فهرس المقالة
- تمهيد: فرعون الطفولة وفرعون الرسالة
- خروج موسى الأول من المدينة (إلى الأرض المباركة)
- خروج موسى الثاني من المدينة (إلى مدين)
- فرعون الرسالة: من هو هذا الرجل؟
- تبعات هذا الظن: أهل العلم من آل فرعون
- دور امرأة فرعون وعلمها
- علم فرعون وقارون: تساؤلات للمستقبل
- الهوامش
تمهيد: فرعون الطفولة وفرعون الرسالة
حاولنا في الجزء السابق من هذه المقالة تقديم جملة من الافتراءات لإثبات زعمنا في الحاجة للتمييز بين فرعون الطفولة (من التقط موسى من اليم وتربى عنده ولبث سنين من عمره وفي آله) وفرعون الرسالة (من عاد إليه موسى برسالة من ربه ليقول له وأخوه هارون قولاً لينا). وافترينا الظن بأن أبناء بني إسرائيل كانوا يُقَتّلون زمن ذاك الفرعون الأول (فرعون الطفولة) لأن العداء بين آل فرعون وبني إسرائيل آنذاك كان عداء على الحكم. فبعد أن استتب الحكم لبني إسرائيل فترة من الزمن في مصر بعد هلاك يوسف جاءت – في ظننا- ثورة المصريين (الفراعنة أهل البلد) لتطيح بحكم ملوك بني إسرائيل، وما أن وصل الفراعنة إلى الحكم حتى أخذوا يُقَتّلون أبناء بني إسرائيل في أرض مصر لأنهم- ببساطة- كانوا أعداءهم السياسيين، فالمتتبع للنصوص القرآنية يجد أن تقتيل أبناء بني إسرائيل حينئذ لم يكن من قِبل فرعون فقط ولكن من قِبل آل فرعون:
(سورة البقرة)
(سورة الأعراف)
(سورة الأعراف)
(سورة إبراهيم)
(سورة القصص)
(سورة إبراهيم)
ولما كَبُر موسى ووجد أن آل فرعون لا يزالون يُعْمِلون التقتيل في أبناء بني إسرائيل نصّب من نفسه الشخص الذي يريد الإصلاح كما جاء على لسان من أراد موسى أن يبطش به:
(سورة القصص)
ولكن ذلك الفعل من موسى (أي الإصلاح) ما كان ليرضي فرعون وآل فرعون، فأصبح موسى عدوا لذاك الفرعون الذي كان أصلاً عدواً لله:
(سورة طه)
افتراء من عند أنفسنا: لذا نحن نظن أن الله ما كان ليرسل رسولين لهذا القاتل وهو أصلاً عدواً له. فموسى – في ظننا- لم يأتِ رسولاً لهذا الفرعون الذي كان في الأصل عدواً لله (عَدُوٌّ لِي) وأصبح بعد ذلك عدواً لموسى (وَعَدُوٌّ لَهُ). ولكنه جاء لفرعون آخر سنتحدث عنه بعد قليل بحول الله وتوفيقه.
خروج موسى الأول من المدينة (إلى الأرض المباركة)
دور امرأة فرعون وموتها
وفي خضم هذه الأحداث، تختار امرأة فرعون الموت على الحياة كي لا تبقى امرأة لهذا المتجبر عدو الله:
(سورة التحريم)
وبموت هذه المرأة الطاهرة، لم يجد موسى من يكفّ عنه أذى آل فرعون (وليس أذى فرعون فقط)، فالمرأة أصلاً أنقذت موسى (بتدبير من الله) من آل فرعون الذين كانوا سيقتلونه وهو لا يزال طفلاً:
(سورة القصص)
فالمدقق بالنص يجد أن الذي كاد أن يقتل موسى وهو لا يزال طفلاً هم آل فرعون (وليس فرعون نفسه)، لذا جاء الزجر للقوم من المرأة نفسها للقوم (لَا تَقْتُلُوهُ). لذا كانت هذه المرأة هي المدافعة عن موسى في وجه آل فرعون. فما كان آل فرعون يستطيعون إلحاق الأذى بموسى وهذه المرأة على قيد الحياة.
