لماذا نصلي خمس مرات في اليوم والليلة؟ الجزء الخامس


فقه الصلاة – الجزء الخامس

دعنا نبدأ الجزء الخامس من هذه المقالة بالعودة إلى الحديث عن فقه الصلاة، خاصة ما يتعلق منها بالتساؤلات التالية:

1. الأقوال والحركات في الصلاة

2. عدد الركعات

3. علاقة الصلاة بالعبادات الأخرى وخاصة الزكاة

4. الخ

باب ما بين الجهر والمخافتة في الصلاة مقابل باب ما دون الجهر من القول

تحدثنا في الجزء الأول من هذه المقالة عن الفرق بين الصلاة وإقامة الصلاة، وزعمنا الظن بأن الصلاة الحركية تقع في باب إقامة الصلاة كما جاء في الآيات الكريمة التالية:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)

وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)


وفعل إقامة الصلاة يتطلب الغسل لها (أو ما يسمى بالوضوء بين الناس) كما جاء في الآية الكريمة التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)

وزعمنا الظن بأن الصلاة كانت على جميع المؤمنين بالله كتابا موقوتا:

فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103)

فهي ليست عبادة خاصة بدين محمد، ولكنها شريعة كل الرسل من قبله:

وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (12)

لكن المشكلة باتت في من سبقنا عندما أضاعوا هذه الشعيرة العظيمة:

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 1: كانت الصلاة على الدوام كتابا موقوتا على كل المؤمنين من عند نوح وحتى محمد

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا 2: أضاع الخلف من بعد الرسل السابقين هذه العبادة العظيمة

لما جاءت رسالة محمد، عادت هذه الشعيرة إلى جدول أعمال المؤمنين بربهم، فكانت حاضرة على الدوام في سجلهم اليومي، فما انقطعت هذه العبادة العظيمة يوما من حياة المؤمنين بربهم، المتبعين لشريعة محمد.

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: لما جاء محمد بهذه الشريعة، لم تفرض الصلاة على المؤمنين منذ اليوم الأول، فظلت الدعوة إلى التوحيد (نحن نتخيل) هي جوهر رسالة محمد حتى كانت حادثة الإسراء:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)

وفي تلك الليلة العظيمة حصل (نحن نتخيل) التعليم الإلهي لمحمد كما جاء في الآيات الكريمة التالية:

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)

فنزل الروح الأمين بالكتاب كله على قلب محمد:

وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199)

ولكن كان الطلب الإلهي من محمد أن لا يحرك به لسانه ليعجل به، فكان محمد مطالبا أن يتبع من القرآن ما يقرأ عليه فقط:

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)

فكان الوحي هو من يقرأ على محمد ما يجب عليه أن يخرجه من هذا الكتاب العظيم في كل مرحلة زمنية حينئذ. فكان قرآنا مفرقا، فقرأه محمد على مكث:

وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106)

فأصبح لزاما أن لا يعجل محمد بالقرآن مرة واحدة من قبل أن يقضى إليه وحيه:

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)

الخلاصة: إن من أهم الاستنباطات المفتراة من عند أنفسنا (ربما مخطئين) بأن علم ما في الكتاب كله قد جاء محمدا جملة واحدة، فكان ذلك سببا في أن يثبت الله به قلب محمد:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)

وعندما بدأ محمد تطبيق ما يوحى إليه، كانت التشريعات تتدرج شيئا فشيئا بناء على ما كان يقرأ الوحي منه على محمد، فعندما نزل عليه قول الحق:

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)

أقام محمد فيمن حوله من المؤمنين صلاتين هما صلاة الفجر التي ينقضي وقتها عندما تدلك الشمس (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) وصلاة العشاء التي ينتهي وقتها مع غسق الليل (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)، فأقام محمد صلاتين اثنتين، هما صلاة الفجر وصلاة العشاء:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)


نتيجة مفتراة من عند أنفسنا مهمة جدا جدا: كانت الصلاة الأولى هي صلاة الفجر

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا مهمة جدا جدا: كانت الصلاة الأخيرة هي صلاة العشاء

وعندما أوحي إلى محمد الآية الكريمة التالية:

وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)

أقام الرسول الكريم فيمن حوله من المؤمنين ثلاث صلوات أخرى في اليوم والليلة، فكانت صلاتان في طرفي النهار (الظهر والعصر) وصلاة ثالثة زلفا من الليل (المغرب). فأصبح مجموع الصلوات التي يقيمها محمد في المؤمنين من حوله هي خمس صلوات في اليوم والليلة:

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)

وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)


(للتفصيل انظر الجزء الأول من هذه المقالة).

ولما كان محمد يقيم الصلاة فيمن حوله من المؤمنين، كان لزاما أن يُوحى إليه كيفية إقامة هذه الصلاة، فكان (نحن نرى) من أول ما نزل على محمد في هذا الصدد (نحن نتخيل) هو قول الحق:

قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110)

فكان محمد يصلي فيمن حوله، فلا يجهر بصلاته ولا يخافت بها، ولكنه كان يبتغي بين ذلك سبيلا. فكان المؤمنون من حوله (نحن نتخيل) يسمعون ما يقول محمد في صلاته كما يشاهدون حركاته في الصلاة. وظل هذا السلوك سائدا حتى نزل قول الحق في الآية الكريمة التالية:

وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)

فأصبح محمد يصلي بما دون الجهر من القول (أي سرية) في الصلاة التي يقيمها لهم بالغدو والآصال.

ولو تتبعنا معاني مفردتي الغدو والآصال من كتاب الله، لوجدنا أن الغدو هو ما يتبع أول النهار (أي فترة الغداء)، بدليل أنه في هذا الوقت يتم تبوء المؤمنين للقتال:

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)

وهو الوقت الذي كان يبدأ به سليمان رحلته إلى الأرض المباركة:

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
وبكلمات أكثر دقة، فإننا نفهم أن الغدو هو وقت يكون فيه حاجة للظل (من حر الشمس):

وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15)

ولا يكون الظل فقط في وقت الغدو (الظهيرة) وإنما أيضا في وقت الآصال. واقرأ عزيزي القارئ – إن شئت- الآية الكريمة مرة أخرى:

وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15)

وفي هذين الوقتين شرع الله للمؤمنين أن يذكروا اسم الله في المساجد:

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)

نتيجة مفتراة 1: جاء التشريع الإلهي بأن يذكر المؤمن ربه بالغدو (وقت الظهر) والآصال (وقت العصر) في نفسه دون الجهر من القول. فكانت صلاة سرية في الظهر والعصر

وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)


نتيجة مفتراة 2: ظل المؤمنون يذكرون الله في الصلوات الثلاث الأخرى فيما بين الجهر والمخافتة، فكانت صلاة جهرية في الفجر والمغرب والعشاء:

قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (110)

باب: كيفية النداء للصلاة (الآذان)

لو تفقدنا الآيات الكريمة، لوجدنا بأن المؤمنين مطالبين بصريح اللفظ القرآني بالنداء لهذه الصلوات:

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58)


فكان من الضروري أن يتعلم المؤمنون من حول الرسول الكريم كيفية النداء للصلاة في هذه الأوقات، فشرع الآذان على النحو التالي:

الله أكبر

أشهد أن لا إله إلا الله

أشهد أن محمدا رسول الله

حي على الصلاة

حي على الفلاح


السؤال: لماذا جاء النداء للصلاة على هذا النحو؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: لو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن النداء حاضر للصلاة في يوم الجمعة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9)

فكان لزاما الفهم أن المناداة للصلاة تحمل في ثناياها ذكر الله (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ). وجاء الحديث عن ذكر الله في أوقات الصلاة كلها:

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)

وهذا ما جاء على لسان موسى يوم أن دعا ربه أن يرسل إلى هارون:

وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34)

ففي إقامة الصلاة ذكر الله، وفيها أيضا تسبيح الله. وقد افترينا الظن في جزء سابق من هذه المقالة بأن ذكر الله يتم بالصلاة المفروضة (أو ما يسمى بين العامة بصلاة الفرض) وتسبيحه يتم في الصلاة المندوبة (أو ما يسمى بين العامة بصلاة السنة)

(للتفصيل انظر الأجزاء السابقة من هذه المقالة)

السؤال: كيف يتم ذكر الله؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن ذكر الله يتم بالعبارة التالية: الله أكبر

السؤال: وكيف يتم تسبيح الله؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن تسبيح الله يتم بالعبارة التالية (سبحان الله)

السؤال: وكيف يذكر اسم الله في المساجد بناء على ما جاء في الآية الكريمة التالية؟

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)

السؤال مرة أخرى: كيف يتم ذكر الله في بيوت الله؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن ذلك يتم برفع هذه الكلمة: الله أكبر.

السؤال: لماذا جاءت العبارة الأولى في الآذان على نحو "الله أكبر"

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن السبب في ذلك يمكن أن نفهمه مما جاء في قوله تعالى (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ):

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)

فذكر الله هو إذن أكبر من كل شيء غيره. ولو دققنا فيما قاله إبراهيم يوم كان باحثا عن ربه الحقيقي، لوجدنا بأنه كان يتخذ الرب بناء على من هو أكبر، فما أن رأى الشمس بازغة حتى قال بأن هذا هو ربه، لأنه أكبر:

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)


فنحن إذن نقول "الله أكبر" لأنه ليس هناك في الوجود من هو أكبر من الله. فكانت العبارة الأولى في المناداة للصلاة هي:

الله أكبر

السؤال: لم جاءت العبارة الثانية في الآذان على النحو التالي؟

أشهد أن لا إله إلا الله

جواب مفترى: لو تدبرنا الحوار التالي الذي يدور بين الله (رب العالمين) من جهة وعيسى بن مريم (المسيح) من جهة أخرى:

وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116)


لوجدنا أن رد عيسى بن مريم تمثل بكلمة واحدة وهي (سُبْحَانَكَ)، فما الذي نفهمه من هذا الرد؟

رأينا المفترى: جاء السؤال الإلهي لعيسى على النحو التالي:

وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ

فكان يكفي عيسى بن مريم أن يقول سُبْحَانَكَ لينفي عن نفسه تلك التهمة.

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن عيسى قد نفى عن نفسه تهمة أنه قد طلب من الناس اتخاذه وأمه إلهين من دون الله. فبمجرد قول عيسى لربه سُبْحَانَكَ فهو إذن قد نفى وجود الشريك مع الله الواحد الأحد.

نتيجة مفتراة: إن مجرد قولنا سبحان الله، فإن هذا يعني أننا ننفي يقينا بأن يكون مع الله شريك آخر، وفي الوقت ذاته نحن نثبت الوحدانية المطلقة لله.

السؤال مرة أخرى: ما معنى قول عيسى سُبْحَانَكَ؟ وما معنى قولنا على الدوام سبحان الله؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن مفردة سبحان الله تعني أن ليس هناك إله آخر يشرك مع الله. انتهى.

السؤال: وكيف يمكن أن نشهد بذلك عند رفع الآذان؟

رأينا: نحن نظن أن ذلك يتحقق بقولنا: أشهد أن لا إله إلا الله

الدليل

نحن مطالبون أن نشهد على الدوام لله بالوحدانية، ونحن مطالبون أن نشهد بذلك بأفضل طريقة، فما هي إذن الطريقة الأفضل للشهادة لله بالوحدانية؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الطريقة الأفضل هي الطريقة التي شهد الله لنفسه بها. فلو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن الله يشهد لنفسه بالوحدانية على النحو التالي:

شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)

فإذا كان الله قد شهد لنفسه بهذه العبارة (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ)، وإذا كان الملائكة وأولوا العلم قد شهدوا على شهادة الله نفسه (وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ)، فكيف يشهد كل واحد منا بذلك؟

رأينا المفترى: نحن نفتري القول بأن على كل مؤمن أن يشهد هو بنفسه بأنه لا إله الله، فكانت شهادتنا عند رفع الآذان هي شهادة صحيحة بوحدانية الله، فجاءت على النحو التالي:

أشهد أن لا إله إلا الله.

