قصة يونس - الجزء الثاني والأربعون


قصة يونس – الجزء الثاني الأربعون

افترينا الظن في الجزء السابق بأنه عندما نزل آدم عند إرادة الشيطان، فإنما هو قد آثر بذلك استبدال عصا الخلافة بعصا الملك:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)

فدلّه الشيطان على الملك الذي لا يبلى، فكان (نحن نتجرأ على القول) عضوه الذكري.

الدليل

لو تفقدنا هذا السياق القرآني (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) نفسه، لوجدنا أن الشيطان قد دلّ آدم على شيئين اثنين، وهما:

1. شجرة الخلد (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ)

2. ملك لا يبلى (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى)

فإذا كنا ربما نستطيع أن نستوعب مفهوم الشجرة التي دلّهما الشيطان عنها (شَجَرَةِ الْخُلْدِ)، فكيف يمكن أن نستوعب ماهية الملك الذي لا يبلى (وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى)؟ فما هو الملك الذي لا يبلى الذي دلّ الشيطانُ آدم عليه؟

السؤال المربك: لمن تحصّل الخلد والملك الذي لا يبلى؟ هل تحصلا لآدم وزجه معا أم لآدم فقط؟

رأينا المفترى: لو تفقدنا السياق القرآني الذي يبيّن ما دار بين الشيطان من جهة وآدم وزوجه معا من جهة أخرى، لوجدنا أن الملك الذي لا يبلى غير حاضرا:

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)

ولكن لما كان خطاب الشيطان موجها لآدم لوحده، جاء على النحو التالي:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)

وما أن أكل آدم وزوجه من الشجرة حتى بدت لهما سوآتهما:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

ولكن الملفت للانتباه هنا هو – برأينا- تتمة السياق القرآني التي تبين أن المعصية والغواية جاءت خاصة بآدم وحده (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى). وبكلمات أخرى يمكن القول أنه في حين أن آدم وزوجه قد تشاركا الأكل من الشجرة (فَأَكَلَا مِنْهَا)، وأنهما قد تشاركا أيضا في النتيجة عندما بدت لهما سوآتهما معا (فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)، وأنهما طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة معا (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ)، إلا أن هناك فرقا واضحا بين الحالتين تتمثل في نهاية الآية نفسها في قوله تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى).

لنثير بناء على ذلك سلسلة من التساؤلات، نذكر منها:

- كيف كان آدم هو من عصى ربه فقط؟

- ولم لم تعصي زوج آدم ربها؟ ألم تأكل هي من الشجرة؟ ألم تبد لها سوآتها؟ ألم تطفق تخصف عليها من ورق الجنة؟

- فكيف إذا كان آدم هو من غوى فقط؟  

- ولم لم تقع زوج آدم في فعل الغواية كما وقع زوجها فيه؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نعتقد بأن زوج آدم لم تتقبل فكرة النزول عند إرادة الشيطان، فما عصت ربها أبدا. وجلّ ما فعلت (نحن نرى) أنها أقدمت على الأكل من الشجرة، نزولا عند رغبة زوجها، فشاركته في هذا الأمر تلبية لرغبة منه وليس معصية لله أو نزولا عند إرادة الشيطان. فكانت النتيجة (جزاء فعلتها تلك) أن بدت لها سوءتها كما بدت لآدم سوءته:

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

لتكون النتيجة التي نريد الوصول إليها هي على النحو التالي: في حين أن معصية آدم تمثلت بالأكل من الشجرة وبالملك الذي لا يبلى (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى)، كانت خطيئة زوجه قد تمثلت في الأكل من الشجرة فقط، فهي قد شاركت آدم في الأكل من الشجرة لكنها لم تشاركه في الملك الذي لا يبلى. وانظر عزيزي القارئ – إن شئت- في السياق القرآني نفسه مرة أخرى:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

لذا، لما كانت المعصية خاصة بآدم:
... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

ولما كانت التوبة خاصة بآدم:

فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)

ولما كان غياب العزم خاصا بآدم:

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)

ولما كان النسيان خاصا بآدم:

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)

كانت زوج آدم – بالمقابل- في حالة أفضل من حالة زوجها التي وضع نفسه فيها. فكان لابد من وجود الميزات التي تخص زوج آدم ولا يستطيع آدم أن يتمتع بها، نذكر منها:

                           آدم
                           زوجه
-          الشقاء (فَتَشْقَى)
-          النسيان (فَنَسِيَ)
-          عدم وجود العزم (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)
-          ملك لا يبلى (وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى)
-          عدم الطهارة من أذى الشيطان
-          عدم الشقاء
-          عدم النسيان
-          وجود العزم
-          ملك يبلى
-          الطهارة من أذى الشيطان

السؤال: كيف يمكن أن نفهم ذلك كله؟ لماذا كان الشقاء والنسيان وغياب العزم من نصيب آدم فقط؟ لِم لَم يطل ذلك زوجه؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الشقاء والنسيان وعدم وجود العزم عند آدم كان لسبب واحد وهو: الملك الذي لا يبلى.

تساؤلات:

- كيف يمكن أن نفهم أن ذلك خاص بآدم وحده؟

- فما هو الملك الذي لا يبلى؟ 

- وكيف يمكن أن يكون هناك ملك لا يبلى؟ فهل هناك بالمقابل ملك يبلى؟

- ولم كان ذلك الملك الذي لا يبلى خاصا بآدم ولا تشاركه زوجه فيه؟

- الخ.

جواب مفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن هذا كله يمكن أن يُلخّص بعبارة واحدة: إنه العضو الذكري. انتهى.

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأن شقاء آدم ونسيانه وغياب العزم عنده قد نتج (عن عصيانه لربه ونزوله عند إرادة الشيطان) عندما استبدل العصا الإلهية (التي هي أصلا حية) بالعصا الشيطانية التي كانت ميتة (لا حياة فيها).

السؤال: كيف حصل ذلك؟

تخيلات مفتراة غريبة جدا هي من عند أنفسنا: نحن نظن أن الأمر قد حصل على نحو إفراغ شحنات العصا الإلهية (التي كانت بيد آدم) بالعصا الشيطانية (عضوه الذكري). وبكلمات أكثر دقة نستطيع أن نفتري القول بأن آدم قد أفرغ شحنات السلطان المبين (العصا الإلهية) في سلطان غير مبين (عضوه الذكري)، فانتقلت الحياة من السلطان المبين إلى السلطان الذي لم يكن مبينا (العضو الذكري).

باب السلطان المبين

لو تدبرنا الآيات القرآنية التي تتحدث عن السلطان، لوجدناها تتحدث تارة عن السلطان على إطلاقه:

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)

قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)

قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)

إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)

إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100)

وتتحدث تارة أخرى عن السلطان الذي قد يكون بيّنا:

هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)

ولا شك عندنا أن السلطان يمكن أن يكون أداة مادية:

يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)

فالنفاذ من أقطار السموات والأرض يحتاج إلى سلطان (أي أداة أو وسيلة). وهذا السلطان (أي الأداة) يمكن أن يكون مبين (فلا مجال لإنكاره):

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ۚ فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (91)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144)

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا (153)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (96)

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (10)

ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45)

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21)

مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (157) 

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (23)

وَأَن لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (19)

وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (38)

أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ۖ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (38)


ولا شك عندنا أن السلطان الذي جعله الله لموسى وأخيه هارون هو ما كان يمنع آل فرعون عنهما، فلا يصلان إليهما:

قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)

ونحن نفتري الظن بأن هذا السلطان الذي كان مع موسى وأخيه هارون هو العصا التي كانت هي الآية الكبرى:

اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21)

نتيجة مفتراة: كانت العصا التي بيد موسى هي السلطان المبين:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (23)

ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (96)

وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (38)

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا (153)


السؤال: إذا كانت عصا موسى هي السلطان المبين، فمن أين جاءت هذه العصا أصلا؟

جواب مفترى: لو تدبرنا السياق القرآني التالي الذي حصل بين موسى وربه في الواد المقدس حيث الحديث بينهما يدور عن العصا:

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)

لربما احتجنا أن نطرح عدة تساؤلات نذكر منها:

- كيف أصبحت عصا موسى حية تسعى؟

- لماذا خاف موسى منها؟

- كيف أعاد الله سيرتها الأولى؟

- وما هي أصلا سيرتها الأولى؟

- الخ

نحن نفهم أن موسى قد ألقى عصاه في النار التي كانت في ذلك الواد:

فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)

بدليل أنها خرجت تهتز كأنها جآن:

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)


فمادام أن الجأن مخلوق أصلا من نار السموم:

وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27)

يمكن أن نفهم إذن لم خرجت العصا تهتز كأنها جآن. فمادة النار حاضرة في الصورتين المتقابلتين: صورة العصا التي تهتز مقابل صورة الجان الذي يهتز.

