ومن الجبال بيض جدد وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود 2


الخشية والخوف


هذه المقالة هي جزء من بحث الطالب سامي الخوالدة لنيل درجة الماجستير في اللغويات من قسم اللغة الإنجليزية في جامعة اليرموك تحت عنوان: تحديد مراد الألفاظ عن طريق ترابط النص الكلي

Determining the Intended Meaning of Words: An Intertextuality-Oriented Approach

بإشراف د. رشيد الجراح، للاطلاع على النص الكامل باللغة الإنجليزية أضغط على الرابط التالي:

http://faculty.yu.edu.jo/raljjara/_layouts/listform.aspx?PageType=4&ListId={5541BB5C-D8E3-4CE7-840B-7B0EF61856F8}&ID=3



)ملاحظة لا يجوز الاقتباس إلا بذكر المصدر)

توطئة



جاءت هذه الدراسة من أجل التفريق) وربما التمييز) بين كلمة "خشية" وكلمة "خوف" حيثما وردتا في القرآن الكريم، وقد كانت هذه الدراسة مدفوعة من حيث المبدأ لنقض افتراء كل من سبقنا من المفسرين وأهل اللغة معتبرا المفردتين مترادفتين يحملان نفس المعنى( وربما نفس الدلالة). لذلك تحاول هذه الدراسة أن تقف عند كل مفردة للوصول إلى معنى أكثر دقة وتميزاً، وذلك باستعراض السياقات القرآنية التي وردت المفردتين فيهم. ومن أجل القيام بذلك فإن الباحث يعتزم الالتزام بالمنهجية التي مفادها أن النص القرآني هو المصدر الأساسي والوحيد لتفسير وتوضيح معاني مفرداته (للتفصيل انظر مقالات د. رشيد الجراح تحت عنوان: جدلية المجاز والحقيقة في القرآن و مصادر التشريع)، داعين الله أن يرينا الحق فلا نفتري عليه الكذب، وأن يؤتينا الحكمة التي نبين فيها ما كان الناس فيه يختلفون، إنه هو السميع العليم.

أما بعد،

ملخص البحث

بعد إجراء الدراسة لتحليل النصوص المتعلقة بالمفردتين توصل الباحث إلى نتائج يعتقد أنها تضيف إلى ساحة التفسير شيئا جديداً، وربما تسعف في كشف بعض الجوانب التي لم تذكر من قبل أهل الدراية في بطون أمهات كتب التفسير وفي المعاجم العربية. وجاءت النتائج على النحو الآتي:

• الخشية عملية داخلية تنتج من داخل الإنسان وسببها عامل داخلي، بينما الخوف يأتي بسبب تأثير عامل خارجي.

• لا يصاحب الخشية تغيرات فيزيائية مثل ما يصاحب الخوف من تغير بنبضات القلب وتغيرات تظهر على وجه الخائف

• أمر الله الناس بالخوف منه، فهذا بمثابة الواجب على الناس فعله، بينما لم يأمر الله الناسَ بالخشية منه. وكانت النتيجة – في ظننا- أن من لا يخاف الله ربما يقع عليه العقاب والحساب نتيجة صنيعه ذاك، ولكن لا يُعاقب – في ظننا - من لا يخشى الله.





تفسيرات سابقة

قبل البدء في عرض نتائج البحث مع الدليل، نظن أنه ربما يكون من المفيد استعراض بعض ما جاء في المعاجم اللغوية وبعض أمهات كتب التفسير عن مفردتي "خشية" و "خوف".

معنى كلمة "خوف في لسان العرب.

