قصة يونس - الجزء الحادي والأربعون





قصة يونس – الجزء الحادي الأربعون

انتهى الجزء السابق من هذه المقالة عند محاولتنا تدبر الآيات الكريمة التالية الخاصة بقارون:

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)

وافترينا القول بأن ثروة قارون قد تحصلت له بطريقة الإتيان (وَآتَيْنَاهُ)، أي التحصيل التدريجي، فلم يتحصل عليها دفعة واحدة، وإلا لجاء النص على نحو (وأعطيناه). وقد سبب ذلك الفرح عند قارون لظنه أنه قد ملك ناصية الأمر، وأنه حصل على مبتغاه النهائي. فكان ذلك (نحن نفتري القول) سببا في إيقاع العذاب الإلهي عليه. ولم يتوقف الرجل عند هذا الحد، لأنه عمد إلى جمع ثروته كلها على شكل كنوز، أي ذهبا وفضة، وكان هذا هو الجانب الذي بغى فيه قارون على قومه، فقد كان الرجل يعي تماما ما يفعل، فهو يحاول سحب الذهب والفضة من أيدي الناس ومن الأسواق، ثم جمعها في مكان محدد، وكان هدف الرجل من فعله هذا (نحن نظن) أن يترك الساحة خالية للشياطين ليعيثوا في الأرض فسادا. فكان جمعه للثروة كلها على شكل كنوز (ذهبا وفضة) ابتغاء الفساد في الأرض (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ).

فتكديس الذهب والفضة في المخازن مدعاة (نحن نرى) لأن تعيث الشياطين في الأرض فسادا. فتتلاعب بالناس وبالأسواق، فلا يقوون على صد خطرها، مادام أن أداة صدهم قد تكدست في مخازن لا يطالهم الأذى من ورائها.

السؤال: ما الذي نستفيده من هذه الافتراءات ربما غير المسبوقة؟ يسأل صاحبنا

أولا، باب مهر العروس

لعل أكاد أجزم الظن بأن الممارسات الشعبية التي تتخطى حواجز الثقافة والسياسة والجغرافيا هي من الأمور التي يجب أن تجلب انتباه العامة وأهل الاختصاص على حد سواء، ثم تكون مثار البحث والدراسة لطلاب العلم. فعندما نجد سلوكا يكاد يكون بشريا بصبغته، وعندما نجد بعض ممارسات الشعوب المختلفة بغض النظر عن العقيدة والثقافة والجغرافيا تتشابه وتتشابك، فإن ذلك يجب أن يكون – برأينا- سببا في جلب الانتباه وأخذ الدروس والعبر منها، لا بل دافعا للتدبر من قبل من أراد الوصول إلى العلم الحقيقي. فمن غير المفهوم أن تسود هذه الممارسات في المجتمعات المختلفة على مرّ العصور ثم النظر إليها ويكأنها تقع في باب المصادفة. وربما من الأكثر إثارة أن تستمر هذه الطقوس قرونا طويلة من الزمن، وتبقى شبه عصية على الاندثار، وربما بعيدة عن الفهم والإدراك.

ولعل واحدة من هذه الممارسات التي قلما التفت إليها أهل العلم (إلا ربما من قبيل فرض سياسة الأمر الواقع) هو ما توارثته الأجيال في المجتمعات المتنوعة في باب طقوس الزواج. فلقد سادت في المجتمعات المتنوعة فكرة أن يقدم الزوج لزوجته مهرا عند خطبتها وطلب يدها للزواج. وغالبا ما يكون جزءا من مهر العروس مساغ ذهبي بغض النظر عن حجمه وقيمته. فمهما كانت قدرة الزوج المادية وجب عليه توفير شيئا من المساغ الذهبي لعروسه. فأخذ هذا السلوك في المجتمعات المتنوعة طابع العرف والعادة، ربما دون أن يلق الاهتمام الكافي من طلاب العلم لمعرفة السبب من وراء مثل هذا السلوك الذي قد يرقى إلى درجة العالمية.

والملفت للانتباه أيضا أن المجتمعات البدائية أكثر تمسكا بهذه التقاليد من المجتمعات التي تعتبر نفسها أكثر مدنية وتحضرا. فكلما ازداد ظن المجتمع برقيه، كلما قلت هذه العادات وربما تلاشت في بعض الأحيان. فلازلنا نجد المجتمعات الشرقية مثلا أكثر تمسكا بهذه التقاليد من المجتمعات الغربية التي قطعت شوطا كبيرا فيما يسمى بالمدنية والتحضر. فأخذت هذه العادات تنحسر شيئا فشيئا في المجتمعات المدنية، ربما لظنهم بأن هذه السلوكيات هي أقرب إلى البدائية منها إلى المدنية والتحضر. فلم يتبقى في المجتمعات الغربية من هذه العادات سوى خاتم الخطوبة (أو wedding ring بالكلمات الأجنبية).

وظلت هذه السلوكيات أكثر وضوحا في المجتمعات الشرقية والبدائية، لكن ما يؤسف له أن تبريرها لم يكن مرضيا للجميع. فالبعض يظن أنها عبارة عن هدية يقدمها العريس لعروسته الجميلة، وظن آخرون أن للذهب قيمة مادية يمكن للعروس أن تستفيد منه وقت الحاجة، وهكذا.

لكن هذه التبريرات لا ترقى – برأينا- أن تصيب كبد الحقيقة، وذلك لأن مثل هذه التفسيرات يمكن أن تنهار أمام بعض التساؤلات البسيطة مثل: هل تقبل العروس أن تأخذ بدل مساغ الذهب الخاص بها نقدا أو عقارا أو شيئا آخر من متاع الحياة الدنيا كالخيل المسومة والأنعام والحرث؟ من يدري؟!

رأينا: لو سألنا العروس نفسها عن ذلك، لربما وجدنا أنها أميل إلى حب المساغ الذهبي من كل أنواع المتاع الأخرى كالنقد والخيل المسومة والأنعام والحرث. فلربما قطعة صغيرة واحدة من الذهب تدخِل إلى نفسها من البهجة والسرور أكثر ما يمكن أن يدخله إليها كل متاع الحياة الدنيا الأخرى بغض النظر عن قيمته المادية. ليكون السؤال المطروح هو: لماذا؟ أي لماذا تفضل العروس (وكل نساء الأرض) هدية من الذهب (وإن كانت صغيرة) على أعطية من المتاع الآخر كالخيل المسومة والأنعام والحرث (وإن كانت كبيرة)؟

بداية، لا نريد إجابة على هذا السؤال من قبل الرجال، لأن الرجل (نحن نظن) لن يستطيع أن يفهم الموضوع كما يجب، وذلك لأن الرجال (أي الناس) قد جُبلوا على حب متاع حياة الدنيا بطريقتهم. فالرجل يحسب القيمة المادية لكل صنف من هذا المتاع. فإن هو وجد أن القيمة المادية للخيل المسومة والأنعام والحرث أكبر من القيمة المادية للذهب والفضة، فهو لا شك سيفضل من كانت قيمته المادية أكبر.

لكن الأمر بالنسبة للنساء مختلف تماما. فالمرأة لا يهمهما كثيرا القيمة المادية للمتاع بقدر ما يهمها نوع ذلك المتاع. فقطعة صغيرة من الذهب والفضة أحب إلى نفس المرأة من كمية كبيرة من الخيل المسومة والأنعام والحرث. وسألوا نساءكم إن شئتم. وربما من الأفضل أن تجربوا ذلك بالفعل وليس بالقول. فاجلب اليوم – عزيزي القارئ- خاتما من فضة أو ذهب كهدية لزوجتك، ثم انظر كيف ستكون ردة فعلها المباشرة، وجهز نفسك لما يمكن أن تقدمه لك في عشية ذلك اليوم لقاء هذه الهدية الصغيرة. وحاول في اليوم التالي أن تجلب لها معك سبع بقرات سمان كهدية ثم انظر ما ستكون عليه ردة فعلها المباشرة على ذلك، ثم جهز نفسك لما ستفعله معك في ذلك اليوم وتلك الليلة، هذا إن ظلت تسكن البيت معك حتى الصباح.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: في حين أن الرجال يهتمون بالكمية، فإن النساء أميل إلى النوعية. فالذي يهتم به الرجل هو الحسبة النهائية من منظور المكسب والخسارة المادية النهائية. فالرجل يهتم بعاقبة الأمر وبمنتهاه. ولكن المرأة تهتم أكثر بالطريقة والوسيلة. ففي حين أن تركيز الرجل يكون منصبا على الوصول إلى الشهوة الجنسية النهائية (بالمتعة التي يتحصل عليها بالقذف)، فإن المرأة تتمتع أكثر بالمعالجة الجنسية. فطريقة الجماع بالنسبة للمرأة أكثر أهمية من غايته التي هي لا شك مقصد الرجل.

