نظرية الأمانة - الجزء السابع

نظرية الأمانة: الجزء السابع
زعمنا الظن في الجزء السابق من هذه المقالة بأن السبب الذي دفع بالإنسان لحمل الأمانة هو أنه كان في تلك اللحظة التي تقبل فيها حمل الأمانة ظلوما جهولا:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
السؤال: من هو ذاك الإنسان الذي كان ظلوما جهولا وتقبل حمل الأمانة؟ فهل كان آدم هو ذاك الإنسان الذي حمل الأمانة بعد أن أصبح ظلوما جهولا؟
جواب مفترى: دعنا نبدأ النقاش بهذا المنطق المفترى من عند أنفسنا والذي مفاده أن ذاك الإنسان هو آدم بعد وقوعه في المعصية، منتظرين في الوقت ذاته نقاشا من أخينا في الادِّكار المهندس محمد السيسي يذهب فيه باتجاه آخر، سائلين الله أن يأذن لنا وله الإحاطة بشي من علمه لا ينبغي لغيرنا إنه هو الواسع العليم – آمين.
أما بعد،
السؤال: كيف كان آدم ظلوما؟ فما معنى أن آدم كان ظلوما كما جاء بصريح اللفظ القرآني؟ ولم لم يأتي صريح اللفظ على أن آدم كان ظالما مثلا أو أنه كان مظلوما؟
رأينا: بداية لا نظن أبدا بأن آدم كان مظلوما، أي أن هناك ظلما قد وقع على آدم من مصدر خارجي كما في الآية الكريمة التالية التي تصور حال من كان مظلوما:
وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)
وذلك لأن الظلم (نحن نرى) لم يقع على آدم من قبل الآخرين، فليس هناك من قام بإيقاع الظلم على آدم حتى وإن كان الشيطان نفسه، فنحن لا نحمل عقيدة مفادها أن الشيطان قد ظلم آدم وزوجه وذلك لأن آدم وزوجه قد نسبا ظلم نفسيهما لهما، وأنظر – إن شئت- في الآية الكريمة التالية التي تصور ردة فعليهما الأولى على ما حصل:
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
السؤال: مادام أن آدم لم يكن مظلوما، فهل كان هو الظالم؟ أي هل كان آدم هو من قام بفعل الظلم؟
رأينا: نعم لقد كان آدم هو من اقترف الظلم بحق نفسه، فكان هو من سببه.
السؤال القوي: لم إذن لم يرد النص لقرآني على نحو أن آدم قد كان ظالما كما في الآيات التالية مثلا:
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
جواب مفترى من عند أنفسنا: لأنه لو ورد النص القرآني على نحو أن آدم قد كان ظالما لأصبح لزاما أن يذكّرنا بمن أوقع آدم الظلم عليهم. وذلك لأنه عندما ترد مفردة "ظالم" في النص القرآني فإنه يتبعها على الفور من وقع عليهم ظلم من ظلمهم. فغالبا ما يظلم الإنسان نفسه:
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا (97)
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)
السؤال: من هو الظالم؟
أولا، جاء بصريح اللفظ القرآني أن الذي يتعدى حدود الله فهو ظالم:
الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
لذا فإن الكافرون هم الظالمون:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)
وذلك لأن الظلم يقع عندما تدعو أحدا من دون الله:
وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)
وبهذا يمكن أن نفهم لم أن الشرك ظلم عظيم:
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
فائدة مجانية: مادام أن الشرك ظلم عظيم وما دام أن الله لا يغفر أن يشرك به ولكنه يغفر ما دون ذلك:
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (116)
فإن الشرك ليس بذنب إطلاقا وذلك لأن الله يغفر الذنوب جميعا:
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
لتكون النتيجة المفتراة هي على النحو التالي: مادام أن الله يغفر الذنوب جميعا فإن الشرك لا يقع في قائمة الذنوب لأن الله لا يغفر أن يشرك به. لذا فإن الذنب هو كل من يقع في باب المعاصي دون الشرك. فالقتل ذنبا والزنا ذنبا والكذب ذنبا والريا ذنبا وهكذا وهذه جميعا قابلة للمغفرة الإلهية ولكن الشرك ليس بذنب لأن الله لا يغفره.
