حديث الإفك - الجزء الرابع: كيف كان ابو بكر مستهدفا في حديث الإفك؟


كان الافتراء الأكبر الذي حاولنا تقديمه في الجزء السابق من هذه المقالة يدور حول الافتراض الظني بأن الذي جاء بحديث الإفك كان يقصد الإساءة إلى النبي الكريم وإلى صاحبه الأول أبي بكر الصديق من خلال السيدة عائشة. وقد حاول نفر ممن حول النبي الاستفادة من هذا الحديث لأغراض شخصية بحتة. فأصبح المستفيدون من هذا الحديث ثلاثة أنواع وهم:
- من أراد القدح بعائشة لخدمة مصلحة ذاتية آنية
- من أراد القدح بأبي بكر الصديق لمطامع دنيوية
- من أراد القدح بالنبي الكريم لأغراض أخروية
وقد حاولنا التعرض للمجموعة الأولى وهم الذين حاول الاستفادة من حديث الإفك للتعرض للسيدة عائشة لغايات في أنفسهم، تخدم مصلحة ذاتية آنية. وظننا أن الذي فعل ذلك هي زوج النبي زينب بنت جحش بالتعاون مع أختها حمنة. وافترينا الظن أنهما لم يكونا مصدر الإفك ولكنهما حاولا الاستفادة من حدوثه لتعزيز مكانة زينب عند النبي والتقليل من مكانة عائشة عنده مادام أن عائشة هي الزوجة الوحيدة التي نكحها النبي وكانت لازالت محصنة (أي لم تنكح من ذي قبل)، فكانت هي الواحدة من النساء التي لا يطالب زوجها أن يعدل بينها وبين بقية أزواجه. فهي ذات مكانة خاصة لا تدانيها زوجة أخرى في ذلك. ولمّا كانت زينب ذات جمال (كما تقول رواياتهم)، ولمّا كانت صاحبة النسب العريق (كما جاء في كل مؤلفاتهم)، ولما كانت ...، الخ. ظنت أنها تستطيع النيل من مكانة عائشة عند النبي، لتحقيق مكانة خاصة بها عند رسول الله. فاستعانت بأختها حمنة لتنفيذ مآربها، فجاء فعلهما ذلك في باب التظاهر:
إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)
وحصل هذا كله بعد نبأت هي أختها بالحديث الذي أسرّه النبي إلى بعض أزواجه:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
... فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
ولو راقبنا صيغة الخطاب لوجدنا أن الحديث قد بدأ بصيغة الجمع عندما أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) ثم تحول إلى المفرد عندما نبأت واحدة منهن فقط بذلك الحديث (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ)، ثم تحول إلى المثنى عندما حصل تسريب الحديث، فطلبت التوبة من اثنتين (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)، وجاء التحذير من التظاهر لاثنتين (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ)، فأصبح الخطاب بصيغة المثنى. وانظر عزيزي القارئ السياق كله – إن شئتْ- من هذا الجانب:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)
فكيف حصلت القصة كلها؟
تخيلات مفتراة: نحن نظن أن القصة قد حصلت على النحو التالي: كان جانبا من حديث الإفك (نحن نفتري الظن) أمرا مدبرا من النبي نفسه ليفضح كل من كان في قلبه مثقال ذرة من نفاق وليوقف كل شخص بغض النظر عن مكانته عند حده، ليحق الحق ويبطل الباطل حتى وإن وصل الأمر إلى بعض أزواجه. لينتهي الأمر بالخير على المسلمين إلى يوم الدين، فكيف دبر النبي ذلك؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن الرسول قد أسرّ إلى بعض أزواجه حديثا، ولكنه لم يسر ذلك الحديث إلى كل أزواجه (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا). وكان يهدف النبي (نحن نتخيل) من وراء ذلك أن يعلم مَن مِن نسائه ستنبئ به، وبالفعل قامت واحدة فقط بتسريب ذلك الحديث (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ). ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فقد كان الله هو من أظهره كله (وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ)، وعندها قام النبي بتعريف بعض ذلك الحديث والإعراض عن بعضه (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ)، لتكون التساؤلات الآن على النحو التالي:
- ما هو الحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه؟
- من هن أزواجه اللائي أسر لهن النبي بذلك الحديث؟
- من هن أزواجه اللائي لم يسر إليهن بذلك الحديث؟
- كيف أظهر الله ذلك الحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه؟
- كيف عرّف النبي الكريم بعض ذلك الحديث وكيف أعرض عن بعض؟
- الخ.
فكيف حصل ذلك كله؟
تخيلات مفتراة لا أساس لها: نحن نظن أن التعريف من النبي ببعض الحديث والإعراض عن بعضه قد حصل بعد أن نبأت واحدة من أزواجه به وبعد أن أظهر الله الأمر برمته (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ)، الأمر الذي يدفعنا إلى طرح التصور التالي: عندما أظهر الله ذلك الحديث، أخذت من نبأت به تلقي باللائمة على النبي نفسه لأنه هو (برأيها) من أسر لها الحديث أولا، فقد استخدمت ما أسر النبي لها ولبعض أزواجه كدليل على ما قالت لتبرئة نفسها من التهمة التي وجهت له بعد أن أظهر الله الأمر برمته. وعندما ألقت باللائمة على النبي الكريم، لم ينكر ما قاله لها ولبعض أزواجه عندما أسر لهن بذلك الحديث، ولكن كانت المشكلة تكمن (نحن لازلنا نتخيل) في أن ما تناقلته النسوة حينها لم يكن بالحرفية التي قالها النبي، فقد حصل أن زادت النسوة على الذي ذكره النبي بحرفيته عندما أسر بذلك إلى بعض أزواجه، فما كان للنبي الكريم الذي لا ينطق عن الهوى إلا أن يقرّ بما قال بالفعل وهو بعض ذلك الحديث، وهو الذي عرفه (عَرَّفَ بَعْضَهُ) ولكنه أعرض عن كل ما زاد عن ذلك مما قاله الآخرون زيادة على ما قاله النبي، وهذا هو الذي أعرض النبي عنه (وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ).
