لماذا قدّم نبي الله لوط بناته بدلاً من ضيوفه 8؟







انتهى نقاشنا السابق عند محطة حديث الإفك،

وحاولنا تبيان كيف يمكن أن تكون تلك الحادثة خيراً للمسلمين وليس شراً لهم وذلك بوضع تلك الحادثة في إطار الحديث عن خيانة نساء الأنبياء، وظننا أن نزول آيات قرآنية تثبت طهارة أهل بيت النبي وتدفع الأذى والشبهة عنهم شكلت حجة لا يمكن المجادلة فيها في كل زمن وحين، لتكف ألسنة الناس على مر الزمان عن إيقاع الأذى ببيت النبي، وعند ربط آيات الكتاب الحكيم بعضها مع بعض وجدنا أن جلب آية نهي المؤمنين كافة عن نكاح زوجات النبي من بعده مع آية تطهير بيت النبي أمر لا مفر منه.


فنحن نزعم القول أنه عندما تم تطهير بيت النبي بقرآن كريم، أصبحت نساء النبي أزواجه فعلاً (وليس فقط نساءه كما كان حال نساء أنبياء آخرين)، وظننا أن كتاب الله قد فصّل نساء الأنبياء في أربع فئات رئيسة:


1. نساء أنبياء كنّ نساءهم فقط ولم يكنّ أزواجا لهم، لأنهن وقعن بالخيانة (وجاء ذكرهنّ بالقرآن بصيغة "امرأة" وليس "زوج")، وتحدث القرآن بصريح اللفظ عن خيانتهن كامرأة نوح وامرأة لوط


2. نساء أنبياء كنّ نساءهم فقط ولم يكنّ أزواجا لهم ولكنهنّ لم يقعن بالخيانة (وتمت مخاطبتهن بصيغة امرأة وليس "زوج") كنساء إبراهيم


3. نساء أنبياء لم يكنّ في البداية أزواجا لهم (فتمت مخاطبتهن بصيغة امرأة) ثم انقلبت حالهن، فأصبحن أزواجا للنبي بعد أن أصلحهن الله (فتمت مخاطبتهن مرة أخرى بصيغة زوج) كزوجة زكريا


4. نساء أنبياء هن أزواج لهم (فتمت مخاطبتهن بصيغة "زوج" ولم يرد ذكرهن بصيغة "امرأة") كنساء النبي محمد









الدليل على هذا التفصيل


لقد تحدثنا في مقالات سابقة عن الفرق بين أن تبقى الأنثى امرأة للرجل أو أن تصبح زوجا له (انظر مثلاً مقالتنا تحت عنوان ماذا ستفعل النساء في الجنة؟)، فلا نجد أن القرآن الكريم قد تحدث عن امرأة نوح وامرأة لوط بصيغة "الزوج" إطلاقاً، وصرّح القرآن بالخيانة التي وقعن بها:


ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)التحريم 

وقد دفعتنا هذه المشاهدة من القرآن الكريم إلى الظن بأن نساء هذين النبيين الكريمين لم يكونا يوماً أزواجا لهم، فامرأة نوح هي امرأته وليست زوجته، والمنطق نفسه ينطبق على امرأة لوط، ولكن أكثر ما كان يميزهما دون نساء الأنبياء كافة هي الخيانة التي وقعن بها.


ولكن لم تكن كل نساء الأنبياء – بكل تأكيد- على تلك الشاكلة، فكان هناك نوع آخر من نساء الأنبياء، فبالرغم أن إبراهيم مثلاً كان متزوجاً بهاجر وسارة، لكننا لم نجد في القرآن الكريم أن أولئك النسوة قد حظين بشرف أن يكن أزواجا لنبي الله ورسوله إبراهيم، فلا يوجد في القرآن الكريم وصفاً لنساء إبراهيم غير أن كل واحدة منهن كانت "امرأة" إبراهيم فقط وليس زوجة إبراهيم:


وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ 71هود 


فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ 29الذاريات 


(للتفصيل حول الفرق بين المرأة التي كانت قائمة والمرأة التي كانت مقبلة انظر الأجزاء السابقة من هذه المقالة)


وكان هناك نوع ثالث من نساء الأنبياء، فلم تكن امرأة زكريا في البداية أكثر من "امرأة" له، واستمر الحال بها على تلك الشاكلة حتى رفع زكريا يديه إلى السماء طالباً الذرية ومشتكياً من سوء خلق امرأته تلك، فنادى ربه قائلاً:


قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) مريم


فجاء الرد إيجابياً من الله على الفور:


يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)مريم 


ولكن بقيت مشكلة زكريا في عقور (أي نشوز) زوجته:


قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)مريم 


فكان الكرم الإلهي على زكريا يزيد عن ما كان يتوقع الرجل، فكان صلاح تلك المرأة مصاحباً لحملها بيحيى، لتصبح منذئذ زوجاً له (وليس فقط امرأته):


فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)الأنبياء 


(للتفصيل حول الفرق بين المرأة العاقر كامرأة زكريا والمرأة العقيم كامرأة إبراهيم انظر الأجزاء السابقة من هذه المقالة)


وهناك النوع الرابع من نساء الأنبياء وهن اللواتي تمت مخاطبتهن بصيغة "زوج" (وليس بصيغة امرأة)، فنساء النبي محمد كن خير مثال على هذه الفئة:


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)الأحزاب 


فلا نجد في كتاب الله خطابا إلهياً يخص نساء النبي قد جاء بصيغة "امرأة".