ولربما فنجان قهوة واحد في فندق سبعة نجوم أقرب إلى نفس المرأة من مئات الفناجين من القهوة على قارعة الطريق التي يفضلها الرجل. وهنا يحصل سوء الفهم بين الطرفين. فالرجل الذي تدفعه غريزته إلى النهاية والغاية لا ينتبه كثيرا للطريقة والتفاصيل التي تشتهيها المرأة. والمرأة التي تهتم كثيرا بالوسيلة والمعالجة لا تعير كثير الانتباه إلى طبيعة الرجل. فالمرأة التي تهتم بتشرب فنجان واحد من القهوة في فندق فاخر قد لا تهتم كثيرا بفاتورة الحساب في نهاية الجلسة. والرجل المشغول ذهنه دائما بالعاقبة (فاتورة الحساب) قد لا يتمتع كثيرا بتفاصيل الأجواء الجميلة التي يعيشها في تلك اللحظة. فلو استطاعت المرأة أن تتفهم شعور الرجل، ولو استطاع الرجل أن يتفهم شعور المرأة، لربما توصلوا إلى الحل المرضي للطرفين. فقليل من الجور على النفس من أجل تلبية رغبات وغرائز الطرف الآخر هو الكفيل بحل الإشكال بين الطرفين. لكن هل نتوقع من المرأة أن تستطيع تبيان رغباتها بطريقة يستطيع أن يتفهمها الرجل؟ وهل يستطيع الرجل أن يوضح رغباته بطريقة مبسطة تستطيع المرأة نفسها أن تتفهمها؟

رأينا: لا أظن أن كثيرا من النساء بذكاء رشيد الجراح حتى تستطيع أن تنقل مشاعرها للطرف الآخر بطريقة واضحة، ولا أظن في الوقت ذاته أن كثيرا من الرجال بغباء رشيد الجراح حتى يستطيع أن يتنازل عن كل رغباته من أجل إرضاء زوجته، فبين هذين النقيضين تضيع كثير من التفاصيل المهمة.

على أي حال، ما الذي يجب فعله؟

رأينا: لو تدبرنا قصة المهر في المجتمعات المسلمة، لربما حق لنا أن نسأل: لِم حافظ الشارع على هذا التقليد وهو فرض جزء من مهر العروس على شكل مساغ ذهبي؟

جواب مفترى: نحن نظن أن الحكمة من فرض جزء من مهر المرأة على شكل مساغ ذهبي هو ذلك الشعور الغريب الذي يجلبه الذهب إلى نفس المرأة. فالذهب هو الذي يهدئ نفسية المرأة ويحفظها من شر الشيطان الذي يولي مدبرا من المكان الذي يلمع فيه بريق الذهب. لذا نحن ننادى أن يتدبر الناس هذا السلوك ويحافظوا عليه. لا بل ويحرصوا على ديمومته بأقصى درجات الاهتمام والانتباه.

ولعلي استطيع الجزم بالقول بأن المشاكل الزوجية تتفاقم بعد الزواج بشكل كبير عندما يعمد الرجل، خاصة في المجتمعات التي يغلب عليها طابع الفقر (كالكثير من المجتمعات المسلمة)، إلى بيع مساغ المرأة الذهبي. فهو بذلك يعمد إلى فعل مشابه لما فعله قارون مع قومه. فالرجل الذي يبيع مساغ زوجته إنما هو ممن يبغون الفساد. فهو بذلك إنما يبغي على زوجته، عندما يتركها عرضة وفريسة سهلة للشياطين. لذا نحن نوجه نصيحة للآباء والأزواج والنساء تتمثل بالمحافظة على مساغ المرأة من الذهب، لأنه كفيل بحمايتها من أن تقع فريسة سهلة للشيطان. وعلى المرأة أن تحافظ على لبسها للذهب، فلا تخزّن الذهب الذي في حوزتها في صناديق مغلقة، لأنها بهذا السلوك (ربما غير المقصود) تترك جسمها بلا حماية (أو لنقل وقاية) من خطر الشياطين. فالمرأة يجب أن تظل دائمة التزيين بالذهب على كل أجزاء جسدها، في ظل كل الظروف وفي جميع الأحوال (حتى في مناسبات الموت والعزاء). فلبس المرأة للذهب ليس للزينة والمناسبات الاجتماعية السعيدة فقط، وإنما هو (نحن نفتري القول) الوقاية اليومية الدائمة من خطر الشياطين. انتهى.

كما لا نتردد أن ننصح الرجال (كل الرجال) أن يعمدوا إلى توفير ما يكفي من قطع الذهب في أطراف البيت كله، فالبريق الذي يصدر من الذهب كفيل (نحن نفتري الظن) بأن يبعد الشياطين عن المكان كله، فلا تتلاعب بأفراد الأسرة صغارا كانوا أم كبارا.

وعلى الأمهات أن يحرصن على تزين صدور الأطفال (خاصة الإناث) بقطع من الذهب، فوجود قطعة صغيرة من الذهب في يد الطفلة أو في أذنها أو على صدرها كفيل بأن يحميها من خطر الشياطين.

ونحن ننصح الجميع ونلفت انتباههم إلى الملاحظة التالية: إذا وجدت عزيزي القارئ أن المرأة قد أصبحت تتضايق من لبس الذهب، فأعلم أن الشياطين قد بدأت تستحكم عليها. وإذا وجدت أن لبس الذهب قد أصبح يحدث تأثرات ملموسة على جسم المرأة، فأعلم أن الشياطين قد تمكنت منها. فالمرأة التي لا تطيق (على غير العادة) لبس الذهب، إنما يكون ذلك جراء ما يحدثه الذهب من تأثير في الشياطين التي تسكن جسدها. فالذهب هو مادة تعذيب الشياطين، وبكلمات أكثر دقة نقول: عندما تلبس المرأة التي يسكن جسمها الشياطين قطعا من الذهب، فإن بريق ذلك الذهب يحرق تلك الشياطين، فتبدأ المرأة تشعر ويكأن جسمها يحترق من الداخل، لدرجة أنه قد يبين ذلك على جلدها الخارجي في أشد الحالات حرجا. ولا شك عندنا أنه سيسبب لها ضيقا ملحوظا، يستطيع كل من حولها رؤية ذلك التأثير على المرأة المصابة بأم أعينهم.

نتيجة مهمة جدا: وجود الذهب في المكان كفيل بأن ينظف المكان كله من الشياطين، فلا يقربون منه، ولا يستطيعون أن يعبثوا به.

