فقه الحج - رؤية جديدة 2


فقه الحج - رؤية جديدة

بدأنا النقاش في الجزء السابق من هذه المقالة في موضوع مشروعية الحج كعبادة مفروضة من الله على الرجال من الناس، واضطررنا للتدقيق بالمفردات القرآنية التي قد تبدو للوهلة الأولى ويكأنها واضحة للعيان. فانصب النقاش على مفردات مثل الناس، الأولاد، البنين، الأبناء، الرجال، البنات، والنساء. فكانت الافتراءات التي قدمناها حينئذ على النحو التالي:

- الناس هم فئة الذكور المكلفين بالعبادة والقادرين على اتخاذ الشهوات، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)


- الأولاد هم ذرية الناس من الذكور والإناث، قال تعالى:

يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ... (11)

- البنين هم ذرية الناس من الذكور الذين لم يبلغوا الحلم بعد (سن النكاح)، فكانوا جزءا من متاع الحياة الدنيا، وجزء من زينتها، قال تعالى:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)

الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)

- الأبناء هم ذرية الناس من الذكور الذين بلغوا الحلم (سن النكاح)، فكانوا قادرين على اتخاذ الحلائل، وقادرين كذلك على إحداث النفع، قال تعالى:

... وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ... (23)

... آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11)


- البنات هي ذرية الناس من الإناث وتشمل الفئتين: من لم تبلغ منهن المحيض ومن بلغت منهن المحيض، فأصبحت مؤهلة للنكاح، قال تعالى:

وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ ... (50)


- الخ

والجدول التالي يوضح – برأينا- العلاقة بين هذه الفئات العمرية:

مفرد
جمع
مرحلة عمرية (1)
مرحلة عمرية (2)
مرحلة عمرية (3)
مرحلة التكليف
ولد (ذكر)
أولاد
ولدان
بنين
أبناء
رجال
ولد (أنثى)
أولاد
ولدان
بنات
بنات
نساء

وكان الافتراء الأكبر يتمثل في التفريق بين مفردتي البنين (بنون) والأبناء، فزعمنا القول (ربما مخطئين) بأن البنين هي المرحلة العمرية للذكور من الذرية، حيث يكونوا جزء من متاع الحياة الدنيا وجزء من زينتها، فهم – برأينا- الذين لم يبلغوا مرحلة النكاح حتى يتخذوا حلال لهم، وهم غير القادرين بعد على إحداث النفع:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)

الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)


بينما الأبناء – بالمقابل- فهم المرحلة العمرية التي تلي ذلك، أي عندما يصل الذكور من الذرية إلى مرحلة النكاح واتخاذ الحلائل، ويكونوا حينئذ قادرين على إحداث النفع:

... وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ... (23)

... آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا (11)


وقد تسابق كثير من القراء لمقالاتنا (على قلتهم) إلى طرح التساؤل المثير التالي عن ما كان يفعل فرعون وقومه ببني إسرائيل في أرض مصر، حيث كانوا يقتّلون أبناءهم ويستحيون نساءهم:

وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)

وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)


فكان مثار الاعتراض عند بعض القراء هو ظنهم التالي (كما فهمناه): ما دام أن فرعون كان يذبّح أبناء بني إسرائيل، فإن ذلك يعني أن مفردة الأبناء تشمل الذرية من الذكور منذ نعومة أظفارهم، أي قبل أن يبلغوا سن النكاح، ويكأن لسان حال إخواننا القراء يقول بأن هذا دليل كاف على عدم صحة زعمنا السابق، أليس كذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن هذا الاستدراك قد خطر ببال كثير من القراء وذلك – برأينا- لفهمهم المغلوط للقصة بسبب الموروث السائد الذي وصلنا جميعا من عند سادتنا أهل الدراية، فلقد جُبل الفكر الشعبي الإسلامي على الظن بأن فرعون كان يعمد إلى تقتيل أبناء بني إسرائيل منذ نعومة أظفارهم، أي منذ سن الطفولة، أليس كذلك؟

رأينا البديل: نحن نكاد ننفي جملة وتفصيلا مثل هذا الفكر الشعبي، وذلك لأن فيه من البساطة ما يمكننا من دحضه (نحن نرى) بكل يسر وسهولة. فمراد القول عندنا هو أن فرعون لم يكن ليذبح "بنين" بني إسرائيل وإنما كان يذبح "أبناءهم"، أي من بلغ منهم مرحلة الحلم، وذلك للأسباب التالية:

أولا، كان فرعون يعبِّد بني إسرائيل في أرض مصر، بدليل قول الله تعالى على لسان موسى:

وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22)

فلو كان فرعون (نحن نتخيل) يذبح كل أبناء بني إسرائيل منذ مرحلة الطفولة، فكيف به سيعبدهم؟ ومن إذن سيقوم بالخدمة في أرض مصر زمن حكم الفرعون؟ من يدري؟!

ثانيا، ها هم آل فرعون يطلبون من فرعون نفسه أن لا يذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض (حسب ظنهم):

وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)

فمن هم بنو إسرائيل الذين كانوا متواجدين حينئذ حتى يطلب الملأ من آل فرعون من فرعون نفسه أن لا يذر موسى وقومه؟ ألم يبدأ تقتيل فرعون لأبناء بني إسرائيل منذ ميلاد موسى على الأقل (إن لم يكن التقتيل أصلا قد بدأ فيهم من ذي قبل)؟ أليس موسى الآن قد بلغ أشده واستوى عندما عاد بالرسالة إلى فرعون وقومه؟ فكيف تبقى لبني إسرائيل في أرض مصر ذرية منذ ولادة موسى وحتى عودته إلى فرعون وقومه بالرسالة؟ من يدري؟!

ثالثا، ها هم بنو إسرائيل أنفسهم يقولون بملء الفيه بأن الأذى قد وقع عليهم من قبل أن يأتيهم موسى ومن بعد ما جاءهم:

قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)

فمن هم قوم موسى الذين وقع عليهم الأذى من قبل أن يأتيهم موسى ومن بعد ما جاءهم لو أن فرعون كان فعلا يقتل كل أبناء بني إسرائيل (في مرحلة الطفولة) كما ظن أهل الدراية من قبلنا؟ من يدري؟!

رابعا، لو صح ما قاله سادتنا العلماء، فمن هو هذا الرجل من بني إسرائيل الذي استنصر موسى عندما دخل المدينة على غفلة من أهلها؟

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15)

فكيف إذن سلم هذا الرجل من القتل مادام أن فرعون كان يقتل كل أبناء بني إسرائيل في مرحلة الطفولة (حسب منطق سادتنا العلماء)؟ فإذا كانت نجاة موسى من القتل قد تمت بتدبير إلهي، فهل نجاة مثل هذا الرجل قد تمت بتدبير إلهي أيضا؟ من يدري؟!

خامسا، إذا كان فرعون يعمد إلى تقتيل كل أبناء بني إسرائيل في مرحلة الطفولة (كما أورثنا الفكر الشعبي التقليدي)، فمن أين ستتحصل الذرية من الإناث في بني إسرائيل حتى يتمكن فرعون من استحياء نساءهم؟ فهل يمكن أن تتحصل الذرية لبني إسرائيل من الإناث لو أن فرعون أهلك تماما ذريتهم من الذكور؟ من يدري؟!