ولو تدبرنا النص جيداً لوجدنا أنها استخدمت حجة المنفعة الجماعية لتسكت غضب القوم (عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا). ولو حاولنا ربط ما جاء في هذه الآية الكريمة بالسياقات القرآنية الأخرى ذات الدلالة هنا لوجدنا أنها الحجة نفسها التي استخدمها من اشترى يوسف في أرض مصر:
(سورة يوسف)
فكان عندها التمكين ليوسف في أرض مصر:
والتعليم:
افتراء من عند أنفسنا: وبالمنطق نفسه نقول أن امرأة فرعون قد استخدمت الحجة نفسها للحفاظ على موسى (عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)، لذا لا نتردد أن نفتري الظن بأن التمكين لموسى حصل آنذاك، وكان تعليمه أيضاً هناك. ولكن هذا التمكين لم يكن يعني استتباب الأمر لموسى كليًا، فقد حصل التمكين ليوسف (من قبله) في الأرض نفسها، ولكن ذلك لم يمنع أن يسجن يوسف في أرض مصر:
(سورة يوسف)
لذا نحن نفتري الظن أنه بدل أن يسجن موسى في أرض مصر (كما كان نصيب يوسف) هرب من المدينة كلياً بعد وفاة تلك المرأة التي كانت تدافع عنه لتحميه من آل فرعون، فموسى لم يجد بداً من أن يخرج من المدينة ما دام أن أقرب الناس إليه قد مات، ولم يعد موسى إلى المدينة – في ظننا- إلا بعد أن سمع بموت هذا الطاغية (الفرعون الأول)، وكان ذلك على حين غفلة من أهل المدينة. (للتفصيل يُنظر في الجزء السابق من هذه المقالة)
عودة موسى بعد موت فرعون الأول
افتراء من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن موسى عندما خرج من المدينة في المرة الأولى ذهب إلى الأرض المقدسة وهناك بلغ أشده وآتاه الله الحكم والعلم:
(سورة القصص)
وما أن يسمع موسى بخبر هلاك ذاك المتجبر حتى يعود إلى المدينة وهي لا تزال في حالة فوضى سياسية لأن ذاك الفرعون لم يكن له ولد من صلبه، ليكون وريثاً شرعيا لينتقل العرش إليه بسهولة. فيبقى الناس في المدينة على حين غفلة حتى يصل فرعون جديد إلى الحكم، وفي هذه الأثناء يدخل موسى المدينة من جديد، ليجد أن بني إسرائيل قد حاولوا الوقوف في وجه الفراعنة من جديد، فكانت المدينة شيعاً:
(سورة القصص)
وما أن يدخل المدينة حتى يجد من يستنصره من شيعته (من بني إسرائيل) على من هو من عدوه (من آل فرعون المناصبين لهم العداء)، فما يتردد موسى عن نصرته، فيقوم بوكز الرجل الذي من عدوه فيقضي عليه:
(سورة القصص)
ويأتيه الرجل الصالح (الذي سنرى لاحقاً قصته بحول الله وتوفيقه) ليحذره من الملأ الذين يأتمرون به ليقتلوه:
(سورة القصص)
فيخرج موسى من المدينة خائفاً ليس لينجو من فرعون وإنما لينجو من القوم الظالمين:
(سورة القصص)
ولو حاولنا ربط ما جاء في هذه الآية الكريمة على لسان موسى الذي يطلب النجاة مع ما قالت امرأة فرعون عندما طلبت النجاة:
(سورة التحريم)
لوجدنا أن حديث امرأة فرعون تطلب النجاة من (1) فرعون وعمله و (2) من القوم الظالمين. بينما جاء حديث موسى ليطلب النجاة من القوم الظالمين فقط، ليكون السؤال على النحو التالي: أين إذن فرعون الآن؟ ولِمَ لم يطلب موسى النجاة من فرعون؟ ولِمَ طلب النجاة من القوم الظالمين فقط؟
رأينا: لقد كان فرعون الأول في عداد الأموات وكانت المدينة لا تزال بدون حاكم، وكان الأمر برمته بيد القوم الظالمين (أي آل فرعون).