باب نزع اللباس عن أبوينا

كانت خطة الشيطان الأولى للإيقاع بآدم وزوجه تتمثل بأن ينزع عنهما لباسهما، فكانت تلك هي فتنته الأولى لهما:

يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)

فقد كان آدم وزوجه (نحن نتخيل) في منأى عن خطر الشيطان بذلك اللباس الإلهي الأول الذي ألبسهما إياه ربهما (يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا). فلم يكن الشيطان يستطيع نتيجة وجود ذلك اللباس (نحن نفتري القول) أن يلحق الأذى بهما. فأجسامهما محصّنة بفعل ذلك اللباس من وصول أذى الشيطان لهما. فكان على الشيطان أن يعمد أولا إلى خلع هذا اللباس عن عدوه (وهما آدم وزوجه) من أجل الوصول إلى مبتغاه، وهو إلحاق الأذى بهما. فكيف استطاع تحقيق مراده ذاك؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: كانت الوسيلة الأكثر فاعلية التي دبرها الشيطان تتمثل بأن يدلهما على فعل يتطلب منهما نزع اللباس للقيام به، أي ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما:

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
فكان الأكل من الشجرة هي الطريقة المثالية لتحيق مراده:

فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

لذا، كان من الواجب على آدم أن لا يلتفت إلى نصيحة الشيطان، لأن هذا الشيطان كما جاء في القول الإلهي الأزلي هو عدو له ولزوجه:

فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)

نتيجة مفتراة: كان اللباس الإلهي الأول لهما (نحن نتخيل) بمثابة الحصن الحصين من فعل الشيطان، فهذا اللباس الإلهي لهما - لا شك عندنا- يحفظ آدم من أن يجوع أو أن يعرى أو أن يضمأ أو أن يضحى:

فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)

ولكن، ما أن أكل آدم وزوجه من الشجرة حتى حصلت هذه الأمور مجتمعة لآدم، فكان في ذلك شقاءه، وأصبح عرضة للجوع (وبالتالي العري)، وأصبح أيضا عرضة للضمأ (وبالتالي الضحى). فنحن نتخيل بأن العري كان أمرا محتما لا فرار منه ما دام أن آدم قد أكل من الشجرة؛ فما أكله من الشجرة، كان لابد أن يخرج بالتغوط، وسبب ذلك له الضمأ (العطش) أيضا، فكان لابد للماء الذي شربه أن يخرج بالتبول (الضحى).

السؤال: ما هو الضحى؟

جاء الرد الأول من القراء على الجزء السابق من هذه المقالة من مصر على لسان د. محمد يوسف (أستاذ علم الفيزياء)، على النحو التالي:

1-ضحى الشمس (عملية الاخراج للشمس=التبول): هو ما يتدفق منها من فوتونات ضوئية و رياح شمسية

2-قد يكون تسمية يوم الاضحى راجع الى تدفق و سيلان دم الاضاحي

لكن ما هى العلاقة بين الضحى من هذا المعني و الليا اذا سجى؟

فنحن نرد على تساؤل د. محمد يوسف على النحو التالي: تسمى الفترة الصباحية بالضحى وذلك لأن مسببها (كما يرى د. محمد) هي الشمس نفسها بدليل قوله تعالى:

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)

وهو برأينا ما جاء في النص القرآني بصيغة اللفظ وَالضُّحَى الذي يقابله الليل إذا سَجَى:

وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)

ففي فترة الصبح الباكر تُحدِث الشمس نفسها الضحى (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) عندما يتكاثف البخار الموجود في الجو (خلال الليل) إلى حبات الندى في الصباح الباكر، فتسيل قطرات الندى تلك (أي كمادة سائلة) بعد أن كانت في حالتها الغازية خلال الليل. وكل هذا بفعل الشمس في بداية دلوكها:

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: فالضحى هو – برأينا- النتيجة الطبيعية لدلوك الشمس، لأن أشعة الشمس الأولى هي التي تكثّف بخار الماء الذي كان منتشرا (أي ساجيا) طوال الليل، ليتشكل في الصباح الباكر (أي فترة الضحى) على شكل قطرات من الماء السائل. وما أن تشتد حرارة الشمس حتى تبدأ هذه القطرات من الماء بالتبخر من جديد، فتكون كلها قد تبخرت مع قدوم الليل في غياب الشمس، فينتشر الماء على شكل بخار في الليل، ويتحرك هذا البخار في كل اتجاه، فيكون بذلك (نحن نظن) هو الليل وقد سجى:

وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)

السؤال: ما علاقة هذا بقول الله في قصة آدم الأولى، خاصة عبارة وَلَا تَضْحَى:

فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ

رأينا المفترى: ما أن أكل آدم وزوجه من تلك الشجرة حتى ارتفعت درجة حرارة جسميهما قليلا، فأخذت تتشكل وتتجمع السوائل في جسميهما، فكان لابد أن تخرج تلك السوائل بطريقة الضحى.

السؤال: كيف كان من المفترض أن يتخلص آدم وزوجه من السوائل الموجودة في جسميهما لو أنهما لم ينزلا عند إرادة الشيطان الذي هو أصلا عدو لهما؟

تخيلات مفتراة: كان من الطبيعي أن تخرج السوائل من جسميهما بطريقة التبخر، فما كان موجودا في جسميهما هي ليست أكثر من غازات يمكن أن تخرج من الجسد بطريقة التعرق التي نعرفها. لكن النزول عند رغبة الشيطان هو – برأينا- ما جعل تلك السوائل تتكاثف بسرعة أكبر من الطبيعي، فما عاد التعرق العادي يستطيع أن يجاري عملية التكثيف السريعة التي حصلت داخل جسميهما بعد الأكل من الشجرة. فتولدت الحاجة عند آدم وزوجه إلى التبول (الضحى). لذا، أحدث الأكل من الشجرة (نحن نرى) خللا في الوظيفة الطبيعية للجسم، فبدلا من التخلص من السوائل الموجود في الجسم بطريقة التعرق الطبيعية التدريجية لأنها موجودة في الجسم على شكل غازات (ساجية)، أصبح لزاما التخلص منها بطريقة التبول بسبب التكثيف السريع لتلك الغازات الساجية في جسميهما.

الدليل

لو دققنا في السياق القرآني التالي الذي جاء خاصا بحياة آدم وزوجه في الجنة الأولى، لوجدنا الغرابة – برأينا- تكمن في أن الله قد طلبا منهما الأكل منها حيث شاءا:

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)

ليكون ما يلفت الانتباه على الفور هو غياب الشرب، فالله لم يطلب من آدم وزوجه أن يأكلا وأن يشربا، ولكنه طلب منهما أن يأكلا من الجنة حيث شاءا فقط. دقق عزيزي القارئ – إن شئت- في السياق القرآني نفسه مرة أخرى من هذا الجانب:

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)

ففي السياقات القرآنية الأخرى، نجد أن الشرب مصاحبا للأكل، لا بل تابعا له:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)

يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (19)

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ (44)


السؤال: لماذا لم يأت الأمر الإلهي الأول لآدم وزوجه على نحو أن يأكلا ويشربا من الجنة؟ ولماذا جاء الأمر الإلهي الأول على نحو أن يأكلا منها فقط (وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا)؟ فأين الشرب إذن؟ ألم يكن متاحا لهما حينئذ؟

رأينا المفترى: نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن آدم وزوجه لم يكونا يحتاجان أن يشربا في الجنة الأولى، وكان عليهما أن يأكلا منها فقط حيث شاءا، وذلك لأن الماء الذي يحتاجه جسميهما كان يتحصل لهما من الأكل نفسه، كما نتخيل بأن التخلص مما كان يدخل أجسادهما من السوائل المأخوذة من الأكل يتم بطريقة التعرق وكفى. فتلك السوائل المتواجدة في جسميهما من جراء ما يأكلان من الجنة تخرج بطريقة التعرق، لأنها كانت ساجية ولم تكن تضحى (أي متجمعة).

ولو تدبرنا الجسم البشري نفسه، لوجدنا على الفور بأن الإنسان الطبيعي يتخلص من السوائل المتواجدة في جسمه بطريقتين اثنتين هما، التعرق والتبول. فلماذا؟ لماذا نجد السوائل المتواجدة داخل جسم الإنسان تصرف بهاتين الطريقتين؟

رأينا المفترى (1): نحن نفتري الظن بأن التعرق كفيل بإخراج السوائل الداخلة والمتحصلة للجسم من الأكل، لأنها (نحن نتخيل) تنتشر على شكل غازي (أي تكون ساجية)، فيكون التعرق وحده كفيلا بإخراجها تدريجيا، فهذه هي (نحن نفتري الظن) الطريقة البطيئة التدريجية للتخلص منها.

رأينا المفترى (2): نحن نفتري الظن بأن التبول هو الذي يخرج من الجسم السوائل التي تكثفت (أي التي أضحت)، وهذه هي الطريقة السريعة للتخلص منها.