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19)

السؤال: لماذا جاء بعد ذلك في النداء للصلاة (أي الآذان) الشهادة لمحمد بالرسالة على النحو التالي؟

وأشهد أن محمدا رسول الله

رأينا المفترى: لما قرأنا في كتاب الله قوله تعالى:

مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)


أصبح لزاما علينا الإقرار لمحمد بالرسالة، أي أن محمدا هو رسول الله.

السؤال: لماذا وردت هذه الشهادة لمحمد في النداء للصلاة (أي في الآذان)؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: لو تدبرنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأن الله قد رفع لمحمد ذكره:

وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ

فكان لزاما أن يرفع ذكر محمد على الدوام، وليس أدل على ذلك - برأينا - مما نقوله في الآذان، وهي الشهادة لمحمد بالرسالة:

أشهد أن محمدا رسول الله

السؤال: لماذا جاء بعد ذلك قولنا:

حي على الصلاة؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن ذلك تطبيقا فعليا لما جاء في قوله تعالى:

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58)

فعبارة (حي على الصلاة) هي تطبيق عملي للمناداة للصلاة، فعندما يقول المنادي "حي على الصلاة"، فإنه بذلك ينادي على المؤمنين بالحضور إلى الصلاة.

السؤال: لماذا جاءت عبارة "حي على الفلاح" بعد المناداة للصلاة بقولنا "حي على الصلاة

رأينا المفترى: لو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأن المفلحين هم من كانوا في صلاتهم خاشعين:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)


فأصبح لزاما التذكير إلى أن الفلاح يكمن في إقامة الصلاة على وقتها.

فأصبح النداء للصلاة يتضمن الأمور التالية التي يوضحها الجدول التالي:
ذكر الله
الله أكبر:وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
تسبيح الله
أشهد أن لا إله إلا الله: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
رفع ذكر محمد
أشهد أن محمدا رسول الله: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ
المناداة إلى الصلاة
حي على الصلاة: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ
التذكير بفلاح المصلين
حي على الفلاح: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)

باب أوقات الصلاة

لقد أصبح واضحا (في ذهننا) أن الصلوات المفروضة على المؤمنين في اليوم والليلة هي خمس صلوات كما نفهم ذلك من منطوق الآيتين الكريمتين التاليتين:

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)

وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)


ونحن نكاد نجزم الظن (ربما مخطئين) بأن هذه هي الأوقات التي تقام فيها كل صلاة، فهناك صلاة تقام قبل دلوك الشمس: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ

وبذلك يكون وقت هذه الصلاة ممتدا حتى دلوك الشمس، لكن يبقى التساؤل التالي قائما: متى يبدأ وقت هذه الصلاة؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن وقت هذه الصلاة هو الوقت الحقيقي لبداية الفجر:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)

فهذا الوقت هو وقت العورة الأولى حيث يكون الناس حينئذ واضعي ثيابهم. ويبدأ الفجر عندما يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الليل، وعندها يكون هذا الوقت هو الوقت الفعلي الذي حدده الشارع للإمساك عن الطعام والشراب والرفث إلى النساء من أجل الصيام:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)

فما قبل بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود يكون الوقت هو الليل. ويبدأ الفجر عندما يبدأ الخيط الأبيض (من الفجر) يبين من الخيط الأسود من الليل.

نتيجة مفتراة: تبدأ صلاة الفجر مع نهاية الليل ببيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وتنتهي مع دلوك الشمس: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ

السؤال: لماذا جاء النص القرآني على نحو لدلوك الشمس؟ لِم لم يأت على نحو طلوع الشمس أو ظهور الشمس أو حتى رؤية الشمس؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن عوامل الطبيعة تتقلب من يوم إلى آخر ومن مكان إلى آخر. فقد يكون هناك مطر أو غيوم أو ما شابه من عوامل الطقس المتقلبة، لذا يصبح من الاستحالة تحديد وقت هذه الصلاة بناء على رؤية الشمس، ولكن يمكن تحديدها بناء على دلوك الشمس. فما معنى دلوك الشمس إذن؟

رأينا المفترى: نحن نظن (ربما مخطئين) بأن دلوك الشمس تعني وجود العلامة أو العلامات الدالة على أن الشمس قد جاءت. فحتى لو كان الجو ماطرا أو غائما، فهذا لا يمنع معرفة أن الشمس قد جاءت بناء على بعض العلامات، كدرجة الإضاءة أو الظل وما شابه. ولقد كان انشغال الناس بالتوقيت منذ الأزل مرتبط بهذه الكينونة (الشمس).

ولو تفقدنا مفردة الفجر التي ترد مصاحبة للصلاة في قوله تعالى:

... مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ...

لوجدنا على السريع بأن مفردة الفجر مشتقة من الانفجار كما في قوله تعالى:

وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)

وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا (90)

كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)

وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34)

وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)

عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)

وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)


السؤال: ما هو الفجر (الانفجار)؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن الانفجار بداية الانفلاق لظهور شيء جديد من شيء سابق. فعيون الماء انفجرت من الحجر، والينابيع تتفجر من الأرض، وكذلك العيون تتفجر من الأرض.

نتيجة مفتراة: الفجر هو بداية ظهور لشيء واضح من شيء غير واضح

لذا، فإن صلاة الفجر هي الصلاة التي تبدأ مع عملية الانفجار، ويتمثل ذلك ببيان الخيط الأبيض (كما هو الماء) من الخيط الأسود (كما هو باطن الحجر أو الأرض)

لكن يجب لفت الانتباه هنا إلى أن الفترة الزمنية الواقعة بين بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود (بداية الصلاة) ودلوك الشمس (نهايتها) هو وقت ليس بالطويل جدا. وسنرى تبعات هذا الظن بعد قليل بحول الله وتوفيقه على عدد الركعات الخاصة بهذه الصلاة.

أما الصلاة الأخيرة (وهي صلاة العشاء) فهي تبدأ في الليل وتنتهي عند غسق الليل: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ

ولا شك أن وقت هذه الصلاة يكون هو وقت عورة حيث يضع الناس لباسهم في هذا الوقت:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)

ولو دققنا في هذه الصلاة، لوجدنا بأن وقتها يمتد من الليل حتى غسق الليل. ليكون السؤال هو: ما هو غسق الليل؟ أي متى ينتهي وقت هذه الصلاة؟

جواب مفترى: نحن نظن أن غسق الليل هو الوقت الذي يقترب من منتصف الليل. وما أن ينتهي غسق الليل حتى يكون وقت هذه الصلاة قد انتهى.

الدليل

لو دققنا في الآية الكريمة التالية، لوجدنا أنه في هذا الوقت من الليل تبدأ صلاة أخرى تسمى قيام الليل:

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)

السؤال: متى تبدأ صلاة قيام الليل؟ وكيف يمكن أن نقيم الليل؟

رأينا المفترى: تطرقنا لهذه القضية على وجه التحديد في الجزء الثاني والعشرين من قصة يونس، ونحاول هنا إعادة الخطوط العريضة ذات العلاقة بالصلاة هنا لأهميتها في تحديد أوقات الصلاة الفعلية التي يجب على المؤمن الالتزام بها.

أما بعد،

باب قيام الليل

التساؤلات

- كم مطلوب منا أن نقوم الليل؟

- هل مطلوب منا أن نقوم الليل كله إلا قليلا؟

- هل مطلوب منا أن نقوم نصفه؟

- هل مطلوب منا أن ننقص من نصفه قليلا؟

- هل مطلوب منا أن نزيد على نصفه؟

- كم مطلوب منا أن نزيد على نصفه؟

- الخ

لنبدأ النقاش هنا بمفردة المزمل، لنطرح التساؤل الأول وهو: ما معنى مفردة المزمل التي ترد في الآية الكريمة نفسها؟

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)

رأينا المفترى: عند محاولتنا البحث عن كلمة الْمُزَّمِّلُ (ومشتقاتها)، لم نجد في كتاب الله ذكر لهذه المفردة أو أي من مشتقاتها في سياقات قرآنية أخرى، لذا حاولنا أن نقارن المفردة نفسها بما يوازيها في سياقات أخرى، فوجدنا الآيات الكريمة التالية التي ظننا أنها الأقرب لهذا السياق القرآني، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6)


فوجدنا أن الخطاب موجه في السياقين القرآنيين لشخص الرسول نفسه، ففي السياق الأول جاء الخطاب على نحو أنه مزمل (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)، وجاء الخطاب في السياق القرآني الثاني على نحو أنه مدثر (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ). ليكون السؤال هو ما الفرق بين المزمل والمدثر؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن المزمل هو من جاءه الخطاب بقيام الليل:

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)

ولو دققنا في السياق أكثر، لوجدنا بأن المزمل هو من طُلب منه قيام الليل (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) وترتيل القرآن (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)

نتيجة مفتراة 1: نحن نظن أن المزمل هو من يقوم الليل ويرتل القرآن، لذا فإن هذه الأفعال هي أفعال خاصة بالليل، لا تحصل في النهار

نتيجة مفتراة 2: نحن نظن أن المزمل لا يقوم بهذه الأفعال (من قيام الليل وترتيل القرآن) إلا أن يكون شخصيا على طهارة. فهو لم يلامس النساء بعد.

بينما المدثر – بالمقابل- فهو من جاءه الخطاب بالقيام بفعل الإنذار (قُمْ فَأَنذِرْ):

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ (6)

ولو دققنا أكثر، لوجدنا أن المدثر قد طلب منه أن يكبر (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) ويطهر ثيابه (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) ويهجر الرجز (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ولا يكثر من المني (وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ).

نتيجة مفتراة 3: نحن نظن أن المدثر هو من وجب عليه القيام بفعل الإنذار بعد أن يكون قد طهر ثيابه ولم يكثر من المني، وهذه الأفعال تحصل بعد النهوض من الفراش في الصباح الباكر.

نتيجة مفتراة 4: نحن نظن بأن المدثر هو من كان على جنابة بعد ملامسة النساء.

النتائج المفتراة من عند عندنا

- من كان في حالة قيام الليل وترتيل القرآن فيما حول منتصف الليل، فهو يسمى بصريح اللفظ القرآني مزمل

- من كان في حالة نهوض من الفراش في آخر الليل وبداية النهار، فهو يسمى بصريح اللفظ القرآني مدثر

إن صح منطقنا المفترى هذا، فإنه يجب علينا أن نفهم ماهية قيام الليل، لنطرح التساؤل التالي على الفور: متى يمكن أن يحصل قيام الليل؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن الله يطلب منا بداية قيام الليل إلا قليلا:

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)

ونحن نفهم ذلك (ربما مخطئين) على نحو أن المؤمن مطالب أن يقوم معظم الليل، كأن يقوم أكثر أيام الأسبوع. فلو افترضنا بأن أيام الأسبوع هي ستة أيام (للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته: باب الشهر)، فإن المؤمن مطالب أن يقوم الليل على الأقل في أربعة منها. فنكون بذلك قد قمنا الليل كله إلا قليلا منه، ولنبدأ بقراءة الآيات الكريمة بهذا الفهم المفترى:

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)

السؤال: متى يبدأ وقت القيام في كل ليل من هذه الليالي؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن قيام الليل في الليلة الواحدة لا يتم إلى في الوقت الذي يقع حول منتصف الليل، فيمكن أن تنقص من ذلك قليلا، أي قبل منتصف الليل بقليل:

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)

ويستمر وقت قيام الليل بعد منتصف الليل بما شئت من الوقت حتى بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الليل:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)

تلخيص ما سبق: نحن نظن أن الصورة (كما نفهمها) هي الآن على النحو التالي: يأمرنا الله أن نقوم الليل (كل الليل) إلا قليلا (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)، فيصبح المسلم مطالبا بقيام معظم الليل، كأن يقوم مثلا أربعة ليال من ستة في الأسبوع الواحد أو أن يقوم عشرين ليلة من الثلاثين ليلة في الشهر الواحد، وهكذا. وربما بهذا الفهم المفترى يبين لنا معنى (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا). ثم يجب على من أراد أن يقوم الليل الواحد أن يتبين وقت القيام فيه، أي في أي ساعة من الليل تقع الصلاة ضمن تصنيف قيام الليل، ونحن نظن أن الصلاة في الليل لا تقع في قائمة قيام الليل إلا إذا كانت مقاربة لنصف الليل، ولا يجوز تقديم ذلك عن نصف الليل إلا قليلا، فإذا كان نصف الليل هو الساعة الثانية عشر ليلا، فإن وقت القيام يكون حول ذلك ولا يقل مثلا عن الحادية عشر، وبهذا يبين لنا كيف أن النقصان منه مشروط بالقليل (نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا)، ولكن يحق لنا – بالمقابل- أن نؤخر القيام عن نصف الليل ما نشاء شريطة عدم ظهور الفجر، وبهذا يبين لنا كيف أن الزيادة غير مشروطة بالقليل (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا).