ولكننا نتوقف هنا لنطرح التساؤل التالي: لماذا نُهي المؤمنون عن نكاح أزواج النبي محمد من بعده؟ ولماذا لم يصدر نهي مثله بحق نساء نبي الله إبراهيم مثلاً؟


إننا نظن أن الجواب ربما يكمن في قوله تعالى:


وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ 72النحل 


وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الروم 21


رأينا: نظن أن نساء النبي أصبحن بعد حادثة الإفك أزواجه (أي من نفسه)، لذا جاء الأمر الإلهي بتحريم نكاح أزواج النبي من بعده، ولكن – بالمقابل- لمّا لم تكن نساء إبراهيم مثلاً أزواجاً له (فقد كن فقط نساءه)، لم يصدر بحقهن مثل هذا النهي. ولنحاول تفصيل هذه القضية في السطور التالية:


أما بعد،


لنبدأ النقاش بالتساؤل التالي: كيف كان الأمر قبل حادثة الإفك؟


لا شك أن الله لم ينه الزوجات بشكل عام عن الزواج بعد موت أزواجهن:


وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 234البقرة 


وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۚ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 240البقرة 


وذلك لأن تلك الزوجة – في رأينا- لا تعلم (وكذلك لا يعلم زوجها) إن كانت فعلاً من نفسه (أي زوجه) أم ليست من نفسه (أي امرأته فقط)، فهي تصبح من نفسه متى لم تتزوج بغيره، فإن هي تزوجت غيره لا شك تصبح امرأته (من نسائه)، لكنها – بكل تأكيد- ليست زوجه[1]. لهذا لم تكن نساء النبي قبل حادثة الإفك أزواجا للنبي (وإنما نساءه فقط)، وذلك بدليل ما جاء في قوله تعالى بحقهن جميعاً:


عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا


وجاء التخيير لهن بالبقاء أو الترك:


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28)الأحزاب 


وقد تمت مخاطبتهن قبل هذه الحادثة بالكلام الذي لا يخلو من نبرة التهديد، وجاء ذلك بصيغة يا نساء النبي:


يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا 30الأحزاب 


يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا - الآية 32الأحزاب 


ولم يستبعد القرآن الكريم احتمالية أن يكون في قلوب نساء النبي "شيء من الريبة" قبل هذه الحادثة:


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا الأحزاب 53


إن أبسط ما يمكن أن نخرج به من استنباطات حول قول الحق " ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" هو احتمالية أن يقع في قلب نساء النبي "شي من عدم الطهارة" نتيجة اطلاع المؤمنين عليهن واطلاعهن عليهم، فنساء النبي هنّ في نهاية المطاف بشر ربما يقع في قلوبهن ما يمكن أن يقع في قلوب البشر العاديين، فنحن لا نرى أن قلوب نساء النبي في هذه اللحظة يمكن أن تكون أكثر طهراً من قلب يوسف عليه السلام مثلاً، فحتى نبي الله يوسف وقع في قلبه "شيء من عدم الطهارة" عندما همّ بامرأة العزيز بعد أن همت هي به:


وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ 24يوسف 


فغالباً ما ذهب أهل العلم إلى أن يوسف لم يقع في قلبه شيء من الريبة (أو عدم الطهارة)، لأنهم أرادوا بذلك تبرئة يوسف من مثل هذا العمل، ظانين أنهم ربما يخدمون الدين عندما لا يلقون بشيء من التهمة على نبي كريم مثل يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم جميعاً أفضل السلام.


لكننا نرى – ربما مخطئين- أن النص القرآني واضح، فلقد فعل يوسف مثل ما فعلت المرأة التي هو في بيتها، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا، ولو كان ما فعله يوسف يختلف عن ما فعلت هي لما جاء اللفظ القرآني متطابقاً، فلا يجوز أن نفسر النص نفسه بطريقتين مختلفتين، وكأننا نحاول أن نتعذّر عن الإلهة فيما يقول، فالله - لا شك عندنا- يقصد ما يقول ويقول ما يقصد، لا أكثر.


والأهم من ذلك هو أن النص القرآني يبين أنه لم يمنع يوسف عن الوقوع في الفاحشة سوى أنه رأى برهان ربه، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ، فلو لم ير يوسف برهان ربه لربما وقع في المحظور، ولكن كيف رأى يوسف برهان ربه؟


افتراء من عند أنفسنا: إننا نظن أن برهان ربه الذين راءه يوسف هو ذلك القميص الذي قدّته المرأة يوم أن ولى مدبراً، ولكن كيف؟


تخيلات تحتاج إلى دليل: نحن نتصور ما حدث على النحو التالي: يوسف يهمّ بالمرأة بعد أن تهم هي به، فيبدأ بخلع ملابسه الواحد تلو الآخر (ولا شك أنها قد سبقته في ذلك فهي من همت به أولاً)، وما أن يصل إلى ذلك القميص بالتحديد الذي كان يلبس (وهو برهان ربه) حتى يتذكر أنه القميص الذي ورثه عن أبيه يعقوب وجده إسحق وجدهم إبراهيم[2]: إنه القميص الذي خرج به إبراهيم من نار قومه العظيمة يوم أن أمر الله تلك النار بقوله لتكون برداً وسلاماً على إبراهيم (وسنتعرض لقصة قميص يوسف في مقالة منفصلة بحول الله وتوفيقه).


إنّ ما يهمنا هنا هو القول أن البشر (حتى لو كانوا أنبياء) لا يمكن أن تكون قلوبهم طاهرة تماماً في كل وقت وحين، وبالمنطق نفسه يمكننا الظن أن نساء النبي لم تكن قلوبهن طاهرة على الدوام، فلقد طلب الله من المسلمين أن لا يؤذوا رسول الله بنسائه، فيسألوهن من وراء حجاب وذلك طهارة ليس فقط لقلب السائل (وهم المؤمنون) ولكن لقلب المسئول أيضاً (وهن نساء النبي). فكان ذلك حال نساء النبي في تلك اللحظة.