السؤال: ما هو الحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه وعرفه بعد ذلك؟ وما الحديث الذي جاء زيادة من عند الآخرين على قاله النبي وهو الذي أعرض عنه؟
رأينا المفترى من عند أنفسنا: نحن نظن أن ذلك الحديث يمكن أن نجده في الآية السابقة لهذه الآيات الكريمة التي تتحدث عن الحديث الذي أسره النبي لبعض أزواجه وهو مطلع سورة التحريم، فلنقرأ الآيات في سياقها الأوسع، محاولين أن نجد الرابط بينها جميعا بحول من الله وتوفيق منه:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)
السؤال: ما علاقة هذه الآيات الكريمة بعضها ببعض؟
- فما علاقة ما حرم النبي مما أحل الله له بذلك الحديث الذي أسره النبي لبعض أزواجه؟
- وما علاقة ذلك بالفرض الإلهي بتحلة الأيمان؟
- الخ.
رأينا: للإجابة على ذلك نحن نجد الضرورة تستدعي أن نفتري القول يقينا بأن القرآن الكريم ليس عبارة عن جمل متناثرة مبعثرة، فلابد من وجود رابط قوي بين الآيات المتجاورة، ولابد من وجود مسوغ قوي يبرر التجاور بين هذه الآيات الكريمة، فكيف يمكن إثبات ذلك؟
رأينا: لكي نتمكن من إثبات ذلك، لابد بداية من فهم منطوق كل آية بحد ذاتها ثم محاولة ربطها بما يجاورها من الآيات السابقة واللاحقة حتى يصبح النص القرآني نصا متماسك الوحدة والموضوع (أو coherent whole بالمفردات الأعجمية). لتكون التساؤلات المسبقة هي:
- ما الذي أحله الله للنبي وحرمه النبي (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
- وما علاقة ذلك بمرضاة أزواجه (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ
- ومن هن أزواجه اللائي كان النبي يبتغي مرضاتهن؟
- ولماذا جاء الفرض الإلهي بتحلة الأيمان مباشرة (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ
- وما علاقة هذا كله بالحديث الذي كان النبي قد أسره إلى بعض أزواجه (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا
- الخ.
رأينا المفترى: نحن نفتري الظن بأن هذه التساؤلات جميعها لها علاقة بالحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه، كما نفتري الظن بأن ذلك الحديث كان من أجل مرضاتهن (أي بعض أزواجه وليس كلهن). وأن الحديث الذي أسره النبي كان فقط لأزواجه اللائي كان يبتغي مرضاتهن، وأن الله قد فرض له على الفور تحلة يمينه من ذلك مباشرة لأنه ما كان للنبي أن يحرم ما أحل الله له ابتغاء مرضاة أزواجه. فكيف حصل ذلك كله؟
تخيلات مفتراة: نحن نظن أن الأمر له علاقة مباشرة بالسيدة عائشة، وهي (نحن نفتري الظن) التي لم يسرّ لها النبي ذلك الحديث لأن الحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه (أي نساؤه الأخريات) كان حديثا خاصا بالسيدة عائشة. فما هو؟
جواب مفترى: أنه حديث خاص بين الأزواج، فما حدّث به محمدٌ أزواجَه لم يكن ليحدّث به الناس، لأن ذلك يقع في باب الخصوصية الزوجية. ولو كان الأمر على غير تلك الشاكلة لما خص النبي (نحن نفتري القول) بعض أزواجه بذلك الحديث على جانب السرية (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا) على وجه التحديد، ولربما أسره النبي إلى كل أزواجه، أو لربما أخرجه من نطاق السرية لو كان على غير تلك الشاكلة.
السؤال: فما هو الحديث الخاص (بالحياة الزوجية) الذي أسرّه النبي إلى بعض أزواجه ابتغاء مرضاتهن وكان يخص السيدة عائشة على وجه التحديد كما تزعم؟ يسأل صاحبنا.
جواب مفترى: إنه تحريم ما أحل الله له
السؤال: وما هو؟
جواب خطير جدا جدا لا تصدقوه: نحن نفتري القول أن النبي قد أسر إلى بعض أزواجه بأنه قد حرم على نفسه الاقتراب من عائشة في معاشرة الزوج لزوجته. أي أسر النبي إلى بعض أزواجه أنه لا يجامع عائشة. انتهى.
تخيلات مفتراة: كان هذا الحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه قد لاقى قبولا شديدا عند أزواجه وخصوصا السيدة زينب بنت جحش، وفي الوقت ذاته استدعى التدخل الإلهي المباشر بأن يتراجع النبي على الفور عن قراره هذا، لأن في ذلك تحريم لما أحله الله له، وهو ما لا يجوز للنبي أن يفعله.