لذا لابد من التفرقة بين ارتكاب الإنسان للظلم كما فعل آدم وزوجه مثلا وكما فعل موسى مثلا عندما قتل رجلا:
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (11)
فبالرغم من ارتكاب موسى للظلم (كقتل النفس) إلا أن الله غفر له ذلك لأن ذلك يقع في باب الظلم ولا يقع في باب الظلم العظيم كما يفعل من يشرك بالله.
عودة على بدء: من هم الظالمون؟
لا شك أن القائمة تشمل الذين يفترون على الله الكذب:
فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)
وهي تشمل الذين لا يحكمون بما أنزل الله:
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
وتشمل كذلك الذين يتولون من استحبوا الكفر على الإيمان:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)
والذين في قلوبهم مرض:
أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)
والذين يتنابزون بالألقاب ولم يتوبوا من ذلك:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
ولا شك أن كل من اتبع أهواء الذين كفروا فهو من الظالمين:
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145)
والقائمة تشمل أيضا الذين اعتدوا:
فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (107)
وهي تشمل كذلك كل من يطرد من اتبع الحق:
وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)
لذا رفض نوح أن يطرد الذين تزدري أعين القوم من الذين اتبعوه، لأنه لو فعل ذلك إرضاء لعلية القوم كان من الظالمين:
وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (31)
وهي تشمل من ظن أن لن نقدر عليه كيونس الذي خرج مغاضبا وظن أن لن نقدر عليه، فجاء نداءه من داخل بطن الحوت مقرا بالظلم الذي ارتكبه:
وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)
والقائمة لا شك تشمل من اتبع أهواء الكافرين بعد ما جاءه من العلم:
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145)
وهنا بالضبط (نحن نفتري القول) يقع الظلم الذي ارتكبه آدم وزوجه بحق نفسيهما. فلقد جاء آدم العلم مباشرة من ربه:
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)
وحذره من الاقتراب من الشجرة عندما أسكنه وزوجه الجنة:
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)
ونبهه إلى عداوة الشيطان له ولزوجه:
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117)
ولكن على الرغم من هذا كله فقد اختار آدم (على علم) النزول عند رغبة الشيطان، فصدق نصيحته لهما:
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
لذا، لا شك عندنا أن آدم وزوجه كان من الظالمين عندما اقتربا من الشجرة كما جاء في التحذير الإلهي لهما من ذلك:
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)
السؤال: هل كان آدم وزوجه من الظالمين؟
جواب: نعم بكل تأكيد لأنهما اقتربا من الشجرة[1].
وهنا بالضبط يبرز السؤال الذي نحاول من خلاله تجلية مرادنا من هذا النقاش كله وهو: إذا كان آدم وزوجه من الظالمين، فلم كان آدم ظلوما؟ وبالمنطق نفسه هل كانت زوج آدم (نحن نسأل) ظلومة كما كان آدم ظلوما؟
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
رأينا المفترى: بالرغم أن آدم وزوجه كانا الاثنان من الظالمين إلا أن آدم (الإنسان) فقط هو من كان ظلوما.
فالإنسان (البالغ من الرجال) هو فقط من كان ظلوما، أما المرأة (البالغة من النساء) فليست كذلك وإن كانت ظالمة.
نتيجة مفتراة 1: كان آدم ظلوما
نتيجة 2: لم تكون زوج آدم ظلومة
السؤال: لماذا قد تكون المرأة ظالمة ولكن لا يمكن أن تكون ظلومة؟ ولماذا يمكن أن يكون الإنسان (الرجل البالغ - آدم) ظالما وظلوما في آن واحد؟
رأينا: لأن من كان ظالما فهو يظلم نفسه فقط بينما من كان ظلوما فإنه يظلم نفسه ويوقع الظلم على غيره في الوقت ذاته. فظلمه يتعدى ظلم النفس إلى ظلم الآخرين.
ولهذا، نحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأنه في حين أن الظلم الذي وقعت فيه زوج آدم لم يتجاوز حدود ظلمها لنفسها كان ظلم آدم قد تعدى نفسه ليطال غيره.