وما أن حصلت حادثة الإفك حتى أصبحت تلك الحادثة في نتائجها كحادثة قدّ قميص يوسف في نتائجها، فلقد تطهر قلب يوسف بعد تلك الحادثة تماماً حتى أنه آثر السجن على الوقوع في الفاحشة، وبالمنطق نفسه ربما يمكننا الزعم بأن حادثة الإفك جاءت طهارة لقلوب نساء النبي، فأصبح الوقوع في الفاحشة (أو حتى التفكير بالوقوع بالفاحشة) أبعد ما يكون عن قلوبهن بعد ما رأين بأم أعينهن ما آلت إليه الأمور بسبب تلك الحادثة، عندها جاء الأمر الرباني بأن هؤلاء النساء أصبحن فعلاً أزواج النبي (أي من نفسه)، لذا لا يحق لأي إنسان أن ينكحهن من بعد رسول الله، فأصبح نكاح أزواج النبي في تلك اللحظة فقط أمراً عظيما:


... وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا 53الأحزاب 


في حين أن الله قد هدّدهن بالاستبدال قبل تلك الحادثة:


عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا


نتائج حادثة الإفك


1. كان طلاق نساء النبي قبل حادثة الإفك أمراً ممكنا، لكن النبي لا يستطيع الآن أن يطلق منهن أحدا، فهن أزواجه


2. لا يمكن لأي واحدة منهن أن تفكر بزواج غيره بعد الآن، فلقد اخترن أن يكن أزواجه


3. لا يحل لأي إنسان أن ينكح أزواج النبي من بعده


نتيجة: كان طلاق نساء النبي قبل حادثة الإفك أمراً ممكنا، وكان نكاح المؤمنين لنساء النبي (إن هو طلقهن) أمراً لم يصدر بحقه نهي، ولكن بعد حادثة الإفك انقلب الأمر برمته، فأصبح طلاقهن غير ممكن، ونكاحهن من قبل المؤمنين بعد وفاة رسول الله أمراً منهي عنه بنص قرآني (إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا)، ولكن لماذا؟


إننا نظن أن الجواب يكمن في التطهير الرباني:


وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)الأحزاب 


ولكن كيف؟


لا شك لدينا أن الطهارة في القرآن الكريم صدرت بحق طهارة القلب:


... أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ...


... ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ...


وصدرت كذلك بحق طهارة الفرج:


... وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ...


... وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا...


ونحن نظن أنّ العلاقة بين طهارة القلب وطهارة الفرج هي علاقة مباشرة، فلا يمكن أن يطهر الفرج ما لم يطهر القلب أولاً، فالفتنة (الناتجة عن الزنا) تقع أولاً في القلب قبل أن تنفذها الجوارح، فلقد طلب الله من المؤمنين أن يسألوا نساء النبي ما يريدون من حاجة من وراء حجاب وذلك طهارة لقلوبهم وقلوبهن:


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)الأحزاب 


لكي لا تحصل الفتنة الحقيقية التي ينفذها الجوارح إن كان القلب غير طاهراً أساساً، فهناك أناس لم يرد الله لهم طهارة القلب:


يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)


فما دام أن الله قد أراد لهم الفتنة، فإن مسألة طهارة القلب تصبح مستعصية بالنسبة لهم (وهذا ما سنرى أنه النقيض بالنسبة لبيت النبي)، فالله لم يرد لبيت النبي الفتنة، وبالتالي فقد أراد الله لنساء النبي طهارة القلب.


لكن حديثنا هنا يتمحور حول طهارة الفرج بالنسبة للنساء، فكيف تكون تلك الطهارة؟


افتراء من عند أنفسنا: إننا نرى أن طهارة الفرج تتلخص في حالتين: المحيض والجماع


فطهارة الفرج قد تكون بالتخلص من الأذى المتمثل في المحيض والنفاس:


وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)


فمتى خلصت المرأة من ذلك الأذى، أصبحت طاهرة (وليس مطهرة)[3] يمكن لزوجها أن يجامعها في الفراش، ولكن الله أمر باعتزال النساء ما دمن غير طاهرات


ولا شك – عندنا- أن الله أمرنا أيضاً بالطهارة من الجنابة (بعد الجماع)[4]:


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة (6)


نتيجة: ما يحدثه الجماع يحدثه المحيض ليتطلب الأمر الطهارة في كلا الحالتين


ولا شك أن الطهارة أمر خاص بالنساء، لذا فقد أغضب أهل المدينة (قوم لوط) أن يكون لوط ومن معه من المتطهرين (أي الذين لا يجامعون إلا النساء):


وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)الأعراف 


فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)النمل 


فجماع النساء فيه الطهارة، فجاءت دعوة لوط للقوم على نحو:


وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78)هود 


نتيجة: يحدث المحيض وجماع الرجال النساء أذى يمكن التخلص منه بالاغتسال (لكن جماع غير النساء يحدث نفس الأذى الذي لا يمكن التخلص منه حتى لو حصل الاغتسال).


لكن المدقق في السياقات السابقة جميعاً يجد أن فعل طهارة الفرج (من المحيض والجنابة) يقوم به الناس بأنفسهم، فالحائض أو النفساء هي من تقوم بالتطهير من ذلك الأذى ويكون ذلك بشكل طبيعي، وكذلك يفعل من يجامع النساء، فهو يقوم هو بعملية التطهر بالاغتسال من الجنابة، وكذلك يفعل الطائفون والعاكفون والركع السجود.