سادسا، إذا كان فرعون قد عمد إلى تقتيل كل أبناء بني إسرائيل في مرحلة الطفولة (كما أخبرنا الفكر التقليدي)، فمن هم الذين جاء موسى ليطلب لهم الخروج من عند فرعون؟

حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)


سابعا، إذا كان فرعون قد عمد إلى تقتيل كل أبناء بني إسرائيل في مرحلة الطفولة (كما أخبرنا الفكر التقليدي)، فمن هم هؤلاء الذين جاوز الله بهم البحر مع موسى؟ أليس هم بنو إسرائيل؟ من يدري؟!

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)


الفكر البديل: نحن ننفي جملة وتفصيلا أن يكون فرعون قد عمد فعلا إلى إهلاك كل ذرية بني إسرائيل بتقتيل أبناءهم، كما نرفض أيضا الظن بأن يكون فرعون قد كان يقتل أبناء بني إسرائيل في مرحلة الطفولة، وذلك لأن فرعون يحتاج إلى ذرية من بني إسرائيل ليعبدهم، كما يحتاج إلى ذرية منهم للتكاثر حتى يكون فيهم نساء يمكن لفرعون أن يستحييهن.

الدليل

لو تفقدنا جميع السياقات القرآنية التي تبين لنا ما كان يفعل فرعون وقومه ببني إسرائيل في أرض مصر، لوجدنا أنهم كانوا يقومون بفعلين اثنين، وهما تقتيل الأبناء واستحياء النساء. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في السياقات القرآنية التي جاءت في كتاب الله بهذا الصدد مرة أخرى. قال تعالى:

وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)

وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)


لنخرج بالاستنباط الخطير جدا لتالي: مادام أن فعل الاستحياء كان يقع على نساء بني إسرائيل وليس على بنات بني إسرائيل، فإننا نفتري الظن بأن فعل التقتيل كان يقع على أبناء بني إسرائيل وليس على بنين بني إسرائيل. انتهى.

السؤال: لماذا؟ وكيف كان يحصل ذلك على أرض الواقع؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نتخيل ما كان يجري في أرض مصر حينئذ على النحو التالي: كانت الغلبة في أرض مصر حينئذ لفرعون وقومه على بني إسرائيل، فكانوا فوقهم قاهرين. وكان على فرعون (نحن لازلنا نتخيل) أن يتخذ من بني إسرائيل عبيدا له ولقومه في أرض مصر، فلم يكن ليعمد إذا إلى إهلاك ذرية بني إسرائيل بالكامل، وذلك لأغراض منفعية بحته له ولقومه. فنحن نتخيل ما جرى في أرض مصر حينئذ على نحو أن فرعون قد قسم أرض مصر التاريخية إلى قسمين اثنين، فكان بنو إسرائيل يسكنون الأرض (أرض مصر):

وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)

وكان فرعون وقومه يتخذون عروشا فوقهم:

وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ (137)

(للتفصيل انظر المقالات السابقة)

فما كان أحد من قوم موسى (بني إسرائيل) ليجرؤ الخروج على فرعون وقومه، فحصل لهم الأذى من قبل أن يأتيهم موسى ومن بعد ما جاءهم:

قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)

ولما كان فرعون حريصا على عدم هلاك كل ذرية بني إسرائيل في أرض مصر، كان عليه أن يترك أولادهم من الذكور والإناث حتى يصلوا مرحلة الحلم، فيقوم فرعون بنفسه كما يقوم قومه من بعده بفعل استحياء نساء بني إسرائيل، وفي الوقت ذاته يعمد إلى تقتيل أبناء بني إسرائيل. ولعلي أكاد أجزم الظن بأن فرعون كان يوقع التقتيل في أبناء بني إسرائيل الذين يحاولون الخروج والتمرد عليه. فمادام هؤلاء الذرية من ذكور بني إسرائيل خاضعين خانعين يرضون بالأذى ويقبلون الاستعباد في الأرض، فإن هذا لا يشكل خطرا على فرعون وقومه، بل على العكس فإن الفائدة المرجوة من وجودهم تتحقق لفرعون وقومه بعدم تقتيلهم. ولكن لو حصل أن حاول نفر من أبناء بني إسرائيل الخروج على فرعون وقومه، رافضا الأذى والعبودية الواقعة عليهم حينئذ، لم يكن فرعون ليتردد في قتله، وليس أدل على ذلك - برأينا- من حادثة الرجلين اللذين كان يقتتلان عندما دخل موسى المدينة على حين غفلة من أهلها:

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15)

وهنا نطرح التساؤلات التالية تباعا:

- لماذا دخل موسى المدينة على حين غفلة من أهلها؟ 

- أين كان موسى متواجدا أصلا قبل أن يدخل المدينة على حين غفلة من أهلها؟ 

- ألم يكن هاربا خارج المدينة؟ لم أصلا هرب من المدينة هذه المرة؟

- إذا كنا نعلم أن موسى قد خرج خائفا يترقب في المرة الثانية متجها إلى مدين بعد أن قتل الرجل في اليوم الأول وحاول في صبيحة اليوم التالي أن يقتل الرجل الآخر، فلم كان هاربا متواجدا خارج المدينة قبل ذلك؟

- الخ

رأينا: نحن نظن أنه من سذاجة التفكير أن يظن المرء بأن فرعون لم يكن على دراية تامة بأن موسى أصلا من بني إسرائيل، فهو الذي وجه لموسى الخطاب قائلا:

قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)

السؤال: لماذا إذن رضي فرعون أن يتربى أحد من بني إسرائيل فيهم مادام أنه أصلا كان يقتل أبناءهم؟

رأينا المفترى: ربما يرى المقلد للفكر الشعبي بأن محاولة فرعون لقتل موسى وليدا (عندما التقطه آل فرعون من اليم) دليلا على أن فرعون كان يقتل أبناء بني إسرائيل في سن الطفولة، أليس كذلك؟

رأينا المفترى: نحن نرفض هذا السيناريو على الأقل لسببين اثنين، وهما:

1. كان الدافع عند فرعون وآله لمحاولة قتل الطفل موسى هو (نحن نرى) عدم معرفتهم حينها لنسب هذا الطفل الذي جاء من الماء، فهم الذين حيّرهم سر وصول هذا الطفل إلى الماء بهذه الطريقة، فكان لابد (بالنسبة لهم) من التحقق من نسبه قبل كل شيء.

2. لو كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل في سن الطفولة، لما تمكنت أم موسى من كتمام خبر وليدها حتى ترضعه، ويصل مرحلة الفطام (للتفصيل انظر المقالات السابقة).