السؤال: من الذي طالهم ظلمُ آدم؟
رأينا: إن أول من وقع ضحية ظلم آدم هي زوجه.
الدليل
لعل القارئ (حتى غير المتدبر للقرآن) قد لا يجد صعوبة كبيرة في الفهم بأن الأمر الإلهي الخاص بالمنع من القرب من الشجرة قد صدر للاثنين (آدم وزوجه) في آن واحد، وانظر - إن شئت- صيغة التثنية في فعل النهي (وَلاَ تَقْرَبَا)
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)
ولكن الملفت للانتباه لمن أراد أن يتدبر كتاب الله هو أنه في حين أن آدم وزوجه قد قربا كليهما من الشجرة إلا أن السياقات القرآنية الباقية جميعها قد ألقت باللائمة كلها على آدم. انظر السياقات القرآنية التالية:
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117)
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ(121) 
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ   (122) 
لنخلص إلى النتائج التالية التي نظن أنها مثيرة جدا لما سيترتب عليها من تبعات لاحقا:
-          وقع فعل المعصية من قبل آدم فقط    (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ)
-          وجاء آدم فقط بفعل الغواية             (فَغَوَىٰ)
-          وحصل الشقاء نتيجة ذلك لآدم فقط   (فَتَشْقَىٰ)
-          وجاء الاجتباء الإلهي بعد ذلك لآدم فقط      (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ)
-          وكذلك كانت التوبة الإلهية خاصة بآدم فقط   (فَتَابَ عَلَيْهِ)
-          و كذلك كان الهدى خاصا بآدم فقط         ( وَهَدَىٰ)
السؤال: أين زوج آدم من كل ذلك؟ ألم تعصي زوج آدم ربها كما فعل زوجها؟ ألم تغوى هي الأخرى؟ ألم تشقى نتيجة ذلك مثل زوجها؟
وفي المقابل نحن نسأل أيضا: ألم يجتبيها ربها كما فعل مع زوجها؟ ألم يتب عليها كما تاب على زوجها؟ ألم تهتدي كما حصل لآدم؟
ليكون السؤال المربك لنا هو: إذا كانت زوج ادم قد اشتركت مع زوجها في القرب من الشجرة، وإذا كانت قد صاحبته في الهبوط من الجنة، فلماذا لم تشترك إذن معه في المعصية أو الغواية أو الشقاء ومن ثم في الاجتباء أو التوبة أو الهدى؟
رأينا: لأنها كانت ظالمة لنفسها ولم تكن ظالمة لغيرها. فهي كانت ظالمة لكنها لم تكن ظلومة.
السؤال: وكيف ذلك؟ وماذا يمكن أن نفهم من ذلك؟
رأينا: نحن نظن (مفترين القول من عند أنفسنا) بأن زوج آدم لم تفعل ما فعلت من تلقاء نفسها، ولكنها أجبرت على ذلك إجبارا نزولا عند رغبة زوجها فيها. وبناء على ذلك نحن نتجرأ على افتراء الظن بأنها لم تعصي ربها حتى تحتاج إلى توبته أو إلى اجتباءه وهدايته بعد ذلك.