خروج موسى الثاني من المدينة (إلى مدين)
وما أن يقتل موسى الرجل ويأتيه الرجل الصالح ليحذره من الملأ (القوم الظالمين) حتى يخرج موسى من المدينة مرة أخرى، ونحن نفتري الظن بأن موسى لم يمكث في المدينة هذه المرة سوى ليلة واحدة، فموسى يدخل المدينة فيقتل رجلاً:
(سورة القصص)
فيقضي ليلته في المدينة، ولكن يحل عليه الصباح وهو خائف يترقب:
(سورة القصص)
وفي اليوم التالي يستصرخه ذلك الرجل مرة أخرى (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) فيهمّ موسى بقتل رجلٍ آخر من آل فرعون لولا أن ذلك الرجل هو من نبّه موسى إلى سوء فعلته كما فعلها بالأمس:
(سورة القصص)
وهنا يعود موسى إلى رشده على الفور، فلا يقتل الرجل لأن موسى أراد أن يكون مصلحاً في الأرض ولم يرد أن يكون جباراً فيها. ويأتيه الرجل الصالح ليحذره من مؤامرة الملأ من آل فرعون:
(سورة القصص)
المكث في مدين والتكليف الإلهي
وهنا ينطلق موسى ليخرج من المدينة على الفور، ولكنه لا يتجه هذه المرة إلى الأرض المباركة من حيث أتى بالأمس، ويتخذ طريقًا جديدًا، ويدعو ربه أن يهديه سواء السبيل، فتحط به الرحلة الجديدة في أرض مدين هذه المرة:
(سورة القصص)
وهناك يتزوج موسى ويمكث سنين من عمره في مدين:
(سورة القصص)
وما أن ينهي الأجل حتى يسير بأهله قاصداً الأرض المباركة باحثاً عن الهدى1، فيجد ذلك عند النار في الواد المقدس.
(سورة طه)
(سورة القصص)
وهناك يجد موسى ربه منادياً له:
(سورة القصص)
ليكلّفه بمهمة الذهاب إلى فرعون بعد أن يجري له الآيات:
(سورة القصص)
فيطلب العون من الله بأن يرسل إلى هارون خوفاً من الذنب الذي لآل فرعون عليه:
(سورة القصص)
فرعون الرسالة: من هو هذا الرجل؟
نحن نظن أن الله قد أرسل لهذا الفرعون الثاني رسولين لأنه قد طغى:
(سورة طه)
(سورة طه)
(سورة النازعات)
افتراء من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن الله أرسل رسولين لهذا الفرعون الذي طغى، وهنا تبدأ قصة موسى مع هذا الفرعون الجديد، الذي نزعم أنه لم يُقَتِّل أبناء بني إسرائيل ولكنه عبّدهم:
(سورة الشعراء)
تساؤلات
- فمن هو هذا الفرعون الجديد الذي عبّد بني إسرائيل؟
- ولماذا طغى؟
- ولماذا أرسل الله إليه رسولين بدلاً من رسول واحد؟
- ولماذا أمر الله موسى وأخاه هارون أن يقولا له قولاً لينا؟
- وهل كان من الممكن أن يتذكر أو أن يخشى؟
- ولماذا أسلم هذا الفرعون عندما أدركه الغرق؟
- ولماذا نجّاه الله ببدنه؟
- ولماذا جعله الله آية للناس؟
- الخ.
هذه هي الأسئلة التي سنحاول النبش فيها في هذا الجزء من المقالة، سائلين الله وحده أن يعلمنا من لدنه علماً لا ينبغي لغيرنا، وأن يعلمنا قول الحق الذي نقوله فلا نفتري عليه الكذب إنه هو السميع المجيب)
أما بعد
الطغيان القائم على العلم
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن هذا الفرعون كان رجلاً صاحب علم، ولكنه استخدم علمه بالدعوة لنفسه، فكان هو من أضل قومه وما هدى:
(سورة طه)
لذا نحن نظن أن السبب الذي من أجله بعث الله لهذا الفرعون رسولين هو أنه ببساطة كان قد طغى:
(سورة طه)
(سورة طه)
(سورة النازعات)
ونحن نظن أن الطغيان يكون بإخفاء الحقيقة ولا يتم ذلك إلا عن علم:
(سورة العلق)
ولو راجعنا هذه السورة الكريمة لوجدنا أن الخيار أمام من علّمه الله يكون بواحدة من اثنتين:
- أن يكون على الهدى ويأمر بالتقوى:
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ ﴿٩﴾ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ ﴿١٠﴾ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ ﴿١١﴾ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ ﴿١٢﴾
(سورة العلق) - أو أن يكذب ويتولى:
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ﴿١٣﴾ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ ﴿١٤﴾ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴿١٥﴾ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴿١٦﴾ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴿١٧﴾ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴿١٨﴾ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ۩ ﴿١٩﴾
(سورة العلق)
الدليل
أولاً، ها هو فرعون يسأل موسى مباشرة عن القرون الأولى:
(سورة طه)
افتراء من عند أنفسنا: لو لم يكن عند ذلك الرجل علماً، لما جادل موسى في ذلك.