السؤال: كيف حصل هذا كله عندما نزل آدم عند إرادة الشيطان؟

جواب مفترى من عند أنفسنا: من أجل فهم هذا السؤال (كما نتخيل)، لابد أن نعود (نحن نرى) إلى قصة العصا الأولى. فنحن نرى أن الفهم الصحيح لتلك القصة سيساعدنا في الوصول إلى مبتغانا. لذا، سنتجرأ في الصفحات التالية إلى تقديم افتراءات نحن نظن أنها غير مسبوقة، لهذا نحن نطلب من القارئ الكريم – إن هو أراد متابعة القراءة- الحذر، فلا يأخذها على محمل الجد إلا أن وجد أن هناك من الأدلة ما يثبتها. وإن هو وجد غير ذلك، فلا يتردد أن يضرب بها عرض الحائط غير مأسوف عليها ولا على من افتراها من عند نفسه. فهذه لا تخرج عن إطار الفهم البشري المنقوص (وربما المغلوط) للنص القرآني الذي هو – لا شك عندنا- مطلق الحقيقة والثبات.

السؤال: كيف حصل الأمر؟

رأينا المفترى: عندما طلب الله من الملائكة السجود لآدم كان ذلك بسبب أن الله قد اتخذ القرار الأبدي بخلافة آدم. أي تبديل الخلق، فأصبح المخلوق الجديد (الإنس) خليفة للمخلوق القديم (الجن):

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30)

فكان لزاما أن ينزل الجن (والملائكة جزء منهم) عند أمر آدم:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)

فكان خلق الجن سابقا لخلق الإنس:

وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27)

فجاء القرار الإلهي بأن يخلف الخلق الثاني (الإنس) الخلق الأول، لأن الجن قد فعل ما وجب هذا الاستخلاف. وسنتحدث عن هذه الجزئية بحول الله وتوفيقه لاحقا في مقالات منفصلة. فالله أدعو أن يأذن لي الإحاطة من بشيء من علمه فيها لا ينبغي لغيري، إنه هو الواسع العليم – آمين.

إن ما يهمنا قوله الآن هو أن آدم قد أصبح الآن هو صاحب الأمر، فهو يستطيع أن يسخر الجن كلهم لخدمته، فكانت الخلافة.

ومادام أن آدم قد أصبح خليفة، فهذا يتطلب (نحن نرى) وجود الأداة التي من خلالها يستطيع تسخير الجن كلهم لخدمته، فكانت العصا. ولم يكن الشيطان (والجن من بعده) يستطيع أن يزغ عن أمر آدم بسبب تلك العصا. فوجود الخليفة يتطلب امتلاك الأداة التي تؤهله للخلافة كما فعل موسى مع هارون مثلا عندما تركه في قومه (خليفة) وذهب للقاء ربه:

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)

فقد ترك موسى هارون خليفة له في قومه عندما أعطاه العصا التي تؤهله لأن يخلف أخاه في غيابه.

(للتفصيل انظر سلسلة مقالات قصة السامري وقصة موسى)

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: فمادامت تلك العصا بيد آدم (لأنه هو الخليفة)، كان الجن (والملائكة فئة منهم) تعمل تحت أمر آدم نفسه. فلم يكن الشيطان نفسه يستطيع أن يزغ عن أمر آدم، لأن تلك العصا (أداة الخلافة) تلحق به وبجنده العذاب المهين، بالضبط كما كانت حالهم مع سليمان (صاحب المنسأة):

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)

فما الذي سيفعله الشيطان إذن في ظل توافر العصا بيد آدم؟

رأينا المفترى: نحن نتخيل بأن خطة الشيطان كانت تنطوي على أن يضع آدم من يده تلك العصا، حتى لا يلحق بهم العذاب المهين بها. ومن ثم أن تبد لهما سوآتهما حتى يستطيع أن يلحق بهما الأذى على هواه. فكيف سينفذ خطته هذه؟

رأينا: لقد وجد الشيطان أن هذا لن يكون ممكنا مادام آدم خليفة، أي حاملا العصا بيده، فيجب أن يتخلى آدم عن الخلافة (بوضع العصا من يده)، ومن ثم أن ينزع اللباس عنهما. وهنا عمد الشيطان إلى عمل خطوتين تدريجيتين وهما:

1. أن يتقبل آدم فكرة الملك بدلا من الخلافة

2. أن يأكل آدم وزوجه من الشجرة

وبالفعل استطاع الشيطان أن يقنع آدم بالتخلي عن الخلافة، فوضع آدم العصا من يده، واستبدلها بالملك:

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)

ولو دققنا في السياق القرآني جيدا، لوجدنا أن الشيطان قد فعل ذلك بطريقة معكوسة، فدلهم على الشجرة أولا، وكان هذا سببا في أن يضع آدم العصا من يده بعد ذلك. فأصبح السيناريو (كما نتخيله) على النحو التالي:

1. أن يأكل آدم وزوجه من الشجرة، فتبد لهما سوآتهما

2. أن يضع العصا من يده، فيصبح ملكا بدل أن يكون خلافة.

السؤال: كيف يمكن أن نفهم ما حصل؟

رأينا المفترى: عندما اقتنع آدم بفكرة الملك بدلا من الخلافة، كان عليه أن يأكل من الشجرة، أليس كذلك؟

سؤال: فما الذي حصل مباشرة بعد أن أكل آدم وزوجه من الشجرة؟

جواب مفترى: بدت لهما سوءاتهما، أليس كذلك؟

السؤال: ما معنى هذا؟

رأينا المفترى: حاولنا في مقالة سابقة لنا تحت عنوان لماذا يدفن الناس موتاهم التفريق بين لفظتين قرآنيتين وهما والسوءة السوآة:

فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)


دقق ملّيا عزيزي القارئ – إن شئت- في هاتين الآيتين اللتين وردتا لتصورا لنا ما حصل مع آدم وزوجه، ففي حين أن اللفظ في الآية الأولى جاء على صيغة (سَوْءَاتُهُمَا)، جاء اللفظ في الآية الأخرى على صيغة (سَوْآتُهُمَا). فما الفرق بين الحالتين؟

رأينا: نحن نظن أن اللفظ (سَوْءَاتُهُمَا) يقصد به (كما نفهمه بالطبع) العورة فقط بدليل أن ذلك ما طفق آدم وزوجه يخصفان عليهما من ورق الجنة، فلا أخال أن آدم وزوجه قد طفقا يخصفان على كامل جسديهما بما في ذلك الرأس والوجه. ولكنهما (نحن نتخيل) طفقا يخصفان من ورق الجنة على كل ما ظنا أنه يجب تغطيته.

ولكن لو تدبرنا قصة قتل أحد ابني آدم أخيه لوجدنا أنه يحاول أن يواري سوءة أخيه:

فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)

فهنا كان الرجل الذي قتل أخاه يحاول (نحن نتخيل) تغطية كامل جسد أخيه المقتول بدفنه بالتراب كما فعل الغراب الذي بعثه الله ليعلمه ذلك.

نتيجة مفتراة: ما أن أكل آدم وزوجه من الشجرة حتى بدت لهما سوآتهما (أي كامل الجسد)، فعمدا إلى تغطية السوءة منه، أي الجزء الذي يجب تغطيته وهو العورة. فأصبح آدم وزوجه فريسة سهلة للشيطان لأنه أصبح يراهما من حيث لا يرونه:

يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)

افتراء خطير جدا جدا (1): لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فما أن بدت لآدم وزوجه سوءاتهما، حتى ارتفعت حرارة الجسم الداخلية بسبب الأكل من الشجرة، فحصل نتيجة ذلك (نحن نتخيل) التكثيف للغازات الموجودة في أجسادهما، فتشكلت كسوائل بعد أن كانت غازات (أي ساجية)، فكان لابد من تفريغها بالعري (التغوط) والضحى (التبول). فأصبح آدم وزوجه بحاجة إلى الشرب بعد كان الأكل وحده يكفيهما:

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)

فطغى بذلك الجانب "الحيواني" (إن صح التعبير) على الجانب البشري. فانطلقت الغريزة الأولى "الحيوانية" في آدم وزوجه متمثلة بالتغوط والتبول، بسبب الأكل والشرب معا.

افتراء خطير جدا جدا (2): لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ظهرت الغريزة "الحيوانية" الأخرى في سلوكهما وهي غريزة الجنس. فانتصب العضو الذكري لآدم، فما عاد يستطيع إسكات انتصاب عضوه الذكري (سوءته) إلا بممارسة الجنس من زوجه.