ولكن هناك مفارقة عجيبة تخص قضية طهارة بيت النبي وهي أن تلك الطهارة صادرة من الله نفسه:


وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)


فالإرادة بطهارة بيت النبي صادرة من الذات الإلهية، فالله نفسه هو من أراد الطهارة لبيت النبي وذلك بأن يذهب عنهم الرجس الذي لا شك سيؤدي إلى شفاء القلوب، لأن من كان قلبه مريضاُ فإن كلمات الله ستزيده رجساً إلى رجسهم:


وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)


لذا فإن ما يهمنا هنا هو تفصيل الفرق بين طهارة الفرج التي يقوم بها الإنسان بنفسه والطهارة الصادرة عن الذات الإلهية. فنحن لم نجد في النص القرآني أنّ الطهارة (طهارة الفرج) قد صدرت مباشرة من الذات الإلهية إلا بحق مريم أخت هارون:


وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) آل عمران


وصدرت كذلك بحق ابنها المسيح عيسى بن مريم:


إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ  (55)آل عمران


نتيجة: هنا يمكننا الاستنباط أن طهارة الفرج إذا صدرت من الذات الإلهية بحق خلق بعينهم، فإنها تستوجب عدم الزواج ، أي كل ما يمكن أن ينقض تلك الطهارة كالحيض (الذي يستوجب الطهارة منه عند النساء) والجماع (الذي يستوجب كذلك الطهارة منه عند الرجال)، فلمّا كان الله – نحن نظن- قد طهّر مريم فقد منعها عن الزواج (فلا حيض ولا نكاح)، وعندما طهّر عيسى بن مريم لم يكن لعيسى أن يتزوج (فلا ينكح النساء)، وبالمنطق نفسه يمكننا الزعم أنه لمّا أراد الله أن يطهّر بيت النبي فقد صدر الأمر الإلهي بأن لا تنكح نساء النبي أحداً من بعده؟


ولكن لماذا؟


الجواب: إنه ما يمنع المرأة من الجماع وما يمنع الرجل من الزواج، ولكن ما هو؟


في حالة النساء فهو الحيض؟


إن المرأة يمكن أن يكون لديها القابلية للنكاح مادامت تغتسل من الحيض (فمتى اغتسلت المرأة من الحيض أصبحت قابلة للنكاح)[5]، ولكن ماذا لو كانت المرأة لا تحيض أصلاً؟ عندها تكون امرأة طاهرة لا يكون لديها الرغبة بالنكاح.


إننا نظن أن مريم بنت عمران كانت مطهّرة لأنها لم تكن تحيض إطلاقاً، وليس أدل على ذلك من قول الحق لها:


وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)


يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)[6]


فلو دققنا في هذا السياق القرآني جيداً لوجدنا أنه ما أن جاء الأمر الإلهي عن طريق الملائكة بالطهارة لمريم حتى أمرت بالقنوت لربها وبالسجود والركوع مع الراكعين، أليس كذلك؟


السؤال: كيف يمكن لمريم أن تكون على الدوام مع الساجدين والراكعين لو كان يصيبها شيء من الأذى (أي الحيض)؟


رأينا: لقد كانت مريم على الدوام مع الساجدين الراكعين لأنه لم يكن يصيبها الحيض، وذلك لأن الله قد طهرها. فو أصابها الحيض يوماً لما استطاعت أن تكون مع الراكعين الساجدين.


وعند تطبيق ذلك على نساء النبي، فإننا نجد أن إرادة الله (وليس قول الله كما كان بالنسبة لمريم) كانت تقضي بطهارة بيت النبي، فالله كان يريد أن يذهب ذلك الأذى عن نساء النبي، عندها تكون قلوب النساء طاهرة، ويتبع ذلك طهارة فروجهن من الأذى فيصبح أمر الزواج ثانية غير وارد إطلاقاً.


نتيجة: إننا نظن أنه ما أن انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى (بالموت) حتى أصبحت نساءه غير مؤهلات للزواج بغيره وذلك لأن الطهارة (توقف الحيض والامتناع عن الجماع) أصبحت ملازمة لهن على الدوام. ولقد نعت الله نكاح نساء النبي من بعده بالأمر العظيم وذلك لأن الطهارة (طهارة فروجهن كانت من الله)، ولنتخيل لو حصل نكاح لمريم بنت عمران، ألا يكون ذلك أمرا عظيما، ولنتخيل لو حصل نكاح مع عيسى بن مريم، ألا يكون ذلك أمراً عظيماً. إن نكاح فرج من صدر بحقه (أو بحقها) طهارة ربانية يصبح أمراً عظيماً (وسنحاول التعرض لهذا الموضوع بتفصيل أكثر عندما نحاول التعرض لعيسى بن مريم وأمه في مقالات منفصلة بحول الله وتوفيقه)






عودة على بدء:



لقد أخذنا الحديث عن نساء إبراهيم إلى قضية حادثة الإفك وحاولنا تبيان كيف كان حديث الإفك خيرا للمسلمين وليس شراً لهم، وكان ذلك بعقد مقارنة بين نساء إبراهيم (اللواتي لم يصدر بحقهن نبأ إلهي بالطهارة) ونساء النبي محمد (اللواتي صدر بحقهن نبأ إلهي بالطهارة بعد حادثة الإفك)، وزعمنا الظن أن المسلمين كادوا يفعلون (ولقد فعلوا فعلاً) ما فعله بنو إسرائيل بحق نبيهم ونساءه عندما اتهموا هاجر بالزنا، ونعتوا ابنها إسماعيل بأنه الابن غير الشرعي لجدهم إبراهيم، وقد أصبح أمر الدفاع عن بيت إبراهيم يكتنفه شيء من الصعوبة لأن التبرئة لم تأتي بنبأ إلهي، لكن بالمقابل أصبح الدفاع عن بيت محمد سهلاً ميسراً ما دامت التبرئة قد جاءت من العليم الخبير نفسه، فمهما حاول نفر من المسلمين (أو من غيرهم) الطعن في عرض النبي فلن يرقى ذلك إلى إثارة الشك حول نساء النبي لأن الغالبية العظمى من المسلمين سيعودون على الفور إلى دليل التبرئة الذي صدر بحقهن جميعاً، وحتى لو حاول البعض ليّ عنق النص بما يسمى بأسباب النزول حتى ربط بعضهم ذلك بعائشة وربط آخرون السبب بمارية القبطية، فذاك لن يمنع أن تكون التبرئة قد صدرت بحق نساء النبي جميعاً، فالله قد قضى بالطهارة لأهل البيت (وقد حاولنا في مقالات سابقة تبيان كيف أن الزوجة هي جزء أساسي من أهل البيت (للتفصيل انظر مقالاتنا السابقة).