ثانياً، ها هو موسى يرد عليه بمنتهى العقلانية والعلم:
(سورة طه)
ثالثاً، لا يتردد موسى أن يقدم له الآيات كلها التي جاءه بها من عند ربه:
(سورة طه)
رابعاً، ها هو موسى يريه الآية الكبرى:
(سورة النازعات)
ولكنّه يكذّبها ويأبى إلا أن يكون ممن تولى وكفر، وينسب ذلك كله إلى السحر:
(سورة طه)
نتيجة خطيرة جداً: إذن، نحن نظن أن فرعون هذا كان رجلاً صاحب علم، ولكن بدل أن يستخدم هذا العلم في هداية قومه كان هو سبب ضلالهم وعدم هدايتهم.
فما هو مصدر علم هذا الرجل؟ وكيف اكتسب هذا الرجل العلم؟
مصدر علم فرعون: ميراث النبوة
تصورات من خيالنا: نحن نظن أن الفرعون الأول الذي أطاح بحكم ملوك بني إسرائيل في أرض مصر كان رجلاً عسكرياً، وكان همّه الأول والأخير (كما هو حال العسكر على مر العصور) الوصول إلى السلطة، فما كان يشغله شيء سوى استتباب الحكم له، وكان ذلك غير ممكن إلا بالقضاء المبرم على بني إسرائيل، فأخذ وآله يُقَتّلون أبناء بني إسرائيل ويستحيون نساءهم، فانتقل حكم مصر بأكمله إلى آل فرعون.
افتراء خطير من عند أنفسنا: نحن نظن أنه بانتقال الحكم إلى آل فرعون انتهى إليهم جل (إن لم يكن كل) ما كان موجودا في بيوت ملوك بني إسرائيل في أرض مصر. فسيطر آل فرعون على مقتنيات بني إسرائيل القديمة التي ورثوها من أيام حكم يوسف. ولكن ما فائدة هذا الظن؟
رأينا: لا يجب أن ننسى أن يوسف نفسه هو وريث آل إبراهيم. فوالده يعقوب وجدّه إسحاق هما من جعل الله في ذريتهم النبوة (حيث انقطعت من بيت إسماعيل). أليس كذلك؟
(سورة العنكبوت)
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن ميراث النبوة (الذي كان موجوداً في بيوت ملوك بني إسرائيل في أرض مصر) قد انتهى إلى بيوت آل فرعون. فكان ذلك في ظننا المفترى هو مصدر علم هذا الفرعون الطاغية، لا بل ومصدر علم أصحاب النفوذ في آل فرعون وهم فرعون نفسه وقارون وهارون.
تبعات هذا الظن: أهل العلم من آل فرعون
فرعون وقارون وهارون: صلات القربى
أولاً، نحن نفتري الظن أن هذه الأسماء الثلاثة هي أسماء فرعونية تنتمي إلى عائلة الحكم من أهل مصر الأصليين (أي الفراعنة).
فلقد افترينا سابقاً القول أن هارون هو أخ موسى غير الشقيق (أي من أمه)، وهو من تربى موسى معه يوم أن كان في بيوت بني إسرائيل. فموسى لا يحمل اسماً فرعونياً لأننا نظن أنه لم يكن من آل فرعون وإن كان قد تربى في بلاطهم4.
ثانياً، نحن نفتري الظن أن هناك صلة قرابة قوية جداً بين فرعون وقارون (ونظن أنهما ربما كانا إخوة، تربيا معاً)
ثالثاً، نحن نظن أن هناك صلة قرابة بين هارون من جهة (أخ موسى غير الشقيق) وفرعون وقارون من جهة أخرى، (ونظن أنهم أبناء عمومة).