عودة على بدء

إن ما يهمنا من هذا الطرح هنا هو افتراءونا القول بأن وقت العشاء يمتد إلى غسق الليل، أي إلى ظلمة الليل الحالك التي تكون قبل منتصف الليل بقليل حيث يبدأ وقت قيام الليل. فتصبح أوقات الصلاة على النحو التالي:

- وقت قيام الليل يبدأ من قبل منتصف الليل بقليل ويمتد حتى وقت الفجر، أي ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر

- وقت صلاة الفجر تبدأ مع الفجر (الانفجار)، أي بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ويمتد حتى دلوك الشمس، أي وجود العلامات الدالة على ظهور الشمس

- وقت صلاة الظهر يبدأ من طرف النهار الأول (انحسار الظل)، وهذا هو وقت الغدو، ويمتد حتى بداية طرف النهار الثاني (امتداد الظل)، وهذا هو وقت الآصال:

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)

وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15)


- في هذين الوقت على وجه التحديد يكون ذكر الله في النفس خفية دون الجهر من القول:

وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)


- بينما تكون الصلاة في جميع الأوقات الأخرى ما بين الجهر والمخافتة:

وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)

- الخ.

باب الحركات في الصلاة

لو حاولنا أن نتدبر كتاب الله الكريم حول هذه الجزئية على وجه التحديد، لوجدنا أن الحديث عن إقامة الصلاة (كما نفهمه طبعا) يتطلب القيام بثلاث حركات رئيسية وهي القيام والركوع والسجود.

وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)

فإقامة الصلاة فيها قيام، فها هم الملائكة تنادي زكريا وهو قائم يصلي في المحراب:

فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ (39)


ولا شك عندنا أن القيام هو الحركة التي يقابلها حركة القعود:

وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (12)


وها هم رسل ربنا يدخلون بيت إبراهيم عندما كانت امرأته قائمة:

وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71)

ولا شك عندنا أن الصلاة فيها سجود كما فيها قيام مصداقا لقوله تعالى:

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9)

وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)


فالقيام هو واحد من الأفعال التي تتم في المساجد:

وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)

كما قد يحصل القيام في غير المسجد أيضا:

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)

الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)

وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)


ولو تدبرنا الصلاة الحركية التي لازلنا نطبقها على الدوام في حياتنا اليومية، لوجدنا أنها هي عبارة عن قيام وركوع وسجود.

باب ما نقول في الصلاة

لو تدبرنا هذه الحركات الثلاثة وهي القيام والركوع والسجود، لوجدنا بأننا مطالبين أن نتلفظ ببعض العبارات المحددة في كل حركة من هذه الحركات، لتكون التساؤلات على النحو التالي:

1. ما الذي نقوله عندما نكون في حالة قيام؟

2. ما الذي نقوله عندما نكون في حالة ركوع؟

3. ما الذي نقوله عندما نكون في حالة سجود؟

4. ما الذي نفعله ونقوله للخروج من الصلاة؟

5. الخ

باب ما نقول في حالة القيام؟

لو تدبرنا الآية الكريمة التالية:

وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)

لوجدنا أن أول ما يطلب منا في المساجد هو إفراد العبودية لله، فلا نشرك بربنا أحدا. ونقر بأن الله هو الإله الذي يستحق العبادة. فكيف يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن ذلك يتم بأن نتلفظ بالعبارة التالية: الله أكبر

افتراء من عند أنفسنا: نحن نظن أن مجرد تلفظنا بهذه العبارة (الله أكبر) في بداية كل صلاة هو بحد ذاته إقرار منا بأن الله هو أكبر وهو إذن من يستحق العبادة. فكل شيء آخر دون الله الذي هو أكبر لا يستحق أن يعبد. وكما أسلفنا سابقا فإن هذا هو الأساس الذي اختار بناء عليه إبراهيم ربه، فعندما ظن إبراهيم أن الشمس هي أكبر اتخذها ربا له:

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)

ولكن لما وجد أن هناك من هو أكبر من الشمس، توجه إبراهيم إليه فورا تاركا الشمس وراءه، فكان الله فاطر السموات والأرض:

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)

فمجرد تلفظنا بعبارة الله أكبر إذانا ببدء مراسم إقامة الصلاة الحركية، فإن ذلك (نحن نظن) إقرار منا بأن الله هو أكبر من كل شي، وأننا بذلك نفرد العبودية لله وحده، وبذلك نتخلص من الشرك كله، فنكون حنفاء لله، لا نشرك به شيئا (حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، ونكون بذلك مؤهلين (إن شاء الله) بالمغفرة من الله، لأن الله يغفر الذنوب جميعا إلا أن يشرك به:

إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)

إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116)


نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن مجرد قولنا الله أكبر هو إقرار منا بأننا لا نشرك مع الله أحدا. لهذا مطالبين (نحن نفهم) أن يكون أول ما نتلفظ به للدخول في الصلاة هو قولنا:

الله أكبر
ثانيا، ما أن نقر لله بالوحدانية وندخل في الصلاة مكبرين (الله أكبر)، حتى نبدأ بقراءة القرآن في الصلاة، ولكن يجب على كل من يقرأ القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حينئذ، مصداقا لقوله تعالى:

فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)

فنبدأ ذلك بقولنا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

ونحن مطالبين بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لأن هذا الشيطان هو من توعدنا بالضلالة:

إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116) إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120)


وهذه الاستعاذة تكون بالله من الشيطان الرجيم على وجه التحديد، ليكون السؤال المطروح على الفور هو: لماذا نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم على وجه التحديد؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الشيطان الرجيم هو إبليس نفسه، فبالرغم أن هناك شياطين كثيرة، إلا أن إبليس من بينهم جميعا هو الشيطان الرجيم، لأن الله هو من رجمه يوم أن رفض السجود لآدم:

قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34)

قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)


نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: بالرغم من وجود الشياطين الكثيرة، إلا أن هناك من بينهم جميعا شيطان واحد هو رجيم، وهو إبليس. (للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان هل وسوس إبليس لآدم؟)

السؤال: لماذا نستعيذ بالله من هذا الشيطان الرجيم على وجه التحديد؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن السبب في استعاذتنا من هذا الشيطان الرجيم تكمن في أنه هو من توعد بأن يقعد لنا على الدوام صراط الله المستقيم عندما قال:

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)

السؤال: ما الذي نطلبه من ربنا عندما نستعيذ به من هذا الشيطان الرجيم؟

رأينا المفترى: نحن نطلب من الله أن يعيذنا بالله من هذا الشيطان الذي هو قاعد لنا صراط الله المستقيم (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) حتى لا يأتينا من بين أيدينا ولا من خلفنا ولا عن أيماننا ولا عن شمائلنا كما توعدنا بذلك (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ)، فلا نكون حينئذ من الشاكرين إن هو فعلا تمكن منا (وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).

فتصبح الصلاة حتى اللحظة على النحو التالي:

الله أكبر

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم


السؤال: ما الذي يجب أن نقوله حتى نكون من الملتجئين إلى الله في مواجهة هذا الشيطان الرجيم؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: أن نبدأ كلامنا بذكر اسم الله

السؤال: وكيف يتم ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن ذلك يتحقق بقولنا:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

السؤال: ما الذي نستفيده من ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الفائدة المرجوة من ذلك تتمثل في اللجوء إلى الله الذي هو الرحمن الرحيم في مواجهة الشيطان الرجيم؟

فتصبح أقوال الصلاة الآن على النحو التالي:

الله أكبر

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم


بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

السؤال: كيف يمكن أن ندحر هذا الشيطان؟

رأينا المفترى: نحن نظن أننا نستطيع دحر الشيطان بسهوله عندما نكون لله من الشاكرين، لأن خطة الشيطان كانت على نحو أن يقعد لنا عن صراط الله المستقيم عندما يأتينا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا حتى لا نكون شاكرين. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت – الآية الكريمة السابقة مرة أخرى:

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)
السؤال: وكيف نستطيع أن نبطل خطة الشيطان الرجيم هذه؟

رأينا المفترى: نحن نظن أننا نستطيع أن ندحر هذا الشيطان فورا عندما نقول على الفور العبارة التالية التي تبين أننا فعلا من الشاكرين (على غير ما يريد الشيطان ويتمنى):

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)

وهنا نتوقف للحظة لمحاولة التمييز بين الشكر الذي يتحدث عنه إبليس (وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) مقابل الحمد الذي نتلفظ به في بدايات سورة الفاتحة في الصلاة:

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)

السؤال: ما الفرق بين الشكر والحمد؟

رأينا المفترى: لو تدبرنا السياقات القرآنية الخاصة بهاتين المفردتين، لوجدنا على الفور أن الحمد لا يكون إلا لله رب العالمين:

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)

فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43)

دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1)

فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ۖ وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)

قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ۗ آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)

وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)

وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)


ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)

وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)

هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)

فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)


بينما يكون الشكر – بالمقابل- لله ولغير الله كما في قوله تعالى:

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)

السؤال: لماذا يكون الحمد لله وحده بينما يكون الشكر لله ولغير الله؟

رأينا المفترى: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الحمد يكون لله وحده لأن الله هو من أصبغ علينا نعمه جميعا ظاهرة وباطنية:

أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)

نتيجة مفتراة: مادام أن الله هو من أصبغ علينا نعمه جميعا ظاهرة وباطنة، فإن الله يستحق الحمد، وذلك لاستحالة أن نحصي نعمت الله هذه:

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)


نتيجة مفتراة: الحمد يكون لله على نعمه جميعا. بينما يكون الشكر - بالمقابل - على نعمت محددة بذاتها. فإذا ما قدّم لك شخص ما فنجانا من القهوة أو كأسا من الشاي، فإنك تقول له على الفور: شكرا. لكن لا يمكن أن تقول له أحمدك.

السؤال: لماذا؟

رأينا: نحن نظن أن الشكر تكون من أجل هذه الخدمة المقدمة بذاتها. فإن أنت شكرت الله على نعمت ما، فإنك تطلب من الله الزيادة منها. قال تعالى:

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)

ولو تفقدنا آيات الكتاب الحكيم الأخرى، لوجدت بأن الشكر يكون على نعمت محددة بذاتها، قال تعالى:

ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)

ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)

مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)

لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (10)

وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)

وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)

وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)

وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)

فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ۖ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (78)

فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)

قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)


وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73)

وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)

إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)

وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46)

وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)

ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9)

يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)

لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)

وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)

لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)

وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)

إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)

اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)

نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ (35)

لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)

قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23)

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)

إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)

مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)

وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)

قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)

قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144)

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)

شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121)

وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (80)

بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (66)

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (13)

ولو تفقدت الآيات الكريمة التالية على وجه التحديد، لوجدت أن الله هو بنفسه يمكن أن يكون شاكرا:

إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)

مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)

لكن لا يمكن أن يكون الله حامدا، وذلك لاستحالة أن يكون غير الله هو صاحب النعمة جميعا.