السؤال: لماذا أجبرت على ذلك؟ ولماذا نزلت عند رغبة زوجها إذا لم تكن هي راغبة بالقرب من الشجرة؟
للإجابة على مثل هذا التساؤل وجدنا أن علينا أن نطرح التساؤلات نفسها بطريقة معاكسة على النحو التالي:
-          إذا كان آدم يريد النزول عند رغبة الشيطان، فلم لم يأكل من الشجرة لوحده أولا؟
-          لم يجبر آدم زوجته على أن تذوق الشجرة ومن ثم تأكل منها معه؟
-          لِم لَم يجرّب آدم الأكل من الشجرة لوحده في البداية قبل أن يجبر زوجته على فعل ذلك معه؟
وبكلمات معاكسة نحن نسأل أيضا
-          إذا كان العدو الأول للشيطان هو آدم، وإذا كان الشيطان قد استكبر على آدم، فلم اجتهد الشيطان بالإيقاع بآدم وزوجه معا؟
-          لِم لم يكتف بالإيقاع بآدم؟ ألم يوسوس لآدم وزوجه معا:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)
ثم ألا نجده يوسوس لآدم وحده مرة أخرى؟
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)
رأينا: نحن نظن أن هدف الشيطان هو الإيقاع بآدم لأن الشيطان قد استكبر على آدم فقط، فهو وجد خيريته واضحة على آدم خاصة بمادة الخلق (النار مقابل الطين):
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76)
لنطرح السؤال إذن مرة أخرى: إذا كانت عداوة إبليس منحصرة بآدم، وإذا كان هدف الشيطان هو الإيقاع بآدم، فلم حاول إشراك زوجه بالأمر بالوسوسة تارة، وبمقاسمتهما معا أنه لهما من الناصحين تارة أخرى:
وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
ولماذا دلاهما بغرور معا:
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)
ولماذا بدت لهما سوءاتهما معا عندما دلاهما بغرور؟
السؤال الكبير مرة أخرى: لماذا حث الشيطان زوج آدم على مشاركة زوجها في فعل القرب من الشجرة؟ ولماذا وافق آدم على اشتراك زوجه معه في فعل القرب من الشجرة؟ ولماذا لم يحاول القرب من الشجرة لوحده ولو على سبيل التجربة ليستجلي الأمر قبل الوقوع فيه سوية؟ أليس من الطبيعي أن يحاول الرجل أن يبقي أهله بعيدين عن مصدر الخطر إن هو وجده ربما كما فعل موسى مثلا عندما آنس من جانب الطور نارا؟ ألم يطلب موسى من أهله أن يمكثوا بعيدا ليستطلع الأمر بنفسه ثم ليعود إليهم بالخبر من هناك لوحده؟
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7)
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)
السؤال: لِم لم يكن تصرف آدم مشابها لما فعل موسى مثلا؟ لِم لم يذهب ليستطلع أمر القرب من الشجرة بنفسه ويعود إلى أهله بالخبر اليقين من هناك؟ فلم اصطحب آدم زوجه معه ليقربا الشجرة معا؟
جواب مفترى خطير جدا جدا لا نطلب من القارئ الكريم أن يصدقه لأننا لا زلنا في طور التفكير بصوت مرتفع فقط: نحن نظن (1) أن السبب في النهي الإلهي لآدم وزوجه معا من القرب من الشجرة وأن (2) السبب الحقيقي (كما نفهمه) من إشراك آدم زوجه معه في فعل القرب من الشجرة وأن (3) السبب من حث الشيطان لهما معا بالوسوسة (بعد أن وسوس لآدم لوحده) هو أن آدم لا يستطيع فعل القرب من الشجرة بمفرده، فلكي يستطيع آدم أن يقرب الشجرة فلابد (نحن نفتري القول) أن تشاركه زوجه في ذلك، وذلك لأن فعل قرب الشجرة هو فعل يستوجب الثنائية (أي وجود الزوجين معا).
تخيلات: نحن نظن بأنه لو كان آدم يستطيع قرب الشجرة بمفرده لصدر الأمر الإلهي بالنهي عن قربها لآدم فقط. ولو أن آدم كان يستطيع قرب الشجرة لوحده لما دعت الحاجة إبليس أن يوسوس لهما ولاكتفى بالوسوسة لآدم فقط، ولو أن آدم كان يستطيع قرب الشجرة بمفردة لذهب يستطلع الخبر بمفردة ثم عاد إلى أهله بالخبر اليقين من هناك (كما فعل موسى مثلا). لكن لما كان فعل قرب الشجرة يتطلب بالضرورة تواجد آدم وزوجه معا، كان لابد من اشتراك زوج آدم معه في الفعل.