فما أن ألقى موسى عصاه في تلك النار حتى دبت الحياة فيها على الفور بدليل قوله تعالى:

قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)
السؤال: كيف يمكن أن نتخيل تلك العصا قبل أن تصبح حية تسعى؟

رأينا: لا شك أنها كانت منزوعة الحياة منها، أليس كذلك؟

ولو تدبرنا الآية الكريمة التالية، لوجدنا أن الله هو من تعهد لموسى بإعادتها سيرتها الأولى:

فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)

السؤال: ما هي إذن سيرة تلك العصا الأولى؟

رأينا: نحن نظن بداية أن تلك العصا قد كانت حية تسعى في سيرتها الأولى، وأن هذه الحياة قد نزعت منها فما عادة حية تسعى، ثم حصل أن أعادها الله سيرتها الأولى (أي أعاد لها تلك الحياة مرة أخرى) في الواد المقدس عندما ألقاها موسى في تلك النار.

العصا في سيرتها الأولى
العصا في الواد المقدس
-          كانت حية تسعى
-          نزعت منها الحياة
-          كانت منزوعة الحياة
-          عادت حية تسعى


السؤال: كيف يمكن أن نربط ما حصل للعصا بالواد المقدس مع سيرتها الأولى أصلا؟

تساؤلات

- ما هي سيرة العصا الأولى؟

- كيف كانت في سيرتها الأولى؟

- هل كانت فعلا حية تسعى؟

- متى نزعت منها الحياة فما عادت حية تسعى؟

- كيف نزعت منه الحياة حينئذ؟

- الخ.

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا خطيرة جدا: كانت تلك العصا (نحن نتخيل) حاضرة في جنة المأوى التي سكنها آدم وزوجه، وكانت تلك العصا بيد آدم كأداة الخلافة التي تطوّع الجن (والملائكة جزء منهم) له، فما كانوا يستطيعون الزيغ عن أمره.

الدليل

لو تدبرنا مفردة الخلافة على وجه التحديد على مساحة النص القرآني كله، لما وجدناها قد تحققت إلا في ثلاث محطات تاريخية فقط، وهي على التوالي:

- آدم:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)

- هارون وموسى:

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)

- داوود وسليمان:

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)

لذا، نحن نطلب من القارئ الكريم تصور السيناريو المفترى من عند أنفسنا التالي: ربط قصة الخلافة مع العصا.

- بدأت الخلافة مع آدم وكانت أداة الخلافة هي العصا، فأضاعها آدم بسبب فتنة الشيطان

- عادت الخلافة لتظهر من جديد مع العصا التي كانت بيد موسى، فأعادها الله سيرتها الأولى في الواد المقدس. ترك موسى العصا مع أخيه هارون ليكون خليفة له في قومه في فترة غيابه، فما حافظ هارون عليها جيدا حتى استطاع السامري أن يستغلها عندما قبض قبضة منها. فأصبحت منسأة ، أي عصا قصيرة. (للتفصيل انظر سلسلة مقالات السامري وقصة موسى)

- عادت للظهور في التابوت الذي جاءت تحمله الملائكة كآية ملك لطالوت. فوقعت العصا (أو لنقل الآن المنسأة) بيد داوود، فكانت سلاحه الذي قتل به جالوت. وانتقلت ليد سليمان، فكانت أداة حكمه المسلطة على الجن الذين ما كانوا يزيغون عن أمره. وانتهت بأن أكلتها دابة الأرض. (للتفصيل انظر سلسلة مقالات ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته)

نتيجة مفتراة مهمة جدا: إن هذه النتيجة المأسوية التي آلت إليها العصا في نهاية المطاف والغياب المتكرر الطويل لها في فترات زمنية متباعدة ربما يدلنا على أن هذه العصا أداة الملك لكنه الملك الذي قد يبلى، فكان ترويج الشيطان لآدم (نحن نتخيل) على نحو أن يبدله هذا الملك الذي قد يبلى (العصا) بملك لا يبلى:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)

إن ما نود إثارته من هذا النقاش الآن هو ربط الخلافة بوجود العصا. فمنذ اللحظة الأولى التي كان فيها آدم خليفة في الجنة، كانت أداة خلافته هي تلك العصا، التي كانت مسلطة على الجن، فلا يستطيعون أن يزيغوا عن أمره. فكان لابد للشيطان (عدو آدم وزوجه) أن يعمل المكيدة التي تخلصه وجنوده من العذاب المهين. فكيف سيفعل ذلك؟

رأينا المفترى: كان لابد للشيطان من أن يبطل مفعول تلك العصا، أي أن يسحب منها الحياة، فلا تعود حية تسعى. ولكن كيف سيفعل ذلك؟

جواب مفترى: عمد الشيطان إلى الخطة التالية: أن يدل آدم أولا على شجرة الخلد ثم يدله بعد ذلك على الملك الذي لا يبلى. دقق عزيزي القارئ – إن شئت- في ترتيب الأحداث في الآية الكريمة التي تصور لنا ما حصل بالضبط:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)

السؤال: ما فائدة ذلك بالنسبة للشيطان؟

رأينا المفترى: إذا ما نجح الشيطان في إقناع آدم بالتخلي عن العصا، فهو إذن قد نجح في أن يجعله يتخلى عن الخلافة، وما أن ينجح في أن يقنعه بالتخلي عن الخلافة حتى يكون ملكا.

السؤال: ما فائدة ذلك؟

جواب مفترى: بدل أن تكون الحياة في الجنة خلافة، فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون، أصبحت الحياة شقاء بوجود الأنساب (ووالد وما ولد).

السؤال: وما الفرق بين الخلافة والملك؟

رأينا المفترى (1): التكاثر بالخلافة يتم بالنفخ، فلا ينكشف الفرج (كما حصل مع مريم ابنت عمران)

رأينا المفترى (2): التكاثر بالملك يتم بالدخول، فينكشف الفرج (كما يحصل مع ذرية آدم جميعا)

السؤال: كيف سينفذ الشيطان هذه الخطة؟

رأينا المفترى: كان لابد للشيطان حتى ينجح في مهمته أن ينزع أولا عن آدم وزوجه لباسهما بالأكل من الشجرة، فأصبحا بحاجة أن يعريا (التغوط) وأن يضحيا (التبول).

السؤال: ما الذي يمكن أن نتخيله قد حصل بعد أن بدت لآدم وزوجه سوآتهما؟ وبكلمات أكثر دقة يمكن أن نسأل: ما الذي فعله الشيطان عندما وجد أن آدم وزوجه قد عريا؟

رأينا المفترى: هنا (نحن نظن) جاءت المفارقة العجيبة جدا التي نحاول تسويقها: ترك الشيطان زوج آدم مادامت غير راغبة في النزول عند إرادته، فلم يعبث معها من جديد، وتوجه إلى آدم فقط ليصب جآم غضبه عليه (فهو الذي آثر النزول عند إرادته)، فأصبح آدم ألعوبة بيد الشيطان. فكانت المكيدة الأكبر وهي الملك الذي لا يبلى. فكان لابد أن يدل الشيطانُ آدم وحده على الملك الذي لا يبلى. فكيف سيفعل ذلك؟

تخيلات مفتراة: عندما وجد آدم أن سوءاته (عضوه الذكري على وجه التحديد) قد بدت له، لم يكن يعرف ماهيته بالضبط، فما كان من الشيطان إلا أن دلّه على ماهيته، فكان هو (نحن نفتري الظن) الملك الذي لا يبلى. وبكلمات أخرى نحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الشيطان قد جلب انتباه آدم (أي دلّه) إلى وجود عضوه الذكري كأداة (عصا) ذات قيمة استثنائية تختلف عن جميع أعضاءه الأخرى. فكانت هذه – برأينا- مدلة من الشيطان نفسه.

فحتى هذه اللحظة استخدم آدم عضوه الذكري للتبول بعد أن أكلا من الشجرة فحصل له الظمأ، فكان لا بد أن يضحى، أي أن يتبول (للتفصيل انظر الأجزاء السابقة). لكن هذا التبول يحصل دون الحاجة لهذا العضو الذكري أن ينتصب.

نتيجة مفتراة مهمة جدا: استخدام العضو الذكري للتبول هو نتيجة للأكل من الشجرة.