تصور لكيفية وصول فرعون وقارون للسلطة
تخيلات من عند أنفسنا: بعد أن سوّقنا جملة من الافتراءات من عند أنفسنا، دعنا نتصور المشهد على النحو التالي:
بعد أن مات الفرعون الأول (الذي قاد الثورة ضد حكم ملوك بني إسرائيل في أرض مصر) لم يكن له وريث من صلبه (فامرأته تبنت موسى ولداً لهما):
(سورة القصص)
فحرّم الله على موسى المراضع حتى أعاده إلى حضن أمه:
(سورة القصص)
وتربى موسى في أهل البيت الذين كفلوه:
(سورة القصص)
وكان أهل ذلك البيت هم – في ظننا- بيت نبي الله ذي الكفل، الذي آثر أن لا يظهر إسلامه ليربي موسى بنفسه، فتربى موسى في كنف ذي الكفل والد هارون، فنشأ موسى مع هارون في طفولته:
(سورة طه)
فكانت تلك هي الفترة التي مكّن الله لموسى في الأرض كما كان حال يوسف بسبب حماية امرأة فرعون له:
(سورة القصص)
فانظر – عزيزي القارئ- التقابل مع حالة يوسف:
(سورة يوسف)
نتيجة: نحن نظن أن موسى تربى مع هارون في بيت واحد، ويدلل على ظننا هذا ما جاء في الآيات الكريمة التالية:
(سورة طه)
ولكن بالمقابل كان هناك بيت آخر من بيوت آل فرعون يسكنه فرعون (الجديد) وقارون. ولو راقبنا السياق القرآني التالي لوجدنا أن ذكر قارون قد سبق ذكر فرعون نفسه:
(سورة العنكبوت)
رأينا: لا أظن أن هذا ممكن إلا أن يكون هناك صلة قرابة بينهما أقوى من المكانة السياسية لكل منهما. لذا نحن نفتري الظن بأنه لما كان فرعون هو "ربهم" المطاع، لذا يستحيل أن يتقدم شخص عليه ما لم يكن له مكانة خاصة جداً تؤهله لذلك السبق في الذكر.
ولو راقبنا النص القرآني لوجدنا أن هؤلاء جميعاً (موسى وهارون من جهة) و (قارون وفرعون) من جهة أخرى كانوا أصحاب علم. ولكن لماذا؟
رأينا: لأنهم ببساطة هم من حطّ في بيوتهم ما تبقى من ميراث النبوة والكتاب من بيوت الملوك (بني إسرائيل). ومن هناك حصل كل منهم على علمه. ولكن الفرق الوحيد يكمن في أنه في حين أن موسى وأخاه هارون لم يستخدما علمهما لخدمة مصالحهم الذاتية الشخصية، كان ذلك ما بدر من فرعون وقارون.
تخيلات من عند أنفسنا: حصل هؤلاء الأربعة (موسى وهارون من جهة وفرعون وقارون من جهة أخرى) على العلم المتوارث من بيت النبوة في بيوت ملوك بني إسرائيل. ولما مات الفرعون الأول أصبح هناك خلاف على الحكم، فبقيت المدينة على حين غفلة. وكان موسى خارجاً منها، فكان الصراع على الحكم – في رأينا- منحصراً في هؤلاء الثلاثة (هارون وفرعون وقارون). ولمّا كان هارون هو الحلقة الأضعف لأن موسى كان خارجاً مطروداً، لم يجد من يسانده للوصول إلى الحكم خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار موضوع العداوة لبني إسرائيل، لذا كانت الرغبة جامحة عند آل فرعون في أن يكون الحكم من البيت الثاني (قارون وفرعون)، لأنهم برأينا وهم الأشد عداوة لبني إسرائيل، فذهبوا إلى اقتسام النفوذ، فكان الحكم من نصيب فرعون وكانت الثروة من نصيب قارون، ولم يستطع هارون الوقوف في وجههم، فبقي صامتاً (كحالة والده ذي الكفل من قبله) حتى جاءته الرسالة بطلب من موسى المباشر من ربه.
كيف استخدم كل منهم العلم الذي تحصل لهم من ميراث النبوة؟
- فرعون: طغى (اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ)، فكتم العلم عن القوم (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ)
- قارون: بغى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ)ۖ فأنكر مصدر العلم الذي بواسطته كان يملك الثروة العظيمة ونسبه لنفسه (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي)
- هارون: حاول الإصلاح بالقول (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا)، وبقي ينتظر ما يأتيه من أوامر من ربه
- موسى: حاول الإصلاح بالفعل، فخرج باحثاً عن الحل، فهرب من المدينة في المرة الأولى وخرج منها في المرة الثانية، حتى جاءه التكليف المباشر من ربه.