السؤال: لماذا؟
جواب: لأن فعل قرب الشجرة يحمل في ثناياه (نحن نفتري القول افتراءا) المعاشرة الجنسية بين الأزواج بدليل أنه ما أن ذاقا الشجرة معا حتى أكلا منها معا وحتى بدت لهما سوءاتهما معا:
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)[2]
الدليل: وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ
باب قرب النساء
نحن نظن أن مفردة القرب تحمل في ثناياها قرب النساء كما جاء في الآية الكريمة التالية:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
فمباشرة النساء في المساجد هي من حدود الله التي لا يجب أن نقربها:
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
نتيجة: لقد كانت الجنّة (نحن نتخيل) كما المسجد في رمضان، فكان الأكل منها مباحا حيث شاءا (آدم وزوجه) ولكنهما كانا منهييّن عن فعل واحد فيها وهو القرب.
السؤال: ما معنى القرب؟
رأينا المفترى: نحن نظن أن القرب يحمل في ثناياه الدخول، أي دخول شيء في شيء. فأنت مأمور أن لا تدخل في الصلاة وأنت في حالة السكر.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)
وأنت مأمور بأن لا تقرب الفواحش، إي ارتكابها (دخولك أو وقوعك في الفعل كالزنا):
قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32)
ونحن نفتري الظن من عند أنفسنا بأن القرب هي لا يعني المجاورة فقط (لأن ذلك يصبح اقترابا وليس قربا). فقربك من ما اليتيم هو أكلك منه وليس فقط مجاورتك إياه:
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (34)
ليكون الاقتراب (نحن نظن) هو المجاورة سواء كانت مكانية أو زمنية:
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (1)
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1)
فالإنسان عندما يسجد لربه فهو يحاول أن يقترب منه:
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
ولكن قرب المشركين من المسجد الحرام – بالمقابل- ليس اقترابا وذلك لأن النهي لهم هو عن دخولهم فيه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)
نتيجة: نحن نفتري القول بأن القرب يحمل في ثناياه الدخول في الشيء كالقرب من الشجرة وكالقرب من النساء وكالقرب من الزنا، وكقرب المشركين من المسجد الحرام، الخ. ولكن الاقتراب – بالمقابل- هو المجاورة المكانية أو الزمنية كاقتراب الساعة واقتراب موعد الحساب وكالاقتراب من الإله نفسه.
نتيجة مفتراة: لذا نحن نفتري القول أن النهي الإلهي لآدم وزوج قد جاء عن قرب الشجرة، أي دخول شيء منها فيهما وليس فقط مجاورة الشجرة.
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)
تخيلات: جاء النهي الإلهي لآدم وزوجه عن قرب الشجرة، وليس الاقتراب من الشجرة، فقد كان آدم وزوجه يستطيعان الاقتراب من الشجرة دون أن يحصل لهما مكروها، ولكن ما أن قربا الشجرة (أي دخل فيهما شيء منها) حتى حصل لهما المكروه الذي حذرهما ربهما منه.
السؤال: كيف حصل فعل القرب من الشجرة؟
رأينا المفترى: يأتي الأمر الإلهي لآدم وزوجه بسكن الجنة:
وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ...
ويبيح لهما الأكل من الشجرة حيث شاءا:
... وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا...
وفي الوقت ذاته يصدر إليهما نهي إلهي بقرب شجرة محددة:
          ... وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)
فيعمل الشيطان كل ما في وسعه للإيقاع بآدم وزوجه في الشرك، فيحاول أن يثير عندهما الفضول لمعرفة السبب الذي من أجله نهاهما ربهما عن القرب من الشجرة، فيتركهما في حيرة عندما صاغ لهما المعضلة على شكل خيار:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)
فكان ذلك دافعا كافيا لإثارة فضولهما لاستكشاف الأمر بنفسيهما، ولكن لكي يقوما بذلك كان لا بد من أن يشتركا معا في فعل قرب الشجرة، فآدم لا يستطيع فعل ذلك بمفردة، وكذلك زوجه لا تستطيع فعل ذلك لوحدها، ولو كان آدم يستطيع ذلك بمفرده لربما جاء النهي الإلهي بذلك خاصا به كأن يكون الأمر على النحو التالي:
          ولا تقرب هذه الشجرة فتكون من الظالمين
وذلك لأن تتمة السياقات القرآنية الأخرى التي جاءت في هذا السياق كانت خاصة بآدم فقط:
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)
كما أنه لو كان آدم يستطيع فعل ذلك لوحده لاكتفى الشيطان بالوسوسة لآدم فقط كما فعل في بادئ الأمر:
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)
ولما كان بحاجة أن يوسوس لهما معا مرة أخرى:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
ولو كان آدم يستطيع فعل ذلك بمفرده لربما ترك أهله بعيدا، ولربما ذهب يستطلع الأمر بمفرده ليعود من هناك بالخبر اليقين قبل أن يقحم زوجه فيه.