الخَوْفُ: الفَزَعُ، خافَه يخافُه خَوْفاً وخِيفةً ومَخافةً. قال الليث: خافَ يخافُ خَوْفاً، وإنما صارت الواو أَلفاً في يَخافُ لأَنه على بناء عمِلَ يَعْمَلُ، فاستثقلوا الواو فأَلقَوْها، وفيها ثلاثة أَشياء: الحَرْفُ والصَّرْفُ والصوتُ، وربما أَلقوا الحَرْفَ بصرفها وأَبقوا منها الصوت، وقالوا يَخافُ، وكان حدّه يَخْوَفُ بالواو منصوبة، فأَلقوا الواو واعتمد الصوت على صرف الواو، وقالوا خافَ، وكان حدّه خوِف بالواو مكسورة، فأَلقوا الواو بصرفها وأَبقوا الصوت، واعتمد الصوت على فتحة الخاء فصار معها أَلفاً ليِّنة، ومنه التَّخْويفُ والإخافةُ والتَّخَوّف، والنعت خائفٌ وهو الفَزِعُ؛ وقوله: أَتَهْجُرُ بَيْتاً بالحِجازِ تَلَفَّعَتْ به الخَوْفُ والأَعْداءُ أَمْ أَنتَ زائِرُهْ؟ إنما أَراد بالخوف المخافةَ فأَنَّث لذلك. وقوم خُوَّفٌ على الأَصل، وخُيَّفٌ على اللفظ، وخِيَّفٌ وخَوْفٌ؛ الأَخيرة اسم للجمع، كلُّهُم خائفونَ، والأَمر منه خَفْ، بفتح الخاء. الكسائي: ما كان من ذوات الثلاثة من بنات الواو فإنه يجمع على فُعَّلٍ وفيه ثلاثة أَوجه، يقال: خائف وخُيَّفٌ وخِيَّفٌ وخَوْفٌ.وتَخَوَّفْتُ عليه الشيء أَي خِفْتُ.

معنى كلمة الخوف في الصحاح في اللغة.

ومَخافَةً، فهو خائِفٌ، وقومٌ خَوَّفٌ على الأصل وخُيَّفٌ على اللفظ.والأمر منه خَفْ بفتح الخاء.والخيفَةُ: الخوفُ، والجمع خيفٌ، وأصله الواو.وخاوَفَهُ فخافَه يَخوفُهُ: غلبه بالخوف أي كان أشدَّ خوفاً منه.والإخافةُ: التَخْويفُ. يقال: وجعٌ مخيفٌ، أي يُخيفُ من رآه.وطريقٌ مَخوفٌ؛ لأنه لا يُخيفُ وإنما يُخيفُ فيه قاطعُ الطريق.وتَخَوَّفْتُ عليه الشيءَ، أي خِفْتُ.وتَخَوَّفْهُ، أي تَنَقَّصَهُ. ومنه قوله تعالى: "أَوْ يَأْخُذُهُمْ على تَخَوُّفٍ" والخافَةُ: خريطةٌ من أَجَمٍ يُشْتارُ فيها العسلُ.

دقق عزيزي القارئ في معاني كلمة الخوف في كلا المعجمين السابقين , فلم يكن هنالك توضيح دقيق لمعنى كلمة الخوف, ولكي نتحقق أكثر فاني سأعرض ما قالته المعاجم عن معنى كلمة "خشية".

معنى كلمة "خشية" في لسان العرب.

الخَشْيَة: الخَوْف. خَشِيَ الرجل يخْشى خَشْية أَي خاف. قال ابن بري: ويقال في الخَشْية الخَشَاةُ؛ قال الشاعر: كأَغْلَبَ من أُسُودِ كِرَاءَ وَرْدٍ، يَرُدُّ خَشايَةَ الرَّجُل الظَّلوم كِراءُ: ثَنِيَّة بِيشَةَ. ابن سيده: خَشِيَه يَخْشاه خَشْياً وخَشْيَة وخَشاةً ومَخْشاةً ومَخْشِيةً وخِشياناً وتَخَشَّاه كلاهما خافَهُ، وهو خاشٍ وخَشٍ وخَشْيانُ، والأُنثى خَشْيا، وجمعهما معاً خَشايا، أَجروه مُجْرى الأَدْواء كحَباطَى وحَباجَى ونحوهما لأَن الخَشْية كالدَّاء.ويقال: هذا المكان أَخْشى من ذلك أَي أَشدُّ خوفاً؛ قال العجاج: قَطَعْت أَخْشاهُ إِذا ما أَحْبَجا وفي حديث خالد: أَنه لما أَخَذ الراية يومَ مُوته دَافَع الناسَ وخاشى بهم أَي أَبْقى عليهم وحَذِر فانْحازَ؛ خاشى: فاعَلَ من الخَشْية. خاشَيْت فلاناً: تارَكْته.

نتيجة: لم نجد أي توضيح وتمييز يفرق بين الكلمتين، لقد فسر لسان العرب كلمة خشية بالخوف. وهنا نستطيع القول بأن المعاجم العربية قد اعتبرت الكلمتين "خشية و خوف" مترادفتين يحملن نفس المعنى، مادام أنه لا يوجد في بطون هذه الكتب أي تفريق وتمييز بينهما.