لكن هناك استخدام آخر للعضو الذكري، فكيف تعرف عليه آدم؟

رأينا المفترى: هنا تدخل الشيطان من جديد ليدل آدم على الملك الذي لا يبلى. فحتى يفعل هذا العضو الذكري فعله، كان لابد من إدخال الحياة فيه، وهنا جاء دور الشيطان ليجرد آدم من هيمنته المطلقة عليه وعلى سائر الجن (بمن فيهم الملائكة)، فعمد إلى نزع السلاح الذي بيده وهو العصا (أداة الخلافة). فكيف سيفعل ذلك؟

تخيلات غريبة جدا مفتراة من عند أنفسنا: عمد الشيطان إلى فعل ما يبطل مفعول العصا التي بيد آدم، فتصبح عصا لا حياة فيها، فكان هو (أي الشيطان) من دل آدم على ما يستطيع أن يفعل بهذه العصا حيال عضوه الذكري حتى يصبح فعالا، فيكون له ملكا لا يبلى. فكيف دلّه على ذلك؟

تخيلات خطيرة جدا جدا لا تصدقوها: استطاع الشيطان أن يقنع آدم بأن هذا العضو الذكري لا يمكن أن يفعل فعله، ويحقق له الملك الذي لا يبلى، إلا بأن يتم إفراغ شحنه النار المقدسة الموجودة بالعصا فيه. ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك؟

جواب مفترى: هنا (نحن لازلنا نتخيل) دلّ الشيطان آدم على إمكانية أن تنتقل الحياة من العصا التي بيده إلى العصا التي بين فخذيه. فبدل أن يكون سلطان آدم مبينا (عصا بيده) أصبح سلطانا غير مبين (بين فخذيه). فتمت عملية الشحن بنجاح، فانتقلت الحياة من العصا (فأصبحت لا حياة فيها) إلى العضو الذكري، فأصبح هو مصدر الحياة وسببها بعد أن كان لا حياة فيه أصلا. فأصبح هذا العضو الذكري هو الأداة التي تطلق شرارة الحياة في الوجود. فلا يمكن لأداة أخرى أن تحدث الحياة مثل ما يفعل هذا العضو الذكري.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا خطيرة جدا: انتقلت شرارة الحياة الأبدية من العصا (السلطان المبين) التي كانت بيد آدم إلى السلطان غير المبين الذي كان بين فخذيه.

آدم قبل المعصية (خلافة)
آدم بعد المعصبة (ملك لا يبلى)
-          عصا حية تسعى (سلطان مبين)
-          عضو ذكري لا حياة فيه (سلطان غير مبين)
-          عصا لا حياة فيها (سلطان مبين)
-          عضو ذكري تدب الحياة فيه (سلطان غير مبين)

فكان آدم (بعضوه الذكري الذي تم شحنه) هو مصدر الحياة وشرارتها. ومنذ تلك اللحظة فقدت العصا التي كانت بيده الحياة، فما عادت حية تسعى، فكانت تلك برأينا المفترى جزء من سيرتها الأولى. وما عادت له الحياة إلا في الواد المقدس عندما ألقاها موسى بطلب بأمر ربه في النار التي كانت حاضرة حينئذ.

لكن هذا النقاش يدعونا إلى الظن بأن زوج آدم لم تستفد من تلك الشحنة التي كانت في العصا، فالحياة التي كانت متواجدة في العصا انتقلت إلى العضو الذكري لزوجها. ولم ينتقل شيء من الحياة في تلك العصا إلى الجهاز التناسلي لزوج آدم، فما كان جهازها التناسلي مصدرا للحياة قط، بل هو مستقبل لها. فالمرأة (بجهازها التناسلي) ليست أكثر من حاضنة لشعلة الحياة التي يطلقها العضو الذكري فيها.

في تلك اللحظة التي نقل آدم شحنة الحياة من العصا التي كانت بيده إلى العصا التي بين فخذيه، فقدت تلك العصا خاصية الحياة، فما عادت حية تسعى إلا عندما طلب الله من موسى أن يلقيها في النار المقدسة مرة أخرى، وحصل ذلك في الواد المقدس طوى، فأعادها الله سيرتها الأولى:

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) 

السؤال: كيف عادت الحياة لتلك العصا عندما ألقاها في النار المقدسة؟

رأينا المفترى: لو تفقدنا السياق القرآني التالي، لوجدنا أن هناك من كان حاضرا في داخل النار نفسها، قال تعالى:

فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8)

نتيجة مفتراة: كان الروح حاضرا في داخل النار المقدسة، وما أن ألقى موسى عصاه في النار حتى دخل الروح في تلك العصا، فخرجت من النار حية تسعى. فعادت العصا سيرتها الأولى بإذن ربها كما كانت قبل أن يقع آدم في المعصية الأولى.

مقارنة بين آدم وزوجه

في حين أن آدم وزوجه قد تشاركا في الأكل من الشجرة، وفي حين أن السوآة قد بدت لهما معا، وفي حين أن كلاهما طفقا يخصفان على سوءاتهما من ورق الجنة، إلا أن فعل العصيان والغواية قد كان خاصا بآدم وحده:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

ولو تفقدنا الفرق بين الذكر والأنثى على أرض الواقع، لوجدنا أن حاجات الأنثى من أعضاءها التناسلية مشابهة لأعضاء الذكر التناسلية باستثناء وظيفة واحدة: وهي الرغبة الجنسية.

فالأنثى (كما الذكر) تستخدم عضوها التناسلي للتبول، لكن لا نجد أن عضو الأنثى التناسلي متقدا بالشهوة الجنسية كالعضو الذكري للرجل، وتبين هذه الشهوة الجامحة عند الذكر (على خلاف الأنثى)– على الأقل- في أمرين اثنين، هما: 

- الانتصاب

- القذف

تساؤلات
- لماذا ينتصب العضو الذكري؟

- ومن أين تأتي القدرة على القذف؟

 - وما هي ماهية هذه العملية أصلا؟

- ولماذا لا يحصل مثل ذلك للأنثى؟

- الخ.

رأينا المفترى: لما كانت عملية القذف هذه هي أساس الحياة وشعلتها، فإننا نفتري الظن من عند أنفسنا أن هذه الشعلة الموقدة لجذوة الحياة قد أكتسبها العضو الذكري من تلك العصا الأولى التي كانت بيد آدم عندما أفرغت الروح الموجودة في العصا التي كانت بيد آدم في عضوه الذكري، فأصبحت جذوة الحياة كامنة فيه. فهذا موسى يقول لأهله عندما آنس من جانب الطور نارا:

فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)

فللنار إذن جذوة (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ)، وهي ما يمكن استخدامه لرفع الحرارة (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ). وهذا بالضبط ما يمكننا تخيّله في حالة الحياة التي تنتج بفعل العضو الذكري في رحم الأنثى. فللذكر نار تسعّر في داخله، تعمل على تشويش وظائفه الأخرى، فتعمل على رفع حرارته الداخلية (فتكون شهوة جنسية جامحة)، تسير كلها باتجاه عضوه الذكري، فتبين جلية عليه، فينتصب، ولا يمكن أن تنطفئ هذه الجذوة إلا بإخراجها من جسده بالقذف عن طريق عضوه الذكري فسه، وإذا ما أفرغت هذه الشحنة في الحرث الملائم (رحم المرأة)، فإن الحياة تتولد فيه من جديد.     

أما بالنسبة للأنثى، فإن رغبتها الجنسية ليست ذاتية التولد، فلو ظلت المرأة من غير تحفيز من الطرف الآخر، لما اشتعلت الرغبة الجنسية عندها إطلاقا. فرغبة المرأة الجنسية (نحن نفتري الظن) ليست أكثر من ردة فعل، فلا يمكن أن تثور إلا بوجود التحفيز (أي المثير). فرغبة المرأة الجنسية هي استجابة للمثير (أي الطرف الآخر)، وهو الذكر نفسه. وما دام أن رغبة المرأة الجنسية ليست ذاتية التولد (كما الحال بالنسبة للذكر)، لا يحصل عند المرأة انتصاب (أو انتفاخ)، وما دام أن جذوة الحياة ليست كامنة في جسدها، لا يحصل عندها قذف (تفريغ للطاقة) كما يحصل عند الرجل. وجل ما يحصل في حالة الأنثى هو أن شهوتها الجنسية تكمن وتزداد بمقدار تلبيتها لحاجة شريكها (الذكر)، فكلما وجدت المرأة أن شريكها الرجل قد حصل على متعة أكثر، كلما زادت رغبتها في ذلك. وليست الإفرازات التي تخرج من جسد المرأة أكثر من انعكاس لتلك الحالة، فكلما زادت رغبتها الجنسية التي حفزها الذكر نفسه، كلما زادت كمية إفرازاتها، إلا أن هذه الإفرازات لا تخرج مرة واحدة على شكل قذف قوي وسريع كما في حالة الرجل. والأهم من ذلك كله هو استحالة أن تؤخذ جذوة الحياة من إفرازات المرأة. 

ولو تفقدنا سلوك المرأة في الفراش، لوجدنا أنها قادرة على التوقف في أي لحظة من الجماع، فهي تنتهي (وربما تكتفي) عندما ينتهي شريكها الرجل. فرغبتها بالجنس محكومة بشهوة الرجل النهائية، لكن هذا غير ممكن بالنسبة للرجل، فالرجل لا يستطيع التوقف إلا عندما ينهي المهمة عن آخرها. فما دام الرجل يحمل في داخله نارا متقدة، فهو لا يستطيع أن يتوقف إلا بإخراجها من جسده. وما أن تخرج هذه النار من جسده مرة واحدة حتى يقع خائر القوى، ويكأنه كان في عراك شديد، وقد أفقده كثيرا من قوته البدنية. وهذا ما لا يكون بالنسبة للمرأة، بل على العكس فهي تنتهي ويكأنها قد اكتسبت نشاطا زائدا. فاهتزت وربت وأنبتت كما الأرض التي سقط عليها المطر فأخرج فيها الحياة. وهذا التصوير واضح في أجمل صوره في التقابل الذي تجلّيه الآية الكريمة التالية:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)   

تبعات هذا الظن

لو تدبرنا السياق القرآني التالي، لوجدنا فيه ما يدعونا فعلا أن نتدبره ملّيا: 

فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

فهذا السياق يبين لنا الحوار الذي دار بين موسى من جهة وقومه من جهة أخرى بعد أن عاد من لقاء ربه، ليجد أن قومه قد فتنوا بضلالة السامري.