نتيجة مفتراة 1: الحمد يكون لمن هو قادر على إسباغ النعمة التي لا يمكن أن تحصى

نتيجة مفتراة 2: الشكر يكون لكل من يقدم له نعمة يمكن أن تحصى

وهنا (نحن نرى) تبدأ قصة قراءة الفاتحة في الصلاة:

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)

فلو تدبرنا هذه السورة العظيمة، لوجدنا أننا نحمد الله أولا حتى نكون (نحن نفتري القول من عند أنفسنا) من الحامدين لله على إسباغه علينا نعمه جميعا ظاهرة وباطنة، فندحض كيد الشيطان الذي هو أصلا كيد ضعيف:

الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)


فصلاتنا هي عبارة عن مقاتلة للشيطان وأولياء الشيطان، لذا فإن مجرد قولنا:

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)

كفيل بهزيمة الشيطان (وأولياءه)، فلا يستطيع أن يأتينا من بين أيدينا ولا من خلفنا ولا عن أيماننا ولا عن شمائلنا كما توعدنا بذلك:

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)

وهنا يجب علينا أن نفرد لله (الذي نعبده) الصفات الكفيلة بأن تنصرنا على الشيطان، فيأتي قولنا بعد ذلك مباشرة على النحو التالي:

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)

وما أن يتم دحر الشيطان بهذه الكلمات العظيمة حتى يأتي إقرارنا بعقيدتنا التي نؤمن بها، ألا وهي العقيدة الحنفية التي مفادها أننا نعبد الله وحده وأننا نستعين به وحده على الشيطان وأولياء الشيطان:

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)

وبعدها مباشرة يأتي تصريحنا بالهدف من هذه العقيدة كلها، ويتمثل ذلك بطلبنا من الله أن يهدينا الصراط المستقيم:

اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)

أي الصراط الذي توعد الشيطان أن يقعدنا إياه:

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)

وهذا الصراط هو نفسه الصراط الذي هداه الله عبادة الذين أنعم الله عليهم:

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)

أي صراط هؤلاء على وجه التحديد:

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)

تلخيص ما سبق

نحن نفتري الظن من عند أنفسنا (ربما مخطئين) بأن الجدول التالي يلخص ما نقوله في بداية الصلاة في حالة القيام
ندخل في فعل إقامة الصلاة بالإقرار بوحدانية الله
الله أكبر
تبدأ الصلاة بقراءة القرآن فيكون أول ما يجب فعله عند قراءة القرآن هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
نطلب اللجوء إلى الله في مواجهة الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
نفرد الصفات الخاصة بهذا الإله الذي نلجأ إليه
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
نصرح بعقيدتنا الحنفية
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
نصرح بالهدف الحقيقي من هذا اللجوء إلى الله
اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)
تحديد ماهية هذا الصراط الذي نطلب من الله أن يهدينا إياه
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: عندما نكون في حالة القيام للصلاة، فإننا نبدأ بالشهادة الكاملة بأن الله هو ربنا، وأننا نلجأ إليه في مواجهة الشيطان الذي توعدنا بأن يعمل ما في وسعه حتى لا نكون من الشاكرين، فنصرح بحقيقة العقيدة السلمية التي نؤمن بها، ونطلب من الله حاجتنا إليه لهدايتنا صراطه المستقيم، فنطلب من الله وحده أن يحقق لنا هو بنفسه هداية هذا الصراط المستقيم الذي يوصلنا إليه. فكانت فاتحة الكتاب هي التطبيق الفعلي لهذه العقيدة الحنفية (التسليم المطلق لله ربنا الواحد الأحد).

ولو تدبرنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأنه يحق للمصلي أن يقرأ آيات الله الأخرى (بالإضافة إلى قراءة الفاتحة) مادام قائما في صلاته، مصداقا لقوله تعالى:

لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا (1): يجب على المصلي أن يقرأ بفاتحة الكتاب مادام قائما للصلاة

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا (2): يحق للقائم للصلاة (أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ) أن يتلو آيات الله مادام قائما للصلاة (يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ)

باب الركوع والسجود
ما أن ننتهي من قراءة فاتحة الكتاب في قيامنا للصلاة (وما تيسر من آيات الكتاب الحكيم) حتى تأتي الحركة التالية وهي حركة الركوع في الصلاة. فلو تدبرنا الآيات الكريمة التالية، لوجدنا أن عباد الله المؤمنين مأمورون بأن يركعوا وأن يسجدوا:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)


ولو حاولنا تدبر هذه الآيات الكريمة أكثر، لربما حق لنا أن نستنبط بأن الركوع هو فعل حركي يسبق فعل السجود (رُكَّعًا سُجَّدًا).

ولو تدبرنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأن تلاوة آيات الله لا تكون إلا بحالة القيام:

لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)


لذا، نحن لسنا مطالبين بقراءة شيء من القرآن في حالة ركوعنا أو سجودنا في الصلاة. ليكون السؤال الذي يمكن أن يطرح الآن هو: ما الذي يجب على المؤمن أن يقوله في حالتي الركوع والسجود؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن على الراكع وعلى الساجد أن يسبح ربه، قال تعالى:

قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108)

نتيجة مفتراة: نحن نظن أنه من الواجب على من يخر للأذقان سجدا أن يقول سبحان ربنا (يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا)

السؤال: كيف يمكن أن نسبح ربنا في حالتي الركوع والسجود؟

جواب مفترى: لو بحثنا في القرآن الكريم على مساحة النص كله، لما وجدنا أن التسبيح يكون بغير اسم ربنا العظيم واسم ربنا الأعلى:

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)


التساؤلات

- ما هو الركوع؟

- ما هو السجود؟

- ما الذي يجب قوله في حالة الركوع؟

- ما الذي يجب أن نقوله في حالة السجود؟

- لماذا يجب أن نركع وأن نسجد أصلا؟

- الخ

رأينا المفترى: لو حاولنا أن نتدبر مفردة الركوع والسجود أكثر، لوجدنا بداية بأن فعل الركوع وفعل السجود يتحققا بالخر، فهذا داوود يخر راكعا:

قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)

وها هم إخوة يوسف يخرون له سجدا:

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)


السؤال: كيف يمكن أن نتخيل داوود وقد خر راكعا؟ وبالمنطق نفسه نحن نسأل: كسف يمكن أن نتخيل إخوة يوسف وقد خروا له جميعا سجدا؟ فهل هيئة الخرور راكعا تتطابق مع هيئة الخرور ساجدا؟

رأينا المفترى: كلا وألف كلا، فالخرور راكعا هو فعل قائم بذاته يختلف تماما عن الخرور ساجدا الذي هو أيضا فعل قائم بذاته.

السؤال: ما الفرق بين الحالتين (الخرور راكعا مقابل الخرور ساجدا)؟

ونحن نتخيل أن فعل الخر يكون بالنزول التدريجي من أعلى إلى أسفل. فهذا سليمان يخر بعد أن قضى عليه الموت:

فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)

لكن بالرغم أن فعل الخرور يحدث في حالتي الركوع والسجود، إلا أن السجود يمكن أن يختلف عن الركوع بالوقوع والإلقاء، ففعل السجود يمكن أن يتم بالوقع على الأرض، كما حصل مع الملائكة يوم أن طلب الله منهم السجود لآدم:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)


ولو تدبرنا فعل السجود أكثر، لوجدنا بأن فعل السجود يمكن أن يتم أيضا بالإلقاء

وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)


ولو تدبرنا فعل الوقوع وفعل الإلقاء، لوجدنا بأنهما يحملان في ثناياهما معنى ملامسة الأرض، فهذا موسى يلقي عصاه على الأرض:

فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ (107)

فمادام أن العصا قد أصبحت ثعبانا، فهي إذا تتحرك كما يتحرك الثعبان على الأرض.

والله يثبت أن فعل الوقوع يصل الأرض:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (65)

نتيجة مفتراة (1): يتم فعل الركوع بالنزول التدريجي باتجاه الأرض، فيكون ذلك خرورا. ولكن ذلك لا يعني بالضرورة (نحن نفتري الظن) أن يصل إلى الأرض

نتيجة مفتراة (2): يتم فعل السجود بالنزول التدريجي باتجاه الأرض، فيكون ذلك خرورا (خر ساجدا)، لكن يمكن أن يتواصل النزول حتى يصل إلى الأرض فيصبح ذلك إلقاء ووقوعا.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: فعل الركوع في الصلاة هو حركة انحناء باتجاه الأرض

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: فعل السجود في الصلاة هو حركة انحناء باتجاه الأرض حتى الوصول إليها:

الدليل

دعنا ندقق في الآية الكريمة التالية:

قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108)

وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)

نحن نفهم هذه الآيات (ربما مخطئين) على نحو أن الخرور للأذقان يتطلب ملامسة الأذقان للأرض، أليس كذلك؟

باب السجود

لكن هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا يتطلب منا العودة من جديد إلى معنى السجود الذي نظن أنه غالبا ما أسيء فهمه. فالغالبية من الناس (العامة منهم وأهل الاختصاص) يظنون بأن فعل السجود يتطلب فعل الملامسة للأرض. وهذا برأينا غير صحيح لأن النص القرآني يتحدث عن أشكال متعددة للسجود. فهناك فعل السجود نفسه:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)

وهناك فعل السجود الذي جاء متلازما بقرينة مثل الخرور:

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)

والإلقاء:

وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)

والوقوع:

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)

السؤال: ما الفرق بين السجود والوقوع ساجدا أو الإلقاء سجدا والخرور سجدا؟

رأينا المفترى: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن السجود يحمل في ثناياه معنى الطاعة. لذا فإن كل من يطيع الأوامر فهو إذن من الساجدين، ولا يتطلب ذلك القيام بحركة محددة سوى تنفيذ الأوامر المطلوبة منه تنفيذها، وليس أدل على ذلك – برأينا- مما جاء في الآية الكريمة التالي (كما نفهمها طبعا). قال تعالى:

وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)

السؤال: كيف يمكن أن نتخيل سجود النجم والشجر؟ فهل يقوم النجم والشجر بحركة الانحناء حتى يكون ساجدا؟ ولم جاء ذكر النجم والشجر على وجه التخصيص على نحو أنهما يسجدان؟ فما الذي يفعله النجم والشجر حتى يعتبر من الساجدين؟

رأينا المفترى: نحن لا نعتقد بأن النجم والشجر يقومان بفعل السجود على هيئة حركة الانحناء، لكن بالرغم من ذلك هما لا شك من الساجدين.

السؤال: لماذا؟

رأينا: لأن السجود يعني تنفيذ الأوامر المطلوبة منهما وكفى.

السؤال: وكيف ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: هل وجدت – عزيزي القارئ- أن الشجر يتخلف عن القيام بالمهمة المناطة إليها ولو قليلا؟ هل وجدت أن شجرة لا تسقط أوراقها في فصل سقوط الأوراق؟ وهل وجدت أن شجرة لا تنبت براعمها في وقت إنبات البراعم؟ وهل وجدت أن شجرة لا تحمل ثمرها في وقت حمل الثمار؟ وهل وجدت أن شجرة تعاكس الطبيعة في هذه الحركة الثابتة التي لا يمكن أن تتغير على مر الزمان؟

السؤال: لم تقوم الشجر بهذا الفعل على الدوام في الأوقات المحددة لها بالضبط؟ لم ينتج الزيتون كله في وقت قطف ثمار الزيتون؟ ولم تثمر شجرة التفاح في وقت محدد بذاته؟ ولم يحصل هذا لكل الشجر بالآلية نفسها في كل سنة؟ هل يمكن أن يحصل خلل في ذلك؟

جواب مفترى: كلا وألف كلا. وذلك لأن الشجر من الساجدين، أي من الأشياء المكلّفة بأداء مهام ثابتة محددة بأوقات معينة وبطريقة محددة. لذا، تجد هذا النظام المحكم الذي يستحيل أن يخترق.