السؤال: ما الذي حصل حينها؟
رأينا: كان لابد للنبي أن ينصاع للأمر الإلهي والرجوع عن قراره هذا، فكيف سيفعل ذلك؟
تخيلات من عند أنفسنا: نحن نتخيل أنه عندما وجد النبي نفسه في هذا الموقف الحرج المتمثل بأنه قد حرم على نفسه ما أحل الله له ابتغاء مرضاة أزواجه وفي الوقت ذاته عليه الانصياع التام للأمر الإلهي بالتراجع عن يمينه هذا، ما كان منه إلا أن يتحلل من يمينه على الفور، فاتخذ قراره (نحن لازلنا نتخيل) باصطحاب عائشة معه في خروجه إلى بني المصطلق. فحاول بذلك أن يرضي عائشة التي كان قد حرم على نفسه الاقتراب منها، ويقربها له، فكانت هي من شاء أن يؤوي إليه منهن، متمثلا قول الحق في كتابه الكريم:
تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
ويكأن محمدا قد قرر إذن أن يصطحب عائشة على وجه الخصوص في رحلة إلى خارج الديار (كما يفعل الأزواج) بعد الخناق لتلطيف الأجواء والخروج من الأجواء المشحونة. لكن ما الذي حصل وراءه؟
رأينا: لا شك أن خروج عائشة مع الرسول الكريم إلى بني المصطلق بعد أن أسر النبي إلى بعض أزواجه بذلك الحديث قد أدى إلى أن لا تقر أعين الأخريات كثيرا، كما قد يكون قد سبب الحزن وعدم الرضا عند بعضهن. لكن الأهم من ذلك كله هو وقوعهن في حيرة شديدة (أي لنقل الفتنة المرجوة). ولعلي أتخيل ما كان يفتنهن حينئذ هو الموقف التالي: الرسول يخبرنا بأنه لن يجامع عائشة في الفراش وها هو يقرر أن تخرج معه إلى بني المصطلق، فلماذا؟ لماذا فعل الرسول ذلك؟ ربما كن يتساءلن.
جواب: لعل هذه فتنة عظيمة لنساء النبي لأنهن بكل بساطة لم يستطعن أن يعلمن السبب وراء هذا التصرف من النبي الكريم. فما الذي كان من الممكن أن يفعلنه في ظل هذا التصرف المتضارب ظاهريا من الرسول الكريم؟
رأينا: كانت ردة فعل كل واحدة منهن على ذلك يعتمد على درجة صدق الإيمان الذي وقر في قلبها. فلاشك أن الكثير منهن ستنصاع للأمر مادام أن هذا قرار النبي نفسه:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (3)
فكان لابد من الانصياع التام لما قضى الله ورسوله.
السؤال: فما الذي فعلنه إذن؟
رأينا: لا أظن أنه قد بدر منهن أكثر مما جاء في الآية الكريمة التي تبين تصرف المؤمنين الحقيقيين في حديث الإفك:
لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12)
وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ 16
نعم، أظن أن هذه كانت ردة فعل الكثير من أزواج النبي، فلقد ظنن بأنفسهن خيرا، والأهم من ذلك أنهن قد أعرضن عن الخوض فيه.
السؤال: وهل هذا كان فعلا سلوك جميع أزواج النبي؟
رأينا المفترى: أظن ذلك، باستثناء السيدة زينب بنت جحش، وهي (نحن نفتري الظن) التي نبأت بما كان النبي قد أسر إليها وإلى بعض أزواجه من ذي قبل. فماذا فعلت؟
رأينا: ما أن أسر النبي ذلك الحديث (عدم رغبته بمجامعة عائشة) حتى كانت زينب قد حدّثت أختها حمنة بما أسره النبي لها. وربما جاء إخبارها لها بذلك من باب ما تحدث به الأختُ أختَها، وربما كان الهدف هو لتبين مكانتها عند زوجها؛ فتخلي النبي عن مجامعة عائشة يعني أن زينب ستكون هي الأكثر قربا للنبي الكريم. ولكن هنا بالضبط حصل سوء الفهم من الذين لم يكونوا من المؤمنين والمؤمنات الذين ظنوا بأنفسهم خيرا، فما الذي حصل؟
رأينا: ما أن جاء العصبة بحديث الإفك حتى كانت حمنة هي أول من تلقفته، لتفسّره على هواها. فقامت بربط الأمرين معا من منظورها الخاص، وعلى طريقتها، والأمران هما:
1. قرار النبي بعدم مجامعة عائشة (التحريم) كما روته لها أختها زينب من ذي قبل
2. حديث الإفك الذي جاء به العصبة في خروج النبي إلى بني المصطلق
وقد كان لسكوت النبي فترة طويلة من الزمن أثرا في نفسها، فظنت مخطئة من عند نفسها أن قرار النبي بعدم مجامعة عائشة وسكوته فترة من الزمن عن البت بالأمر بعد حديث الإفك هو (كما تخيلت) لشك النبي في "شرف" المرأة. فهي تظن أن النبي ما كان ليسر إلى بعض أزواجه هذا الحديث ولم يكن ليسكت هذه الفترة الطويلة دون ردة فعل واضحة لولا ظنه بـ "خيانة" زوجته، فأخذت تحدث الناس بالإفك لتثبت التهمة على المرأة.