السؤال: ماذا يمكن أن نفهم من رد القوم على سؤال موسى عندما قالوا (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا)؟ ألا يقع القارئ للقرآن في حيرة من أمره فيصعب عليه فهم المراد عند هذا القول؟ ألا يجد من الصعوبة عليه أن يفهم المقصود من قولهم (بِمَلْكِنَا

جواب: قبل أن نتجرأ (بناء على نقاشنا السابق) على تقديم افتراءات من عند أنفسنا نظن أنها غير مسبوقة، دعنا نقدم للقارئ الكريم بداية ما جاء في بطون بعض أمهات كتب التفسير (كتفسير الطبري مثلا) عن هذه الآية الكريمة، ثم ليقارن هو بنفسه بعد ذلك بين ما سطرّت أقلام أهل الدراية من علم عظيم في بطون تلك "الكتب القيّمة" مقابل ما سنفتريه نحن من قول من عند أنفسنا في الصفحات القليلة (ربما غير القيّمة) التالية:


قالوا ما أخلفنا موعدك

القول في تأويل قوله تعالى : { قالوا ما أخلفنا موعدك } يقول تعالى ذكره : قال قوم موسى لموسى : ما أخلفنا موعدك , يعنون بموعده : عهده الذي كان عهده إليهم , كما : 18295 - حدثني محمد بن عمرو , ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى " ح " ; وحدثنا الحارث , قال : ثنا الحسن , قال : ثنا ورقاء , جميعا عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله : { موعدي } قال : عهدي . وذلك العهد والموعد هو ما بيناه قبل .

بملكنا

وقوله : { بملكنا } يخبر جل ذكره عنهم أنهم أقروا على أنفسهم بالخطأ , وقالوا : إنا لم نطق حمل أنفسنا على الصواب , ولم نملك أمرنا حتى وقعنا في الذي وقعنا فيه من الفتنة . وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء المدينة : " بملكنا " بفتح الميم , وقرأته عامة قراء الكوفة : " بملكنا " بضم الميم , وقرأه بعض أهل البصرة { بملكنا } بالكسر . فأما الفتح والضم فهما بمعنى واحد , وهما بقدرتنا وطاقتنا , غير أن أحدهما مصدر , والآخر اسم . وأما الكسر فهو بمعنى ملك الشيء وكونه للمالك . واختلف أيضا أهل التأويل في تأويله , فقال بعضهم : معناه : ما أخلفنا موعدك بأمرنا . ذكر من قال ذلك : 18296 - حدثني علي , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي عن ابن عباس , قوله : { ما أخلفنا موعدك بملكنا } يقول : بأمرنا . 18297 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث , قال : ثنا الحسن , قال : ثنا ورقاء , جميعا عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله : { بملكنا } قال : بأمرنا . * - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , مثله . وقال آخرون : معناه : بطاقتنا . ذكر من قال ذلك : 18298 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا } : أي بطاقتنا . 18299 - حدثنا موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا } يقول : بطاقتنا . وقال آخرون : معناه : ما أخلفنا موعدك بهوانا , ولكنا لم نملك أنفسنا . ذكر من قال ذلك : 18300 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { ما أخلفنا موعدك بملكنا } قال : يقول بهوانا , قال : ولكنه جاءت ثلاثة , قال ومعهم حلي استعاروه من آل فرعون , وثياب . وقال أبو جعفر : وكل هذه الأقوال الثلاثة في ذلك متقاربات المعنى , لأن من لم يهلك نفسه , لغلبة هواه على ما أمر , فإنه لا يمتنع في اللغة أن يقول : فعل فلان هذا الأمر , وهو لا يملك نفسه وفعله , وهو لا يضبطها وفعله وهو لا يطيق تركه . فإذا كان ذلك كذلك , فسواء بأي القراءات الثلاث قرأ ذلك القارئ , وذلك أن من كسر الميم من الملك , فإنما يوجه معنى الكلام إلى ما أخلفنا موعدك , ونحن نملك الوفاء به لغلبة أنفسنا إيانا على خلافه , وجعله من قول القائل : هذا ملك فلان لما يملكه من المملوكات , وأن من فتحها , فإنه يوجه معنى الكلام إلى نحو ذلك , غير أنه يجعله مصدرا من قول القائل : ملكت الشيء أملكه ملكا وملكة , كما يقال : غلبت فلانا أغلبه غلبا وغلبة , وأن من ضمها فإنه وجه معناه إلى ما أخلفنا موعدك بسلطاننا وقدرتنا , أي ونحن نقدر أن نمتنع منه , لأن كل من قهر شيئا فقد صار له السلطان عليه . وقد أنكر بعض الناس قراءة من قرأه بالضم , فقال : أي ملك كان يومئذ لبني إسرائيل , وإنما كانوا بمصر مستضعفين , فأغفل معنى القوم وذهب غير مرادهم ذهابا بعيدا ; وقارئو ذلك بالضم لم يقصدوا المعنى الذي ظنه هذا المنكر عليهم ذلك , وإنما قصدوا إلى أن معناه : ما أخلفنا موعدك بسلطان كانت لنا على أنفسنا نقدر أن نردها عما أتت , لأن هواها غلبنا على إخلافك الموعد .
 
بعد أن تدبرنا هذا التفسير العظيم، وجدنا أن من حقنا (ربما مخطئين) أن نسطر الملاحظات التالية التي نظن أنها ربما (حسب ظننا) تعيب هذا التفسير (على مكانته)، نذكر منها:

أولا، نحن لا نجد أصلا تفسيرا لمفردة بِمَلْكِنَا، التي كان من المفترض أن ينصب الاهتمام عليها لما تسببه من إشكالية في ذهن كل من يقرأ هذه الآية في كتاب الله. فجل ما فعله أهل الدراية من سادتنا العلماء هو استبدال مفردة بمفردة أخرى، فهم قد استبدلوا المفردة الصحيحة بِمَلْكِنَا بمفردات خاطئة مثل (بقدرتنا وطاقتنا وبأمرنا). ولو كان هذا هو المقصود، فلم لم يستخدم الإله نفسه هذه المفردات للتعبير عن مراده؟ وما الذي يمكن أن يستفيده الباحث عن التفسير عندما يجد أن الأمر لا يعدو أن يكون أكثر من استبدال مفردة بأخرى؟

ثانيا، بالرغم من كثرة أصحاب الرأي، إلا أنهم في نهاية المطاف يرددون القول ذاته تقريبا (بقدرتنا وطاقتنا وبأمرنا)، ولعلي أجزم القول بأن الغلو في ذكر الأسماء الكثيرة من أصحاب الرأي يدفعه هدف واحد، هو إلزام الناس هذه الآراء شاءوا أم أبوا مادامت قد صدرت عن هذا الكم الهائل من أهل العلم. فهذه هي سياسة "التسكيت" (أو تكميم الأفواه) التي لا تخلو من المكر والدهاء. فأنت عندما تسمع رأيا يقول به كثير من العلماء (ويتبناه السواد الأعظم من الأمة) لا تجد بدا من تصديقه، حتى وإن لم يكن الدليل فيه مقنعا لك، فتقف حائرا لا حول لك ولا قوة أمام هذا العدد الكبير من أهل العلم حتى وإن كنت لا تفهم شيئا مما يقولون، وحتى لو كنت غير مقتنعا بما يقولون. فتكذيب هذا العدد الهائل من أهل العلم (والإبحار ضد التيار الجارف) هي مجازفة لا يقوى عليها إلا المجانين (من مثلي طبعا).

ثالثا، الاختلافات في الرأي عندهم (إن وجدت أصلا) لا تفضي إلى نتيجة كبيرة، فما الفرق في تفسيرهم لمفردة بِمَلْكِنَا عندما قالوا أنها تعني بقدرتنا وطاقتنا وبأمرنا. فهل فهمنا شيئا ذات قيمة من هذا الاختلاف في القول؟ وما الفرق بين القدرة والطاقة والأمر؟ فهل نحن فعلا نفهم هذه المفردات كما يجب؟ من يدري؟! 

رابعا، بالرغم من المجهود العظيم الذي بذلوه (مشكورين طبعا) حتى خرجوا بهذه الأفهام العظيمة، إلا أننا لا نجد لرأيهم أثرا في فهم القصة كلها، فما علاقة هذه المفردة بِمَلْكِنَا مثلا في سياق الحديث عن قصة موسى مع قومه وعودته غضبان أسفا من لقاءه مع ربه ثم فتنة السامري وحلي القوم، والعجل وغيرها؟ من يدري؟!!!