معنى الخوف والخشية عند بعض المفسرين:

وردت مفردة الخشية في الآية الكريمة التالية:

وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً (الإسراء،31)

وقد جاء في تفسير القرطبي مثلاً لهذه الآية ما يلي:

{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} فموضع تقتلوا نصب عطفا على ألا تعبدوا . ويعني بقوله : { خشية إملاق } خوف إقتار وفقر . وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى وذكرنا الرواية فيه . إنما قال جل ثناؤه ذلك للعرب , لأنهم كانوا يقتلون الإناث من أولادهم خوف العيلة على أنفسهم بالإنفاق عليهن .

وهذا ما وجدناه عند جميع المفسرين الذين وصلنا إلى مؤلفاتهم.

نتيجة: لمّا لم نجد في المعاجم اللغوية وفي أمهات كتب التفسير تمييزاً بين المفردتين يرضي شغف الباحث عن الحقيقة كان ذلك بحد ذاته سبباً كافياً أن يدفعنا للبحث عن الفرق بينهما كما يمكن لنا أن نستنبطه من السياقات القرآنية حيث ترد المفردتان، محاولين الوصول إلى المعنى الدقيق لكل كلمة (إن أذن الله لنا بشي من علمه)، سألين الله أن يهدينا سواء السبيل وأن يهدينا إلى الحق الذي نقوله فلا نفتري عليه الكذب، إنه هو السميع المجيب.

دحض الفكر السائد

لو دققنا النظر في مثل هذا التفسير مثلاً لوجدنا أن مفردة "خشية" في قوله خَشْيَةَ إِمْلاقٍ" تؤخذ على معنى "خوف افتقار". وهنا نثير التساؤل التالي: إذا كانت كلمة خوف تحمل نفس معنى كلمة خشية، فكيف سنفسر المفردتين حيث وردتا متصاحبتان في الآية الكريمة التالية:

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ الرعد21) )

رأينا: نحن نظن أنه من الاستحالة بمكان أن تفسر المفردتان في الآية الكريمة بنفس المعنى، وإلاّ لأصبح ذلك من باب حشو الكلام الزائد الذي لا ضرورة له، وهذا – في عقيدتنا- أبعد ما يكون عن النص القرآني الذي يتسم بدقة الألفاظ المقصودة لذاتها. لذا لا يمكن أن يكون معنى " يخشون" في الآية السابقة "يخافون أو العكس.

السؤال المطروح: كيف تختلف الخشية عن الخوف في الآية الكريمة السابقة؟

جواب: لو دققنا في اللفظ جيداً في الآية الكريمة السابقة نفسها لوجدنا أن كل منهما جاءت في سياقها الخاص بها، ففي حين أن الله يصف تلك الفئة من الناس بأنهم يخشون ربهم (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) إلا أنهم يخافون سوء الحساب (وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ. فلماذا؟

إليك عزيزي القارئ، بعض الاستنباطات التي افتريناها من عند أنفسنا حسب فهمنا للسياقات القرآنية التي ترد فيه كل واحدة من هذه المفردات

• الخشية مصدرها من داخل الإنسان (عامل داخلي)

سؤال: من أين تأتي الخشية؟ ما هو مصدرها؟ أو ما الذي يسببها؟

رأينا: نحن نظن أن الخشية تنبع من داخل الإنسان، لذا فهي شعور ينبع من الإنسان ذاته، لذلك لا تستطيع أي قوة خارجية أن تؤثر فيه مادام أن الإنسان يتحكم بها من داخله. وهنا سنعرض الأدلة التي نظن أنها تدعم مثل زعمنا هذا، قال تعالى:

قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً" (الإسراء، 100)

في هذه الآية الكريمة، يخبرنا الله أن الإنسان هو نفسه الذي يخشى الإنفاق، وهذا فعل – نظن أنه- نابع من الإنسان نفسه، فالله تعالى لم يجبره على الخشية، وتصف الآية الكريمة التالية الخشية على أنها سلوك يختلف من شخص إلى آخر:

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى النازعات،26))

فالآية الكريمة تبين لنا أن هناك من الناس يخشون وهناك من الناس لا يخشون. وهذا المعنى واضح في الآيات الكريمة الكثيرة التي تبين أن فعل الخشية نابع من داخل الإنسان وليس بتأثير عامل خارجي:

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ. الرعد 21))

الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُون. الأنبياء 49))

الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبا. الأحزاب 39))

• الخوف مصدرة من خارج الإنسان (عامل خارجي)

ولكن لو راقبنا- بالمقابل- السياقات القرآنية التي تتحدث عن فعل الخوف لوجدنا أن الخوف فعل يحدث بتأثير مصدر خارجي، وقد يكون هذا – برأينا- فرق أساسي بين كلمة خشية وكلمة خوف. ففي حين أن الخشية مصدرها داخلي فان الخوف مصدره خارجي. دعنا نناقش ذلك مع الدليل.

لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ. الزمر16) )

تشير هذه الآية الكريمة - ربما بما لا مجال للشك- أن الله هو الذي يخوف عبادة، فالله هو من يقوم بإيقاع هذا الفعل في نفس الإنسان، ولما بحثنا في السياقات القرآنية لم نجد حتى الساعة آية واحدة تشير لنا أن الله هو من يجعل الناس تخشاه مثلا. ولا يتوقف الأمر على الإله وحده، فهناك دليل واضح في كتاب الله أن الشيطان بالمقابل يخوف أولياءه:

إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ آل عمران،175) )

وهناك الكثيرون الذين هم من دون الله يقومون بالفعل ذاته:

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . الزمر36) )

ولتأكيد الفكرة أكثر نطلب من القارئ الكريم أن يدقق في حرف الجر على الذي يأتي لاحقاً لمفردة الخوف في سياقات كثيرة:

أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. يونس62) )

قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. البقرة38) )

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. البقرة62) )

فعند إمعان التفكير في الآيات السابقة نجن أن الخوف مقترن مع حرف الجر "على" الذي يدل – برأينا- على أنه واقع عليهم، وربما يكون في هذا دليل على أن الأمر يأتي من الخارج ليقع على الإنسان. دعنا ندقق في الآيات التالية:

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (الرعد 21)

تشير الآية الكريمة أن الخوف ناتج من سوء الحساب الذي يحذر الإنسان أن يصيبه في الحياة الآخرة. ولكن نجد في الآية نفسها أن الخشية غير ناتجة من سبب بعينه، بل هي نابعة من الإنسان نفسه.

نتيجة مفتراة من عند أنفسنا: الخوف ناتج عن عامل خارجي قد يصيب الإنسان.

السؤال: ما هي العوامل التي يمكن أن تسبب الخوف عند الإنسان؟

جواب: تشير الآية الكريمة التالية أن الإنسان يخاف عذاب ربه:

أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً (الإسراء 57)

أو كما في الآية التالية حيث يأتي الخوف من الظلم:

وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْماً وَلَا هَضْماً (طه 112)

وفي الآية التالية نجد أن البرق هو الوسيلة التي تسبب الخوف للناس:

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (الرعد 12)

أو كما في الآية الكريمة التالية يحث يخاف موسى علية السلام من العصا التي رءاها تهتز كأنها جان:

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ النمل 10

وتشير الآية الكريمة التالية أن خوف موسى جاء من فرعون وملئه:

وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ الشعراء 13

قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ القصص 33

فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ يونس 83

فخلاصة القول أن الخوف – في ظننا- لا يكون شعور نابع من الإنسان نفسه بدون مؤثر خارجي كما هو الحال بالنسبة للخشية، بل كان على الدوام ناتج عن أسباب وعوامل خارجية.



• نحن نظن أن الخوف هو شعور حقيقي بالرعب الأمر الذي قد يحدث تغيرات فيزيائية في الإنسان مثل ازدياد دقات القلب وغيرها. والآية التالية ربما تشير إلى مثل هذا الظن:

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ. (HYPERLINK "javascript:showAya(13,12)"الرعدHYPERLINK "javascript:showAya(13,12)" HYPERLINK "javascript:showAya(13,12)"12)

ربما يبين لنا في هذه الآية الكريمة أن في رؤية البرق خوف وطمع، أليس كذلك؟ فما الذي يحصل إذن في حالة رؤية الإنسان للبرق؟ وما هي ردة فعله الطبيعية على رؤية البرق؟