تخيلات من عند أنفسنا: نحن نتخيل أن ميراث النبوة الذي كان متواجداً في بيوت ملوك بني إسرائيل انتهى إلى بيتين من بيوت آل فرعون وهما:
- البيت الذي كان يسكنه موسى مع هارون (بيت ذي الكفل)
- البيت الذي كان يسكنه فرعون وقارون
ولما كان ذو الكفل رجلاً صاحب رجاحة عقل استخدم ذلك العلم بالطريقة الصحيحة، ولنرقب السياق القرآني التالي الذي يصور منطق هذا الرجل:
(سورة غافر)
لنخلص إلى ملاحظتين اثنتين هما:
- رجاحة عقل هذا الرجل المؤمن الذي يكتم إيمانه من آل فرعون وقوة حجته وهي التي - برأينا- لا تقل عن فصاحة هارون، فلا يستطيع قول مثل هذا الكلام إلا إنسان يملك الفصاحة والرأي والحجة في قومه
- العلم الغزير الذي توافر لهذا الشخص، فهو يتحدث عن ما حل بالأقوام السابقة (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ)، كما يتحدث عن يوسف نفسه (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ)، كما يدعو القوم إلى النجاة (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ)
فكان الخطاب في بيت هذا الرجل (حيث يسكن هارون وموسى) خطاباً إيمانياً.
لكن – بالمقابل – كان الخطاب في البيت الآخر (حيث يسكن قارون وفرعون) خطاب المتكبر المتسلط الذي لا يرى إلا نفسه وينسب العلم لنفسه:
... قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴿٢٩﴾
(سورة القصص)
ولكن يبقى السؤال قائماً: من أين جاء لهم العلم؟ وما هو العلم الذي جاءهم؟
دور امرأة فرعون وعلمها
قبل الحديث عن علم فرعون وقارون لابد من التعريج أولاً على قصة امرأة فرعون التي أنقذت (بتدبير إلهي) موسى من القتل على أيدي آل فرعون، لنطرح التساؤل التالي على الفور: كيف أسلمت هذه المرأة؟ ولماذا آثرت الموت على أن تبقى بصحبة ذلك المتجبر؟ ألم تكن هي السيدة الأولى؟ ألم يكن أمرها مطاع؟ فكيف بها تتخلى عن كل ذلك النعيم وتؤثر الموت على الحياة؟
رأينا: نحن نظن أن الإجابة على هذا التساؤل ربما يمكن استنباطها من الآية الكريمة التالية:
(سورة القصص)
فالمدقق في النص يجد أن المرأة تستخدم الحجة نفسها التي استخدمها من اشترى يوسف في أرض مصر:
(سورة يوسف)
ولا نجد هذه الحجة قد استخدمت من قبل شخص آخر في مكان آخر غير هذين السياقين اللذين يتحدثان عن "كفالة" طفل (لا أهل له يتولونه)، فيوسف وجد نفسه في أرض مصر لا أحد يدعي أنه ابن له، وهكذا كان حال موسى عندما التقطه آل فرعون من اليم. لنطرح عندها السؤال التالي: لِمَ استخدمت المرأة حجة ذلك الرجل نفسها؟
رأينا: نحن نظن من حيث المبدأ أن موقف هذه المرأة التي اتخذت من موسى ولداً لها مطابق تماماً لموقف ذاك الرجل الذي اتخذ من يوسف ولد له في أرض مصر، فكلاهما لا ولد ولا ذرية له، يعثر على غلام بالصدفة (كما قد تبدو للوهلة الأولى)، فيتخذ منه ولد له. ولكن يبقى السؤال قائماً: لِمَ استخدمت المرأة الحجة نفسها؟
رأينا: نحن نظن أن المرأة ما كانت لتستخدم تلك الحجة لو لم تكن على علم تام بقصة يوسف في أرض مصر، ونحن نظن أن علم هذه المرأة لا يقل عن علم ذلك الرجل الذي اتخذ من يوسف ولد له، ولكن كيف؟
رأينا: نحن نعلم أن الحادثتين حصلتا في أرض مصر، ونحن نعلم أيضاً أن ملك مصر قد انتقل إلى بني إسرائيل:
(سورة المائدة)
وكان ذلك بسبب يوسف:
(سورة يوسف)
ثم جاءت – في ظننا- ثورة الفراعنة لتطيح بحكم الملوك من بني إسرائيل في أرض مصر، فأصبح الحكم فرعونياً:
(سورة البقرة)
(سورة إبراهيم)
وقد ذكرنا آنفاً أنه عندما انتهى الحكم إلى آل فرعون، سيطر آل فرعون ليس فقط على الملك ولكن أيضاً على مقتنيات ملوك بني إسرائيل، فكان الحكم والعلم.