خامسا، ربما يجد المدقق في التفسير أن إستراتيجية التعمية واضحة تماما. ونقصد بإستراتيجية التعمية نقل الحديث من موضوع واضح بيّن إلى موضوع مبهم من أجل قتل الفكرة قيد البحث. فالموضع قيد البحث هو محاولة شرح مفردة بِمَلْكِنَا كما جاءت في هذا السياق القرآني، لذا يبدأ القارئ موجها جلّ الاهتمام على هذه المفردة، في محاولة للخروج بمفهوم واضح يساعده في فهم الأحداث كما حصلت على أرض الواقع، أليس كذلك؟

لكن ما الذي يحصل في التفسير بعد ذلك؟

رأينا: ما أن يكون ذهن القارئ لهذه التفاسير العظيمة منشغلا تماما في محاولة إيجاد المعنى الحقيقي للمفردة قيد النقاش، فيحاول مطاردة الفكرة مع المؤلف، حتى يجد أن المؤلف قد نقله دون سابق إنذار إلى موضوع آخر بعيد كل البعد أن فحوى النقاش، فيشوش أفكاره ويتعبه ولا يعود يقوى على متابعة النقاش معه في الموضوع الأساسي قيد البحث. ولتوضيح الفكرة أكثر، انظر كيف أنه في حين أن ذهن القارئ كان منشغلا في إيجاد معنى حقيقي لمفرد بِمَلْكِنَا، فما أنهى السطر الأول من التفسير:

وقوله : { بملكنا } يخبر جل ذكره عنهم أنهم أقروا على أنفسهم بالخطأ , وقالوا : إنا لم نطق حمل أنفسنا على الصواب , ولم نملك أمرنا حتى وقعنا في الذي وقعنا فيه من الفتنة .

حتى نقله المؤلف إلى موضوع آخر يتعلق بكيفية قراءة المفردة بالرفع أو بالفتح أو بالضم، الخ:

وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء المدينة : " بملكنا " بفتح الميم , وقرأته عامة قراء الكوفة : " بملكنا " بضم الميم , وقرأه بعض أهل البصرة { بملكنا } بالكسر . فأما الفتح والضم فهما بمعنى واحد , وهما بقدرتنا وطاقتنا , غير أن أحدهما مصدر , والآخر اسم . وأما الكسر فهو بمعنى ملك الشيء وكونه للمالك

فضاعت الفكرة، وانتهى البحث عن معنى المفردة قيد البحث، وانتقل الحديث إلى الغوص في سبر أعماق اللغة الفصيحة الجميلة، وتمجيد إمكاناتها التي لا يمكن للغة أخرى (أرضية كانت أو سماوية) أن تعدلها أو حتى أن تجاريها (حسب ظنهم).

السؤال: ما الحاجة إلى هذا الانتقال؟ وماذا يستفيد القارئ من ذلك؟ وهل لهذا الانتقال علاقة مباشرة في توضيح مراد القول في تفسير المفردة قيد البحث؟ أي هل يساهم هذا الحديث عن الرفع والنصب والجر في توضيح الفكرة وتجليتها أكثر عن معنى بِمَلْكِنَا؟ وهل فعلا يمكن أن تقرأ كلمة واحدة في كتاب الله بكل هذه الطرق (بالرفع والنصب والجر)؟ ألم نعهد من سادتنا أهل العلم القول بأن تغيير حركة واحدة في الكلمة يغير معناها ومدلولاتها؟ فهلا أفهمتمونا (يا سادتنا العلماء) كيف غيرت هذه الحركات المتنوعة في معنى مفردة بِمَلْكِنَا هذه؟ هل فعلا الأمر على هذه الشاكلة؟

رأينا المفترى والخطير جدا: كلا وألف كلا، فهذه ليست إلا صنيعة أهل العلم الذين كان ديدنهم على الدوام هو ما أفهمه من الآية الكريمة التالية:

وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)

فهم إذن يبدون ما يريدون من قراطيسهم ويخفون كثيرا منها، إما لحاجة في نفوسهم لأنهم لا يريدون الآخرين الإطلاع عليه، أو لجهل عندهم فلا يريدون الآخرين أن يعلموا حقيقتهم. فنحن نحاول أن نلفت انتباه من يريد من الناس إلى الملاحظة التالية: متى وجدتم الخطيب (محدثكم) يقفز من سؤال طرحته عليه إلى سؤال آخر، ويسهب متى أراد ويختصر متى أراد، دون تقديم إجابة واضحة مقنعة أو الاعتذار صراحة بعدم المعرفة، فأعلم أن هذا من إخوان الشياطين، لأنه بكل بساطة لا يريد للناس أن يروا بأم أعينهم مقدار جهله، فهو إنما يحاول مراوغا إتباع أسلوب التعمية، فيغطي على ما يجهل (وهو كثير) ببعض ما يعلم (وهو قليل). فيتجنب طرح المواضيع التي لا علم عنده فيها، وربما ينعت من يطرحها بالزندقة والكفر والإلحاد، ويؤثر أن ينصب الحديث دائما على ما عنده من أفهام يظن أنها ذات قيمة أصلا، فيظل يلوكها كالعلكة البالية في فمه في كل وقت وحين (أو CHEWING THE OLD GUM بالمثل الإنجليزي)، ويكثر من ترداد أصحاب الرأي من سادته العلماء الأقدمين والمحدثين الذين قالوا بقوله في محاولة لتسكيت خصمه، فينصعق بسطاء العامة من الناس بما يسمعون منه، وينسون ما كان من المفترض أن يكون هو موضوع النقاش. فالخطيب الذي لا يقوى أن يقول لك صراحة بأنه لا يعلم إجابة السؤال الذي تطرحه عليه نفسه (ليتسنى لك البحث عند غيره عن إجابة لما تريد) هو الذي يتبع أسلوب التعمية التي صدت الناس (برأينا) عن الذكر قرونا طويلة من الزمن، بالرغم من أن القرآن ميسر للذكر:

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17)

نحن نريد معنى بِمَلْكِنَا في قوله تعالى (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا) بغض النظر عن طريقة قراءتها، فهل عندك من شيء تبديه لنا وإلا أصبحت ممن يتبعون أسلوب التعمية "الخبيثة"؟ هل فعلا من اليسير علينا أن نفهم مفردة بِمَلْكِنَا؟ يرد صاحبنا قائلا.  

جواب مفترى من عند أنفسنا: نعم، أظن أننا قد نخرج بعد قليل بفهم مختلف تماما عن ما وصلنا من عند سادتنا أهل الدراية، ولعلي أجزم أنه غاية في البساطة التي قد تفاجئ القارئ العادي لكتاب الله. لكن دعنا ندقق في القصة كلها لنحاول ربط هذه المفردة بها، ثم نرى ما يمكن أن تؤول إليه الأمور.

أما بعد،
هذا موسى يحاور قومه بعد أن رجع من لقاءه ربه غضبان أسفا، فيسألهم عند سبب إخلافهم لموعده:

فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي (86)

إذن يمكن أن نستنبط من ذلك أن موعدا قد تم تحديده من ذي قبل (أي قبل ذهاب موسى إلى لقاء ربه في الواد المقدس) بين موسى من جهة وقومه من جهة أخرى، أليس كذلك؟

ولا شك عندنا أن الموعد يتطلب وجود عامل الزمن، أليس كذلك؟ فالموعد يتحدد بالزمان كما حصل مع موسى نفسه:

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)

كما أن الموعد يتطلب وجود عامل المكان، أليس كذلك؟ فالموعد يتحدد بالمكان كما في قوله تعالى بخصوص بني إسرائيل:

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)

نتيجة مفتراة: كان من المفترض أن يحصل اللقاء بين موسى من جهة وقومه من جهة أخرى في زمان محدد وفي مكان محدد. فما الذي حصل فعلا على أرض الواقع؟ هل تلاقى الطرفان حسب الموعد الذي تم تحديده من قبل؟ 

جواب مفترى: حصل إخلاف للموعد، أليس كذلك؟ فمن الذي أخلف الموعد موسى أم قومه؟

جواب مفترى: حصل إخلاف للموعد من قبل بني إسرائيل وليس من قبل موسى، وليس أدل على ذلك من رد القوم أنفسهم على سؤال رسولهم ذاته:

قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

نتيجة مفتراة: لقد أخلف القوم موعد رسولهم، وهم يعترفون بذلك صراحة بألسنتهم.