الدليل

نحن نظن أن الإجابة على هذا التساؤل يأتي من قصة عصا موسى. فلو تدبرنا الحوار الذي دار بين موسى وربه في الواد المقدس لربما احتجنا أن نتفهم المفردات بشكل أكثر دقة، قال تعالى مخاطبا موسى:

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)

فجاء رد موسى على النحو التالي:

قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)

وهنا نحتاج أن نتدبر استخدامات العصا التي كانت بيد موسى، لتكون على النحو التالي:

1. التوكؤ (أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا)

2. الهش (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي)

3. مآرب أخرى (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى)

السؤال: ما هي هذه الاستخدامات؟

رأينا: بعيدا عن الموروث الذي نظن جازمين أنه لا يسمن ولا يغني من جوع، دعنا نعيد النظر في هذه الاستخدامات بطريقة جديدة. ولنبدأ بها الواحدة تلو الأخرى.

باب التوكؤ على العصا

بداية، نحن ننفي جملة وتفصيلا بأن يكون التوكؤ هو استخدام العصا كعكاز من أجل المسير كما جاءنا من عند أهل الدراية من سادتنا العلماء على لسان أهل الرواية من أهل الفصاحة والبيان، فموسى لازال (نحن نتخيل) رجلا شديد البنية، قوي الجسم، لا يحتاج إلى عكاز يدعم حركة أطرافه. فهو (نحن نتخيل) يستطيع السير بدون العصا. فكيف كان موسى يتوكأ على عصاه إذن؟

رأينا: نحن نظن أن مفردة التوكؤ لها علاقة بالمتكأ، والمتكأ نفسه له علاقة بالراحة التي ينشدها الرجل، كما حصل مع النسوة التي أعتدت لهن امرأت العزيز متكأ:

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)

فبالرغم أن امرأت العزيز قد آتت كل واحدة من النسوة سكينا (وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا)، إلا أنها اعتدت لهن جميعا متكأ واحدا (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً). فما هو ذلك المتكأ الذي أعدته لهن جميعا؟

جواب مفترى: عندما تطرقنا لهذه الجزئية في سلسلة مقالاتنا تحت عنوان قصة يوسف، افترينا القول من عند أنفسنا بأن المتكأ هو ما يشبه غرفة النوم التي يرتاح فيها الرجل مع زوجته، بدليل قوله تعالى:

إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56)

(للتفصيل انظر سلسلة مقالاتنا تحت عنوان قصة يوسف)

فالرجل يتكئ مع زوجته على الأرائك، وكذلك كان يفعل موسى، فقد كان يتكئ على عصاه، فموسى (نحن نتخيل) لا يستطيع الاسترخاء والخلود إلى السكينة والهدوء، ولا يشعر بالمتعة واللذة إلا مادام متكئا على تلك العصا.

فما الذي كان يفعله موسى عندما يتكئ على عصاه؟

رأينا المفترى: ما أن يحتاج موسى إلى الهدوء والسكينة والشعور بالمتعة حتى يجد تلك العصا هي ضالته، فتلك العصا تُدخِل على قلب موسى من الفرح والبهجة ما يدخله المتكأ الذي يتخذوه الأزواج على الأرائك.

ولعلنا نتجرأ أن نفتري الظن بأن هذا هو السبب الذي من أجله أرسل الله موسى ليتربى طفلا صغيرا في بيت فرعون: إنه العصا. فالله هو من شاءت إرادته أن يتربى موسى في البيت الذي كانت العصا تتواجد فيه.

تخيلات مفتراة: كانت العصا موجودة في بيت فرعون. فبعث الله موسى ليتربى في ذلك البيت الذي كانت العصا متواجدة فيه. ومنذ اليوم الأول الذي حط فيه التابوت في بيت فرعون، وضعت تلك العصا في تابوت موسى، وهنا جاءت صناعة موسى على عين الله:

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)

فكبر موسى شيئا فشيئا بجانب تلك العصا التي يتكئ عليها، فكانت تلك هي الصناعة الإلهية لموسى على عين الله.

السؤال: لماذا صنع موسى على وجه التحديد على عين الله؟ لِم لم يصنع أي رسول آخر على عين الله؟

جواب مفترى: لأن عين الله على آياته. فعين الله لا تغفل عن آياته. ومادام أن العصا هي آية الله الكبرى:

فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20)

فعين الله (نحن نفتري القول) لا تفارق تلك العصا. انتهى.

... وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)

نتائج مفتراة خطيرة جدا جدا

نتيجة مفتراة (1): لله عين واحدة

نتيجة مفتراة (2): فرعون له عينين:

نتيجة مفتراة (3): ليس لله لسان

نتيجة مفتراة (4): فرعون له لسان

نتيجة مفتراة (5): ليس لله شفتين

نتيجة مفتراة (6): لفرعون شفتين

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)
لكن إذا كانت عين الله على آياته، فصنع موسى على عين الله مباشرة، فهل عين الله على الآخرين مباشرة مثل ذلك؟

جواب مفترى: كلا وألف كلا.

سؤال: فكيف يراقبنا الله؟

جواب مفترى: بطريقة غير مباشرة.

الدليل

في حين أن الخطاب جاء خاصا بموسى على نحو:

... وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)

جاء الخطاب موجها إلى نوح بالصيغة التالية:

وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37)

فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (27)

وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ (14)


وجاء الخطاب موجها لمحمد على النحو التالي:

وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)

لذا في حين أن الله كان يراقب موسى بنفسه، كانت رسل ربنا هي التي تراقب صناعة الفلك وجريانها في حالة نوح، وكان محمد تحت المراقبة الدائمة من رسل ربنا.

السؤال: لماذا كانت عين الله على موسى مباشرة، بينما كانت عين الله (غير مباشرة) على غيره؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: خلق الله آدم بيده، فسواه ونفخ فيه من روحه، وطلب من الملائكة السجود لآدم:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)

وأسكنه وزوجه الجنة وطلب منهما الأكل منها حيث شاءا ونهاهما عن الاقتراب من هذه الشجرة:

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)

وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)


فكان القرب الإلهي واضحا بدليل أن البيان الإلهي للقصة بكلماته الأزلية في كتابه الكريم جاء بصيغة القول (وَقُلْنَا يَا آدَمُ)، وبدليل قرب الشجرة نفسها، فكان الخطاب على نحو (هَذِهِ الشَّجَرَةَ).

ولكن ما أن نزل آدم عند إرادة الشيطان بالأكل من الشجرة حتى حصل البعد الإلهي، بدليل أن الخطاب انتقل الآن من صيغة القول إلى صيغة المناداة (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا)، وبدليل أن الشجرة أصبحت بعيدة، فأصبح الخطاب على نحو (تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ):

فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)

السؤال: كيف حصل ذلك؟

رأينا المفترى: لما أكل آدم وزوجه من الشجرة نزولا عند إرادة الشيطان، كانت النتيجة المباشرة هي الابتعاد الإلهي عن المكان كله، فالله هو من ابتعد عن المكان كله.

السؤال: لماذا ابتعد الله بنفسه عن المكان؟

رأينا: لأن الله حي قيوم؟

السؤال: ما معنى ذلك؟

جواب مفترى: لما كان الله حيّ (من الحياء) لم يكن ليتواجد ليرى بعينه مباشرة تلك السوءة التي بدت لآدم وزوجه. فالله أجل وأعلى من أن ينظر بعينه إلى سوءة خلقه، لذا فهو لا يراقبها بعينه.

سيناريوهات غريبة: ماذا لو كنت أخي الكريم في الخلاء (الحمام) تقضي حاجتك بالتبول والتغوط، هل تظن أن الله ينظر لك بعينه؟ وماذا لو كنت في غرفة نومك تجامع زوجتك، هل تظن أن الله ينظر إلى تلك المشاهد بعينه؟

جواب مفترى: كلا وألف كلا. فالله نفسه حيّ (من الحياء)، فهو لا ينظر بعينه إلى هذه المناظر التي تخدش الحياء.