وهنا بالضبط جاء تدخل النبي المباشر، ولكن كيف حصل ذلك؟
رأينا: عندما أظهر الله الحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه، وتبرئة عائشة من حديث الإفك بصريح الآيات الكريمة، أصبحت حمنة وأختها زينب في دائرة الاتهام، فحاولت المرأة (خاصة حمنة) أن تدفع عن نفسها التهمة مستعينة بالحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه، ولكن كانت المشكلة أنها لم تذكر الحديث كما حصل فعلا من النبي الكريم وهو أنه قد اتخذ قراره بعدم مجامعة عائشة (أي التحريم) وكفى، لكنها أضافت إليه فهمها الخاص للسبب الذي من أجله فعل النبي ذلك. وهنا تدخل النبي بالتعريف: فأقر ما قاله بالفعل وهو التحريم ولكنه أعرض عن السبب الذي ذكرته المرأة من عند نفسها لأن ذلك لا يعدو أكثر من فهمها هي للواقعة وليس لما كان يدور فعلا في خلد النبي، ويكأن النبي (نحن نتخيل) يقول لها: صحيح أنني قد حرمت عائشة على نفسي، وذكرت ذلك سرا لبعض أزواجي، ولكن ليس للسبب الذي تظنين:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
ولو دققنا فعلا في الآية الكريمة التالية جيدا لوجدنا أنه في حين أن التظاهر على النبي قد جاء من طرف زينب وأختها (بصيغة المثنى)، فإن النبأ بتسريب الخبر من طرف زينب إلى أختها قد جاء لأن الله هو مولى النبي وجبريل وصالح المؤمنين بعد ذلك، فكلهم ظهيرا للنبي الكريم:
إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4)
ونحن نتخيل أن النبي الكريم قد عمد إلى إحضار زينب وأختها للتحقيق بالأمر على انفراد بعد حصول التبرئة، وهنا حصل أن أقرّت زينب بأنها هي من نبأت به لأختها حمنة، ولكن حمنة أصرت على أنها فهمت من ذلك السبب الذي من أجله حرم النبي على نفسه عائشة لظنها بـ "خيانتها"، فما كان من النبي إلا أن يعرف بعضه ويعرض عن بعضه:
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
السؤال: لماذا فعل النبي هذا مع بعض أزواجه؟
رأينا: نحن نظن أن النبي قد فعل ذلك لكي يوقف أزواجه كلهن عند حدهن فلا يتجاوزن الخطوط الحمراء المسموح بها. فكثرة الكلام غير المتوازن (نحن لازلنا نتخيل) قد وصل حتى بيت النبي الكريم نفسه، فكان لابد لمحمد أن يضع حدا لهذا الأمر، وما أن حصل حديث الإفك حتى استطاع النبي أن يبيّن للجميع (بمن فيهم أزواجه) أن الأمر ليس بالهزل وأن الجميع يجب أن يلتزم حده ويعرف مقداره فلا يتجاوزه. ولو تدبرنا بقية قصة ذاك الحديث الذي أسره النبي إلى بعض أزواجه، لوجدنا أن خاتمته كانت بالتهديد الصريح لأزواج النبي بالطلاق:
عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
وأصبح التوجيه الإلهي لأزواج النبي على النحو الذي تصوره الآيات الكريمة التالية أحسن تصوير:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
السؤال: إذا كان النبي الكريم قد قطع بهذا الأمر ألسنة أزواجه ووضع حدا لهن جميعا، فلماذا إذن حصل ذلك أمام الناس جميعا؟ لماذا نبأ الله نبيه به وأظهره عليه؟ ما علاقة الأمر ببقية مجتمع المدينة؟
رأينا: هذا ما نظن أنه الفتنة التي حصلت لقوم محمد، إنها الفتنة نفسها التي حصلت لقوم موسى عندما تركهم بعضا من الوقت. إنها الفتنة الإلهية. إنها كقصة السامري. الخ.
السؤال: كيف ذلك؟
رأينا: عندما يدّعي الناس الإيمان، فإن الإله يحدث الفتنة بنفسه لينبئ ما في قلوب العباد. (اللهم أعوذ بك من فتنتك، وأسألك ربي أن لا تفتني فقد آمنت أنه لا إله إلا أنت – وأشهدك ربي بأني أشهد أنه قد جاءت رسلك بالحق - آمين).
تخيلات من عند أنفسنا: في السنة السادسة للهجرة بدا يظهر للعيان سيطرة محمد التامة على مجتمع المدينة ومن حولها من الأعراب، وبدا واضحا للقبائل المجاورة بمن فيهم أهل مكة، ويهود المدينة والأعراب من حولها أن الغلبة لا محالة لمحمد. وهنا أخذ الكثيرون يدخلون في دين الله، لكن الإيمان لمن يكن قد وقر في قلوبهم بعد. وانظر كيف تصور الآية الكريمة التالية التي جاءت في سورة الحجرات ذلك أحسن تصوير:
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)
فقد كانت الريبة لازالت في قلوبهم:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)
فكان هناك من المؤمنين الذين لازالوا مرتابين، ولم يصلوا بعد إلى مرحلة الصدق التام في الإيمان. فأخذ هؤلاء المؤمنون الذين لم يصلوا بعد حد الصدق في الإيمان يمنّون على النبي بإيمانهم:
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (17)
وهنا تدخل الإله الحق بنفسه ليحدث الفتنة ليبتليهم أيهم أحسن إيمانا:
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ
فكيف حصل ذلك؟
رأينا: عندما خرج النبي من المدينة متجها إلى بني المصطلق، كان الخارجون معه كثيرون، ربما كان خروج بعضهم طمعا في الغنائم، لكن هناك بالضبط حصل حديث الإفك، فانقسم الناس إلى معسكرين اثنين، أحدهما يحاول أن ينئ بنفسه عن الحديث لأنهم ظنوا بأنفسهم خيرا، ولقناعتهم بأن هذا بهتان عظيم:
لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12)
وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ((16
بينما خاض فريق آخر في الأمر لعدم ظنهم بأنفسهم خيرا، وكان هذا الطرف يتكون من فريقين وهما:
1. المنافقون الذين علم الله ما في صدورهم (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ)
2. المسلمون غير المؤمنين غير الصادقين (قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا)
وقد كان هدف كل فريق منهم يختلف عن هدف الفريق الآخر، ففي حين أن هدف المنافقين كان النيل من شخص النبي الكريم والقدح بالدين والعقيدة نفسها، كان هدف الفريق الآخر وهم المؤمنون غير الصادقين دنيوي بحث، أي من أجل أن يجر عليهم مصلحة ذاتيه، كما كان موقف حمنة (أخت زينب) التي ظاهرت أختها على الرسول الكريم عندما عمدت إلى نشر الأباطيل المفتراة من عند نفسها عن عائشة.
السؤال: هل كان هدف هذا الفريق هو فقط النيل من عائشة؟
رأينا المفترى: نحن نعتقد أن هدف بعض الذين انضموا إلى هذا الفريق كان النيل من أبي بكر الصديق، والد السيدة عائشة وصاحب الرسول الكريم الأول.