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: مادام أن الشخص أو الشيء مطلوب منه السجود، فعليه أن يقوم بذلك شاء أم أبى. فالسجود يكون بالطوع أو بالإكراه، قال تعالى:

وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15)

فالشجر لا يستطيع أن لا يسجد لأن هذا ما هو مطلوب منه أن يفعل سواء رضي بذلك أو لم يرضى بذلك، فهو مفطور على هذا الفعل طوعا وكرها.

السؤال: ما الذي يمكن أن نستفيده من ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن فعل السجود يكمن في تنفيذ الأوامر المطلوبة بالشكل المطلوب. ولهذا يحصل فعل السجود لله ولغير الله. فالله هو من طلب من الملائكة السجود لآدم:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)

لذا، كان مطلوب من الملائكة جميعا أن يطيعوا أوامر آدم. وهذا الفعل يحصل في حياتنا اليومية على الدوام. فالجندي يسجد لقائده مادام أنه ينفذ أوامره كما طلبها منه.

السؤال: كيف يفعل الجندي ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما يطلب الضابط من الجندي تنفيذ أوامره، فإن الضابط يطلب من الجندي أن يكون ساجدا له، مادام أنه مكلّف بإطاعة أوامره دون نقاش ولا مسألة. لذا نجد في قانون الجندية الشعار التالي (نفذ ثم ناقش)، وذلك لأن على الجندي أن يسجد للضابط مادام أنه مكلف بتنفيذ أوامره في الحال كما طلبها منه. ويأتي الدليل العملي على ذلك بقيام الجندي بأداء الحركة العسكرية التي تبين طاعة الجندي لأوامر الضابط المسئول عنه. فهذه الحركة العسكرية (وهي التحية العسكرية) هي الدليل الفعلي على أن الجندي يسجد للضابط المسئول عنه.

لذا، كان الطلب الإلهي الأول من الملائكة هو السجود لآدم، أي تنفيذ أوامر آدم في الحال كما يريدها. لكن كان لابد أن تقوم الملائكة بفعل محدد بذاته لبيان استعدادهم لهذا التكليف، فجاء الطلب الإلهي منهم على النحو التالي:

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)


السؤال: كيف يمكن أن نتخيل وقوع الملائكة لآدم ساجدين؟

رأينا المفترى: لو تدبرنا هذا النص القرآني جيدا، لربما حق لنا أن نتخيل أنّ ما كان مطلوب من الملائكة فعله لبيان قبولهم بهذا الأمر الإلهي، وبالتالي إظهار سجودهم (أي طاعتهم) لآدم هو الوقوع.

السؤال: كيف تم ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: بداية، نحن ننفي جملة وتفصيل حصول الأمر على نحو ما يمكن أن ترسمه المخيلة الشعبية عن ما حصل حينئذ. فربما يتخيل الكثيرون بأن سجود الملائكة لآدم كان على نحو السجود الذي نقوم به في الصلاة، أي ملامسة الجباه (والأذقان) للأرض. لأنه لو حصل على هذا النحو المفترى من عند الناس أنفسهم لربما جاء النص القرآني على نحو أن الطلب الإلهي من الملائكة كان بأن يخروا للأذقان سجدا لآدم، كما في قوله تعالى:

قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)

فالملائكة إذن لم تخر للأذقان سجدا لآدم وإنما وقعوا له ساجدين، لذا نحن نتخيل أن ما حصل كان على نحو أن آدم كان قائما فيهم (إماما)، وما أن طلب الله من الملائكة الوقوع لآدم ساجدين حتى انحدروا نحو الأرض، فكانوا كما لو أنهم جالسين (بغض النظر عن الهيئة التي وقعوا بها على الأرض). فعندما يكون الشخص ماشيا على الأرض، ثم يحصل أن يقع على الأرض، فإن ذلك يسمى وقوعا سواء وصل الأرض راقدا على مؤخرته أو على جنبه أو على ركبته، وهكذا. المهم في الأمر أنه قد وقع على الأرض، وكفى.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الوقوع يمكن أن يتم بأي طريقة لكنه – لا شك عندنا- لا يكون وصوله إلى الأرض منتظما. فالسماء عندما تقع على الأرض (لو حصل ذلك فعلا) لن تستقر كلها على الأرض بنفس الطريقة، فوقوعها على الجبال لن يكون مواز لوقوعها على الوادي أو على السهل أو على البحر، لكن ذلك كله يعتبر وقوعا:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (65)

وعندما يقع الشخص عن دابته على الأرض، فإن وقوعه ومن ثم وصوله إلى الأرض لن يكون بنفس الطريقة في كل مرة. وهكذا.

ولو حاولنا الانتقال إلى ما فعل إخوة يوسف، لوجدنا بأنهم لم يقعوا له ساجدين (كما فعلت الملائكة مع آدم)، ولكنهم خروا له سجدا. ليكون السؤال الآن هو: ما الفرق؟ وكيف يمكن أن نتصور الموقف كما حصل (حسب فهمنا للنص طبعا)؟

رأينا المفترى: نحن نظن أنه في حين أن حركة الوقوع هي حركة غير منتظمة يمكن أن ينتج عنها هيئات متعددة كما في الحالة الشخص الذي يكون ماشيا على قدميه ثم ما يلبث أن يقع على الأرض لسبب ما، فإن فعل الخرور هو فعل منتظم لا ينتج عنه إلا هيئة واحده محددة بذاتها، بدليل أن إخوة يوسف قد خروا سجدا لأخيهم في نهاية القصة. فنحن نتخيل أنهم قد قاموا جميعا بحركة منتظمة في ذلك المكان، لأنه لا شك مكان يتوجب فيه وجود النظام الذي يسيطر على الموقف.

السؤال: ما الذي فعله إخوة يوسف عندما خروا ليوسف سجدا؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن ننفي جملة وتفصيلا أن يكون إخوة يوسف قد خروا له سجدا بالمعنى الذي يمكن أن يتصوره الفكر الشعبي. فغالبا ما ظن الكثيرون بأن ذلك كان على نحو ما نفعل في صلاتنا عندما نسجد. فلو كان هذا فعلا ما حصل، لربما جاء النص القرآني (نحن نفتري القول) مشابها لما جاء في الآية الكريمة التالية:

قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)

فما فعله إخوة يوسف لم يكن خرورا للأذقان، لذا لا نتخيلهم وقد وضعوا جباههم (أو أذقانهم) على الأرض. ولكن جل ما فعلوه (نحن نتخيل) كان نحو أنهم خروا له سجدا، وكفى.

السؤال: كيف يمكن أن نتخيل ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن مفترين القول من عند أنفسنا بأن الأذقان هي مكان إنبات الشعر في الوجه. فعندما ينبت الشعر في وجه الرجل، فإن ذلك يسمى "لحية"، بدليل ما فعله موسى عندما عاد من لقاء ربه. فهو قد أخذ برأس أخيه ولحيته:

قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: اللحية هي الشعر الذي ينبت في وجه الرجل.

السؤال: ما هي الأذقان إذن؟

رأينا المفترى: لو تدبرنا مفردة الأذقان في النص القرآني، لوجدنا الآية الكريمة التالية حاضرة على الفور:

إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8)

فعندما توضع الأغلال، فإن واحدة من أماكن وضع هذه الأغلال هي الأعناق، لكن يمكن أن تلف هذه الأغلال أكثر من لفة واحدة حول العنق، ويمكن أن يستمر لفها حول العنق حتى تصل الأذقان، عندها تقيد حركة الشخص كليا لأنه يصبح حينها مقمح.

السؤال: كيف يكون من لُفت الأغلال في أعناقهم إلى الأذقان مقمحون؟

تخيلات غريبة مفتراة من عند أنفسنا: لو تدبرنا لفظة مقمحون، لربما حق لنا أن نربطها بسنابل القمح. ولو حاولنا أن نتفحص هذه السنابل على وجه التحديد لوجدنا بأن السنبلة الغليظة ترتكز على فرع ضعيف، فالسنبلة أكثر ثقلا ربما من تحمل الفرع أو ساقها، فهي مستوية (أي راكدة تماما) على ساقها:

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)

فالزرع الذي يخرج شطأه قد آزره (أي سانده) حتى استغلظ، وما أن استغلظ (أي ثقل حمله) حتى استوى. ليكون السؤال الآن مرة أخرى هو: كيف لهذه السنابل الغليظة أن تستوي على هذا الساق (الذي يبدو ضعيفا) خاصة إذا ما تفقدنا ما جاء في الآية الكريمة التالية؟

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
رأينا المفترى: نحن نظن أن السبب الذي يجعل الساق الضعيف يحمل السنبلة الغليظة هو لأنها مقمحة، وذلك لأن الأغلال تلتف حول الأعناق كما جاء في قوله تعالى:

إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8)

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا: دعنا نتفحص سنبلة القمح (أو ما شابهه) كما في الشكل التوضيحي التالي:










لو دققنا في هذه الأشكال التوضيحية، سنجد بأن هذه السنابل قد غلت (أي لفت الأغلال) في أعناقها (أي المنطقة التي تعلوها السنبلة مباشرة). وهذا الأغلال هو – برأينا- ما يمكن السنبلة الغليظة (أي الثقيلة) أن تحمل على ساق ضعيف. ولازلنا حتى الساعة نتحدث في حياتنا اليومية عن الغلة إذا ما كان الحديث جار عن السنابل. فالسنابل جميعها مغلولة، ومقدار الثمر في هذه السنابل يعتمد على قوة الأغلال التي ترتكز عليها هذه السنابل. فإن كانت الغلة مشدودة قوية، فإن المحصول سيكون لا محالة وفيرا، أما إذا كانت الغلة ضعيفة، فإن المحصول لن يكون وافرا. لذا يسأل الفلاحون بعضهم بعضا عن مقدار ما جنوا من هذه السنابل بلفظ الغلة.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: إن صح منطقنا المفترى هذا من عند أنفسنا، فإن هذا سيفتح بحول الله وتوفيقه آفاقا علمية واسعة في علم زراعة هذه المحاصيل لا مجال للخوض فيها هنا، لكنّا نسأل ربنا الله وحده أن يعلمنا وأن يزدنا علما وأن يهدينا لأقرب من هذا رشدا، إنه هو العليم الحكيم – آمين.

ولو تفقدنا مفردة الأغلال، لوجدنا الآية الكريمة التالية:

إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)

لنخرج إذن بالفهم أن هناك أغلالا وهناك سلاسل، ولكن لو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن السلاسل للسحب، كما في قوله تعالى:

إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)

ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)


لكن الأغلال لتقيد الحركة، فتوضع في الأعناق:

إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8)

لذا، جاء قول الكافرين بأن يد الله مقيدة عن الحركة بعدم الإنفاق، فرد الله عليهم بأن أيديهم هي التي غلت، لأن يدا الله مبسوطتان:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
نتيجة مفتراة: اللغل هو تقييد الحركة، سواء لليدين أو للأعناق.

إن ما يهمنا قوله هنا هو أن الأذقان هو ما يمكن أن تصل له الأغلال التي تلف حول الأعناق حتى يصبح من لفت هذه الأغلال حول عنقه من المقمحون، قال تعالى:

إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8)

وهو ما نفهمه على نحو ما في الصورة التوضيحية التالية:


لذا، نحن نفتري القول بأن إخوة يوسف لم يخرون للأذقان سجدا، وإنما جل ما حصل أنهم قد خروا سجدا وكفى.

السؤال: فكيف يمكن أن نتخيل المشهد إذن؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: مادام أن جميع إخوة يوسف قد خروا له معا، لذا لابد أنهم قد فعلوا ذلك عندما قاموا بحركة منتظمة تبين طاعتهم (أي سجودهم) لأخيهم، ونحن نتخيل ذلك على نحو النزول على الأرض ووضع الركبة على الأرض بالضبط كما نفعل عندما نجلس في الصلاة على ركبنا بين السجدتين. فيصبح المشهد (في مخيالنا) على النحو التالي: يقف يوسف على منصة مرتفعة كما يفعل الملك بين الرعية، يقوم هؤلاء الرعية (وهم الآن جزء من رعية يوسف) بالنزول التدريجي إلى الأرض حتى تلامس ركبهم الأرض، فيكونون في حالة أدنى من حالة يوسف الواقف الآن فيهم.