السؤال: وكيف تتم المراقبة الإلهية لمثل هذه المشاهد؟

رأينا: نحن نظن أن ذلك يتم بطريقة غير مباشرة (أي بأعيننا). فرسل الله الموكلين بنسخ ما يعمل عباده هم من يتولون هذه المهمة:

هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29)

السؤال: لما كانت أعمال العباد تستنسخ على الفور، لم يكن هناك حاجة أن يقوم الله بالنظر بعينه إليها، لأن الله الحي القيوم، لا ينظر إلى مثل هذه المشاهد الخادشة للحياء.

السؤال: لماذا كان موسى على وجه التحديد تحت عين الله مباشرة؟

جواب مفترى: لأن موسى كان يهش على غنمه بتلك العصا:

قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)

باب الهش على الغنم: وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي

تحدثنا في سلسلة مقالاتنا عن قصة سليمان عن الآية الكريمة التالية:

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)

فافترينا الظن من عند أنفسنا بأن الحرث متعلق بالنساء، مصداقا لقوله تعالى:

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)

(للتفصيل انظر سلسلة مقالات ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته: باب الغنم)

وزعمنا الظن أن الحرث يظهر في السياقات القرآنية الخاصة بالنساء وبالزراعة:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)

مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)

وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۖ فَمَا كَانَ


الأمر الذي جعلنا نبحث عن العلاقة بين الحرث (في النساء) والحرث (في الزرع)، فافترينا القول من عند أنفسنا بأن الحرث هو "التربة الصالحة للإنبات"، فهي التي يوضع فيها الحب والنوى الذي ينفلق بأمر الله ليخرج به الحي من الميت:

إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)

وهذه العملية تحدث في حالتين: (1) في حالة النبات، وكذلك (2) في حالة إنجاب الذرية، لذا نجد أن مفردة الحرث لا تشمل فقط الأرض القابلة للإنبات والإخصاب وإنما أيضا النساء:

نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)

فطرحنا حينئذ السؤال التالي: كيف تكون نساؤنا حرث لنا؟

فكان الجواب على النحو التالي: نحن نظن أن النساء حرث للرجال لأن المرأة تملك البيئة الملائمة للإنجاب (للنمو)، بالضبط كالأرض القابلة للإنبات، لذا افترينا القول بأن الحرث هو عبارة عن التربة (أو لنقل البيئة) القابلة للإخصاب (أي للإنبات). وهذا الظن ربما يؤكده التلازم بين عملية إنبات الزرع بعد نزول المطر وتكون الجنين في بطن المرأة بعد إنزال المني فيها، قال تعالى:

أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)

ففي هذا (نحن نظن) تطابق بين عملية إنبات الزرع من جهة وإنبات الإنسان من جهة أخرى، فكلاهما يبدأنا من الحرث، أي البيئة الملائمة للإنبات، قال تعالى

وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)

فقدمنا الافتراءات التالية:
الحرث: الأرض المؤهلة للإنبات
الحرث: النساء المؤهلات للإنجاب

وبناء على هذا الفهم المفترى، ظننا أن قضية الحرث التي حكم فيها داوود وولده سليمان:

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)

كانت تتعلق بامرأة قابلة للإنجاب، فكانت تلك المرة هي حرث واحد، ولكن هذا الحرث (أي تلك المرأة) قد نفشت فيه غنم القوم.

فكانت التساؤلات المطروحة المباشر حينئذ هي:

- كيف نفشت غنم القوم في الحرث؟

- ومن هم القوم الذين نفشت غنمهم جميعا في الحرث؟

- ولماذا نفشت غنم قوم كثيرين في حرث واحد؟

- الخ.

فكان الافتراء حينئذ أن الغنم التي نفشت في الحرث كانت تعود ملكيتها إلى مجموعة من الناس (فكانت بصريح اللفظ القرآني غنم القوم):

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)

ولكن كان الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم لا تعود ملكيته لمجموعة من الناس (أي قوم)، وإنما هو حرث واحد، أي امرأة واحدة.

نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)

وعندما حاولنا تدبر ما حصل فعلا، وجدنا أن الغنم قد دخلت في الحرث بطريقة النفش:

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)

فقدمنا منطقنا المفترى على هذه الجزئية على النحو التالي: كانت عملية نفش الغنم في الحرث على نحو أن تتوزع الغنم الكثيرة بشكل شبه عشوائي في مكان محدد بعينه كما تتوزع حبات تراب الجبال المنفوشة:

الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ (5)

بعد أن تنسف تلك الجبال نسفا:

وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)
(للتفصيل انظر المقالة المشار إليها سابقا)

فتخيلنا الذي حصل على نحو أن الحرث الذي نفشت فيه غنم القوم هو رحم امرأة واحدة بعينها، وأن غنم القوم التي نفشت في الحرث هي ما يصبه الرجل من المنيّ في رحم المرأة. فتكونت الصورة في مخيالنا على النحو التالي:

يعمد قوم كثيرون في زمن نبي الله داوود وولده سليمان إلى امرأة واحدة (مومس)، فيقترفوا جميعهم فاحشة الزنا معها، فتنفش غنمهم (أي منيّهم) جميعا في رحم تلك المرأة، فيتولد نتيجة ذلك في رحم تلك المرأة مولودا واحدا، وهنا تختلط غنم القوم في رحم تلك المرأة، فيصبح من الصعب تمييز الفاعل الحقيقي الذي بسبب غنمه حملت المرأة جنينا في بطنها، وهنا يحاول الجميع أن يتنصلوا من المسؤولية الفردية، وإن تعذر عليهم أن يتنصلوا من المسؤولية الجماعية، فالمرأة (الحرث) تعلم كل واحد منهم بعينه، وتستطيع أن تحدد كل من ارتكب معها الفاحشة من القوم، فلا يستطيع أن ينكر أنه قد فعل فعلته تلك، ولكن أحدا منهم لا يستطيع أن يجزم بأنه هو الأب الحقيقي لذاك المولود الذي في بطن تلك المرأة (الحرث)، فلربما ظن كل واحد منهم أن الحمل لم يكن نتيجة فعله بحد ذاته، وهنا تنشأ مشكلة حقيقية (تحديد الشريط الوراثي DNA) تتطلب قاض بحجم داوود وسليمان للبت فيها، فكيف حصل ذلك؟

تخيلات من عند أنفسنا: يحصل في زمن نبي الله داوود وولده سليمان أن تضع امرأة من نساء القوم مولودا نتج عن نفش غنم القوم، فيحدث ذلك مشكلة تخص نسب ذلك المولود (أي من هو والد ذلك الطفل فعلا)، فتحضر المرأة مع طفلها إلى المحكمة، وتضع القضية بين يدي داوود وولده سليمان للبت فيها، ومادام أن القضية قد وضعت بين أيدي القضاة، فلابد من أن يتم الخوض في تفاصيلها كاملة، وما هي إلا سويعات قليلة حتى يتبين للمحكمة المنعقدة برئاسة داوود وعضوية ولده سليمان بأن قوما كثيرين قد نفشت غنمهم (منيّهم) في ذلك الحرث (رحم تلك المرأة)، وما أن يحضر القوم الذين صبوا منيهم في رحم تلك المرأة أمام القضاة حتى يحاول كل منهم أن يتنصل من المسؤولية الفردية وإن كان يتحمل قسطا من المسؤولية الجماعية، فهم لا يستطيعون أن ينكروا أنهم قد ارتكبوا فاحشة الزنا مع المرأة، ولكن يحاول كل واحد منهم أن يتنصل من مسؤولية نسب الطفل إليه، فتحتاج القضية الآن أن يكون هناك حكما ذا علم للبت بالقضية، فهي تحتاج في نهاية المطاف إلى فحص الشريط الوراثي (DNA) لتحديد نسب الطفل. فمن يستطيع ذلك؟

جواب مفترى: سليمان.

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)

نعم، بالرغم من صغر سن سليمان وحداثة خبرته في القضاء (مقارنة بوالده داوود) إلا أنه استطاع أن يفهم ما يدور حوله.

(للتفصيل انظر المقالة المشار إليها سابقا)

إن مراد النقاش هنا هو الخروج بفهم أكثر دقة لمفردة الغنم. فنحن نفتري القول من عند أنفسنا بأن الغنم هي (بالمفردات العلمية الدارجة) عبارة عن الحيوانات المنوية التي يصبها الرجل في رحم المرة (الحرث) من أجل الإخصاب، أي إنبات الحياة.