السؤال: لماذا أخلفوا موعد رسولهم؟ فهل أخلفوه رغبة في إخلاف الموعد وكفى؟ أم أنهم أخلفوه لسبب قاهر حصل معهم؟

رأينا المفترى: نحن نرى أن القوم لم يخلفوا الموعد رغبة منهم في ذلك، فها هم يحاولون تبرير إخلافهم لذاك الموعد، فيحاولون تقديم العذر لإخلافهم لذلك الموعد، فكان عذرهم مبنيا على تبريرين هما،

- عدم إخلافهم موعد رسولهم بملكهم (قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا)

- حملهم لأوزار من زينة القوم وما حصل لها من قبل السامري (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ)

السؤال: لماذا جاء تبريرهم على هذه الشاكلة؟

جواب مفترى: لمّا كان القرآن ميسرا، دعنا نفهم الأمر بطريقة سهلة جدا بتقديم مثال بسيط يمكن أن يفهمه كل الناس لأنه يحصل معهم دائما في حياتهم اليومية العادية.

المثال: تخيل عزيزي القارئ أن والدك (المسافر في الاغتراب) قد طلب منك القيام بعمل معين لتنجزه في غيابه في فترة محددة من الزمن، وحصل الاتفاق بين الطرفين (الأب والابن مثلا) على ذلك، وكانا كلاهما يظنان أن الفترة الزمنية كافية لانجاز العمل وأن المقدرة متوفرة لإنجازه فعلا، وليس هناك عائقا على إتمام العمل بالوجه المطلوب وفي الزمن المحدد. ولكن تخيل أنه عندما عاد الوالد المغترب من سفره وجد أن العمل لم ينجز تماما كما تم الاتفاق عليه بين الطرفين، فكيف يمكن أن تتخيل ردة فعل الأب الذي كان يتوقع أن يجد العمل منجزا حسب الاتفاق؟ وكيف يمكن أن تتخيل ردة فعل الولد (الذي أخلف موعد والده)؟ ألن يسأل الوالد ولده مباشرة عن سبب عدم إيفاءه بالموعد؟ ألن يسأله عن السبب الذي حال دون إنهاءه المهمة كما يجب؟

ثم بالمقابل ألن يحاول الولد تبرير موقفه؟ ألن يحاول أن يقدم الحجة (أو التبرير) لعدم إنجازه المهمة كما يجب؟

السؤال إذن: كيف يمكن أن ترد على سؤال والدك حينئذ لو أنك كنت أنت – عزيزي القارئ- في هذا الموقف؟ وكيف ستبرر له ما حصل فعلا؟

رأينا: إن من أولى الأولويات عند الولد (وهو المتهم الآن بالتقصير) أن تظهر لوالدك أنك قد أخذت الأمر فعلا على محمل الجد، وأنك لم تدخر وسعك في إتمامه، وأنك فعلا بذلك ما بوسعك لإتمامه، وأنك ما كنت تلهو ولا كنت تلعب في غيابه، ولكن حصلت على أرض الواقع ظروف محددة هي التي حالت دون إتمام العمل على الوجه المطلوب في الفترة المحددة، أليس كذلك؟

نتيجة مفتراة مهمة جدا: إذن نحن نتخيل أن التبرير سيكون من جانبين: الأولى أن تدفع عن نفسك تهمة التقصير المتعمد، والثانية أن تذكر السبب الحقيقي الذي حال دون إنجاز المهمة كما يجب.

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: هذا بالضبط ما حصل عندما حاول قوم موسى تبرير سبب إخلافهم لموعد رسولهم، فقد حاولوا أن تصل رسالتهم (أي خطابهم الشفهي) واضحة لموسى، الرسالة التي مفادها بأنهم قد حملوا الأمر فعلا على محمل الجد، وأنهم لم يدخروا جهدهم في اللحاق به، وأنهم لم يكونوا يلعبون ولم يكونوا يلهون في غيابه (أي دفع تهمة التقصير عن أنفسهم)، وتمثل هذا بقولهم (مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا)، ولكن حصل على أرض الواقع أحداث كبيرة هي التي حالت دون اللحاق به والظفر بموعده، وتمثلت بقولهم (وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ). فهذه هي الأحداث التي حصلت على أرض الواقع وحالت دون لحاقهم بموعد رسولهم. 

السؤال الأول: كيف دفعوا تهمة التقصير عن أنفسهم؟

جواب: قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا

سؤال: ما معنى ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن القوم كانوا يحاولون إيصال الرسالة لموسى بأن إخلافهم لموعده لم يكن بملكهم، أي لم يكن (ملكهم) هو سبب إخلافهم لموعده، فهم – كما أسلفنا- يحاولون تبرير موقفهم بأنهم لم يألوا جهدا في اللحاق بموعد رسولهم وأنهم لم يكونوا يلعبون ويلهون، وإنما بذلوا كل ما يستطيعون ولكن الظرف الذي حصل كان أقوى من قدرتهم على اللحاق بموسى والظفر بموعده.

السؤال: وما علاقة هذا بمفردة بِمَلْكِنَا؟ لم لم يقولوا له ذلك صراحة؟ لم لم يستخدموا لفظ اللعب واللهو صراحة؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: لأنهم يقصدون لهوا من نوع خاص؟ 

السؤال: ما هو هذا اللهو الخاص؟

جواب مفترى: هو اللهو واللعب بِمَلْكِنَا؟ أي إخلاف الموعد بملكهم؟

سؤال: وما معنى ذلك؟

رأينا المفترى: حاول أن تربط عزيزي القارئ – إن شئت- ما نفتريه الآن من قول في هذا الموقف عن فهمنا لمفردة بِمَلْكِنَا كما جاءت في هذه الآية الكريمة:

قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

مع ما افتريناه من قول سابقا عندما تعرضنا للآية الكريمة الخاصة بفتنة الشيطان لآدم، خاصة عبارة (وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى):

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120) 

السؤال: وما الرابط؟ يسأل صاحبنا مستغربا.

رأينا: لقد افترينا الظن بأن الملك الذي لا يبلى هو العضو الذكري.

السؤال: آه. نعم. تفضل. شو بدك تقول؟

جواب: نحن نظن أن لذلك علاقة بمفردة بِمَلْكِنَا عندما قال بنو إسرائيل:

قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

سؤال: لو سمحت وضح أكثر، ما علاقة العضو الذكري بقولهم (بِمَلْكِنَا)؟ وما علاقة هذا كله بقولهم (مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا

جواب مفترى: لقد حاولت جهدي (كما تعهدت في الجزء السابق من هذه المقالة) أن أضل مؤدبا خلال الكلام، فلا ألجأ إلى قلة الحياء وإلى إساءة الأدب في التعبير، لكن لما كان هذا ينافي طبعي الحقيقي، أجد لزاما العودة إلى هذا الطبع المشين مرة أخرى لتوضيح المراد.

أما بعد،

ما أود أن أقوله هو أنه عندما تحاول أن تدفع عن نفسك تهمة التقصير في القيام بعمل كان من المفترض أن تنجزه ولكنك أخفقت في انجازه لسبب ما حصل على أرض الواقع، فإن أول دفاع عن نفسك هو إظهارك الجدية في محاولة تحقيق الأمر كما يجب، وأنك لم تكن تلهو وتلعب، وأشد حالات اللعب واللهو التي تحاول دفعها عن نفسك هي اللهو بعضوك الذكري، ولازلنا حتى يومنا هذا نقول بالعامية لتبرير عدم التقصير في انجاز مهمة ما كان من المفترض أن تنجز "لم أكن بشـ ، لم أكن بتمـ ، لم أكن بلعب بـ ....، الخ.

(بعرف شو بعض الناس الآن بدهم يقولوا عني بـ .... ، بس ماشي ... لكن اعلم أني بـ .... خلص، أحسن)

نعم هذا ما كان يحاول بنو إسرائيل (نحن نفتري الظن) إيصاله لرسولهم الذي أخلفوا موعده. فهم يريدون أن يوصلوا له الرسالة أن إخلافهم لموعده لم يكن بسبب بِمَلْكِنَا، أي اللهو بعضوهم الذكري إتباعا للشهوات التي يجلبها هذا العضو الذكري:

قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ... (87)

ولكن السبب الحقيقي هو ما فعل السامري لهم بحليهم :

... وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

السؤال: ما معنى بِمَلْكِنَا إذن؟

جواب مفترى: الباء تستخدم للحديث عن الأداة (كقولنا فتحت الباب بالمفتاح)، كما تستخدم للسبب (كقولنا دخل السجن بكلامه)، أما ملكنا فهو الشيء الذي يحقق لك الملك، فما هو الشيء الذي كان يحقق الملك لبني إسرائيل كما حققه لآدم. إنه العضو الذكري.

نتيجة مفتراة: نحن نظن أن مفردة بِمَلْكِنَا تعني (كما نفهمها ) استخدام العضو الذكري من أجل جلب المتعة الجنسية التي تسبب الخلد (أي الملك). انتهى.