جواب: ربما لسنا بحاجة إلى الأدلة النظرية لأن الدليل تجريبي مر فيه كل إنسان منا، فلو سألنا القارئ العزيز ما هو شعورك عندما ترى البرق حيث تقترن رؤيته على الدوام بصوت الرعد المخيف؟ نحن نظن أن هذا الخوف يصاحبه حدوث تغيرات فيزيائية عند الإنسان. ولتأكيد هذا الجانب من المعنى دعنا نناقش الآية التالية:

الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ. قريش 4

لو دققنا في الآية السابقة لوجدنا أن هناك ارتباط بين الإطعام والجوع من جهة وبين الأمن والخوف من جهة أخرى. فالله أطعمهم عندما كانوا جائعين، لأن الجوع يعني الشعور بالحاجة إلى الطعام. فلا يمكن أن يشعر الإنسان بالشبع والجوع في آن واحد، فحصول أحدهم يعني غياب الآخر، فالجوع لا يزول إلا بالإطعام. ولو انتقلنا إلى الطرف الثاني من الآية لوجدنا أن الله قد آمنهم من خوف، لأن الخوف لا يزول إلا بالأمن. لمّا كان الخوف هو نقيض الأمن حيث يشعر الإنسان بالاطمئنان والهدوء، فإنه في حالة الخوف يكون الأمر عكس ذلك فيشعر الإنسان بالاضطراب وعدم الاستقرار وربما بشيء من الرعب خاصة إذا كان المسبب الخارجي له قوياً بعض الشيء. ولندقق النظر في الآية التالية من هذا المنظور:

لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ. الزمر 16

لو حاولنا أن نتصور المشهد الذي تعرضه الآية السابقة لربما توصلنا إلى الشعور الحقيقي الذي يصاحب كلمة الخوف. فالسؤال هنا هو: ما شعورك عندما يكون من فوقك ومن تحتك ظلل من النار؟

بالتأكيد سيكون الإنسان في حالة خوف شديد عندما تكون النار من فوقه ومن تحته. فخلاصة القول أن الخوف يعبر عن شعور حقيقي بالرعب الذي تظهر ملامحه على الإنسان فيزيائيا.





• لا يصاحب الخشية شعور يحدث تغيرات فيزيائية في الإنسان مثل الخوف.

نريد أن نؤكد ظن بأن ذلك التغير الفيزيائي لا يصاحب الشعور بالخشية كما نفهمه من الآيات التالية:

إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ الملك 12

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ فاطر 28

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ الرعد 21

فالذين يخشون ربهم بالغيب لا تظهر على ملامحهم ردة فعل يستطيع الناس من حولهم أن يلمحوها، فلا أظن أن خشية الله من عباده العلماء تسبب لهؤلاء النفر من الناس ردة فعل تظهر على ملامحهم، والسبب في ذلك برأينا يعود إلى أن الشعور بالخشية هو شعور دائم على عكس الخوف الذي تظهر بسببه ردة الفعل اللحظية، فلو أنت نظرت إلى شخص خائف ربما تستطيع بكل بساطة أن تفهم ذلك من ملامحه دون الحاجة أن ينقل هو لك خبر خوفه، ولكني لا أظن أنك تستطيع أن تنبئ بمن هو خاش ربه بمجرد النظر إليه.فهل يستطيع أحد أن يتنبأ بما كان يدور في خلد محمد قبل أن ينزل الله عليه الآية الكريمة التالية

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)

من يدري!!!

وهنا قد يتساءل البعض على الفور بطرح التساؤل التالي: ألا تشير الآية الكريمة السابقة أن خشية سيدنا محمد ناتجة عن عامل خارجي؟ فكيف تقول إذن أن الخشية ناتجة عن عامل داخلي؟

رأينا: نعم نحن لا زلنا نعتقد أن الخشية مصدرها داخلي، ولو تدبرنا الآية الكريمة جيدا لربما استطعنا أن نفهم هنا أيضا أن خشية سيدنا محمد كانت ناتجة من دافع داخلي، ففي هذه الآية الكريمة - في ظننا- "عتاب" من الله لرسوله الكريم من خشيته للناس. لذا نحن نفهم أن الناس لم يفرضوا على سيدنا محمد الخشية، فلم يكونوا هم العامل أو السبب في الخشية التي كانت في صدر محمد منهم، بل كان مصدرها من سيدنا محمد نفسه، فهو الذي خشي الناس من ذاته، وذلك بسبب حاجة في نفسه رغم أنه كان من المفترض أن لا يقع في نفسه شيء من خشية الناس، وربما لذلك نرى العتاب الرباني المباشر له على القيام بذلك صريحاً في الآية الكريمة نفسها وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ .

وللتوضيح أكثر نقول: في الآيات التي بيّنت أن الخوف يكون من عامل خارجي نجد أن الذي يقوم بالخوف يكون بفعل فاعل يجعله يخاف:

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . (الزمر,36)

إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمران،175)

لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ. (الزمر،16)

ففي الآية الأولى نجد أن الناس هم من يخوفون سيدنا محمد حيث يكون النبي في موقع من يقع عليه الفعل (أو مفعول به كما يحب النحويين أن يصفونه) وليس الفاعل الذي يصدر منه الفعل (أو الفاعل بمفردات النحويين أنفسهم). وإذا ما قارنا هذا بالآية التي تتحدث عن الخشية نجد أن النبي هو الفاعل الذي يصدر عنه فعل الخشية:

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ

(انظر الحركة الإعرابية لمفردة الناس)

وكذلك الأمر بالنسبة للآية الثانية التي يكون فيها الخوف واقع على أولياء الله من الشيطان، وكذلك هو الأمر في الآية الثالثة حيث يكون الخوف واقع على العباد من الله.

خلاصة: نستطيع أن نخلص إلى القول بأنه عندما يكون الشخص الذي يقوم بالفعل في موقع المفعول به يكون ذلك دليلا على أن الأمر قد فرض علية من الخارج ولم يكن مصدرة من الداخل.

وعندما يأتي الخوف من عامل خارجي يقترن بأمر يوجب على الإنسان وقوع الخوف عنده، فيكون هذا الأمر ، ولتوضيح الفكرة دعنا نستعرض الآية التالية:

أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً الإسراء 57

فلو دققنا في الآية السابقة لوجدنا أن الذي دفع الناس للخوف هو العذاب، فالعذاب هنا هو بمثابة الفاعل الذي دفع الناس للخوف، عكس ما جاء في آية الخشية حيث لم يكن الناس هم الدافع الحقيقي لخشية محمد، ولكن كيف؟

نستطيع أن نقول هنا أن العذاب أمر مرعب لا يستطيع أحد أن لا يخافه، أما الناس الذين سببوا الخشية عند النبي لا يستطيعون إجبار محمد على الخشية، مما يدعونا إلى افتراء الظن بأنه في حين أن الخشية هي عملي غير إجباري (voluntary باللسان الأعجمي) فإن الخوف هو عمل غير تطوعي (involuntary) . وهذا واضح – برأينا- من الآية التي تتحدث عن خشية النبي من الناس:

وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ

لذا يستطيع محمد أن لا يخشى أولئك الناس، فخشيتهم ليس أمراً مفروضاً على النبي. وهذا الفرق في المعنى بين الخشية والخوف ظاهر – برأينا- في الآية الكريمة التالية:

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ الرعد 21

وهنا نجد المنطق السابق نفسه حيث أن الخوف كان من سوء الحساب الذي – لا شك- يخافه كل الناس.

افتراء من عند أنفسنا: لما كان الخوف مصدره عامل خارجي بيّن الله مسببات ذلك فذكر أن الإنسان يخاف ربه ويخاف سوء الحساب و العذاب والظلل من النار، الخ. ولكن لما لم يكن هناك عامل خارجي يدفع الإنسان إلى الخشية جاء العتاب الرباني لمحمد على خشيته للناس، لذا نحن نفتري الظن أنه لو كانت الخشية مصدرها عامل خارجي وقع على سيدنا محمد لربما ما عاتبة الله على القيام بذلك. فالإنسان – نحن نظن- محاسب على ما يصدر عنه من أفعال وليس على ما يقع عليه منها.





أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)

فهنا نجد أن الله يعاتب تلك الفئة التي تخشى الناس حيث لا يوجد ضرورة ولا دافع يجبرهم على القيام بذلك. لنصل إلى الاستنباطات المفتراة من عند أنفسنا التالية:

1. الخوف مصدره خارجي بينما الخشية مصدرها داخلي

2. الخوف عمل غير تطوعي فالإنسان لا يستطيع إلا أن يخاف من ما يقع عليه من الخارج

3. الخشية عمل تطوعي لا يجبر الإنسانَ شيءٌ على وقوعها في نفسه

4. الخوف شعور ظاهر تظهر ملامحه على الخائف

5. الخشية شعور خفي لا تظهر ملامحه على من وقع في نفسه

6. لا يقع العقاب على من لا يخاف

7. لا شك يقع العتاب (وربما العقاب) يقع على من لا يخشى أو من يخشى أحد غير الله[1]