ولكن لما كان فعل القرب من الشجرة هو فعل تشاركي (أي ثنائي) كان لابد (نحن نفتري الظن) من أن يصطحب آدم زوجه في تلك الرحلة إلى الشجرة، ليذوقاها معا. وما أن ذاقا الشجرة حتى وجدا اللذة في ذلك
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22)
بدليل أنهما لم يتوقفا عند حد "التذوق" بل تابعا القرب فأكلا منها:
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)
وهنا حصل فعل قرب الشجرة، وهو عبارة عن تذوق ومن ثم أكل وبالتالي دخول شيء من الشجرة فيهما. وما أن حصل ذلك حتى كانت النتيجة أن بدت لهما سوءاتهما:
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)
وهناك طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة.
السؤال: ما الذي حدث إذن؟
رأينا: عندما وسوس الشيطان لآدم، وجد آدم في نفسه الرغبة الجامحة في ذلك:
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120)
عندها حاول آدم (نحن نتخيل) أن يطلب ذلك من زوجته مباشرة مادام أن فعل القرب يتطلب وجود الشريك، فأظهرت زوج آدم (نحن لا زلنا نتخيل) الممانعة والمعارضة الشديدة لذلك. ولما علم الشيطان أن زوج آدم لا ترغب في ذلك، ما كان منه إلا أن عاد الكرة بالوسوسة لهما معا هذه المرة، ومقاسمهما أنه لهما من الناصحين:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)
ولما كان حصول فعل القرب يتطلب الثنائية (أي وجود الشريك)، وجدت زوج آدم نفسها في موضع تأثير خارجي غير منقطع من الشيطان (بالوسوسة) ومن زوجها (بالمحاورة). وكان الهدف من ذلك كله هو أن تنزل عند رغبتهما بقرب الشجرة، حاولت زوج آدم جاهدة (نحن لازلنا نتخيل) أن تمنع آدم عن الوقوع في المعصية، إلا أن إصرار آدم على المحاولة هو الذي جعله يقع في المعصية، وهنا عصى آدم ربه وإن لم تعصي زوجه ربها، وهنا حصلت غواية آدم وحده، ومن ثم شقاءه بنفسه:
فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117)
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ(121) 
وهنا جاءت حاجة آدم لوحده أن يجتبيه وأن يتوب عليه وأن يهديه:
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ   (122) 
النتيجة: ما أن وقعا الاثنان (آدم وزوجه) في الإثم حتى عادا فورا بالاعتراف معا بالذنب الذي ارتكباها معا، فكان الاثنين ظالمين لأنفسهما:
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
ولكن آدم لم يكن فقط ظالم لنفسه ولكنه كان ظالما نفسه ولغيره فكان ظلوما:
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
فهو الذي جحد نعمة الله عليه التي لم تكن تحصى وآثر النزول عند رغبة الشيطان:
وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
وبمثل هذا المنطق المفترى من عند أنفسنا يمكن لنا أن نفهم لِم كانت المعصية والشقاء ومن ثم الاجتباء و التوبة و الهدى من نصيب ادم فقط و لم تكن من نصيب زوجه معه بالرغم أنها قد اشتركت معه في فعل قرب الشجرة؟
نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: نظن بأن زوج ادم قد مانعت قرب الشجرة تنفيذا لأمر الإله ، فهي لم ترضخ لوسوسة الشيطان بسهولة