عودة على بدء: وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (بِمَلْكِنَا): العضو الذكري
إن أول ما يمكن أن نستنبطه من مثل هذا النوع من التفكير (ربما الخاطئ) هو طريقة إيقاد شعلة الحياة في رحم المرأة. فنحن نتجرأ على الظن بأن الذكر هو مصدر الحياة وهو الذي يوقد شعلتها، فهو من عنده الملك الذي لا يبلى، وأن الأنثى ليست أكثر من حاضنة لهذه الشعلة، لذا فإن الذكر (بِمَلْكِه) هو من يحدد جنس المولود، قال تعالى:

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)

فلو دققنا في صيغة الخطاب، لوجدنا أن الفاعل في كل الحالات هو الذكر بدليل صيغة التذكير للفعل يشاء (يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ). فالمشيئة هي مشيئة الذكر ولا دخل للأنثى بذلك.

السؤال: وكيف يكون ذلك؟

رأينا: لو تفقدنا الآيات الكريمة التالية التي افترينا القول سابقا بأنها خاصة بفرعون:

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13)

لوجدنا أن الله قد وهب لفرعون بنين: 

وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)

لذا نحن نتجرأ على الافتراء بأن ذرية فرعون (الثاني) كانت من البنين، ولم يكن عنده ذرية من البنات.

السؤال: لماذا؟ أي لماذا وهب الله لفرعون بنين ولم يهب له البنات؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن الذرية هي على إطلاقها هبة من الله، لكن من الذي يحدد جنسها سواء كانت ذكرا أم أنثى؟

جواب مفترى: إنه الشخص نفسه. فحن نتجرأ على القول بأنه ليس لله دخل في تحديد ما تشاء من الذرية. فإن أنت شئت الذكر وهب الله لك الذكر، وإن أنت شئت الأنثى وهب الله لك الأنثى. انتهى.

السؤال: وكيف ذلك؟

رأينا: نحن لا نريد أن نجادل من أرادوا أن يعيشوا على الدوام في عصور ما قبل التاريخ والحضارة، الذين ما فتئوا ينكرون ويحرمون كل جديد، الذين لا تنطق ألسنتهم إلا بالافتراء الكاذب على الله. فكم روجوا بأن جنس المولود هو قرار إلهي لا دخل للإنسان به، وها هم اليوم يراجعون هم أنفسهم عيادات النسائية ليحدد لهم الطبيب (بالمختبر) جنس وعدد ومواصفات المولود. ولا شك أنهم يراجعون العيادة للحصول على ذرية من الذكور. فهم الذين يخطبون على المنابر بأن دينهم يساوي بين الذكر والأنثى فتراهم لا يتأففون من الحصول على ذرية من الذكور ولكن وجوهم تسود إذا بشر أحدهم بالأنثى. 

السؤال: هل نحن بحاجة أن نراجع عيادة النسائية لتحديد جنس المولود؟

رأينا المفترى: كلا وألف كلا. فأنت تستطيع عزيزي القارئ أن تحدد جنس مولودك بطريقة سهلة وبسيطة جدا. فكيف يمكنك فعل ذلك؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن مفتاح الإجابة يكمن في الآية القرآنية السابقة نفسها:

لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49)

السؤال: وكيف ذلك؟

دقق عزيزي القارئ في الآية الكريمة نفسها لتجد أن الله قد ابتدأ الآية بهبة الإناث قبل الذكور، فقال تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا) أولا ثم قال بعد ذلك (وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ). ليكون السؤال الذي يجب أن يطرح على الفور هو: لماذا؟

جواب مفترى: الأنثى تأتي قبل الذكر

السؤال: ما علاقة هذا بفحوى النقاش عن تحديد جنس المولود؟

جواب مفترى: لو تدبرنا ما يحصل في حالة الحمل لوجدنا أن المرأة تبدأ الاستعداد للحمل بعد الطهارة من المحيض:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)

وما أن تتطهر المرأة من الحيض حتى يكون للرجل الحق بأن يأتي زوجه من حيث أمره الله. فيحصل الجماع، وتتمثل النتيجة في عملية قذف الرجل لجذوة الحياة في رحم زوجه، فتنطلق ما نسميه علميا بالحيوانات المنوية التي قذفها الرجل لتسبح في رحم المرأة.

نتيجة مفتراة: جذوة الحياة تنطلق من الرجل، لهذا نجد قوله تعالى:

وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)

وربما لهذا نجد الأمر الإلهي بأن ندعو المولود لأبيه وليس لأمه:

ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (5)

نتيجة مفتراة: الولد (ذكرا كان أم أنثى) هو قطعة من أبيه:

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)

لمّا كان الرجل هو مصدر الحياة، فإن هذه الحيوانات المنوية تكون ذكرية وأنثوية، أو ما يسمى باللغة العلمية (XY). فالرجل هو إذن من يحدد جنس المولود ذكرا كان أم أنثى ولا دخل للمرأة في ذلك. فالحيوانات المنوية الذكرية والأنثوية التي يقذفها الرجل في رحم المرأة هي المسئولة عن تلقيح البويضة الموجودة في رحم المرأة. فإذا لقح البويضة حيوان منوي ذكري كانت النتيجة ذكرا، وإذا لقح البويضة حيوان منوي أنثوي، كانت النتيجة الأنثى.

لكن كيف يحدد الرجل نفسه جنس المولود بمشيئته؟

... يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49)

رأينا: تعيش الحيوانات المنوية التي قذفها الرجل في رحم المرأة فترة من الزمن، ثم تموت، لكن الملاحظ هو أن الحيوانات المنوية الذكرية تكون حياتها أقصر، فتموت أسرع من الحيوانات المنوية الأنثوية، فتتناقص الحيوانات الذكرية في الرحم بشكل أسرع من الحيوانات المنوية الأنثوية.

نتيجة مفتراة (1): تعيش الحيوانات المنوية الذكرية والأنثوية في رحم المرأة فترة من الزمن

نتيجة مفتراة (3): الحيوانات المنوية الذكرية أسرع من الحيوانات المنوية الأنثوية

نتيجة مفتراة (2): تموت الحيوانات الذكرية أسرع من الحيوانات الأنثوية

السؤال: متى يحصل التلقيح؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن التلقيح لا يمكن أن يتم إلا في اليوم الرابع من الطهارة من الدورة، وهو وقت نزول البويضة عند الأنثى (وسنتحدث عن ذلك لاحقا بحول الله وتوفيقه). فالمرأة التي تتطهر من المحيض لا تكون جاهزة للحمل مباشرة، بل تستمر ثلاثة أيام بعد الطهارة من الدورة في مرحلة تحضيرية لنزول البويضة القابلة للتلقيح. وفي اليوم الرابع من الطهارة من المحيض تنزل البويضة فتكون جاهزة للتلقيح. فما الذي يحصل على الفور؟

جواب مفترى خطير جدا: إذا كان الرجل قد جامع زوجته قبل نزول البويضة، وحصلت عملية القذف داخل الرحم، فأن الحيوانات المنوية تكون حاضرة من ذي قبل في الرحم، وما أن تنزل البويضة حتى تتسابق الحيوانات المنوية المتواجدة حينئذ في الرحم إلى تلقيحها. فكيف يتحدد جنس المولود؟

جواب مفترى: تصور عزيزي القارئ أن جماع الرجل لزوجته كان قبل يوم واحد من نزول البويضة، فما الذي يحصل؟

جواب مفترى: نحن نفتري القول بأن احتمالية أن يكون المولود ذكرا أقل بكثير من احتمالية أن يكون أنثى. لكن لماذا؟

رأينا: تذكر عزيزي القارئ بأن الحيوانات الذكرية تموت أسرع من الحيوانات الأنثوية، فعندما حصل الجماع والقذف قبل يوم كامل فإن عدد الحيوانات الأنثوية ستكون أكثر بكثير من عدد الحيوانات الذكرية المتبقية، فتكون الغلبة للأنوثة على الذكورة.

السؤال: وماذا لو كان الجماع قد حصل قبل يومين اثنين من نزول البويضة؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن النتيجة ستكون لا محالة التأنيث، وذلك لأن معظم (وربما كل) الحيوانات الذكرية تكون قد تلاشت حينئذ وما تبقى في رحم الأنثى إلا جزءا بسيطا من الحيوانات الأنثوية التي ربما تنجح في تلقيح البويضة.

السؤال: وماذا لو حصل الجماع قبل ثلاثة أيام من نزول البويضة؟

جواب مفترى: ربما لن يحصل الحمل لأن الحيوانات المنوية الذكرية والأنثوية تكون قد ماتت جميعا في الرحم، ولو تبقى منها شيء فلن يكون إلا حيوان منوي أنثوي.

السؤال: متى يمكن أن تكون النتيجة ذكرا إذن؟

جواب مفترى: نحن نظن أن أفضل الأوقات لأن يكون المولود ذكرا هو أن يتم الجماع والقذف بعد نزول البويضة مباشرة، أي في اليوم الرابع والخامس من الطهارة من المحيض.

السؤال: لماذا؟

رأينا: في اليوم الرابع من المحيض تنزل البويضة في الرحم، وتكون قابلة للتلقيح، وتكون في أفضل حالاتها. فإذا ما حصل جماع في تلك اللحظة، فإن الحيوانات الذكرية والأنثوية القادمة من الرجل ستتسابق لتلقيح البويضة، ولكن لما كانت الحيوانات الذكرية بطبيعتها أسرع من الحيوانات الأنثوية، فإنها لا محالة ستسبق إلى البويضة وتلقحها، وستكون النتيجة بإذن الله مولودا ذكر. مبروك.