وهذا يدعونا إلى تبني الفكرة التي نحاول الترويج لها بأن فرعون لم يكن ليعمد إلى تقتيل ذرية بني إسرائيل في مرحلة الطفولة (أي بنين) وإنما كان ينتظر حتى تصل هذه الذرية من الذكور إلى مرحلة البلوغ (أي الأبناء)، وربما يوصلنا مثل هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا (على ركاكته) إلى السؤال المحوري الخاص بهروب موسى من أرض مصر في المرة الأولى فما عاد ودخل المدينة من جديد إلا عندما كان أهلها كلهم في غفلة.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: لبث موسى في آل فرعون سنين من عمره، وكان المدافع الأول عنه حينئذ هي امرأة فرعون التي أصرت على اتخاذه ولدا لها ولبعلها (أي فرعون نفسه). فلم تكن لتدع فرعون وآله ليقتلوا موسى بحجة المنفعة واحتمالية اتخاذه ولدا. ولكن ما أن طلبت تلك المرأة المؤمنة بربها النجاة من فرعون وعمله بالموت:

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)

حتى ظهرت علامات الإصلاح على موسى، بدليل أن الناس كانوا يعرفون تماما بأن موسى كان يريد أن يكون من المصلحين كما جاء على لسان الرجل الذي حاول موسى في اليوم التالي قتله من آل فرعون:

فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)

وما أن بدأ موسى يُظهر في تلك المرحلة العمرية مقاومته لسياسة فرعون الذي كان من المفسدين، ولما كان موسى يحاول أن يكون من المصلحين (وليس جبارا في الأرض كفرعون)، لم يكن ذلك ليرضي فرعون نفسه وملئه من حوله، فكان لابد من قتل موسى (حسب منطق فرعون وآله)، فكان هذا - برأينا- السبب الذي دفع بموسى للخروج من المدينة في المرة الأولى. ونحن نكاد نتخيل أن فئة ممن هم حول فرعون حينئذ بمن فيهم امرأة فرعون ووالد هارون (ذو الكفل) وذاك الرجل الصالح الذي جاء يسعى من أقصى المدينة ليحذر موسى من تآمر الملأ به هم جميعا من سهّل لموسى باب الخروج من أرض مصر عندما بلغ مرحلة البلوغ، أي أصبح من فئة أبناء بني إسرائيل الذين وجب فيهم (حسب منطق فرعون وآله) القتل. فتوجه موسى إلى الأرض المقدسة يحمل بيده الهدية الأثمن والجائزة الأكبر التي حصل عليها من بيت فرعون نفسه، ألا وهي العصا، ومكث هناك في الأرض المقدسة (نحن نتخيل) حتى بلغ أشده واستوى، فآتاه الله حكما وعلما هناك:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)   

وفي تلك الفترة تحصل لموسى العلم بموت الفرعون الأول (عدو الله وعدوه)، فدخل المدينة على حين غفلة من أهلها، أي عندما كان هناك فراغ سياسي، حيث خلا عرش مصر حينئذ من وصول الفرعون التالي إليه مادام أن الذرية لم تتحصل للفرعون الأول (للتفصيل انظر مقالتنا تحت عنوان قصة موسى). وفي هذه الأثناء حصل تمرد من قبل بني إسرائيل على السلطة الرسمية (الفرعونية)، فحصل شجار بين الطرفين:

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15)

فعاد موسى ليقود حملة الإصلاح من جديد، إلا أنه وقع بالمحظور، فظلم نفسه عندما وكز عدوه فقضى عليه. فاضطر موسى للهرب من المدينة مرة أخرى متجها هذه المرة إلى مدين، فمكث فيها عشرة حجج، أجيرا عند صاحبها، لقاء أنه أنكحه أحدى ابنتيه:

قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)

(للتفصيل أنظر الأجزاء السابقة)

إن ما يهمنا من هذا الاستطراد (ربما غير الضروري) هو تأكيد فكرتنا (ربما مخطئين) لمعنى مفردة الأبناء على نحو أنها تصف الفئة العمرية للذرية من الذكور الذين بلغوا سن النكاح، ولنعيد فهم قصة موسى وفرعون من هذا الباب، حيث يصبح المنطق المفترى من عند أنفسنا على نحو أن فرعون لم يكن ليقتل أبناء بني إسرائيل بمجرد ولادتهم (أي في مرحلة البنين)، وإنما كان يعمد إلى ذلك في مرحلة الأبناء (سن البلوغ)، حيث يبين له ولقومه مَن مِن أبناء بني إسرائيل يستحق أن يقتل ومن منهم يستحق أن يبقى فرعون على حياته من أجل تقديم خدمة العبودية لفرعون نفسه ولقومه من بعده.

عودة على بدء

نعود من هذا النقاش إلى المفردات الأخرى التي حاولنا تبيان معانيها في الجزء السابق، ونخص هنا مفردتي الرجال والنساء، فلقد وجدنا التقابل واضحا في آيات الكتاب الحكيم بين مفردتي الرجال من جهة والنساء من جهة أخرى. فحاولنا تدبّر هاتين المفردتين على وجه التحديد في جميع سياقاتها القرآنية مادام أن الهدف هو فهم الآية الكريمة التي جاءت خاصة بالتكليف بالحج، وهي قوله تعالى:

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)

فكان السؤال الذي طرحناه في نهاية الجزء السابق من هذه المقالة هو: ما معنى مفردة رِجَالًا التي جاءت في سياق هذه الآية الكريمة؟

وحاولنا تسطير افتراءنا بأن المفردة تعني الرجال المكلفين بأداء فريضة الحج، ففهمنا الجزء الأول من هذه الآية الكريمة على نحو أنها تشير للذكور بدليل الفعل يَأْتُوكَ بينما فهمنا (ربما مخطئين) الجزء الثاني من الآية الكريمة نفسها على نحو أنها موجهة للنساء بدليل الفعل يَأْتِينَ. وزعمنا الظن بأن الحج الذي يقوم به الرجال يقع في باب التكليف بينما الحج الذي تقوم به النساء يقع في باب التشريف وليس التكليف.

وعندها حاولنا الربط بين مفردة رِجَالًا التي جاءت في هذه الآية الكريمة الخاصة بفريضة الحج:

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)

مع مفردة رِجَالًا التي ترد في الآية الكريمة التالية:

فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (239)

وعند استعراض جميع السياقات القرآنية التي وردت فيها مفردة رجل، وهي:

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (239)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)

لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (7)

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)


الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)

وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75)

إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98)

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)

وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)


إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81)

لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۖ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)

رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)

أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)

أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29)

مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)

مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)

وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ (62)

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ۚ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)


خرجنا بالاستنباط (ربما مخطئين) الذي مفاده أن هناك علاقة بين مفردة رجالا التي تعني (الذكور من الناس):

وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ (62)

وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)


ورجالا التي تعني السير على الأرجل:

فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (239)

فكلاهما (نحن نرى) مشتق من الجذر الثلاثي (ر ج ل)، كما في الشكل التالي:

رَجل
رجالا
رِجل
رجالا

ليكون السؤال على الفور هو: ما العلاقة بين المفردتين؟ ولماذا يشتركان في الجذر الثلاثي نفسه؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الحاجة تتطلب التدقيق في جميع أشكال هذه المفردات ومشتقاتها كما في الجدول التالي:

مفرد
مثنى
جمع
حال
رَجل
رَجلين
رجال
رجالا
رِجل
رِجلين
أرجل
رجالا

باب رَجلين ورِجلين

لعل من أوضح الفروقات بين المفردتين تأتي في صيغتي المثني والجمع. أما في صيغة المثنى فالفرق واضح بالحركة، حيث تكون حركة حرف الراء مفتوحة في مفردة رَجلين ومكسورة في مفردة رِجلين: وانظر التقابل بينهما في الآيتين الكريمتين التاليتين:

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15)

وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)