وهنا نجد لزاما العودة إلى قصة إبراهيم بطرح التساؤل التالي: لماذا اختار إبراهيم ذلك المكان المقفر ليكون محل سكن ذريته؟






لماذا اختار إبراهيم ذلك الموقع بالذات؟


الجواب: إننا نظن أن جزءاً من الإجابة ربما يكمن في الآية الكريمة التالية التي تتحدث عن توافر منسكاً خاصاً بكل أمة:


لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ الحج - الآية 67


لذا، كان انقسام أمة إبراهيم إلى أمتين كان يتطلب أن تختلف مناسكهم، خصوصاً اختلاف مناسك الحج مصداقاً لقوله تعالى:


وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ 34الحج 


وسنخوض فيما تبقى من المقالة في هذا الأمر بشيء من التفصيل، علنا نستطيع – بحول الله وتوفيقه- التوصل إلى سبب تغيير القبلة عند المسلمين بعد أن صلّوا باتجاه بيت المقدس قسطاً من الزمن:






أما بعد،


لا شك عندنا أن إبراهيم نفسه قد استقر مع جميع أهله في الأرض التي بارك الله فيها بعد أن أنجاه الله من كيد قومه، لقد نجّاه الله إلى تلك الأرض المباركة ليستقر فيها كما استقر فيها لوط أيضاً:


قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)


وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)


وها هو يقرر الآن بنفسه أن يسكن جزءاً من أهله في مكان جديد غير تلك الأرض التي استقر هو فيها بعد أن أنجاه الله من نار قومه، فيختار لهم تلك البقعة من الأرض:


رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)إبراهيم 


وهنا لا نتوقف عن طرح التساؤل التالي: لماذا اختار إبراهيم هذا الموقع بالذات ليسكن أهله فيه بالرغم من قساوة المكان (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)؟ ألم يكن يجد إبراهيم مكاناً أفضل ليسكن أهله فيه؟ لِمَ لَمْ يسكنهم في مكان كان الزرع والماء فيه وفيرين؟ ولماذا لم يسكنهم عند قوم من الناس بدل أن يطلب من ربه أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم في ذاك المكان الجديد؟ هل ضاقت الأرض بإبراهيم ليختار هذا المكان على وجه التحديد؟


الجواب: إننا نظن أن إبراهيم لم يكن يملك إلا أن يسكنهم هذا المكان بالضبط، ولكن لماذا؟


الجواب: إنها القدسية، قدسية المناسك.


نعم، لقد كانت قدسية المكان هي السبب الذي دفع بإبراهيم أن يختار هذا المكان دون غيره، فإبراهيم لم يكن يبحث عن طعام أو شراب، ولكنه كان يبحث عن مكان له قدسية خاصة تواز (ولا تقل) عن قدسية المكان الذي ترك فيه الجزء الآخر من ذريته.






بيت المقدس والبيت الحرام


لا شك عندنا أن إبراهيم قد سكن الأرض التي بارك الله فيها، وهي نفسها التي واعد الله موسى فيها، وهي نفسها التي وضعت مريم طفلها فيها، وهي نفسها التي سكنها كل أنبياء تلك الذرية الطيبة من آل إبراهيم من ذرية إسحق على وجه التحديد وهو - في ظننا- بيت المقدس . وهنا يجد إبراهيم أنه بحاجة أن يبحث للجزء الآخر من تلك الذرية عن مكان لا يقل أهمية في قدسيته عن المكان الذي كان من نصيب الجزء الآخر من ذريته.


افتراء من عند أنفسنا: إننا نظن أن إبراهيم قد قلب وجهه في السماء باحثاً عن ذلك المكان، فوقع اختياره على بيت الله المحرم لأن إبراهيم - لا شك عندنا- يعلم تمام العلم أن ذلك البيت هو أول بيت وضع للناس كما جاء في قوله تعالى:


إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) آل عمران


لقد اختار إبراهيم أول بيت وضع للناس ليكون هو موطن الجزء الآخر من ذريته. وهنا نجد لزاماً إثارة بعض التساؤلات حول مفردات هذه الآية الكريمة نذكر منها:


1. أول بيت


2. وضع للناس


3. بكة






التساؤلات


السؤال الأول: ما هو أول بيت وضع للناس؟


الجواب: بيت الله المحرم


السؤال الثاني: كيف حصل ذلك؟


الجواب: البيت وضع وضعاً ولم يبنى بناءاً أو ينشأ أنشاء


السؤال: أين وضع ذلك البيت؟


الجواب: ببكة؟


السؤال: ما هي بكة؟


الجواب: هي جزء من مكة


السؤال: لماذا بيت المقدس والبيت الحرام


الجواب: هي إعادة لقصة الخلق الأولى (قصة آدم وزوجه حواء)






النقاش


أولاً، لقد تحدثنا آنفاً عن معنى البيت، وذكرنا أن البيت هو المكان الذي يسكنه الشخص وتبقى ملكيته قائمة لصاحبه، فلا تنتقل ملكيته للآخرين، ولما كان ذلك البيت هو بيت الله الحرام، فإن ملكيته لله، ولم يشهد التاريخ يوماً أنّ شخصاً ما قد ادّعى ملكية ذلك البيت، فهو بيتاً وليس مسكناً، وقد وضع بيت الله الحرام للناس، فكان لك شخص على وجه هذه المعمورة نصيباً فيه، لكن لا يستطيع أحد أن يدعي ملكيته منذ أن وضع على الأرض