ونحن ننفي أن يكون إخوة يوسف قد قاموا بحركة تشبه حركة الركوع للصلاة، وذلك لو أنهم فعلوا ذلك، لربما جاء النص القرآن (نحن نفتري القول) على نحو أنهم قد خروا له ركعا كما فعل داوود مثلا:

قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)

والآن لننتقل إلى مشهد السحرة الذين ألقوا ساجدين:

وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)

فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46)


السؤال: كيف يمكن أن نتخيل ما فعله السحرة عندما ألقوا سجدا؟

رأينا المفترى: لو بحثنا في النص القرآني كله عن المفردة المتداولة كثيرا بين الناس وهي مفردة الجلوس ومشتقاتها، لما وجدنا أن لها ذكر في كتاب الله إلا ما جاء في الآية الكريمة التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)

فما نجده في هذه الآية الكريمة هي كلمة المجالس، لكننا لا نجد فعل الجلوس أو مشتقاته الأخرى. ليكون السؤال هو: لماذا؟ وما هي المفردة القرآنية التي تصوّر لنا هذا الفعل الذي عادة ما نقوم به في كل وقت وحين؟

رأينا المفترى: نحن نفتري القول بأن فعل الجلوس (الذي نعرفه) قد غاب عن النص القرآني، وذلك لأن الفعل الحقيقي الذي يصوّر لنا هذه الحركة هو فعل الإلقاء.

ففعل الإلقاء (نحن نظن) يحمل في ثناياه الوصول إلى الأرض من فوق، كما فعل موسى عندما ألقى عصاه:

ولكن المتدبر لهذا الفعل يعي تماما بأن العصا قد وصلت إلى الأرض بالطريقة الصحيحة، فلامست سطح الأرض من المكان الذي يجب أن تلامس الأرض منه. وليس أدل على ذلك أنها أخذت تسعى مباشرة:

فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)

إن ما نود قوله هنا هو أن فعل الجلوس الذي نعرفه يتمثل بالوصول إلى الأرض والتمكن منها بالطريقة الطبيعية.

وهذا موسى يلقي الألواح:

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)

فكيف يمكن أن نتخيل كيفية إلقاء موسى للألواح؟

رأينا المفترى: نحن نظن بأن موسى قد ألقى الألواح إلقاء لأنه – برأينا- وضعها على الأرض بالطريقة الصحيحة، فمادام أنها ألواحا، فهي إذا ذات وجه أمامي ووجه خلفي، لذا نحن نتخيل أن موسى قد وضع الألواح على الأرض، فلامس الوجه الخلفي للألواح الأرض، بينما كان الوجه الأمامي (العلوي) متجها للأعلى حتى عاد فأخذها مرة أخرى عندما سكت عنه الغضب:

وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)

السؤال مرة أخرى: كيف يتم فعل الإلقاء؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن فعل الإلقاء لا يمكن أن يتم إلا إذا جاءت ملامسة الأرض (أو الشيء) بالطريقة الطبيعية، أي وجود الطرف الخلفي على الأرض (كما يحصل في حالة القعود الذي نعرفه).

لكن ربما يجدر التنبيه هنا أن مفردة القعود التي نستخدمها في حياتنا اليومية غير دقيقة. فربما يظن الغالبية من الناس أن القعود هو الجلوس على الأرض، وهذا برأينا غير صحيح إطلاقا لأن القعود لا يعني الجلوس على الأرض وإنما الكف عن تغيير الوضع الراهن إلى إشعار آخر، كما يمكن أن نفهم ذلك من الآية الكريمة التالية:

لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95)


فالقاعدون عن القتال هم الذين لم يشاركوا فيه وليس الجالسين على الأرض.

وها هم قوم موسى يصفون أنفسهم بالقاعدين لأنهم لا يريدون مشاركة موسى القتال:

قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)


نتيجة مفتراة: القعود هو الكف عن المشاركة في الفعل المنوي القيام به.

السؤال: فما هو إذن فعل الجلوس على الأرض كما يرد في النص القرآني؟

رأينا: نحن نظن أن فعل الجلوس في مكان محدد يصوره القرآن الكريم (كما نفهم ذلك طبعا) على أنه هو الإلقاء

الدليل

دعنا نحاول جلب الدليل من الآية الكريمة التالية التي تتحدث عن ما ألقى على كرسي سليمان، قال تعالى:

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)

لماذا جاء هذا الحدث على صيغة فعل الإلقاء؟

رأينا المفترى: نحن نتخيل أن هناك كرسيا كان خاصا بسليمان وحده بدليل قوله تعالى (عَلَى كُرْسِيِّهِ)، فكانت فتنة سليمان تتمثل بوجود جسد ملقى على كرسيه، أليس كذلك؟

السؤال: كيف يمكن أن نتخيل وجود ذاك الجسد على كرسي سليمان؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن ذلك الجسد كان ملقى على كرسي سليمان إلقاء، لأنه كان – نحن نتخيل- يجلس على كرسي سليمان بالطريقة الطبيعية، فمؤخرة الجسد (نحن لازلنا نتخيل) ملامسة لسطح الكرسي، بينما مقدمة ذلك الجسد (أو واجهته) واضحة للعيان (بمن فيهم سليمان نفسه)، أي بادية لكل من ينظر إلى ذلك الجسد الملقى على كرسي سليمان.

تساؤلات

- ما هو ذلك الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان؟

- من الذي ألقاه؟

- كيف تمت عملية إلقاء ذاك الجسد على كرسي سليمان؟

- لماذا ألقي ذلك الجسد على كرسي سليمان؟

- كيف استطاع سليمان التخلص من ذلك الجسد؟

- أين ذهب ذلك الجسد؟

- الخ

استراحة قصيرة: باب الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان

بداية، لابد من التنبيه في هذا الخروج غير المتوقع عن فحوى النقاش إلى عدة أمور، نذكر منها:

أولا، سنتجرأ على استنباطات نظن أنها غير مسبوقة، فلا تحاول عزيزي القارئ أن تقنع نفسك بها، لأنها ببساطة غير موجودة إلا في مخيال كاتب هذه السطور، لذا فهي تقع في باب تخريصات الكاتب (كما ألفتموه) الذي يظن هو شخصيا بأنها ليست مبنية على أساس علمي متين ما لم يثبتها الدليل الذي لا يرقى إليه شك

ثانيا، من أراد متابعة القراءة بعد هذه السطور، فعليه أن يعود قبل ذلك إلى ما سطرنا بأيدينا من افتراءات في مقالة سابقة تحت عنوان: ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته

ثالثا، لا يحق لمن يتابع القراءة أن ينقل الأفكار لغيره بأي وسيلة كانت، وجل ما يستطيع فعله هو أن يحيل من أراد المعرفة إلى هذه الصفحة ليقرأها هو بنفسه

رابعا، الكاتب غير مسئول عن ما ستؤول إليه الأمور، لأنه ببساطة يضع الاحتمالات الممكنة للقصة، لكنه لا يؤكدها مادام أنه لازال منتظرا الدليل الذي يثبت صحتها أو بطلانها من أي جهة كانت، سائلا الله وحده أن يتم نوره ولو كره الكافرون، داعيا الله وحده أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يزدني علما، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو السميع البصير – آمين.

أما بعد،

ظهر شيء من الغرور (نحن نتجرأ على القول) في نفس سليمان عندما ظن أنه قد أوتي من كل شيء:

وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16)


وحشر له جنوده من الجن والإنس والطير:

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)

واستطاع أن يخضع الجميع لملكه بمن فيهم النمل:

حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)

لكن ما هي إلا نشوة الانتصار التي جعلته (نحن نظن) ينشغل بالصافنات الجياد:

إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)


فأنشغل بحب الخير عن ذكر ربه:

فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)

(للتفصيل انظر مقالة ما دلهم على موته إلا دابة الأرض)

وهنا بالضبط حصلت الفتنة لسليمان. وانظر عزيزي لقارئ – إن شئت- السياق القرآني كله:

وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)

السؤال: ما الذي حصل؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما اشتد ملك سليمان، ظن أن ملكه قد تحصن باستحالة أن يصل إلى كرسيه أحد، فربما (نحن نتخيل ونفتري الظن) اغتر الرجل بنفسه، فانشغل بحب الخير (أي من النساء الصافنات الجياد) عن ذكر ربه:

فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)

وهنا بالضبط (نحن لازلنا نتخيل) كانت فتنة الله له بالمرصاد، فأُلقي على كرسيه جسدا. وهنا بالضبط عاد سليمان إلى صوابه، فطلب المغفرة من ربه، وكان دعاؤه ربه على النحو التالي:

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35)

فكان جواب دعائه على النحو التالي:

فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)

السؤال: كيف إذن حصلت الفتنة لسليمان؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن أن قبل هذه الحادثة لم تكن الريح قد سخرت لسليمان، بدليل أن تسخيرها قد جاء بعد دعائه ربه:

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36)

السؤال: ما علاقة هذا بفتنة سليمان وإلقاء الجسد على كرسيه؟

جواب مفترى خطير جدا جدا لا تصدقوه: نحن نظن بأن الجسد قد أُلقي على كرسي سليمان عن طريق الريح. انتهى.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الريح لا يمكن أن تلقي بشيء إلقاء إلا أن كانت مسخرة. انتهى.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: لو تدبرنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا بأن الريح يمكن أن تهوي بالشيء، قال تعالى:

حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)

فربما نستطيع أن نستنبط من هذه الآية الكريمة (كما نفهمها) أن الريح قد هوت بذلك الشيء الذي كانت تحمله. ليكون السؤال على الفور هو: ما الفرق بين أن تهوي الريح بشيء ما أو أن تلقي به إلقاء؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أنه في حالة أن تهوي الريح بشيء، فإن ذلك الشيء يمكن أن يصل إلى الأرض بأي طريقة ممكنة، فعندما تهب الريح الحاملة للأشياء، فإنها قد تهوي بها في أي مكان وبأي طريقة، لكن يكون ذلك بطريقة غير منتظمة مادام أن الشيء الذي حملته الرياح قد وصل إلى الأرض بأي حالة ممكنة.

أما عندما تلقي الريح بشيء ما، فإن ذلك يكون – لا شك عندنا- منظما، لأن الريح تكون في هذه الحالة مسخرة.

السؤال: ما علاقة هذا بما حصل لكرسي سليمان؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: لما كان سليمان يظن أنه قد اشتد ملكه، غفل عن احتمالية أن يكون هناك من يستطيع تسخير الريح، فيأتي كرسي سليمان من الأعلى. وهذا ما حصل كما يمكن أن نتخيله.

لم يكن هناك فرصة لاختراق ملك سليمان إلا من الأعلى، لذا عندما تفقد سليمان جنوده من الجن والإنس والطير، كان المكان الشاغر الذي كان صاحبه غائبا هو من الطير، الهدهد:

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)

لذا، كان سليمان يشك في الولاء الكامل للهدهد، وذلك لأن سليمان يخشى من يمكن أن يأتي ملكه من الأعلى، فما أن عاد الهدد من سبأ بنبأ يقين:

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)

لم يطمئن قلب سليمان لقول الهدد اطمئنانا كاملا، فبقي في نفسه شيء يبين شكّه في صدق الهدهد، فقال:

قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن قلب سليمان لم يكن مطمئنا للهدهد (أي الطير) لعلمه أن نقطة ضعف ملكه تكمن في اختراقه من فوق.