باب رجال وأرجل

أما في صيغة الجمع، فإن لكل واحد منهما صيغة في الجمع تختلف عن الأخرى، ففي حين أن الأولى تجمع على رجال، فإن الثانية تجمع على أرجل. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في التقابل بين الآيتين الكريمتين التاليتين:

رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)


باب رجالا

في حين أن القارئ للنص القرآني قد لا يجد صعوبة في تمييز صيغتي المفرد (رَجل ورِجل) والمثنى (رَجلين ورِجلين) والجمع (رجال وأرجل) لهاتين المفردتين، تكمن الصعوبة في صيغة الحال الواحدة (رِجَالًا) لكلا المفردتين، كما في الآيتين الكريمتين التاليتين:

وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)

فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ (239)


ليكون السؤال على الفور هو: إلى أي الصيغتين يمكن أن ترتبط مفردة رِجَالًا الواردة في الآية الكريمة الخاصة بالآذان بالحج التالية؟

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)

السؤال المحوري: هل يمكن أن نفهم هذه المفردة على نحو رِجَالًا (أي البالغين المكلّفين من الذكور) أم رِجَالًا (السعي على الأقدام)؟

رأينا المفترى الخطير جدا جدا: نحن نفتري القول أننا يجب أن نحمل المفردة على كلا المعنيين، أي رجال (بالغين مكلفين) يمشون على أقدامهم. فالمفردة برأينا تصور لنا حال هؤلاء المكلفين بالقيام بفريضة الحج. انتهى.

تبعات هذا الظن

إن من أخطر تبعات هذا الفهم المفترى هو التالي:

- الحج فريضة مكلف بها من بلغ الحلم من الذكور (رِجَالًا)

- الحج فريضة على من بلغ الحلم من الذكور يقومون بها سيرا على الأقدام (رِجَالًا)

- لا يقع التكليف على من لا يستطيع السير على الأقدام من الرجال (أي المستضعفين من الرجال)

- لا يقع مثل هذا التكليف على النساء

- لا يقع مثل هذا التكليف على الولدان

إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98)

- الخ.

الدليل

لو تفقدنا آية الكتاب الحكيم التالية الخاصة بالحج، لوجدنا أنها توجه الخاطب للذكور فقط، قال تعالى:

وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)

ولو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أنها تخاطب الذكور أيضا:

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)

وهذا يقودنا إلى تقديم الافتراء الخطير جدا التالي الذي نظن أنه (إن صح) ربما يقلب الأمور كلها رأسا على عقب، ألا وهو: لا يقع الحج (بدخول المسجد الحرام) إلا على من وجب عليه الحلق والتقصير. لذا، نحن نفتري القول بأنه مادام دخول المسجد الحرام يتطلب الحلق والتقصير، فإن ذلك يدل برأينا (ربما مخطئين) على عدم إلزامية الإناث بالحج، لأنهن غير مشمولات بشعيرة الحلق والتقصير. انتهى 

السؤال: لماذا؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: من أجل محاولة الوقوف على الحكمة من إلزامية الحلق والتقصير (كشعيرة) لمن يدخل المسجد الحرام في مهمة إتمام الحج والعمرة لله، فإن هذا يتطلب منا العودة إلى محاولة فهم شعائر الحج كلها، وطريقة القيام بها لمن أراد أن يتم الحج والعمرة لله.

وبناء على هذا، دعنا نعود إذن للقصة من بدايتها، محاولين تقديم افتراءات نظن أنها غير مسبوقة، مؤكدين في الوقت ذاته لمن أراد المحافظة على إرث الآباء والأجداد أن يتوقف عن القراءة فورا، وليشغل نفسه في ما هو أكثر فائدة له، يجنيها من بطون الكتب الصفراء التي سطرها لهم الآباء في مؤلفات عظيمة يصعب تركها أو حتى وضع ما جاء فيها على طاولة البحث والنقاش.

أما بعد

باب الحلق والتقصير

إن من أول المخالفات في تطبيق شعائر الحج التي نظن أن سادتنا العلماء (أهل الدراية) قد أوقعوا الناس فيها هي هذه القضية، فلقد وصلنا من عند سادتنا العلماء أهل الدراية كما نقله لنا أهل الرواية منهم بجواز الحلق أو التقصير وليس وجوب الحلق والتقصير معا، أليس كذلك؟ لكن لو قرأ طالب المدرسة الذي لم يحصل على إجازات علمية بعد الآية الكريمة السابقة، لخرج على الفور بالاستنباط الذي مفاده إلزامية الحاج القيام بفعلي الحج والتقصير معا (مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)، ولا يكتفي بواحدة من الاثنتين كما زعم أهل الدراية من قبلنا، قال تعالى:

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)

فالطلب الإلهي إذن واضح على نحو (مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ). فهل بعد هذا القول الفصل مجال للمهادنة بواحدة دون الأخرى؟ هل يكتفي الحاج بالحلق؟ أم هل يكتفي بالتقصير (كما زعم السواد الأعظم من سادتنا العلماء أهل الدراية)؟ 

رأينا: كلا وألف كلا. فالحاج مطلوب منه أن يقوم بفعلي الحلق والتقصير معا.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نفتري القول بأن الحاج الذي يكتفي بفعل التقصير (ولا يقوم بالحلق) قد أضاع شعيرة كبيرة من شعائر الحج التي طلب الله منا أن نعظمهما، قال تعالى:

ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)

(دعاء: اللهم رب أدعوك بأن أكون من عبادك المخلصين الذين يعظمون شعائرك، وأسألك وحدك أن أكون من أولي الألباب الذي يتذكرون فيتقون فلا يسحرون، إنك أنت العليم الحكيم – آمين)

السؤال: وكيف ذلك؟ أي كيف يختلف الحلق عن التقصير؟ وما الذي يجب حلقه وما الذي يجب أن يقصر؟

رأينا المفترى: نحن نظن جازمين القول بأن الحلق يصيب الرأس بدليل قوله تعالى (مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ) ولكن التقصير – بالمقابل – يصيب ما يمكن تقصيره وليس حلقه من أجزاء الجسم الأخرى، كاللحى وشعر البط والعانة والأظافر. انتهى.

الدليل

لو تفقدنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن حلق الرأس هو فعل إلزامي بدليل أن من كان به أذى من رأسه فعليه كفارة كما جاء في قوله تعالى:

وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)

السؤال: ما علاقة هذا بعدم إلزامية النساء بشعائر الحج كالرجال؟

رأينا المفترى: إن منطقنا المفترى من عند أنفسنا هو على نحو أنه لو كان تقصير شعر الرأس جائزا (كما روج لذلك كثير من أهل الدراية من قبلنا)، لما كان هناك فدية مفروضة على من كان به أذى من رأسه، أليس كذلك؟

لكن مادام أنه قد وجب على من كان به أذى من رأسه فدية (مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)، فإن حلق الرأس لمن لم يكن به أذى من رأسه واجبا لا هوادة فيه. ليكون السؤال الخطير الآن هو: هل تلزم المرأة بحلق شعر رأسها في أشهر الحج؟ وهل يجب عليها الفدية إن كان بها أذى من رأسها؟

الجواب: كلا وألف كلا، فالمرأة ليست ملزمة بالحلق ولا بالتقصير وليست ملزمة أيضا بالفدية.