ثانياً، أن ذلك البيت قد وضع وضعاً ولم يبنى بناءاً، فالله لم يقل أن ذلك البيت قد بني أو أنشى ولكنه قال:


إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)آل عمران 


كيف كان البيت الحرام أول بيت وضع للناس؟


إن هذا السؤال يعيدنا مباشرة إلى قصة الخلق الأولى، وقد تحدثنا في مقالة سابقة أن الله بعد أن خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له أسكنه وزوجه الجنة، وزعمنا القول أن جنة آدم تلك لم تكن جنة الخلد التي سيؤول الناس إليها بعد البعث والحساب، كما زعمنا الظن بأن جنة آدم كانت على الأرض، فالله في البدء خلق آدم ليكون خليفته على الأرض بغض النظر عن المعصية التي ارتكبها آدم بعد أن أكل من الشجرة التي نهاه الله عن الأكل منها، والقارئ الكريم مدعو لمراجعة مقالتنا تحت عنوان أين كانت جنة آدم؟ وأين تمت مناداة الله نبيه موسى؟ للخوض في تفاصيل هذا الافتراء.


أما ما يهمنا هنا فهو إعادة تدبر الخطاب الإلهي لآدم وزوجه يوم أسكنهم تلك الجنة:


وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)البقرة 


وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)الأعراف 


إن أبسط ما يمكن أن نستنتجه من هذا الخطاب أن الله قد طلب من آدم وزوجه سكن الجنة كلها وليس فقط جزءاً منها وما منعه عن شيء فيها باستثناء الأكل من تلك الشجرة، وقد زعمنا في مقالة سابقة لنا أن تلك الشجرة كانت تلك الشجرة التي تخرج من طور سيناء:


وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ المؤمنون (20)


لما أكل آدم من تلك الشجرة التي تنبت بالصبغ والدهن تلونت أجسادهم فبدت لهما سوآتهما:


فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ الأعراف (22)


فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ طه (121)


(للتفصيل انظر مقالتنا أين كانت جنة آدم؟ وأين حصلت مناداة الله نبيه موسى؟)


وبعد أن عصى آدم ربه جاء الأمر الإلهي له ولكل من يسكن الجنة بالهبوط:


قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (24)الأعراف 


قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)طه 


السؤال: إلى أين أُمر آدم وزوجه بالهبوط؟


افتراء من عند أنفسنا: إننا نزعم الظن بأن الجنة التي سكنها آدم وزوجه قبل المعصية هي الأرض التي بارك الله فيها (بيت المقدس)، ولكن بعد المعصية أمر الله آدم بالهبوط منها إلى الواد غير ذي الزرع (مكة)، فكانت رحلة آدم قد بدأت من بيت المقدس وانتهت في مكان البيت الحرام، وكذلك كانت رحلة إبراهيم مع ولده إسماعيل، انتقال من بيت المقدس إلى البيت الحرام.


نتيجة: لقد عاد إبراهيم السير على خطى أبيه آدم، فهبط بأهله من بيت المقدس إلى البيت الحرام، ولكن أين الدليل على ذلك؟






الجواب: إننا نزعم القول بأن تدبر حياة آدم قبل المعصية وتدبرها بعد المعصية ربما يسعفنا في إثبات زعمنا هذا، ولنبدأ النقاش بالعودة إلى دراسة طبيعة حياة آدم في الجنة قبل وقوع المعصية.






حياة آدم في الجنة قبل المعصية


لو تدبرنا السياق القرآني التالي من سورة طه التي تصور لنا كيف كان يعيش آدم في جنته الأولى لوجدنا أن الرجل لم يكن يحتاج إلى مسكن أو مأوى، ولكن كيف؟


أولاً: لقد حذر الله آدم وزوجه من الوقوع في مكيدة الشيطان لأن النتيجة ستكون الشقاء:


فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117)


فحياة آدم في الجنة قبل المعصية لا شقاء فيها لأن آدم لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ ولا يضحى:


إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ (119)


وهذا يعني أن حياة آدم بعد الوقوع في المعصية قد أصبحت حياة ملئها الجوع والعري والعطش والضحى، فلا شك لدينا أن آدم قد انتهت به الرحلة إلى مكان غير ذي زرع، وبالتالي فالمكان لا ماء ولا زرع فيه (الجوع والظمأ).


ثانيا، لقد صدر الأمر الإلهي لآدم بالهبوط، لذا فقد انتهى به المطاف في ما يشبه الواد.


ثالثاً، لقد هبط آدم وزوجه إلى ذلك الواد وقد أصبهما العري، لذا فقد أصبحوا يتأثرون بعوامل الطقس بعد أن بدت لهما سوآتهما، فهو إذاً بحاجة إلى مكان يؤويه من تغيرات عوامل الطقس التي لا شك أصبحت تؤذيه وزوجه، وهنا بالذات يأتي ذكر البيت الحرام بأنه أول بيت وضع للناس:


إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)آل عمران 


نعم لقد كان ذلك البيت هو أول بيت وضع ليسكنه آدم وزوجه بعد أن أخرجهما الشيطان من الجنة، وقد كان الشقاء (متمثلاً بالجوع والظمأ والعري والضحى) مصاحباً لهم في محطتهم تلك.


