، وكان همّه الأول والأخير (كما هو حال العسكر على مر العصور) الوصول إلى السلطة، فما كان يشغله شيء سوى استتباب الحكم له، وكان ذلك غير ممكن إلا بالقضاء المبرم على بني إسرائيل، فأخذ وآله يقتّلون أبناء بني إسرائيل ويستحيون نساءهم، فانتقل حكم مصر بأكمله إلى آل فرعون.
افتراء خطير من عند أنفسنا: نحن نظن أنه بانتقال الحكم إلى آل فرعون انتهى إليهم جل (إن لم يكن كل) ما كان موجودا في بيوت ملوك بني إسرائيل في أرض مصر. فسيطر آل فرعون على مقتنيات بني إسرائيل القديمة التي ورثوها من أيام حكم يوسف. ولكن ما فائدة هذا الظن؟
رأينا: لا يجب أن ننسى أن يوسف نفسه هو وريث آل إبراهيم. فوالده يعقوب وجدّه إسحاق هما من جعل الله في ذريتهم النبوة (حيث انقطعت من بيت إسماعيل). أليس كذلك؟
          وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ                                                                                                                           العنكبوت (27)
نتيجة مفتراة: إن منطقنا المفترى هذا يسوّق للنتيجة الخطيرة جداً التالية: لقد كان في بيت يوسف وملوك بني إسرائيل من بعده في أرض مصر مقتنيات آل إبراهيم من النبوة والكتاب[2]. وما أن وصل الفراعنة إلى سدة الحكم على أنقاض تلك البيوت[3] حتى استطاعوا الوصول إلى تلك المقتنيات وبالتالي حيازتها والتحكم بها. وهنا تبدأ – برأينا- المرحلة الأصعب في تاريخ بني إسرائيل، والمتمثلة ليس فقط في ضياع ميراث الحكم الذي وصل إليهم عن طريق يوسف، بل بالأشد من ذلك خطورة وهو ضياع جزء كبير من ميراث بيت النبوة.
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن ميراث النبوة (الذي كان موجوداً في بيوت ملوك بني إسرائيل في أرض مصر) قد انتهى إلى بيوت آل فرعون. فكان ذلك في ظننا المفترى هو مصدر علم هذا الفرعون الطاغية، لا بل ومصدر علم أصحاب النفوذ في آل فرعون وهم فرعون نفسه وقارون وهارون.

تبعات هذا الظن
أهل العلم من آل فرعون: فرعون وقارون وهارون:
أولاً، نحن نفتري الظن أن هذه الأسماء الثلاثة هي أسماء فرعونية تنتمي إلى عائلة الحكم من أهل مصر الأصليين (أي الفراعنة).
فلقد افترينا سابقاً القول أن هارون هو أخ موسى غير الشقيق (أي من أمه)، وهو من تربى موسى معه يوم أن كان في بيوت بني إسرائيل. فموسى لا يحمل اسماً فرعونياً لأننا نظن أنه لم يكن من آل فرعون وإن كان قد تربى في بلاطهم[4].
ثانياً، نحن نفتري الظن أن هناك صلة قرابة قوية جداً بين فرعون وقارون (ونظن أنهما ربما كانا إخوة، تربيا معاً)
ثالثاً، نحن نظن أن هناك صلة قرابة بين هارون من جهة (أخ موسى غير الشقيق) وفرعون وقارون من جهة أخرى، (ونظن أنهم أبناء عمومة).