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن الحكم قد أصبح بيد فرعون الذي كان يحاول أن يبسط سيطرته على أرض مصر، وحصل آل فرعون على جزء كبير من مقتنيات ملوك بني إسرائيل، فانتهى جزء كبير من العلم إلى يد آل فرعون، ونحن نكاد نجزم الظن بأن ذلك القسط من العلم قد انتهى إلى يد ذي الكفل وامرأة فرعون نفسها. وقد افترينا سابقاً أن هناك رابطة دم قوية بين امرأة فرعون الأول وذي الكفل (ذلك الرجل المؤمن من آل فرعون الذي يكتم إيمانه)، وظننا أن امرأة فرعون هي أخت نبي الله ذي الكفل الذي تكفل موسى وتربى في بيته.
تخيلات من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن ذلك العلم الذي انتهى إليهما كان سببا رئيسياً في هدايتهما، وليس أدل على ذلك مما جاء على لسان ذي الكفل (الرجل الذي يكتم إيمانه من آل فرعون) ليدعو قومه إلى طريق النجاة:
(سورة غافر)
فهذا – في ظننا- كلام لا يصدر إلّا ممن كان عنده علم من الكتاب.
تحليل حجة امرأة فرعون
ولكن يبقى البحث هنا منصباً على حجة امرأة فرعون نفسها:
(سورة القصص)
فالمتدبر للنص يجد أن المرأة تضع واحد من خيارين وهما:
- عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا
- أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا
فما معنى هذا الكلام؟ كيف سينفع طفل كهذا آل فرعون؟ ولماذا ستتخذ المرأة من هذا الغلام ولدا؟
معنى حرف العطف أَوْ
غالباً ما خلط الناس – في رأينا- بين حروف العطف الثلاثة التالية التي تستخدم للحديث عن التثنية (أي وجود طرفين أحدهما يسبق حرف العطف والآخر يلحق به، أو ما يرغب أهل اللغة بتسميته بالمعطوف والمعطوف عليه):
- و : نحن نظن أن حرف العطف الأول (و) يدل على الجمع بين الطرفين، ليحصلا معاً، لأن فيه معنى الإضافة كما في الأمثلة التالية:
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ ﴿٦٨﴾
(سورة الزمر) - أو : أما حرف العطف (أو) فيفيد التخيير بأحد الطرفين (أو كلاهما معاً) كما في الأمثلة التالية:
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٢٤﴾
(سورة سبأ)ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴿١٥٨﴾
(سورة البقرة)لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٢٨٦﴾5
(سورة البقرة) - أم : بينما يفيد حرف العطف (أم) حتمية وجود أحد الطرفين دون الآخر كما في الأمثلة التالية:
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٤﴾
(سورة الأحقاف)أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ ۚ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ
قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
لهذا نحن نفتري الظن أن امرأة فرعون كانت تقصد (كما الرجل الذي اتخذ من يوسف ولدا) أن يتحقق لها أحد الأمرين أو الأمرين معاً وهما:
- أَن يَنفَعَنَا
- نَتَّخِذَهُ وَلَدًا
مفهوم المنفعة والتبني
ما هي المنفعة؟
أولاً، نحن نظن أن المنفعة قد تكون مادية دنيوية أو دينية أخروية:
(سورة البقرة)
(سورة البقرة)
(سورة البقرة)
ثانياً، نحن نظن أن ما ينفع يمكث في الأرض مصداقاً لقوله تعالى:
(سورة الرعد)
افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن امرأة فرعون كانت تظن أن الذي يمكث في الأرض هو ما يمكن أن ينفع الناس، وأظنها أنها أرادت أن تكون وراثة الأرض في موسى لأنها ظنت أن فيه النفع بالضبط كما كان الحال بالنسبة ليوسف عندما أراده من اشتراه من مصر أن يكون نافعاً لهم. فمكث يوسف في تلك الأرض فلم يخرج منه، وكان في ذلك تمكين ليوسف في الأرض:
نحن نظن أن المرأة كانت على ثقافة دينية واسعة، فلا أظنها تغفل عن قول الحق في الآيات الكريمة التالية:
(سورة الشعراء)
(سورة الممتحنة)
لنصل إلى الافتراء الخطير جداً التالي: نحن نظن أن المرأة كانت تريد البقاء على حياة موسى لمنفعة دنيوية بحتة، فما هي تلك المهمة التي تريدها المرأة لموسى؟ وكيف تحقق لها ما أرادت؟
(هذا ما سنحاول الإجابة عليه لاحقاً بحول الله وتوفيقه، لكننا نريد أن نعود الآن إلى موضوع علم فرعون وقارون، لنطرح سؤالاً واحدا ألا وهو: ما هو مصدر علم فرعون الرسالة وعلم قارون صاحب الكنوز الوفيرة.