السؤال: كيف يمكن ربط هذا المفهوم بما قاله موسى لربه في الواد المقدس:

قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)

ردا على سؤال ربه:

وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)

وبكلمات أكثر دقة نحن نسأل: كيف يمكن أن نفهم المقصود من قول موسى لربه بأنه كان يهش على غنمه بتلك العصا؟

جواب خطير جدا جدا لا تصدقوه ما لم تظنوا جازمين بأن الدليل يدعمه: لقد كان موسى يستخدم عصاه تلك من أجل تهدئة شهوته الجنسية فلا تنفش غنمه (أي الحيوانات المنوية عنده) في الحرث (النساء). انتهى.

الدليل

عندما خلق الله آدم، كان من المفترض أن يكون آدم خليفة. وكان ذلك تكريما من الله لهذا المخلوق الجديد:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)

فكان أول ذلك التكريم أن يتميز هذا المخلوق الجديد عن العالمين (أي الجن والدواب والطير)، وكان من مظاهر هذا التكريم الإلهي الابتعاد عن الغرائز التي نسميها نحن بالغرائز الحيوانية وهي التبول والتغوط والجنس. وهذه جميعها تستخدم الأعضاء التناسلية التي نعرفها. فكان من المفترض أن لا يجوع آدم ولا يعرى وأن لا يضمأ ولا يضحى، فكان يأكل ولا يحتاج أن يشرب. وكان من المفترض أن يتخلص من الفضلات التي تدخل جسمه بطريقة التعرق. ولكن الأكل من الشجرة، وهو ما جعله بحاجة أن يستخدم ما وري عنهما من سوءاتهما.

وفي الوقت ذاته، كان من المفترض أن لا يشقى آدم مادام أنه خليفة، وذلك لأن التكاثر كان مصمما أن يكون بطريقة تختلف عن ما نعرفه الآن. ونحن نفتري القول بأن التكاثر في الجنة كان من المفترض أن يتم بطريقة النفخ كما حصل مع عيسى بن مريم، فلا يكون هناك حاجة إلى الجماع واستخدام الأعضاء التناسلية من أجل التكاثر. ولو لم يقع آدم فريسة لمصيدة الشيطان، لما كان بحاجة أن يستخدم الأعضاء التناسلية في التكاثر. ولن يشقى آدم مادام كذلك، لأن النتيجة تكون على نحو أن من مميزات حياة الجنة أن لا أنساب بينهم ولا يتساءلون:

فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ (101)

نتيجة مفتراة (1): التكاثر بالخلافة لا ينتج الأنساب

نتيجة مفتراة (2): التكاثر بالملك ينتج الأنساب

فهذا نوح في الجنة يتنعم فيها بالرغم أن ولده في النار، وهذا إبراهيم في الجنة بالرغم أن والده في النار. ويمكن لأي واحد منا أن يكون في الجنة بينما تكون كل ذريته في النار، فلم (نحن نسأل) لا ينغص هذا علينا حياة الجنة حينئذ؟!

رأينا: لما كانت من مميزات حياة الجنة انتفاء وجود الأنساب فإن وجود ولدك في النار لا ينغص عليك حياتك في الجنة. (وسنتطرق لهذا الموضوع بالتفصيل لاحقا بحول الله وتوفيقه).

على أي حال، إن ما نود قوله هنا هو أنه عندما آثر آدم الملك (إرادة الشيطان) على الخلافة (إرادة الله)، كانت النتيجة تتمثل بوجود الأنساب. فنحن نظن أن سر شقاء الرجل (أي رجل) هو وجود علاقة الأنساب بينه وبين ذريته. فالرجل هو المسئول عن ذريته، وهو يتحمل مشاق الحياة من أجل ذريته، وهو الذي لا يتواني في بذل كل جهد ممكن من أجل أن لا يصيب ذريته مكروها، وكل ذلك بسبب علاقة الأنساب التي تربطه معهم. فعندما يشعر الولد بالمرض يكابد والده عناء ومشقة ربما تفوق مشقة الولد المريض نفسه. وهذا بسبب أن هذا الولد هو ملك أبيه، أي أن الأب يشعر بأن الولد قطعة منه، وهو امتداد له، فيحرص على أن لا يتأذى هذا الولد. فيكون بذلك شقاء له. وهذا ما نظن بأنه الشقاء الذي جاء التوجيه الإلهي لآدم من أجله، فلا ينزل آدم (إن هو أراد أن لا يشقى) عند رغبة الشيطان الذي هو أصلا عدو له:

فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)

فخروج آدم من الجنة (بتخليه عن الخلافة وقبوله للملك) هو ما تولد عنه الشقاء لآدم نفسه. فلو لم ينزل آدم عند إرادة الشيطان لما حصل له الشقاء أبدا، وذلك لأن عملية التكاثر ستكون بالنفخ (فلا يحصل رابط النسب) مادام أن آدم هو خليفة.

ولن يكون الوبال بالنزول عند إرادة الشيطان على آدم وحده وإنما على زوجه أيضا. فلو حصل التكاثر في الجنة بطريقة النفخ، لما عانت زوج آدم الآلم المخاض، بالضبط كما حصل مع مريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها. فبالرغم أن رسول ربها قد تمثل لها بشرا سويا:

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17)

وبالرغم أنه قد نفخ فيها:

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91)

وبالرغم أنه قد نفخ في فرجها:

وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)

إلا أنها ظلت محصنة فرجها. فكانت تبعات ذلك على النحو التالي:

- قصر فترة الحمل

- عدم حصول الشهوة الجنسية

- عدم انكشاف السوءة

- بقاء الفرج محصنا

- خروج المولود غير ناسيا من بطنها، كما كان من أمر عيسى بن مريم

- عدم تكبد مشقة الحمل

- عدم حصول الأنساب، فلا ينسب المولود إلى الشخص الذي قام بالنفخ وإنما ينسب إلى المرأة التي حملته

- الخ

ولكن لما نزل آدم عند رغبة الشيطان مؤثرا الملك على الخلافة، كانت التبعات على النحو التالي:

- طول فترة الحمل

- حصول الشهوة الجنسية

- انكشاف السوءة

- عدم بقاء الفرج محصنا

- تكبد المرأة مشقة الحمل

- حصول الأنساب، فينسب المولود إلى الرجل الذي نفست غنمه في حرث المرأة

- الخ.

السؤال: كيف يمكن أن نتخيل طبيعة الحياة لو أن آدم لم ينزل عند إرادة الشيطان ونزل عند الإرادة الإلهية؟

رأينا المفترى: كان من المفترض أن لا تبدى لآدم وزوجه ما وري عنهما من سوءاتهما (أي العورة أو لنقل الأعضاء التناسلية)، فكان الذي يحجب تلك السوءة عنهما هو ذلك اللباس الذي نزعه عنهما الشيطان:

يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27)

ولو ظل آدم وزوجه محافظان على ذلك اللباس، لما كانا بحاجة إلى استخدام تلك السوءة، ولما كانا بحاجة إلى تلك السوءة لأنهما لن يكونا بحاجة إلى ثلاثة أشياء وهي:

1. التغوط

2. التبول

3. الجنس

ولكن لما آثر آدم نصيحة الشيطان، آثر تكبد مشقة هذه الأشياء الثلاثة مقابل الرغبة الجنسية. فكيف حصل ذلك؟

رأينا المفترى: كانت مكيدة الشيطان تتمثل في أن يصبح آدم فريسة سهلة لفتنه، فما كان الشيطان يستطيع النفاذ إلى آدم وزوجه وإحداث الفتنة فيهما ماداما متسلحان بذلك اللباس الذي هو الوقاية الإلهية الآمنة من فتنة الشيطان. لذا عمد الشيطان إلى تجريد آدم وزوجه من ذلك السلاح الفتاك، ليصبح آدم وزوجه فريسة سهله له ولجنده. فكيف سيفعل ذلك؟

رأينا المفترى: كان على الشيطان أن يثير الرغبة الجنسية في جسم آدم، فكان لزاما عليه أن يستطيع إقناع آدم بالتنازل عن ما يسكت تلك الرغبة.