تساؤلات
- كيف حصل ذلك؟
- لماذا حاول البعض النيل من أبي بكر؟
- وماذا كانت ردة فعل الرسول على ذلك؟
- ماذا كانت ردة فعل أبي بكر نفسه؟
- ما علاقة أبي بكر بحادثة الإفك؟
- كيف سيكون في النيل من أبي بكر (كما خططوا) خيرا للأمة كلها؟
- كيف سيكون في ذلك خيرا لنا حتى يومنا هذا؟
- الخ.
رأينا المفترى: بعيدا عن حديث النساء (زينب وحمنة)، نحن نفتري القول بأن المستفيدين من حادثة الإفك من الرجال كانوا من فئتين من الناس، فكانت فئة منهم تحاول النيل من أبي بكر لغرض دنيوي بحث وهؤلاء هم بعض المسلمين الذين لم يبلغوا مرحلة الصدق في الإيمان بعد، أما الفئة الأخرى فهم المنافقون الذين كانوا يحاولون النيل من النبي نفسه ومن رسالته التي جاء بها من عند ربه.
الدليل
لعلنا نجد في الآية الكريمة التي فضحت الذين جاءوا بالإفك الدليل عن شخصية هؤلاء الذين تعاونوا على إثبات حديث الإفك، والدليل (كما نفهمه) يتلخص بمفردة واحدة وهي مفردة عصبة:
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ
السؤال: ما معنى أن يكون الذين جاءوا بالإفك عصبة؟
رأينا: لقد تعرضنا لمعنى هذه المفردة في مقالتنا تحت عنوان قصة يوسف. فزعمنا الظن أن إخوة يوسف كانوا عصبة لسببين رئيسيين، وهما:
1. أن عددهم كان عشرة
2. أنهم كانوا ينقسموا إلى فريقين متساويين (5 مقابل 5) لأن كل فريق منهم يربطهم رابط الأم. فهم جميعا أبناء يعقوب لكن خمسة منهم من أم واحدة وخمسة من أم أخرى، بينما كان يوسف وأخوه من أم ثالثة.
فلقد ظننا مفترين القول من عند أنفسنا أن العصبة من الرجال هم عشرة في العدد، يتكاتفون معا على تدبير أمر بينهم (كيد) لا يطّلع عليه الآخرون، ويكون تلاحمهم وتماسكهم كمثل أصابع اليدين الاثنتين العشرة إذا ما تشابكت مع بعضها البعض كما في الشكل:
فلا يستطيع أحد منهم أن يفلت عن المجموعة، لأن المجموعة ككل (العصبة) ضامنة عدم انفلاته. (للتفصيل انظر الجزء الثالث من قصة يوسف هذه).
تخيلات من عند أنفسنا: حصل اتفاق بين عشرة من الرجال على إثبات حديث الإفك على السيدة عائشة، وكان هدف بعضهم (غير المعلن) الإطاحة بأبي بكر الصديق، بينما كان هدف الفريق الآخر (الذي يتزعمه من تولى كبره منهم) النيل من النبي الكريم ورسالته.
وسنحاول أن نبدأ النقاش هنا بالفئة الأولى وهم الذين كان هدفهم النيل من أبي بكر الصديق لغاية في أنفسهم.
السؤال: من هم هؤلاء القوم؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن هذه الفئة كانت تتكون من خمسة من الرجال كان يتزعمهم من كان في نفسه طمع للوصول إلى الخلافة من بعد وفاة النبي بالموت.
الدليل
لم يكن أقل المؤمنين إيمانا يختلف مع أكثرهم إيمانا في الحقيقة التالية: إن صاحب النبي الأول هو أبو بكر الصديق. لذا لم يكن يخطر ببال أحد من الناس حينئذ أن الشخص المؤهل للخلافة من بعد النبي محمد هو أبو بكر هذا. لذا فمن كان في قلبه طمع بالخلافة من بعد موت النبي فلابد أن يجد المسوغ الذي قد يزيح به أبا بكر عن الساحة. لذا لما حصلت حادثة الإفك استغل هذا الطرف (نحن نفتري الظن) الحديث من أجل إثباته، لأن في إثباته تحقيق لمطامعه بالخلافة. فلربما كان منطقه (كما نفتريه) على النحو التالي: إذا صح حديث الإفك، وتبيّن للناس أن عائشة ابنت أبي بكر قد تورطت فعلا في خيانة النبي (كما فعلت امرأة نوح وامرأة لوط من قبل)، فإن ذلك لن يؤثر (حسب منطقهم) على رسالة محمد بشكل مباشر، ولكنه سيؤثر بلا شك على أبي بكر بشكل مباشر، وذلك لأن أبا بكر لن يعود مؤهلا لخلافة النبي بعد وفاته، فإن لم يكن ذلك بدافع من الناس من حوله، فسيكون ذلك بدافع من تلقاء نفسه. فلن يقبل أبي بكر (ربما كانوا يخططون) أن يكون خليفة محمد مادام أن ابنته قد خانت النبي. فلعل الكثيرون (هم يظنون) لن ينسوا أو يتناسوا هذه الحادثة لو حصل أن قبل أبو بكر الصديق أن يتولى الخلافة من بعد النبي إذا ما ثبت حديث الإفك على ابنته.
ولو تدبرنا سورة التحريم نفسها التي كنا نناقش مطلعها، لوجدنا أنها قد خُتمت بالحديث عن من كانت تحت رسل الله فخانتهم مقابل من كانت عفيفة طاهرة الفرج لا تقبل بالخيانة، فقد ضرب الله مثلا للفئة الأولى من الكافرين امرأة نوح وامرأت لوط للكافرين:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
وضرب للمؤمنين مثل امرأة فرعون:
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها:
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
لذا، لم يكن القدح في زوج النبي عائشة (هم يخططون) سيؤثر في رسالة محمد لأن خيانة المرأة لا تلتصق بزوجها حتى وإن كان نبيا مرسلا، وليس أدل على ذلك مما بدر من امرأت نوح و امرأت لوط اللتان خانتا رسولا ربهما. ولكن الخيانة (في نظرهم) لا شك ستلتصق بوالد المرأة. فخيانة عائشة (إن حصلت) ستكون وصمة عار في جبين والدها، الذي لن يكون بعد ذلك منافسا قويا على تسلم السلطة بعد وفاة محمد.