تخيلات: عندما وجدت زوج آدم نفسها في موضع تخيير بين أن تلبي رغبة زوجها (والشيطان) بالقرب من الشجرة، فعلت ذلك ليس رغبة في القرب من الشجرة ذاتها ولكن تلبية لرغبة زوجها فيها. فنزلت عند ذلك مترددة، مدفوعة بالرغبة الجامحة التي تجدها في عيون زوجها. فكان قربها الشجرة تلبية لنداء الرغبة القوية من زوجها، وليس لحاجة ملحة عندها: إنها (نحن نظن) شهوة الرجل في زوجه. ولازلنا حتى يومنا هذا نشهد هذا الموقف نفسه، فالمرأة ليست مجبولة على حب المعاشرة (أو لنقل بكلمات بايخة الجنس) رغبة فيه، ولكن الذي يدفعها في ذلك هو حبها في تلبية رغبة زوجها. فأنا أعتقد (ربما مخطئا) بأن المرأة لا تتمتّع أصلا بالجنس لأنها لو كانت تتمتع في ذلك لركضت هي وراءه باحثة عنه كما يفعل الرجل مثلا. ولكن متعة المرأة الحقيقية في المعاشرة تكمن في قدرتها على تلبية حاجة شريكها. فكلما وجدت المرأة رغبة الرجل فيها جامحة كلما زاد ذلك من رغبتها في إمتاعه. ولكن بالمقالب كلما خفت رغبت شريكها فيها كلما خبت رغبتها في ذلك. فالمرأة تجد الرغبة في عيون زوجها فيها، فكلما شعرت أن رغبت زوجها فيها قد زادت كلما وجدت نفسها مضطرة أكثر (وراغبة أكثر) في تلبيتها، وهكذا.
لذا عندما تجاوزت الرغبة في المعاشرة الجنسية عند آدم حدودها القصوى، لم تجد زوج آدم بدّا من الرضوخ لطلبه إياها، فنزلت عند رغبته فيها تلبية لحاجته وليس حبا في المعاشرة الجنسية نفسها.
ولازلنا نشهد ذلك حتى في سلوك الدواب، فأنت تجد الذكر من الدواب يلهث وراء الأنثى التي تحاول جهدها أن تهرب منه، ولكن ما أن تجد الأنثى أن رغبة الذكر فيها قوية جدا حتى تجد نفسها مضطرة أن تلبيها له.
ونحن نتخيل بأنه لو كانت رغبة الأنثى الجنسية جامحة من تلقاء نفسها كما هي عند الرجل لأصبحت الحياة مرتعا خالصا للجنس في كل مكان. ولكن لما كانت المرأة تستطيع أن تسيطر على رغبتها الجنسية (ربما لانعدامها من تلقاء نفسها) أصبحنا نرى هذا التنظيم "الجنسي" الهائل في الكون. فلو نظرت النساء للحياة الجنسية نظرة الرجل لها لأصبح الجنس هو الشغل الشاغل على الدوام، ولو نظر الرجال للحياة الجنسية نظرة المرأة لها لأصبحت الحياة ليست أكثر من غراميات كلامية وردية لا قوة فيها. ولكن لما كان الرجل قطبا موجبا استطاع أن يجذب الأنثى السالبة له انجذاب قطبي المغناطيس لبعضهما البعض. فالرجل يحتاج أن يفرغ شحنته الموجبة في المرأة السالبة التي تستطيع هي فقط أن تحتويه بعد أن تنجذب للقوة الكامنة فيه. وهكذا – نحن نتخيل- كانت حال زوج آدم عندما نزلت عند رغبة زوجها فيها، فقربا الشجرة معا ليتم تفريغ الطاقة الجنسية  الجامحة عند آدم في زوجه. فكانا معا ظالمين لأنفسهما، ولكن آدم فقط هو من كان ظلوما[3].
والله أعلم.
إن هذا الطرح يدعونا إلى طرح التساؤلات المثيرة على الفور:
-         ما علاقة الشجرة بذلك؟
-         لماذا كان بحاجة أن يقربا الشجرة ليتم ذلك؟
-         وما هي الشجرة التي قرباها معا إذن؟
-         وكيف فعلت تلك الشجرة فعلتهما فيهما؟
-         ولماذا كانت النتيجة على ذلك النحو بنزع اللباس؟
-         ولماذا حصل الهبوط من الجنة بعد تلك الفعلة؟
-         الخ.