تبعات هذا الظن الخطيرة جدا جدا

لما كان دخول المسجد الحرام لا يقع إلا على من قام بفعل حلق الرأس (أو على من قدم فدية لمن كان به أذى من رأسه)، فإن هذا يعفي النساء من دخول المسجد الحرام لأنهن غير ملزمات بحلق رؤوسهن. انتهى.

السؤال: وماذا تفعل النساء في الحج إذن؟

رأينا المفترى والخطير جدا: نحن نظن أن من الممكن للنساء حضور المسجد الحرام، لكن لا يجب عليهن القيام في البيت الحرام. انتهى.

السؤال: ما الفرق بين دخول المسجد الحرام والقيام بالبيت الحرام؟

رأينا المفترى: لو تفقدنا الآيات الكريمة التالية، لوجدنا أن أحدهما تتحدث عن المسجد الحرام، وهنا يأتي ذكر الأهل، قال تعالى:

وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)

ونجد أن الآية الكريمة الأخرى تتحدث عن المسجد الحرام الذي يدخله الرجال المحلقين رؤؤسهم والمقصرين فقط:

لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)

بينما نجد أن الكعبة البيت الحرام هي قيام للناس فقط:

جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)

نتيجة مفتراة: في حين أن الله قد شرع للأهل (بمن فيهم النساء) حضور المسجد الحرام إلا أنه لم يكلفهن بفعل القيام بالبيت الحرام (الكعبة)، مادام أن البيت الحرام هو قيام للناس فقط.

السؤال: ما معنى ذلك؟

جواب مفترى: نحن نظن أننا نستطيع استنباط بعض الإجابة على هذا التساؤل من الآيات الكريمة التالية (كما نفهمها)، قال تعالى:

وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)

فلو تدبرنا هذه الآيات الكريمة الخاصة بمكان البيت، لوجدنا أنها موجهة للذكور بدليل صيغة التذكير في كل الأفعال الواردة فيها، ولعل أهمها على الإطلاق هو فعل الطواف بالبيت العتيق (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).

السؤال: ما مراد القول عندك؟ هل يمكن التوضيح أكثر؟ يسأل صاحبنا مستغربا

جواب مفترى: نحن نظن أنه في حين أنه قد وجب على الرجال من الناس الطواف بالبيت العتيق إلا أن النساء غير مكلفات بهذا الفعل. انتهى.

نتائج مفتراة:

- فعل الحج إلزامي على الرجال

- فعل الحج ليس إلزامي على النساء

- فعل الحلق والتقصير إلزامي على الرجال

- فعل الحلق والتقصير ليس موجها للنساء

- فعل الطواف بالبيت العتيق إلزامي على الرجال

- النساء غير مطلوب منهن الطواف بالبيت العتيق

- الخ

السؤال: لماذا لا تلزم المرأة بفعل الطواف بالبيت العتيق؟

جواب مفترى: نحن نظن أن فعل الطواف يقع على من يأتي من الناس الذين أذن بهم رِجَالًا:

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)

لذا، نحن نفتري القول من عند أنفسنا أن فعل الطواف بالبيت العتيق (وكذلك سائر شعائر الحج) لا يقع إلا من كان قادرا على القيام به من الرجال مشيا على الأقدام (أي رِجَالًا). لذا فإن المشاهدات التي نراها في وقت الطواف مثل طواف النساء وطواف غير القادرين بالحمل على الأكتاف أو باستخدام الأدوات الكهربائية غير صحيح.

الدليل

دعنا نقرأ الآية الكريمة التالية:

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)

السؤال: لماذا لم يجعل الله حرجا على الأعرج؟

رأينا المفترى: مادام أن الله لم يجعل على الأعرج حرجا، فإن هذا يعفيه (نحن نظن) من القيام بالمهمة التي تتطلب استخدام رجليه فيها كالحج مثلا. فمن أراد الحج للبيت العتيق (أي أداء شعائر الحج في أشهر الحج)، فعليه أن يقوم بهذه المهمة سعيا على رجليه، قال تعالى:

إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)

فالطواف بالبيت العتيق والطواف بين الصفا والمروة هي من شعائر الله التي وجب أن يقوم بها من كان قادرا على ذلك، ونحن نظن بأن من أول موجبات القدرة على ذلك هي السعي على الأقدام (أي رِجَالًا). 

السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن هذا يعيدنا على الفور إلى الآية الكريمة التالية:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197)

فالحج – حسب الآية الكريم- هو أشهر معلومات، أليس كذلك؟

جواب: نعم، لكن ما علاقة هذا بمفردة رجالا؟ يسأل صاحبنا مستغربا.

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن من فرض الحج في أشهر الحج، فعليه القيام بجميع الشعائر خلال هذه الأشهر المعلومة ماشيا على رجليه (أي رِجَالًا).

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: إن هذا الظن المفترى من عندنا يعيدنا إلى الوراء أكثر لتدبر مفردة الأشهر التي جاءت في هذه الآية الكريمة (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)، لنطرح السؤال المحوري التالي: ما هي أشهر الحج؟

جواب مفترى: لقد تعرضنا لهذه الجزئية في سلسلة مقالات سابقة، ولا نجد ضيرا من إعادة هذه الافتراءات هنا لعلاقتها المباشرة بموضوع النقاش. (للتفصيل انظر سلسلة مقالات ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته: باب الشهر، والجزء الحادي والعشرين من قصة يونس).

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: لقد افترينا القول سابقا بأن مفردة الشهر تجمع على وجهين وهما أشهر وشهور، كما جاء في الآيات الكريمة التالية:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)


فكان سؤالنا الذي طرحناه حينئذ هو: هل هناك فرق بين مفردة أشهر (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) ومفردة شهور (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ)؟ وإذا كان هناك فرق بين اللفظتين، فما هو؟

وعندما تعرضنا لأشهر الحج على وجه التحديد، طرحنا التساؤلات التالية:

- هل فعلا نحج أشهرا؟

- وما هي تلك الأشهر التي تسمى أشهر الحج؟

- وإذا كنا نحج أشهرا (بالمعنى الدارج للمفردة، أي فترة 29-30 يوما لكل شهر)، فكيف بنا نؤمر بأن لا نرفث إلى نسائنا طوال تلك الفترة كلها؟

- فهل نقدر على ذلك والله هو من علم أننا كنا نختان أنفسنا في شهر رمضان، وهو شهر واحد، فأحل لنا الرفث إلى نسائنا في ليلة الصيام في ذلك الشهر؟

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)

- وهل يجوز الحج في كل تلك الأشهر؟ ولماذا يتم الحج في وقت محدد من العام إذن؟ وماذا عن العشرة الأوائل من ذي الحجة؟ هل يجوز الحج خلال أشهر الحج في غير هذه الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة؟ من يدري!!!

- وماذا عن الفترة الزمنية التي نؤدي فيها شعائر الحج؟ هل نؤدي شعائر الحج طيلة أشهر الحج كلها؟ وماذا عن الحديث الذي ينقلوه لنا بأن الحج عرفة؟ وماذا عن شهر ذي الحجة نفسه؟ أليس هو من أشهر الحج؟ فلماذا ينتهي الحج في اليوم العاشر من ذي الحجة؟ من يدري!!!