الدليل: صحبة الصديق للنبي في الغار
عندما هاجر النبي إلى المدينة، لم يختار أحدا ليصاحبه في رحلته تلك إلا الصديق الذي آمن به قبل كل الناس، فكان أبو بكر هو صاحب النبي الكريم في الغار:
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
ولما حاول البعض التشكيك في صحبة أبي بكر للنبي في تلك الرحلة دخلوا بمنطقهم المفترى من عند أنفسهم من الزاوية التالية: لقد حزن أبو بكر الصديق في الغار بدليل أن الرسول طلب منه أن لا يحزن (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ)، أليس كذلك؟
وإذا أخذنا (يقول المنطق) الآية الكريمة التالية بعين الاعتبار:
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
تصبح النتيجة الرياضية التي لا مفر منها أن أبا بكر ليس من أولياء الله لأنه بكل بساطة قد حزن، أليس كذلك؟
فصبّوا جام غضبهم على الصديق من هذا الجانب، أي القدح بسيرته الإيمانية، مفترين الظن أنه رجل لم يكن من المؤمنين حقا بدليل أنه قد حزن، ولو أنه كان من أولياء الله لما حزن.
وكان هذا في ظنهم دليلا قويا أن يهاجموه أيضا من خلال حديث الإفك بإلصاق تهمة الخيانة الزوجية بعائشة، فعقدوا المشابهة بين ما حصل من عائشة بما حصل من امرأت نوح وامرأت لوط.
السؤال: كيف يمكن الرد؟ هل ما قاله هؤلاء صحيح فعلا أم أن هناك تكملة للقصة لم يذكروها؟
رأينا: نحن نظن أننا نستطيع أن نثبت أن كلامهم قد جاء مجزوء لغاية في أنفسهم. ولابد من توضيح الصورة على كليتها وليس اجتزاء مقتطفات كما يحلو لمن أراد تسويق فكرة محددة في ذهنه. لذا علينا أن نحاول أن نطرح الموضوع كله للنقاش، فلا نترك سؤالا غير مجاب عليه، لأن ذلك سيكون منفذا للمتشككين إذا ما أرادوا تمرير رأيي عقائدي مسبق. فالله وحده نسأل أن يهدينا رشدنا، فلا نفتري عليه الكذب ولا نقول عليه ما ليس لنا بحق – آمين.
أما بعد
السؤال: هل فعل حزن أبو بكر في الغار؟
رأينا المفترى: نعم
السؤال: هل كان أبو بكر من أولياء الله عندما حزن؟
رأينا المفترى: كلا، لأنه لو كان كذلك (أي لو أنه كان من أولياء الله) لما حزن، لأن أولياء الله لا يحزنون. وانظر – إن شئت- في الآية الكريمة التالية:
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
السؤال: لماذا إذن انتهت الخلافة إلى أبي بكر؟ هل في ذلك خير للمجتمع الإسلامي حينئذ؟ وهل في ذلك خير لنا (نحن المسلمين) حتى يرث الله الأرض ومن عليها؟
جواب مفترى: نعم، كان الخير كل الخير في وصول أبي بكر إلى الخلافة من بعد وفاة النبي. وقد كان ذلك تدبيرا من النبي الكريم نفسه.
السؤال: وكيف ذلك؟ ألم تقل أن أبا بكر لم يكن من أولياء الله عندما حزن في الغار؟
جواب: بلى.
السؤال: وكيف الخروج من هذا المأزق الذي وضعت نفسك فيه؟ ربما يسأل البعض مستغربا.
رأينا: لا نظن أن ذلك مأزق بل هو فهمنا للقصة كما حصلت بغض النظر عن عقائدنا المسبقة. فأنا شخصيا أبحث عن الحقيقة حيثما وجدت، ولا أجد أن من واجبي أن أبحث عن دليل لأثبت موقف طرف ما ليتغلب على الطرف الآخر. فأنا شخصيا لست في خصومة مع أحد بالرغم أني خصم للجميع. لأن الباحث عن الحقيقة بأدوات البحث العلمي الموثوقة لا يتردد بأن ينتقد الجميع لأن هدفه ليس إثبات أحقية طرف على طرف آخر، بل استجلاء الحقيقة بغض النظر عن من يملكها. لذا نحن نتحدى أن يكون في كلامنا هذا تأييد لطرف ما على طرف آخر بقدر ما هو دليل على بطلان دعوى الجميع. فلو أُعطينا المساحة من التفكير لعرض وجهة نظرنا لربما استطعنا أن نبين للجميع وجهة نظرنا التي تظهر (إنْ صحت) مقدار الغلط (كما نفهمه) الذي وقعت به جميع الأطراف حتى الساعة، والذي نظن أنه هو السبب الحقيقي في الفرقة الحاصلة بين جميع الفرق التي تدعي أن الإسلام هو دينها.
السؤال الأول: كيف يمكن أن نفهم ما حصل فعلا.
أما بعد،
لا شك عندنا أن سيرة أبي بكر الصديق في مكة قبل الهجرة كانت تظهر الدعم غير المحدود لمحمد. فهو أول من صدّق النبي الكريم عندما كذّبه أكثر الناس قربا منه كآله (العباس وأبو طالب وأبو لهب) وكعشيرته الأقربين (بنو هاشم)، وكل قريش (أبو جهل وأبو سفيان والوليد بن المغيرة وغيرهم). كما أن أبا بكر كان أكثر من ساند النبي الكريم بماله بعد أن بخل به عليه الغالبية العظمى من أهل مكة (بالمقاطعة مثلا). فتحمل أبو بكر من أعباء الدعوة ما لم يتحمله صحابي آخر. وكانت شهادة أبي بكر برسالة النبي في تلك الفترة لا يمكن أن تساويها شهادة غيره. ولعلي أجزم الظن أن لا أحد يستطيع أن يشكك بمثل هذه الافتراءات التي نسوقها حتى اللحظة بخصوص سيرة أبي بكر في مكة بغض النظر عن طائفته التي ينتمي إليها. فحتى الكافرين الجاحدين بدين محمد لا ينكرون سيرة أبي بكر في مكة قبل الهجرة.