ولو تدبرنا ذلك السياق القرآني لوجدنا أن ذلك البيت لم يبنى بناء وإنما وضع وضعاً، ولكن كيف؟


لا شك لدينا أن آدم وزوجه قد حط بهم الترحال إلى هذا المكان المقفر بعد أن كانا في جنة، وقد أصبحت أجسادهم تتأثر بعوامل المناخ فكانت بحاجة إلى مأوى، ولكن لما كان آدم لا يجيد صناعة بناء المساكن بعد، تدخلت القدرة الإلهية باللطف بآدم وزوجه فتم وضع البيت لهم ليسكنوه في ذاك الواد المقفر، ولو تدبرنا معنى مفردة الوضع لربما تحصل الفهم لدينا بأن الوضع هو للشيء المحمول، فيتم تنزيله من حالة الحمل إلى حالة السكون على الأرض مرة واحدة، فها هي امرأة عمران تحمل في بطنها مولودتها وعندما تضع ذلك الحمل مرة واحدة تقول:


فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ آل (36)


وهذه واحدة من مهمات النبي وهي أن يضع عن من يتبعه إصرهم والأغلال التي كانت عليهم:


الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)


وعند مشابهة عملية وضع البيت الأول للناس مع هذه الحالات، نجد أنه يمكننا الزعم بأن البيت الحرام قد جاء محمولاً وتم وضعه في ذلك المكان، فكان الملاذ الأول لآدم وزوجه بعد خروجهم من الجنة وهبوطهم إلى هذا الواد.










إبراهيم: يسير على خطى الرحلة الأولى


لقد تقصى إبراهيم أثر أبيه آدم، فأخذ جزءاً من ذريته وحط به الترحال إلى ذاك الواد الذي وضع البيت الأول لآدم وزوجه فيه، وها هو الآن يعود ليرفع القواعد لذاك البيت من جديد مع ولده إسماعيل:


وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) البقرة


فلقد كان إبراهيم أول من أعاد بناء ذاك البيت ليسكنه جزء من ذريته، ويكون وريث ذاك الإرث الديني العظيم، ولو تدبرنا هذه الآية الكريمة في سياقها الأوسع لربما استطعنا بكل يسر وسهوله ربط قصة إبراهيم وولده إسماعيل في ذاك المكان مع من سيكون الوريث الشرعي لذاك الإرث العظيم، إنه نبي هذه الأمة ورسولها محمد بن عبد الله:


وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)


فإبراهيم يدعو لهذه البلدة بالرزق (فهي واد غير ذي زرع)، ويقوم بإعادة بناء (أو ترميم ذلك البيت)، وأخيراً يدعو الله أن يبعث في هذه الأمة الجديدة رسولاً من أنفسهم، فيكون محمد بن عبدالله هو حقاً دعوة إبراهيم لهذه الأمة، والوريث الشرعي لهذا الإرث الديني العظيم.






  • رسالة محمد ورحلة الإسراء إلى بيت المقدس



تحدثنا في مقالة سابقة لنا عن رحلة المصطفى إلى بيت المقدس فيما أصبح يعرف في الفكر الديني الإسلامي برحلة الإسراء والمعراج، وأكدنا عندئذ إيماننا اليقيني بحصول حادثة الإسراء إلى بيت المقدس وإنكارنا لما يسمي بعروج المصطفى في تلك الليلة إلى السموات العلى، فنحن نلتزم بالإيمان بحصول الإسراء فقط مصداقاً لقوله تعالى في سورة الإسراء نفسها:


سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)الإسراء 


وزعمنا الظن بأن الآية تتحدث فقط عن رحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فقط، وقد طرحنا في تلك المقالة (أين حصلت مناداة الله نبيه موسى) جملة من التساؤلات لنثير الشك حول ما تناقله الفكر الإسلامي عن ما أصبحوا يسمونه بالمعراج. ولا ضير أن نعيد جزءاً منها في هذا المقام لننطلق من خلاله إلى قضية تغيير القبلة التي صلّى إليها المسلمون قسطاً من الزمن.


لقد تناقل الفكر الإسلامي بعض الأحاديث عن تلك الحادثة، ونحن إذ لا ننوي أن نقحم أنفسنا في إثبات صحة سند تلك الأحاديث (فذاك شأن أهل الأختصاص)، إلا أننا لن نتخلى عن طرح بعض التساؤلات حول متنها، فلربما يعلم العامة (وأهل العلم طبعاً) تفاصيل تلك الحادثة، لذا سنحاول الخوض في ما شاع بين العامة من أفكار حول تلك الحادثة لنسلط عليها الضوء من زوايا ربما تكون غير مسبوقة.






تساؤلات


أ‌. تؤكد الرواية أن النبي محمد قد صلى بالأنبياء في بيت المقدس قبل عروجه إلى السماء، ولكن لو تابعنا الرواية إلى منتصفها لوجدنا أن الصلاة أصلاً قد فرضت في المعراج، وهذا يدعونا إلى طرح التساؤل التالي: ماذا كانت نوعية الصلاة التي أمّ بها النبي محمد الأنبياء قبل معراجه إلى السماء؟ من يدري!!!


ب‌. تؤكد الرواية في بدايتها أن النبي محمد قد صلى بالأنبياء في بيت المقدس قبل عروجه إلى السماء، ولكن لو تابعنا الرواية جيداً لوجدنا أن النبي محمد كان يسأل جبريل عن من يقابل من أنبياء الله في كل سماء يصلها بقوله "من هذا يا جبريل؟" ليرد عليه جبريل بالقول "هذا أخوك موسى وهذا أخولك عيسى" وهكذا، وهذا ما يدعونا إلى طرح التساؤل التالي: ألم يصلى النبي بإخوانه من رسل الله قبل أن يعرج به إلى السماء؟ ألم ينظر خلفه ليتعرف عليهم هناك؟ كيف به إذاً يسأل عنهم هنا؟ أم تراه قد نسيهم؟! من يدري!!!