تخيلات من عند أنفسنا: بعد أن سوّقنا جملة من الافتراءات من عند أنفسنا، دعنا نتصور المشهد على النحو التالي:
بعد أن مات الفرعون الأول (الذي قاد الثورة ضد حكم ملوك بني إسرائيل في أرض مصر) لم يكن له وريث من صلبه (فامرأته تبنت موسى ولداً لهما):
          وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
فحرّم الله على موسى المراضع حتى أعاده إلى حضن أمه:
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
وتربى موسى في أهل البيت الذين كفلوه:
          وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)
وكان أهل ذلك البيت هم – في ظننا- بيت نبي الله ذي الكفل، الذي آثر أن لا يظهر إسلامه ليربي موسى بنفسه، فتربى موسى في كنف ذي الكفل والد هارون، فنشأ موسى مع هارون في طفولته:
وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)
فكانت تلك هي الفترة التي مكّن الله لموسى في الأرض كما كان حال يوسف بسبب حماية امرأة فرعون له:
          وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
فانظر – عزيزي القارئ- التقابل مع حالة يوسف:
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)
نتيجة: نحن نظن أن موسى تربى مع هارون في بيت واحد، ويدلل على ظننا هذا ما جاء في الآيات الكريمة التالية:
وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)
ولكن بالمقابل كان هناك بيت آخر من بيوت آل فرعون يسكنه فرعون (الجديد) وقارون. ولو راقبنا السياق القرآني التالي لوجدنا أن ذكر قارون قد سبق ذكر فرعون نفسه:
          وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39)
السؤال: ما هي المكانة التي كان يتبوؤها قارون ليذكر في سياق قرآني سابقاً لفرعون نفسه؟
رأينا: لا أظن أن هذا ممكن إلا أن يكون هناك صلة قرابة بينهما أقوى من المكانة السياسية لكل منهما. لذا نحن نفتري الظن بأنه لما كان فرعون هو "ربهم" المطاع، لذا يستحيل أن يتقدم شخص عليه ما لم يكن له مكانة خاصة جداً تؤهله لذلك السبق في الذكر.
ولو راقبنا النص القرآني لوجدنا أن هؤلاء جميعاً (موسى وهارون من جهة) و (قارون وفرعون) من جهة أخرى كانوا أصحاب علم. ولكن لماذا؟
رأينا: لأنهم ببساطة هم من حطّ في بيوتهم ما تبقى من ميراث النبوة والكتاب من بيوت الملوك (بني إسرائيل). ومن هناك حصل كل منهم على علمه. ولكن الفرق الوحيد يكمن في أنه في حين أن موسى وأخاه هارون لم يستخدما علمهما لخدمة مصالحهم الذاتية الشخصية، كان ذلك ما بدر من فرعون وقارون.
تخيلات من عند أنفسنا: حصل هؤلاء الأربعة (موسى وهارون من جهة وفرعون وقارون من جهة أخرى) على العلم المتوارث من بيت النبوة في بيوت ملوك بني إسرائيل. ولما مات الفرعون الأول أصبح هناك خلاف على الحكم، فبقيت المدينة على حين غفلة. وكان موسى خارجاً منها، فكان الصراع على الحكم – في رأينا- منحصراً في هؤلاء الثلاثة (هارون وفرعون وقارون). ولمّا كان هارون هو الحلقة الأضعف لأن موسى كان خارجاً مطروداً، لم يجد من يسانده للوصول إلى الحكم خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار موضوع العداوة لبني إسرائيل، لذا كانت الرغبة جامحة عند آل فرعون في أن يكون الحكم من البيت الثاني (قارون وفرعون)، لأنهم برأينا وهم الأشد عداوة لبني إسرائيل، فذهبوا إلى اقتسام النفوذ، فكان الحكم من نصيب فرعون وكانت الثروة من نصيب قارون، ولم يستطع هارون الوقوف في وجههم، فبقي صامتاً (كحالة والده ذي الكفل من قبله) حتى جاءته الرسالة بطلب من موسى المباشر من ربه.
كيف استخدم كل منهم العلم الذي تحصل لهم من ميراث النبوة؟

فرعون:  طغى (اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ)، فكتم العلم عن القوم (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ)
قارون: بغى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ)ۖ فأنكر مصدر العلم الذي بواسطته كان يملك الثروة العظيمة ونسبه لنفسه
(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي)
هارون: حاول الإصلاح بالقول (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا)، وبقي ينتظر ما يأتيه من أوامر من ربه
موسى: حاول الإصلاح بالفعل، فخرج باحثاً عن الحل، فهرب من المدينة في المرة الأولى وخرج منها في المرة الثانية، حتى جاءه
التكليف المباشر من ربه.