- وماذا عن تتمة الآية الكريمة؟ فماذا عن الرفث على وجه الخصوص؟ لم نرفث إلى نساءنا في تلك الأشهر ولا نتوقف عن ذلك إلا في وقت الإحرام التي قد لا تتجاوز بضعة أيام وليال؟ ألا ينهانا الله عن الرفث في تلك الأشهر جميعها (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ)؟ فهل يجب على من فرض فيهن الحج أن لا يرفث إلى نسائه طلية تلك الأشهر الحرم كاملة؟ فلم يحق للحاج الرفث للنساء قبل الإحرام وهو لا شك في أشهر الحج؟ ولم يحق له (كما يرخص لهم علماؤهم) الرفث إلى نساءهم بعد التحلل من الإحرام مباشرة بالرغم أنهم لازالوا في أشهر الحج؟ ألا تعتبر تلك مخالفة فاضحة لصريح اللفظ القرآني؟ فكيف - يا ترى- ينهانا الله عن الرفث في أشهر الحج، وها نحن نرفث إلى نسائنا طوال أشهر الحج ولا نتوقف عن ذلك إلا في مرحلة الإحرام، وما أن نتحلل من الإحرام حتى نعود إلى الرفث إلى نسائنا، مع العلم أن الوقت لا زال ضمن أشهر الحج نفسها التي نهانا الله عن الرفث إلى نسائنا فيهن (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ)؟ من يدري!!!

- وماذا عن الفسوق والجدال؟ هل يفسد ذلك حجنا إن نحن فعلناه قبل الأول من ذي الحجة أو بعد العاشر من ذي الحجة مثلاً؟ وماذا عن الجدال قبل وبعد التحلل من الإحرام، هل يفسد ذلك الحج بأكمله؟ ألا نزال في أشهر الحج بالرغم من التحلل من الإحرام؟ ألا تعتبر تلك مخالفة فاضحة لصريح اللفظ القرآني؟ من يدري!!!

وبعد مناقشة مطولة لهذه القضايا، خرجنا حينها بالافتراء الخطير جداً الذي مفاده أن مفردة "الشهر" قد لا تدل دائما على الفترة المتعارف عليها عند الناس والتي هي ما يقرب من الثلاثين يوماً لكل شهر.

رأينا المفترى: بعد تدبر النهي الإلهي عن طبيعة الرفث إلى النساء خلال شهر رمضان كما جاء في الآية الكريمة:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)

مقارنة بالنهي الإلهي عن طبيعة الرفث إلى النساء في أشهر الحج كما في الآية الكريمة التالية:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)

خرجنا بالافتراء الخطير التالي: في حين أن النهي عن الرفث إلى النساء خلال شهر رمضان يخص يوم الصيام فقط ولا يخص ليل الصيام، فإن النهي عن الرفث إلى النساء في أشهر الحج يخص اليوم والليلة معا. فالرجال مأمورون بعدم الرفث إلى النساء في يوم الصيام ولكن مسموح لهم ذلك في ليلة الصيام. لكنهم مأمورون بعدم الرفث إلى النساء في يوم الحج وفي ليلة الحج طيلة أشهر الحج كلها.

السؤال: وكيف ذلك؟ كيف يمكن أن لا نرفت للنساء طيلة أشهر الحج كلها؟

لقد دعانا هذا الافتراء إلى محاولة تدبر، ثم محاولة الوقوف، مليا عند كثير من المفردات التي تشير إلى فترات زمنية متنوعة، ألا وهي: اليوم، الليلة، النهار، الشهر (التي جمع على أشهر) والشهر (التي تجمع على شهور) كما في الجدول التوضيحي التالي:

المفردة
الفترة الزمنية
نهار
ليلة
يوم
شهر (أشهر)
شهر (شهور)

فكانت التساؤلات المطروحة حينئذ هي: 

- ما هو اليوم؟

- ما هي الليلة؟

- ما هو النهار؟

- كيف يختلف اليوم عن النهار؟

- ما هو الشهر؟

- ما الفرق بين الشهر واليوم والليلة والنهار؟

- ما هو الشهر الذي يجمع على أشهر؟

- وما هو الشهر الذي يجمع على شهور؟

- وما الفرق بين الأشهر والشهور؟

- الخ.

وكانت الافتراءات التي قدمناها حينئذ على النحو التالي:

المفردة
الفترة الزمنية
نهار
الفترة الزمنية من طلوع الشمس حتى غيابها
ليلة
تلك الفترة من الزمن التي يحق لنا أن نأكل ونشرب ونرفث إلى النساء فيها وهي تبدأ من رفع آذن المغرب وتستمر حتى رفع آذان الفجر
يوم
الفترة الزمنية التي لا نأكل ولا نشرب ولا نرفث إلى النساء فيها (وهي تبدأ عند رفع آذان الفجر وتستمر حتى رفع آذان المغرب)
شهر (أشهر)
شهر (شهور)

وكان الافتراء الأكبر يخص محاولتنا التمييز بين مفردة شهر (التي تجمع على أشهر) ومفردة شهر (التي تجمع على شهور) على النحو التالي:

افتراء خطير جداً من عند أنفسنا (1): إننا نظن أن دورة الشمس كاملة، أي فترة الأربع والعشرين ساعة (التي يشكلها اليوم والليلة معاً أو النهار والليل معاً) هي ما يمكن أن نسميه شهرا (التي تجمع على أشهر)

افتراء خطير جداً من عند أنفسنا (2): إننا نظن أن دورة القمر كاملة (أي فترة 29- 30 يوما) هي ما يمكن أن نسميه شهرا (التي تجمع على شهور)

الدليل

نحن نظن أن مفردة شهر هي مفردة جامدة بعض الشيء في الاشتقاق، ولكن يمكن أن نربطها بمفردات مثل الاشتهار، والشهرة، والتشهير، والمشهور، والشاهر، والمشاهير، الخ. فلماذا؟

رأينا المفترى: إننا نظن أن "فعل الاشتهار" لا يتم إلا بظهور متكرر لصاحب الشهرة، وأظن أن أهم ما يميز الشهرة هو تكرار حصول الفعل. لذا، نحن نفتري الظن بأن مفردة الشهر تدل على حدث دائم متكرر. فالشخص لا يصبح من المشاهير (أو celebrity بالمفردات الأعجمية) إلا إذا ما تكرر ظهوره للجميع حتى أصبح معروفا بينهم.

ومادام أننا نتحدث في هذا السياق عن زمن، فإن تكرار حدوث ذلك الزمن يشكّل ما يشبه "دورة كاملة" (أي كالدائرة)، فالحدث يبدأ من نقطة ويتحرك في مسار ثابت (بغض النظر عن المسافة الزمنية التي يقطعها) ليعود إلى النقطة نفسها، وهذا - في رأينا - ما يمكن أن نطلق عليه – افتراء من عند أنفسنا- لفظة الشهر.

فالنساء يتحدثن عن الدورة الشهرية بالرغم أنها لا تكون في الغالب ثلاثين يوماً، أليس كذلك؟

السؤال: لماذا هي دورة شهرية بالرغم أنها قد لا تحدث كل ثلاثين يوما؟

جواب: حن نعرف أن بعض النساء قد تنقطع الدورة عنها فترة من الزمن، إلا أنها تبقى دورة شهرية بغض النظر عن طول الانقطاع، فالحامل مثلا تتوقف دورتها الشهرية تسعة أشهر، إلا أنها مع ذلك تبقى تسمى دورة شهرية. وتنقطع تلك الدورة عن بعض النساء فترة الرضاعة كاملة، إلا أنها تبقى مع ذلك تسمى دورة شهرية، وهكذا. السؤال: لماذا؟

رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نفتري الظن بأن السبب في ذلك لا علاقة له بالفترة الزمنية سواء كانت طويلة أو قصيرة، وإنما العبرة – برأينا- في حدوثها بشكل متكرر على الدوام.