ت‌. تؤكد الرواية أن الصلاة قد فرضت في السماء العلى خمس مئة صلاة في البداية، وقد تم تخفيضها إلى خمسين، ثم إلى ... حتى انتهت إلى خمس بعد عدة رحلات بين موسى والسماء السابعة، وهذا يدعونا إلى طرح التساؤلات التالية: هل فعلا يرأف موسى بهذه الأمة أكثر من رأفة ربهم بهم؟ أم تراه أكثر علما بحالهم؟ ثم، لم – يا ترى- لم يعرج النبي مرة أخرى ليخفض الصلاة إلى صلاة واحدة في اليوم بدلاً من خمسة؟ ولو عاد مرة ثانية لربما خفضها لتكون صلاة واحدة في الأسبوع كالجمعة مثلاً؟ ولكن الحياء – حسب نص الرواية- هو الذي منع النبي عن العودة، أليس كذلك؟ هل نصلي - نحن المسلمين- خمس مرات في اليوم لا لشيء إلا لأن النبي قد أصابه الحياء أن يعود مرة أخرى؟ تخيل عزيزي المسلم أن الركن الثاني في الإسلام وهو الصلاة قد فرضت بهذا العدد فقط بسبب حياء النبي؟! ما شاء الله!!!


لكن السبب الأهم الذي يدعونا إلى إنكار حادثة المعراج هو الآية الكريمة التي تتحدث عن الإسراء إلى بيت المسجد الأقصى نفسها إن نحن تدبرناها جيداً. وسنقدم الآية مرة أخرى لنتدبر فيها جزئية بعينها تخص هدف الرحلة تلك:


سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)الإسراء


وهنا نتوقف لنطرح سؤالاً واحداً وهو: لماذا أسرى بالنبي محمد إلى المسجد الأقصى؟ أو ماذا كان الهدف من تلك الرحلة؟


الجواب: لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا


نعم، لقد تمت الرحلة إلى ذلك المكان لهدف واحد وهو حتى يري اللهُ نبيّه الكريم من آياته. ولكن كيف؟


السؤال: ألم يكن بالإمكان أن يرى محمدٌ آيات الله تلك وهو في مكة؟


الجواب: كلا، لأنه لو كان ذلك ممكنا لما كان هناك حاجة أن يذهب في تلك الرحلة، ولتم الأمر من هناك.


السؤال: هل كان العروج إلى السماء ضرورياً ليري اللهُ نبيَّه الكريم من آياته؟


الجواب: كلا، لأن الرؤية تمت من هناك (أي من مكان المسجد الأقصى)


السؤال: هل أسرّ ذلك النبي؟


الجواب: نعم ولا في نفس الوقت


ولكن كيف؟


لقد أسرّت الرحلة النبي محمد لأن الله قد أراه من آياته، فكان ذلك الجانب الذي أرضى محمد من ذهابه في تلك الرحلة، ولكن لو دققنا جيداً لربما استطعنا أن نستنبط أن الأمر أقلق النبي محمد، ولكن كيف؟


الجواب: نحن نعتقد أن النبي محمد قد أدرك حينها أن رؤية بعض آيات الله لا يمكن أن تتم إلا من هناك، أي من ذلك المكان (المسجد الأقصى)، فلو كان بالإمكان روية الآيات من المسجد الحرام لتمت رؤية الآيات من هناك، ولكن لما كان هذا الأمر متعذراً من مكان المسجد الحرام كان لزاماً الانتقال إلى المسجد الأقصى، فعاد مأموراً بأن يولّي وجهه قبل المسجد الأقصى في صلاته.


نتيجة: لقد أدرك النبي محمد أن رؤية بعض آيات الله لا يمكن أن تتم إلا من ذلك المكان (المسجد الأقصى) فسبب ذلك قلقاً له، فتوجه في صلاته شطر ذلك المسجد، فصلى بالمسلمين قسطاً من الزمن مولياً وجهه شطر المسجد الأقصى، لكن ذلك كان على الدوام المحرك الأساسي لأن يقلب وجهه في السماء، غير راض عن تلك القبلة باحثاً عن البديل الذي يرضيه حتى تحقق له ما أراد:


قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)


إن أبسط ما يمكن أن نخرج به من استنباطات من هذه الآية الكريمة هو أن النبي محمد لم يكن راض تمام الرضا عن القبلة التي هو عليها الآن، وهذا واضح من قول الحق "فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا"، وهنا يبرز السؤال الأهم: لماذا لم يكن محمد راض عن القبلة الأول وبقي يقلب وجهه في السماء حتى تحقق له ما أراد؟






هذا ما سنتناوله بحول الله وتوفيقه في الجزء القادم من هذه المقالة










وللحديث بقية


20 آذار 2012






المدّكرون: رشيد سليم الجراح & علي محمود سالم الشرمان


بقلم د. رشيد الجراح























[1] وذلك لأن من أبجديات عقيدتنا أن النفوس ستزوج في يوم القيامة قبل بدء الحساب:


وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)


للتفصيل حول هذه القضية انظر مقالتنا ماذا ستفعل النساء في الجنة؟


[2] وسنرى لاحقاً ما قصد يوسف عندما حدد قميصاً بعينه ليعود به إخوته ليلقوه على وجه أبيهم فيرتد بصيرا:


اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)يوسف 


وسنحاول الخوض في سؤال واحد وهو: لم حدد يوسف ذاك القميص بقوله "بِقَمِيصِي هَٰذَا"؟


[3] وقد أشرنا في أكثر من موقع سابق أن الفرق بين المتطهر والمطهر هو الفرق بين الدنيا والآخرة، فما هو موجود في الدنيا فهو متطهر بينما ما هو من أمر الآخرة فهو مطهّر:


وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)البقرة 


قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)آل عمران 


وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)النساء 


إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) الواقعة


فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) عبس


رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) البينة


[4] وربما لهذا جاء طلب الله من إبراهيم وإسماعيل تطهير البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود:


وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)البقرة 


وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ


الحج (26)


فلا يحق لمن قدم ذلك البيت ليكون طائفا وعاكفا وراكعاً ساجدا أن يجامع النساء هناك.














[5] وانظر الجمع بين من يئست من المحيض ومن لم تحيض أصلا في قوله تعالى:


وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)


وكذلك القواعد من النساء:


وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)


[6] ونحن نتساءل كيف يمكن أن ينفخ الروح فيها إن لم تكن هي طاهرة