تخيلات من عند أنفسنا: نحن نتخيل أن ميراث النبوة الذي كان متواجداً في بيوت ملوك بني إسرائيل انتهى إلى بيتين من بيوت آل فرعون وهما:
1.     البيت الذي كان يسكنه موسى مع هارون (بيت ذي الكفل)
2.     البيت الذي كان يسكنه فرعون وقارون
ولما كان ذو الكفل رجلاً صاحب رجاحة عقل استخدم ذلك العلم بالطريقة الصحيحة، ولنرقب السياق القرآني التالي الذي يصور منطق هذا الرجل:
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)               
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
 لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
 فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
لنخلص إلى ملاحظتين اثنتين هما:
1.     رجاحة عقل هذا الرجل المؤمن الذي يكتم إيمانه من آل فرعون وقوة حجته وهي التي - برأينا- لا تقل عن فصاحة هارون، فلا يستطيع قول مثل هذا الكلام إلا إنسان يملك الفصاحة والرأي والحجة في قومه
2.     العلم الغزير الذي توافر لهذا الشخص، فهو يتحدث عن ما حل بالأقوام السابقة (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ)، كما يتحدث عن يوسف نفسه (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ)، كما يدعو القوم إلى النجاة (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ)
فكان الخطاب في بيت هذا لرجل (حيث يسكن هارون وموسى) خطاباً إيمانياً.
لكن – بالمقابل – كان الخطاب في البيت الآخر (حيث يسكن قارون وفرعون) خطاب المتكبر المتسلط الذي لا يرى إلا نفسه وينسب العلم لنفسه:
... قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
ولكن يبقى السؤال قائماً: من أين جاء لهم العلم؟ وما هو العلم الذي جاءهم؟
قبل الحديث عن علم فرعون وقارون لابد من التعريج أولاً على قصة امرأة فرعون التي أنقذت (بتدبير إلهي) موسى من القتل على أيدي آل فرعون، لنطرح التساؤل التالي على الفور: كيف أسلمت هذه المرأة؟ ولماذا آثرت الموت على أن تبقى بصحبة ذلك المتجبر؟ ألم تكن هي السيدة الأولى؟ ألم يكن أمرها مطاع؟ فكيف بها تتخلى عن كل ذلك النعيم وتؤثر الموت على الحياة؟
رأينا: نحن نظن أن الإجابة على هذا التساؤل ربما يمكن استنباطها من الآية الكريمة التالية:
          وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ     القصص 9
فالمدقق في النص يجد أن المرأة تستخدم الحجة نفسها التي استخدمها من اشترى يوسف في أرض مصر:
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ                         يوسف 21
ولا نجد هذه الحجة قد استخدمت من قبل شخص آخر في مكان آخر غير هذين السياقيين اللذان يتحدثان عن "كفالة" طفل (لا أهل له يتولونه)، فيوسف وجد نفسه في أرض مصر لا أحد يدعي أنه ابن له، وهكذا كان حال موسى عندما التقطه آل فرعون من اليم. لنطرح عندها السؤال التالي: لم استخدمت المرأة حجة ذلك لرجل نفسها؟
رأينا: نحن نظن من حيث المبدأ أن موقف هذه المرأة التي اتخذت من موسى ولداً لها مطابق تماماً لموقف ذاك الرجل الذي اتخذ من يوسف ولد له في أرض مصر، فكلاهما لا ولد ولا ذرية له، يعثر على غلام بالصدفة، فيتخذ منه ولد له. ولكن يبقى السؤال قائماً: لم استخدمت المرأة الحجة نفسها؟
رأينا: نحن نظن أن المرأة ما كانت لتستخدم تلك الحجة لو لم تكن على علم تام بقصة يوسف في أرض مصر، ونحن نظن أن علم هذه المرأة لا يقل عن علم ذلك الرجل الذي اتخذ من يوسف ولد له، ولكن كيف؟
رأينا: نحن نعلم أن الحادثتين حصلتا في أرض مصر، ونحن نعلم أيضاً أن ملك مصر قد انتقل إلى بني إسرائيل:
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ                                                                                                                   المائدة 20
وكان ذلك بسبب يوسف:
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ
ثم جاءت – في ظننا- ثورة الفراعنة لتطيح بحكم الملوك من بني إسرائيل في أرض مصر، فأصبح الحكم فرعونياً:
وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ                                                                                                  البقرة 49
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ                                                      إبراهيم 6
وقد ذكرنا آنفاً أنه عندما انتهى الحكم إلى آل فرعون، سيطر آل فرعون ليس فقط على الملك ولكن أيضاً على مقتنيات ملوك بني إسرائيل، فكان الحكم والعلم.
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن الحكم قد أصبح بيد فرعون الذي كان يحاول أن يبسط سيطرته على أرض مصر، وحصل آل فرعون على جزء كبير من مقتنيات ملوك بني إسرائيل، فانتهى جزء كبير من العلم إلى يد آل فرعون، ونحن نكاد نجزم الظن بأن ذلك القسط من العلم قد انتهى إلى يد ذي الكفل وامرأة فرعون نفسها. وقد افترينا سابقاً أن هناك رابطة دم قوية بين امرأة فرعون الأول وذي الكفل (ذلك الرجل المؤمن من آل فرعون الذي يكتم إيمانه)، وظننا أن امرأة فرعون هي اخت نبي الله ذي الكفل الذي تكفل موسى وتربى في بيته.