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: نحن نعرف يقينا بأن جنود سليمان هم ثلاثة: الجن والإنس والطير:

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)

فسليمان يعلم استحالة أن يؤتي من ملكه (كرسيه) عن طريق الجن، وذلك لأن حركة الجن هي حركة اهتزازية:

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)


نتيجة مفتراة: حركة الجن هي حركة اهتزازية من تحت إلى فوق، فلو فعلا حاول الجن الاقتراب من كرسي سليمان لتم اكتشافه على الفور.

كما يعلم سليمان استحالة أن يؤتي ملكه (كرسيه) عن طريق الإنس لأن حركة الإنس هي حركة سعي:

وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9)


نتيجة مفتراة: حركة الإنس هي حركة سعي، فلو حاول الإنس الاقتراب من كرسي سليمان لتم اكتشافه على الفور.

لكن سليمان لم يكن متيقنا من استحالة أن يؤتى ملكه (كرسيه) من الأعلى. وهو يعلم حتى الساعة أن ذلك لا يمكن أن يقوم به إلا الطير لأنه هو الكائن الوحيد القادر على الطيران:

وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)

لكن ما غفل عنه سليمان (نحن نرى) هو أن هناك احتمالية قائمة أن يؤتى ملكه (كرسيه) من الأعلى ولكن ليس من قبل الطير وإنما عن طريق الريح.

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأنه بالفعل حصل ذلك الاختراق لملك سليمان (كرسيه) من خلال الريح.

السؤال: كيف حصل ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نتخيل أنه ما قبل فتنة سليمان هذه كان هناك من عنده القدرة على التحكم بالريح، وما أن أتيحت له الفرصة للانقضاض على كرسي سليمان حتى استغلها، فالقي على كرسي سليمان، فكان هو ذلك الجسد.

تساؤلات

- من هو ذلك الجسد؟

- من أين جاء هذا الجسد؟

- وأين ذهب ذلك الجسد؟

- الخ

إن هذا الطرح المفترى من عند أنفسنا يدعونا فورا إلى محاولة تدبر معنى مفردة الجسد كما ترد في النص القرآني نفسه، ليكون السؤال المطروح على الفور هو: ما هو الجسد؟

رأينا المفترى: نحن نظن أنه من أجل محاولة الإجابة على هذا التساؤل، فإن المنطق يدعونا إلى جلب المفردات الأخرى ذات العلاقة، وهي على وجه التحديد مفردة الجسم والبدن. ليصبح السؤال الآن على النحو التالي: ما الفرق بين الجسد والبدن والجسم؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: إن من أول الملاحظات التي نظن أنه يجب جلب الانتباه إليها هنا هو محاولة تدبرها من زاوية لغوية بحتة تخص حالتي المفرد والجمع لهذه المفردات (الجسد والبدن والجسم).

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: لو تدبرنا مفردة الجسم، لوجدنا بأنها تجمع على "أجسام"، قال تعالى:

وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)

ولو تدبرنا مفردة البدن، لوجدناها تجمع على لفظ "بدن":

وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)

ولكن لو حاولنا البحث عن مفردة الجسد على مساحة النص القرآني كله، لوجدناها تجمع على لفظ "جسد" نفسه. فما ألقي على كرسي سليمان كان جسدا واحدا:

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)

والسامري أخرج للقوم عجلا واحدا، فكان جسدا:

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)

ولكن نجد – بالمقابل- أن لفظة الجسد يمكن أن تكون جمعا، كما جاء في الآية الكريمة التالية:

وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)


السؤال: ما الذي يمكن أن نستفيده من ذلك؟

جواب مفترى خطير جدا: نحن نفتري القول بأنه إذا كان للكلمة صيغة جمع تختلف عن صيغة المفرد (مثل جسم – أجسام و بدن - أبدان)، فإن ذلك يعني بأن هناك فروقات بين هذه الكينونات التي تم جمعها. فالأجسام ليست كلها متطابقة، فكل جسم يختلف عن الجسم الآخر وإن كانت كلها في نهاية المطاف أجسام. والمنطق نفسه ينطبق على مفردو بَدن. فالمفردة تجمع على بُدن، لذا يختلف المعنى بين البُدن باختلاف اللفظ. فبالرغم أن كلها بُدن، لكن يبقى لكل بَدن منها خاصية مميزة له تجعله مختلفا عن البَدن الآخر. فالبقرة بدن والناقة بدن، إلا أن لكل واحدة منها مذاقه المميز، ونجد مثل هذا الاختلاف بين البدن من الصنف الواحد. فلحم البقرة الواحدة يختلف في مذاقه من طعم لحم البقرة الأخرى، وهكذا. وبالرغم أنك أنت جسم وأنا كذلك جسم، لكن الفرق بين جسمي وجسمك واضحا للعيان بالرغم أن كلها أجسام.

أما بالنسبة لكلمة جسد، فإنها تجمع على اللفظ نفسه (أي جسد)، لذا يستحيل (نحن نفتري الظن) أن يختلف جسد عن جسد آخر. فكل جسد مطابق تماما للجسد الآخر، فجميعها في نهاية المطاف جسد.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: يختلف المعنى بين مفردة وأخرى بمقدار اختلاف اللفظ بينهما. وما أن تتطابق مفردتان في اللفظ حتى يكون التطابق في المعنى مكافئ للتطابق في اللفظ.

السؤال: ما الذي يجعل الجسد (الجمع) متطابقا؟

جواب مفترى من عند أنفسنا خطير جدا: نحن نظن أن الجسد له مميزات ثابتة يستحيل أن تتغير. انتهى.

السؤال: ما هي ميزات الجسد (مهما كان)؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نظن أن شيئين أثنين هما ما يميز كل جسد، وهما (1) عدم أكل الطعام و (2) الخلود.

السؤال: أين الدليل على ذلك (كما تزعم)؟ يسأل صاحبنا ربما متعجلا الإجابة.

رأينا المفترى: نحن نجد الدليل على ذلك في الآية الكريمة التالية (كما نفهمها طبعا)، قال تعالى:

وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)


تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نتخيل أنه لو جعل الله أي شيء جسدا، لكان جسدا لا يأكل الطعام، ولكان هذا الجسد إذن من الخالدين.

إن ما يهمنا قوله هنا هو التالي: إن الذي يغيّر الجسم (أي جسم) ليصبح جسدا هو عدم أكل الطعام، فالجسم يبقى جسما مادام أنه يأكل الطعام، لكنه يصبح جسدا إذا انتفت الحاجة إلى أكل الطعام. لذا فإننا نتجرأ على البوح بالعقيدة التي مفادها أن الذي يجعل الأجسام فانية هو أكل الطعام. فمن يأكل الطعام، فلابد أن يفنى. لكن - بالمقابل – نحن نتجرأ على القول بأن الذي لا يأكل الطعام فهو باق، فلا يكون عرضة للفناء مادام على هذه الهيئة.

ولا شك عندنا أن لهذا تبعات جمة وخطيرة جدا سنتعرض لها لاحقا متى ما أذن الله لنا بشيء من علمه فيها، فالله وحده أسأل أن يؤتيني علما لا ينبغي لغيري إنه هو السميع البصير – آمين.

الدليل

عندما حصلت الفتنة لقوم موسى من رب العالمين، كانت الضلالة لهم واقعة من قبل السامري:

قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)


وكانت ضلالة السامري لهم قد تمثلت في إخراجه لهم ذلك العجل، الذي كان جسدا:

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)


فما أن أخرج السامري لهم ذاك العجل من حليهم:

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ (148)


حتى كانت ردة فعلهم أن هذا العجل هو إله:

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)

والإله (إي إله) - لا شك عندنا- لا يأكل الطعام وهو من الخالدين.

السؤال: كيف تخلص موسى من العجل؟

رأينا المفترى: لقد افترينا القول في أكثر من مقالة سابقة بأنه من الاستحالة التخلص من الإله إلا بالماء، لذا عمد موسى إلى إحراق العجل ثم نسفه بعد ذلك في اليم نسفا:

... وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)


(للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان قصة يونس وباب الأمانة)

ونحن نكاد نجزم الظن بأن العجل قد أصبح جسدا بسبب القبضة التي قبضها السامري من أثر الرسول:

قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)

ولقد تخيلنا ذلك في مقالتنا تحت عنوان (قصة السامري الجزء الأول والثاني) بأن القبضة هي ذلك الجزء المكور على رأس عصا موسى. وهو بحجم قبضة الرجل، كما في الشكل التوضيحي التالي:


فالشخص القابض بالعصا هو موسى، وهذه الجدارية تصور نفس موسى (الثور الهائج) والمرأتين اللتين وجدهما على ماء مدين. والجدارية تبرز موسى ماسكا عصاه. ونحن ندعو القارئ الكريم إلى النظر إلى رأس تلك العصا، وهي - برأينا- تلك القبضة التي قبضها السامري من العصا لاحقا. وسنخوض في تفاصيل الجدارية لاحقا بحول الله وتوفيق منه، فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو السميع البصير – آمين.

فما أن ألقى القوم حليهم حتى كانت تلك العصا بارزة بين حلي القوم الملقاة على الأرض:

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ (148)

فقبض السامري قبضة من تلك العصا، فنبذها:

قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)

السؤال: ماذا فعل السامري بتلك القبضة؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: وضع السامري شيئا من تلك القبضة في حلي القوم التي أخرجها لهم على شكل عجل، فدبت الحياة فيه، فكان جسدا:

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)

إن ما يهمنا افتراءه هنا هو الظن بأن العجل قد كان جسدا مادام أنه لم يكن يأكل الطعام، وكان بذلك من الخالدين لو أنه بقي على تلك الحالة. ولو لم يعمد موسى إلى إحراقه ونسفه في اليم نسفا، لبقي العجل جسدا لا يفنى.

السؤال: هل وضع السامري كل تلك القبضة التي قبضها من أثر الرسول في العجل جملة واحدة؟

جواب مفترى: كلا، لقد وضع السامري شيئا من تلك القبضة في العجل، لكنه نبذ القبضة كلها:

قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96)

السؤال: ما الذي فعله السامري بتلك القبضة كلها؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن السامري قد نبذ تلك القبضة (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا).

السؤال: كيف يمكن أن نفهم أن السامري وقد نبذ تلك القبضة التي قبضها من أثر الرسول؟

جواب مفترى: نحن نظن أنه من أجل أن تنبذ شيئا ما، فإنه يتطلب وجود مكان ما ليتم نبذ الشيء فيه.

الدليل

عندما حاولنا تدبر السياقات القرآنية كلها التي وردت فيها مفردة "نبذ" ومشتقاتها، وجدنا أن القوم قد نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، قال تعالى:

وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101)

وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)


والله هو من نبذ فرعون وجنوده في اليم:

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)

فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)


والله هو من نبذ صاحب الحوت في العراء

فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ (145)

لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)


والكافرون لا محالة سينبذون في النار:

كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)

وما أن تخاف من القوم خيانة حتى يصبح لزاما عليك أن تنبذ إليهم على سواء:

وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ (58)

السؤال: ما الذي يمكن أن نفهمه من هذه السياقات القرآنية الخاصة بفعل النبذ؟

جواب مفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن النبذ يتطلب وضع الشيء المنبوذ في مكان محدد بعينه، ربما حتى يصعب على الآخرين الوصول إليه. لذا، نحن نتجرأ على القول بأن السامري قد نبذ القبضة التي قبضها من اثر الرسول في مكان محدد بعينه، فأصبح من الصعب على الآخرين (حتى موسى نفسه) الوصول إليه؟

السؤال: أين نبذ السامري تلك القبضة؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا لا تصدقوه: لما كانت العصا هي آية من آيات الله (كما أن الكتاب فيه آيات الله)، فإن من ينبذها يقوم بوضعها وراء ظهره.

السؤال: أين الدليل على أن السامري قد نبذ القبضة وراء ظهره؟

رأينا المفترى: ربما نستطيع أن نتجرأ على هذا الظن (بأن السامري قد نبذ القبضة وراء ظهره) مما قاله موسى للسامري:

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: دعنا نحاول تدبر قول موسى هذا:

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ...