علم فرعون وقارون: تساؤلات للمستقبل
رأينا: للإجابة على هذا السؤال لا بد من العودة بالقصة إلى بدايتها وطرح الأسئلة تباعاً، ولابد من ربط الأمر في جميع سياقات القرآن ذات الدلالة.
افتراء خطير جداً: نحن نظن أن فهم ماهية علم فرعون (الرسالة) وقارون تتطلب منا طرح تساؤلات حول قصة موسى مع صاحبه الذي ذهب إليه موسى ليطلب العلم عنده:
(سورة الكهف)
لنجد أن في قصة ذاك الرجل علم بنبوءة بما سيحصل (قصة السفينة) وفيها قصة قتل نفس (الغلام) وفيها قصة كنز (اليتيمين).
للإجابة على هذه التساؤلات لابد من التعرض لشخصية ذاك الرجل الذي ذهب موسى بنفسه ليطلب صحبته ولم يستطع الصبر عليها.
هذا ما سنحاول أن نقحم أنفسنا فيه في الجزء القادم من هذه المقالة تحت عنوان "قصة موسى 4: باب العزير". فالله وحده أسأل أن يؤتيني وعليًّا رحمة من عنده وأن يعلمنا من لدنه علماً لا ينبغي لأحد من بعدنا إنه هو السميع العليم.
المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
بقلم: د. رشيد الجراح
30 نيسان 2013
د. رشيد الجراح
مركز اللغات
جامعة اليرموك
الهوامش
- فلقد افترينا سابقاً أن موسى لم يكن قاصدا العودة إلى أرض مصر بعد أن أنهى الأجل في مدين، فموسى لم يكن ليضع نفسه وأهله معه في يد آل فرعون لقمة سائغة لهم، فعندما أمره الله بالذهاب إلى أرض مصر:
وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٠﴾ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ ﴿١١﴾تردد موسى قليلا لأنه لم ينسَ فعلته التي فعلها، فالقوم لهم عليه ذنب باعتراف موسى نفسه:وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴿١٤﴾↩
- لاحظ أن يوسف طلب من إخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين:
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩٣﴾وبهذا يكون بنو إسرائيل قد نقلوا كل ما كانوا يملكون إلى أرض مصر عندما ذهب يعقوب بنفسه لملاقاة ولده يوسف. ↩
- وسنرى لاحقاً (بحول الله وتوفيقه) ما فعل آل فرعون ببيوت بني إسرائيل في أرض مصر، فالله اسأل أن يأذن لنا الإحاطة بعلم من لدنه إنه هو السميع العليم ↩
- نحن نظن أن اسم موسى له علاقة بالماء، فالغلام وجد في الماء، ولكنه أيضاً عاش على اليابسة. فهو الطفل الذي لم تغرقه الماء، فكان بكلمات بسيطة برمائياً (أي طفل البر والماء أو amphibian باللسان الأعجمي)، وسنتحدث عن أسماء الأشخاص الذين جاء ذكرهم في القرآن بشيء من التفصيل لاحقاً بحول الله وتوفيقه، فالله أسأل أن يعلمني من لدنه علماً لا ينبغي لغيري إنه هو السميع المجيب. ↩
- انظر الأمثلة الإضافية التالية:
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ﴿١٦٧﴾
(سورة آل عمران)فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴿١٩٥﴾
(سورة آل عمران)وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴿١٢﴾
(سورة النساء)وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴿٦٦﴾
(سورة النساء)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا ﴿٧١﴾
(سورة النساء)وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴿١١٢﴾
(سورة النساء)لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١١٤﴾
(سورة النساء)وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿١٢٨﴾
(سورة النساء)إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿٧﴾↩
(سورة النمل)