فالله نسأل أن يأذن لنا الإحاطة بشيء من علمه لا ينبغي لغيرنا – آمين
المدّكرون: رشيد سليم الجراح                  محمد عبد العزيز السيسي           علي محمود سالم الشرمان
بقلم د. رشيد الجراح        &        م. محمد السيسي
8 تموز 2014



[1] جاءنا التعليق التالي من الأخ محمد السيسي بعد مراجعته لما جاء في هذه المقالة:
"لا نعتقد بأن زوجة ادم كانت من الظالمين بالرغم من قربها من الشجرة  و حتى بعدما صار ادم ظلوما
نظن بأنه بالرغم من تحذير الإله لهما حتى لا يكونا من الظالمين ، إلا أن فعل الظلم يلزمه الإرادة الحرة ( و هذا لم يكن متوافرا لزوجة ادم  ) ، و أيضا يلزم بعد فعل الظلم أن يقوم الظالم بفعل التوبة ، و بالرغم من صدور هذه العلامة من ادم و زوجه
قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ   الأعراف (23) 
إلا أن النص القرآني قد خلا تماما من أية إشارة بخصوص توبة زوجة ادم ، و أن كان تكلم عن توبة آدم
فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ   البقرة (37)  
ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ   طه (122)
و لو تساءل صاحبنا : إذا كانت زوجة ادم لم تقع بفعل الظلم كما تظن ، فلماذا قالا (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ) هما الاثنين ؟
نظن بأن ادم كان يتوسل إلى الله ببراءة زوجه من الظلم ، بمعنى ان آدم هو من اجبر زوجه على الأكل من الشجرة و هو أيضا من اجبرها على التضرع إلى الله معه لكي يتوب عليه هو فقط نظرا لأنه يعلم انه هو الظالم و هي البريئة ،  أي ان آدم قام بفعل يشابه فعل المباهلة ، و دليلنا على ذلك هو خلو النص القرآني تماما من اية اشارة بالتوبة أو المغفرة على زوجة آدم مع ان النص قال بأنها من الظالمين و قد تكون من الخاسرين ، فأين زوجة آدم ؟ لا ندري
و أن المنع من الاقتراب من الشجرة صدر بصيغة المثنى ( لا تقربا ) لأنه لا يمكن ان يصدر بصيغة المفرد ( يا ادم لا تقرب أنت و زوجك الشجر مثلا ) مثلما حدث في أمر السكن ، لان القرب من الشجرة لا يمكن أن يكون منفردا بل ثنائيا
و ايضا نظن بأن امر المنع صدر للاثنين ، زيادة في تحصين ادم صاحب القيادة من الوقوع في ما نهي عنه ، حيث لو ان ادم اراد ان يقرب من الشجرة فيمكن ان يمنعه زوجه من ذلك بفرض ان القرب لابد ان يكون مشتركا لا محالة
و ايضا بعد ان قام آدم و زوجه بالتضرع إلى الله ، لم نجد ان الله استجاب لهما
قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)  الأعراف"
انتهى
[2] تعليق من الأخ محمد السيسي : سبب آخر لوجوب الأكل الثنائي من الشجرة و هو أن إبليس لم يتوعد آدم أو زوج آدم ، بل توعد ذرية آدم
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا   الإسراء (62)
فإذا كان إبليس توعد ذرية آدم فهل سيقوم بغواية آدم لوحده و هو يعرف أن الذرية لابد لها من الأزواج ؟
و أيضا لا ننسى ، من أين خلقت زوج آدم ؟ ، أليس من نفسه مباشرة ، ألا يوحي هذا الأمر بأن هناك توأمة بين الاثنين من ناحية ما ، ألا يوحي الأمر بأن هناك سيطرة و تحكم من نفس آدم على نفس زوجه ؟ انتهى  
[3] لابد أن نشير أن صاحبنا الأخ محمد السيسي قد أبداء تحفظه على ما جاء في هذه الفقرة التي افترينا فيها هذه العلاقة الجنسية بين آدم وزوجه بهذه الطريقة التي ربما قد خرجت عن نطاق الأدب الاجتماعي.