8. الخ



لماذا تهبط الحجارة من خشية الله، ولما لا تخاف الله؟

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)

للإجابة على هذا السؤال فنحن مضطرين أن نتابع بحثنا عن المعنى الدقيق لكلمة خشية وكلمة خوف حيث سيسعفنا الفهم الصحيح في الإجابة على جميع التساؤلات المطروحة. قد حاولنا أن نبين فيما سبق أن الخشية تختلف عن الخوف حيث لا يحصل تغير فيزيائي ملحوظ على الجسد كازدياد دقات القلب وتغير في ملامح الوجه ونحوهما. فالخشية- برأينا- شعور لا يظهر على صاحبة مثل الخوف. ولكن لماذا؟ ما هي الخشية إذن؟

قبل محاولتنا الإجابة على هذا السؤال سنقوم بعرض الآيات التي تتحدث عن الخشية محاولين الوصول إلى معناها الدقيق (إن أذن الله لنا بشيء من علمه):

وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً الإسراء 31

قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً" الإسراء 100

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ. الرعد 21

لو دققنا مليّا في الآية الأولى التي تتحدث عن قتل الناس لأولادهم لوجدنا أن الله ينهى الناس عن قتل الأولاد لمجرد خشيتهم الإملاق، وهنا نسرع لنسأل: هل الفقر واقع على الناس في تلك اللحظة أم أن الناس يتوقعون حدوثه إن بقي الأولاد على قيد الحياة؟

رأينا: نحن نظن أن الأمر واضح، فالفقر ليس واقع بهم اللحظة ولكنهم يخشون من وقوعه في المستقبل. لذا نحن نتجرأ على الافتراء بأن الخشية( كما نفهمها من الآية السابقة) هي الاحتراس والحذر من تنبؤ وقوع أمر سيء في المستقبل. فالأمر الذي يخشون منه ليس واقع بهم الساعة (كما لا نستطيع أن نجزم بوقوعه في المستقبل لأن ذلك من باب الغيب) ولكنهم يتحيّطون ويحترسون من وقوعه بقتل أولادهم[2]

ولو دققنا النظر في الآية التالية لوجدنا أنها ربما تؤيد ما نزعم من القول:

قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً" الإسراء 100

فهنا نجد أن الناس يحذرون أن يفتقروا، فيحاولون التحيط لذلك بالإمساك. وهذا سلوك سيء نهانا الله عنة

الفرق بين الخشية والخوف من هذا الجانب

لما كان الخوف مرتبط بشيء حذر الله منة مثل سوء الحساب والنار أو بشيء يكون فيه خطر وسوء يصيب الإنسان إذا ما تجنبه. فإن الله – برأينا- لا يحاسبنا عليه لأنه واقع بنا، ولا خيار لنا فيه. فأنت لا تستطيع إلا أن تخاف الله، وتخاف العذاب، وتخاف البرق، وكل الظواهر الكونية التي يمكن أن تقع على الإنسان فتسبب له ما لا يحمد عقباه.

أما الخشية – بالمقابل- ففيها شيء من التخيير، فهي قد تكون مدفوعة بأمر حذرنا الله منه عندها تكون مذمومة لا يحبها الله، وسيحاسبنا عليها،كخشية الناس من الإملاق وخشيتهم من الإنفاق وخشية النبي من الناس من حوله، الخ. وأما إن كانت الخشية مدفوعة بأمر يحبه فتكون عندئذ سلوك محمود كما نجد من خشية العلماء من الله.

وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ فاطر 28



اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ الزمر 23



إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى النازعات 26



إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ الملك 12



الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً الأحزاب 39



فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى طه 44



وبما أن في الخشية الحذر والاحتراس فأنها تقتضي من الإنسان عدم القيام بشيء إلا بعد التفكر فيه على عكس الخوف الذي يكون حدثاً لحظياً كخوف الناس من البرق مثلاً. لذا عندما يخشى العلماء الله فهذا يعني أنهم يحذرون الله فلا يجرؤوا القيام بفعل ما بسرعة بل تجدهم أهل صبر وتأني، لا يصلون إلى تلك الحالة (الخشية) إلا بعد تمحيص وتدقيق.