السؤال: ما الذي كان يسكت الرغبة الجنسية عند آدم حينئذ؟

رأينا المفترى والخطير جدا: إنها العصا

تخيلات مفتراة: عندما خلق الله آدم ألبسه ذلك الثوب، فكان بمثابة الدرع الواقي له من خطر الشيطان. وبالإضافة إلى ذلك أعطاه تلك العصا، ليتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، فمادامت تلك العصا بيده، فإن رغبته الجنسية لن تثور، ولكن ما أن عصى آدم ربه، حتى كانت الغواية:

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

السؤال: ما هي الغواية؟

رأينا: لو تدبرنا السياق القرآني التالي، لوجدنا أن الغواية هي الإيقاع بالآخرين، وتزين الأمر لهم من أجل فعل ما لا يجب فعله. فهذا الذي استصرخ موسى وقد كان قد استنصره بالأمس هو من كان غوي:

فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18)

فهو من صور لموسى الأمر على غير ما يجب، وهو من حثه على الوقوع في ما هو محظور (القتل). لذا نحن نفتري القول بأنه ما أن عصى آدم ربه حتى غوى، أي فعل ما كان من المفترض أن لا يفعله.

السؤال: كيف حصل ذلك؟

رأينا المفترى: عندما دلّ الشيطان آدم وزوجه على شجرة الخلد، أكلا منها، فكانت النتيجة الحتمية الأولية هي أن تبدى لهما سوءاتهما وهي ما كان الله قد واراهما عنهما بذلك اللباس:

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

وهنا تنبه آدم وزوجه إلى وجود تلك السوءة، فعمدا يطفقان عليهما من ورق الجنة، فكان لزاما على آدم أن يستخدم يديه من أجل قطع ورق الجنة لتغطية تلك السوءة، فامتدت يد آدم وزوجه إلى سوءاتهما للمرة الأولى. فأمسك آدم سوءته (عضوه الذكري) بيده، فكان ذلك مدعاة لأن يضع آدم العصا التي كانت بيده جانبا. وكان نتيجة مسك آدم عورته بيده هو انتصاب ذلك العضو الذكري عنده، فكان انتصاب عضوه الذكري السبب في الغواية التي وقع آدم فيه. فكيف سيسكت آدم عضوه الذكري الآن؟

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: لم يكن بمقدور آدم أن يسكت تلك الرغبة الجنسية الجامحة عنده التي أشعل فتيلها الشيطان إلا بالمجامعة الزوجية، فعمد آدم إلى الوقوع بزوجته، فما عادت محصنة لفرجها. وما عاد آدم قادرا على مقاومة هذه الرغبة الجنسية إلا بتكرارها. فأصبح ينفش غنمه في حرث زوجته كلما ثارت تلك الرغبة في نفسه.

وكان من أول تبعات هذا الفعل هو نسيان آدم ما كان ربه قد علمه:

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)

فالعدو الأول للعلم هو الرغبة الجنسية، فمتى ثارت الرغبة الجنسية عند الرجل كان نسيان الرجل كل ما حوله هو المحصلة الأولى لهذا الفعل. فلا أظن أن رجلا يستطيع أن يفكر مليا، ولا أظن أن رجلا يستطيع أن يتعلم مادامت رغبته الجنسية حاضرة. فهذه الرغبة تعطل مستقطبات العلم عنده، فلا يعدو أكثر من "حيوان" نهم لا يهمه سوى إشباع تلك الرغبة عنده.

مقابلة بين الخلافة والملك: مقابلة بين العصا والعضو الذكري

تخيلات مفتراة من عند أنفسنا: عندما خلق الله آدم وجعل إرادته بأن يكون آدم خليفة، أعطاه تلك العصا التي يهش بها على غنمه، فتكون بمثابة الحماية له من أن تثور رغبته الجنسية مادام متكئا عليها ومادام يهش بها على غنمه. ولكن ما أن وضع آدم تلك العصا من يده حتى بانت له عصا من نوع آخر، إنها عضوه الذكري، فكان على آدم أن يختار بين استخدام العصا الإلهية (العصا) أو العصا الشيطانية (العضو الذكري)، ولكن لما لم يكن لآدم من عزم، نزل عند رغبة الشيطان، فكان من الغاويين، فأصبح للشيطان سلطانا على آدم:

إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)

ولو حاولنا أن نربط ذلك بما كان لموسى نفسه، لوجدنا أن الله هو من آتى موسى سلطانا مبينا:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (96)

ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (23)

وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (38)


السؤال: ما هو ذلك السلطان المبين الذي آتاه الله موسى؟

رأينا المفترى: إنه العصا

تخيلات مفتراة: في حين أن العصا هي سلطان مبين، كان العضو الذكري هو السلطان الذي واراه الله عن آدم، وهو ما استغله الشيطان، فأشعل فتيله.

ولو حاولنا تدبر تلك العصا التي كانت بيد موسى من حيث الشكل مثلا، لوجدنا أنها لا تختلف كثيرا في شكلها عن شكل السلطان الذي وري عنه، فالعصا التي كانت بيد موسى تشبه في شكلها العضو الذكري عندما ينتصب.

السؤال: وماذا عن مفعولها؟

رأينا: عندما كانت عصا موسى في يده في الواد المقدس، كانت خامدة (كما العضو الذكري غير المنتصب)، ولكن حتى تعود تلك العصا إلى سيرتها الأولى طلب الله من موسى أن يلقيها في تلك النار الحاضرة حينئذ:

قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19)

فما أن القها حتى عادت الحياة لها من جديد، فأصبحت تسعى:

فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)
فخرجت من النار تهتز كأنها جآن:

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)

وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31)


فما عاد شيء يستطيع إسكات تلك العصا، فأصبحت ذات مفعول حقيقي، فأصبحت مصدرا للحياة، فأصبحت أداة للضرب، فضرب بها البحر فكان كل فرق كالطود العظيم:

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)

وضرب بها البحر فخرج منه الماء:

وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)

ويمكن أن نفهم المشهد أكثر (من وجهة نظرنا) عند تشبيهه بما يفعله العضو الذكري للرجل، فهو أداة الضرب للنساء من قبل الرجال:

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)

السؤال: كيف يضرب الرجل المرأة؟

رأينا المفترى: ما أن يدخل قضيب الرجل في رحم المرأة حتى يفلقه (إلى شطرين)، فيكون كل فرق كالطود العظيم.

وما أن يضرب الرجل المرأة حتى تكون النتيجة المباشرة خروج ذلك السائل المحتقن في الداخل. فيفعل قضيب الرجل في رحم المرأة ما يشبه ما فعلته عصا موسى بالبحر وبالصخر.

خلص بكفي قلة حياء، شكلي قلبت المشهد كله فيلم إباحي. بكفي.

نترككم مع مخيلتكم لاستيعاب هذا المشهد على غرابته، على أن نعاود الحديث في الجزء القادم لتكملة المشهد نفسه (لكن بشيء من الأدب والحياء)، ومن ثم التعريج على القضايا التالية التي نظن أن لها علاقة مباشرة بالقضية قيد الشرح هنا، وهذه القضايا هي على النحو التالي:

- باب اعتزال النساء في المحيض

وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)

- باب حضور الشياطين

وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98)

- باب لتعاملات النقدية: البنوك الشيطانية (قارون أول من أسسها)

- باب إلوهية فرعون بوجود البنين الشهود

- الخ.

هذا ما سنخوض فيه في الجزء القادم من هذه المقالة بحول الله وتوفيق منه، سائلا الله وحده أن ينفذ مشيئته وإرادته لي الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيري، إنه هو العليم الحكيم، وأن يزدني علما وأن يهديني لأقرب من هذا رشدا. وأدعوه وحده أن يؤتيني رشدي، وأعوذ به أن يكون أمري كأمر فرعون، فالله وحده أدعو أن أكون ممن أتوه بقلب سليم، فهداهم الصراط المستقيم، وأعوذ به وحده أن أكون ممن يفترون عليه الكذب أو ممن يقولون عليه ما ليس لهم بحق، إنه هو العليم الخبير – آمين.

المدّكرون: رشيد سليم الجراح          &       د. محمد يوسف

بقلم د. رشيد الجراح

31 أيار 2015