وفي ضوء هذه الحقائق التي تبرز سيرة أبي بكر في مكة قبل الهجرة، كان قرار النبي أن يصاحبه في هجرته إلى المدينة، وبالفعل يخرج النبي مع صاحبه أبي بكر سرا، ويمكثان في الغار فترة من الزمن، وفي تلك الأثناء يخرج نفر من أهل مكة (ربما كما شاهدنا في فلم الرسالة وإن كنت لا أثق بتفاصيل الإخراج التلفزيوني والسينمائي للقصة) يبحثون عن النبي وصاحبه، وكان غرضهم هو ما تثبته الآية الكريمة التالية:
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)
ويحصل أن يكون القوم قاب قوسين أو أدنى من الظفر بمحمد عند الغار. وهنا بالضبط يحصل الحزن من طرف أبي بكر الصديق، بدليل أن النبي هو من نهى أبا بكر من أن يحزن:
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
السؤال: لماذا حزن أبو بكر في الغار؟
جواب: لأن أبا بكر لم يكن حينها من أولياء الله.
السؤال: ما معنى ذلك؟
باب الحزن
نحن نظن أنه عندما كان أبو بكر في الغار لم يكن بعد قد اتبع هدى الله لأن من اتبع هدى الله فلا يحزن:
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
كما نظن أن أبا بكر لم يكن من الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وعمل صالحا كما يجب لأن من كانت تلك سيرته فلا يحزن:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
ونحن نظن أن أبا بكر لم يكن قد أسلم وجهه لله وهو محسن لأن أولئك لا يحزنون:
بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)
ونحن نظن أن أبا بكر لم يكن من الذين أنفقوا أموالهم في سبيل الله ثم لم يتبعوا ما أنفقوا منا ولا أذى لأن من فعل ذلك لا يحزن:
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (174)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)
ونحن نظن أيضا بأن أبا بكر لم يكن من المؤمنين لأن هؤلاء لم يكونوا ليحزنوا:
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69)
ونظن أن أبا بكر قد حزن على ما فاته عندما كان في الغار:
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)
ونحن نظن أنا أبا بكر لم يكن من الفرحين المستبشرين باللذين لم يلحقوا بهم من خلفهم لأن هؤلاء لا يحزنون:
فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما يكون قد أحزنه الذين يسارعون في الكفر (كما أحزن ذلك النبي نفسه):
وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)
نحن نظن أن أبا بكر ربما قد أحزنه ما قاله الكافرون (كما أحزن النبي نفسه):
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)
فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
نحن نظن يقينا بأن أبا بكر لم يكن من المرسلين لأن هؤلاء لا يحزنون:
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۖ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)
كما نظن أن أبا بكر لم يكن في الغار من الذين اتقوا وأصلحوا لأن هؤلاء لا يحزنون:
يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)
ونحن نظن أن أبا بكر في الغار لم يكن بعد مؤهلا لأن يكون من الذين سيدخلون الجنة لأن هؤلاء لا يحزنون:
أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (49)
ونحن نظن أن أبا بكر لم يكن من أولياء الله وهو في الغار لأنه حزن:
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما كان يحزنه قوله:
وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)
كما نظن أن أبا بكر ربما كان ينتابه شعور كشعور يعقوب على فراق ولده يوسف، فيعقوب نفسه قد أصابه الحزن:
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)
وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما شكا حزنه لكنه لم يشكو بثه:
قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)
كما نظن أن أبا بكر ربما كان ينتابه شعور بالحزن على الآخرين (كما فعل النبي نفسه):
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما انتابه شعور بالحزن كالذي حصل لمريم ابنت عمران عندما وضعت وليدها في تلك الليلة:
فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما انتابه شعور بالحزن كالذي حصل مع أم موسى عندما فقدت ولدها:
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ (40)
وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)
فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما كان سيحزنه الفزع الأكبر (لو حصل) وهو لازال في الغار:
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103)
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (70)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما كان عدوا وحزنا للكافرين حينئذ:
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما انتابه الشعور بالحزن كما انتاب لوطا عندما كان في ورطة مع قومه:
وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ ۖ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)
ونحن نظن أن ما كان يحزن أبا بكر ربما هو كفرهم:
وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ ۚ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23)
نحن نظن أن الحزن الذي أصاب أبا بكر وهو لازال في الغار ربما يكون مشابها للحزن الذي أصاب بعض أزواج النبي:
تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
نحن نظن أن الحزن الذي أصاب أبا بكر ربما أذهبه الله، لأن ذلك أمرا واردا:
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما يكون من الذين نجاهم الله بمفازتهم لم يمسهم السوء عندما أذهب الله عنه الحزن:
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
ونحن نظن أن أبا بكر ربما لم يكن من الذي تنزلت عليهم الملائكة لكي لا يحزنوا:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30)
ونحن نظن أن النبي كان ينهى أبا بكر عن الحزن (ربما) حتى يكون من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون:
يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ (68)
ونحن نظن أن النبي ربما نهى أبا بكر عن الحزن لكي تتم استقامته بعد ذلك:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
وأخيرا، وهو الأهم، نحن نظن أن الحزن الذي أصاب أبا بكر في الغار كان نجوى من الشيطان:
إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نحن نظن أن الحزن هو عبارة عن شعور سببه الشيطان، يصيب الذين لازال إيمانهم غير يقيني، وذلك بسبب حادثة أو ظرف محدد بعينه.