ولو تفقدنا ما حولنا، لوجدنا أن في منزلنا شجرة ليمون شهرية لا يتساقط ثمرها ولا يتجدد بعد اليوم الثلاثين مباشرة (إلا أن إنتاجها دائم متكرر)، ونحن نستلم راتبنا الشهري في السابع والعشرين من الشهر (فهو حدث دائم متكرر)، وهكذا. إن مراد قولنا هنا هو أن ما يميز كل فعل شهري هو أنه متكرر متجدد بنفس الوتيرة.

الدليل

لقد حدد الله لنا الزمن باستخدام كينونتين طبيعيتين هما الشمس والقمر، أليس كذلك؟

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) 

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)
 

النتيجة المفتراة: الشمس والقمر هما الكينونتان اللتان جعلهما الله لنا لنعلم عدد السنين والحساب.

السؤال: كيف يمكن أن نعلم عدد السنين والحساب من خلالهما؟

جواب: لو تدبرنا حركة الشمس وحركة القمر في تحديد الزمن، لوجدنا أن كل منهما يسبح في فلك، وبعد البحث عن هذه المعلومة في كتاب الله لم نجد أن هناك كينونات تسبح في فلك إلا الشمس والقمر حيث ارتبط بهما الليل والنهار:

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)


نتيجة مفتراة: الشمس والقمر هما الكينونتان الوحيدتان اللتان تسبحان في فلك، ويصاحبهما في ذلك الليل والنهار، وهما منفصلتان عن بعضهما البعض بدليل أن لكل منهما فلكه الذي يسبح فيه (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، مما يدعونا إلى طرح التساؤلات التالية:

- ما هو الفلك أصلاً؟ وكيف تتم السباحة فيه؟

- ما هو فلك الشمس؟ وكيف تسبح الشمس فيه؟

- ما هو فلك القمر؟ وكيف يسبح القمر فيه؟

- ما الفرق بين فلك الشمس وفلك القمر؟ وكيف تختلف سباحة الشمس عن سباحة القمر؟

- كيف يساعدنا فهم ذلك في معرفة الزمن؟

- الخ.

افتراءات من عند أنفسنا

باب الفلك: نحن نظن أن الفلك هو ما يشبه شكل الدائرة (وليس بالضرورة التطابق) بغض النظر عن الحجم كما في الشكليين التاليين:





                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                            
                                                      Source: http://findicons.com/icon/69400/circle_grey?id=332952

باب السباحة: لا يرد "فعل السباحة" في كتاب الله إلا بلفظ (يَسْبَحُونَ) ولا يتلازم هذا اللفظ إلا مع الشمس والقمر والليل والنهار:

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)                     

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)


نتيجة مفتراة: الشمس والقمر والليل والنهار هي فقط ما تقوم بفعل السباحة التي لا تتم إلا في فَلَك. فكيف تتم السباحة في الفَلك؟

رأينا: لمّا كانت الشمس تسبح في فَلك، ينتج عن حركة سباحتها تلك فترة زمنية محدد نستطيع أن نلمسها نحن البشر وهي تعاقب الليل والنهار، وتتم تلك الحركة بشكل متكرر كل أربعة وعشرين ساعة مرة واحدة، وبكلمات أخرى نقول أن الشمس تكمل دورة كاملة تتكرر بشكل منتظم كل أربعة وعشرين ساعة، فنستطيع بناء على ذلك معرفة اليوم (لنصوم فيه مثلاً) والليلة (لنتوقف عن الصيام)، ونستطيع تحديد النهار (حيث يكون مبصراً) والليل (حيث يحل الظلام محل النور)، وهذا يدعونا على الفور إلى طرح التساؤل المثير جداً التالي: ماذا يمكن أن نطلق على دورة الشمس في فلكها مرة واحدة كل أربعة وعشرين ساعة؟ فهل يمكن أن نسمي ذلك يوم؟ 

جواب مفترى: كلا، لأن اليوم هو فترة الصيام فقط التي يتم فيها الإمساك عن الطعام والشراب والرفث إلى النساء

وهل يمكن أن نسمي ذلك نهار؟

جواب مفترى: كلا، لأن النهار هو مبصراً، لذا فهو لا يكوّن أكثر من جزء من تلك الدورة

وهل يمكن أن نسمي ذلك ليل؟

جواب مفترى: كلا، لأن الليل مظلم متى انسلخ منه النهار، لذا فهو أيضاً لا يكوّن أكثر من الجزء الآخر لتلك الدورة

فماذا يمكن أن نسميه إذاً؟

افتراء من عند أنفسنا: إنه الشهر

نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن الشمس "تُشهِر" نفسها مرة واحدة كل أربعة وعشرين ساعة في حركة سباحة في فلكها، فيتكون – برأينا- جراء ذلك الشهر الشمسي الذي ينتج عن تعاقب الليل والنهار أو اليوم والليلة، وبذلك تكمل الشمس في فلكها دورة واحدة متكررة بنفس الوتيرة على الدوام فيما يمكن أن نسميه – افتراء من عند أنفسنا- بالشهر.

سؤال: وماذا عن القمر؟

لو راقبنا ما يحدث في حالة القمر لوجدنا أن القمر هو أيضاً يسبح في فلك خاص به، ويتم ذلك بطريقة متكررة بوتيرة ثابتة على الدوام، فما انفك القمر عن "إشهار" نفسه في وقته المحدد له وذلك لأنه يسبح في فلك خاص به. ويتم تحديد الزمن بناء على منازله، ولكن المفارقة تكمن هنا بأننا لا نستطيع تحديد الزمن من منازل القمر كل يوم وليلة، ولكننا نستطيع تحديد الزمن بناء على سباحة القمر في دورته الكاملة، والتي تستغرق فترة زمنية أطول من تلك التي تستغرقها الشمس في دورتها لإشهار نفسها، ففي حين أن الشمس تُشهر نفسها تقريباً كل أربعة وعشرين ساعة مرة واحدة، فإن القمر يُشهر نفسه مرة واحدة كل ثلاثين يوماً تقريباً (أي يكمل دورته في سباحته في فلكه)، فينتج عن ذلك الشهر القمري الذي يعرفه الناس.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا (1): هناك شهر يتحدد بحركة الشمس الدورية كل أربعة وعشرين ساعة وينتج عنه الليل والنهار (واليوم والليلة). فاليوم والليلة معا يكونان شهرا شمسيا

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا (2): وهناك - بالمقابل – شهر يتحدد بحركة القمر ينتج عنه الأشهر القمرية التي نعرفها كشهر رمضان مثلاً. كل (29-30) يوما وليلة يكونان شهرا قمريا.