افتراءات من عند أنفسنا:

1. الخشية فعل احتياطي لما سيترتب عليه في المستقبل كخشية الناس من الإملاق

2. الخشية فيها اختيار[3]

3. الخشية لا تأتي إلا بعد تدبر[4]



سنعود بهذه الافتراءات جميعها إلى السؤال السابق: لماذا تهبط الحجارة من خشية الله، ولما لا تخاف الله؟

نقول أولا أن الخوف لا يمكن أن يصدر من كينونات كالحجارة والجبال وغيرها ربما لأن عند حصول الخوف يصاحبه (كما افترينا سابقة) تغيرات فيزيائية وشعور حقيقي بالرعب وهو ما لا يمكن أن يصدر عن هذه الكينونات، لأن هذه التغيرات تستلزم توافر بعض الشروط نذكر منها:

1- الإدراك: فلا يمكن أن يشعر إنسان بالخوف إلا إن كان يدرك خطر الأمر الذي يخاف منه، فالذي لا يدرك مثلاً أن النار تحرق فهو يخاف من النار، أما من أدرك خطورتها فانه يخافها ويتجنبها، لذا نجد أن الطفل مثلاً لا يخاف من الأشياء المؤذية إلا بعد أن يدرك خطرها، فنجد أن الطفل لا يتردد أن يمسك الأفعى بيده إن وجدها قريبة منه.

2- الإحساس بالخطر: إن الإحساس بالأذى والألم من الأمور التي تجعل الإنسان يخاف. فالإنسان يحس بالبرد والحرارة وبالتالي هذا الإحساس يجعله يتجنب الحرارة الشديدة والبرودة القارصة.

3- الحركة الذاتية: نحن نظن أن ردة الفعل على الخوف تكون بالحركة اللاإرادية التي تصدر عن الخائف كخوف الإنسان من البرق ونحوه

ولما كانت هذه الشروط غير متوافرة عند الحجارة نظن أنها لا تخاف



بقلم سامي الخوالدة

إشراف: د. رشيد الجراح

مراجعة وتدقيق: د. رشيد الجراح






[1] جاء قول الحق عند الحديث عن فرعون على النحو التالي:

فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44)

فكما أسلفنا، لما كانت الخشية هي الاحتراس والحذر، فهي تعني أن يقف الإنسان عند كل تصرف فيتفكر به بما سيترتب عليه من عواقب لأنه سيكون محاسباً عليها. فالله يطلب من موسى بأن يقول لفرعون قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى لأن فرعون سيكون بعدها محاسباً عن ما سيصدر منه.




[2] ما معنى أن تخشى العنت؟

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ۚ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ ۚ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)

نح نظن أن الخشية من العنت هي الاحتراز والاحتياط من أن يقع الإنسان في أمر منهي عنه كالزنا مثلاً، لذا فهو مدعو إلى الزواج من أجل أن يعف نفسه خشية الوقوع بالزنا. إن ما يهمنا أن نؤكده هنا هو أن الأمر مبني على التوقع، فالذين يخشون العنت لم يقعوا بالزنا (وليس بالضرورة أن يقعوا به في المستقبل لأن الأمر مبني على توقع حدوث أمر سيء أو منهي عنه). وربما يصدق ظننا هذا ما جاء في قوله تعالى:

قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)

فنحن نظن أن فعل هارون جاء من باب الاحتياط والحذر من أن يوقع الفرقة بين بني إسرائيل


[3] وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)

للتفصيل حول هذه القضية انظر مقالة د. رشيد الجراح تحت عنوان "هل هي معجزات أم آيات بينات" وسلسلة مقالاته تحت عنوان "قصة موسى"


[4] وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ (77)

فالله تعالى يوحي إلى موسى أن يسري بمن كان معه من المسلمين ولا يخاف دركا، أي لا يخاف من فرعون ومن معه، وهنا يأتي ذكر الخوف هو الشعور بالرعب من سوء العذاب الذي توعد به فرعون لهم, والخشية حتى لا يتردد موسى كأن يفكر بعواقب الأمور، فجل ما هو مطلوب من موسى هو أن يفعل ما أمره الله به على وجه السرعة والعجلة. فليس مطلوب من موسى أن يأخذه التفكر بعواقب الأمور في تلك اللحظة، ففرعون وجنوده على مرأى من موسى ومن خرج معه.