تخيلات من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن ذلك العلم الذي انتهي إليهما كان سببا رئيسياً في هدايتهما، وليس أدل على ذلك مما جاء على لسان ذي الكفل (الرجل الذي يكتم إيمانه من آل فرعون) ليدعو قومه إلى طريق النجاة:
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37) وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
 لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
 فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
فهذا – في ظننا- كلام لا يصدر إلى من كان عنده علم من الكتاب.
ولكن يبقى البحث هنا منصباً على حجة امرأة فرعون نفسها:
          وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ     القصص 9
فالمتدبر للنص يجد أن المرأة تضع واحد من خيارين وهما:
1.     عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا
أَوْ
2.     نَتَّخِذَهُ وَلَدًا
فما معنى هذا الكلام؟ كيف سينفع طفل كهذا آل فرعون؟ ولماذا ستتخذ المرأة من هذا الغلام ولدا؟

معنى حرف العطف أَوْ
غالباً ما خلط الناس – في رأينا- بين حروف العطف الثلاثة التالية التي تستخدم للحديث عن التثنية (أي وجود طرفين أحدهما يسبق حرف العطف والآخر يلحق به، أو ما يرغب أهل اللغة بتسميته بالمعطوف والمعطوف عليه):
1.     و : نحن نظن أن حرف العطف الأول ( و) يدل على الجمع بين الطرفين، ليحصلا معاً، لأن فيه معنى الإضافة كما في الأمثلة التالية:
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ
                                                                                                الزمر 68
2.     أو : أما حرف العطف (أو) فيفيد التخيير بأحد الطرفين (أو كلاهما معاً) كما في الأمثلة التالية:
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ                سبأ  24
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ                                                                                           البقرة 158
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ                                                                            البقرة 286[5]
3.     أم : بينما يفيد حرف العطف (أم) حتمية وجود أحد الطرفين دون الآخر كما في الأمثلة التالية:
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ                               الأحقاف  4
أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ
قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
لهذا نحن نفتري الظن أن امرأة فرعون كانت تقصد (كما الرجل الذي اتخذ من يوسف ولدا) أن يتحقق لها أحد الأمرين أو الأمرين معاً وهما:
1.     أَن يَنفَعَنَا
2.     نَتَّخِذَهُ وَلَدًا
ما هي المنفعة؟
أولاً، نحن نظن أن المنفعة قد تكون مادية دنيوية أو دينية أخروية:
وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ                                               البقرة 100
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ           البقرة 123
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ                                                                                                  البقرة  164
ثانياً، نحن نظن أن ما ينفع يمكث في الأرض مصداقاً لقوله تعالى:
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ                                                                                                        الرعد 17
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن امرأة فرعون كانت تظن أن الذي يمكث في الأرض هو ما يمكن أن ينفع الناس، وأظنها أنها أرادت أن تكون وراثة الأرض في موسى لأنها ظنت أن فيه النفع بالضبط كما كان الحال بالنسبة ليوسف عندما أراده من اشتراه من مصر أن يكون نافعاً لهم. فمكث يوسف في تلك الأرض فلم يخرج منه، وكان في ذلك تمكين ليوسف في الأرض:
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ۚ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
سؤال: لماذا وضعت المرأة خياراً آخر غير المنفعة؟ أي لماذا أرادت أن تتخذ من موسى ولدا؟ لماذا قالت: أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا؟
نحن نظن أن المرأة كانت على ثقافة دينية واسعة، فلا أظنها تغفل عن قول الحق في الآيات الكريمة التالية:
يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ                                                                       الشعراء 88
لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ الممتحنة 3
لنصل إلى الافتراء الخطير جداً التالي: نحن نظن أن المرأة كانت تريد البقاء على حياة موسى لمنفعة دنيوية بحتة، فما هي تلك المهمة التي تريدها المرأة لموسى؟ وكيف تحقق لها ما أرادت؟
(هذا ما سنحاول الإجابة عليه لاحقاً بحول الله وتوفيقه، لكننا نريد أن نعود الآن إلى موضوع علم فرعون وقارون، لنطرح سؤالاً واحدا ألا وهو: ما هو مصدر علم فرعون الرسالة وعلم قارون صاحب الكنوز الوفيرة.