السؤال: ما الذي يمكن أن يفعله من أراد ذرية من الذكور؟

رأينا: إذا أردت عزيزي القاري أن تتحصل لك ذرية من الذكور فأنت لست بحاجة لمراجعة عيادات النسائية ناهضة التكاليف ومعقدة التقنية، فإننا نقدم لك الوصفة بالمجان، فما عليك فعله إلا أن تتوخى الحذر بأن لا تقذف في رحم زوجك ثلاثة أيام بعد الطهارة من المحيض، فيمكنك إتيان زوجك وجماعها لكن احرص أن لا يحصل القذف داخل الرحم خلال هذه الأيام الثلاثة الأولى للطهارة من المحيض. 

في اليوم الرابع من الطهارة من المحيض، ستجد المرأة الذكية أن التغيرات المصاحبة لنزول البويضة قد أقبلت وتتمثل في تقلّب درجة حرارة جسمها، وفي زيادة الإفرازات وتغير ماهيتها. يمكنك في ليلة ذلك اليوم الرابع (مش عارف لريش بالليل يمكن كما بالنهار) يمكنك أن تجامع زوجتك وتقذف كل ما في جعبتك من الحيوانات المنوية فيها، وإياك أن تشك بأن النتيجة لن تكون ذكرا. وإذا أردت أن تتأكد أكثر فانتظر إلى اليوم الخامس.

فنحن نقول لمن أراد الذكر أن ما عليك توخيه هو التأكد من عدم نزول البويضة والرحم مليء بالحيوانات المنوية التي باتت فيه من البارحة أو قبل البارحة، لأن هذا سيؤدي إلى تلاشي الحيوانات المنوية الذكرية وبقاء الحيوانات المنوية الأنثوية حية تسعى، وما أن تنزل البويضة حتى تسبق هذه الحيوانات الأنثوية إلى تلقيحها وتكون النتيجة هي الأنثى، ثم تبدأ أنت وأمك وجاراتك بإلقاء اللائمة على المرأة بأنها هي سبب ذلك. 

كلا وألف كلا، أنت السبب في ذلك، فلو منعت نفسك عن زوجك لبضعة أيام لكانت النتيجة مختلفة، ولكن حب الرجل للجماع وشهوته الجنسية الكبيرة هي التي أنتجت له عددا كبيرا من الإناث مقابل عدد قليل من الذكور. 

ولو تفقدنا القصص الشعبية لوجدنا فيها من الحكمة ما لم ينتبه له العقلاء. عندما يتحصل لرجل ما ذرية كثيرة من الإناث يعمد إلى الزواج من زوجة الأخرى، وبالفعل يتحصل له من زوجته الجديد (والقديمة) ذرية من الذكور بعد زواجه بالثانية أو الثالثة. السؤال: لماذا؟

رأينا: إنه تغير نمط الجماع. لما كان الرجل متلهفا على الجنس، فإن مجرد نظافة زوجته من المحيض يكون دافعا له للوقوع بها وقذف ما في جعبته من الحيوانات المنوية في رحمها، فيفعل فعلته أكثر من مرة في اليوم الأول والثاني من النظافة من الدورة، ولما كانت الحيوانات المنوية تموت بشكل أسرع يصبح الرحم ملي بالحيوانات الأنثوية وتكون النتيجة في أغلب الأحيان التأنيث. وتتكرر القصة في كل مرة من الحمل حتى يصبح عنده عدد لا بأس به من الإناث. وهنا يبدأ رحلة البحث عن زوجة أخرى ظانا أنها هي من ستجلب له البنين. وبالفعل يحدث الزواج الثاني وتتحصل له ذرية من الذكور من الزوجتين (السابقة واللاحقة) في معظم الحالات. 

السؤال: لماذا؟

جواب: لأنه حصل تنظيم للدور بين الزوجتين، فما عاد الجماع يكتسب نفس السلوك السابق عندما كان للرجل زوجة واحدة، لقد تغير سلوك الرجل في جماعه زوجته مادام أن هناك زوجة أخرى تشاطرها الدور. فالمرأة التي كان دورها أقرب إلى لحظة نزول البويضة هي من يكون نصيب بطنها الذكر، أما المرأة التي كان دورها أبعد عن لحظة نزول البويضة هي من يكون نصيب بطنها الأنثى.

السؤال: من الذي فهم الطريقة السليمة لإنتاج ذرية من الذكور؟

جواب مفترى: نحن نظن بأن يعقوب قد فهم ذلك:

إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (8)

السؤال: لماذا كانت ذرية يعقوب من الذكور؟

جواب: لأن يعقوب كان يعي تماما كيف يمكن له أن يتحصل على ذرية من الذكور. 

السؤال: من الذي فهم أيضا الطريقة السليمة لإنتاج ذرية من الذكور؟

جواب مفترى: إنه فرعون:

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13)

السؤال: لماذا كانت ذرية فرعون كلها من الذكور؟

جواب مفترى: لأن فرعون كان يعلم كيف يمكن أن يتحصل له الذرية من الذكور؟

السؤال: لماذا كان فرعون يريد ذرية من الذكور؟

جواب مفترى خطير جدا: ليكونوا شهودا:

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13)

السؤال: ما معنى أن يكون أبناء فرعون شهودا؟

رأينا المفترى: نحن نظن أن ما فعله أبناء فرعون هو ما جاء في السورة الكريمة التالية:

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22)

السؤال: وكيف ذلك؟

أولا، دعنا ندقق في معنى مفردة "شهود". فلو تفقدنا السياقات القرآنية التي وردت فيها هذه المفردة، لوجدنا أن لله نفسه شهود علينا: 

وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)

فمن هم شهود رب العالمين الذين جعلهم علينا (إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا

رأينا: إنهم الذين يستنسخون ما كنا نعمل:

هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29)

 فهم رسل ربك الذين يكتبون:

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)

ولو دققنا في هذا السياق القرآني لوجدنا أن شهود رب العالمين هم رسل (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) لكنهم ليسوا ولد الله (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)

وإذا كان هناك شهود (رسل)، فهناك ما هو مشهود (أي ما تمت شهادته من قبل الشهود)، قال تعالى:

إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (103)

فرسل ربنا هم الذين سيشهدون ذلك اليوم حتى يكون يوما مشهود (وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ). وهناك رسل من ربنا تشهد قرآن الفجر حتى أصبح قرآنا مشهودا:

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)

السؤال: لماذا كان أبناء فرعون شهودا؟

ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13)

رأينا المفترى: لما كان فرعون يظن بأنه إله، ولما كان فرعون يظن أنه هو ربهم الأعلى، كان عليه أن يثبت لهم ذلك. فكيف سيفعل؟

رأينا: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن الجميع حينئذ كان يعلم بأنه لابد لمن كان إلها أن يكون له رسل يكتبون، فيشهدون، وهم الذين يراقبون العباد (وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا). فكان على فرعون أن يتصرف كإله، فاتخذ لنفسه شهودا (كرسل يشهدون ويكتبون، فلا يغيب عنه خبر من هو إلههم) فكان شهود فرعون هم أبناءوه.

مفارقات مهمة:
- فحين أن لله شهود، كان لفرعون شهود 

- كان شهود الله هو رسله، فيشهدون ويكتبون أعمال عباده

- كان شهود فرعون هم رسله، فيشهدون ويكتبون أعمال من عبّدهم

- لم يكن شهود رب العالمين أبناءه، فالله لم يتخذ ولدا

- كان شهود فرعون هم أبناؤه، لأن فرعون اتخذ ولدا

- الخ

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن بأن هذه الآيات الكريمة تصور لنا قصة فرعون مع بني إسرائيل، في ذلك اليوم الموعود (يوم لزينة)، وكيف تصرف فرعون كإله، فحشر الناس ضحى، وكيف كان أبناءه هم رسله الذين يشهدون، وكيف أوقد فرعون النار ذات الوقود، وكيف أمد فرعون السحرة بتلك القوة التي أرهبت جميع الحاضرين (حتى أوجس موسى نفسه خيفة منهم)، الخ.

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22)

السؤال: كيف حصل الأمر على أرض الواقع؟

هذا ما سنخوض فيه في الجزء القادم من هذه المقالة بحول الله وتوفيق منه، سائلا الله وحده أن ينفذ مشيئته وإرادته لي الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيري، إنه هو العليم الحكيم، وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا. وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، فالله وحده أدعوه أن أكون ممن أتوه بقلب سليم، فهداهم الصراط المستقيم، وأسأله أن أكون ممن جاهدوا فيه، فهداهم السبل، وكانوا من المحسنين. وأعوذ به وحده أن أكون ممن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو العليم الخبير – آمين.


المدّكرون: رشيد سليم الجراح     


بقلم د. رشيد الجراح


15 حزيران 2015