فيصبح الجدول السابق التعلق بتحديد الفترات الزمنية المختلفة الآن على النحو المفترى التالي:

المفردة
الفترة الزمنية
نهار
الفترة الزمنية من طلوع الشمس حتى غيابها
ليلة
تلك الفترة من الزمن التي يحق لنا أن نأكل ونشرب ونرفث إلى النساء فيها وهي تبدأ من رفع آذن المغرب وتستمر حتى رفع آذان الفجر
يوم
الفترة الزمنية التي لا نأكل ولا نشرب ولا نرفث إلى النساء فيها (وهي تبدأ عند رفع آذان الفجر وتستمر حتى رفع آذان المغرب)
شهر شمسي (أشهر)
فترة غياب وظهور الشمس كل أربع وعشرين ساعة مرة واحدة، أي إشهار الشمس نفسها بطريقة متكررة وثابتة
شهر قمري (شهور)
فترة إشهار القمر نفسه مرة بشكل متكرر كل حوالي 30 يوما

عودة على بدء

السؤال: ما علاقة هذا بقضية الحج التي جاءت في الآية الكريمة التالية؟

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)

جواب مفترى خطير جدا جدا: نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن مفردة الأشهر التي وردت في هذه الآية الكريمة تدل على الأشهر الشمسية وليست الأشهر القمرية. وبكلمات أخرى، نحن نفتري القول بأن مدة الحج ليست أكثر من أشهر شمسية، وهي برأينا عشرة أيام بلياليها، كما جاء في قوله تعالى:

وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)

وهذه هي بالضبط – برأينا- الفترة الزمنية التي عجل بها موسى إلى ربه:

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا المفترى: لو رجعنا إلى تفاصيل قصة موسى، لوجدنا بأن اللقاء بين الله وعبده موسى قد حصل مرتين، فكانت المرة الأولى في الواد المقدس طوى عندما آنس من جانب الطور نارا:

وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)


وحصل اللقاء الثاني بناء على موعد من ربه، فكان أربعين ليلة:

وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (51)

ولكن في هذه الحادثة بالضبط حصلت العجلة من موسى، فكانت في عشر ليالي:

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)

لنخرج من خلال هذا الكلام المفترى من عند أنفسنا بالاستنباطين (ربما مخطئين) التاليين:

- حصل اللقاء الأول ليلا بين الله وعبده موسى في الواد المقدس طوى في الأرض المقدسة

- حصل اللقاء الثاني نهارا بين الله وعبده موسى في عرفات

الدليل

لو تفقدنا قصة اللقاء الأول، لوجدنا أن موسى قد ترك مدين بعد أن قضى فيها الأجل، فسار بأهله باتجاه الأرض المقدسة:

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) 

فكان اللقاء في البقعة المباركة من الشجرة:

فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)

فتلقى موسى الرسالة من ربه، وتغيرت وجه سيره من الأرض المقدسة التي كان قاصدا الذهاب إليها إلى مصر حيث فرعون وقومه:

اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)

اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)


وكانت مهمة موسى تتمثل في إخراج بني إسرائيل، فكان هذا ما طلبه موسى وأخوه هارون من فرعون:

فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)

فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)


ولكن فرعون أبى إلا المواجهة الفعلية، فكان اللقاء بينهما في مكان سوى:

فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى (58)

فحصل الموعد بينهما في يوم الزينة، فحشر الناس ضحى:

قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)

وحصل هذا اللقاء (نحن لازلنا نفتري القول من عند أنفسنا) في منطقة الأخدود حيث أشعل فرعون ناره ذات الوقود:

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)

فتم اللقاء بين الطرفين – برأينا- في المنطقة الجغرافية التي لازالت تعرف حتى اليوم في أرض مصر التاريخية باسم المحرقة، كما في الخرائط التوضيحية التالية التي وصلتنا من عند صاحبنا العزيز عصام درويش من أرض مصر الخالدة:





حيث تقع هذه القرية التي لازالت تسمى حتى الساعة بالمحرقة الموجودة علي يسار النيل مواجهة للاخدود الأعظم علي اليمين من النهر. (للتفصيل انظر أجزاء قصة يونس)

إن ما يهمنا طرحه هنا هو الافتراء بأن هذه المنطقة قد شهدت المواجهة الفعلية بين موسى ومن معه من جهة وفرعون مع سحرته وقومه من جهة أخرى. لكن، ما أن انتهت المواجهة بينهما حتى كان القرار الإلهي يتمثل في أن يسر موسى بقومه ليلا، وأنهم لا محالة متبعون:

فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23)
  
وجاء الطلب الإلهي المباشر على نحو أن يترك موسى البحر رهوا لأن فرعون وقومه لا محالة مغرقون: 

وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24)

افتراء خطير جدا جدا: لذا، نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن موسى قد سار بعباد الله من تلك المنطقة متوجها نحو جزء البحر الذي يقع في مقابلة هذه المنطقة. ولو تفقدنا الخارطة الجغرافية لتلك المنطقة مع البحر المقابل لها، لوجدنا بأنها المنطقة المقابلة لمدينة جدة في أرض الحجاز كما في الشكل التوضيحي التالي:




وفي تلك المنطقة التي يظهر على الخريطة الحد الفاصل بين مصر الحديثة والسودان الحديث عند البحر الأحمر ضرب موسى بعصاه البحر، وهي المنطقة التي تشبه بالضبط فرج المرأة، ومن هناك ينفرج البحر حتى يبدو ويكأنه أرجل المرأة التي يأتيها الرجل في فرجها، وهناك كان – برأينا- انفلاق البحر حتى كان كل فرق كالطود العظيم. انظر الخريطة التوضيحية التالية:



وما أن جاوز الله ببني إسرائيل البحر حتى كانت محطتهم الأولى، وهم أولئك القوم الذين كانوا يعكفون فيها على أصنام لهم:

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)

ومن هناك، نحن نفتري القول بدأت رحلة العودة ببني إسرائيل مع نبيهم موسى باتجاه الأرض المقدسة. لكن المفرقة تكمن هنا في أن موسى قد ترك قومه على أثره وعجل إلى ربه:

وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)

ونحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن موسى قد عجل هذه المرة للقاء ربه في عرفات، المنطقة القريبة من مكة. انتهى.

الدليل

سنحاول في المرة القادمة، بإذن الله وتوفيق منه، مطاردة الأفكار نفسها، علّنا نصل بحول الله وتوفيقه إلى مبتغانا. فالله وحده أدعوه أن يعلمني ما لم أكن أعلم وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا، إنه هو السميع العليم – آمين.

المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان

بقلم د. رشيد الجراح

10 آب 2016





هناك 3 تعليقات:

  1. غير معرف13/4/23

    احسست انه لزاما لي ان اصرح لك دكتور انني عندما اقرا بحوثك استحضر الايه ويسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر رغم صعوبه وحداثه الافكار التي تطرحها الا انها قريبه للفطره والعقل جزاك الله عنا كل خير .....

    ردحذف
  2. غير معرف13/4/23

    قرات للدكتور محمد شحرور في احد كتاباته وفي باب التفريق بين الذكر والانثى والرجال والنساء انه قال مستدلا ببعض الايات ان الرجل من الارجل. منه السعي ويمكن ان يكون الرجل ذكرا كما انه يمكن ان يكون انثى وعذرا ان اكون اخطأت في فهم قصد الدكتور شحرور في هذا الباب

    ردحذف
  3. غير معرف12/4/24

    كيف عبر موسي إلى جدة وهى الأرض المقدسه التى رفض دخولها بنى إسرائيل .كانو فى جنوب سيناء

    ردحذف