السؤال: كيف ينطبق ذلك على أبي بكر الصديق في الغار؟
رأينا: نحن نظن أنه ما أن وجد أبو بكر الصديق نفسه في الغار مع النبي الكريم يتهدده الخطر الخارجي، حتى أصابته بعض النجوى من الشيطان، فكان ذلك هو ما سبب الحزن عنده. ولكن لماذا؟
رأينا: عندما كان أبو بكر لازال في مكة من أشرافها، لم يكن يتهدده خطر حقيقي قد يودي بحياته، وقد كان تصديقه لمحمد من باب صدق محمد نفسه، فأبو بكر يعرف سيرة محمد في مكة قبل البعثة، ويعرف شخصية محمد تماما، فقد عهده صادقا لا يكذب، أمينا لا يخون، كما كان يعرف فيه رجاحة العقل والفكر، فلا يهجر، لذا كان إتباعه لمحمد من باب حسن الصحبة، فكان صاحبه. وكفى.
ولكن ها هو الآن في الغار مع محمد، محاصر لا يستطيع أن يرفع صوته خوفا من أن يسمعه القوم في الخارج، ولا يستطيع أن يخرج من الغار لقضاء حاجت حتى لا يراه الناس، فيتمكنوا منه ومن صاحبه، وهو ... وهو...، الخ. هل تظن – عزيزي القارئ- أن أبا بكر كان سيسلّم تماما بالوضع الذي هو فيه.
رأينا المفترى: هنا في هذه اللحظة وتحت هذه الظروف القاسية دخل الشيطان بالنجوى (الكلام الخفي في النفس) لأبي بكر في الغار. فأخذ أبو بكر يحدّث نفسه (نحن نتخيل) بجدية الموقف الذي وضع نفسه فيه مع صاحبه محمد، وأخذ يتساءل في نفسه، ربما قائلا: هل فعلا أن محمدا رسول من الله؟ وإذا كان كذلك، لم لا ينصره الله على هؤلاء؟ هل إله محمد قوي؟ هل يستطيع أن يدافع عن نفسه وعن نبيه؟ الخ.
لعلي أجزم الظن بأن مثل هذه التساؤلات قد أخذت تدور في خلد أبي بكر في تلك اللحظة في الغار، وكان ذلك ليس أكثر من نجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا. ولو تدبرنا ما قاله النبي لأبي بكر في تلك اللحظة كما جاء بنص الآية الكريمة نفسها:
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
لوجدنا أن النبي لم يكن غافلا عما كان يدور في خلد أبي بكر حينئذ. فكيف كانت ردة فعل النبي حينها؟
رأينا: نحن نفتري الظن بأن النبي الكريم (وهو الذي لا ينطق عن الهوى مادام أنه وحي يوحى) قد أدرك على الفور ما كان يجول في خاطر أبي بكر الصديق في تلك اللحظة في الغار، فجاء رده شافيا على ما أصاب أبا بكر في تلك اللحظة، فصور له حالته (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ)، وطمأنه عندما أذهب عنه الحزن (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا). ويكأن النبي الكريم (نحن نحاول أن نفهم) يقول لصاحبه: أعلم ما يدور في خلدك يا أبا بكر، وأعلم أن النجوى من الشيطان قد أصابتك فأحزنتك، وأعلم أنك تتساءل عن صدق هذه الدعوى، وأعلم أنك تبحث عن الإله الذي أطلب من الناس أن يؤمنوا به، فهو معنا، وهو لا محالة ناصرنا، ولا يحزنك ما نحن فيه من الضعف الظاهر. ولكن (نحن نتخيل النبي الكريم يقول لأبي بكر) سأقدم لك – يا صاحبي- الآن الدليل العملي الذي يثبت لك أننا منصورون من الله. وأن الله مؤيدنا، وأن الله لن يخذلنا. وبالفعل قدم النبي الكريم لصاحبه في الغار ذلك الدليل الذي اذهب عنه الحزن وجعله من المستبشرين بنصر الله. ومنذ تلك اللحظة (نحن نفتري القول) تغيرت سيرة أبي بكر الإيمانية تماما، لأن النبي الكريم أراه في الغار شيئا لم يره غيره، وكان ذلك سببا – كما سنرى بعد قليل بحول الله وتوفيق منه- لأن يكون أبو بكر الصديق هو الرجل الثاني في رسالة الإسلام بعد النبي مباشرة.
التساؤلات:
- كيف علم النبي بما كان يجول في خاطر أبي بكر حينئذ؟
- ما الذي فعله النبي لطمأنة أبي بكر؟
- ما الذي أراه النبي لأبي بكر؟
- كيف كان ذلك دليل على انتصار هذا الدين؟
- كيف غيرت هذه الحادثة سيرة الصديق الإيمانية تماما؟
- ما علاقة هذا بحادثة الإفك؟
- ما علاقة هذا بخلافة أبي بكر الصديق؟
- كيف كان في ذلك خيرا للمسلمين حينئذ؟
- كيف كان في ذلك خيرا للمسلمين على مر التاريخ؟
- الخ.
هذه بعض التساؤلات التي سنتناولها (بحول الله وتوفيقه) في الجزء القادم من هذه المقالة. سائلين الله وحده أن يهدينا رشدنا وأن يعلمنا ما لم نكن نعلم، وأن يهدينا لأقرب من هذا رشدا، وأن يزدنا علما إنه هو الواسع العليم – آمين.
اللهم أعوذ بك أن أكون قد افتريت عليك الكذب أو أن أكون قد قلت ما ليس لي بحق، وأسألك وحدك أن تعلمني ما لم أكن أعلم وأن تهديني لأقرب من هذا رشدا وأن تزدني علما – آمين
والله أعلم
المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان
بقلم: د. رشيد الجراح
23 تشرين الأول 2014