علم فرعون وقارون
السؤال: من أين جاء لفرعون (الرسالة) العلم؟ ومن أين جاء لقارون العلم؟ وما هو ذلك العلم الذي يعطيهما الصلاحية في قتل الأنفس البشرية؟ وما هو العلم الذي يمكنهم من الحصول على الثروة الطائلة؟
رأينا: للإجابة على هذا السؤال لا بد من العودة بالقصة إلى بدايتها وطرح الأسئلة تباعاً، ولابد من ربط الأمر في جميع سياقات القرآن ذات الدلالة.
افتراء خطير جداً: نحن نظن أن فهم ماهية علم فرعون (الرسالة) وقارون تتطلب منا طرح تساؤلات حول قصة موسى مع صاحبه الذي ذهب إليه موسى ليطلب العلم عنده:
          قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
لنجد أن في قصة ذاك الرجل علم بنبوءة بما سيحصل (قصة السفينة) وفيها قصة قتل نفس (الغلام) وفيها قصة كنز (اليتيمين).
السؤال: كيف حصل ذلك الرجل على العلم حتى عرف بما سيحل بالسفينة فخرقها، أو مصير الغلام فقتله، أو الكنز الدفين فأخفاه لأصحابه؟ هل نكتفي برد ذلك إلى علم الغيبيات والمسلمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟ فلماذا نتقبل قتل الرجل للغلام  ولا نتقبل قتل فرعون لأبناء بني إسرائيل؟ وكيف نتفهم معرفة الرجل على الكنز الدفين ولا نتقبل حصول قارون على الكنوز؟ الخ.

للإجابة على هذه التساؤلات لابد من التعرض لشخصية ذاك الرجل الذي ذهب موسى بنفسه ليطلب صحبته ولم يستطع الصبر عليها.
هذا ما سنحال أن نقحم أنفسنا فيه في الجزء القادم من هذه المقالة تحت عنوان "قصة موسى 4: باب العزير". فالله وحده أسأل أن يؤتيني وعلياً رحمة من عنده وأن يعلمنا من لدنه علماً لا ينبغي لأحد من بعدنا إنه هو السميع العليم.

المدّكرون         رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
بقلم                د. رشيد الجراح
30 نيسان 2013




[1] فلقد افترينا سابقاً أن موسى لم يكن قاصدا العودة إلى أرض مصر بعد أن أنهى الأجل في مدين، فموسى لم يكن ليضع نفسه وأهله معه في يد آل فرعون لقمة سائغة لهم، فعندما أمره الله بالذهاب إلى أرض مصر :
وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ (11)
تردد موسى قليلا لأنه لم ينسى فعلته التي فعلها، فالقوم لهم عليه ذنب باعتراف موسى نفسه:
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14)
[2] لاحظ أن يوسف طلب من إخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين:
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)
وبهذا يكون بنو إسرائيل قد نقلوا كل ما كانوا يملكون إلى أرض مصر عندما ذهب يعقوب بنفسه لملاقاة ولده يوسف.
[3] وسنرى لاحقاً (بحول الله وتوفيقه) ما فعل آل فرعون ببيوت بني إسرائيل في أرض مصر، فالله اسأل أن يأذن لنا الإحاطة بعلم من لدنه إنه هو السميع العليم
[4] نحن نظن أن اسم موسى له علاقة بالماء، فالغلام وجد في الماء، ولكنه أيضاً عاش على اليابسة. فهو الطفل الذي لم تغرقه الماء، فكان بكلمات بسيطة برمائياً (أي طفل البر والماء أو amphibian باللسان الأعجمي)، وسنتحدث عن أسماء الأشخاص الذين جاء ذكرهم في القرآن بشيء من التفصيل لاحقاً بحول الله وتوفيقه، فالله أسأل أن يعلمني من لدنه علماً لا ينبغي لغيري إنه هو السميع المجيب.
[5] انظر الأمثلة الإضافية التالية:
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ                                                                                                      آل عمران 167
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ                       آل عمران 195
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ    النساء 12
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا                                                                                                                  النساء 66
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا                                                 النساء 71
وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا                                        النساء 112
لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا                                                                                                            النساء 114
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا                                                        النساء 128
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ      النمل 7