إن أول ما يمكن أن نستنبطه من كلام موسى هذا هو أن قول موسى للسامري يعتبر بمثابة مكافأة معجلة له (وإن كانت في الوقت ذاته عقابا مؤجلا له). فموسى يعطي للسامري ثلاث جوائز دنيوية عاجلة، وهي على النحو التالي:

1. البقاء في الحياة كلها (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ)

2. قدرة السامري أن يقول لا مساس (أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ)

3. وأن للسامري موعدا لن يخلفه (وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ)

السؤال: كيف يمكن أن نفهم قول موسى هذا للسامري؟

رأينا المفترى: نحن نفهم قول موسى (ربما مخطئين) على النحو التالي: يستطيع السامري أن يذهب في الحياة، لذا فهو باق ما بقيت الحياة. فلا موت يصيب الرجل.

نتيجة مفتراة خطيرة جدا جدا: مادام أن السامري يستطيع أن يذهب في الحياة، فهو إذن باق ما بقيت الحياة، ولكن حتى يستطيع السامري أن يبقى في الحياة فلا يصيبه الموت، يصبح لزاما أن يتحول السامري من جسم (يأكل الطعام) إلى جسد (لا يأكل الطعام). فما عاد بحاجة أن يأكل الطعام، فأصبح بذلك (نحن نرى) من الخالدين.

السؤال: كيف يمكن أن يصبح السامري من الخالدين؟

رأينا المفترى: مادام السامري قد أصبح جسدا (لا يأكل الطعام) ومادام أنه قد أصبح من الخالدين، فهو إذن يستطيع أن يقول لا مساس.

السؤال: كيف كان السامري يستطيع أن يقول لا مساس؟ وما فائدة ذلك بالنسبة له؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن عبارة (لَا مِسَاسَ) لها علاقة بالمس. وهي بكلمات أكثر دقة مفردة تدل على الجمع، فالمساس هو جمع المس. ولو تدبرنا النص القرآني جيدا، ربما حق لنا أن نقول أن المس يأتي من المصادر التالية:

أولا، يمكن أن يأت المس من الله، فيكون ضرا، قال تعالى:

وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17)

ثانيا، يمكن أن يأت المس من الشيطان:

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)


ثالثا، يمكن أن يأتي المس من الكبر:

قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54)

السؤال: كيف يمكن أن نفهم الآن قدرة السامري على أن يقول لا مساس؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: مادام أن السامري يستطيع أن يقول لا مساس، فهو إذن في حصانة من أن يمسه الضر من الله، كما أنه في حصانة من أن يمسه الشيطان بنصب وعذاب، وهو أيضا في حصانة من أن يمسه الكبر. لذا فهو في نهاية المطاف جسدا لا يأكل الطعام وهو إذن من الخالدين. انتهى.

السؤال: ما الذي أودع هذه الخصائص في السامري؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: إنها تلك القبضة التي قبضها من أثر الرسول، فنبذها، أي جعلها مخفية وراء ظهره.

السؤال: كيف يمكن أن نتخيل ذلك الرجل إذن؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن الرجل هو شخص عادي باستثناء أنه ينبذ وراء ظهره قبضة من أثر الرسول. وهي جزء من تلك العصا التي هي آية الله الكبرى، والتي ما دخلت في شيء إلا دبت فيه الحياة الأبدية.

السؤال: ما علاقة هذا بالجسد الذي ألقي على كرسي السامري؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن طلب موسى من الرجل الذهاب حتى ذهب فعلا، فكان جسدا طليقا لا يمسه الضر ولا النصب أو العذاب ولا الكبر، فكان يستطيع أن يفعل ما يريد. وما أن اختفى موسى عن مشهد الأحداث بموته حتى عاث ذاك الرجل (شيطان الإنس الأكبر - السامري) مع شياطين الجن فسادا في الأرض. فكانت الحقبة الزمنية اللاحقة لموسى هي فترة ذهبية لشياطين الإنس والجن، خاصة عندما استفادوا مما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت:

وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (102)


وما توقف خطرهم إلا بمجيء سليمان الذي أصبح هو الحاكم الأوحد للجن والإنس، وكان ذلك كله بسبب وراثته لوالده داوود، وهو الذي عثر على المنسأة (بقية العصا) في التابوت الذي جاء تحمله الملائكة كآية ملك لطالوت:

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (248)

فما أن توافرت المنسأة في يد سليمان حتى استطاع أن يخضع الجن والإنس والطير لملكه، فحشرهم جميعا:

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)

وفي هذه الفترة الزمنية وجد السامري (شيطان الإنس الأكبر) أن الحياة قد ضاقت عليه بوجود سليمان، فكان لابد له من فعل أي شيء للتخلص من ملك سليمان الذي ضيق عليه الخناق، فما أتيحت له الفرصة إلا يوم أن غفل سليمان عن كرسيه عندما انشغل بحب الخير (الصافنات الجياد) عن ذكر ربه.

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما وجد السامري أن سليمان قد غفل عن كرسيه وانشغل مع الصافنات الجياد، انقض فورا على ملك سليمان، فجلس على كرسيه، وكان ذلك بسبب مقدرته على ركوب الريح، فألقي جسدا على كرسي سليمان:

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)

عاد سليمان من عند الصافنات الجياد، ليجد كرسيه غير شاغرا له بعد مادام أن جسدا قد ألقي عليه، وهنا أدرك سليمان بأن ملكه قد أخترق، فما كان من سليمان إلا أن ينيب إلى ربه. فاستغفر ربه طالبا منه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده:

قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35)

وهنا بالضبط جاء الرد الإلهي على طلب سليمان له بأن يسخر له الريح الذي لم يكن مسخرا له من قبل:

فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36)

وكانت هذه الريح عاصفة:

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)

السؤال: لماذا جاء الرد الإلهي على طلب سليمان بتسخير الريح له؟ لِم لَم يسخر له الماء أو الجبال ونحو ذلك؟

رأينا: كان سليمان بحاجة لأن يسخر له الريح لمواجهة ذاك الشيطان الأكبر (السامري) الذي كان قادرا على التنقل بواسطة الريح.

السؤال: كيف جرت المواجهة بين السامري وسليمان بعد ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن أصبح بإمكان سليمان (لنقل) ركوب الريح حتى جرت المواجهة الشرسة بينه وبين ذلك الجسد في الفضاء الطلق، فركب سليمان الريح العاصفة، وطارد ذلك الجسد الذي يستطيع هو الآخر ركوب الريح.

السؤال: كيف استطاع سليمان التغلب عليه؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأنه لولا امتلاك سليمان لتلك المنسأة، لما استطاع التغلب على ذلك الشيطان الأكبر (السامري). لكن لما كان سليمان هو من بيده المنسأة، استطاع أن يتغلب عليه وعلى كل شياطين الإنس والجن، قال تعالى:

فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)


السؤال: ماذا فعل سليمان بالرجل بعد أن تمكن منه؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: لو دققنا في تتمة هذا السياق القرآني، لوجدنا فيه العجب خاصة في عبارة (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ)، فمن هم هؤلاء الآخرين المقرنين في الأصفاد؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن حصلت الفتنة لسليمان بوجود ذلك الجسد على كرسيه حتى ظهر من بين حاشية سليمان من هم غير مخلصين له ولملكه، وما أن أتيحت لهم الفرصة بالانقضاض على ملك سليمان حتى كانوا إلى جانب هذا الشيطان الأكبر، وهو الجسد الذي ألقي على كرسي سليمان (السامري)، ظانين أن ملك سليمان قد انتهى وأن الحكم قد آل لهذا الشيطان.

لقد كانت هذه الفرصة (أي الفتنة) فرصة ذهبية لسليمان أن ينظف البيئة المحيطة به من جميع الخونة. لذا ما أن تمكن سليمان من شيطان الإنس الأكبر (السامري) حتى جمع معه كل شياطين الإنس الآخرين من حوله، وما كان عقابهم أفضل من يقرنهم في الأصفاد. فكيف فعل سليمان ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الأصفاد هي عبارة عن صناديق محكمة الإغلاق كما السجن الحديدي، فعمد سليمان (نحن نتخيل) أن يضع هؤلاء في تلك الأصفاد، وأن يقرّنهم فيها. فكيف فعل ذلك؟

جواب مفترى: لو تفقدنا مفردة (مُقَرَّنِينَ) لوجدنا بأن لها علاقة بالقرين (التي تجمع على قرناء)، قال تعالى:

وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38)

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)

وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)

وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)

قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28)

وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)


السؤال: كيف يمكن أن نفهم أن سليمان قد قرّنهم في الأصفاد؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن وضع سليمان الخونة في الأصفاد حتى عمد إلى تقرينهم فجعل على كل زاوية من تلك الأصفاد (نحن نتخيل) شيطانا، ليكونوا لهم قرناء، ليزينوا لهؤلاء ما بين أيديهم وما خلفهم، وليحق القول عليهم، فلا يؤمنون، فيكونوا من أصحاب النار.

السؤال: هل استفاد سليمان من هذا الجسد (السامري) عندما قرّنه في الأصفاد؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: نعم، لقد استفاد سليمان من ذلك الجسد (أي السامري) حتى وهو مقرّن في الأصفاد؟

السؤال: كيف كان ذلك؟

رأينا المفترى: ما أن حصلت قصة إحضار عرش تلك المرأة من سبأ حتى طلب من سليمان ممن هم حوله أن يأتوه بعرشها، فتبرع أولا عفريت من الجن بأن يأتيه بعرشها قبل أن يقوم من مقامه:

قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39)


وهنا انبرى من عنده علم من الكتاب أن يقدم خدماته لسليمان، مادام أنه مسخر له، فقال:

قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)


السؤال: من هو هذا الذي عنده علم من الكتاب فاستطاع أن يأتي بعرش المرأة قبل أن يرتد طرف سليمان إليه؟

جواب مفترى خطير جدا جدا: إنه هذا الجسد المقرن في الأصفاد (إنه السامري).

الدليل

لو تفقدنا الآية الكريم نفسها، لوجدنا بأنها تتحدث عن من عنده علم من الكتاب:

قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)


ولو تفقدنا مفردة الكتاب، لوجدنا أن ظهور لها قد جاء عند موسى:

وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)

وأصبحت تلك الأمة منذئذ تعرف بأنهم هم أهل الكتاب:

مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)

لتكون النتيجة التي نحاول جاهدين الوصول لها هي أن هذا الرجل الذي كان حاضرا في مجلس سليمان وعنده علم من الكتاب له ارتباط بموسى. فكيف حصل ذلك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: ما أن عاد موسى من لقاءه ربه حتى عاد يحمل الألواح وفي نسختها هدى لبني إسرائيل:

وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)

فما أن سكت عن موسى الغضب حتى أخذ الألواح واهتم بنسخها ليستطيع بنو إسرائيل الاستفادة منها، ونحن نتخيل بأن الرجل (السامري) كان حاضرا ذلك الحدث، فأخذ شيئا من علم الكتاب الموجود في نسخة الألواح، وما أن انتهى موسى من نسخ الألواح حتى انتقل ليصفي الحساب مع السامري:

قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)

السؤال: طيب، ما علاقة هذا كله بالصلاة وبعد الركعات؟ نحن نسأل مرة أخرى.

جواب: هذا ما سنحاول الخوض فيه في الجزء القادم بحول الله وتوفيقه. فالله وحده أسأل أن يعلمني ما لم أكن أعلم، وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، وأن يزيدني علما، إنه هو العليم الحكيم - آمين.


المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان

بقلم د. رشيد الجراح

20 نيسان 2017






هناك تعليق واحد:

  1. غير معرف19/10/20

    هل يعقل ان تكون الصلاة بثلاث طرق اما قيام او ركوع او سجود وكيف تم جمعهم في صلاة واحدة ولماذا قال الله في اية. فاذا قرات القران فاستعذ بالله الخ.... الاستعاذة تاتي بعد القراءة وقرات فعل ماضي اوت تم عمله

    ردحذف